إِدارة الإِنتاج Production Management
الإِنتاج هو أية عملية أو إِجراء مصمم لتحويل مجموعة من عناصر المدخلات إِلى مجموعة محددة من عناصر المخرجات. وإِدارة هذه العملية المتعددة الأطراف هي المقصود من مصطلح إِدارة الإِنتاج Production management وإِذا كانت أنظمة الإِنتاج تيسر للمستهلك يومياً السلع والخدمات في حدود واسعة, فإِن إِدارة هذه الأنظمة هي من أكثر الفعاليات أهمية في الوصول إِلى إِخراج أفضل لهذا الإِنتاج, وفي تحسين التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إِن المقولة المقبولة في العالم, بوجه عام, هي أن الموارد في كل مجتمع محدودة أما الحاجات فغير محدودة. والإِدارة القادرة هي التي تعمل على إِشباع أكثر ما يمكن من الحاجات عن طريق هذه الموارد المحدودة, أي إِن كفاية الإِدارة تتحقق عندما تنجز الإِدارة ما هو مطلوب منها باستعمال أقل ما يمكن من عناصر الإِنتاج, أو حين تنجز أقصى ما يمكن من الإِنتاج باستعمال عناصر إِنتاج محدودة. ومن هذه الزاوية يمكن القول إِن الإِدارة هي المسؤولة عن إِنتاج الهدف المحدد كماً ونوعاً وتوقيتاً عن طريق استعمال عناصر الإِنتاج (المدخلات) بنسب محددة تجعل تكلفة الإِنتاج أقل ما يمكن.
ويعبر ما كتب عن إِدارة الإِنتاج عن مفهومين يتصلان بالإِنتاج. يذكر المفهوم الأول أن الإِنتاج يعني تصنيع شيء مادي ما باستعمال العمال والمواد والتجهيزات. وهذا المفهوم يقتصر على إِنتاج السلع المادية فقط, مثل: الملابس والغذاء والمنازل, والأبنية على اختلاف أنواعها, والسيارات, والطائرات, وأجهزة التلفزيون, والأجهزة المنزلية الأخرى, وما شابه ذلك.
ولا يدخل في هذا المفهوم الفعاليات التي لا تتضمن إِنتاجاً مادياً والتي يشملها مصطلح الخدمات, مثل: التعليم, والخدمة الطبية, والترفيه, والأمن الداخلي.
أما المفهوم الثاني فيذهب إِلى أن الإِنتاج لا يعني الأشياء المادية فحسب, وإِنما يعني كذلك الخدمات, وأن الإِنتاج في مجال الخدمات هو إِنجاز وظيفة لها منفعة.
والمفهوم الأول يعدّ المفهوم التقليدي الشائع الاستعمال حتى الآن. والذين يأخذون به ما يزالون يستعملون في شرح إِدارة هذه الفعالية تعبير «إِدارة الإِنتاج». أما المفهوم الثاني فمفهوم جديد وموسع يروجه القائلون به على أساس أن المبادئ الأساسية التي تحكم الإِنتاج المادي هي مبادئ صالحة لحكم الإِنتاج الخدمي. ويستعمل هؤلاء في شرح إِدارة هذه الفعالية تعبير إِدارة العمليات operations management بدلاً من إِدارة الإِنتاج وذلك من أجل تمييز هذا المفهوم الجديد من المفهوم الأول.
المنظور التاريخي لتطور إِدارة الإِنتاج
كان أول من لفت النظر إِلى اقتصاديات الإِنتاج الاسكتلندي آدم سميث [ر] Adam Smith عندما ظهر نظام المعمل. فقد كتب في عام 1776 كتاب «ثروة الأمم» ولاحظ فيه ثلاث مزايا اقتصادية أساسية لتقسيم العمل وهي: تطوير مهارة العامل الذي ينجز عملاً واحداً بصورة متكررة, وتوفير الزمن الذي يضيع عادة في انتقال العامل من فعالية إِلى فعالية تالية مختلفة, واختراع الآلات أو الأدوات نتيجة لتخصيص العمال جهودهم لأعمال ذات بعد محدد.
