التفاعلية الرمزية من منظور الجريمة

تبدأ نظرية التفاعل الرمزي بمستوى الوحدات الصغرى (MICRO)، منطلقةً منها لفهم الوحدات الكبرى، بمعنى أنها تبدأُ بالأفراد وسلوكهم كمدخل لفهم النسق الاجتماعي. 
التفاعلية الرمزية من منظور الجريمة

النظرية التفاعلية الرمزية Symbolic Interactionalism :

تعتبرُ التفاعلية الرمزية واحدةٌ من المحاور الأساسيةِ التي تعتمدُ عليها النظرية الاجتماعية، في تحليل الأنساق الاجتماعية.

منطلق النظرية :

تبدأ نظرية التفاعل الرمزي بمستوى الوحدات الصغرى (MICRO)، منطلقةً منها لفهم الوحدات الكبرى، بمعنى أنها تبدأُ بالأفراد وسلوكهم كمدخل لفهم النسق الاجتماعي. ( الجولاني ,  1997م , ص  :215)
فأفعالُ الأفراد تصبح ثابتةً لتشكل بنية من الأدوار؛ ويمكن النظر إلى هذه الأدوار من حيث توقعات البشر بعضهم تجاه بعض من حيث المعاني والرموز (كريب , 1999م , ص : 130). وهنا يصبح التركيز إما على بُنى الأدوار والأنساق الاجتماعية، أو على سلوك الدور والفعل الاجتماعي.
ومع أنها تَرى البُنى الاجتماعية ضمناً، باعتبارها بنىً للأدوار بنفس طريقة بارسونز Parsons ، إلا أنها لا تُشغل نفسها بالتحليل على مستوى الأنساق، بقدر اهتمامها بالتفاعل الرمزي المتشكِّل عبر اللغة، والمعاني، والصورِ الذهنيةِ، استناداً إلى حقيقةٍ مهمةٍ، هي أن على الفرد أن يستوعب أدوارَ الآخرين.
إن أصحابَ النظريةِ التفاعلية يبدَءُون بدراستهم للنظام التعليمي من الفصل الدراسي (مكانَ حدوثِ الفعلِ الاجتماعي). فالعلاقةُ في الفصل الدراسي والتلاميذِ والمعلم، هي علاقةٌ حاسمةٌ؛ لأنه يمكن التفاوضُ حول الحقيقة داخل الصفّ، إذ يُدرك التلاميذ حقيقةَ كونهم ماهرين أو أغبياءَ أو كسالى. وفي ضوء هذه المقولات يتفاعل التلاميذ والمدرسون بعضهم مع بعض، حيث يحققون في النهاية نجاحاً أو فشلاً تعليميا.

أشهرُ ممثلي النظريةِ التفاعليةِ الرمزية:

جورج هربرت ميد George H. Mead (1863-1931):
استطاع جورج ميد في محاضراته التي كان يُلقيها في جامعة شيكاغو، على طولِ الفترة من (1894-1931) أن يُبلور على نَحوٍ متقن، الأفكار الأساسية لهذه النظرية(جلبي , 1993م , ص : 237). 
ويبدأ ميد بتحليل عمليةِ الاتصال، وتصنيفها إلى صنفين: الاتصالُ الرّمزي، والاتصال غير الرمزي. فبالنسبة للاتصال الرمزي فإنه يؤكّد بوضوحٍ على استخدام الأفكار والمفاهيم، وبذلك تكون اللغةُ ذاتَ أهميةٍ بالنسبة لعملية الاتصال بين الناس في المواقفِ المختلفة، وعليه فإن النظام الاجتماعي هو نتاجُ الأفعال التي يصنعُها أفراد المجتمع، ويُشير ذلك إلى أن المعنى ليس مفروضاً عليهم، وإنما هو موضوعٌ خاضع للتفاوض والتداولِ بين الأفراد.
هربرت بلومر H. Blumer (1900-1986):
وهو يتفق مع جورج ميد في أن التفاعل الرمزيَّ هو السمةُ المميزةُ للتفاعل البشري، وأن تلك السمةَ الخاصةَ تنطوي على ترجمةِ رموزِ وأحداثِ الأفراد وأفعالهم المتبادلة. 
الفرضيات :
وقد أوجَزَ فرضياتِه في النقاطِ التالية.
إن البشرَ يتصرفون حيالَ الأشياءِ على أساسِ ما تعنيهِ تلك الأشياءُ بالنسبة إليهم.
هذه المعاني هي نتاجٌ للتفاعل الاجتماعي الإنساني.
هذه المعاني تحوَّرُ وتعدّل، ويتم تداولُها عبر عملياتِ تأويلٍ يستخدمُها كلُّ فردٍ في تعامله مع الإشاراتِ التي يواجهُها.
إرفنج جوفمان Erving Goffman (1922-1982):
وقد وجَّهَ اهتمامَهُ لتطوير مدخلِ التفاعلية الرمزية لتحليلِ الأنساق الاجتماعية، مؤكداً على أن التفاعلَ – وخاصةً النمطَ المعياريَّ والأخلاقيَّ- ما هو إلا الانطباع الذهنيُّ الإرادي الذي يتم في نطاق المواجهة، كما أن المعلوماتِ تسهم في تعريف الموقف، وتوضيحِ توقعات الدَور( الجولاني ,  1997م , ص  :218)

