آثار العقد الإداري


المقدمة
            الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وله الشكر والثناء الحسن أولاً وأخرا، ظاهراً وباطناً، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى محمد بن عبد الله و على الآل و الأصحاب ، ثم  أما بعد :
            يعتبر العقد الإداري في هذا العصر جزءاً أساسياً من أجزاء التنظيم الاقتصادي والاجتماعي للدول المعاصرة و نظرا لهذه الأهمية المناط بها العقد الإداري فإن الحديث على صفحات هذا البحث سيدور بحول الله وقوته حول موضوع : " آثار العقد الإداري "  و سأبدأ الموضوع بالتعريف بالعقد و بأركانه ثم التعريف بالعقد الإداري و أركانه و من ثم استعراض
 آثاره مع التركيز المفصل حول آثار العقد اتلإداري على الغير

هذا  وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب
و الله الموفق...

مفهوم العقـد:

العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه.
والعقد، كذلك، هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني، أو بعبارة أخرى، هو توافق إرادتين على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها.

تعريف العقد في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء

يطلق العقد في اللغة على الجمع بين أطراف الشيء وربطها، وضده الحل، ويطلق أيضاً بمعنى إحكام الشيء وتقويته.
                       ( الرازي , 1993م , ص : 187)
 ومن معنى الربط الحسي بين طرفي الحبل أخذت الكلمة للربط المعنوي للكلام أو بين الكلامين، ومن معنى الإحكام والتقوية الحسيّة للشيء أُخذت اللفظة وأُريد بها العهد، ولذا صار العقد بمعنى العهد الموثّق، والضمان، وكل ما يُنشئ التزاما.
وعلى ذلك يكون عقداً في اللغة، كل ما يفيد الالتزام بشيء عملاً كان أو تركاً، من جانبٍ واحد أو من جانبين، لما في كل أولئك من معنى الربط والتوثيق.
المعنى الاصطلاحي: أما المعنى الذي اصطلح عليه الفقهاء لكلمة العقد فانه لا يبعد عن المعنى اللغوي له، بل هو حصرُ له وتخصيص لما فيه من العموم، وللعقد معنيين عندهم، ويطلق بإطلاقين: فمن عباراتهم ما يفيد أن العقد هو ربط بين كلامين ينشأ عنه حكم شرعي بالتزام لأحد الطرفين أو لكليهما.
وهذا يتفق كل الاتفاق مع تعريف القانونيين للعقد بأنه توافق إرادتين على إنشاء التزام أو نقله أو إنهائه.
ولذا فإن أكثر الفقهاء لا يطلقون اسم العقد على الطلاق، والإبراء، والإعتاق وغيرها مما يتم بكلام طرفٍ واحدٍ من غير كلام الطرف الثاني. في حين يطلقون اسم العقد على البيع، والهبة، والزواج، والإجارة وغيرها مما لا يتم إلاّ بربط كلامين من طرفين.
وبجوار هذا فإن هناك من الكتاب في الفقه من يعممون، فيطلقون كلمة العقد على كل تصرف شرعي، سواء أكان ينعقد بكلام طرفٍ واحد أم لا ينعقد إلاّ بكلام طرفين.
                           ( سلطان , 2007م , ص 311)
وفي الجملة أن كتب الفقه تذكر كلمة العقد، وتريد بها أحياناً المعنى العام، وهو المراد للتصرف، وتذكرها أحياناً وتريد بها المعنى الخاص، وهو ما لا يتم إلاّ من ربط كلامين يترتب عليه أثرُ شرعي. وهذا هو المعنى الشائع المشهور حتى يكاد ينفرد هو بالاصطلاح، وهو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن إذا أطلقت كلمة العقد. أما المعنى الثاني فلا تدل عليه كلمة العقد، إلاّ بتنبيه يدل على التعميم.

تقسيمات العقود :

 أهم التقسيمات هي :

العقد المسمى :

هو الذي نظمه المشرع ( مثلا : عقد البيع أو الإيجار عقد الشركة ).

