مقدمة
أثارت المسؤولية المدنية للأطباء الكثير من الجدل في ساحات القضاء ,و قد تطورت قواعدها تطورا ملحوظا' فلم يكن من المتصور في البداية مساءلة الأطباء عن أخطائهم و لكن مع استقرار مبادئ المسؤولية المدنية أصبح بالإمكان مساءلتهم عن الأخطاء العمدية 'ثم تطورت المسؤولية بعد ذلك فأصبح رجال الطب مسئولين عن مجرد الإهمال و الخطأ الجسيم.
و قد شهد تطور المسؤولية الطبية أمدا بعيدا في الحاضر عن طريق زيادة الوعي الذي بدا ملحوظا في تعدد رفع دعاوى المسؤولية ضد أصحاب البدل البيضاء لمطالبتهم بالتعويض عما يصدر منهم من أخطاء في مزاولة المهنة,و قد ساعد على هذا التطور زيادة التقدم العلمي و طرق العلاج و ما صاحب ذلك من نجاح و مضاعفة الخطر من جهة'و نشر الثقافة الطبية من جهة أخرى. كما أن ذيوع التأمين على المسؤولية جعل للمضرور حقا مباشرا قبل شركة التأمين, فأصبح حصوله على حكم التعويض أمرا يسيرا' و هو ما شجعه على الإصرار في رفع دعوى التعويض(1).و يتميز الفن الطبي بخصوصية مفادها هيمنة فكرة الاحتمال على مهمة الطبيب التي تتدخل فيها عوامل كثيرة 'لا تخضع لسيطرته 'كما يتطلب أداؤه لمهمته الاعتراف له بحرية كبيرة في عمله 'لاتصاله بالجسم الإنساني الذي لم يكشف بعد كل غموضه' و لم يبح بأسراره, فتتأثر بالتالي الحصول على النتيجة المبتغاة بأحوال المريض المادية (حساسية أو استعداد مرضي) أو النفسية أو الاجتماعية.كما أن العلوم الطبية في تطور مستمر و ليس من السهل التمكن فيها 'أو السيطرة عليها لعل لهذه الأسباب فإن المشرع يكون حذرا من التدخل في هذا المجال حتى لا يقيد حرية الطبيب'فينعكس هذا على مقدرته في الاجتهاد.
و لكن و رغم وجاهية ما تقدم إلا أنه يجب عدم إغفال موقف المضرور و حقه في الحصول على تعويض لأضراره حتى لا يتحمل بمفرده تبعات التقدم العلمي و التقني.و في نفس الوقت يجب عدم إعاقة الطبيب في ابتكاره عن طريق فرض التأمين الإجباري من المسؤولية أو من الأضرار' أو إنشاء صندوق قومي للضمان.(2)
و الأهم في هذا الموضوع هو اتجاه الطب الحديث لإجراء تدخلات جراحية تخرج عن الأصل العام لتقريرها و إباحتها و هو قصد العلاج بمفهومه الطبي المحض'و يتعلق الأمر بالجراحة التجميلية التي يعود تاريخها إلى 500 سنة قبل الميلاد. و يقصد بها ذلك النوع من الجراحة الذي لا يستهدف شفاء علة من العلل , و إنما إصلاح تشويه خلقي أو مكتسب لا يؤذي صحة الأجسام في شيء ,فهي مجموعة من العمليات التي تتعلق بالشكل العام ' و التي يكون الغرض منها علاج عيوب خلقية أو طارئة في ظاهر الجسم البشري و تؤثر في القيمة الشخصية و الاجتماعية للفرد.(3)
____________________________________________________________________
(1)-أنظر د.رمضان جمال كامل – مسئولية الأطباء و الجراحين المدنية- طبعة 1-2005-المركز القومي للإصدارات القانونية-ص 8
(2)- أنظر د.ثروت عبد الحميد- تعويض الحوادث الطبية -2007 –دار الجامعة الجديدة للنشر – ص 5-6
(3)- أنظر د.عبد السلام التنوجي –المسئولية المدنية للطبيب في الشريعة الإسلامية و في القانون السوري و المصري و الفرنسي-دار المعارف-لبنان -1967 ص 400.