ولكن سميث لم يستنتج هذه الأفكار عن طريق نظري. ففي نظام المعمل كان تقسيم العمل متطوراً كطريقة للإِنتاج ذات معنى عام عندما يتم توظيف مجموعة كبيرة من العمال للإِنتاج بكمية كبيرة. وفي مثل هذه الظروف تعدّ الطريقة التعاونية للإِنتاج ذات معنى. وقد لاحظ سميث هذه الممارسة, كما لاحظ المزايا الثلاث. وكتب عنها في كتابه, وكان الكتاب حجر الزاوية في تطوير اقتصاديات الإِنتاج, لا لأن ملاحظات سميث ساعدت على السرعة في تقسيم العمل, بل لأن سميث قد أقر بوجود ترشيد للإِنتاج. أما التطوير الفعلي فقد استغرق وقتاً طويلاً إِلى أن وصل أخيراً إِلى مرحلة التطور السريع الحقيقي ومن ثم انبعثت إِدارة الإِنتاج نظاماً من مرحلة وصفية نظرية لتأخذ خصائص علم تطبيقي.
وبعد آدم سميث أضاف الإِنكليزي تشارلز باباج Charles Babbage ملاحظات إِلى ما ذكره سميث, وأثار عدداً من الأسئلة حول اقتصاد الإِنتاج وتنظيمه. كان باباج عالماً بالرياضيات ثم أصبح مهتماً بالتصنيع. وقد قاده استقصاؤه للعقل والتوجه العلمي إِلى التساؤل عن عدة ممارسات موجودة, ووردت أفكاره في كتابه «اقتصاد الآلات والمصانع».
وافق باباج في عام 1832 على آراء سميث المتعلقة بالمزايا الاقتصادية الناتجة عن تقسيم العمل وأخذ مثالاً لذلك صناعة الدبوس, فنتج لديه عن تحليل هذه الصناعة سبع عمليات تخصصية أساسية هي:
تصغير قطر السلك إِلى القياس المرغوب فيه, تسوية السلك, عمل نهاية الدبوس الحادة, ليّ السلك وقطع الرأس, جعل رأس الدبوس دقيقاً, تبييض الدبوس لمنع الصدأ, وضع الدبابيس المنتهية الصنع في أوراق أو ظروف أي تعبئة الدبابيس.
لقد لاحظ باباج مقدار الأجر المستحق لهذه الاختصاصات المختلفة, ثم أشار إِلى أن جماعة العمل, إِذا انتظمت بحيث ينجز كل عامل التتالي الكامل للعمليات, فإِن الأجر المدفوع لهؤلاء العمال سيحدد بأجر المهارة المطلوبة للاستمرار في التتالي الكامل للعمليات وهي أكثر صوبة أو أكثر ندرة. وبتقسيم العمل تظهر مزية جديدة لم يتطرق لها سميث هي مبدأ تحديد المهارات أساساً لتحديد الأجر. وبعد ملاحظات سميث وباباج بسنوات, استمر تقسيم العمل وتسارع في النصف الأول من القرن العشرين. لأن خطوط الإِنتاج الكبرى اليوم تمثل مبدأ تقسيم العمل المنفذ إِلى أقصى درجات أقسامه. وبالحقيقة فقد انتشر هذا المبدأ واتسع, وما يزال مزيد من تقسيم العمل يحظى بالاهتمام والدراسة.
كان فريدريك تايلور[ر] الأمريكيFrederick V. Taylor (1856-1915) بلاشك الشخصية التاريخية المتميزة في تطوير حقل إِدارة الإِنتاج, وذلك أن آدم سميث وتشارلز باباج كانا ملاحظين وكاتبين, في حين كان فريدريك تايلور مفكراً ومنفذاً معاً, وكان كذلك ذا سلطة وإِدارة قوية, وإِذا كانت سلطته قد جعلته موضع نقد في عدد من الحالات, فإِن هذه الصفة كانت مصدراً لإسهاماته العظيمة في تطوير إِدارة الإِنتاج.