العقد غير المسمى :

هو الذي لم يتناوله المشرع في نصوص خاصة و إنما تحكمه القواعد العامة مثلا :عقد استعمال دراجة نارية.

العقد الرضائي :

 هو الذي يتم بمجرد التراضي.

العقد الشكلي :

هو الذي يخضع لشكل معين ، أي الكتابة و في غالب الأحيان الكتابة الرسمية أمام الموثق،وهدا لحماية المتقاعدين

العقد العيني :

هو الذي يستوجب تسليم العين،محل العقد.


العقد الملزم للجانبين :

 هو الذي ينشئ الالتزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين و هذا طبقا للمادة من القانون المدني التي تنص " يكون العقد ملزما للطرفين،تبادل المتقاعدين الالتزام بعضهما بعضا.

العقد الملزم لجانب واحد :


 هو الذي ينشئ التزاما في ذمة أحد المتقاعدين دون آخر و هذا حسب المادة 56 من القانون المدني التي تنص "" يكون العقد ملزما لشخص أو لعدة أشخاص ، إذا تعاقد فيه شخص نحو شخص ،دون التزام من هؤلاء الآخرين (مثلا :الهبة تمليك، المادة 202 من قانون الأسرة "الهبة تمليك بلا عوض ".

و هناك عقود أخرى منها :
عقد المعاوضة و عقد التبرع و العقد المعدد  أو التبادلي
و عقد الغرر أو العقد الاحتمالي و العقد الفوري و عقد المدة      ( منصور , 2003م, ص 219-224 )

شروط العقد وشروط صحته:

نظراً إلى أن العقد هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني معين، لهذا، كان لا بد لانعقاد العقد من وجود أركان له، وهي:
  1. الركن الأول وهو التراضي بين طرفيه.
  2. الركن الثاني وهو المحل.
  3. الركن الثالث وهو السبب.
  4. وقد يضيف القانون أو المتعاقدان، ركناً رابعاً، وهو الشكل، وهذا هو العقد الشكلي.
ويترتب على فقدان ركن من هذه الأركان، بطلان العقد بطلاناً مطلقاً. فإذا انعدم التراضي لانعدام التمييز والإرادة، مثلاً، أو إذا انعدم السبب أو المحل، أو إذا لم يستوفيا ما يشترطه القانون، كأن كانا غير مشروعين، مثلاً، كان العقد باطلاً.
ويستلزم القانون، فضلاً عن هذه الأركان الثلاثة، التراضي والمحل والسبب، أن يكون كل من طرفَي العقد متمتعاً بالأهلية، وأن تكون إرادة كل منهما خالية من العيوب.
فاستيفاء العقد لأركانه شرط لانعقاده، والتمتع بالأهلية وسلامة الإرادة من العيوب، شرط لصحته. وجزاء فقدان أحد شروط الانعقاد، هو البطلان المطلق. أما جزاء فقدان شرط من شروط الصحة، فهو القابلية للإبطال، أو ما يسمى بالبطلان النسبي

مفهوم العقد الإداري

يمكن تعريف العقد الإداري بأنه:
" العقد الذي يبرمه شخص معنوي من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق أو بمناسبة تسييره وأن تظهر نيته فى الأخذ بأسلوب القانون العام وذلك بتضمين العقد شرطاً أو شروطاً غير مألوفة فى عقود القانون الخاص ."
ولم يخرج الفقه عن محددات هذا التعريف أيضاً، إذ عرف الدكتور/ سليمان الطماوي، في كتابه " الأسس العامة للعقود الإدارية – دراسة مقارنة " العقد الإداري بأنه "  ذلك العقد الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه، وتظهر فيه نية الإدارة في الأخذ بأحكام القانون العام، آية ذلك أن يتضمن العقد شروطا استثنائية، وغير مألوفة فى القانون الخاص أو أن يخول المتعاقد مع الإدارة الاشتراك مباشرة في تسيير المرفق العام"( الطماوي , 2005م , ص45)

هو عمل قانوني إتفاقي أحد طرفيه إدارة من أجل القيام بالأشغال أو الخدمات أو الدراسات أو توريدات لها صلة بالمرفق العام.

