الأهلية في عقد البيع
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمــة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد...
فإن الحديث على صفحات هذا البحث سيدور بحول الله وقوته حول موضوع : " الأهلية في عقد البيع"
و سيتم في هذا الموضوع الاعتماد على جمع المعلومات من عدة مصادر ومراجع علمية و ذلك في ضوء ما تيسر لي من معلومات...
وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب ...
و الله الموفق.
تمهيد:
عرف الانسان منذ القدم العقود و التصرفات المالية وتعامل بعقود المعاوضات المختلفة و منها البيع وكانت لهذه المعاملات المالية احكام واثار تعود الناس عليها, لأنها ظهرت بإرادتهم و غاياتهم التي تعاقدوا من اجلها و اصبحت هذه نتائج عرفية لتصرفاتهم يلزمهم بها العرف (1)حتى اصبحت تشريع ملزم لغالب المجتمعات وعلى مدار العصور(2). وقد سبقت الشريعة الاسلامية التشريعات المتقدمة في وضع الاحكام الشرعية للمعاملات ومنها البيع فعرفه العلامة الحلي :( هو اللفظ الدال على نقل الملك من مالك الى اخر بعوض معلوم ) (3)، وكذلك ذكره بعض فقهاء الشريعة بانه ( انتقال عين مملوكة من شخص الى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي ) ، فيما ذكر كتاب مرشد الحيران بالمادة (343) البيع بانه ( تمليك البائع مال للمشتري بمال يكون ثمناً للمبيع ) وهو ما جاء متطابقا مع نص المادة (369) من مجلة الاحكام العدلية الذي وصفته بانه ( حكم البيع المنعقد الملكية يعني صيرورة المشتري مالكاً للبيع ، والبائع مالكاً للثمن ) و هذا يعني ان عقد البيع اذا كان صحيحاً ناقداَ لازما , تنتقل الملكية فيه من البائع الى المشتري بالعقد المباشر (4) .
وعرف عميد الفقه القانوني الفرنسي ( بوتيه ) البيع : (عقد بموجبه يلتزم احد المتعاقدين و هو البائع نحو المتعاقد الاخر ان ينقل اليه شئ يحوزه كمالك لقاء ثمن هو مبلغ معين من النقود و يلتزم المتعاقد الاخر و هو المشتري مقابل ذلك ان يدفع الثمن ) (1).
وهكذا اهتمت التشريعات الحديثة بعقود البيع فعرف القانون المدني المصري ( البيع عقد يلتزم به البائع ان ينقل للمشتري ملكية شئ او حقاً مالية اخر في مقابل ثمن نقدي )(2).
وفي عقد البيع يقوم شخص معين ( البائع ) بنقل حقه و ملكيته لشيء معين الى شخص آخر و هو ( المشتري ) الذي يكون التزامه بدفع قيمة الشيء الذي اشتراه بمبلغ من النقود ) .
والبيع في اللغة : مقابلة شيء بشيء ، فمقابلة السلعة بالسلعة تسمى بيعاً لغة كمقابلتها بالنقد ، ويقال لأحد المتقابلين مبيع وللآخر ثمن .
وقال بعض الفقهاء : إن معناه في اللغة تمليك المال بالمال وهو بمعنى التعريف الأول .
وقال آخرون : أنه في اللغة إخراج ذات عن الملك بعوض وهو بمعنى التعريف الثاني ، لأن إخراج الذات عن الملك هو معنى تمليك الغير للمال ، فتمليك المنفعة بالإجارة ونحوها لا يسمى بيعاً .
أما الشراء فإنه إدخال ذات في الملك بعوض ، أو تملك المال بالمال ، على أن اللغة تطلق كلاً من البيع والشراء على معنى الآخر ، فيقال لفعل البائع : بيع وشراء كما يقال ذلك لفعل المشتري ومنه قوله تعالى : [وشروه بثمن ] . سورة يوسف ، آية 20 . فإن معنى شروه في الآية باعوه ، وكذلك الاشتراء والابتياع فإنهما يطلقان على فعل البائع والمشتري لغة .