مفاهيم النظريّة:

1- التفاعل Interaction: وهو سلسةٌ متبادلةٌ ومستمرةٌ من الاتصالات بين فرد وفرد، أو فرد مع جماعة، أو جماعةٍ مع جماعة.
2- المرونة Flexibility: ويقصد بها استطاعةُ الإنسان أن يتصرفَ في مجموعةِ ظروفٍ بطريقة واحدة في وقت واحد، وبطريقةٍ مختلفة في وقتٍ آخرَ، وبطريقةٍ متباينة في فرصةٍ ثالثة.
3- الرموز Symbols: وهي مجموعةٌ من الإشارات المصطَنعة، يستخدمها الناسُ فيما بينهم لتسهيل عمليةِ التواصل، وهي سمة خاصة في الإنسان. وتشملُ عند جورج ميد اللغةَ، وعند بلومر المعاني، وعند جوفمان الانطباعاتِ والصور الذهنية.
4- الوعيُ الذاتي Self- Consciousness: وهو مقدرةُ الإنسان على تمثّل الدور، فالتوقعات التي تكُون لدى الآخرين عن سلوكنا في ظروف معينة، هي بمثابة نصوصٍ يجب أن نَعيها حتى نُمثلَها، على حدّ تعبير جوفمان( كريب , 1999م , ص : 135)
المتغيرات : 
المتغيرات التابعة : الجريمة و الانحراف من خلال تحقيق المصلحة بسلوك منحرف و التهرب من العقوبة .
المتغيرات الوسيطة و المتداخلة : مشكلات الاتصال ،عمليات التنشئة وعلاقات بناء القوة داخل النسق اختلاف المعاني والرموز التي يؤمن بها أفراد النسق.
النصوص :
- يؤدي فشل الفرد في أدائه للدور المنوط به إلى الوقوع في الجريمة.
- يؤدي اختلاف المعاني والرموز التي يؤمن بها أفراد النسق إلى وقوع السلوك المنحرف .
- إذا لم يفهم الأفراد معاني الأشياء من خلال المعاني الرمزية و غير الرمزية فإن ذلك سيؤدي إلى حدوث سوء فهم بينهما ومن ثم يؤدي سوء الفهم إلى مشكلات تتحول إلى سلوك منحرف .

نظرية التفاعل الرمزي والجريمة

إن ظاهرة الجريمة ظاهرة قديمة ومستمرة يكاد لا يخلو منها مجتمع مهما بلغت درجة تحضره أو تقدمه
ويركز اتجاه التفاعلية على دراسة الأسرة من خلال عمليات: أداء الدور ، مشكلات الاتصال، عمليات التنشئة وعلاقات بناء القوة داخل الأسرة ، مما يحصر وحدة دراسة الجريمة في العلاقات السلبية بين الزوج والزوجة والأبناء .
و يرجع علماء هذه النظرية الجريمة إلى اختلاف المعاني والرموز التي يؤمن بها كلا الزوجين . فإذا ما أردنا فهم سلوك الزوج والزوجة في مجتمع ما فيجب تحليل الثقافة العامة والثقافة الفرعية التي عاش فيها كل منهما. ويركز علماء هذه النظرية على نقطتين هامتين هما التنشئة الاجتماعية والشخصية ، ويدعون إلى التركيز على المعاني وتعريفات المواقف والرموز والتفسيرات التي يصبغها الفرد على المواقف المختلفة . وترتكز النظرية التفاعلية الرمزية على ثلاث مقدمات منطقية :
1- أن بني الإنسان يتعاملون مع الأشياء على أساس معانيها بالنسبة لهم.
2- أن المعاني مشتقة أو ناشئة عن التفاعل الاجتماعي الذي يمارسه الفرد مع زملائه أو أفراد أسرته . ويمكن أن يفهم الموقف الواحد بشكل أو بمعنى مختلف من فرد إلى آخر حسب التنشئة الاجتماعية التي نشأ بها .
3- أن هذه المعاني يمكن تعديلها من خلال عملية تفسيرية يستخدمها الفرد في التعامل مع الأشياء التي يواجهها. 
ويرى علماء التفاعلية الرمزية أن الإنسان في حياته اليومية يدخل في العديد من العلاقات الرمزية وغير الرمزية ، فإذا كانت الإشارات أو الرموز لها معان مشتركة عند الأفراد فسوف يفهمون بعضهم الآخر ، والعكس صحيح إذا لم يفهم الأفراد معاني الأشياء فإن ذلك سيؤدي إلى حدوث سوء فهم بينهما . ومن ثم قد يؤدي سوء الفهم إلى مشكلات تتحول إلى سلوك إجرامي . 

المراجع

1- كريب، إيان (1999)، النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة محمد حسين غلوم، عالم المعرفة، ع (244)، الكويت. 
2- جلبي، علي عبد الرزاق (1993)، الاتجاهات الأساسية في نظرية علم الاجتماع،الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية.
3- الجولاني، فادية عمر(1997)، علم الاجتماع التربوي، الإسكندرية :  مركز الإسكندرية للكتاب. 

ابحث عن موضوع