هو اتفاق يكون أحد طرفيه إدارة عمومية و يتضمن بند غير مألوف (شرط غير مطبق في العقود الخاصة) و هذا البند عادة ما يعطي إمتيازات السلطة العامة، كما يسمى بالشرط المجحف.

مسألة الدراسات أضيف مؤخرا في تعديل قانون الصفقات العمومية.

و يعتبر العقد من أهم الوسائل التي تستعملها الإدارة في إطار تحقيق الخدمة العامة.
و يشترط أن يتضمن العقد بند أو بنود (شروط) غير مألوفة في قواعد القانون الخاص و عليه يمكن تحديد العقد الإداري إذا ما توافرت الشروط الآتية :

العقد الإداري بين أشخاص القانون الخاص:


تتخذ الإدارة العامة في مباشرة وظيفتها عدة وسائل لتحقيق أهدافها المختلفة و هذه الوسائل قد تتم بالإرادة المنفردة للإدارة وقد تكون في شكل تعاقدات تبرمها الإدارة لتصريف شئونها وتحقيق أهداف العمل الإداري ومما لاشك فيه أن الإدارة عندما تبرم مثل هذه التعاقدات يتعين أن تستهدف تحقيق المصلحة العامة وهو هدفا يتعين أن يكون أساس لكل ما تقوم بع الإدارة من أعمال أو تصرفات ، و إذا كان الفقه والقضاء في مصر وفرنسا قد تناول بالدراسة فكرة تعاقد الإدارة وذلك لوضع الأسس التي يقوم عليها مثل هذا التعاقد وخاصة فيما يتعلق بمعيار تميز العقد الإداري ، انطلاقا من أهمية تحديد ذلك المعيار تمهيدا لتطبيق الأحكام الموضوعية و الإجرائية لقواعد القانون الإداري على مثل هذه التعاقدات إلا انه في هذا الإطار يتعين أن نشير أيضا في هذا المقام أن الفقه والقضاء لم يعني كثير ببحث الأحكام الخاصة المتعلقة بفكرة الوكالة في العقود الإدارية .

وإذا كانت فكرة الوكالة لم تحظ بتلك الأهمية إلا أن التطور المعاصر لتدخل السلطة العامة غير هذا الوضع تماما و أصبحت فكرة الوكالة محل اهتمام القضاء و تحليلات الفقهاء وتعليقاتهم بحيث اصبح أسلوب الوكالة يحتل مكانا هاما نسبيا بين الأساليب التي تسمح للشخص الخاص بالدخول في مجال النشاط الإداري.
( سليم , 1995م , ص30)

أركان العقد الإداري:

العقد الإداري يقوم على أركان ثلاثة – شأنه فى ذلك شأن العقد الخاص وهذا الأركان هى: الرضاء ، المحل ، و السبب.
 فالرضا: يعنى تلاقى الإيجاب والقبول من الإدارة والمتعاقد معها، فهذا هو جوهر الرابطة التعاقدية، ومن المفترض في هذا الشأن تحقق الأهلية فى رجال الإدارة، إلا أن القضاء الإداري طبق فى هذا الشأن القواعد المعمول بها فى القانون المدني الخاصة بعيوب الإرادة وهى الغلط، والتدليس، والإكراه، والغبن.
 وأما المحل: فان القضاء يطبق بشأنه أيضاً قواعد القانون المدني أيضاً وذلك فيما عدا ما تستلزمته طبيعة العقود الإدارية، والملاحظ بخصوص المحل الآتي:
-أنه ثمة أمور يحرم المشرع التعاقد بشأنها صراحة مثال ذلك ما حرمه المشرع على العاملين بالدولة فى التقدم بعطاءات أو عروض في المناقصات والممارسات التي تطرحها الجهات الإدارية التابعين لها.