إلاّ أن العرف قد خص المبيع بفعل البائع وهو إخراج الذات في الملك ، وخص الشراء والاشتراء والابتياع بفعل المشتري وهو إدخال الذات في الملك . [1]
تقسيمات العقود :
أهم التقسيمات هي :
· العقد المسمى :هو الذي نظمه المشرع ( مثلا : عقد البيع أو الإيجار عقد الشركة ).
· العقد غير المسمى :هو الذي لم يتناوله المشرع في نصوص خاصة و إنما تحكمه القواعد العامة مثلا :عقد استعمال دراجة نارية.
· العقد الرضائي : هو الذي يتم بمجرد التراضي.
· العقد الشكلي : هو الذي يخضع لشكل معين ، أي الكتابة و في غالب الأحيان الكتابة الرسمية أمام الموثق، وهذا لحماية المتقاعدين
· العقد العيني : هو الذي يستوجب تسليم العين، محل العقد
العقد الملزم للجانبين : هو الذي ينشئ الالتزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين و هذا طبقا للمادة من القانون المدني التي تنص " يكون العقد ملزما للطرفين، تبادل المتقاعدين الالتزام بعضهما بعضا.
· العقد الملزم لجانب واحد : هو الذي ينشئ التزاما في ذمة أحد المتقاعدين دون آخر و هذا حسب المادة 56 من القانون المدني التي تنص "" يكون العقد ملزما لشخص أو لعدة أشخاص ، إذا تعاقد فيه شخص نحو شخص ،دون التزام من هؤلاء الآخرين (مثلا :الهبة تمليك، المادة 202 من قانون الأسرة "الهبة تمليك بلا عوض ".
و هناك عقود أخرى منها :
عقد المعاوضة و عقد التبرع و العقد المعدد أو التبادلي
و عقد الغرر أو العقد الاحتمالي و العقد الفوري و عقد المدة (1)
الأهليـــــة في عقد البيع:
يميز عادة بين نوعين من الأهلية، أهلية الوجوب وأهلية الأداء(2):
أهلية الوجوب
ترتبط أهليـة الوجـوب عنـد فقهاء القانـون بالشخصيـة القانونية ، فهي
( صلاحية الانسان لثبوت الحقوق له ولوجوب الالتزامات عليه ) . ولكل شخص أهلية وجوب سواء كان عاقلاً أم مجنوناً كبيراً أم صغيراً من ولادته حتى وفاته. بل حتى لو كان جنيناً بشرط ان يولد حيا فهو أهلاً لاكتساب الحقوق التي لا تفتقر إلى قبول منه دون الالتزامات لأنه ليست له عبارة ولا عليه ولاية.
أهلية الأداء:
من اجل ان يكون التصرف التعاقدي بهيئة قانونية سليمة لا بد من وجود اهلية اداء لاطراف العقد ، وأهلية الأداء تعني (اهلية ابرام التصرفات القانونية ... وهي صلاحية الانسان لمباشرة التصرفات القانونية منه على وجه يعتد به شرعاً) ، كالبيع والشراء والإيجار والوصية وغيرها من تصرفات وأهلية الأداء هي المعنين به، ومناط هذه الأهلية هو العقل والتمييز. فمن كان كامل التمييز بان أتم الثامنة عشر من عمره كان كامل الأهلية، ومن نقص تمييزه كان ناقص الأهلية كمن أتم السابعة من عمره ولم يتم الثامنة عشر ويأخذ حكمه المعتوه والسفيه وذي الغفلة، ومن انعدم عنده التمييز كان عديم الأهلية بأن كان دون السابعة من عمره او لجنون أصابه. والعبرة بتوافر الأهلية وقت إبرام العقد ولا عبرة لفقدها بعد ذلك.
وتنقسم التصرفات القانونية من حيث الأهلية إلى أنواع ثلاثة:
1ـ تصرفات نافعة نفعاً محضاً كقبول الهبة والوصية.
2ـ تصرفات ضارة ضرراً محضاً وتشمل أعمال التبرع، كهبة الشخص لماله وإبرائه لمدينه والإعارة والبيع والشراء بغبن فاحش.
3ـ تصرفات دائرة بين النفع والضرر وهي التي تحتمل الربح والخسارة وتشمل أعمال التصرف وأعمال الإدارة كالبيع والرهن والإيجار.