____________________________________________________________________
و قد أصبحت جراحة التجميل اليوم من الضروريات التي تستجيب لحاجات البشر ' بعد أن كان الاتجاه في بادئ الأمر يرمي لتحريمها باعتبار أنها تنطوي على مساس بسلامة الجسم دون أن تستهدف علاج عضويا بالمريض.ثم أخذت موقعها من العمل الطبي و أصبح لها نظامها و أصولها و تعاليمها ,و شاعت في جميع البلدان لتشمل جميع أنواع التشوهات الخلقية و المكتسبة ' فعن طريقها يمكن للجراح إصلاح ما أفسده الدهر من جمال يحاول التشبث بالبقاء ضد إرادة و حكم الطبيعة.
و قد اعترف الفقه و القضاء الحديث بالهدف العلاجي لجراحة التجميل 'إذ غالبا ما يكون هذا العلاج نفسيا 'و لا شك أن العلاقة وثيقة بين نفسية الإنسان و صحته(1). و لكن و رغم ذلك فمازال هذا النوع من الجراحة يثار بشأنه الكثير من الجدل حول شرعيتها , و تحديد مفهومها و تناسبها مع الأعمال العلاجية التي تعتبر سببا و مبررا لتدخل الطبيب و مباشرة المساس بجسم الإنسان.كما أثير الجدل حول طبيعة إلتزام الطبيب الجراح(2).و لأن أي عمل طبي- و خصوصا الجراحة التجميلية- يغزوه الطابع الاحتمالي و لا يخلو من المخاطر كان لزوما التطرق لمفهوم الخطر الطبي كما سيفصل لاحقا في بحثنا هذا.
إن أهمية دراستنا للموضوع لا يبررها هذا الجدل فحسب'بل ما لموضوع الخطر الطبي و المسئولية المدنية في هذا المجال من أهمية على الصعيدين الفقهي و القضائي ,ناهيك أنه يتصل بالقانون و الطب معا بالتالي يثير الموضوع مسائل قانونية عديدة في ظل غياب أي تأطير قانوني للجراحة التجميلية في الجزائر.
و إذا كان قرار مارسيي المبدئي الصادر عن محكمة النقض الفرنسية قد أرسى مبدءا عاما في تكييف المسئولية الطبية المدنية باعتبارها كأصل مسئولية عقدية ناشئة عن الإخلال بالتزام تعاقدي يرتب على الطبيب ' إن لم يكن الالتزام بشفاء المريض فعلى الأقل أن يسدي له سبل العناية الوجدانية اليقظة فيما عدا الظروف الاستثنائية المطابقة للمعطيات العلمية الثابتة.(3) و استثناءا و في بعض الحالات تكون المسئولية تقصيرية.
و إذا كان الأمر محسوما بشأن الطبيعة القانونية للمسئولية الطبية, و لو على مستوى القضاء فما هو الحال بالنسبة لمفهوم الخطر الطبي؟ و الإلتزامات الملقاة على عاتق الجراح التجميلي؟ و ما هي الأركان التي يجب توافرها لإعمال مسئولية الطبيب في الجراحة التجميلية؟ هل نكتفي بركن الخطأ ؟ أم لم يعد له ضرورة بعد أن تم تدعيم مجال المسئولية على أساس المخاطر الطبية؟ أين يظهر تشدد القضاء في هذا النوع من الجراحة؟ و ما دور القاضي في كل هذا ' لاسيما في تقدير التعويض الكفيل بجبر الضرر اللاحق بالضحية؟
________________________________________________________________
(1)- أنظر د.رمضان جمال كامل- مرجع سابق – ص237
(2)- أنظر د.أحمد محمود سعد –مسئولية المستشفى الخاص عن أخطاء الطبيب و مساعديه –طبعة 2- 2007-دار النهضة العربية ص416
(3)-M.M.Hannouz-et A .R Hakem-précis de droit médical à l'usage des praticiens de la médecine et du droit –office des publications universitaires –réimpression 1992 p 22.