-أن هناك بعض المسائل لا يجوز أن تكون محل تعاقد بين الإدارة والفرد، مثال ذلك اتفاق الإدارة مع موظفيها لإنقاص المزايا التى تضمنها لهم المراكز النظامية العامة أو الوظيفة العامة.

وعن السبب: فإن أحكام القضاء الإداري تكاد تكون قليلة في هذا الشأن وسبب ذلك أنه من النادر أن تتعاقد الإدارة دون سبب أو بسبب باطل، ولكن فى الجملة يمكن القول أن السبب ركن جوهري وأساسي فى العقد الإداري، وأنه محكوم فى المقام الأول بالقواعد المدنية هو الأخر، مع مراعاة ما يتعلق بطبيعة العلاقات الإدارية.

نسبية أثر العقد :

قوة العقد الملزمة بالنسبة للأشخاص :

- يهيمن على القوة الملزمة للعقد بالنسبة للأشخاص مبدأ نسبية أثر العقد ، يقضي بأن " أثر العقد يقتصر على طرفيه " بمعنى أن الالتزامات الناشئة و الحقوق المتولدة عنه لا تنصرف إلا إلى العاقدين.

- و يقضي بهذا المبدأ الاعتراف باستقلال الأفراد ، و ضرورة احترام حريتهم فالإثارة التي ينشئها العقد هي وليدة إرادة العاقدين دون غيرهما ، و لا يمكن من ثم ، أن تنصرف إلا إليهما ( أي للعاقدين ).

ملاحظة هامة :

- لكن لا يقصد بالعاقدين طرفا العقد وحدهما ،ليتقصر أثر العقد عليهما ، لأن الفرد بتعاقد لنفسه ،كذلك لوارثة ( أو خلفه العام ) ، فلا تقسيم المعاملات إذا انقضى أثر العقد ( حق أو التزام ) بوفاة الدائن أو المدين ، بل يتعين انتقاله إلى " خلفه العام ".
و كذلك قد يتعلق العقد بشيء معين يملكه العاقد ، و لا يتصل بشخصه ، و تقتضي طبيعته أن ينتقل أثر العقد ، مع الشيء الذي يتعلق به ، إلى من ينتقل هذا الشيء إليه ، و الذي يسمى با " لخلف الخاص "
- فأثر العقد ينصرف إلى العاقدين و من يمثلانه في إبرامه : و العاقد يمثل في تعاقده " خلفه العام " و قد يمثل " خلفه الخاص " ، و على ذلك ينصرف أثره إلى العقدين و إلى " الخلف العام " و قد ينصرف أيضا إلى " الخلف الخاص ".
-فإذا قلنا أن أثر العقد لا ينصرف إلى غير العاقدين ، فلا يعتبر " الخلف العام " ،و لا " الخلف الخاص " ، ( في حدود معينة ) ، من " الغير " اللذين لا ينصرف إليهم أثره .

مدى أثر العقد:

القوة الملزمة للعقد من حيث الموضوع:
- للعقد ( في حدود موضوعيه ) قوة ملزمة تساوي قوة القانون ، فيجب على كل عاقد تنفيذ الالتزامات التي ترتبت في ذمته بمقتضاه ، و إلا كان مسؤولا عن عدم تنفيذها فيتعين ، من ثم تحديد موضوع العقد أو مضمونه لنرى إلى أي حد يلتزم العاقدين بهذا المضمون و يتعين الجزاء الذي يترتب على إخلال أحد العاقدين بتنفيذ ما التزم به وفقا له.
- و قد يقتضي تعيين مضمون العقد تفسيره.

تفسير العــــقد:

- إن تفسير العقد يعني شرح و معنى نطاق العبارات الواردة فيه ، أن مهمة تفسير العقود ( عند اختلاف الأطراف المتعاقدين ) ، تعود إلى السلطة القضائية .