إِن الممارسات السابقة كانت تسمح للعاملين بأن يقرروا بأنفسهم الوسيلة التي سينجز بها الإِنتاج, وهكذا فإِنهم صمموا كيف ينتجون جزءاً ما, في ضوء مهارتهم وتجربتهم السابقة, وكان الزمن وتكلفة الإِنتاج موجهين بالطرائق التقليدية.
وكان تايلور عارفاً بهذه الممارسات لأنه دخل المجال الصناعي عاملاً, ولكنه طور قدراته ورفض أن يستمر بهذا الطريق مع العمال الآخرين, وبدلاً من ذلك أنتج أكثر ما استطاع. لقد تقدم بسرعة ووصل أخيراً إِلى مركز يسمح بإِجراء التجارب على بعض أفكاره. وللإِحاطة بمدى إِنجازات تايلور, يجب أن نفهم أنه كان مبدعاً في بيئة إِدارية كانت تسيطر عليها التقاليد القديمة وبينها ما يمنح العمال حرية تحديد طرائق التصنيع وحق الاحتفاظ بمعرفتهم أسرارَ مهنة في هذه البيئة الراكدة. وقد أدت أفكار تايلور إِلى موجة تغيير في الفلسفة الإِدارية هزّت بعض المنظمات من القمة إِلى القاعدة.
بيّنت الفلسفة الجديدة لتايلور أن الطريقة العلمية يمكن ويجب أن تطبق على مختلف الجوانب الإِدارية, وأن الطرائق التي يُنجز بها العمل, يجب أن تحددها الإِدارة عن طريق التحقيق العلمي. لقد عدّد تايلور أربعة واجبات أساسية للإِدارة يمكن تلخيصها فيما يلي:
ـ تطوير علم لكل عنصر من عمل العامل ليحل محل الطرائق القديمة.
ـ الاختيار العلمي للعمال وتدريبهم وتطويرهم وذلك بدلاً من الممارسة السابقة التي تميزت بالسماح للعامل باختيار مهماته الخاصة وتدريب نفسه على أفضل ما يستطيع من الأعمال.
ـ تطوير روح التعاون الصادق بين العامل والإِدارة لضمان تنفيذ العمل وفقاً للإِجراءات المقررة علمياً.
ـ تقسيم العمل بين العمال والإِدارة في حدود مسؤوليات كل طرف, بحيث تأخذ كل جماعة العمل الذي يناسبها, وذلك, بدلاً من الحالة الأولى السابقة التي كان العمال فيها يتحملون القسط الأكبر من العمل والمسؤولية. وقد أدت هذه الأفكار الأربع إِلى كثير من الفكر الجديد حول التنظيم الإِداري, وهي, إِلى حدّ كبير, جزءٌ من الممارسة التنظيمية لإِدارة الإِنتاج في الوقت الحاضر.
لقد تطور عمل تايلور في الفكرة الأولى إِلى حقل هندسة الطرائق وقياس العمل. وفي السنوات التي هي أكثر حداثة توسع هذا الحقل توسعاً كبيراً بمساعدة الأبحاث النفسية التجريبية وأصبح يدعى الآن بحقل الهندسة الإِنسانية وله تطبيقات عامة في إِدارة الإِنتاج, ومن الفكرتين الثانية والثالثة تطور حقل الأفراد بطرائقه الفنية لاختيار الأفراد وتعيينهم بالإِضافة إِلى الوظيفة التنظيمية للعلاقات الصناعية. وكان للفكرة الرابعة التي تتضمن تقسيم العمل بين العامل والإِدارة استدلالات بعيدة المدى: فالوظائف الإِدارية الأساسية للتخطيط والرقابة تناط الآن بالإِدارة, أما المشرفون المباشرون والعمال فيتركون أحراراً للتركيز على تنفيذ الخطط الموضوعة بعناية.
إِن الموقف الصلب غير القابل للمساومة لفريدريك تايلور في تطوير أفكاره وتنفيذها سبَّب كثيراً من الجدل, وقد عورض بقوة في عدة محافل.