____________________________________________________________________
و في محاولتنا للإجابة على هذه الإشكالات عملنا قدر الإمكان بما توصل إليه الاجتهاد القضائي الفرنسي في هذا المجال , و الذي خطى خطوات هامة في مجال الجراحة التجميلية لاسيما و أن المشرع الفرنسي ضمن الحماية الكافية للفئة الضعيفة التي تلجأ إليها , و هذا من خلال إصداره للقانون رقم 2002-303 المؤرخ في 04/03/2002 و المتعلق بحقوق المريض و نوعية النظام الصحي.و قد تلته عدة نصوص تطبيقية له.
لهذا ارتأينا التطرق في الفصل الأول لمفهوم الخطر الطبي و الالتزامات الخاصة للجراح ألتجميلي , ثم تناولنا في فصل ثان أساس قيام المسئولية المدنية لطبيب التجميل ' و دور القاضي في تقدير أركانها و تقدير التعويض.و هذا وفقا للخطة الآتية /
الفصل الأول :الخطر الطبي و الالتزامات الخاصة للجراح ألتجميلي
المبحث الأول: فكرة الخطر في جراحة التجميل
المطلب الأول: مفهوم الخطر الطبي
الفرع الأول: الخطر كفكرة خاصة بالتأمين
الفرع الثاني: الخطر كأساس للمسئولية المدنية
المطلب الثاني: تمييز الخطر الطبي عن المفاهيم المجاورة له
الفرع الأول: استبعاد ما لا يدخل في نطاق الخطر
الفرع الثاني: تمييز الخطر الطبي عما يشبهه من مصطلحات
المبحث الثاني:الالتزامات الخاصة للجراح ألتجميلي و طبيعتها
المطلب الأول: الالتزامات الخاصة للجراح ألتجميلي
الفرع الأول: التزام الجراح ألتجميلي بالتبصير
الفرع الثاني :التزام الجراح ألتجميلي بالحيطة و الحذر
المطلب الثاني: طبيعة التزام الجراح ألتجميلي
الفرع الأول :التزام الجراح التجميلي بتحقيق نتيجة
الفرع الثاني: إلتزام الجراح التجميلي ببذل عناية
الفرع الثالث : إلتزام الجراح التجميلي ببذل عناية مؤكدة و كبيرة
-إلتزام الجراح التجميلي بالسلامة
الفصل الثاني: أساس المسئولية المدنية في جراحة التجميل و دور القاضي في تقدير قيام أركانها و تقدير التعويض
المبحث الأول : أساس مسئولية الطبيب في الجراحة التجميلية
المطلب الأول: الخطأ الطبي
الفرع الأول : معيار الخطأ الطبي
الفرع الثاني: نوع الخطأ و مقدار جسامته
الفرع الثالث: الخطأ الفردي و خطأ الفريق الطبي
المطلب الثاني: الصور الخاصة للخطأ الطبي في جراحة التجميل
الفرع الأول : الإهمال و عدم الحذر
الفرع الثاني : عدم التحكم في التقنية
الفرع الثالث :عدم تناسب المخاطر مع الغرض التجميلي
المبحث الثاني: سلطة القاضي في تقدير قيام أركان المسئولية المدنية لطبيب التجميل و تقدير التعويض
المطلب الأول: سلطة القاضي في تقدير قيام أركان المسئولية المدنية لطبيب التجميل
الفرع الأول : تقدير قيام الخطأ الطبي
الفرع الثاني : تقدير قيام ركن الضرر
الفرع الثالث: تقدير قيام ركن العلاقة السببية
المطلب الثاني: سلطة القاضي في تقدير التعويض
الفرع الأول : تقدير التعويض و العوامل المؤثرة فيه
الفرع الثاني: سلطة القاضي في تقدير قيمة التعويض و رقابة المحكمة العليا للجوانب القانونية لهذا التقدير
الخاتمة:
الفصل الأول: الخطر الطبي و الالتزامات الخاصة للجراح ألتجميلي
إن التقدم العلمي الذي صاحب المجال الطبي من اختراع أجهزة طبية حديثة يتم بواسطتها فحص جسد الإنسان كالكشف بالأشعة و المنظار الطبي أو حتى التطبيب بأشعة الليزر أدت لزيادة المخاطر التي يتعرض لها المريض (1) حتى أنه أصبح يقال " ما من عمل طبي دون خطر"(2) وهو ما يدفعنا لتحديد مفهوم الخطر الطبي , مع استبعاد ما لا يدخل في نطاقه وتمييزه عما يشبهه من مصطلحات في المبحث الأول ولأنه في غالب الأحيان يرتبط المريض مع الطبيب بعقد طبي تترتب عليه التزامات ملقاة على كلا الطرفين, ولأنها التزامات خاصة تقع على الطبيب في الجراحة التجميلية , كان من الضروري التطرق إليها ولطبيعة إلتزام الجراح التجميلي في المبحث الثاني.