- و يتولى القاضي تفسير العقد ليصل إلى تحديد الالتزامات التي أنشأها عن طريق الكشف عن إرادة العاقدين و تطبيق نصوص القانون ، و يتعين على القاضي الذي عرض عليه النزاع بين العاقدين أن يبحث على الإرادة المشتركة للعاقدين للفصل في النزاع.

-فإذا كانت عبارات العقد واضحة : يكون تفسيرها يسيرا إلى حد يمكن القول معه بأنه يمر غير ملحوظ ، بحيث لا يكون على القاضي سوى تطبيقه ، و أخذ العاقدين بحكمه.

- أما إذا كانت عبارات العقد غير واضحة : تعين على القاضي تفسيرها عن طريق الكشف عن الإرادة المشتركة للعاقدين.

- فإذا قام لدى القاضي ، شك في التعرف على هذه الإرادة المشتركة ، فسر الشك لمصلحة المدين في غير عقود الإذعان –
- و على هذا يكون لتفسير العقد ، حالات ثلاث :
1- حالة العبارات الواضحة
2- حالة العبارات الغير واضحة.
3- حالة قيام شك في تبين الإرادة المشتركة للعاقدين.

تحديد نطاق العقد

بعد أن يفسر القاضي بنود العقد للكشف عن النية المشتركة للعاقدين ، ينتقل إلى تحديد النطاق (أو أثار ) العقد ، غير مكتف ، في هذا التحديد ، بما ورد فيه وفقا لتلك النية المشتركة ، بل يجاوزه إلى ما يعتبر من " مستلزماته " طبقا للقانون و العرف و العدالة و هذا حسب المادة 107 من القانون المدني التي تنص " يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه و بحسن نية ".
و لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب ، بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون و العرف و العدالة ، بحسب طبيعة الالتزام.
غير أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها و ترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي ، و أن لم يصبح مستحيلا ، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فإذا جاز للقاضي تبعا للظروف و بعد مراعاة لمصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، و يقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك .

 مدى التزام العاقدين بتنفيذ العقد

حسب المادة 106من القانون المدني المصري تنص أن " العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ، و لا تعديله إلا باتفاق الطرفين ، أو للأسباب التي يقررها القانون ".
- و تطبيقا للفقرة 1 للمادة107 "... يجب تنفيذ العقد لما أشتمل عليه و بحسن نية..."

- ( نلاحظ أن مبدأ حسن النية و مبدأ " العقد : شريعة المتعاقدين " من المبادىء الأساسية التي بنيا عليها تشريع العقد ).

- لكن المشرع أورد إستثناءين على هذا المبدأ العام ، تقرر فيهما للمحكمة سلطة تعديل العقد :

1- أولهما يتعلق بعقود اللاذعان ( المادة 110 ) و الشروط التعسفية .

2- و ثانيهما تقضي به نظرية الظروف الطارئة ( المادة107 -3 ) .


جزاء الإخلال بالعقد:


- إذا نشأ العقد صحيحا ، يكون واجب التنفيذ ، بحيث يتعين على المدين أن ينفذ الالتزامات الناشئة عنه على الوجه المتفق عليه فيه ، و إلا كان للدائن أن يسأل المدين عن عدم تنفيذها ، و تقوم مسؤولية هذا الأخير عنه ، ما لم يثبت رجوعه إلى سبب أجنبي لا بد له فيه ، فيحكم عليه بتعويض الضرر الذي لحق الدائن نتيجة له.

-فالمسؤولية العقدية هي جزاء الإخلال بتنفيذ التزام ناشئ عن العقد.