شمل التطوير الأول رقابة الجودة وتقديمها إِحصائياً إِلى الصناعة من قبل الأمريكي وولتر شي وارت Walter She Wart في عام 1931. أما التطوير الثاني فكان في بروز نظرية اختيار عينة العمل في عام 1934 لدى تيبت Tippett, وتتناول إِجراء لاختيار العينة اللازمة لتحديد زمن العمل ومعايير الإِبطاء وغير ذلك مما يتصل بالعمل.
بقي تنفيذ نظرية العينة التي قال بها تيبت نائماً قرابة عشرين سنة, ثم وضعت موضع التطبيق في العقد السادس من القرن العشرين. ولا يزال هذا الإِجراء يستعمل استعمالاً واسعاً, ويحتمل أن يستمر في النمو لفوائده العملية الكثيرة.
لقد ابتدأ التطور الأخير في المفهوم والنظرية والطرائق الفنية لإِدارة الإِنتاج بعد الحرب العالمية الثانية بقليل وساعدت الأبحاث المتصلة بالعمليات الحربية التي مرت بها القوات المسلحة الأمريكية على الوصول إِلى طرائق فنية رياضية جديدة وأسهمت بتكوين معرفة غنية حول كيفية تطبيق الطرائق الفنية في مواجهة مشاكل العمليات الحربية. وقد تبين أن هذه المشاكل توازي مشاكل عمليات الإِنتاج, وأن من الممكن لطرائق معالجتها أن تطبق في الإِنتاج الصناعي. وكان من أشكال التطور المتميز اعتماد البرمجة الخطية linear programming. إِلا أن الإِنجاز الذي فاق هذه التطورات في أهمية موضوع البرمجة ودعمه... كان تطوير الحاسوب ذي السرعة العالية الذي جعل من الممكن حل مشاكل البرمجة الخطية للحجوم الكبرى. ولولا الحواسيب لكان الاحتمال الغالب أن يبقى مجال البرمجة الخطية في التطبيق مجالاً صغيراً. وقد أقرت العمليات الحربية إِنجازاً آخر في إِدارة الإِنتاج هو الاهتمام الذي يتوجه إِلى العوامل الإِنسانية. فقد وظف علماء النفس والفيزيولوجية الباحثون في أثناء الحرب وما بعدها للمساعدة في تصميم أنظمة تناظر القدرات الإِنسانية في النظر والسمع والشم والحركة والاحتمال الإِنساني وغير ذلك مع عوامل بيئية: كالحرارة والضوء والإِشعاع والضوضاء. ومع أن عوامل الضغط لدى الإِنسان في الصناعة هي غالباً أقل قساوة من عدد العوامل التي وجدت في الحرب, فإِن المشاكل من حيث المفهوم, هي نفسها, أي إِنه يجب أن تصمم أنظمة ومهام إِنتاج تقرّ بحدود العنصر الإِنساني في تشغيل الأجهزة وتأخذ مزايا القدرات الإِنسانية, بمعنى أن هذا الحقل الذي يدعى الآن الهندسة الإِنسانية أو العوامل الإِنسانية يقدم المعلومات الأساسية لتصميم العمل. وأخيراً يمكن القول إِنه في الماضي كان الأفضل في نظرية إِدارة الإِنتاج الممارسة الفعلية في الصناعة والأعمال, وكان التعليم في الجامعات مستنداً إِلى هذه الممارسة, أما اليوم, فإِن النظرية ابتدأت تقود إِلى أفضل ممارسة, ومن المحتمل أن تستمر في المستقبل.
نظام الإِنتاج
تتألف الفعالية الإِنتاجية من عدة عناصر متداخلة, وبعض هذه العناصر ينجز بالتتالي, في حين ينجز بعضها الآخر معاً وبآن واحد. ومع ذلك, فإِن الشيء المهم هو أن الشكل الذي ينجز به أحد عناصر فعالية الإِنتاج. يحتمل كثيراً أن يؤثر في واحد أو أكثر من العناصر الأخرى. إِن هذا الوضع الذي يكون عليه الإِنتاج يسمح بالقول إِن الإِنتاج نظام متكامل. وسوف يغدو الأمر أكثر وضوحاً لدى البحث في مسؤوليات إِدارة الإِنتاج.