موانع الأهلية :
اشار فقهاء القانون الى ان موانع الاهلية أربعة(1):
1ـ المجنون: هو من فقد عقله وانعدم تمييزه فلا يعتد بأقواله وأعماله، وهو بحكم الصغير غير المميز محجور لذاته وجميع تصرفاته باطلة.
2ـ المعتوه : هو من ضعفت قواه العقلية وكان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير، وهو بحكم الصغير المميز ولكنه محجور لذاته.
3ـ السفيه: هو من يبذر أمواله فيما لا مصلحة له فيه وعلى غير مقتضى العقل ولو كان على سبيل الخير، ويحجر بآمر المحكمة ويكون حينئذ بمنزلة الصغير المميز، وولي السفيه المحكمة أو وصيها فقط وليس لأبيه او جده حق الولاية عليه، وإذا اكتسب السفيه رشداً فكت المحكمة حجره.
4ـ ذو الغفلة: وهو الذي لا يهتدي عادة إلى التصرفات الرابحة ولا يميزها عن التصرفات الخاسرة فيغبن في المعاملات لسذاجته وسلامة نيته، وحكمه حكم السفيه.
طبيعة أحكام الأهلية
( تعد أحكام الأهلية من النظام العام وكل اتفاق على ما يخالف أحكامها يقع باطلاً، كالاتفاق على اعتبار شخص كامل الأهلية وهو ناقصها كما لا يجوز حرمان شخص من أهلية قائمة أو الانتقاص منها). وحسب الأصل يسري على الأهلية قانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته. اذ تختلف ما بين تشريع دولة واخرى .
الخاتمة
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...
فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع: " الأهلية في عقد البيع"
هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...
و بالله التوفيق ...
قائمة المراجع:
1- الجزيري, عبد الرحمن بن محمد عوض ، الفقه على المذاهب الأربعة ، دار ابن الهيثم ، القاهرة ,1995م.
2- الحلي ,جمال الدين الحسن بن يوسف. تذكرة الفقهاء , كتاب البيع , بيروت ،1995 .
3- ابو سعيدة ، رياض ، نظرية الالتزام في القوانين العراقية ، رسالة ماجستير ، غير مطبوعة ، النجف الاشرف ، 1999م.
4- شعبان ، زكي الدين ، الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة و القانون , القاهرة , 1968
5- الطماوي, سليمان: الأسس العامة للعقود, ط.1 ، مطبعة جامعة عين شمس، القاهرة ، 2005م
6- القاضي ، منير, شرح المجلة، مطبعة النجاح، بغداد (ب،ت) ،ج 1 .
7- العامري ، سعدون ، الوجيز في شرح العقود المسماة في البيع و الايجار، ط 3 ، مطبعة العاني ، بغداد 1974
8- منصور , أمجد محمد: النظرية العامة للالتزامات / مصادر الالتزام , مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع , القاهرة , 2003م.
9- الموسوعة الفقهية الكويتية , الكويت , 1998م .
10- السعيد , أحمد , عقد البيع , ط1،مصر، 2010
11- السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ،ج1 ، ص 302 .
(1) شعبان ، زكي الدين ( الدكتور) ، الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة و القانون , القاهرة , 1968، ص 13 .
(2) ابو سعيدة ، رياض ( الدكتور) ، نظرية الالتزام في القوانين العراقية ، رسالة ماجستير ، غير مطبوعة ، النجف الاشرف ، ص 76 '188
(3) الحلي ,جمال الدين الحسن بن يوسف (العلامة) . تذكرة الفقهاء , كتاب البيع , بيروت ،1995 ، ص 3 .
(4) القاضي ، منير, شرح المجلة، مطبعة النجاح، بغداد (ب،ت) ،ج 1 ص222 .
(1) العامري ، سعدون ، الوجيز في شرح العقود المسماة في البيع و الايجار، ط 3 ، مطبعة العاني ، بغداد 1974، ص 10 .
(2) المادة (418) من القانون المدني المصري الجديد.
(1) أمجد محمد منصور : النظرية العامة للالتزامات / مصادر الالتزام , مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع , القاهرة , 2003م,ص219-223
(2) السعيد , أحمد , عقد البيع , ط1،مصر، 2010 ، ص 41 .
(1) السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ،ج1 ، ص 302 .