- لكنها ليست جزاءه الوحيد إذا كان العقد الذي ولده ملزما للجانبين ، بل يضاف إليها ( في نطاقه ) جزاءات أخرى : مثلا إذا أخل أحد العاقدين ، في عقد ملزم للجانبين ، بالتزاماته ، جاز للعاقد الآخر أن يطلب فسخ العقد ، لتنحل الرابطة القانونية التي ولدها ، و يتخلص ، بانحلالها ، عن التزاماته .
- كما يجوز له أن رأى الأبناء ، رغم ذلك على العقد أن يكتفي بوقف تنفيذ التزاماته إلى أن يقوم العاقد الأخر بتنفيذ التزاماته ، بمقتضى الدفع بعدم التنفيذ الذي تقرر له إلى جانب الفسخ .
آثار العقد بالنسبة للغير

آثار العقد الإداري على الغير

على خلاف العقود الخاصة التي تكون آثارها و التزاماتها و حقوقها قاصرة على أطرافها فإن العقود الإدارية تخرج عن القاعدة المسشار إليها و تتعدى آثارها عمليا المتعاقدين إلى الغير .

الأساس القانوني لامتداد آثار العقود الإدارية إلى الغير :

تمتد آثار العقود لإدارية على الغير إما بناء على نظرية الاشتراط لمصلحة الغير و إما بناء على الطبيعة الذاتية للعقود الإدارية .
ففي  الحالات التي يتضمن العقد المبرم بين الإدارة و المتعاقد شروطا تعطي حقوقا للغير فإن الغير يستمد حقوقه من تلك الشروط الواردة في العقد و لو لم يكن طرفا في العقد على أن تكون تلك الشروط تعطي حقا مباشرا للمنتفع و أن يكون الهدف من ذلك مصلحة شخصية مادية كانت أم أدبية .
كما أنه بالإمكان الاعتماد في ذلك على الحق على طبيعة العقود الإدارية لأنه من طبيعة  هذه العقود الإدارية أنها تولد آثارا في مواجهة الغير لأنها وسيلة من وسائل الإدارة في تحقيق المصلحة العامة .
و لكن هناك من يرى أن العقود الإدارية لا يمتد أثرها للغير و أنه إذا ظهرت حالة معينة أعطي فيها الغير هذا الحق فإن ذلك  ليس بناء على شروط العقد الإداري أو طبيعته الخاصة و إنما ذلك للسبب الخاص الذي أعطي من أجله هذا الحق أو الطبيعة اللائحية لتلك الشروط .

الحقوق التي رتبها العقد الإداري للغير :

يترتب على إبرام العقد الإداري نشأة حقوق و مكتسبات لأطراف آخرين ليسوا طرفا في العقد كما أنها قد تتجاوز ذلك إلى الحق في مطالبة افدارة أو المتعاقد معها باتخاذ موقف معين و تظهر هذه الحقوق كثيرا في عقود امتياز المرافق العامة و عقود الأشغال العامة .
و من أمثلة ذلك ما نصت عليه المادة (12/2) من عقد الأشغال العامة بشراء المنتجات الوطنية , و تنفيذ ما لا يقل عن 30 % من قيمة العقد إذا كان المقاول أجنبيا بواسطة مقاول سعودي و الالتزام بشراء الأدوات و المعدات اللازمة للتنفيذ من وكلاء سعوديين و الحصول على خدمات النقل و التأمين و الخدمات البنكية و شراء و استئجار الأراضي و المباني و خدمات الإعاشة و توريد المواد الغذائية من مؤسسات سعودية محلية .
و الالتزام بالتأمين على المشروع و مكوناته الأساسية إذا زادت قيمته على خمسة ملايين ريال سعودي .
و توظيف و استخدام العمال السعوديين خلال مدة العقد أو على مدى تشغيل المرفق .
كما يشمل ذلك ما يرد في العقود من نصوص تعفي موظفي و عمال و مقاولي الباطن للمتعاقد الرئيسي من الضرائب و الرسوم و غير ذلك .
فكل هذه الحقوق يستمدها الغير من من شروط العقد و بالتالي يحق لهم المطالبة بتطبيقها .