ومن الممكن أن يقسم أي نظام للإِنتاج إِلى ثلاثة أجزاء رئيسة هي:
المدخلات والعملية والمخرجات. والمخطط التالي يبين طريق جلب العناصر المختلفة وتحويلها لإِنجاز الهدف الذي صمم النظام من أجله.
المدخلات
|
!
|
مواد أولية ـ طاقة ـ يد عاملة
| ||
$
| ||||
عملية الإنتاج
|
!
|
تجهيزات المصنع
| ||
$
| ||||
المخرجات
|
!
|
السلع والخدمات
| ||
ويمكن أن تكون العملية معقدة تتطلب عدة أنواع من المدخلات, ويمكن أن تتضمن تنوعاً من المخرجات. إِن فكرة تحويل مجموعة من المدخلات لتنتج مجموعة من المخرجات ليست معقدة, ولكن الصعب والمعقد هو تصميم عملية مدخلات ومخرجات فعلية لإِنجاز أهداف محددة. وفيما يلي شرح لأجزاء نظام الإِنتاج.
المدخلات:
يمكن تعريف المدخلات بأنها عناصر الإِنتاج التي تمثل التكاليف المتغيرة, وهي بصورة أولية التكاليف التي تدفع قيمتها على أساس الحجم بالوحدات مثل: تكاليف اليد العاملة وتكاليف المواد المباشرة. ويمكن تحميل هذه التكاليف مباشرة لكل وحدة من وحدات المخرجات (الإِنتاج). والتكاليف المتغيرة, كنظام لتصنيف المدخلات, تخلق أيضاً إِرباكات معينة. وعلى سبيل المثال, توجد تكاليف يد عاملة غير مباشرة تصاحب العمل المكتبي, ومن الصعب أن تُعْزى لأية وحدة معينة من الإِنتاج على أساس التكاليف بالقطعة. وهذه التكاليف تعدّ تكاليف غير مباشرة تحمّل الإِنتاج كله. وبالمشابهة, فإِن الرواتب التي تدفع للمشرفين تقع خارج التعريف المحدد الذي استعمل سابقاً فيما يتعلق بالتكاليف المتغيرة. ولذلك فإِن الاستثناءات في التكاليف من التكاليف المتغيرة, تعامل, على وجه العموم, كتكاليف ثابتة.
ومن حيث الأساس, فإِن المواد الأولية واليد العاملة والطاقة, تؤلف المدخلات, والمصنع والتجهيزات يجريان العملية. وبالتفكير في هذه التعابير يكون واضحاً نسبياً أن إِدارة الإِنتاج تمارس أكثر رقابتها اليومية على الإِنتاج عن طريق التحكم في عناصر المدخلات إِلى عملية الإِنتاج. وفي المدى القصير الأجل يكون من الصعب, إِلى حد ما, على الإِدارة إِجراء تعديلات في العملية, على أساس أن تكاليف العملية (المصنع والتجهيزات) تعد تكاليف ثابتة في المدى القصير ويجب على المنظمة الصناعية تحملها بصرف النظر عن حجم الإِنتاج (ضمن الطاقة الإِنتاجية المتاحة). وفي المدى الطويل تصبح هذه التكاليف تكاليف متغيرة عندما يتوافر الإِمكان للإِدارة بإِجراء التعديلات المرغوبة في حجم المصنع والتجهيزات.