____________________________________________________________________
(1) انظر د.رمضان جمال كامل- مسؤولية الأطباء والجراحين المدنية –مرجع سابق- ص6
(2 )-« il ne peut pas y avoir d'acte médical sans risque »
____________________________________________________________________
المبحث الأول: فكرة الخطر في جراحة التجميل
لقد شهدت عمليات التجميل في العالم تطورا كبيرا(1) وأصبحت عنصرا جماليا هاما تعني برسم الشكل و المظهر الخارجي, و مع الانفتاح الفضائي على العالم المترافق مع زحمة نجمات الإعلان و تزايد الهوس الذي شاع بين كل الناس في العودة للشباب, نجد المرأة و الرجل على السواء يبحثان عن رفع نسبة الجمال لديهما فكان الإقبال على عمليات شفط الدهون و شد البطن وتجميل الصدر و إزالة الشعر و البقع و تجميل الأنف و شد البشرة ....الخ مزدهرا بشكل رهيب.
غير أنه و كما يقول جيرالد بيرستين في دراسة قيمة له أن جراحة التجميل و إن كانت شكلية الطابع فإنها مازالت مسألة مليئة بالمخاطر يمكن أن تؤدي بحياة من يخضعون لها, فقد لقي العشرات بل المئات حتفهم في السنوات الماضية بسبب تعقيدات جراحة التجميل و مضاعفاتها ."(2)
ولأن فكرة الخطر لها معنيان الأول يقصد به الخطر المعروف لدى العامة و هو الخوف من حدوث شيء غير مرغوب فيه ينتج أضرارا, أي بعبارة أخرى الهلاك, أما المعني الثاني فنقصد به الخطر باعتباره أساسا للمسؤولية دون خطأ ,أي الضرر الذي ينتج و يكون سببه غير معروف(3). كان من الواجب معالجة معنى الخطر بمعنى الهلاك أو الكارثة مع التركيز على الخطر في عقد التأمين لأن فكرة الخطر خاصة بالتأمين, ثم نعالجه كأساس تعويض عن ضرر لم يعرف سببه و هذا ما سنورده في المطلب الأول و حتى يكتمل مفهوم الخطر الطبي كان لزوما تفرقته عما يشبهه من مصطلحات واستبعاد مالا يدخل في نطاقه و هو ما سنفصله في المطلب الثاني.
____________________________________________________________________
(1) وفقا لتقارير الجمعية الأمريكية لجراحي التجميل وهي الهيئة الرائدة في هذا المجال فقد تضاعف عدد الأمريكيين الذين يختارون جراحة التجميل ثلاث مرات تقريبا خلال السنوات الحادية عشر الماضية
(2) راجع الموقع الالكترونيhttp://www.netclinic<http://www.netclinic/>.iraqgreen.net
(3)-Dr Ben Chaabane Hnifa-thése de doctorat 1986 d'alea dans les droits des contrats - P(45) :office national de publications .