و هناك حقوق أخرى تتمثل في :

-        حقوق المستفيدين في عقود امتياز المرافق العامة , حيث أن أولئك المستفيدين يستمدون حقوقهم من تلك العقود و يستطيعون ممارستها في مواجهة كلا من الإدارة و الملتزم إذا خالف شروط العقد المبرمة بموافقة الإدارة أو لم تقم الإدارة بإجبارة على تطبيق الشروط .
الحقوق التي يتمتع بها المتعاقد تجاه الغير :
نظرا لكون المتعاقد يعتبر متعاونا مع الإدارة في إنشاء و تشغيل المرفق العام فذلك يتطلب إعطائه حقوقا و سلطات تكفل قيامه بتلك المعاونة و المساهمة خاصة في عقود الامتياز , و من ذلك على سبيل الإشارة : إعطاء المتعاقد حق الاستفادة من المواد الطبيعية كالرمال و الحجارة و الأتربة التي تدخل في تنفيذ العقد .
كما يعطى حامل الامتياز أحيانا الحق في نزع ملكية بعض العقارات إذا تحققت الشروط اللازمة لذلك .
كذلك يتمتع المتعاقد إذا كان حاملا للامتياز بتقاضي الأجور أو الرسوم مقابل الخدمات التي يقدمها .( حسن ، 1394هـ، ص 211)
و هنا يثور التساؤل حول ما إذا كانت هناك معاملة خاصة بالنسبة للدعاوى التي تقام على المتعاقد إذا تسبب هذا المتعاقد في إحداث ضرر للغير أثناء تنفيذ العقد , إذ يرى البعض أنه يقاضى أمام المحاكم الإدارية و ليس أمام المحاكم المدنية و ذلك في عقدي امتياز المرافق العامة و الأشغال العامة فقط دون سائر العقود الأخرى حيث هنا يقاضى أمام المحاكم المدنية .
و يستطيع المتضرر في عقود الامتياز مقاضاة الملتزم دون الإدارة إلا إذا ثبت إعسار الملتزم , أما في عقد الأشغال العامة فإن المتضرر يستطيع مقاضاة المقاول أو الإدارة باعتبار أن الإدارة هي صاحبة الأعمال و المسئولة عنها .
و في المملكة فإن الدعاوى المقامة من المتضررين بسبب تنفيذ العقود الإدارية إذا كان المتعاقد هو المتسبب مباشرة في إحداث تلك الأضرار أو رفض تقديم خدمات المرفق العام أو تجاوز الشروط المسموح بها ... فإن الدعوى تقام على المتعاقد أما المحاكم الشرعية لأن الدولة ليست طرفا في هذا النزاع و ليست المتسببة في الأضرار .
كما أن من الحقوق التي يتمتع بها المتعاقد اشتراط عدم المنافسة بحيث يحق له منع غيره من ممارسة النشاط الذي يمارسه بمقضى عقده مع الإدارة .
و كذلك إعفاء المتعاقد في بعض العقود من بعض أنواع الضرائب بشكل دائم أو بشكل مؤقت .(الوهيبي ، 1429هـ، ص 411- 414)