العملية:
يصمم الإِنتاج في العادة لتكون له قيمة أكبر من القيم لعناصر المدخلات والاستثمار في العملية, عندما يكون الاستثمار مستهلكاً بوجه صحيح. ويكون هذا الأمر مختلفاً كلياً عن التوقعات الهندسية للأنظمة المادية حيث يمكن نظرياً: أن يساوي الإِنتاج المدخلات.و بسبب الاحتكاك وخسارات الاحتراق, فإِن الإِنتاج القابل للاستعمال في العالم المادي هو أقل من كمية طاقات المدخلات. وهكذا فإِن الكفاية لعملية ما, في تعابير هندسية, هي
الكفاية =
|
الإنتاج القابل للاستعمال
|
≤
|
1
|
المدخلات
|
هذا الوضع في اعتبار كفاية عملية ما, سينتج إِفلاساً في العالم الاقتصادي إِذا كان صحيحاً. فالإِنتاج والهندسة يتصل أحدهما بالآخر اتصالاً أساسياً في عدة وجوه. وكفاية عملية ما للإِنتاج, من وجهة نظر النظام المادي, يمكن قياسها في التعابير التي وردت. وفي الوقت نفسه, تكون إِدارة الإِنتاج ملتزمة بالمعايير الاقتصادية. وفي الأنظمة الاقتصادية, يجب أن تكون الكفاية مساوية واحداً أو أكبر من واحد وليست أصغر من واحد كما في المعادلة السابقة من أجل الاستمرار في عملية الإِنتاج.
وأكثر من ذلك, يكون حقيقياً على نحو جزئي فقط أنه كلما ازدادت الكفاية الهندسية ازدادت الكفاية الاقتصادية. ومديرو الإِنتاج يجب أن يكونوا قادرين على فهم وجهات النظر الهندسية والاقتصادية وتوحيدها.
والعملية, كما عرفت, تتألف من عناصر الإِنتاج التي تمثل بصورة أولية تكاليف ثابتة. وهذه التكاليف لاتتغير مع تغير معدلات الإِنتاج, مثل مخصصات الاستهلاك للمصنع والتجهيزات, ورواتب الإِدارة العليا, وغيرها من التكاليف التي يجب على المنظمة تحملها بصرف النظر عن حجم الإِنتاج.
المخرجات:
يعد تحديد الإِنتاج المرغوب فيه أو المخرجات المطلوبة من حيث الكم والنوع والتوقيت, نقطة البداية غالباً في أي عمل إِنتاجي.
مسؤوليات إِدارة الإِنتاج
يمكن أن يقال إِن إِدارة الإِنتاج تحمل أربع مسؤوليات أساسية. وهذه المسؤوليات هي أن تُنتج السلع أو الخدمات المطلوبة إِنتاجاً تتحقق فيه الأمور التالية:
ـ متطلبات الكميات (الكميات الواجب إِنتاجها من السلع أو الخدمات).
ـ متطلبات النوعية (نوعية الإِنتاج المادي أو الخدمي المحددة).
ـ إِنجاز الإِنتاج في الأوقات المحددة لذلك أي التوقيت.
ـ اختيار أفضل طريق اقتصادي لإِنجاز المسؤوليات السابقة وتطبيقه.
ولا ريب, أن متطلبات الكميات النوعية وتواريخ الإِنجاز, تعكس طلبات المستفيدين أي المستهلكين المشترين لهذه السلع أو الخدمات. ولتوفير هذه الطلبات يجب على إِدارة الإِنتاج أن تأخذ بقاعدة تخطيط فعالية الإِنتاج قبل التاريخ الذي ستظهر فيه الطلبات فعلياً.
وهذا القول صحيح لعدة أسباب في مقدمتها اثنان: الأول هو أنه إِذا لم تتوافر العناصر اللازمة للإِنتاج (مستلزمات الإِنتاج) لدى إِدارة الإِنتاج في الوقت الذي يُسلَّم فيه الطلب لكميات معينة من الإِنتاج, فمن غير المحتمل أن يكون المطلوب جاهزاً في وقت التسلّم الذي يرغب فيه الزبون, لأن الوقت المطلوب للحصول على اليد العاملة, والمواد, والتجهيزات, والأبنية, غالباً ما يتجاوز تجاوزاً كبيراً ما هو مقبول عادة كزمن تسليم معقول (مسوّغ).