____________________________________________________________________
المطلب (1): مفهوم الخطر الطبي
من الصعوبة بما كان إيجاد تعريف دقيق للخطر الطبي, إذ أن هناك خلطا في الأذهان بشأن هذا المفهوم(1)
و لا شك أن غياب الدقة و الوضوح في هذا الموضوع يعود للمصطلح المستعمل من قبل الكتاب , فبعضهم يتحدث عن خطر العلاج و البعض الأخر يشير لحوادث العلاج و هناك من يتكلم عن الصدفة العلاجية(2) أو التداعيات الطبية الضارة.
لذلك نتعرض لفكرة الخطر كفكرة خاصة بالتأمين ثم للخطر كأساس للمسؤولية المدنية.
الفرع الأول: الخطر كفكرة خاصة بالتأمين
إن فكرة الخطر فكرة خاصة بالتأمين(3) و قد وردت عدة تعريفات للخطر(4) فقد عرفه بلانيول و ربيار بأنه "حصول الحادث الذي يوجب تحققه أن يوفي المؤمن بما التزم به"
و عرفه بيكار و بيسون بأنه "حادث محتمل الوقوع لا يتوقف تحققه على إرادة الطرفين وحدهما و على الخصوص إرادة المؤمن له " إذن الخطر حادث احتمالي, لهذا صنف المشرع الجزائري عقد التأمين ضمن العقود الاحتمالية, و للخطر شروط هي :
الشرط الأول: غير محقق الوقوع
و هذا هو عنصر الاحتمال, و يكون الخطر غير محقق الوقوع على إحدى الصورتين:
1-فقد يكون وقوعه غير محتم, فهو قد يقع و قد لا يقع فمثلا التأمين من السرقة أو الحريق أو المخاطر الطبية تأمين من خطر قد يقع و قد لا يقع .
2-و قد يكون وقوع الخطر محتما و لكن وقت وقوعه غير معروف, فهو خطر محقق لكنه يضاف إلى أجل غير محقق كالتأمين على الحياة لحالة الموت, فالموت أمر محقق لكنه يضاف إلى أجل غير محقق , و لكن التأمين على الحياة لحالة البقاء-و هو تأمين بموجبه يدفع المؤمن مبلغ التأمين للمؤمن له إذا بقي هذا الأخير حيا بعد مدة معينة- تأمين من خطر غير محقق الوقوع,إذ أن بقاء المؤمن له حيا بعد مدة معينة أمر غير محقق(5)
____________________________________________________________________
(1)-أنظر في هته الصعوبة
Groutel (H),le risque médical évolution de la jurisprudence récent en droit commun et en droit administratif
revue médecine et droit n°=4 janvier/février,194 p12-14
(2) إن ترجمة كلمة "Aléa " للعربية لها عدة مدلولات فتترجم على أساس المخاطر-الاحتمال-الصدفة- أنظر قاموس المنهل-جابور عبد النور-ص34
(3)- أنظر د-عبد المنعم البد راوي العقود المسماة الإيجار و التأمين –الأحكام العامة 1968- ص 196
(4)- أنظر مختار محمود الهانسي- مقدمة في مبادئ التأمين- الدار الجامعية 1990 ص13 و ما بعدها
(5)- راجع محاضرات د-بن شعبان حنيفة ملقاة على طلبة الماجستير بجامعة بن عكنون فرع-المسؤولية و العقود-
____________________________________________________________________
الشرط الثاني:أن لا يتعلق بمحض إرادة أحد طرفي العقد
العنصر الجوهري في الخطر هو الاحتمال, فيجب أن يكون الخطر المؤمن منه ناتجا عن عامل الصدفة و لا يجوز للمؤمن له إحداثه عمدا بفعله'فإذا أمن على سيارته من الحريق و تعمد بعد ذلك إحراقها فلا يستحق مبلغ التأمين لأن الخطر لا يتحقق نتيجة الصدفة,كما لا يجوز للمؤمن له أن يؤمن من مسؤوليته ثم يتعمد إلحاق الضرر بالغير, ففي كل هذه الحالات يبطل عقد التأمين لتخلف شرط أساسي هو عنصر الاحتمال (1)
و تطبيقا لذلك لا بد من أن يتدخل في تحقيق الخطر الطبي عامل آخر غير محض إرادة المؤمن له – الجراح التجميلي أو حتى المريض- و هو عامل المصادفة و الطبيعة أو عامل إرادة الغير.