و من أبرز نتائج دراسة علمية عن آثار العقد الإداري في الفقه والنظام وتطبيقاته القضائية للباحث عبد الله بن حمد السعدان يمكن الاشارة إلى أن :
1-            الجزاءات التي توقع على المتعاقد مع الإدارة إذا أخل بالتزاماته العقدية، إما أن تكون جزاءات مالية أو مادية أو فسخ العقد أو جزاءات جنائية.
2-            الجزاءات المالية التي تطبق على المتعاقد مع الإدارة هي الجزاءات الشائعة والأكثر استعمالاً، ويقصد منها حث المتعاقد على تنفيذ التزاماته وليس الإثراء المالي فحسب، وهي إما أن تكون على شكل تعويضات تجبر الضرر، وتحث المتعاقد مع الإدارة على إنجاز الأعمال، وقد يترك قدر الضرر يقدر حسب القواعد العامة، وقد ينص في العقد على مقداره وهو ما يسمى بالشرط الجزائي، وعند الاختلاف يترك الأمر للقضاء للتدخل بما يحقق العدالة، وقد أنكر البعض مشروعية الشرط الجزائي في العقود الإدارية، وقد تكتفي الإدارة بمجازاة المتعاقد بمصادرة الضمانات البنكية، وقد يكون بفرض غرامات تأخير، أو غرامات تقصير بالنسب المحددة بالعقد.
3-            تستطيع الإدارة أن ترغم المتعاقد على تنفيذ العقد، وذلك بأن تحل محله في التنفيذ، أو أن تعهد به إلى غيره، وهذا الجزاء هو التنفيذ العيني للعقد وتختلف تسميته بحسب العقد، فيسمى في عقد الالتزام: وضع المرفق تحت الحراسة، وفي عقد الأشغال العامة: وضع المقاولة تحت الحراسة المباشرة. وفي عقود التوريد الشراء على حساب المورد.
4-            فسخ العقد بالإرادة المنفردة لجهة الإدارة جزاء خطير لا تستعمله الإدارة إلا في حالة حدوث إخلال جسيم من المتعاقد مع الإدارة. وذهب البعض إلى أن هذا الفسخ لا يرد على إسقاط الالتزام، إذ لا يكون ذلك إلا بحكم قضائي، ويشترط لهذا الفسخ حدوث خلل جسيم من المتعاقد، وإنذار المتعاقد مع الإدارة ليتلافى دواعي الفسخ، أو يتدبر أمور الإخلاء الموقع، ويترتب على الفسخ إنهاء الرابطة العقدية، وتحمل الملتزم جميع الأعباء المالية التي تتحملها الإدارة، أما في العقود الأخرى، فإذا كان الفسخ مجرداً لا يتحمل المتعاقد مع الإدارة أية أعباء، أما إذا كان الفسخ على مسؤولية المتعاقد مع الإدارة وهذا لا يكون إلا في حالة وضوح الإخلال الجسيم فإن المتعاقد، يتحمل كافة الأعباء المالية التي تقع على عاتق الإدارة.
( السعدان , 1425هـ, ص 5-10 )

الخاتمة

الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...
فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع :" أثار العقد الإداري على الغير " و فيه تطرقت إلى مفهوم العقد لغة و اصطلاحا و مفهوم و طبيعة العقد الإداري و أركانه و نسبية أثره ثم تطرقت بعد ذلك إلى دراسة آثار العقد الإداري مع التركيز على هذه الآثار على الغير ... هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...
و بالله التوفيق ...

المراجع


1-       أمجد محمد منصور : النظرية العامة للالتزامات / مصادر الالتزام , مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع , القاهرة  , 2003م.
2-       أنور سلطان : مصادر الالتزام - دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي , دار الثقافة للنشر والتوزيع , عمان , 2007م.
3-      سليمان الطماوي : الأسس العامة للعقود الإدارية : دراسة مقارنة , ط.1 , ، مطبعة جامعة عين شمس، القاهرة ، 2005م.
4-      عبد الفتاح حسن : دروس في القانون الإداري , معهد الإدارة العامة , الرياض , 1394هـ.
5-      عبد الله بن حمد السعدان : آثار العقد الإداري في الفقه والنظام وتطبيقاته القضائية, المعهد العالي للقضاء, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, الرياض , 1424هـ .
6-      عبد الله بن حمد الوهيبي :القواعد المنظمة للعقود الإدارية و تطبيقاتها في المملكة العربية السعودية , الطبعة الثانية , مطابع الحميضي, الرياض , 1429هـ .

7-      محمد بن أبي بكر الرازي : مختار الصحاح , الطبعة الثانية , مكتبة لبنان , بيروت , 1993م .
8-      مصطفى عبد المقصود سليم :  الوكالة في إبرام العقد الإداري , دار النهضة العربية, بيروت , 1995م  .



ابحث عن موضوع