بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الخطأ الطبي المنشئ للمسؤولية المدنية في التشريع الجزائري

مقـــدمة
نظرا للتطورات العلمية الهائلة والتقدم التكنولوجي في كافة مجالات الحياة أضحى أمر متابعة هذه التطورات من الأهمية بمكان بحيث يجب أن تحاط بضمانات تشريعية تضمن إحترام الشخصية الإنسانية ورعايتها بأكبر قدر ممكن في جميع الظروف، ومما لا شك فيه أن العلوم الطبية الحديثة أصبحت تقدم للإنسانية خدمات متميزة وأصبح الطب أكثر فعالية وأكثر طموحا عما كان عليه فيما مضى وفي الوقت نفسه أكثر خطورة كأي تقدم علمي.
وتعتبر العلوم الطبية من أقدم العلوم التي عرفها الإنسان، ظهرت في عصورما قبل التاريخ ممتزجة بالخرافات والسحر و كانت مزاولة الطب قاصرة على الكاهن الذي يجمع بين السلطات الدينية والقضائية وكان الإعتقاد السائد آنذاك أن الشيطان يسكن جسم الانسان ويسبب له المرض فإذا ما مات فإن ذلك يعني أن الشيطان قد تغلب عليه.
وتقدم الطب عند قدماء المصريين فجمع كل ما يتعلق بأعراض الأمراض وطرق علاجها في كتاب عرف ب"السفر المقدس" وكان على الطبيب أن يحترم ما هو مدون فقط في هذا الكتاب فإذا خالفه وسبب ذلك وفاة المريض دفع الطبيب رأسه ثمنا.
وفي عهد البابليين وضعت قوانين صارمة لمزاولة مهنة الطب وتشددوا في محاسبة الأطباء على أخطائهم إذ تقطع يد الطبيب الذي يعالج رجلا حرا من أجل جرح خطير وتسبب في موته.
وكان "لإبقراط Hippocrate " في عهد الإغريق( اليونان) الفضل الكبير في تخليص الطب من الخرافات، إلا أن ذلك لم يرتب أي إلتزام قانوني على الطبيب وعلى الرغم من ذلك فقد أمر "الإسكندر الأكبر"Alexandre Le Grand بصلب الطبيب "جلوكيس "Glokis في الإسكندرية لإهماله أثناء علاج مريض مما تسبب في وفاته.
وفي عهد الرومان ونظرا لعدم وجود نصوص خاصة بمهنة الطب استدعى الأمر تطبيق القانون العام على الأطباء إذ يعتبر الجهل وعدم الكفاءة خطأ يعاقب مرتكبه بالنفي إذا كان من أفراد الطبقة الراقية وبالموت إذا كان من أفراد الطبقة الوضيعة.
في العصور الوسطى وفي أوروبا و قد ضاعت كتب "إبقراط" أصيب الطب بنكسة شديدة وسادت الخرافات و كثر السحر وأصبح إذا ما مات مريض بسبب عدم عناية الطبيب أو جهله سلم إلى أسرة المريض والتي يترك لها الخيار بين قتله أو جعله رقيقا.
وكانت دعوة الإسلام كبداية لعصر جديد لمجتمع حديث تحكمه مباديء الشريعة الإسلامية الغراء التي تحث على الدراسة والإجتهاد والتقصي والحكم بين الناس بالعدل والتي استقت منها القوانين الوضعية أحكامها وبها ظهرت أساليب التطبيب والوقاية وبنفس القدر بهر علماء الغرب وكانوا محل تمجيد حتى وقتنا الحالي بإكتشافاتهم العلمية.
ولما كانت مهنة الطب بما تتيحه للطبيب من التصرف في جسم الإنسان وعقله وروحه هي رسالة إنسانية غايتها خدمة الإنسان، فإنه لن يضره شيئ أن تمحص أعماله على ضوء التشريع والشريعة والإجتهاد القضائي والفقه، فلا يتصور إعفاؤه من المسؤولية إذا ما أساء الى مرضاه بأخطائه.
ومما لا شك فيه أن كل الدول تهدف إلى حماية صحة مواطنيها وترقيتها عن طريق إصدارها لقوانين ومراسيم وقواعد تنظم مهنة الطب في ظل التزايد المستمر في استعمال الآلات والأجهزة في المجال الطبي وما يصاحب ذلك من مخاطر، وقد حرصت الجزائر على تكريس الحق في الرعاية الصحية ضمن مبادئ الدستور وأحكامه فنجد المادة 54 منه تنص على أن: "الرعاية الصحية حق للمواطنين وتتكفل الدولة بالوقاية من الأمراض الوبائية والمعدية وبمكافحتها".
إن كلمة الحق الموجودة في هذه المادة تدفعنا للبحث عن ذلك الإلتزام الذي يقع على عاتق من يكفل هذه الوقاية من الأمراض الوبائية والمعدية ومكافحتها، فقد نصت المادة 06 من المرسوم التنفيدي رقم 92-276 المؤرخ في 06 جويلية 1992 المتضمن مدونة أخلاقيات الطب على أنه:" يكون الطبيب وجراح الأسنان في خدمة الفرد والصحة العمومية، يمارسان مهامهما ضمن احترام حياة الفرد وشخصه البشري".
نستخلص من هذا النص أن المشرع قد وضع حماية للمريض، إلا أنه تجاهل مصلحة الطبيب بتأكيد إلتزامه باحترام حياة المريض وشخصه البشري وبالتالي ترتيب مسؤوليته، رغم أنه جدير بالحماية عن الأخطاء التي قد تقع منه أثناء مزاولته لمهنته، لما تتميز به مهنة الطب من توسع وتعقيد وابتكار، فالطبيب الذي يخشى المساءلة سيمتنع عن الإقدام على فحص المريض وسلوك الطرق اللازمة التي تستدعيها حالتة خشية الوقوع في الخطأ، وعليه فإن عمل الطبيب ينبغي أن يتم في جو تكتنفه الثقة والإطمئنان.
وبناءا على ما تقدم فقد تثار مسألة إيجاد التوازن بين أمرين هامين:
الأمر الأول: يتمثل في حماية المرضى مما يصدر عن الأطباء من أخطاء ذات أثر سيء عليهم من تشوه وشلل ووفاة.
الأمر الثاني: يتمثل في توفير الحماية القانونية للأطباء وتأمينهم من المخاوف الناجمة عن المساءلات القضائية عند الخطأ والتقصير.
وسوف نقف عند الخطأ الطبي وصوره باعتباره أحد أركان المسؤولية المدنية التي تقع على عاتق الطبيب والتطرق إلى الخطأ على هذا المنوال تظهر دقته وأهميته لما ينطوي عليه من طبيعة خاصة
لكون خطأ الطبيب يتعلق بنشاط حيوي يمس صحة الإنسان وسلامته ولإرتباطه بعلم دائم التطور، ولكونه ليس كخطأ الشخص العادي لتميزه بطبيعة فنية خاصة و تعقيد علمي.
إنطلاقا من هذه المعطيات النظرية يمكن طرح الإشكالية التالية: فما هو الخطأ الطبي وما هي الحالات التي يشكل فيها إخلال الطبيب بإلتزاماته خطأ طبيا مولدا لمسؤوليته المدنية من خلال الممارسة التطبيقية لمهنة الطب وعلى ضوء التشريع الجزائري الحالي؟.
للإجابة على هذه الإشكالية إرتأينا دراسة موضوع الخطأ الطبي المنشىء للمسؤولية المدنية في التشريع الجزائري حسب الخطة المبينة أدناه:
الفصل الأول: مفهوم الخطأ الطبي
المبحث الأول: تعريف الخطأ الطبي
المطلب الأول: المقصود بالخطأ الطبي
المطلب الثاني: عناصر الخطأ الطبي
المطلب الثالث: التمييز بين الخطأ الطبي المدني والخطأ الطبي الجزائي
المبحث الثاني: تقسيم الخطأ الطبي
المطلب الأول: تقسيم الخطأ الطبي من حيث أنواعه
المطلب الثاني: تقسيم الخطأ الطبي من حيث درجاته
المطلب الثالث: التفرقة بين خطأ الفريق الطبي والخطأ الطبي الفردي
المبحث الثالث: معيار تقدير الخطأ الطبي
المطلب الأول: المعيار الشخصي
المطلب الثاني: المعيار الموضوعي
المطلب الثالث: المعيار المختلط
المبحث الرابع:إثبات الخطأ الطبي
المطلب الأول: إثبات الخطأ الطبي في الإلتزام ببذل عناية
المطلب الثاني: إثبات الخطأ الطبي في الإلتزام بتحقيق نتيجة
المطلب الثالث: دور الخبرة في إثبات الخطأ الطبي
الفصل الثاني: صور الخطأ الطبي وتطبيقاته
المبحث الأول: رفض علاج المريض و تخلف رضاه
المطلب الأول: رفض علاج المريض
المطلب الثاني: تخلف رضاء المريض
المبحث الثاني: الخطأ الطبي في التشخيص وفي وصف العلاج ومباشرته
المطلب الأول: الخطأ الطبي في التشخيص
المطلب الثاني: الخطأ الطبي في وصف العلاج و مباشرته
المبحث الثالث:الخطأ الطبي من خلال العمليات الجراحية.
المطلب الأول: الخطأ الطبي قبل إجراء العملية الجراحية
المطلب الثاني: الخطأ الطبي أثناء القيام بالعملية الجراحية
المطلب الثالث: الخطأ الطبي عقب إجراء العملية الجراحية
المطلب الرابع: الخطأ الطبي من خلال العمليات التجميلية
المطلب الخامس: الخطأ الطبي من خلال نقل و زرع الأعضاء البشرية
خاتمة.
الفصل الأول

مفهوم الخطأ الطبي

برزت فكرة الخطأ في أول أمرها لدى فقهاء الكنيسة في القرون الوسطى، إلا أن الفضل يعود للفقيهين[1]" دوما Doma" و"بوتييه Potier " في إبراز فكرة الخطأ بوضوح فأقاما المسؤولية المدنية بنوعيها التقصيرية والعقدية على أساس الخطأ، إلا أنهم نادوا بتدرج الخطأ في المسؤولية العقدية دون المسؤولية التقصيرية مبررين ذلك بأن الإلتزام في المسؤولية العقدية يكون غالبا إيجابيا على خلاف الإلتزام في المسؤولية التقصيرية الذي يقوم على عدم الإضرار بالغير وبهذا فهو غير قابل للتدرج. ولكن هذا الرأي تم هجره حديثا لعدم صلاحيته كأساس للتمييز بين المسؤوليتين[2] . وعن مسؤولية الأطباء المدنية فقد ظهرت حديثا بصدور قرار Helie"" عن محكمة النقض الفرنسية عام 1930 التي قضت بمسؤولية الطبيب"Helie " وبإلزامه بتعويض مبلغ قدره مائة(100) فرنك فرنسي للطفل الذي قطعت ذراعيه، حتى بلوغه سن العاشرة(10) من عمره ومبلغ قدره مائتي(200) فرنك فرنسي طوال حياته وذلك لثبوت خطأ الطبيب أثناء ولادة الطفل بتسرعه في قطع ذراعيه محاولة منه لإنقاذ الأم.
وتوالى ذلك صدور عدة قرارات قضائية شوهد من خلالها تطورا في تكييف الخطأ الطبي وطبيعته. وبتقرير المسؤولية المدنية للطبيب توالى الحديث عن طبيعة الإلتزام المنشيء لهذه المسؤولية. فقد صدر قرار عن محكمة النقض الفرنسية [3] أقرت فيه صراحة بأن المسؤولية الطبية مسؤولية عقدية وليست تقصيرية في حالة وجود اتفاق صريح أو ضمني بين الطبيب والمريض وأن الأول يكون ملزما أصلا ببذل عناية وجهد يتفقان مع الظروف المحيطة ومشتقان من الأصول العلمية[4]. وبذلك خلص الفقه الى أن المسؤوليتين العقدية والتقصيرية تلتقيان من حيث معيار سلوك القائم بها وأن الإنحراف عن هذا المعيار يعتبر خطأ، ويعتبرهذا الأخير قوام مسؤولية الطبيب المدنية وعليه يتوقف وجودها، كما أنه لا بد من إثباته وإلا تنتفي معه المسؤولية.
بناءا على ما تقدم سنناقش في هذا الفصل الخطأ الطبي من حيث تعريفه في مبحث أول ونوعه ودرجته في مبحث ثان ومعيار تقديره في مبحث ثالث وإثباته في مبحث رابع.
المبحث الأول

تعريف الخطأ الطبي

لم يفرد المشرع الجزائري تعريفا للخطأ في القواعد العامة للقانون المدني تاركا الأمر لإجتهاد الفقه والقضاء، ولقد درج شراح القانون مند صدورقانون نابليون على تعريف الخطأ[5]، لكن هذه التعريفات تتباين وفقا لنزعاتهم الشخصية وتنسجم مع تطورات المجتمع من الناحية الإجتماعية والإقتصادية، ففي حين ذهب البعض من الفقهاء إلى التضييق من دائرة الخطأ وبالتالي الحد من المسؤولية المدنية والإلتزام بالتعويض، ذهب البعض الآخر منهم إلى التوسع في تعريفه لتسهيل قيام المسؤولية وتيسير السبيل على المضرور للحصول على التعويض على ما أصابه من ضرر[6] وقد عرف الفقيه الفرنسي" بلانيولPlaniol " الخطأ على أنه:
« La faute est un manquement à une obligation préexistante »
والمقصود بذلك أن الخطأ هو الإخلال بواجب سابق[7] . وقد اتخذ كل من الفقيهين" ريبير وسافاتيي Ripert et Savatier " تعريف الفقيه "بلانيول" كأساس لتعريف الخطأ فعرفه الأول على أنه "الإخلال بالتزام سابق ينشأ من العقد أو القانون أو قواعد الأخلاق " وعرفه الثاني على أنه " الإخلال بواجب كان بالإمكان معرفته ومراعاته "[8]. كما عرف الفقيه"إمانويل ليفي Emanuelle levy "الخطأ بأنه:" الإخلال
بالثقة المشروعة" .أما الفقيهان الفرنسيان" ليون مازو وهنري مازو et Henri Mazeaud Lion Mazeaud " فقد عرفاه بأنه :« La faute quasi délictuelle est une erreur de conduite telle qu'elle n'aurait pas été commise par une personne avisée placée dans les mêmes circonstances éxternes que l'auteur du dommage ».
والمقصود بذلك أن الخطأ هو: "إنحراف في السلوك على نحو لا يرتكبه الشخص اليقظ لو أنه وجد في ذات الظروف الخارجية التي وجد فيها مرتكب الفعل"[9].
ومهما يكن من تعريف للخطأ، فقد أجمع الفقه على أن فكرة الخطأ تقوم على عنصر الإحتراف أو التعدي وعنصر الإدراك أو التمييز.
 ويعتبر الخطأ الطبي صورة من صور الخطأ بوجه عام، لذلك نرى أنه من الضروري أن ندرج بعض التعريفات الفقهية له، فما المقصود بالخطإ الطبي ؟ و ما هي عناصره؟.
المطلب الأول:

المقصود بالخطأ الطبي

يرى بعض الشراح أن الخطأ الطبي[10] هو عدم قيام الطبيب بإلتزاماته الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، ويرى البعض الآخر أنه عدم قيام الطبيب بإلتزاماته الخاصة التي لا ينشؤها الواجب القانوني العام بعدم الإضرار بالغير، وإنما المرجع فيها إلى القواعد المهنية التي تحددها، ويضيف البعض الآخر أن الخطأ الطبي يتمثل في إخلال الطبيب بإلتزاماته الخاصة والعامة[11]، كما يعرف بأنه إحجام الطبيب عن القيام بالواجبات الخاصة التي يفرضها علم الطب وقواعد المهنة و أصول الفن أو مجاوزتها.
وذلك نظرا لأن الطبيب وهو يباشر مهنة الطب فذلك يستلزم منه دراية خاصة ويكون ملزما بالإحاطة بأصول فنه وقواعد علمه التي تمكنه من مباشرتها ومتى كان جاهلا لذلك عد مخطئا[12].
هكذا فالخطأ الطبي يستمد تعريفه من الخطأ المهني بشكل عام، هذا الأخير الذي يعرف على أنه: " الخطأ الذي يتصل ويتعلق بالأصول الفنية للمهنة"[13]، فلا يقوم إلا أثناء ممارسة مهنة معينة، وهو يترتب عن الإخلال بأصولها وقواعدها الموضوعية المتعارف عليها، وهو غير الخطأ العادي الذي لا شأن له بأصول الفن والمهنة ذاتها، فالخطأ المهني هو ذلك الفعل الذي يرتكبه أصحاب المهن أثناء ممارستهم لمهنهم ويخرجون في ذلك عن السلوك المهني المألوف وعن الأصول المعمول بها والمستقر عليها لدى أصحاب تلك المهنة.
وإذا كان معيار الرجل الحريص يصلح تطبيقه على كافة الناس، فالمسألة تختلف بالنسبة للطبيب الذي ينتظرمنه أكثر مما ينتظر من الرجل العادي، فالمريض حينما يلجأ إلى الطبيب يركن إلى درايته
ويعتمد على خبرته، مما يستوجب على الطبيب أن يكون أهلا لذلك حتى يكسب ثقة ذلك المريض وذلك لا يتأتى إلا إذا إلتزم الطبيب بما هو مفروض عليه في قواعد مهنتة والتي لولاها لما وضع المريض
جسمه وحياته بين يديه. والأكيد أن عدم إتخاد الطبيب للإحتياطات اللازمة وعدم إظهار يقظة الرجل الحريص على أداء الواجب يعتبر إهمالا منه وخطأ موجبا للمسؤولية[14].
فيكون الطبيب مخطئا إذا لم يبذل العناية الوجدانية اليقظة الموافقة للحقائق العلمية المكتسبة وهذا ما عبرت عنه محكمة النقض الفرنسية في قرارها الشهير الصادر بتاريخ 20 ماي 1936 المشار إليه آنفا وبوجه عام إذا لم يقم الطبيب بواجباته تجاه المريض نتيجة تهاونه أو بجهله هذه الحقائق العلمية المكتسبة أوالمستقرة[15].
بناءا على كل ما سبق ذكره نخلص إلى أن التعريف الأخير هو الذي يتماشى ونصوص القانون الجزائري ويظهر ذلك جليا من خلال المادة 45 من مدونة أخلاقيات الطب[16] التي تنص على أنه: "يلتزم الطبيب أو جراح الأسنان بمجرد موافقته على أي معالجة بضمان تقديم علاج لمرضاه يتسم بالإخلاص والتفاني والمطابقة لمعطيات العلم الحديثة، والإستعانة عند الضرورة بالزملاء المختصين و المؤهلين".
المطلب الثاني:

 عناصر الخطأ الطبي

يتبين من خلال ما تقدم أن خطأ الطبيب هو خطأ من طبيعة خاصة[17]، وبهذا فهو ينطوي على عناصر بدونها لا يتكون و لايترتب أي أثر، فبالإضافة إلى العناصر العامة للخطأ والمتمثلة في سلوك الإنحراف أو التعدي والتمييز أو الإدراك، أكدت التشريعات الحديثة أن خروج الطبيب عن القواعد والأصول العلمية الطبية أهم عنصر لقيام الخطأ الطبي وهذا ما سنتعرض إليه من خلال الفروع التالية:
الفرع الأول:

 العناصر العامة للخطأ الطبي

من أهم القواعد التي تنظم حياة الإنسان ، تلك التي تفرض عليه أن يمتنع عن القيام بأعمال قد تلحق أضرارا بالغير، فإذا خالف هذه القواعد وسبب ضررا بالغير يكون قد أتى بفعل يشكل الركن المادي للخطأ
وهو ما ينطبق أيضا على الطبيب، فالخطأ الطبي ينطوي على عنصر قوامه الإنحراف أو التعدي، فيقع الإنحراف من الطبيب إذا تصرف تصرفا يخالف مبدأ الإستقامة أو إذا ترك ما وجب فعله فيكون بذلك
قد أتى بفعل سلبي يتمثل في الإمتناع، أو إذا فعل ما وجب تركه[18] و يكون بذلك قد أتى بفعل إيجابي أو مايعرف بالتعدي الإيجابي[19].
أما فيما يتعلق بالعنصر الثاني فيتمثل في الركن المعنوي قوامه الإدراك أو التمييز فحتى تقوم مسؤولية الطبيب يجب أن يكون مدركا بأنه قد أخل بالواجب الذي فرضته عليه مهنته كون أنه يفترض في الطبيب أن يكون حائزا على معارف كافية لممارسة مهنته وأن يكون عالما بواجب اليقظة والحكمة البالغة اللتين تقتضيهما مهنة الطب وأن يكون على علم أنه يزاول مهنته مع طرف يعوزه الإدراك الكلي والكامل للمعطيات و التقنيات الطبية وهو إن لجأ إلى الطبيب إلا لغاية وحيدة وهي تحسين حالته الصحية ويكون هذا الأخير في خدمة المريض ويمارس مهامه ضمن احترام حياته وشخصه البشري، بالتالي فلا خطأ بغير إدراك بكل ذلك.
والإدراك بهذه الصورة يكون مرتبطا بتمييز الطبيب وأهليته حسبما تفرضه القواعد العامة، فإذا كان هذا الأخير مميزا وصدر منه فعلا ألحق ضررا بالمريض، يكون مسؤولا مسؤولية كاملة، وذلك تطبيقا لما أورده المشرع الجزائري في المادة 125 من القانون المدني المعدل و المتمم[20] حيث نص على أنه: " لا يسأل المتسبب في الضرر الذي يحدثه بفعله أو امتناعه أو بإهمال منه أو عدم حيطته إلا إذا كان مميزا". والتمييز مرتبط بالسن وقد حدده المشرع الجزائري في المادة 42 من القانون السالف الذكر ببلوغ سن الثالثة عشر (13) وإن كان ليس من المتصور عمليا أن يوجد طبيب يبلغ عمره ثلاث عشرة(13) سنة ولا يتجاوز تسع عشرة(19) سنة وهو سن البلوغ؛ لإعتبارات ترتبط بالمدة التي يتطلبها تكوين الأطباء حتى تقوم مسؤوليته خلال هذه المرحلة.
الفرع الثاني:

خروج الطبيب عن القواعد والأصول العلمية الطبية

أكدت التشريعات الصحية في العديد من الدول على ضرورة إلتزام الطبيب أثناء مزاولته لمهنة الطب بعدم الخروج عن القواعد والأصول العلمية في علم الطب وإلا اعتبر مرتكبا لخطأ طبي يوجب مسؤوليته المدنية[21] .
ولقد أكد المشرع الجزائري على أن أخلاقيات الطب عبارة عن مجموع القواعد والأعراف التي يتعين على كل طبيب وجراح أسنان وصيدلي الإلتزام بها وأن يكون الطبيب ملما بمضمونها العلمي حين مباشرته للعمل الطبي، وهذا ما تنص عليه المادة الأولى من المرسوم التنفيذي المتضمن مدونة أخلاقيات الطب السالف الذكر.
كما يقوم الطبيب ببذل العناية الكافية تجاه المريض، فبمجرد موافقتة على علاجه يلتزم الأول بأن يقدم للثاني علاجا يتسم بالإخلاص والتفاني ومطابق لمعطيات العلم الحديث[22].
 عرف جانب من الفقه الأصول العلمية التي يجب على الطبيب مراعاتها على أنها تلك المباديء والقواعد الثابتة المتعارف عليها نظريا وعلميا بين طائفة من الأطباء ويجب الإلمام بها حال مباشرة الأعمال الطبية. وقد عرفها القضاء على أنها الأصول الثابتة التي يعترف بها أهل العلم ولا يتسامحون مع من يجهلها أو يتخطاها مما ينسب إلى عملهم أو فنهم[23].
يتبين مما تقدم أنه من واجب الطبيب مسايرة التطورالعلمي ما دام أن الخطأ الفني يتصل بالمسائل العلمية المسلم بها والأصول الفنية المستقرة ولا عبرة بجسامة الخطأ.
المطلب الثالث:

التمييز بين الخطأ الطبي المدني والخطأ الطبي الجزائي

بعد أن أرست محكمة النقض الفرنسية مبدأ وحدة الخطأ بين دائرة القانون الجزائي ودائرة القانون المدني وتبعها بعد ذلك القضاء المصري، لاحظ الفقيه" سافاتيي Savatier "أن الخطأ الذي يجب أن يتحقق لقيام جريمة القتل هو نفسه الخطأ الذي يكفي لإلتزام الفاعل بتعويض الضحية مدنيا وذهب هذا الفقيه إلى أن هذه القاعدة يجب أن تطبق أيضا على الأطباء.
 وبناءا عليه فإن الخطأ الذي يستوجب المساءلة الجزائية بمقتضى نصوص قانون العقوبات الجزائري وخاصة المواد 288 و 289 منه[24] لا يختلف في عنصر من عناصره عن الخطأ الذي يوجب المساءلة المدنية طبقا لنص المادة 124 من القانون المدني المعدل والمتمم التي تنص على أنه "كل فعل أيا كان
يرتكبه الشخص بخطئه، ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض"، وعليه فإن الخطأ كاف لتحقيق المسؤولية المدنية مهما كان يسيرا أو تافها أو ضئيلا، وإن ثبتت صحة ذلك فإن تقرير براءة الطبيب المتهم في الدعوى الجزائية لعدم ثبوت الخطأ يستلزم رفض الدعوى المدنية المؤسسة على هذا الخطأ[25] فيكون لحكم البراءة في الجانب الجزائي حجية الشيء المقضي فيه إذا رفع النزاع أمام الجهة المدنية.
وتجدر الإشارة إلى أنه بإستقراءنا لقانون حماية الصحة وترقيتها[26] وكذلك مدونة أخلاقيات الطب وكذا المرسوم المتضمن القانون الأساسي الخاص بالأطباء المتخصصين الإستشفائيين الجامعيين[27] والمرسوم المتضمن القانون الأساسي الخاص بالممارسين الطبيين والمتخصصين في الصحة العمومية[28] وكذلك الأمر المتعلق بتنظيم مهن الأطباء، الصيدليين وجراحي الأسنان والقابلات[29] والمرسوم المتعلق بكيفيات تطبيق الأمر السالف الذكر[30]، بالإضافة إلى الأمر المتضمن قانون الصحة العمومية[31] لم نعثر على
أي نص يقرر مسؤولية الأطباء المدنية الناشئة عن أخطائهم أثناء ممارستهم للمهنة ولا إلى بيان الخطأ في نطاق الأعمال الطبية، وقد إقتصرت معظم النصوص الواردة في هذه القوانين على بيان إلتزامات الطبيب دون تقرير الجزاءات المدنية في حالة عدم إحترام وعدم الخضوع لها أو الخروج عليها أو الإخلال بها وهذا يدفع القضاة إلى تطبيق القواعد العامة في المسؤولية المدنية على الأطباء، شأنهم في
ذلك شأن جميع الممتهنين كالمهندسين والمحامين والموثقين وغيرهم. أمام هذا القصور يتوجب علينا الوقوف عند تقسيم الخطأ الطبي من حيث أنواعه ودرجاته وكذا معيار تقديره.
المبحث الثاني

تقسيم الخطأ الطبي

إن تحديد درجات خطأ الطبيب المنشيء لمسؤوليته هو أمر دقيق يستدعي الخروج عن القواعد العامة في تحديدها، فذهب بعض الفقه والإجتهاد إلى وجوب التمييز في الخطأ الصادر عن الطبيب بين ذلك الخطأ الناجم عن مزاولة العمل الطبي وبين ذلك الخطأ الذي لا يتعلق بمباشرة مهنة الطب، فيثار التساؤل حول الأعمال الطبية، هل من المفيد أن نميز بين العمل المادي والعمل الفني أم لا؟، ثم هل لا بد من أن يكون الخطأ الفني على درجة من الجسامة أم لا؟، علما أن جسامة الخطأ قد هيمنت فترة من الفترات على مفهوم خطأ الطبيب، خاصة في فرنسا، ويضاف إلى كل ما تقدم ذلك الخطأ الذي ينسب إلى الطبيب لوحده فيكون خطأ فرديا، ويكون وحده مسؤولا في مواجهة المضرور بسبب هذا الخطأ وذلك الذي ينسب إلى فريق من الأطباء دون أن ينسب إلى عضو بذاته من أعضاء هذا الفريق وهو ما يعرف بخطأ الفريق الطبي، و هذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال ما يلي:
المطلب الأول:

تقسيم الخطأ الطبي من حيث أنواعه

لقد جرى بعض الفقهاء منهم الفقيه" ديمولومب Demolomb" على تقسيم الخطأ الذي يقع فيه الأطباء إلى نوعين يتمثلان في الخطأ العادي، الذي سنتعرض إليه في الفرع الأول، والخطأ الفني الذي سنتعرض إليه في الفرع الثاني.
الفرع الأول:

 الخطأ العادي

الخطأ العادي هو الخطأ الذي يرتكبه الطبيب عند مزاولته لمهنته دون أن تكون له علاقة بالأصول الفنية لمهنة الطب، أي مخالفة قواعد الحيطة والحذر المفروضة على كل الناس[32]، كأن يخرج الطبيب مريضه من المستشفى قبل إستكمال علاجه رغم أن حالته تقتضي وجوب بقائه في المستشفى، أونسيان
مشرط في جوف مريض إثر عملية جراحية، فينتج عن هذه الأعمال المادية خطأ يسمى بالخطأ العادي الذي يسأل عنه الطبيب كما يسأل عنه أي شخص إذا انحرف عن سلوك الرجل العادي المميز[33] ،كما يعتبر
من قبيل الخطأ العادي الخطأ المنافي للشعور الإنساني كإخلال الطبيب بواجبه في إنقاذ المريض أو رفض تقديم العناية له والتخلي عنه أوإنتهاك السر المهني[34].
الفرع الثاني:

 الخطأ المهني

الخطأ المهني هو الخطأ اللصيق بالعمل الفني البحت، وهو الخروج عن القواعد العلمية والأصول الفنية التي تحكم مهنة الطب وحقائقه الثابتة ومخالفة المسلمات العلمية المعترف بها[35]، كالخطأ في التشخيص أو العلاج، كأن يشخص الطبيب إصابة إمرة على أنها ورم في رحمها ومعالجتها على هذا الأساس، في حين أنها كانت حاملا، ومثال الخطأ في العلاج أن يناول الطبيب مريضه جرعة التخدير قبل إجراء عملية جراحية دون أن يتأكد من مدى تحمله لها، مما يسبب له تعقيدات تطيل شفاءه أو أن لا يأخذ الطبيب بعين الإعتبار المرض الذي كان يعاني منه المريض من قبل فيناوله دواء غير ملائم لمرضه.
فهذه المسائل لها طابع فني لا يختص بها إلا الأطباء، ولا يتساوى فيها هؤلاء مع بقية الناس وقد ذهب فيه رأي من الفقه إلى أن الطبيب لا يسأل عن هذا الخطأ إلا إذا كان جسيما Faute lourde أو فاحشا Faute grave أو خطأ لا يغتفرFaute inexcusable وذلك حتى تكون للطبيب ثقة و طمأنينة في عمله وفي كفاءته الشخصية[36].
لكن إذا كان الطبيب في حاجة إلى هذه الطمأنينة والثقة، فإن المريض في حاجة أكثر إلى رعايته وحمايته من الأخطاء الفنية مهما كانت، ما دام أن الأصول العلمية والفنية وضعت لتحقيق علاج المرضى وبالتالي فيسأل الطبيب عن كل خطأ فني مهما كان جسيما أو يسيرا. أما فيما يتعلق بالمسائل الفنية
التي تقبل المناقشة وتختلف فيها الآراء والتي لم يستقر عليها إجماع، فلا يصح أن تكون محل مناقشة في تقرير الخطأ فيها وبالتالي تقرير مسؤولية الطبيب، وهذا يعني أن أخذ الطبيب برأي علمي مختلف فيه
وإقدامه على إجراء عملية جراحية مبتكرة لمريض، أو مناولته دواءا جديدا فذلك لا يعد خطأ على الإطلاق ما دام أنه لم يخرج على أصل ثابت ولم يخالف قاعدة مستقرة[37].
الفرع الثالث:

 إنتقاد التفرقة بين الخطأ العادي والخطأ المهني

إذا كانت التفرقة بين الخطأ العادي والخطأ الفني سهلة في بعض الأحيان كما سبق بيانه، فإنها تعد صعبة في أحيان أخرى، فترك قطعة من القطن أو إبرة خياطة في بطن مريض أثناء عملية جراحية يعتقد أنه خطأ عادي في أول وهلة، كما اعتبرته الغرفة الإدارية لمجلس قضاء تلمسان في القرار الذي أصدرته
بتاريخ 19 جانفي 1992 والمتعلق بإكتشاف إبرة في مهبل مريضة كانت قد نسيت أثناء عملية ولادة مما سبب لها آلام حادة.
غير أن السرعة التي تتطلبها بعض العمليات الجراحية قد تجعل من هذا النوع من الأخطاء أخطاء فنية بإعتبارها تتطلب الفطنة من الطبيب المعالج.
ومهما كان وحتى لا يعبث الأطباء بسلامة المرضى ولإدخال الثقة والطمأنينة في نفوسهم من جهة ولكون أن الحكمة تتطلب من القاضي ألا يتوغل في فحص النظريات والأساليب الطبية بالرغم من إمكانية الإستعانة بالخبراء في مجال الطب من جهة أخرى، فإنه توجد قواعد عامة يمليها حسن التبصر ويجب إحترامها في كل مهنة[38] وبذلك فالأطباء يخضعون للقواعد العامة كغيرهم من الناس، فيسألون عن أخطائهم مهما كان نوعها.
المطلب الثاني:

 تقسيم الخطأ الطبي من حيث درجاته

لقد سعى جانب من الفقه إلى تقسيم الخطأ الطبي إلى خطأ طبي جسيم وخطأ طبي يسير، محاولين إيجاد تبرير معقول لعدم مسؤولية الطبيب عن الخطأ المهني إلا إذا كان جسيما وهذا ما سيتم بيانه فيما يلي:
الفرع الأول:

 الخطأ الطبي اليسير

الخطأ اليسير هو ذلك الخطأ الذي لا يرتكبه شخص حازم حريص، وهذا النوع من الخطأ من خلق القانون الفرنسي القديم[39]، فالطبيب كأي شخص عادي يسأل بمجرد انحرافه عن سلوك الرجل العادي.
وقد ذهب فيه بعض الفقه إلى أن الطبيب لا يسأل عن الخطأ اليسير في مجال المسؤولية العقدية مميزا في ذلك بين الإلتزامات القانونية للطبيب والإلتزامات العقدية، ففي حالة الإخلال بإلتزام قانوني فإن أي خطأ يكون كافيا لإقرار مسؤولية الطبيب المدنية، في حين أن الإخلال بإلتزام عقدي فإن كان مبنيا على خطأ تافه أو يسير فلا تقوم المسؤولية المدنية للطبيب.
وحجة أصحاب هذا الرأي أن مساءلة الطبيب عن أخطائه اليسيرة التي يرتكبها خلال مزاولته لمهنته تؤدي إلى تقييد حريته في العمل وشل حركته والقضاء على روح المبادرة فيه، مما ينعكس أثره على مصلحة المريض نفسه، فالمبادرة بإجراء عملية جراحية يكاد ينعدم إذا كان الطبيب يسأل عن أدنى خطأ يرتكبه.
الفرع الثاني:

 الخطأ الطبي الجسيم

الخطأ الجسيم هو خطأ غيرعمدي لا تتوافر فيه نية الإضرار بالغير، وهو السلوك الذي يرى طبيب صالح يقظ آخر من ذات المستوى وموجود في نفس الظروف الخارجية أنه من المحتمل أن يحدث أضرارا ومع ذلك يقوم به، فدرجة جسامة خطأ الطبيب تقاس بدرجة احتمال حدوث الأضرار للمريض والعكس صحيح أيضا، إذ كلما قل إحتمال وقوع الضرر كلما خفت درجة الخطأ، فلا يكفي لقياس جسامة
الخطأ أن يتحقق ضرر هام، إذ أن خطأ تافها قد يؤدي إلى كوارث كبيرة، كما أن خطأ كبيرا قد لا يحقق إلا أضرارا بسيطة، وبالتالي فإن جسامة الخطأ تقاس بعنصر أدبي في سلوك الشخص، فالشخص الذي يدرك أن هناك إحتمالا كبيرا لوقوع الضرر نتيجة لسلوكه ومع ذلك يقوم به فهذا السلوك يمثل خطأ جسيما.
فقيام الطبيب بحقن مريض بدواء ليتمكن من الكشف عن إحدى الأمراض مما يؤدي إلى الوفاة نتيجة لهذا الحقن لا يعتبر خطأ جسيم من جانب الطبيب ما دام أن هذا الحقن قد تم وفقا لقواعد المهنة وأن هذا
الدواء قد استخدم في حالات كثيرة سابقة وأعطى نتائج إيجابية، فتسبب هذا الدواء في الوفاة نسبته ضئيلة جدا تقدر بحوالي حالة واحدة على ثلاثمائة ألف حالة[40].
أما تخلي الطبيب بإرادته عن علاج المريض وتركه يعاني من آلام مرض ما والقول أن هذا المرض ليست له آثار سيئة بحالة المريض مما يؤدي إلى وفاته، فهذا يعتبر خطأ جسيما من الطبيب.
الفرع الثالث:

إنتقاد التفرقة بين الخطأ الطبي اليسير والخطأ الطبي الجسيم

نظرا لدقة التفرقة بين الخطأ الطبي اليسير والخطأ الطبي الجسيم وعدم وجود مبرر قوي لها بالإضافة إلى تطور فكرة المسؤولية والميل أكثر نحو توفير حماية أكثر للمريض فإن الفقه[41] اتجه إلى القول بقيام
المسؤولية المدنية للطبيب إذا ما إرتكب خطأ ولو كان بسيطا دون أن يشترط أية جسامة فيه[42]، كما أن القضاء الحديث قد عدل عن تلك التفرقة بأن أصبح الطبيب مسؤولا عن خطئه مهما كان جسيما أو يسيرا[43]
وهكذا أكدت محكمة" ڤرونوبل Gronoble "الفرنسية في حكم لها بتاريخ 04 نوفمبر1946 أن الإهمال وقلة الإحتياط في تشخيص المرض ووصف الدواء يشكل خطأ يوجب المسؤولية، ولا يلزم لقيام هذه الأخيرة أن يكون هذا الخطأ جسيما ما دامت النصوص القانونية لا تعفي الطبيب من الخطأ اليسير[44].
وفي مجال العلاج فإن القضاء اشترط وجوب إتخاذ الطبيب كل الإحتياطات اللازمة وحرصه على الإهتمام بحالة المريض وإلا عد مخطئا.
أما في الجزائر، فإذا كان بعض الفقه لا يزال يسعى إلى إعفاء الطبيب من المسؤولية في حالة الخطأ المهني البسيط نظرا لتشعب العلوم الطبية وصعوبتها وكذا استنادهم إلى القاعدة العامة المنصوص عليها في القانون المدني[45] والتي تقضي بأن المدين _ في هذه الحالة الطبيب_ يكون مسؤولا عن خطئه الجسيم فإن هذا الرأي لا يلقى التأييد على ضوء التشريع المتعلق بالصحة، فقانون حماية الصحة وترقيتها يقر مسؤولية الطبيب على كل خطأ يرتكبه خلال ممارسته لمهنته أو بمناسبة القيام بها ويلحق ضررا بسلامة وصحة أحد المرضى أو يحدث له عجزا مؤقتا أو مستديما. ويتبين ذلك من خلال المادة 239 من قانون 85-05 المـؤرخ في 16 فيفري 1985 المتعلق بحمـاية الصحة و ترقيتها و المتـممة بموجب المادة
08 من قانون 90-17 المؤرخ في 31 جويلية 1990 المعدل و المتمم للقانون 85-05 السالف الذكر وتطبيقا لذلك حكمت محكمة "نقاوس" التابعة لمجلس قضاء باتنة بتاريخ 13 مارس 1999 بإدانة الطبيب الجراح الذي نسي قطعة قماش في بطن إمراة حين أجريت لها عملية جراحية لإستئصال ورم بمستشفى نقاوس سنة 1999، وأدى ذلك إلى وفاتها وعقابا له قضت عليه بستة (06) أشهر حبسا نافذا وستمائة ألف دينار جزائري(600000 دج) كتعويضات لذوي حقوق المتوفاة حين تبين أن وفاة المرأة ناتجة عن تأثرها بحالة التعفن بسبب إهمال الطبيب، وقد ثبت ذلك من خلال كل الوثائق والتقارير الطبية فتقررت مسؤولية الطبيب بغض النظر عن درجة الخطأ الذي إرتكبه[46].
كما قضت المحكمة العليا في قرار لها صدر بتاريخ 22 جانفي 1977 بمسؤولية الطبيب (ب) تحت ضمان مستشفى الأخضرية لإرتكابه أفعالا تتصف بقلة الحذر والإهمال وعدم الإنتباه والتي نجم عنها
جروحا للمريض (س،ر) القاصر، ومنحه مبلغ قدره أربعون ألف دينار جزائري (40.000 دج) تعويضا عن الأضرار اللاحقة به[47].
ولو أن المحكمة العليا قد بنت في قرار آخر لها صدر بتاريخ 29 أكتوبر 1977[48] مسؤولية طبيب عن الخطأ المرتكب من طرفه حين ترك أحد المرضى دون عناية ولا علاج وبعد مرور أربعة(04) أيام ظهرت علامات تعفن في المكان المصاب مما أدى إلى بتر يده، وكيفت الخطأ بأنه جسيم لتؤسس مسؤولية الطبيب عليه ليلزم هذا الأخير بدفع مبلغ قدره مائة وخمسة وثلاثون ألف دينار جزائري ( 135.000.00 دج) للمريض تعويضا عن الأضرار اللاحقة به.
فالعبرة لتقرير مسؤولية الطبيب ليس بجسامة الخطأ أو يسره الذي يرتكبه في نظرنا، وإنما بثبوت الخطأ وذلك للأسباب التالية:
أولا: عدم وجود سند لفكرة الخطأ الجسيم لا في نصوص القانون المدني الجزائري ولا النصوص المتعلقة بحماية الصحة و ترقيتها.
ثانيا: أن عمل الطبيب ينتسب إلى مهنة ذات طابع فني وبذلك فهو يعتبر كغيره من المهنيين كالمحامين والموثقين إلى غيرهم من الفنيين، ومع ذلك فلم تدعي فئة من هذه الفئات إعفائها من المسؤولية في حالة إرتكابها لخطأ يسير، فلماذا يخص الطبيب بهذه الميزة؟
ثالثا: إن القول بإعفاء الطبيب عن الخطأ اليسير يعتبر خروجا عن القواعد العامة للمسؤولية المدنية عموما التي تشترط ثبوت الخطأ بغض النظر عن يسر الخطأ أو جسامته.
المطلب الثالث:

 التفرقة بين خطأ الفريق الطبي والخطأ الطبي الفردي

يفرض النشاط الطبي الحديث إستعانة الطبيب بمساعدة أطباء وأشخاص آخرين للتعاون في أداء العمل الفني المتعلق بمهنة الطب، وبذلك يكون العمل جماعيا إذ يستلزم الأمر مجموعة من الأعمال التحضيرية والمتممة حتى يتم العلاج في أحسن صورة، هذا ما يجعل الطبيب يدخل في علاقات متشعبة مع غيره
من الأطباء والمساعدين لإتمام العمل الطبي، ويتعقد الأمر إذا ما ارتكب أحدهم خطأ فإلى من ينسب وعلى من تقع المسؤولية؟، هذا سنتناوله من خلال الفروع التالية:
 الفرع الأول:

 خطأ الفريق الطبي

إن استعانة الطبيب الرئيسي بمجموعة من الأطباء المساعدين كل في ميدان متخصص به عن الآخر[49] يصعب من تحديد دائرة الخطأ وإلى من ينسب نتيجة العمل الجماعي الذي يقوم على وحدة الهدف والمصلحة المشتركة، هذا ما دفع البعض إلى إعتماد الحل التقليدي في هذا الشأن والمتمثل في القول بمسؤولية الطبيب الرئيسي ذو الشهرة الكبيرة أو الذي يؤدي العمل البارز أو الذي يكون له الإشراف وقيادة الفريق بناءا على خطئه الشخصي وإذا تعذر ذلك فالقول بمسؤولية الفريق الطبي بصفة تضامنية[50].
وهناك من الفقه من ينادي بمسؤولية الفريق الطبي بعد أن يكون لهذا الفريق شخصية قانونية مستقلة عن شخصية الأعضاء المكونين له، وفائدة ذلك تكمن على الأقل في تقوية روح التضامن وتجسيدها في قالب قانوني.غير أن ثبوت الشخصية المعنوية تتقرر بإجتماع عدة عناصر وعوامل تتمثل في:
أولا : وجود مصلحة جماعية مشروعة تهدف الجماعة لتحقيقها، ولا شك في أن للفريق الطبي هذه الميزة بحيث يسعى إلى تحقيق غاية نبيلة تتمثل في تحقيق علاج وشفاء المريض.
ثانيا: أن يكون للفريق أو الجماعة التي ترغب في تكوين الشخص المعنوي من يتولى التعبير عن إرادتها وهذا العنصر يمكن القول بوجوده في الفريق الطبي بما أن رئيسه هو من يتولى عادة التعبير عن إرادة هذه الجماعة.
ثالثا: أن يكون التجمع دائما وليس عرضيا، وهذا العنصر أيضا يمكن التسليم بوجوده في الفريق الطبي ما دام أنه تعطى لكل عضو من أعضائه مهمة محددة في إطار عمل هذا الفريق.
رابعا: ضرورة وجود ذمة مالية للجماعة تكون مستقلة عن ذمة كل عضو من أعضائها وهو العنصر الذي لا يتوافر في الفريق الطبي مما جعل البعض يقيمون فكرة الشخصية المعنوية الناقصة للفريق الطبي لكن وبما أن الشخصية المعنوية لا تقبل التجزئة، فإما أن توجد بمجموع عناصرها أو تنعدم لفقد أحدهما فعدم توافر عنصر الذمة المالية المستقلة للفريق الطبي كاف لعدم قيام شخصيته المعنوية.
يتبين لنا مما تقدم أن الحل بالنسبة للإشكالات المطروحة بصدد خطأ الفريق الطبي يتمثل في تقرير المسؤولية التضامنية لأعضائه.
 الفرع الثاني:

الخطأ الفردي

لقد ذهب جانب من الفقه إلى أن الأخطاء المرتكبة من الطبيب أثناء ممارسته للعمل الطبي وتسبب بها أضرارا للمريض ترتب مسؤوليته المدنية التقصيرية[51]، وحجتهم في ذلك أن إلتزام الطبيب في علاج المريض هو إلتزام ببذل عناية وتوخي الحيطة و الحذر. وبصدور قرار " مرسيي Mercier "عن محكمة النقض الفرنسية في 20 ماي 1936 والذي ذكرناه سابقا، تغيراتجاه تكييف الطبيعة القانونية للعلاقة التي تربط الطبيب بالمريض، وبالتالي تغير معه تكييف الطبيعة القانونية للمسؤولية الناتجة عن إرتكاب أي خطأ من طرف الطبيب يسبب به ضررا للمريض، وأصبح الفقه والقضاء يناديان بالعلاقة العقدية التي تربط المريض بالطبيب وبالتالي تقرير المسؤولية العقدية لهذا الأخير.
وعلى ضوء القواعد القانونية القائمة، خاصة في التشريع الجزائري، فإن عدم الخيار بين المسؤولية التقصيرية والمسؤولية العقدية قائم من حيث المبدأ، وعليه فمتى وجد عقد بين طرفين وجب الأخذ بأحكام هذا العقد دون سواه[52] سواء تعلق الأمر بتنفيذ بنوده أو تعلق الأمر بالإخلال بتنفيذه.
وعليه فالقاعدة العامة هي إقامة المسؤولية العقدية للأطباء عن أفعالهم الشخصية، ولا تقوم مسؤوليتهم التقصيرية إلا إذا لم يكن هناك عقد، كتدخل الطبيب في حالة مستعجلة في حوادث المرور أو تدخله بتكليف من طرف الدولة في حالة إنتشار الأوبئة أو الأمراض المعدية أو في حالة الكوارث أو أخطار وشيكة و هذا ما تنص عليه المادتين 08 و09 من مدونة أخلاقيات الطب[53].
وفي حالة تقرير المسؤولية العقدية للطبيب عن فعله الشخصي، فإن ذلك يمكن أن يمتد إلى فعل الغير كأن يختار المريض أحد الأطباء الجراحين ليجري له عملية جراحية بناءا على ثقته فيه، فيكون الطبيب في هذه الحالة ملزما بإجراء هذه العملية ويكون مسؤولا عن جميع التدخلات التي يجب أن تتم بعناية ويقظة و تتماشى مع المسؤولية على كل الأخطاء التي يرتكبها وعلى تلك التي يرتكبها الأطباء المساعدين كطبيب التخدير الذي يقوم بمناولة المريض بنج قبل إجراء العملية الجراحية، فهذا الأخير لم يؤد عمله تنفيذا لعقد مبرم بينه وبين المريض وعليه يكون الطبيب الجراح مسؤولا عن أفعاله وأفعال غيره بمقتضى العقد.
المبحث الثالث

معيار تقدير الخطأ الطبي

تنص المادة 172 من القانون المدني الجزائري على أنه:" في الإلتزام بعمل، إذا كان المطلوب من المدين أن يحافظ على الشيء أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى الحيطة والحذر في تنفيذ إلتزامه فإن المدين يكون قد وفى بالإلتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي ولو لم يتحقق الغرض المقصود، هذا ما لم ينص القانون أو الإتفاق على خلاف ذلك".
نستخلص مما تقدم أنه ليس للخطأ إلا معنى واحد فيتحقق إذا تصرف الشخص على نحو مخالف لما يصدر عن الشخص العادي خلال تنفيذ إلتزامه المتمثل في بذل عناية في أي عمل كان. ولكن إذا كان هناك إتفاق يخالف ذلك، بمعنى أنه إذا إتفق كل من الطبيب والمريض على وجوب تحقيق نتيجة معينة وعلى عدم الإكتفاء ببذل عناية فقط فإن مثل هذا الإتفاق يكون ملزما للطبيب.
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء يسير نحو التشديد في تكييف الخطأ وذلك عن طريق فرض الإلتزام بالسلامة، والأخذ بفكرة الخطأ المضمر الذي يتم الوصول إليه عن طريق القرائن القضائية أي استعمال
القاضي لسلطته التقديرية لإستخلاص الخطأ من كافة القرائن متى كانت قاطعة الدلالة على حدوثه. وفكرة الخطأ المضمر تقوم على أساس أن الضرر ما كان ليحدث لولا وقوع خطأ من الطبيب، كوقوع المريض من طاولة الفحص مثلا أثناء إجراء الفحص الطبي، والذي لا يمكن حدوثه إلا نتيجة لعدم انتباه الطبيب أو تركه للمريض أو عدم تثبيته عليها تثبيتا محكما.
ومعيار وجود الخطأ يصعب استخلاصه أحيانا خاصة إذا تعلق الأمر بعقد العلاج وذلك بسبب إختلاف العوامل التي تحكم عملية العلاج فبأي معيار يقاس خطأ الطبيب إذا ما خالف قواعد مهنته وأسسها؟.
المطلب الأول:

 المعيار الشخصي

يذهب فريق من الفقه إلى الأخذ بالمعيار الشخصي المبني على اعتبارات شخصية وذاتية لكنه لم يلق التأييد من طرف فريق آخر، سنتطرق من خلال هذا المطلب إلى المقصود بهذا المعيار وكذا إلى الإنتقادات الموجهة له.
الفرع الأول:

 المقصود بالمعيار الشخصي

يقصد بالمعيار الشخصي إلزام الطبيب ببذل ما اعتاد على بذله من يقظة وتبصر، ومعنى ذلك أن هذا المعيار يعتمد على البحث عن حالة الطبيب الذي ارتكب الخطأ نفسه، لمعرفة ما إذا كان السلوك الذي صدر منه أقل حيطة من سلوكه الذي يبذله في رعاية شؤون نفسه، ليتبين من خلال ذلك إن كان يستطيع أن يتفادى الفعل الضار المنسوب إليه، فإن كان كذلك اعتبر مخطئا، أما إذا كان الطبيب ليس باستطاعته أن يتفادى ذلك بعد قيامه ببذل ما اعتاد على بذله من اليقظة والتبصر اعتبر غير مخطيء[54] .
يأخذ هذا المعيار بعين الإعتبار قدرة الطبيب على دفع الضرر وأن يتناسب ذلك مع مؤهلاته الطبية والثقافية والوسائل الموضوعة تحت تصرفه، إذ لا يمكن أن يلزم بأكثر من طاقته وبشيء لا يمكنه أن يتحمله، وبناءا على ذلك فإن الوصول إلى الحقيقة وفقا لهذا المعيار يستلزم مراقبة تحركات الطبيب و تصرفاته.
الفرع الثاني:

 الإنتقادات الموجهة للمعيار الشخصي

يعاب على المعيار الشخصي أنه يستلزم البحث في ظروف وأحوال كل طبيب على حدى ومراقبة تصرفاته وأحواله كما قد تم ذكره سابقا، وهذا أمر يتعذر بلوغه في الحياة العملية[55], ضف إلى ذلك أن هذا المعيار يجعل من الخطأ فكرة شخصية بحتة إذ يمكن لطبيبان أن يسلكا نفس السلوك ويقومان بنفس التصرفات ويكونان في نفس الظروف، إلا أن الخطأ يسند إلى أحدهما دون الآخر، ومن اعتاد اليقظة والتبصر يسأل على أقل هفوة يرتكبها، ومن اعتاد التقصير أفلت من ذلك لأنه اعتاد التقصير[56] ، وهذا أمر غير مقبول.
ولتجاوز هذه الإنتقادات الموجهة للمعيار الشخصي، ذهب فريق آخر من الفقه إلى إعتماد معيار آخر مبني على معطيات موضوعية وهذا ما سنتعرض إليه في المطلب الموالي.
المطلب الثاني:

 المعيار الموضوعي

يقوم المعيار الموضوعي بوجه عام على أساس مقارنة سلوك المتسبب في ضرر بسلوك شخص آخر مجرد يوجد في نفس الظروف، فما المقصود بالمعيار الموضوعي إذا ما أردنا تطبيقه على الطبيب؟ وما هي الإنتقادات الموجهة له؟
الفرع الأول:

 المقصود بالمعيار الموضوعي

يقصد بالمعيار الموضوعي عند تقدير خطأ الطبيب أن يقارن سلوك هذا الأخير بسلوك طبيب وسط من نفس مستواه[57]، فالطبيب العادي هو الذي لا ينحرف عن سلوك أمثاله من الأطباء العاديين الذين لا يعتبرون من النابغين الممتازين ولا من الخاملين المهملين[58]، وتبعا لذلك فالمعيار الموضوعي يقتضي ضرورة الأخذ بالظروف الخارجية التي تحيط بالطبيب عند قيامه بعمله واستبعاد صفاته الذاتية وظروفه الداخلية.
ويعتبر من الظروف الخارجية ما لا يتصل بالشخص ذاته من صفات كما هو الشأن بالنسبة للظروف الزمانية كالليل والظروف المكانية، مثل البعد عن المستشفى وعدم توفر وسائل العلاج في مكان معزول وعدم توافر المساعدة الطبية، ومراعاة حالات الإستعجال وخطورة حالة المريض التي قد يباح فيها من أفعال ما لا يباح في الحالات العادية، كإستغناء الطبيب مثلا عن موافقة المريض عند حدوث كارثة طبيعية، فكل هذه العوامل والظروف قد تعفي الطبيب من المسؤولية لأنها قد تدفع الطبيب إلى ارتكاب خطأ أكيد يوجب مسؤوليته لو تمت في غير الظروف المشار إليها.
رغم هذه المعطيات التي برز بها المعيار الموضوعي إلا أنه لم يسلم من الإنتقادات وهذا ما سنتعرض إليه في الفرع الموالي:
الفرع الثاني:

 الإنتقادات الموجهة للمعيار الموضوعي

يعاب على المعيار الموضوعي أنه يفتقر إلى الأساس القانوني[59] ، فقد يصعب في بعض الأحيان تقدير الظروف إن كانت ظروف خارجية أو داخلية، فالطبيب الأخصائي مثلا يقارن سلوكه بسلوك طبيب أخصائي مثله ولكن التساؤل يطرح هل يعتبر تخصص الطبيب ظرف ذاتي داخلي أم هو ظرف خارجي؟.
يعتبر تخصص الطبيب صفة تدل على إنماء قدراته العلمية والثقافية وهو أمر باطن يكاد يكون لصيقا بشخص الطبيب، فيظهر أول وهلة أنه ظرف داخلي ذاتي، لكن وبما أن هذه الصفة تظهر لعامة الناس
وأنها هي التي تدفعهم إلى اللجوء إلى هذا الطبيب لكفاءته العالية والممتازة، فهذا يجرنا إلى القول أن هذه الصفة خارجية لها وزنها في تقدير خطأ الطبيب .
إضافة إلى ذلك فالمعيار الموضوعي لا يمكن تطبيقه على إطلاقه[60] دون مراعاة بعض الظروف الداخلية مثل السن، فالطبيب حديث العهد بالمهنة لصغر سنه لا يجوز مقارنة سلوكه بسلوك طبيب له خبرة طويلة في هذا المجال.
تفاديا للإنتقادات الموجهة للمعيارين السابقين ونظرا لتداخلهما اتجه رأي آخر من الفقه إلى اعتناق المعيار المختلط كأساس لتقدير الخطأ الطبي، وهذا ما سيتم شرحه في المطلب الموالي.
المطلب الثالث:

المعيار المختلط

يقتضي المعيار المختلط الأخذ بمزايا المعيار الشخصي ومزايا المعيار الموضوعي للوصول إلى معيار يكون أساس لتقدير الخطأ الطبي، فما المقصود بهذا المعيار؟ وما هي الإعتبارات التي يقوم عليها؟.
الفرع الأول:

 المقصود بالمعيارالمختلط

مفاد المعيار المختلط هو ضرورة الأخذ بالمعيار الموضوعي مع مراعاة بعض الملابسات والظروف الداخلية المحيطة بالطبيب، والتي قد تؤثر حتما في سلوكه[61] ويقاس سلوك الطبيب مع ما كان يسلكه طبيب يقظ وجد في ذات الظروف، ولذلك ينبغي عند تقدير خطأ الطبيب مراعاة مستواه من حيث هل هو طبيب عام أو أخصائي، وما يحيط بعمله من عادات طبية مستقرة، بحيث يقارن كل ذلك بسلوك
طبيب وسط من نفس مستوى الطبيب[62] الذي سبب ضررا للمريض وفي نفس الظروف[63]، فيجب أن يقدر خطأ الطبيب وفقا لكفاءته والوسائل التي يستعملها وظروف العمل، فالطبيب الريفي مثلا لا يطالب نظرا لإمكانياته المحدودة بما يطالب به طبيب يعمل في مستشفى تخصصي أو جامعي، كون أن الأول يكون بعيدا عن المستشفيات والزملاء والمعدات التي يضعها العلم الحديث تحت تصرفه من فحوص عن طريق
الأشعة والتحاليل ووسائل العلاج الأخرى، وأن الطبيب الثاني تتوفر له هذه الوسائل، ما يجعله يقوم بعمله وواجبه على أكمل وجه.
الفرع الثاني:

الإعتبارات التي يقوم عليها المعيار المختلط

لقد اعتمد القائلون بالمعيار المختلط في تأسيسهم له على عدة اعتبارات من أهمها:
أولا: الإعتبار النظري: يقوم هذا الإعتبار على أساس حماية المريض الذي يستلزم الإعتداد بجسامة النتائج أيا كانت درجة الخطأ الواقع من الطبيب أو نوعه وذلك نظرا للتطور الحديث والمستمر للعلوم الطبية واللجوء إلى الأدوات المستحدثة والتكنولوجية العالية في هذا المجال.
ثانيا: الإعتبار القانوني: ويقوم هذا الإعتبار على ضرورة أن يلتزم الطبيب بقواعد الحيطة، الحذر واليقظة إضافة إلى تلك التي تفرضها قواعد مهنة الطب حتى لا يكون الأطباء في مركز أفضل من الأشخاص العاديين بما يحقق قواعد العدالة والمساواة أمام القانون.
فالخطأ الطبي إذن لا يمكن إلا أن يكون انتهاكا لحق المريض في التطبيب وفقا لقواعد المهنة المتفق عليها، وإخلالا بالثقة التي يضعها المريض في طبيبه من جهة وبالثقة التي يضعها الطبيب في نفسه باعتقاده أنه قادر على ممارسة مهنته دون التسبب في أي ضرر في جسم وصحة المريض من جهة أخرى، وهو أيضا إخلالا بواجب يفرضه القانون في مجتمع يجب أن يراعى فيه الواجب المهني والإنساني. هذا ما يجعل هذا المعيار معيارا فنيا لتعلقه بشخص الطبيب والمريض والذي يأخذ بعين الإعتبار كل العوامل المحيطة بهما وهو ما توجبه العادات المهنية والطبية بصفة خاصة.
المبحث الرابع