أما السبب الثاني فهو أن الحالة, حتى وإِن لم تكن كما ذكر في السبب الأول, فإِن إِدارة الإِنتاج التي تحصل على عناصر الإِنتاج وتستعملها فقط في الزمن الذي تكون فيه العناصر مطلوبة لإِنجاز طلبات المستهلك المشتري ستجد نفسها غالباً أنها تنتج وتشتري في حجوم كميات غير اقتصادية وتمارس تموجات واسعة في الطاقة الإِنتاجية اللازمة في أية لحظة زمنية. وهذا الأمر لا ريب سيؤدي إِلى توليد تكاليف زائدة.
لذلك, فإِن كل إِدارة إِنتاج يجب أن تمارس تخطيط الإِنتاج وهذا التخطيط يتضمن تحويل تنبؤ الطلب على السلع أو الخدمات الذي تقوم به الإِدارة التسويقية إِلى متطلبات إِنتاج متساوية في حال عدم وجود تبديل بين مخزون أول المدة ومخزون آخر المدة, وإِلى مستلزمات هذه المتطلبات الإِنتاجية من عناصر الإِنتاج المختلفة.
والبرامج (الجداول) الناتجة لمتطلبات عناصر الإِنتاج يمكن أن ترتب على نحو تخفف فيه التموجات الواسعة, أو يسمح فيه بالإِنتاج والشراء في حجوم كميات اقتصادية. ومع ذلك فإِن هذه البرامج في شكلها النهائي, تزود مدير الإِنتاج بالمعلومات اللازمة عن نوع المواد وكميتها واليد العاملة, والتجهيزات الإِنتاجية اللازمة في نقاط زمنية مختلفة في المستقبل. ويمكن أن تتخذ حينئذ الترتيبات للحصول على عناصر الإِنتاج هذه قبل الأزمنة التي ستكون فيها هذه العناصر لازمة فعلاً. وهذا العمل يسهل قدرة إِدارة الإِنتاج على تحقيق الإِنجاز (التسليم) في التاريخ المحدد في الطلبات التي تُسلّم بتاريخٍ لاحق.
ومع ذلك, لو أن عناصر الإِنتاج اللازمة توافرت في الوقت الذي تُسلّم فيه الطلبات الفعلية, فإِن متطلبات الكمية وتواريخ التسليم المتعلقة بها يمكن الوصول إِليها فقط إِذا اتخذت الخطوات لاستعمال هذه العناصر على نحو فعال. وهذا الأمر يدعو إِلى مايلي:
ـ برمجة (جدولة) العمل المطلوب, ويدعى هذا الإِجراء تخطيط الإِنتاج.
ـ تنظيم الأقسام العاملة في مديرية الإِنتاج وتزويدها بالتعليمات الضرورية وهذا ما يدعى تنظيم مديرية الإِنتاج.
ـ متابعة تقدم الإِنتاج, واتخاذ الإِجراءات التصحيحية عندما يتطلب الأمر ذلك وهذا ما يدعى الرقابة على الإِنتاج.
ولكن إِضافة إِلى كون إِدارة الإِنتاج مسؤولة عن إِنتاج الكميات المطلوبة في المواعيد المحددة للتسليم, فإِنها مسؤولة أيضاً عن نوعية الإِنتاج, ولا يمكن الحفاظ على نوعية السلع أو الخدمات إِلا إِذا استخدمت المقاييس التي تؤكد أن الإِنتاج مطابق للمواصفات المحددة. وهذه المقاييس يشار إِليها غالباً بالطرائق الفنية للرقابة النوعية على الإِنتاج أي رقابة النوعية.
وأخيراً, لقد لوحظ أن المتوقع من إِدارة الإِنتاج أن تنتج السلع أو الخدمات المحددة لا في الكميات المطلوبة, وفي الأزمنة المحددة, وبالنوعية المطلوبة, فقط, بل وكذلك في أفضل طريق اقتصادي أي بأقل تكلفة ممكنة. ونتيجة لذلك يجب أن يجري تحليل للطرائق البديلة التي يمكن أن تنتج بها السلع أو الخدمات بتحديد الطريق التي هي أقل تكلفة بين طرائق العمل البديلة. والمعلومات التي ستساعد في هذا الخصوص, توجد في الموضوعات التالية:
ـ نظرية الإِنتاج التي تساعد في تحديد مزيج الإِنتاج ذي التكلفة التي هي أقل عن طريق استعمال مبادئ الإِنتاج.