و يكون الخطر ثابتا إذا كانت احتمالات تحققه خلال مدة التأمين واحدة لا تتغير من وقت لآخر فالتأمين من الحريق تأمين من خطر ثابت 'لأن الحريق أمر يحتمل وقوعه بدرجة واحدة' و لا يمنع من ذلك أن الحرائق تكثر في فصل الصيف و تقل شتاءا مادامت احتمالات تحققها ثابتة في جميع فصول السنة.
و ثبات الخطر يعد أمرا نسبيا' فليس هناك خطر ثابت ثباتا مطلقا لا تتغير احتمالات توقعه أصلا, فهناك تغيرات وقتية 'و تغيرات عارضة و هي لا تمنع أن يكون الخطر ثابتا نسبيا و عليه تكون أكثر الأخطار المؤمن منها ثابتة. فمثلا التأمين من المسؤولية عن حوادث السيارات يمكن اعتباره ثابت ثباتا نسبيا.
و يكون الخطر متغيرا إذا كانت احتمالات تحققه خلال مدة التأمين تختلف صعودا و نزولا' و يظهر تغير الخطر بوجه خاص في التأمين على الحياة' فمن أمن على حياته لحالة الوفاة ' يتقاضى ورثته مبلغ التأمين عند موته' يكون معرضا لخطر الموت طوال حياته لكن خطر الموت يتغير و هو يتخطى مراحل حياته المتعاقبة' فيكون الخطر متغير ا تغيرا تصاعديا كلما تقدم في السن. و على العكس من ذلك إذا أمن على حياته لحالة البقاء فهو يتقاضى مبلغ التأمين إذا بقي حيا بعد مدة معينة'و يكون الخطر هنا متغيرا تغيرا تنازليا كلما اقترب المؤمن له من نهاية المدة المعينة(2) .
____________________________________________________________________
(1)-راجع د.عبد الرزاق بن خروف –التأمينات الخاصة في التشريع الجزائري –الجزء الأول التأمينات البرية ص101-102
(2) راجع محاضرات د.بن شعبان حنيفة –مرجع سابق-
____________________________________________________________________
الفرع (2) : الخطر كأساس للمسؤولية المدنية
إن تضاعف الحوادث' و استحالة إثبات الخطأ شكل الظاهرة الجديدة التي واجهتها نظرية المسؤولية المدنية' حيث وضعت هذه الظاهرة القانون أمام هذين الاختيارين :
1-إما التمسك بالمبادئ التقليدية للمسؤولية المدنية و ما على الضحية سوى إثبات خطأ المسؤول للحصول على التعويض بالتالي التضحية بمصالح طبقة ضعيفة لمصلحة طبقة قوية وغنية .
2-و إما مراجعة هذه المبادئ لضمان تعويض كامل بقدر الإمكان للمضرورين (1)
كل هته الأسباب و الظروف دعت لظهور نظرية تحمل التبعة –الخطر- التي حمل لواءها لابيه((labbé و سالي (saleilles) و جوسران (Josserand) و ريبير(Ripert) في أول الأمر و ديموج(Demogue) و سافاتييه(Savatier), و لقد تطورت هذه النظرية عبر ثلاث مراحل(2) فقامت في المرحلة الأولى على أساس الغنم بالغرم أو كما تعرف بنظرية الخطر مقابل الربح أو المنفعة, و مفادها أن رب العمل المستفيد من مقاولة أومشروع عليه أن يعوض من يتضرر منه حتى لو لم يثبت أي خطأ من جانبه.