إثبات الخطأ الطبي

طبقا للقاعدة العامة فإن على كل شخص يدعي تضرره من فعل معين أن يثبت وقوع ذلك، وبعدها يتم مراقبة مدى تحقق الضرر وتوافر العلاقة السببية لتعويضه عما أصابه، والخطأ الطبي كونه فعل يستوجب التعويض لمن ألحق به الضرر فإنه واجب الإثبات.
اعتبر الفقه والقضاء في بداية الأمر مسؤولية الطبيب تقصيرية، وأن عبء إثبات خطأ الطبيب يقع على عاتق المريض. واستمرا على الأخذ به بعد أن اعتبرت مسؤوليته تعاقدية كون التزام الطبيب في كلتا الحالتين هو بذل العناية. غير أنه مع التطور العلمي ظهرت حالات أين يلتزم فيها الطبيب بتحقيق نتيجة معينة مما جعل إثبات الخطأ الطبي يختلف حسب طبيعة التزام الطبيب، فالعبرة بمضمون الإلتزام لتحديد من يقوم بالإثبات والطريقة التي يتم بها، إلا أنه في حالات كثيرة يضطر فيها القضاء اللجوء إلى أهل الخبرة للتأكد من وقوع الخطأ الطبي من عدمه والطرف المتسبب فيه. وفيما يلي نتطرق إلى كيفية إثبات الخطأ الطبي ومن يثبته أو ينفيه عندما يكون الإلتزام ببذل عناية أو بتحقيق نتيجة، ودور الخبرة في إثبات وقوع الخطأ.
المطلب الأول:

إثبات الخطأ الطبي في الإلتزام ببذل عناية

طبقا للقواعد العامة، إذا التزم شخص معين بأداء عمل، فهو بذلك يلتزم بتوخي الحيطة في تنفيذ التزامه، ويعتبر قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي، ولو لم يتحقق الغرض المقصود.[64] فما المقصود ببذل عناية وعلى من يقع عبء الإثبات؟
الفرع الأول:

 مضمون الإلتزام ببذل عناية

الإلتزام ببذل عناية هو إلتزام يتعهد بموجبه المدين أن يبذل جهده لتحقيق ما تعهد به دون أن يضمن إيصال الدائن إلى نتيجة مؤكدة ومعينة بالذات.
يلتزم الطبيب في أغلب الحالات بأداء عمل يتمثل في فحص المريض وتقديم العلاج المناسب له ومتابعة حالته الصحية خلال فترة تلقي العلاج طبقا لقواعد مهنته، وهو بذلك يبذل كل جهوده من أجل تحقيق الشفاء من الداء، لكن في حالة عدم تحقق ذلك، فإنه لا يعتبر مخطئا، لأنه لا يضمن الشفاء بقدر ما
يضمن بذل العناية اللازمة والمعتادة في ممارسة عمله، كون الشفاء يتوقف على عوامل واعتبارات لا تخضع دائما لسلطات الطبيب، كمناعة الجسم وحدود الفنون الطبية التي قد تعجز في بعض الأحيان على إيجاد العلاج المناسب لحالة المريض، وهذا ليس لشيء إلا للطبيعة الإحتمالية للعمل الطبي.
فالطبيب عند عرض المريض عليه يبدأ بتشخيص مرضه وفحصة بدقة مستعينا في ذلك بجميع الوسائل التي يضعها العلم تحت تصرفه ثم وصف الدواء له، وعليه ففي هذه المراحل يلتزم ببذل العناية الواجبة واليقظة في اتخاذ قرار التشخيص، وفي اختيار العلاج المناسب لحالة المريض وأن يكون نافعا يرجى منه الشفاء وكل خطأ مرجعه الإهمال أو الجهل أو الرعونة يعرض الطبيب لمسائلته عن أفعاله متى أثبت المريض تقصيره في بذل العناية التي وعده بتقديمها له.
الفرع الثاني:

 عبء الإثبات في الإلتزام ببذل عناية

على المريض الذي يدعي تضرره من خطأ طبي إثبات أن الطبيب التزم فعلا بتقديم العلاج له، وأن هذا الأخير لم يبذل العناية المطلوبة أثناءه، مع إثباته للضرر الذي يدعيه والعلاقة السببية بينهما.
وعلى هذا الأساس فخطأ الطبيب لا يجوز افتراضه لمجرد إصابة المريض بضرر لأن الخطأ واجب الإثبات، يستطيع الطبيب أن ينفيه بإقامة الدليل على أنه بذل في تنفيذ التزامه ما ينبغي من عناية أو تدخل سبب أجنبي تسبب في إلحاق الضرر بالمريض الذي ينفي عنه مسؤوليته، فينبغي على المريض إقامة الدليل على إهمال الطبيب أو انحرافه عن الأصول المستقرة في المهنة أي أن سلوك الطبيب لم يكن مطابقا لسلوك طبيب مماثل من نفس المستوى وذلك مع الأخذ بعين الإعتبار الظروف الخارجية المحيطة به.[65]
لما تعرض القضية على القاضي فإنه يراقب دليل الإثبات الذي يقدمه المريض، ثم يقدر عمل الطبيب إن كان يشكل فعلا خطأ طبيا طبقا لقواعد المهنة أم لا، ويقيس سلوك ذلك الطبيب بما يقدمه طبيب يقظ من أوسط زملائه علما ودراية وفي نفس الظروف المحيطة به، ويراعي في ذلك معيار التخصص الفني
فسلوك طبيب عام يقدر بسلوك طبيب عام، والطبيب المختص يقدر سلوكه بما يصدر عن طبيب غيره له نفس الاختصاص، ومتى انحرف عن ذلك اعتبر مرتكبا لخطأ طبي يستوجب مسائلته عنه.
المطلب الثاني:

إثبات الخطأ الطبي في الإلتزام بتحقيق نتيجة

إستثناء عن المبدأ العام, قد يلتزم الطبيب بتحقيق نتيجة معيّنة، هذا الإستثناء يأتي بموجب شرط في العقد، أو بناء على طبيعة الخدمة، أو بالنظر لنص في القانون.
ومن أجل تحديد وسيلة إثبات الخطأ الطبي في الإلتزام بتحقيق نتيجة، يستلزم علينا إبتداء تبيان مضمون هذا الإلتزام، ثم عبء الإثبات.
الفرع الأوّل:

مضمون الإلتزام بتحقيق نتيجة

إن إلتزام الطبيب هو تقديم العلاج الكافي والملائم لحالة المريض، غير أن هذا العلاج لا يمنع في بعض الأحيان من إجباره بتحقيق نتيجة معينة، بحيث يجب على الطبيب ألاّ يعرّض المريض لأي أذى من جرّاء ما يستعمله من أدوات و أجهزة، و ما ينقل إليه من السوائل الأخرى.
ونتيجة لذلك نرى بأن القضاء يتجه نحو حماية أكثر للمرضى وهذا بالتشديد في مسؤولية الأطباء وذلك عن طريق فرض نوع من الإلتزام وهو الإلتزام بالسلامة، حيث يكون الطبيب ملزما بسلامة المريض، ليس من عواقب المرض و لكن من خطر حوادث قد تصيب المريض خارج نطاق العمل الطبّي، بمعناه الدقيق ، نتيجة للوسائل والأدوات والأجهزة المستعملة والتي لا تقبل فيها فكرة الإحتمال الطبي[66].
يبرز التزام الطبيب بضمان السلامة في بعض الحالات في استعمال الأدوات الطبية، التركيبات الصناعية وأدوية العلاج، نقل الدم والسوائل الأخرى والتحاليل الطبية ،التحصين ومنتجات التجميل[67]. لذلك يعتبر الطبيب مسؤولا عن الأضرار التي تلحق بالمريض الذي يسقط فوق منضدة الفحص بسبب هبوطها المفاجيء، وكذا في حالة تركيب الأسنان، أين يلتزم الطبيب ببذل العناية الضرورية لتهيئة الفم، وتحقيق نتيجة تتمثل في تقديم الأسنان حسب الشكل والأوصاف والحالة التي يمكن معها أن تؤدي وظيفة الأسنان الطبيعية. والشيء نفسه يقال بالنسبة لنقل الدم للمريض ويكون غير متفق مع فصيلته أو أنه نقل إليه أمراضا أخرى، فالطبيب بذلك لم يحقق النتيجة المتفق عنها.
وفي هذا المجال قضت محكمة غرداية بتاريخ 29/10/2006 تحت رقم 6026/06 بمسؤولية الطبيبتين اللتين كانتا تلقحان الأطفال عند ولادتهم بلقاح البيسجي يستعملان نفس الحقنة لحقنهم بالفيتامين
"ك" بعد تنظيفها بسائل السيروم مما تسبب في انتفاخ فخذ كل طفل، الأمر الذي استوجب معه إجراء عمليات جراحية كل مرة للأطفال المتضررين لأجل نزع المحلول.
الفرع الثاني:

 عـبء الإثـبات في الإلتزام بتحقيق نتيجة

إذا كان الأصل في القواعد العامة للإثبات أن عبء إثبات الإدعاء يقع على عاتق المدعي،فإنه استثناء عندما يكون التزام الطبيب بتحقيق النتيجة في المسائل الفنية، فإن الأمر يتطلب تخفيف عبء الإثبات الملقى على المريض، وفي مثل هذه الحالات السابقة يكفي للمريض الذي يدعي تضرره من عمل الطبيب أن يثبت وجود الالتزام على عاتق الطبيب بتحقيق نتيجة معينة، مع إثبات عدم تحققها بحدوث الضرر بسبب خطأ الطبيب.
وبذلك تبقى مسؤولية الطبيب قائمة، وخطؤه مفترض ما لم يثبت أنه قام بتنفيذ التزامه على أكمل وجه وتحققت النتيجة المتفق عليها، أو أن النتيجة المقصودة لم تتحقق بسبب تدخل سبب أجنبي عنه، أو لخطأ المريض نفسه، أو خطأ الغير الذي حال دون تحقق النتيجة المرجوة.
يخضع تقدير مدى توفر السبب الأجنبي أو خطأ المريض أو الغير إلى تقدير قاضي الموضوع الذي يراقب كل دليل إثبات يقدم أمامه ويقوم بمناقشته، ثم يقرر استبعاده وإعلان مسؤولية الطبيب، أو تقرير عدم صحة إدعاءات الطبيب وبذلك ينسب له الخطأ مع تحميله المسؤولية عن الأضرار التي تلحق المريض جراء عدم تحقيق النتيجة المتفق عليها.
المطلب الثالث:

 دور الخبرة في إثبات الخطأ الطبي

قد تعترض القاضي أثناء محاولته الفصل في القضايا التي تعرض عليه مسائل ليس له علم بتفاصيلها وخباياها نظرا لطبيعتها الفنية، التقنية، أو العلمية التي تخرج عن اختصاصه أو مداركه، لذلك أجازت التشريعات للقاضي الإستعانة بأهل الفن والخبرة ممن يتميزون بالاستقامة والعلم والمعرفة.
خول المشرع الجزائري للقاضي اللجوء إلى أهل الخبرة في سبيل تبيان الأمور التقنية والفنية التي تخرج عن اختصاصه قبل الفصل نهائيا في النزاع المعروض عليه، ونص على كيفية تعيين القاضي للخبير، وطريقة عمله واستبداله في الباب الخاص بإجراءات التحقيق من قانون الإجراءات المدنية[68].
ونظرا للأهمية التي تكتسيها الخبرة الطبية كونها تكشف عن مسائل تقنية و فنية لا يدركها إلا الطبيب المختص، فإن المشرع الجزائري وتأكيدا منه لهذه الأهمية نص على كيفية ممارسة الطب وجراحة الأسنان بمقتضى الخبرة في مدونة أخلاقيات الطب[69].
تعد الخبرة الطبية عملا يقدم من خلاله الطبيب الخبير الذي يعينه القاضي مساعدته التقنية، لتقدير الحالة الجسدية أو العقلية للشخص وتحديد سببها، مع تقييم الأضرار التي ألحقت بالمريض لتقدير التعويض المستحق له على عاتق مرتكب الخطأ.
وباعتبار الخطأ الطبي خروجا عن الأصول الفنية، ومخالفة لقواعد العلم لمهنة الطب، فإن القاضي لا يستطيع أن يتصدى مباشرة لمناقشة هذه المسائل وتقدير خطأ الطبيب لعدم إلمامه بالمعرفة الطبية، لذلك
وجب عليه الاستعانة بأهل الخبرة من الأطباء قصد توضيح الأمور الغامضة له في القضية لمعرفة ما إذا كان الطبيب قد أخطأ في عمله أم لا. غير أنه ليس كل خطأ ينسب إلى الطبيب يحتاج إلى خبرة طبية، لأن هناك حالات يظهر للعيان خطأ الطبيب فيها دون حاجة لتعيين خبير للتأكد من ذلك مثل التقصير في بذل العناية اللازمة بالمريض، أو الإخلال بواجبات الحيطة والحذر، إذ يراقبها القاضي مباشرة.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن للطبيب الخبير أن يكون نفسه الطبيب المعالج والخبير لنفس المريض ويجب على القاضي الذي يعين خبيرا طبيا تحديد المهام المسندة له بالتدقيق، مع مراعاة مسألة الإختصاص، إذ لا يمكن تعيين له طبيب مختص في أمراض النساء للقيام بخبرة على مريض أصيب بنزيف شريان القلب لتحديد ما إذا كان ذلك بسبب حالته الصحية أو لعدم اتخاذ الطبيب المعالج للإحتياطات اللازمة لسلامته، أو تعيين طبيب مختص في أمراض الأنف والحنجرة للقيام بخبرة على طفل ميت بعد ولادته حيا بعملية قيصرية لتحديد ما إذا كان يعاني من مرض معد أو توفي لعدم قطع حبله السري في الوقت المناسب.
فإصابة شخص بطلقات رصاص على مستوى رجله، وعند إدخاله المستشفى لتقديم العلاج له، تعفنت رجله مما استوجب قطعها، وعلى إثرها طالب المريض بتعويض عما أصابه تحت مسؤولية الطبيب المعالج، دفع القاضي إلى تعيين خبير طبي لمعرفة ما إذا كان قطع رجله أمرا ضروريا بسبب تلقيه لطلقات الرصاص أم أن سببه هو إهمال الطبيب له وعدم تنظيف الجرح مما أدى إلى تعفنه وقطعه.
على الخبير أثناء القيام بمهامه عدم الخوض في المسائل القانونية لأنها من مهمة القاضي وحده، لأن دوره يقتصر فقط على البحث في الوقائع ذات الصلة بالعمل الطبي مع تدعيمها بالحجج العلمية، والإجابة على الأسئلة المطروحة في قرار تعيينه.
رغم كون الخبرة الطبية تتعلق بأمور فنية، فهذا لا ينفي السلطة التقديرية للقاضي الذي يمكن له الأخذ بها كليا أو جزئيا، وله أن يستبعدها كونها غير ملزمة له. فالطبيب الخبير عند انتهائه من مهامه التي كلف بها يقدم تقريره أمام المحكمة خلال الآجال المحددة له، وعندها يقوم القاضي بدراسة التقرير ومناقشته فإذا رأى أن الخبير لم ينجز كل مهامه أو قام بها على نحو غير لائق، فيمكن له أن يأمر باستبعاد الخبرة وتعيين خبير آخر للقيام بنفس المهام، كما له أن يأمر بإجراء خبرة تكميلية يتولاها نفس الخبير أو خبير غيره، لكن إذا تعلق الأمر بورود مصطلحات طبية أو أمور لم يستوعبها القاضي فله أن يستدعي الخبير للحصول منه على الإيضاحات والمعلومات الضرورية التي تنوره للفصل في النزاع طبقا للقانون.
يرى البعض أن القاضي عند تقديره للخطأ الطبي المهني يجب أن يكون في غاية الحكمة والحذر فلا يقر بثبوت خطأ الطبيب إلا إذا ثبت ثبوتا قاطعا أن الطبيب قد خالف عن جهل وتهاون أصول الفن الثابتة والقواعد العلمية، بحيث لا يدع مجالا للشك أو الجدال قياسا بطبيب وسط من نفس المهنة والإختصاص. وإذا كان الخطأ الطبي المنسوب للطبيب يتصل بمسائل أو نظريات علمية لا تزال موضع خلاف ولم يستقر الجدل عليها بعد، فلا يجوز للقاضي إقحام نفسه في الفصل بهذا الجدل العلمي الفني وعليه عدم اعتبار الطبيب مخطأ أمام هذه المعطيات.[70]
من خلال ما سبق تظهر أهمية الخبرة الطبية خاصة في تأكيد خطأ الطبيب، وتوافر العلاقة السببية بينه وبين الضرر الذي أصاب المريض الذي يعتمد عليهم القاضي لتقرير مسؤولية الطبيب من عدمها غير أن القاضي يجب ألا يأخذ بها على إطلاقها خاصة مع قيام الشك حول الحياد الذي يمكن أن يلتزمه الخبراء في تقرير أخطاء زملائهم.
الفصل الثاني

صور الخطأ الطبي وتطبيقاته

تقتضي مهنة الطب تحلي الطبيب بالسلوك المستقيم، حسن الرعاية ، احترام كرامة مرضاه والتفاني في عمله والقيام بكل مهامه خلال مراحل تقديم العلاج للمريض التي تبدأ بالفحص ثم تشخيص المرض ووصف الدواء والتي قد تمتد في بعض الحالات المعقدة إلى القيام بالعمليات الجراحية التي تستوجب مراقبة الحالة الصحية للمريض، لذلك متى أخل الطبيب بإحدى هذه المهام يعتبر مرتكبا لخطأ طبي، سواء تعلق الأمر برفض تقديم العلاج للمريض أو تقديمه على أسوء وجه.
يتميز الخطأ الطبي بتنوع صوره سواء تلك الصور المستمدة من أحكام القوانين المنظمة لمهنة الطب أو من القواعد المستقر عليها في المجال الطبي، ونذكر منها بعض الصور الأكثر شيوعا نظرا لأهميتها، منها رفض علاج المريض وتخلف رضاه في مبحث أول، الخطأ في التشخيص وفي وصف العلاج ومباشرته في مبحث ثان، الخطأ الطبي من خلال العمليات الجراحية في مبحث ثالث.
المبحث الأول

رفض علاج المريض وتخلف رضاه

يعرف العلاج على أنه :" الوسيلة التي تؤدي إلى الشفاء من المرض أو الحد من أخطاره أو التخفيف من آلامه الناتجة عنه سواء بتسكينها أو بالقضاء عليها"[71].
يتضح من خلال هذا التعريف بأن غاية العلاج تهدف إلى تحقيق الشفاء أو الحد من آلامه وتخفيفها غير أنه يعاب عليه عدم تحديده للشروط الواجب مراعاتها وتوافرها أثناء القيام بالعلاج من رضاء المريض، وتوافق العلاج مع الأصول الطبية.
فلما تعرض على الطبيب حالة مرضية معينة فإنه قد يحصل أن يرفض تقديم العلاج للمريض لأسباب ما، أو أنه يقدم العلاج رغم رفض المريض ذلك وهو ما يتحول إلى خطأ طبي يرتب مسؤولية الطبيب المدنية، وهو ما سنتناوله مع بعض التفصيل في المطلبين التاليين:
المطلب الأول:

 رفض علاج المريض

كان السائد في الفقه والقضاء الفرنسيين أن الطبيب كغيره من المواطنين يتمتع بكل الحرية في ممارسة مهنته، بالطريقة التي يراها مناسبة وملائمة مع حالة المريض الذي يعرض نفسه للعلاج، وبذلك يكون له الحق في قبول أو رفض الدعوة للعلاج بحجة أنه لا يوجد أي التزام قانوني أو عقدي يلزمه بتلبية نداء كل مريض، غير أن هذا الرأي سرعان ما تغير بظهور الاتجاهات الحديثة التي تنادي بنسبية الحقوق ووظيفتها الاجتماعية والتي كان لها أثرا فعالا في تقييد تلك الحرية المطلقة للطبيب الذي أصبح من واجبه أن يستعملها في حدود الغرض الاجتماعي الذي من أجله اعترف له بها وإلا اعتبر متعسفا في استعمال حقه، لذلك أصبح اليوم من واجب الطبيب مراعاة الواجب الإنساني والأدبي تجاه المرضى والمجتمع الذي يعيش فيه وتفرضه عليه أصول ومقتضيات مهنته.
إلا أن هذا لا يعني وجود التزام على الطبيب بقبول علاج كل من يطلب منه ذلك، فهذا الالتزام يتحدد بنطاق معين وفي ظروف معينة.[72]
ويبدو التزام الطبيب واضحا في الحالة التي يوجد فيها في مركز المحتكر، بمعنى أنه في الظروف القائمة لا يوجد سواه لإسعاف وعلاج المريض سواء كان ذلك راجعا لمكان وزمان العمل أو للظروف الملحة التي وجد فيها المريض أو لطبيعة عمل الطبيب[73].
ويعتبر الطبيب مرتكبا لخطأ طبي في حالة وجود المريض في منطقة نائية ليس هناك سواه لإنقاذ حياته أو علاجه في ساعة معينة ولا يوجد فيها غيره، والطبيب الذي يعمل في مستشفى عام والذي يرفض تقديم العلاج للمريض مع أن ذلك يدخل ضمن اختصاصه والحال نفسه بالنسبة للطبيب أو المستشفى الخاص الذي يتعاقد مع مؤسسة أو رب عمل معين لعلاج العاملين لديه.
كما يعتبر الطبيب قد رفض تقديم العلاج في حالة التأخر عن الحضور، أو التدخل لإنقاذ المريض أو إنقطاعه عن معالجة المريض في وقت غير لائق، ما عدا خطأ المريض نفسه كإهماله إتباع تعليمات الطبيب أو تعمد عدم إتباعه. ويعفى الطبيب عند قيام القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ[74].
ويخضع تقدير مدى تأخر الطبيب في تقديم العلاج للمريض لقاضي الموضوع الذي يراعي في ذلك ظروفه, ارتباطاته ومدى خطورة الحالة المعروضة أمامه وبصفة خاصة مدى حسن أو سوء نيته. وتكون المساعدة مطلوبة من الطبيب حتى ولو لم تكن مجدية وفعالة وذلك من أجل بذل مساعيه للإنقاذ وليس عليه تحقيق الشفاء، بل يتصرف في الحدود الممكنة من الناحية العلمية لتخفيف آلام المريض حتى آخر لحظة. وقد قضي بأنه على الرغم من أن حالة الشخص قد بلغت من السوء حدا لا يجدي معه أي تدخل علاجي وأن هلاكه كان أمرا حتميا وعاجلا، إلا أن الطبيب الذي استدعي لعلاجه كان يتعين أن يعامله معاملة الشخص المعرض للهلاك، لأن المساعدة واجبة عليه حتى لحظة الوفاة رغم أنها ليست فعالة.[75]
وإذا كان الطبيب ملزما بتقديم العلاج ومتابعة مرضاه، فإن المشرع الجزائري أجاز له في المادة 42 من مدونة أخلاقيات الطب أن يرفض تقديم العلاج لأسباب شخصية، كما أجاز له في المادة 50 من نفس المدونة التحرر من مهمته بشرط أن يضمن للمريض مواصلة العلاج.
المطلب الثاني:

تخلف رضاء المريض

من بين الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق الطبيب والتي تفرضها عليه طبيعة النشاط الطبي التزامه بالحصول على رضا المريض بعد إعلامه بالمعطيات المتعلقة بحالته الصحية قبل التدخل الطبي سواء كان علاجيا أو جراحيا على شخصه وهو ما يعبر عنه بالرضا المتبصر، وسنتناول هاتين النقطتين في الفرعين التاليين:
الفرع الأول:

 إلتزام الطبيب بتبصير المريض

إن ضرورة توافر الرضا المتبصر للمريض يقابله التزام الطبيب بإعلام المريض بطبيعة المرض الذي يشكو منه وطرق العلاج الممكنة، مع تعريفه بمخاطر العلاج المقترح والبدائل الأخرى إن وجدت وآثار ذلك على صحته، غير أن إخطار المريض بكافة طرق العلاج والمخاطر التي من شأنها أن تقع له مستقبلا يعد أمرا مستحيلا نظرا للطبيعة التجريبية والاحتمالية للعمل الطبي الذي لا يمكن معه ضمان الشفاء الكلي والنهائي من المرض.
وعلى هذا الأساس يتجه القضاء خاصة في فرنسا إلى الإكتفاء بالمعلومات البسيطة والتقريبية بشرط أن تكون معلومات صادقة والمقصود بذلك هو أن يحاول الطبيب إفادة المريض بالمعلومات اللازمة بعبارات بسيطة وبلغة مفهومه بعيدة عن المصطلحات الطبية المعقدة والتي لا يفهمها سوى ذوي الاختصاص من أهل الطب. كما يتجه القضاء في فرنسا بشأن الإعلام بالمخاطر إلى الإهتمام بالمخاطر المتوقعة، في حين يعفى الطبيب من التنبيه إلى المخاطر الاستثنائية وهي عادة المخاطر التي تكون نسبة وقوعها ضئيلة جدا بحيث لا يعيرلها أهل الطب أي اهتمام[76].
إلا أن هذا يختلف عندما يتعلق الأمر بالجراحة التجميلية أين يمتد فيها التزام الطبيب بالتبصير إلى كل المخاطر الجسيمة وغيرها مهما كانت نسبة توقعها.
غير أنه قد يكون المريض في حالة لا تسمح له بتلقي معلومة عن طبيعة مرضه لأن كشف الحقيقة أمامه قد يؤدي إلى تفاقم حالته النفسية، نظرا لشدة تأثره وهو ما يجعل مهمة الطبيب صعبة أحيانا لأنه مطالب بتقديم المعلومات الأساسية للمريض التي تحدد له عناصر الاختيار، الأمر الذي يجيز للطبيب التحفظ تجاهه والإكتفاء بإعلام أسرته أو الأشخاص الذين يعينهم المريض لذلك مسبقا وهو ما نص عليه المشرع الجزائري في المادة 51 من مدونة أخلاقيات الطب.
ويعتبر واجب الطبيب بإعلام المريض واجب شخصي يجب أن يقوم به هو بذاته، غير أنه إذا كان هناك فريق طبي يتولى علاج المريض فإنه من المنطقي أن يتولى أحدهم ذلك، ولا يمكن للطبيب أن يفوض ذلك لأحد معاونيه لأن ذلك يمس بواجبه المتعلق بالسر المهني.
أما في القانون الجزائري فليس هناك ما يفيد صراحة إمكانية تفويض الطبيب غيره من الأشخاص للقيام بمهمة الإعلام، إذ أن المادة 43 من مدونة أخلاقيات الطب تنص فقط على وجوب اجتهاد الطبيب المعالج من أجل إفادة المريض بمعلومات واضحة وصادقة بشأن أسباب كل عمل طبي، كما أن المادة 73 من نفس المدونة تحمل الطبيب مسؤوليته الشخصية بشأن واجباته المهنية التي يفرضها عليه عقد العلاج الطبي تجاه مرضاه ومنها الإلتزام بالإعلام[77].
الفرع الثاني:

 رضا المريض بالعلاج

متى قام الطبيب بواجبه بإعلام المريض بتفاصيل مرضه وكيفية علاجه، فإنه ينتظر صدور الرد منه سواء برفض أو بقبول مباشرة العلاج، قبل القيام بأي تدخل طبي.
وينبغي من حيث المبدأ أن يصدر الرضاء من المريض نفسه طالما أنه في حالة تسمح له بذلك وأن رضاؤه يعتد به قانونا، أما إذا كان المريض في حالة لا تسمح له بالتعبير عن رضائه في الوقت الذي تستدعي حالته التدخل السريع، أو كان لا يتمتع بالأهلية الكاملة فإنه يعتد برضاء ممثله القانوني أو أهله الأقربين.[78]
يلزم لصحة رضا المريض أن يكون هذا الأخير على قدر من الإدراك والوعي وحرية الإختيار ومتى توفرت هذه الشروط كان الرضا صحيحا سواء تم التعبير عنه صراحة أو ضمنيا.
إن التعبير الصريح هو أصدق الصور في التعبير عن الإرادة، يعبر عنه المريض سواء باللفظ أو بالكتابة بغرض تنفيذ العلاج المقترح. أما التعبير الضمني فإنه يستفاد من تصرف المريض أو من اتخاذه موقفا معينا لا يدع أي مجال للشك في دلالته على قبوله للعلاج المقترح وهذا طبقا للمادة 60 من القانون المدني الجزائري، مثل توجه المريض إلى عيادة الطبيب لغرض القيام بفحص طبي فالرضا في هذه الحالة خاص بالفحص الخارجي ولا يشمل المساس بالسلامة الجسدية لأنه إذا تطلب الأمر ذلك يجب على الطبيب الحصول على الرضا حول هذا المساس.
إذا كان السائد هو الأخذ بالرضا الشفوي فإنه هناك حالات يعبر فيها المريض عن رضاه بالعلاج في شكل مكتوب سواء كانت هذه الكتابة رسمية أو عرفية وهذا يختلف حسب الأحوال.
تشترط بعض المؤسسات الصحية أن يتم الرضا الكتابي باستعمال عبارات محددة أو إجراءات خاصة كما هو عليه الحال في مجال التجارب الطبية أو نزع الأعضاء، وبصفة عامة في التدخلات غير العلاجية، فطبقا للمادة 162 من قانون حماية الصحة وترقيتها لا يجوز انتزاع الأنسجة أو الأعضاء البشرية من أشخاص إلا بشروط معينة منها الموافقة الكتابية من المتبرع بأحد أعضائه وتحرر هذه الموافقة بحضور شاهدين تودع لدى مدير المؤسسة والطبيب رئيس المصلحة.[79]
أما في حالة سكوت المريض وعدم إبداء رأيه في العلاج فإن الرأي الغالب من الفقه يتجه إلى عدم الأخذ به كأساس لإباحة التدخل الطبي، إلا أنه يمكن اعتبار السكوت قبولا في بعض الحالات أين يقترن فيها السكوت بظروف وملابسات معينة تدل على قبول المريض لمباشرة العلاج وهو ما يعرف بالسكوت الملابس الذي نصت عليه المادة 68/2 من القانون المدني الجزائري.
مهما تكن الطريقة التي يعبر بها المريض عن رضاه فإنه يجب أن يكون ذلك سابقا عن التدخل الطبي، غير أنه قد يحدث أن يبدأ الطبيب في فحص المريض دون موافقته ثم يحصل على إذنه قبل انتهائه من التنفيذ، وفي هذه الحالة يرى الفقه أن أثر الموافقة اللاحقة يمتد إلى الأعمال الطبية السابقة لأنها تشكل في مجال العمل الطبي وحدة متكاملة يصعب الفصل بينها ولا تقبل التجزئة[80].
أما إذا وقع اتفاق بين الطبيب والمريض على إجراء عملية جراحية معينة وأثناء القيام بها أجرى الطبيب عليه عملية أخرى لم يشملها الإتفاق الأول ولم تستدعها الضرورة فإن ذلك يشكل خطأ طبيا.
سبقت الإشارة إلى ضرورة صدور الموافقة من المريض صاحب الشأن، لكن قد يحدث أن يكون هذا الأخير صغير السن أو مصابا بأمراض عقلية أو غيرها من الاضطرابات التي تؤثر في قدرته على الإدراك والإختيار، وفي مثل هذه الحالة ينتقل حق الموافقة على الأعمال الطبية إلى من يمثله قانونا.[81]
وقد ألزم المشرع الجزائري الطبيب في المادة 52/ 02 من مدونة أخلاقيات الطب والمادة 154 من قانون حماية الصحة وترقيتها في حالة الاستعجال تقديم العلاج الضروري للمريض القاصر أو أحد الأشخاص العاجزين عن التعبير أو الذين يستحيل عليهم التعبير عن إرادتهم ويتعذر الحصول على رضا الأشخاص الممثلين لهم قانونا في الوقت المناسب مثل حالة وقوع حادث مرور ألحق أضرارا بالغة بالضحية تقتضي التدخل في الحين لإنقاذ حياته، أو حالة القيام بعملية جراحية ثانية ضرورية ملازمة للعملية الجراحية الأولى. ويخضع تقدير حالة الاستعجال إلى قاضي الموضوع الذي يمكن له الاستعانة بأهل الخبرة إذا كان الأمر يتعلق بمسألة فنية.
هناك حالات أخرى أين لا يعتد فيها بموافقة المريض للعلاج وهذا عند التدخل الطبي لحماية الصحة العامة في حالة الأمراض المعدية، بشرط أن يتم ذلك وفقا للقواعد الإدارية التي حددتها السلطة المختصة مثل التطعيم الإجباري للسكان قصد الوقاية من الأمراض العفنة[82].
قد يحدث أن يرفض المريض تلقي العلاج من الطبيب، لذلك اشترط المشرع الجزائري على المريض في المادة 49 من مدونة أخلاقيات الطب أن يقدم تصريحا كتابيا في هذا الشأن، وهذا حماية للطبيب، حتى لا يسأل عن خطئه في عدم تقديم العلاج المناسب لشخص مريض.
تجدر الإشارة إلى أن معظم الآراء الفقهية والتطبيقات القضائية اتجهت إلى اعتبار رضا المريض غير كاف للمساس بحياته وسلامة جسمه، إذ أن تدخل الطبيب يجب أن يكون منصرفا إلى العلاج، فإذا استهدف شيئا آخرا غير العلاج، مثل تحقيق الربح أو القيام بالتجارب الطبية أو أية أهداف أخرى غير العلاج كان عمله غير مشروع ولو كان بناء على رضا المريض وتوسله، فالطبيب الذي يقتل المريض لإراحته من عناء المرض أو الذي يجري عملية جراحية لإمرأة لمنع النسل بغير أن تستلزمها حالتها الصحية يعتبر خطأ طبيا موجبا لمسؤوليته المدنية متى أحدث ضررا بالضحية.
المبحث الثاني

الخطأ الطبي في التشخيص وفي وصف العلاج ومباشرته

يبدأ عمل الطبيب في علاج المريض ومتابعة حالته الصحية بعد تحصله على رضاه أو رضا من يمثله قانونا، فيقوم بتشخيص المرض ثم وصف العلاج ومتابعته، غير أن عمل الطبيب في هذه المراحل يعد أكثر صعوبة، مما يتعين عليه الإهتمام بالمريض والعناية به وإلا اعتبر مرتكبا لخطأ طبي.
إن المشرع الجزائري أعطى للطبيب الحق في إجراء أعمال التشخيص والوقاية والعلاج اللازمين للمريض على أن لا يتجاوز إختصاصه وإمكانياته، إلا في الحالات الإستثنائية وفقا لما نصت عليه المادة 16 من مدونة أخلاقيات الطب[83].
المطلب الأول:

 الخطأ الطبي في التشخيص

إن الخطأ الطبي في التشخيص لا يعد دائما سببا لقيام مسؤولية الطبيب. ولقد كان الفقيه بردوارديل يردد عبارة لطلبة الطب تتمثل في أنه: "كثيرا ما وقعت في غلط لكن ليس لأحد أن يوجه إلينا اللوم ما دمنا قد توقينا الدقة في البحث وفحصنا الأعراض والسوابق قبل إجراء التشخيص, فإذا ظهر فساد بعدما إتخذناه من الإحتياط لعدم الوقوع في الغلط فليس لأحد أن يحاسبنا"[84] .وعليه إعتبر القضاء بأن الخطأ في التشخيص من حيث المبدأ لا تقوم على أساسه مسؤولية الطبيب واعتبره في بعض الحالات مستوجبا للمسؤولية المدنية.
يتولى الطبيب خلال مرحلة التشخيص وقبل اتخاذ أي قرار, بإجراء الفحوص الأولية اللازمة للتعرف على المرض الذي يشكو منه المريض وبعدها يتخذ قرار التشخيص وهما النقطتين التي سنتناولهما في الفرعين التاليين:
الفرع الأول:

الفحوص الأولية

الفحص الطبي هو قيام الطبيب بمناظرة المريض ظاهريا من خلال ملاحظة بعض العلامات التي قد تظهر على جسم المريض وذلك ليتحقق من وجود ظواهر معينة تساعده على تشخيص المرض[85].
فالطبيب لما يطلب منه معالجة المريض فإنه في البداية يحاول التعرف على نوع المرض الذي يعاني منه المريض ودرجة خطورته، وذلك عن طريق طرح أسئلة للمريض حول حالته الصحية تتعلق بالأعراض التي ظهرت عليه، وتاريخ بداية ظهورها، إذا كان أحد أفراد العائلة يعاني من نفس المرض أم لا للقول بأن المرض وراثي أو معدي واتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي تفشي المرض، كما يستفسر الطبيب عن السوابق المرضية للمريض وكل المعلومات التي تمكنه من التعرف على المرض الذي يعاني منه المريض.
وعلى الطبيب في سبيل القيام بعملية الفحوص الأولية على أكمل وجه استخدام ما لديه من خبرة علمية وطبية ووسائل تقنية وتجهيزات ملائمة كافية لأداء هذه المهمة مثل استعمال اليد لتحسس موضع الآلام قياس نبضات القلب أو الضغط الدموي، إجراء بعض التحاليل المخبرية للدم أو القيام بالصور الشعاعية وغيرها من الطرق التي تساعد الطبيب في تشخيص المرض، لذلك يعتبر الطبيب مرتكبا لخطأ طبي إذا لم يقم بفحص المريض أو أنه لم يستعمل التقنيات والوسائل التي تسهل عليه التعرف على الداء، أو أنه استعمل وسائل مهجورة و طرق لم يعد يعترف بها علميا، ما لم يثبت الطبيب أن حالة المريض لم تكن تسمح باستعمال الوسيلة المتبعة أو كانت الظروف التي وجد فيها لا تؤهله لذلك مثل وجوده في مكان منعزل.
وفي سبيل قيام الطبيب بواجباته على أكمل وجه، فإن المشرع الجزائري خول له القيام بجميع أعمال التشخيص، الوقاية، العلاج ومواصلته، أو تقديم الوصفات بشرط ألا يتجاوز في ذلك حدود اختصاصه أو إمكانياته إلا في الحالات الاستثنائية وفقا لما نصت عليه المادة 16 من مدونة أخلاقيات الطب السالفة الذكر، مثل الحالات الإستعجالية كحوادث المرور، أو القوة القاهرة كالفيضانات والزلازل أين يلزم الطبيب بالتدخل لإسعاف المريض رغم خروج ذلك عن اختصاصه.
ويترتب على إهمال الطبيب القيام بهذه الفحوص خطأ في حد ذاته، لذلك أوجب المشرع على كل
طبيب عند مباشرة مهنة الطب لأول مرة وضع تجهيزات ملائمة ووسائل تقنية كافية لأداء مهامه بنجاح[86].
وفي ذلك قضت الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر بتاريخ 07/07/1998 بمسؤولية الطبيب نتيجة عدم قيامه بتشخيص حالة المريض، حيث جاء في حيثيات القرار:" ...وأن المرض الذي أصيب به الولد خطير وقليل الحدوث وكان من الأجدر تشخيص المرض عن طريق الأشعة..."[87].
الفرع الثاني:

قرار تشخيص المرض

هي المرحلة الأكثر صعوبة ودقة كونها تتطلب من الطبيب التعرف على ماهية المرض ومدى خطورته، لذلك يجب عليه التأني قبل إصدار قرار التشخيص وإلا إعتبر متسرعا ومرتكبا لخطأ طبي.
غير أنه قد تختلط وتتشابه أعراض أمراض مختلفة ويكون من الصعب على الطبيب تشخيص مرض دون آخر، لذلك يعتمد الطبيب في التشخيص على مهاراته وقدراته الخاصة في الملاحظة والاستنتاج إلا أن هناك حالات تلتبس فيها الأمور لدرجة تختفي فيها حقيقة المرض على أكثر الأطباء خبرة ودراية فيقوم بترجيح رأي علمي على آخر أو لطريقة في التشخيص على أخرى وفي مثل هذه الحالة جرى القضاء على عدم ترتيب المسؤولية على الطبيب، خاصة إذا كانت الحالة المعروضة عليه لا تزال محل بحث أو أن الأعراض الظاهرة للمريض لا تساعد على كشف الحقيقة.
وإذا كان للطبيب أن يطلب الاستشارة من طبيب آخر أكثر خبرة أو تخصصا منه، فإنه يعتبر مخطئا إذا أصر على رأيه رغم تبينه من خلال آراء زملائه لخطئه، أو أنه لم يقم بطلبها خاصة إذا طلب المريض أو عائلته مثل هذا التدخل، إلا إذا قامت حالة ضرورة أو استعجال تمنع مثل هذه الاستشارة.
وتجدر الإشارة إلى أن الطبيب لا يسأل إذا كان الخطأ في التشخيص راجعا إلى المريض الذي لم يدل بحقيقة أعراض المرض وإخفائه الحقائق الخاصة به عن الطبيب[88].
إذا أثبت الطبيب أنه قام بواجبه قدر استطاعته ورغم ذلك أخطأ في التشخيص، فلا يعد مخطئا، لكنه يعتبر كذلك إذا كان خطؤه يشكل جهلا واضحا بالمبادىء الأولية للطب التي تعد الحد الأدنى الذي يتفق مع أصول الطب. ويجب التشديد مع الطبيب الأخصائي الذي لا يصح أن يغفر له ما يمكن أن يغفر لغيره من الأطباء العامين، لأن تقدير خطأ الطبيب في التشخيص ينظر فيه إلى مستواه من جهة وتخصصه من جهة أخرى، فمن البديهي أن يعتبر خطأ الطبيب الأخصائي أدق في التقدير من خطأ الطبيب العام. ولا يسأل الأخصائي عن خطئه في معرفة مرض لا يدخل في دائرة اختصاصه.
المطلب الثاني:

 الخطأ الطبي في وصف العلاج ومباشرته

بعد انتهاء الطبيب من فحص المريض وتشخيص مرضه يقوم بوصف الدواء مع تحديد طريقة العلاج الملائمة له، ويبقى التزام الطبيب في أغلب الحالات التزام ببذل العناية في اختيار الدواء والعلاج الملائمين لحالة المريض طبقا للأصول العلمية بغية التوصل إلى شفائه أو تخفيف آلامه، دون ضمان الشفاء من الداء، فهو لا يسأل عن النتيجة لأن الأمر مرجعه مدى فعالية العلاج، بل يكفي له أن يبذل الحد اللازم من الحيطة وألا يصف العلاج بطريقة مجردة.
فالمستقر عليه فقها وقضاءا، هو حرية الطبيب في وصف واختيار العلاج، مع مراعاة مصلحة المريض وما تقضي به القوانين واللوائح المنظمة لمهنة الطب وكذلك القوانين المنظمة لاستخدام المواد السامة والمخدرة، وعليه يجب على الطبيب أن يراعي عند اختياره للعلاج الحالة الصحية للمريض، سنه مدى مقاومته ودرجة احتماله للمواد التي سيتناولها والوسائل والأساليب العلاجية التي تطبق عليه[89].
إذا لم يستطع الطبيب إيجاد الطريقة المناسبة لعلاج المريض فإنه يستطيع القيام ببعض الفحوصات الإضافية بغرض التوصل إلى العلاج الملائم مع حالة المريض مثل القيام بالتحاليل المخبرية للدم وقياس نبضات القلب قبل إجراء العملية الجراحية، أو مراقبة مدى الحساسية لمادة البنسلين لتفادي مضاعفة حالة المريض، كما يمكن له طلب الاستشارة من زملائه .
بعد تعرف الطبيب على الداء الذي يعاني منه المريض يقوم بوصف العلاج له بتحديد الأدوية التي سيتناولها، كيفية تناولها والمدة التي سيستغرقها العلاج عن طريق تحرير وثيقة تسمى بالوصفة الطبية.
المقصود بالوصفة الطبية التذكرة التي يثبت فيها الطبيب ما قرره بعد إجراء الفحص والتشخيص بحيث تتميز عن غيرها من الأوراق المثبت فيها الأعمال الطبية الأخرى كالتحاليل والأشعة وتعتبر دليلا لإثبات العلاقة بين الطبيب والمريض.[90]
وقد أوجب المشرع الجزائري على الطبيب في المادة 47 من مدونة أخلاقيات الطب تحرير الوصفة الطبية بكل وضوح وأن يحرص على تمكين المريض أو من يحيطون به من فهم وصفاته فهما جيدا ويتعين عليه أن يجتهد للحصول على أحسن تنفيذ للعلاج، كما ألزمه في المادة 77 من نفس المدونة بأن يضمن الوصفة الطبية التي يحررها اسمه، لقبه، رقم الهاتف، ساعات الاستشارة الطبية، أسماء الزملاء المشتركين إن وجدوا مع ذكر الشهادات والوظائف والمؤهلات المعترف له بها.
يلتزم الطبيب باتباع الأصول العلمية السائدة والثابتة في مهنته والمتعارف عليها، مع مراعاة الحيطة والحذر عن طريق الأخذ بعين الإعتبار التناسب بين أخطار العلاج والمرض، فمتى تبين للقاضي من خلال وقائع القضية أن الطبيب لم يراع هذه الأصول العلمية، مثل عدم معرفة الطريقة المناسبة للعلاج رغم إمكانية تبين طبيعته وحالة المريض الصحية لدى طبيب آخر من مستواه، أو استعماله لطرق غير ملائمة أو بدائية هجرها الطب مما ألحق أضرارا بالمريض وجب عليه اعتباره مرتكبا لخطأ طبي وتحميله المسؤولية عن عدم تقديمه للعلاج المناسب.
ويعتبر الطبيب مسؤولا عن خطئه في وصف الدواء دون مراعاة آثاره الجانبية الضارة بالنسبة لحالة المريض، أو الذي لم يصف الأدوية ذات الفعالية الكافية.
بما أن مخاطر العلاج لا يمكن توقعها في كل الحالات لا سيما في الأمراض المعقدة، فإن الأمر يستوجب على الطبيب لما يصف أدوية خطيرة لها تأثيرات خارجة عن المألوف أن يقوم بمتابعة حالة المريض عن قرب خلال فترة العلاج حتى يبقيه تحت رقابته المباشرة، غير أن هذا لا يعني ملازمة الطبيب لمريضه بل يمكن له تحديد مواعيد لذلك، لكن إذا كان المرض الذي يعاني منه المريض يستوجب مراقبة دائمة جاز للطبيب وضعه في المستشفى ويتولى مراقبته طبيب مراقب يلتزم بفحصه دون أن يكون له تقدير العلاج المقرر للمريض أو وصف علاج مغاير للذي وصفه له طبيبه[91].
المبحث الثالث

الخطأ الطبي من خلال العمليات الجراحية

يمر العمل الجراحي بمراحل عديدة فيتعين الحصول على رضا المريض ثم فحصه واستعمال التخدير أثناء الجراحة ثم تليها مرحلة إجراء العملية الجراحية وفي كل هذه المراحل يكون الطبيب الجراح مسؤولا عما يقع منه من أخطاء.
المطلب الأول:

 الخطأ الطبي قبل إجراء العملية الجراحية

يشترط لمشروعية العمل الطبي الحصول على رضا المريض ومتى تخلف ذلك كان سببا لفقدان العمل الطبي أحد شروط مشروعيته. لذلك يقع على عاتق الطبيب الجراح إلتزام بتبصير المريض بطبيعة العملية الجراحية وتبيان المخاطر المحتملة في إجرائها فضلا عن إبراز المضاعفات التي يمكن أن تنتج عن العملية سواء أثناء إجرائها أو بعد الإنتهاء منها.
الفرع الأول:

 الفحص الطبي السابق على إجراء العملية الجراحية

بعد حصول الطبيب على رضا المريض أو رضا من يمثله قانونا يتعين عليه قبل إجراء العملية الجراحية أن يقوم بإجراء الفحص الشامل للمريض كالقيام بقياس الضغط الدموي وتحاليل الدم وإخضاعه للأشعة وغيرها وذلك لبيان مدى قدرته على تحمل أخطار العملية ويشمل الفحص الحالة الصحية العامة للمريض ككل ولا يقتصر على العضو الذي يكون محلا للعملية الجراحية وذلك لبيان ما يمكن أن يترتب من أعراض جانبية ومضاعفات يمكن أن تحدث خلال التدخل الجراحي.
ويكون الفحص في حدود ما يسمح به تخصص الطبيب ومستواه الطبي وما يتوقع من طبيب يقظ يوجد في نفس الظروف. وقد قضي بمسؤولية الجراح بسبب عدم إتخاذه الإحتياطات االلازمة للتأكد من أن المريض كان قد إمتنع عن الأكل قبل إجراء العملية[92] .
وقد قضت محكمة النقض المصرية بمسؤولية الطبيب الجراح عن كل تقصير في مسلكه الطبي فيما
يتعلق بالتشخيص المبدئي من خلال الكشف الظاهري أو التكميلي لا يقع من طبيب جراح يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب الجراح المسؤول[93].
الفرع الثاني:

الخطأ الطبي عند استعمال التخدير

يجب على الطبيب الجراح قبل إجراء عملية جراحية لمريض ما أن يناوله مادة مخدرة أو ما يعرف بالبنج، حتى يستطيع تحمل آلام الجراحة وإن مثل هذا التخدير قد يشكل خطورة على صحة المريض مما يستوجب من الطبيب نوع من الحيطة والحذر للتأكد من مدى قدرة المريض على تحمله.
وما تجدر الإشارة إليه أن الطبيب الجراح لا يقوم بتخدير المريض بنفسه وإنما يستعين في ذلك بطبيب التخدير وبالتالي يكون الأصل أن يسأل هذا الأخير على أي خطأ يقع منه أثناء تخدير المريض ويكون مسؤولا مع الطبيب الجراح إذا كان الخطأ مشتركا بينهما.
كما يسأل الطبيب الجراح عن خطأ طبيب التخدير إذا استعان بهذا الأخير من تلقاء نفسه دون الحصول على رضا المريض، إلا أن علاقة التبعية بين الطبيب الجراح وطبيب التخدير تنتفي في المستشفى العام.
إن التزام الطبيب الجراح وطبيب التخدير هو إلتزام ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة، فهما لا يسألان طالما أنهما قد قاما بالفحوص اللازمة للتأكد من مدى قابلية المريض لتحمل المادة المخدرة حتى ولو تبين بعد ذلك أنه كان لديه حساسية خاصة يصعب اكتشافها، على ضوء المعطيات العلمية والدراسة الطبية المعاصرة. ومن الأخطاء الواضحة لطبيب التخدير التي تؤدي إلى وفاة المريض بالإختناق نسيان رباط الشاش في القصبة الهوائية والتأخر في التوصل إلى إمداد المريض بالأكسجين من موضع آخر في حالة تغيير إدخال ذلك عن طريق القصبة الهوائية.
المطلب الثاني:

الخطأ الطبي أثناء القيام بالعملية الجراحية

تخضع مسؤولية الطبيب الجراح عن خطئه أثناء إجراء العملية الجراحية للقواعد العامة للمسؤولية المدنية من حيث ارتكابه إهمالا أو تقصيرا أو عدم الإحتياط في تنفيذ العملية الجراحية فهو مسؤول عن كل خطأ يقع منه مهما كان.
ويخضع تقدير خطأ الطبيب المستوجب لمسؤوليته المدنية لتقدير المحكمة التي تستعين بأهل الخبرة. وإجراء العملية الجراحية لا يخلو من المخاطر، لذلك استقر القضاء على وجود قدر من المخاطرة مرتبطة بطبيعة التدخل الجراحي، فذهب إلى رفض مسؤولية الطبيب الجراح عن وفاة طفل تم نقله بسرعة لإجراء
عملية جراحية تمت بالعناية المطلوبة ولكنها لم تكن موفقة بسبب عدم إحراز الطب على التقدم الكافي في هذا الميدان[94].
ومن بين الأخطاء الشائعة أثناء إجراء العملية الجراحية؛ نسيان بعض الأجسام الغريبة في جسم المريض وعدم إتمام الطبيب الجراح العملية الجراحية بنفسه.
الفرع الأول:

 إغفال بعض الأجسام الغريبة في جسم المريض

في بداية الأمر اعتبر القضاء الفرنسي بأن إغفال ونسيان جسم غريب داخل جسم مريض يعد من قبيل الحادث الجراحي العارض ولا يشكل خطأ مهنيا يستوجب معه المسؤولية المدنية، إلا أنه عدل عن موقفه وأصبح يقر بمسؤولية الطبيب عن مثل هذه الأخطاء، ومن أمثلة الأجسام الغريبة التي يتركها الطبيب الجراح في جسم المريض القطن أو قطعة قماش أو آلة أو كل ما يستعمل في إجراء العمليات الجراحية يتسبب ذلك في تقيآت، تعفن والتهابات تؤدي بحياة المريض أو فقدانه لصلاحية عضو من أعضاء جسمه.
إلا أنه لا تقوم مسؤولية الطبيب الجراح إذا كان الخطأ الذي وقع منه كان بسبب الضرورة أو القوة القاهرة إذا وجد الطبيب الجراح نفسه في حالة يستوجب إجراء العملية الجراحية على وجه السرعة لإنقاذ حياة المريض ثم تفاجأ بظروف شاذة أثناء إجرائها نظرا لدقتها.
الفرع الثاني:

 عدم إتمام الطبيب الجراح العملية الجراحية بنفسه

يلتزم الطبيب الجراح بإجراء العملية الجراحية وإتمامها بنفسه ولا يجوز له تعيين طبيب جراح آخر يحل محله بدون موافقة المريض ودون أن تكون هناك حالة ضرورة تستدعي ذلك، فإذا قام الطبيب الجراح بذلك فإنه يكون مسؤولا عن كل ما ينجم عن ذلك من أضرار[95] .
وقد جرى العمل الطبي على أن يقوم الطبيب الجراح بإجراء الجزء الجوهري من العملية الجراحية بنفسه ليترك الجزء المتبقي لأحد مساعديه، فإذا ما حدث وأن أخطأ هذا الأخير ونجم عن ذلك ضررا أصاب المريض، فإن ذلك يقع تحت مسؤولية الطبيب الجراح ما دام يتعين عليه إتمام العملية الجراحية
والإطمئنان عليها بنفسه، فقد يحدث وأن يسمح الطبيب الجراح لأحد مساعديه بمواصلة العملية الجراحية لغرض التدريب والتعليم، لكن ذلك يجب أن يكون تحت إشراف وتوجيه الطبيب الجراح وتحت مسؤوليته.
المطلب الثالث:

الخطأ الطبي عقب إجراء العملية الجراحية

استقر كل من الفقه والقضاء على أن يلتزم الطبيب الجراح بالعناية والإشراف على المريض بعد الإنتهاء من العملية الجراحية مثلما التزم قبل وأثناء إجرائها، وأن إهماله أو إغفاله يساهم في الكشف عن جهله بواجباته المفروضة عليه، إلا أن هذا الطبيب لا يلتزم بشفاء المريض ونجاح العملية، بل يقع عليه واجب الإستمرار في العناية كمتابعة حالته الصحية بعد العملية الجراحية تجنبا لحدوث مضاعفات.
وقد قضي بمسؤولية الطبيب عن الحروق التي أصابت المريض حال غيبوبته عقب إجراء العملية الجراحية بسبب عمليات التدفئة التي قام بها المريض، إذ كان ينبغي على الطبيب الذي أجرى له العملية الجراحية أن يراقب المريض وأن ينبهه على الأقل بخطورة ارتفاع درجة حرارته[96].
كما قد يعتبر طبيب أخصائي في أمراض الأنف والأذن والحنجرة مخطئا نتيجة غياب الإشراف الطبي الفعال في الساعات التالية لإجراء عملية جراحية لمريض لغرض استئصال اللوزتين ينتج عنها نزيف دموي يتسبب في وفاته، بالرغم من أن الأصول العلمية الطبية تقضي بأن المريض يظل تحت الإشراف الطبي لمدة معينة بعد العملية الجراحية .
ويعتبر كذلك الطبيب الجراح مخطئا لعدم مراعاته الوضعية المناسبة لسيقان المريض بعد العملية
الجراحية التي أجراها له لعصب من أعصابه وعدم قيامه بتنبيهه بالأهمية البالغة لوضعيتها لنجاح العملية[97].
المبحث الرابع

الخطأ الطبي من خلال جراحة التجميل ونقل وزرع الأعضاء البشرية

تكتسي جراحة التجميل ونقل وزرع الأعضاء أهمية كبيرة, لذلك أردنا تخصيص جزء من الدراسة لهما في المطلبين التاليين:
المطلب الأول:

الخطأ الطبي من خلال جراحة التجميل

يعد هذا النوع من الجراحة من أكثر العمليات الطبية إثارة للنقاش بين رجال القانون. ويقصد بها الجراحة التي لا يكون الغرض منها العلاج من مرض ما، بل إزالة تشويه في الجسم. ويعرفها الدكتور"دارتيج" بأنها: " مجموعة من العمليات التي تتعلق بالشكل والتي يكون الغرض منها علاج عيوب طبيعية ومكتسبة في ظاهر الجسم البشري تؤثر في القيمة الشخصية أو الإجتماعية للفرد"[98].
يميز أغلب الفقه بين نوعين من الجراحة التجميلية هما الجراحة التجميلية الإصلاحية La chirurgie de réstauration وهي الجراحة التي تهدف إلى إصلاح تشوه خلقي أو مستحدث ناجم عن حادث عمل أو حادث سير والجراحة التجميلية المحضة وهي تلك العمليات التي يخضع لها الشخص كلما كان غير راض عن مظهره الخارجي ورغب في تجميله.
ولقد عرف هذا الفرع من فروع الطب تطورا ملحوظا بعد الحربين العالميتين، إذ نجحت هذه الجراحة في الحد من مآسي القباحة والتشوهات، كما كانت مرتبطة في بداية عهدها بالطبقات الثرية التي يسمح لها وضعها المادي المريح اللجوء إليها عكس ما هو عليه الحال في الوقت الراهن، حيث أصبحت جراحة تكميلية تجرى لصاحبها بغية إصلاح التشوهات الخلقية والإصابات الناجمة عن الحوادث وإزالة آثار الحروق التي تنغص حياته[99].
ونظرا لخصوصية جراحة التجميل فقد ثار خلاف حول تحديد طبيعة إلتزام الطبيب الذي يقوم بها كون الغرض منها ليس شفاء المريض من علة من العلل وبالتالي عدم وجود تناسب بين ما يتعرض له المريض من مخاطر بسبب العلاج وبين ما يتوقع منه من فائدة.
الفرع الأول:

 التزام طبيب التجميل بتحقيق نتيجة

إتخذ القضاء الفرنسي في بداية الأمر موقفا معاديا لجراحة التجميل، فكان يعتبر الطبيب الذي يقوم بمثل هذه العمليات مسؤولا عن جميع النتائج الضارة التي تترتب عنها ولو قام بالعلاج وفقا للأصول الطبية المعروفة، بمعنى أن مجرد إقدام الطبيب الجراح على إجراء عملية جراحية لا يقصد منها إلا التجميل يعد خطأ في ذاته يتحمل بسببه كل الأضرار التي تنشأ عن العملية. وقد تأكد هذا الموقف الواضح في حكم محكمة باريس الصادر في سنة 1931 ، وتتلخص وقائع القضية في أن فتاة كانت تعاني
من شعر نمى لها على ذقنها أرادت التخلص منه فلجأت إلى العلاج عن طريق الأشعة، فكان لها ما أرادت غير أنها أصيبت بمرض جلدي مع أن تقارير الخبراء تفيد أن الطبيب لم يخطىء ، بل إلتزم بقواعد مهنة
الطب ومباديء العلم في عمله، ومع ذلك قضت المحكمة بثبوت خطأ الطبيب لكون العلاج لم يكن بقصد الشفاء من المرض، بل كان بقصد إزالة عيب طبيعي.
وعليه فإن القضاء قد وضع الأمر في إطار الموازنة بين فائدة طب التجميل والأخطار المترتبة عليه فرجح فكرة تفادي الأخطار على فكرة تحقيق الفائدة وهو موقف فيه نوع من التشدد و الغلو[100].
الفرع الثاني:

 إلتزام طبيب التجميل ببذل عناية

لقد لطف القضاء الفرنسي من موقفه بعد المرحلة الأولى السالفة الذكر فذهب إلى أنه لا يجوز افتراض خطأ لم ينص عليه القانون وبالتالي أخضع جراحة التجميل للقواعد العامة التي تخضع لها الجراحة العلاجية، فعلى الطبيب أن يراعي مسألة التناسب بين مخاطر العملية التي يقدم عليها والفوائد المبتغاة من ورائها، فكلما كان الهدف العلاجي بالمعنى الدقيق منتفيا في عمليات التجميل، كلما كان على الطبيب أن يلتزم بالمزيد من الحيطة والحذر وهو التزام ببذل عناية من نوع خاص وهذا ما أكدته محكمة استئناف باريس في حكم أصدرته في سنة 1959 ،ذهبت فيه إلى أنه إذا كان هناك عدم تناسب واضح بين مخاطر العملية وبين فوائدها، فعلى الطبيب أن يبصر المريض بالوضع والنتائج المرتقبة بل وعليه أن يمتنع صراحة في البعض الآخر من الحالات عن إجرائها حتى ولو كان المريض مصمما على ذلك[101].
ولقد أجاز التشريع الجزائري إجراء عمليات تجريبية لا يرجى من ورائها العلاج بشرط الحصول على رأي مسبق من طرف المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية الذي ينبغي أن يتأكد من أن الطبيب الجراح مؤهل لإجراء عمليات التجميل مما تقتضي هذه الأخيرة من دقة العمل وعناية فائقة وهذا ما نصت عليه المادة 168 من قانون 90/17 المعدل والمتمم للقانون رقم 85/05 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها.
نستنتج من نص هذه المادة أن الرأي المسبق للمجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية لا يمكن أن يعطي لممارسة عمليات جراحية قصد التجميل وليس بقصد العلاج، إلا إذا تأكد من أن الطبيب سيبذل عناية صادقة وحرصا ويقظة بدرجة زائدة عن العمليات الجراحية الأخرى[102].
وما تجدر الإشارة إليه أن الجراحة التجميلية غير منتشرة في الجزائر مقارنة لما هي عليه في الدول الغربية وبالتالي فهي لم تطرح على المحاكم، إلا أنه على الأطباء أن يلتزموا ويتقيدوا بالإلتزامات ذات الطابع الخاص الذي يجب التقيد به في إجراء مثل هذه العمليات الجراحية.
المطلب الثاني:

الخطأ الطبي من خلال عملية نقل وزرع الأعضاء البشرية

إن عملية نقل وزرع الأعضاء من الأعمال الطبية التي أثارت جدلا كبيرا بين رجال الدين والطب والقانون وذلك بين مؤيد لها و معارض, إلا أنه باعتبار عملية نقل وزرع الأعضاء البشرية من أهم الأساليب لإنقاذ حياة العديد من المرضى, فأجازت معظم التشريعات التنازل عن الأعضاء البشرية سواء من الأحياء أو من الموتى وذلك لمن هو في حاجة إليها، مع تقييد هذه الإباحة بشروط وهو ما انتهجه المشرع الجزائري في قانون 85/05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها وذلك في المواد من 161 إلى 168 منه.
الفرع الأول:

 شروط نقل الأعضاء من الأحياء

نظرا لخطورة عملية نقل وزرع الأعضاء البشرية فإنه لا يجوز إنتزاع ولا زرع الأنسجة أو الأجهزة البشرية إلا لأغراض علاجية أو تشخيصية حسب الشروط المنصوص عليها في القانون وهذا وفقا لما نصت عليه المادة 161 من القانون رقم 85/05 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها.ويمكن حصر هذه الشروط فيما يلي:
أولا: رضا كل من المتبرع والمريض المستقبل للعضو, ويكون رضا الأول طبقا للمادة 162/01 من القانون السالف الذكر، أن يكون كتابيا وتحرر هذه الموافقة بحضور شاهدين وتودع لدى مدير المؤسسة والطبيب رئيس المصلحة ولا يجوز للمتبرع أن يعبر عن موافقته إلا بعد أن يخطره الطبيب بالأخطار الطبية المحتملة التي قد تسببها عملية الإنتزاع, كما يستطيع المتبرع التراجع عن موافقته.
وعليه فإن الطبيب الذي يجري عملية إستئصال وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية بدون توافر الرضا الحر و المستنير من المتبرع والمريض المتلقي كان تصرفه معيبا ومخالفا لقواعد القانون[103].
وتجدر الإشارة إلى أنه يمنع القيام بانتزاع الأعضاء من القصر والراشدين المحرومين من قدرة التمييز كما يمنع انتزاع الأعضاء أو الأنسجة من الأشخاص المصابين بأمراض من طبيعتها أن تضر بصحة المتبرع أو المستقبل[104] .
ثانيا: أن يكون العضو المتبرع به من الأعضاء المزدوجة في الجسم وأن يثبت أن العضو المتبقي قادر على القيام بالوظيفة التي يقوم بها العضو المستأصل وعلى الطبيب أن يقوم بالفحوص الطبية التمهيدية للمريض وللمتبرع قبل إجراء عملية الإستئصال والزرع, حتى يتأكد من سلامة نسيج أو أعضاء المتبرع من الأمراض المعدية القابلة للإنتقال من إنسان إلى آخر وأن إهمال الطبيب إجراء مثل هذه الفحوص يشكل خطأ من جانبه يوجب مسؤوليته المدنية[105].
ثالثا: أن تكون المصلحة المترتبة على زرع العضو أو النسيج لدى المريض جدية ولا تكون كذلك إلا إذا كان الزرع يمثل الوسيلة الوحيد لحياة المريض المستقبل. أما من جهة المتبرع فلا يجوز إستئصال عضو من أعضائه أو نسيج من جسمه إلا بعد التأكد من أن الفوائد العملية أكثر من أضرارها وأن المصلحة التي يراد تحقيقها وحمايتها أعظم من المصلحة المضحى بها. فعلى الطبيب أن يتأكد من توافق الأنسجة وصلاحية العضو المطلوب نقله ليؤدي الغرض ويحقق الهدف المتوخى في جسم المتلقي وأن يتخذ جميع الإحتياطات اللازمة أثناء تنفيذ عملية الإستئصال أو أثناء عملية الزرع وأن يبذل من المهارة والرعاية والحيطة ما يساعد على نجاح العملية. وأي إخلال بهذه الإلتزامات يعد خطأ من جانب الطبيب يوجب مسؤوليته المدنية.
رابعا: أن يكون انتزاع العضو أو النسيج من جسم الإنسان بدون مقابل مالي، لأن أعضاء الجسم لا يمكن أن تكون محل بيع أو شراء وهو ما نصت عليه المادة 161/02 من القانون السالف الذكر.
وإذا سعى الطبيب لأن يكون انتزاع نسيج أو عضو من جسم الإنسان بمقابل مالي لزرعه لشخص آخر فإن ذلك يشكل خطأ من جانبه.
الفرع الثاني:

 شروط نقل الأعضاء من الموتى

إن استئصال الأعضاء من جثة الميت لا تجوز كمبدأ عام، لأن الأصل أن تلحق الحماية جسم الإنسان حتى بعد وفاته ومع ذلك أجاز رجال الدين وفقهاء القانون إمكانية المساس بالجثة لإعتبارات علاجية وعلمية مع ضرورة التقيد ببعض الشروط والتي تتمثل فيما يلي:
أولا: لا يجوز انتزاع الأعضاء من جثة ميت إلا إذا عبر المتوفي خلال حياته عن موافقته كتابيا وإذا لم يحدث ذلك لا يجوز الإنتزاع إلا بعد موافقة أعضاء أسرته حسب الترتيب الوارد في المادة 164/02 من قانون 90/17 المعدل والمتمم لقانون حماية الصحة وترقيتها وهو كالتالي:
الأب أو الأم، الزوج أو الزوجة، الإبن أو البنت، الأخ أو الأخت وإذا لم تكن للمتوفي أسرة يطلب الإذن من الولي الشرعي، وعدم أخذ موافقة الأسرة إذا لم يبد المتوفي أثناء حياته رأيا في الموضوع يعد خطأ من جانب الطبيب الجراح.
ثانيا: لا يجوز استئصال الأنسجة والأعضاء من الأشخاص المتوفين إلا بعد الإثبات الطبي والشرعي للوفاة وهذا ما نصت عليه المادة 164/01 من القانون المذكور أعلاه.
ولا يجوز للطبيب أن يستأصل أي عضو من الأعضاء أو نسيج من الأنسجة إذا كان الميت قد عبر من قبل على رفضه ومخالفة هذه الإرادة يولد خطأ من جانب الطبيب.
ثالثا: عدم الكشف عن هوية المتبرع للمستفيد وهوية المستفيد لعائلة المتبرع المتوفي و ذلك حفاظا على التوازن النفسي للمريض ومراعاة لمشاعرهن حتى لا يعيش هذا المريض الذي تمت معالجته عن طريق الزرع بمرض نفسي آخر يبقيه تحت رحمة عائلة المتبرع[106].
خـــاتمة
وصفوة القول أردناها المغزى والغاية من دراسة الخطأ الطبي المنشىء للمسؤولية المدنية والفائدة المستخلصة من الدراسة القانونية وليست تلخيصا لما تم سرده، ذلك أن العمل الطبي رغم أنه ينطوي في كثير من الأحوال على المساس بسلامة الجسم، إلا أنه يعتبر من الأعمال المباحة وفقا للنصوص التشريعية التي رخصت للطبيب مباشرة ذلك العمل لكن بشروط خاصة ومحددة، فيجب أن يكون الهدف من العمل الطبي علاج المريض وشفائه بعد أخذ موافقته ورضاه، وذلك باتباع الأصول العلمية الحديثة والمستقرة في مجال الطب، واحترام القواعد المعقدة في هذا الفن.
وإن كانت دراستنا تمحورت أساسا في أحد أركان المسؤولية المدنية للطبيب وهو الخطأ، فذلك بين لنا كيف أن هذا الأخير قد ساهم إلى حد كبير في تطور المسؤولية بوجه عام ومسؤولية الطبيب بوجه خاص نظرا لأهميته ودوره الأساسي في إنشائها، فمن عدم المسؤولية مطلقا إلى المسؤولية عن العمل المادي دون العمل الفني ثم إلى المسؤولية عن الخطأ الجسيم إلى المسؤولية حتى عن الخطأ العادي، ثم عن كل خطأ مهما كان نوعه ودرجته، نتيجة ازدياد الوعي لدى المرضى بأن أصبحوا يطالبون بعلاج أكثر دقة وحذر، ولا يترددون في وضع الأطباء عند مسؤولياتهم مما يحفز القضاء على مراقبة الأخطاء الطبية فكلها تطورات تدل على ضرورة إعطاء حماية أكثر للمريض.
هذا وقد شهد العالم في السنوات الأخيرة تطورات سريعة وكثيرة لها أثرها البالغ في تقدير خطأ الطبيب ومن أهمها التقدم العلمي والفني المتزايد في طرق ووسائل العلاج والجراحة وظهور العديد من الإختراعات وبها توافرت للطبيب إمكانيات ووسائل لم تكن موجودة من قبل. وقد انعكس ذلك بصفة خاصة على النشاط الطبي، وجلب معه الكثير من المخاطر على المرضى بفعل استعمال مختلف الأجهزة والآلات التي توصل إليها العلم الحديث في هذا المجال، ومما لا شك فيه أن لكل ذلك أثره البالغ في تقدير خطأ الطبيب، مما يستوجب معه البحث عن الوسائل القانونية التي تكفل حماية هؤلاء من مخاطر التكنولوجية الحديثة، ومحاولة إحداث التوازن بين أطراف العلاقة العقدية الطبية، ما دام أنه ليس من المعقول أن يتحمل المريض وحده النتائج السلبية لهذا التقدم.
وبقي علينا البحث عن الحلول المناسبة التي يمكن من خلالها خلق وضع متوازن بين الوضع القانوني المتطور وتطبيقاته القضائية غير المستقرة التي تبني مواقفها على مباديء وقواعد مستمدة من فكرة العدالة والإنصاف وبين الوضع العملي المتسارع التطور، ومن بين هذه الإقتراحات نذكر ما يلي:
♦ أن يحذو المشرع الجزائري حذو بعض التشريعات الأخرى وذلك بمحاولة إرساء مجموع القواعد والنصوص القانونية التي تبعث الطمأنينة والثقة في نفوس المرضى، ووضع قيود وضوابط للقواعد التنظيمية بما يضمن القدر اللازم من الرعاية الصحية ولعل ذلك يحقق مصلحة المريض مثلما فعل ذلك المشرع الفرنسي بأن أصدر قانونا سنة 1994 يتعلق باحترام جسم الإنسان والذي أدخله ضمن القانون المدني.
♦ بما أن استعمال الأجهزة والآلات الطبية أصبح اليوم أمرا ضروريا لأداء العمل الطبي على أكمل وجه وحتى نحد من مسألة البحث في وجود خطأ الطبيب من عدمه، كان ولابد من إيجاد حل وسط يكفل مصلحة المريض بالتعويض عن الضرر الذي أصابه والإنقاص من مسؤولية الطبيب المشرف على هذه الأجهزة والآلات وذلك بخلق نظام التأمين الإجباري الذي تحل فيه مؤسسة التأمين محل الطبيب في التعويض عن الحوادث والأخطاء الطبية دون الأفعال العمدية التي يرتكبها الطبيب، وهذا حتى لا تضعف روح المبادرة لدى الأطباء نتيجة الخوف الذي يعتريهم في كل مرة هذا من جهة ، ومن جهة أخرى، فإن الطبيب في مثل هذه الحالات لن يتردد في مساعدة المريض في إثبات الخطأ الطبي وعلاقة الضرر الذي أصابه بالعمل الطبي الذي قام به لأنه يعلم بأن التأمين سيغطي كل الآثار التي ترتبت عن عمله الطبي ، فلا يهاب المسؤولية المدنية.
وتبقى الغاية من كل ذلك التوفيق بين المصالح المتناقضة للطبيب والمريض وربما ما ذكرناه لا يحقق كل المبتغى مما يستوجب معه فتح باب الإجتهاد للبحث في كل ذلك عن حماية الإنسان بوجه عام ماديا ومعنويا والتي هي غاية وأساس أي تنظيم إجتماعي وأي نظام قانوني، لأن قوام القانون و صلاحه يقاس بمدى صونه وحمايته للقيم والعناصر اللازمة لبقاء الإنسان.
تم بحمد الله وعونه.
è قائمة المراجع è
أولا: المراجع باللغة العربية:
المراجع العامة:è
1 - زهدي يكن: المسؤولية المدنية أو الأعمال المباحة، منشورات المكتبة العصرية، الطبعة الأولى لبنان، ب.س.ن.
2- د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، دار إحياء التراث العربي الجزء الأول، بيروت، 1984 .
3- د/ علي علي سليمان: النظرية العامة للإلتزام في القانون المدني الجزائري، دار المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1988 .
4 - د/ محمود جلال حمزة: العمل غير المشروع باعتباره مصدرا للإلتزام - القواعد العامة والقواعد الخاصة - دراسة مقارنة بين القانون المدني السوري والقانون المدني الجزائري والقانون المدني الفرنسي- ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1986 .
المراجع المتخصصة: è
1- أ/ أحمد حسن عباس الحياري: المسؤولية المدنية للطبيب في القطاع الخاص في ضوء النظام القانوني الأردني والنظام القانوني الجزائري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 2005.
2- أ/ بسام محتسب بالله: المسؤولية الطبية المدنية والجزائية، دار الإيمان، الطبعة الأولى، دمشق 1948 .
3- أ/ حسين طاهري: الخطأ الطبي والخطأ العلاجي في المستشفيات العامة- دراسة مقارنة-(الجزائر، فرنسا)، دار هومه، الجزائر، 2004 .
4- د/ رمضان جمال كامل: مسؤولية الأطباء والجراحين المدنية، شركة باس للطباعة، الطبعة الأولى مصر، 2005 .
5- القاضي/ طلال عجاج: المسؤولية المدنية للطبيب - دراسة مقارنة- المؤسسة الحديثة للكتاب لبنان, 2004 .
6- د/ عبد الحميد الشواربي: مسؤولية الأطباء والصيادلة والمستشفيات المدنية والجزائية والتأديبية منشأة المعارف بالإسكندرية، مصر، 1998 .
7- د/ عبد الرشيد مأمون: عقد العلاج بين النظرية والتطبيق، دار النهضة العربية، مصر، ب.س.ن.
8 ـ د/ عبد الكريم مأمون: رضا المريض عن الأعمال الطبية والجراحية, دراسة مقارنة, دار المطبوعات الجامعية, الإسكندرية, مصر, 2006.
9- د/ محمد حسين منصور: المسؤولية الطبية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 1999 .
10- د/ محمد رايس: المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري، دار هومه، الجزائر 2007 .
è الرسائل الجامعية:
1- فريد عيسوس: الخطأ الطبي و المسؤولية الطبية - دراسة مقارنة- رسالة مقدمة لنيل درجة الماجيستير، جامعة الجزائر، كلية الحقوق بن عكنون، السنة الجامعية:2002 - 2003 .
2- نصر الدين مروك: الحماية الجنائية للحق في سلامة الجسم، رسالة دكتوراه، جامعة الجزائر، السنة الجامعية 1996 - 1997 .
è المجلات:
1- د/ بوجمعة صويلح: المسؤولية الطبية المدنية، المجلة القضائية، العدد الأول، الجزائر، 2001 .
2 – د/ عبد الكريم مأمون: إخلال الطبيب بحق المريض في الرضا وجزاؤه, موسوعة الفكر القانوني دراسات قانونية, العدد الثاني, الجزائر,ب.س.ن.
3- د/ محمد هشام القاسم: الخطأ الطبي في نطاق المسؤولية المدنية، مجلة الحقوق والشريعة، العدد الأول، السنة الثالثة، الكويت، 1979 .
4- د/ وديع فرج: مسؤولية الأطباء والجراحين المدنية، مجلة القانون والإقتصاد، العدد04, السنة 12 مصر، ب.س.ن.
è النصوص القانونية والتنظيمية:
1- الأمر رقم 66 ـ 65 المؤرخ في 04 أفريل 1966 ، المتعلق بتنظيم مهن الأطباء والصيدليين وجراحي الأسنان والقابلات، ج.ر رقم 67 ، السنة الثالثة، الصادرة بتاريخ 05 أفريل 1966.
2 ـ الأمر رقم 66 ـ 154 المِؤرخ في 08 جوان 1966 المتضمن قانون الإجراءات المدنية, المعدل والمتمم.
3- الأمر رقم 66 - 156 المؤرخ في 08 جوان 1966 المتضمن قانون العقوبات المعدل و المتمم. 4- الأمر رقم 75 ـ 58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975، المتضمن القانون المدني, المعدل والمتمم .
5- الأمر رقم 76 ـ 79 المؤرخ في 23 أكتوبر 1976 ، المتضمن قانون الصحة العمومية، ج.ر رقم 101، السنة 13 ، الصادرة بتاريخ 19 ديسمبر 1976 .
6- القانون رقم 85 ـ05 المؤرخ في 16 فيفري 1985 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها، المعدل والمتمم بالقانون رقم 90 ـ 17 المؤرخ في 31 جويلية 1990 ، ج.ر رقم 35 .
7- المرسوم التنفيذي رقم 66 ـ 67 المؤرخ في 04 أفريل 1966 ، المتعلق بكيفيات تطبيق الأمر رقم 66 ـ65 المؤرخ في 04 أفريل 1966 ، ج.ر رقم 67, السنة الثالثة، الصادرة بتاريخ 05 أفريل 1966 .
8- المرسوم التنفيذي رقم 91 - 106 المؤرخ في 27 أفريل 1991 ،المتضمن القانون الأساسي الخاص بالممارسين الطبيين والمتخصصين في الصحة العمومية، ج.ر رقم 22 ، السنة 28 ، الصادرة بتاريخ 15ماي 1991.
9- المرسوم التنفيذي رقم 91 - 471 المؤرخ في 07 ديسمبر 1991 ، المتضمن القانون الأساسي الخاص بالأطباء المتخصصين الإستشفائيين الجامعيين، ج.ر رقم 66 الصادرة بتاريخ 22 ديسمبر 1991
10- المرسوم التنفيذي رقم 92 – 276 المؤرخ في 06 جويلية 1992 ،المتضمن مدونة أخلاقيات الطب.
ثانيا: المراجع باللغة الفرنسية:
1 - Angelo Castelletta : Responsabilité médicale -Droit des malades- Dalloz, 2éme édition, BELGIQUE, 2004 .
2 - D / Jeau Penneau : La responsabilité du médecin, Dalloz, 2éme édition, FRANCE, 1996.
è قائمة المختصرات è
ـ ب.س.ن : بدون سنة النشر.
ـ ج.ر : جريدة رسمية.
ـ ص : الصفحة.
الفهرس
العنوان الصفحة
مقدمة.........................................................................................01
الفصل الأول: مفهوم الخطأ الطبي.............................................................05
المبحث الأول: تعريف الخطأ الطبي...........................................................06
المطلب الأول: المقصود بالخطأ الطبي........................................................07
المطلب الثاني: عناصر الخطأ الطبي.........................................................09
الفرع الأول: العناصر العامة للخطأ الطبي....................................................09
الفرع الثاني: خروج الطبيب عن القواعد والأصول العلمية الطبية..............................10
المطلب الثالث: التمييز بين الخطأ الطبي المدني والخطأ الطبي الجزائي........................11
المبحث الثاني: تقسيم الخطأ الطبي............................................................12
المطلب الأول: تقسيم الخطأ الطبي من حيث أنواعه............................................13
الفرع الأول: الخطأ العادي....................................................................13
الفرع الثاني: الخطأ المهني....................................................................13
الفرع الثالث: إنتقاد التفرقة بين الخطأ العادي والخطأ المهني....................................14
المطلب الثاني: تقسيم الخطأ الطبي من حيث درجاته............................................15
الفرع الأول: الخطأ الطبي اليسير..............................................................15
الفرع الثاني: الخطأ الطبي الجسيم…………………………………………………………15
الفرع الثالث: إنتقاد التفرقة بين الخطأ الطبي اليسير والخطأ الطبي الجسيم…………………...16
المطلب الثالث: التفرقة بين خطأ الفريق الطبي والخطأ الطبي الفردي………………………..18
الفرع الأول: خطأ الفريق الطبي……………………………………………………….…18
الفرع الثاني: الخطأ الفردي……………………………………………………………...19
المبحث الثالث: معيار تقدير الخطأ الطبي……………………………………………….…21
المطلب الأول: المعيار الشخصي…………………………………………………………21
الفرع الأول: المقصود بالمعيار الشخصي………………………………………………...22
الفرع الثاني: الإنتقادات الموجهة للمعيار الشخصي………………………………………..22
المطلب الثاني: المعيار الموضوعي……………………………………………………...22
الفرع الأول: المقصود بالمعيار الموضوعي..................................................23
الفرع الثاني: الإنتقادات الموجهة للمعيار الموضوعي……………………………………..23
المطلب الثالث: المعيار المختلط…………………………………………………………24
الفرع الأول: المقصود بالمعيار المختلط…………..…………………………………….24
الفرع الثاني: الإعتبارات التي يقوم عليها المعيار المختلط……………….………………..25
المبحث الرابع: إثبات الخطأ الطبي………………………………………………………25
المطلب الأول: إثبات الخطأ الطبي في الإلتزام ببذل عناية………………….................26
الفرع الأول: مضمون الإلتزام ببذل عناية…………………………………................26
الفرع الثاني: عبء الإثبات في الإلتزام ببذل عناية………………………..………………27
المطلب الثاني: إثبات الخطأ الطبي في الإلتزام بتحقيق نتيجة………………..................27
الفرع الأول: مضمون الإلتزام بتحقيق نتيجة…………………………………..………….28
الفرع الثاني: عبء الإثبات في الإلتزام بتحقيق نتيجة………………………………………29
المطلب الثالث: دور الخبرة في إثبات الخطأ الطبي.............................................29
الفصل الثاني: صور الخطأ الطبي وتطبيقاته………………………………………………32
المبحث الأول: رفض علاج المريض وتخلف رضاه……………………………………....32
المطلب الأول: رفص علاج المريض……………………………………...................33
الفرع الأول: إلتزام الطبيب بتبصير المريض……………………………………………...34
الفرع الثاني: رضاء المريض بالعلاج…………………………………………………….36
المبحث الثاني: الخطأ الطبي في التشخيص وفي وصف العلاج ومباشرته……………………39
المطلب الأول: الخطأ الطبي في التشخيص………………………………………………..39
الفرع الأول: الفحوص الأولية…………………………………………….................40
الفرع الثاني: قرار تشخيص المرض..........................................................41
المطلب الثاني: الخطأ الطبي في وصف العلاج ومباشرته......................................42
المبحث الثالث: الخطأ الطبي من خلال العمليات الجراحية………………………………….44
المطلب الأول: الخطأ الطبي قبل إجراء العملية الجراحية…………………………………..44
الفرع الأول: الفحص الطبي السابق على إجراء العملية الجراحية…………………………. 44
الفرع الثاني: الخطأ الطبي عند إستعمال التخدير………………………………………….45
المطلب الثاني: الخطأ الطبي أثناء القيام بالعملية الجراحية………………………………….45
الفرع الأول: إغفال بعض الأجسام الغريبة في جسم المريض...................................46
الفرع الثاني: عدم إتمام الطبيب الجراح العملية الجراحية بنفسه……………………………..46
المطلب الثالث: الخطأ الطبي عقب العملية الجراحية.............................................47
المبحث الرابع: الخطأ الطبي من خلال جراحة التجميل ونقل وزرع الأعضاء البشرية…………48
المطلب الأول: الخطأ الطبي من خلال جراحة التجميل………………………………………48
الفرع الأول: إلتزام طبيب التجميل بتحقيق نتيجة…………………………………………….48
الفرع الثاني: إلتزام طبيب التجميل بتحقيق نتيجة…………………………………………….49
المطلب الثاني: الخطا الطبي من خلال عملية نقل وزرع الأعضاى البشرية………..............50
الفرع الأول: شروط نقل الأعضاء من الأحياء……………………………………………...50
الفرع الثاني: شروط نقل الأعضاء من الموتى………………………………………….……52
خاتمة…………………………………………………………………………………….53
قائمة المراجع...................................................................................55
________________________________
[1] ـ أ / أحمد حسن عباس الحياري: المسؤولية المدنية للطبيب في القطاع الخاص في ضوء النظام القانوني الأردني و النظام القانوني الجزائري، دار الثقافة للنشر و التوزيع، الأردن، 2005 ، ص 101 و 102 .
[2] ـ د/ علي علي سليمان: النظرية العامة للإلتزام في القانون المدني الجزائري، دار المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1988 ،ص 142 إلى 145 .
[3] ـ قرار "مرسيي Mercier "الصادر بتاريخ 20 ماي 1936 الذي يقضي بأنه:"بين الطبيب و المريض عقد حقيقي، إن لم يكن يلزم الطبيب بشفاء مريضه فإنه يلزمه على الأقل بأن يقدم له عناية خاصة، تتسم بالدقة و شدة اليقظة، و أن تكون هذه العناية منسجمة مع معطيات العلم و قواعده و متفقة معه".
[4] ـ د / محمد حسين منصور: المسؤولية الطبية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 1999 ، ص 204 .
[5] ـ أ / أحمد حسن عباس الحياري: المرجع السابق، ص 104 .
[6] ـد / محمد رايس: المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري، دار هومة، الجزائر، 2007 ، ص 147 .
[7] ـ القاضي/ عجاج طلال: المسؤولية المدنية للطبيب، دراسة مقارنة، المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان، 2004 ، ص 182 .
[8] ـ د / محمود جلال حمزة: العمل غير المشروع باعتباره مصدرا للإلتزام ـ القواعد العامة و القواعد الخاصة ـ دراسة مقارنة بين القانون المدني السوري و القانون المدني الجزائري و القانون المدني الفرنسي ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1986 ،ص 67 و 68 .
[9] ـ أ / بسام محتسب بالله: المسؤولية الطبية المدنية و الجزائية، دار الإيمان، دمشق ،الطبعة الأولى ،1984 ، ص 120 .
[10] ـ إن تعبير" خطأ الطبيب" أشمل من عبارة "الخطأ الطبي" الذي يعني الخطأ المرتبط بالأعمال الطبية فقط بغض النظر عن صفة مرتكبه، أما تعبير "خطأ الطبيب" فيعني أن الخطأ منسوب إلى شخص بعينه و صفته كطبيب مما يضفي عليه شمولا للمعنى المقصود، و مع ذلك فالتعبيرين يستعملان للدلالة على نفس المعنى.
[11] ـ د / محمد رايس: المرجع السابق ، ص 149 .
[12] ـ Jean Penneau : La résponsabilité du médecin , Dalloz , 2eme édition ,France , 1996 , p 16.
[13] ـ د / عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، دار إحياء التراث العربي، الجزء الأول ، بيروت ، 1952 ص 722 .
[14] ـ د / محمد رايس: المرجع السابق ، ص 150 .
[15] ـ د / محمد هشام القاسم: الخطأ الطبي في نطاق المسؤولية المدنية، مجلة الحقوق و الشريعة، العدد الأول، السنة الثالثة، الكويت 1979، ص87.
[16] ـ المرسوم التنفيذي رقم 92 ـ276 المؤرخ في 06 جويلية 1992 ،المتضمن مدونة أخلاقيات الطب.
[17] - Angelo Castelletta : Responsabilité Médicale - Droit des malades - DALLOZ ,2ème édition , BELGIQUE , 2004, P 99 .
[18] ـ زهدي يكن :المسؤولية المدنية أو الأعمال المباحة، منشورات المكتبة العصربة ، الطبعة الأولى ،لبنان، ب. س. ن ، ص 88 .
[19] ـ د / محمود جلال حمزة: المرجع السابق، ص 69 .
[20] ـ الأمر رقم 75 ـ58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 يتضمن القانون المدني المعدل و المتمم بموجب القانون رقم 05 ـ 10 مؤرخ في 20 جوان 2005
[21] ـ أ / أحمد حسن عباس الحياري: المرجع السابق، ص 108 .
[22] ـ و هذا ما تتضمنه المواد 18 ،31 و 45 من المرسوم التنفيذي رقم 92 ـ 276 المتضمن مدونة أخلاقيات الطب.
[23] ـ د / نصر الدين مروك: الحماية الجنائية للحق في سلامة الجسم ، رسالة دكتوراه ، جامعة الجزائر ، السنة الجامعية 1996ـ1997 ، ص 275 .
[24] تنص المادة 288 من الأمر رقم 66 ـ 156المؤرخ في 08 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات المعدل و المتمم على أنه: "كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أوعدم انتباهه أوإهماله أوعدم مراعاته الأنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 20.000 إلى 100.000 دج". وتنص المادة 289 من نفس القانون على أنه:" إذا نتج عن الرعونة أوعن عدم الاحتياط إصابة أوجرح أومرض أدى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة تجاوز ثلاثة أشهر فيعاقب الجاني بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من 20.000 إلى 100.000 دج أوبإحدى هاتين العقوبتين".
[25] ـ د/ رمضان جمال كامل: مسؤولية الأطباء و الجراحين المدنية ، شركة باس للطباعة ،الطبعة الأولى، مصر ، 2005 ، ص 106 .
[26] ـ القانون رقم 85 ـ 05 المؤرخ في 16 فيفري 1985 يتعلق بحماية الصحة و ترقيتها ، المعدل و المتمم بالقانون رقم 90 ـ 17 المؤرخ في 31 جويلية 1990 ، ج . ر العدد 35 .
[27] ـ المرسوم التنفيذي رقم 91 ـ 471 المؤرخ في 07 ديسمبر 1991،ج.ر رقم 66 ،الصادرة بتاريخ 22 ديسمبر 1991 .
[28] ـ المرسوم التنفيذي رقم 91 ـ 106 المؤرخ في 27 أفريل 1991 ، ج.ر رقم 22 ، السنة 28 ، الصادرة بتاريخ 15 ماي 1991 .
[29] ـ الأمر رقم 66 ـ 65 المؤرخ في 04 أفريل 1966 ،ج. ر، رقم 67 ، السنة الثالثة، الصادرة بتاريخ 05 أفريل 1966 .
[30] ـ المرسوم التنفيذي 66 ـ67 المؤرخ في 04 أفريل 1966 ، ج.ر رقم 67، السنة الثالثة،الصادرة بتاريخ 05 أفريل 1966 .
[31] ـ الأمر رقم 76 ـ 79 المؤرخ في 23 أكتوبر 1976 ، ج.ر رقم 101 ، السنة 13 ، الصادرة بتاريخ 19 ديسمبر1976 .
[32] ـ د / عبد الحميد الشواربي: مسؤولية الأطباء والصيادلة والمستشفيات المدنية والجنائية والتأديبية ، منشأة المعارف بالإسكندرية مصر1988 ص 205 .
[33] ـ د / بوجمعة صويلح: المسؤولية الطبية المدنية ، المجلة القضائية ، العدد الأول ، الجزائر ، 2001 ، ص 65 .
[34] ـ د / محمد رايس: المرجع السابق، ص 177 .
[35] ـ د / بوجمعة صويلح: المرجع السابق، ص 66 .
[36] ـ د / محمد رايس: المرجع المذكور أعلاه، ص 173 .
[37] ـ د / عبد الحميد الشواربي: المرجع السابق ، ص 206 .
[38] ـ د / رمضان جمال كامل: المرجع السابق.
[39] ـ د / محمد رايس: المرجع السابق، ص 187 .
[40] ـ د / محمد رايس: المرجع السابق ، ص 180 .
[41] ـ من بين الفقهاء الذين نادوا بهذه الفكرة، الفقيه الفرنسي "جون بينو Jean Penneau " حيث جاء في مرجعه المشار إليه سابقا في طبعته الثالثة ص 17 أن: « Toute faute qelle que soit sa gravité, même la plus légère, est de nature à engager la responsabilité du médecin »
[42] - Angelo Castelletta :op cit , p 99 .
[43] ـ فريد عيسوس: الخطأ الطبي و المسؤولية الطبية ـ دراسة مقارنة ـ رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجيستير ، جامعة الجزائر ،بن عكنون ، السنة الجامعية ، 2002 ـ 2003 ، ص 10 .
[44] ـ د / محمد رايس: المرجع السابق ، ص 181 .
[45] ـ المادة 172 /02 من القانون المدني التي تنص على أنه:" و على كل حال يبقى المدين مسؤولا عن غشه، أو خطئه الجسيم".
[46] ـ فريد عيسوس: المرجع السابق، ص 10 .
[47] ـ د / محمد رايس: المرجع السابق، ص 184 .
[48] ـ أ / حسين طاهري: الخطأ الطبي والخطأ العلاجي في المستشفيات العامة ـ دراسة مقارنة ـ (الجزائر ـ فرنسا) ، دار هومة ،الجزائر ، 2004 ص 62 .
[49] ـ أ / أحمد حسن عباس الحياري: المرجع السابق، ص 77 .
[50] ـ د / عبد الرشيد مأمون: عقد العلاج بين النظرية والتطبيق، دار النهضة العربية، مصر ، ب . س . ن ، ص 288 .
[51] ـ أ / أحمد حسن عباس الحياري: المرجع السابق، ص 19 .
[52] ـ تنص المادة 106 من القانون المدني على أن: " العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز نقضه ، ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون".
[53] ـ حيث تنص المادة 08 من مدونة أخلاقيات الطب على أنه: " يتعين على الطبيب و جراح الأسنان تقديم المساعدة لعمل السلطات المختصة من أجل حماية الصحة العمومية، و هما ملزمان على الخصوص بتقديم المعونة طبيا لتنظيم الإغاثة، و لا سيما في حالة الكوارث". وتنص المادة09 من نفس المدونة على أنه :"يجب على الطبيب أو جراح الأسنان أن يسعف مريضا يواجه خطرا وشيكا أو أن يتأكد من تقديم العلاج الضروري".
[54] ـ د / محمد رايس: المرجع السابق، ص 156 .
[55] ـ د / محمد رايس: المرجع المذكور أعلاه، ص 157 .
[56] ـ د / وديع فرج: مسؤولية الأطباء والجراحين المدنية ، مجلة القانون والإقتصاد ، العدد 4 ، السنة 12 ، مصر ، ص 398 .
[57] ـ د/ محمد هشام القاسم: المرجع السابق، ص 12 .
[58] ـ د/ علي علي سليمان: المرجع السابق، ص 147 .
[59] ـ د/ محمد رايس: المرجع السابق، ص 160 .
[60] ـ القاضي/ عجاج طلال: المرجع السابق، ص 220 .
[61] ـ د/ محمد رايس: المرجع المذكور أعلاه، ص 165 .
[62] - Angelo Castelletta : op cit ,p 99 .
[63] ـ القاضي/ عجاج طلال: المرجع السابق، ص 221 .
[64] ـ وهو ما نصت عليه المادة 172 من القانون المدني الجزائري.
[65] ـ فريد عيسوس: المرجع السابق، ص 149.
[66] ـ د/ محمد حسين منصور: المرجع السابق، ص 212 .
[67] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع السابق، ص 81.
[68] ـ طبقا المواد من 47 إلى 55 مكرر من قانون الإجراءات المدنية.
[69] ـ وهو ما نصت عليه المواد من 95 إلى 99 من مدونة أخلاقيات الطب.
[70] ـ أ/ أحمد عباس الحياري: المرجع السابق، ص 117.
[71] ـ د/ نصر الدين مروك: المرجع السابق، ص 293 و 294 .
[72] ـ د/ محمد حسنين المرجع السابق، ص 30.
[73] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع السابق، ص 116.
[74] ـ حسين طاهري : المرجع السابق، ص 22.
[75] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع السابق، ص 118.
[76] ـ د/ عبد الكريم مأمون: إخلال الطبيب بحق المريض في الرضا و جزاؤه، موسوعة الفكر القانوني، دراسات قانونية، العدد الثاني الجزائر، ص 43.
[77] ـ د/ عبد الكريم مأمون: رضا المريض عن الأعمال الطبية و الجراحية، دراسة مقارنة، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، مصر، 2006، ص 168.
[78] ـ د/ محمد حسين منصور: المرجع السابق، ص 34.
[79] ـ د/ مأمون عبد الكريم: المرجع السابق، ص 199، 200.
[80] ـ د/ مأمون عبد الكريم: المرجع السابق، ص 206.
[81] ـ وهو ما نصت عليه المادة 154 من قانون حماية الصحة وترقيتها، و المادة 52 من مدونة أخلاقيات الطب.
[82] ـ نظمها المشرع الجزائري في الفصل الثالث، المواد من 52 إلى 60 من قانون حماية الصحة و ترقيتها.
[83] ـ تنص المادة 16 من مدونة أخلاقيات الطب على أنه: " يخول الطبيب و جراح الأسنان القيام بكل أعمال التشخيص والوقاية والعلاج، ولا يجوز للطبيب أو جراح الأسنان أن يقدم علاجا أو يواصله أو يقدم وصفات في ميادين تتجاوز اختصاصه أو امكانياته إلا في الحالات الإستثنائية ".
[84] ـ أ / أحمد حسن عباس الحياري: المرجع السابق، ص 121 .
[85] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع السابق، ص 29.
[86] ـ طبقا للمادة 14 من مدونة أخلاقيات الطب التي تنص على أنه: " يجب أن تتوفر للطبيب أو جراح الأسنان في المكان الذي يمارس فيه مهنته، تجهيزات ملائمة ووسائل تقنية كافية لأداء هذه المهمة، ولا ينبغي للطبيب أو جراح الأسنان بأي حال من الأحوال، أن يمارس مهنته في ظروف من شأنها أن تضر بنوعية العلاج أو الأعمال الطبية ".
[87] ـ قرار صادر عن الغرفة الإدارية 07/07/1998 في القضية رقم 592/ 98 (قرار غير منشور).
[88] ـ د/ محمد حسين منصور: المرجع السابق، ص44.
[89] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع السابق، ص 127.
[90] ـ أ/ أحمد عباس الحياري: المرجع السابق، ص 141.
[91] ـ حدد المشرع الجزائري كيفية ممارسة الرقابة الطبية خلال الاستشفاء في المواد من90 إلى 94 من مدونة أخلاقيات الطب.
[92] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع السابق، ص 212 .
[93] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع السابق، ص 212 .
[94] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع السابق، ص 211 .
[95] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع المذكور أعلاه، ص 213 .
[96] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع السابق، ص 223 .
[97] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع المذكور أعلاه، ص 224 .
[98] ـ القاضي/ طلال عجاج: المرجع السابق، ص 291 .
[99] ـ د / محمد رايس: المرجع السابق، ص03 2 .
[100] ـ د / محمد رايس: المرجع السابق، ص 204 .
[101] ـ د/ رمضان جمال كامل: المرجع السابق، ص 222.
[102] ـ د/ محمد رايس: المرجع المذكور أعلاه، 209 .
[103] ـ د/ محمد رايس: المرجع السابق, ص 288 .
[104] ـ وهو ما نصت عليه المادة 163 من قانون حماية الصحة وترقيتها.
[105] ـ د/ محمد رايس: نفس المرجع, ص 288 .
[106] ـ د/ محمد رايس: المرجع السابق، ص289 .

0 تعليق:

إرسال تعليق