ـ تكاليف الإِنتاج التي تساعد في تحديد المعدل الأمثل للإِِنتاج والحجم الأمثل للمصنع.
ـ تحسين الإِنتاجية الذي يساعد في رفع إِنتاجية اليد العاملة وخفض التكاليف عن طريق عوامل تحسين الإِنتاجية.
ـ دراسة الحركة التي تساعد في التخلص من أكبر عدد ممكن من الحركات الإِنسانية, وفي الإِقلال من الحركات التي لا يمكن التخلص منها, وفي جعل الحركات الضرورية أقل تعباً. وهذا كله يؤدي إِلى تحسين الإِنتاجية.
وثمة حاجة أيضاً لتحليل الترتيب الداخلي للمصنع ومناولة المواد والأتمتة من أجل توفير مجرى يسير لمرور المواد والآلات والعمال, وتطوير نظام مناولة أفضل, ودرجة أتمتة مناسبة بغية انخفاض التكاليف المصاحبة لحركة العمال والمواد من مكان إِلى آخر إلى أدنى حد ممكن, ويدخل هذا كله تحت عنوان «الترتيب الداخلي ومناولة المواد والأتمتة». وهناك حاجة لعمل هيكل تنظيمي للعاملين في مديرية الإِنتاج يتضمن تجميع العمليات المتشابهة بحسب السلعة أو العملية أو الزبون, وتقسيم هذا التجميع إِلى مجموعات بحسب قدرات الأشخاص إِداريين كانوا أم عمالاً وتحديد المسؤولية والسلطة لكل من الرؤساء في التنظيم. وبطبيعة الحال, يتأثر الهيكل التنظيمي لمديرية الإِنتاج بالترتيب الداخلي للمصنع. والأمور المتعلقة بالتنظيم تدخل في بحث التنظيم الإِداري لمديرية الإِنتاج وهناك أيضاً الطرائق الفنية لتحديد معايير الإِنتاج بدراسة الزمن الواجب لإِنجاز عمل ما أي الزمن المعياري, ولحفز العمال على الإِنتاج عن طريق ربط الأجر بالإِنتاج كماً ونوعاً. وبذلك يمكن تحديد مستلزمات الإِنتاج من اليد العاملة والتجهيزات, وبرمجة الإِنتاج, وتحديد تكاليف اليد العاملة المصاحبة للإِنتاج ومراقبتها. ويدخل هذا في بحث دراسة الزمن.
وأخيراًَ, للحفاظ على استمرار المؤسسة في الوجود, لابد من أن يهتم مدير الإِنتاج بتطوير الإِنتاج ويُقصد بذلك إِجراء الأبحاث من أجل تقديم سلع جديدة مبتكرة وإِجراء تحسينات في السلع الحالية أو الخدمات. ويدخل هذا الإِجراء تحت عنوان «تطوير الإِنتاج».
ولعل من اللازم القول, في النهاية, إِن على مديري الإِنتاج أن يهتموا بعدد من المجالات المتداخلة بعضها ببعضها الآخر. والمجالات المذكورة سابقاً لا تعني أن مديري الإِنتاج لا يهتمون بمجالات أخرى لاتخاذ القرار في المؤسسة. إِنهم يهتمون واقعياً بالمشاركة في اتخاذ القرار بمجالات أخرى مثل تحديد موقع البناء وتصميمه. وبالنظر لتأثير القرارات المتخذة في مجالات التسويق والأفراد والمالية وفعاليات الإِنتاج, وتأثير القرارات المتخذة في مجال الإنتاج على فعاليات التسويق والأفراد والمالية, فإِن من واجب مديري الإِنتاج أن يسهموا في حل مشكلات التسويق والأفراد والمالية. ولكن هذه المجالات الأخرى غير الإِنتاجية ومشاكلها ليست من مسؤوليتهم الأولى.
أكرم شقرة
http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=285&vid=