و في مرحلتها الثانية تطورت نظرية الخطر لتقيم المسؤولية على أساس الخطر المستحدث أو ما يعرف بنظرية الخطر الموجود أو المخلوق' و هنا توسعت النظرية و أصبحت المسؤولية نتيجة حتمية للنشاط الإنساني بصفة عامة و انتقدت هذه النظرية على أساس أنها تعرض الفرد لمسؤولية لا نهاية و لا حدود لها بالتالي وقف نشاطه و تجميده , كما انتقدت لأنها تناست فكرة الخطأ و هذا غير صحيح لأن القضاء لم يتنازل في أي وقت عنها كأساس للمسؤولية(3) 'ثم انتهت هذه النظرية للتوفيق بين الخطأ و الخطر و الإبقاء على فكرة الخطأ لجانب فكرة الخطر. (4)
و يمكن القول أن القضاء الفرنسي هو من تقبل فكرة الخطر منذ البداية بعدما تأثر بها ثم قبلها الفقهاء لاحقا حتى و لو كان ذلك تحت اسم آخر ألا و هو الضمان.(5)
____________________________________________________________________
(1) - راجع محاضرات د.بن شعبان حنيفة-مرجع سابق-
(2) - راجع الأستاذ علي علي سليمان –النظرية العامة للالتزام-مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري- ديوان المطبوعات الجامعية - ص 152
(3) - راجع محاضرات د.بن شعبان حنيفة –نفس المرجع-
(4) - راجع علي علي سليمان-النظرية العامة للالتزام-ص152
(5) – واضع نظرية الضمان هو الفقيه ستارك (Strak) و تتلخص هته النظرية التي تعد صورة مخففة من نظرية الخطر في أنها تنظر للمضرور لا للمسئول و ترى أن له الحق في احترام حرمة جسمه و سلامة ذمته المالية ,ويكون محدث هذا الاعتداء مسئولا دون البحث عما إذا كان قد ارتكب خطأ أم لا,ووجب عليه التعويض.
____________________________________________________________________
و يجدر التنبيه أنه كان للقضاء الإداري في فرنسا فضل اكتشاف المسؤولية دون خطأ للمرافق العامة الاستشفائية حيث قضى المجلس القضائي الإداري لمدينة ليون عام 1993 لأول مرة بأن استعمال طريقة علاجية تنشئ خطرا خاصا بالنسبة للمرضى الذين يكونون محلا لها 'وانه عندما يكون اللجوء إلى مثل هذا العلاج لا تفرضه أسباب حيوية 'فان المضاعفات الاستثنائية والجسيمة المترتبة عنها مباشرة 'تعقد مسؤولية المرفق ألاستشفائي حتى في غياب أي خطأ.(1).
ثم قد تخلى القضاء الإداري عن فكرة الخطأ الطبي الجسيم عام 1992, و تأكد الاتجاه نحو إقرار المسؤولية دون خطأ في العام الموالي بموجب قرار (Bianchi) الشهير لمجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 9افريل 1993 حيث قرر بصفة واضحة " انه عندما يكون العمل الطبي ضروريا للتشخيص أو لعلاج المريض ويشكل خطرا ' علم وجوده ' ولكن تحققه يبقى استثنائيا ' ولا يوجد أي سبب يسمح بالاعتقاد بتعرض المريض له على وجه الخصوص , فإن مسؤولية المرفق العام الإستشفائي تنعقد , إذا كان تنفيذ هذا العمل هو السبب المباشر للأضرار وبصرف النظر عن الحالة الأولية للمريض والتطور المتوقع لها , وأن يمثل أقصى درجات الجسامة. "(2)
وحسب رأي الدكتور بودالي محمد فإن الاجتهاد القضائي في الجزائر لازال يقيم المسؤولية الطبية على الخطأ الجسيم إذا تعلق الأمر بالعمل الطبي , والخطأ البسيط إذا تعلق الأمر بالتنظيم (العمل العلاجي) وليس هناك ما ينبئ أخذه بنظرية المخاطر مع أن الأخذ بنظام المسؤولية غير الخطئية هو الأجدى لجمهور المرضى في المجالات التي يسلم فيها بهذه النظرية على الأقل . كما هو الحال بالنسبة لمسؤولية مراكز نقل الدم (3) خصوصا وأن القضاء الإداري يسلم بالأخذ بالمسؤولية غير الخطئية للمرفق العام(4) .
____________________________________________________________________
(1)-راجع المجلة القضائية الصادرة عن المحكمة العليا العدد 1-2004 ص26-27-28 بحث بعنوان "المسؤولية الطبية بين إجتهاد القضاء الإداري والقضاء العادي للدكتور بودالي محمد
(2)-« losqu'un acte médical nécessaire au diagnostic ou traitement du malade présente un risque dont l'existence est connue, mais dont la réalisation est exceptionnelle et dont aucune raison ne permet de penser que patient y soit particulièrement exposé, la responsabilité du service public hospitalier engagée si l'exécution de cet acte est la cause directe de dommage sans rapport avec l'état initial du patient comme avec l'évolution prévisible de cet état, et présentant un caractère d'extrême gravité » 9Avril 1993,bianchi :JCPéd.G1993 II,22061note Moreau (J)
(3) -راجع المجلة القضائية الصادرة عن المحكمة العليا العدد 1-2004 ص26-27-28
(4)-...."و من المستقر عليه قضاء أن مسؤولية الإدارة تقوم في حالة انعدام الخطأ تجاه –ضحايا الحوادث-عندما يكون مدعوين لتقديم مساهماتهم...."المحكمة العليا (الغرفة الإدارية ) ملف رقم 235-55 قرار بتاريخ11 مارس 1989المجلة القضائية عدد 3-1990-ص205.
____________________________________________________________________
وكخلاصة نقول أن الخطر هو كأصل فكرة خاصة بالتأمين , وأساس مسؤولية دون خطأ , وفي المجال الطبي ,فإن الخطر يلازم أي عمل طبي عبر جميع مراحله (فحص وتشخيص وعلاج) نظرا لتنامي احتمال وقوع الأضرار بسبب التطور العلمي الحاصل في هذا الميدان.
وكما يرى الدكتور أسامة أحمد بدر فإنه ليس صوابا تبيان ماهية المخاطر الطبية من طريق فرض الأمثلة لها , لاسيما وأنها لا تفترضl'aléa médical ne se présume pas بل يترك أمر تقدير وجودها من عدمه للقضاء و يكون للقاضي دور أساسي في تحديد استحقاق التعويض عن الضرر الذي تسببه من عدمه ويكون ذلك من خلال تقدير الضرر الواقع للمريض في كل حالة على حدة.(1)
____________________________________________________________________
(1)- راجع د.أسامة أحمد بدر- ضمان مخاطر المنتجات الطبية- دار الكتب القانونية – 2008- ص57
____________________________________________________________________
المطلب الثاني:تمييز الخطر الطبي عن المفاهيم المجاورة له
في ظل غياب تعريف دقيق للخطر الطبي أمام تعدد التعاريف التي تتشابه في مجملها, غير أنها لا تتطابق, كان من الضروري استبعاد مالا يدخل في نطاق الخطر الطبي و من ثمة تمييزه عما يشبهه من مصطلحات.
الفرع الأول: استبعاد ما لا يدخل في نطاق الخطر الطبي
بعد الاطلاع على التعاريف الفقهية المقترحة, و كذا قضاء مجلس الدولة الفرنسي في قضية بيانشي (Bianchi), نلاحظ أن الأضرار المنسوبة لخطأ الطبيب,و الأضرار ذات العلاقة بحالة المريض لا تعتبر من قبيل المصادقة.
أ-خطأ الطبيب:
يطرح السؤال فيما إذا كان ينبغي استبعاد الأضرار المنسوبة لخطأ الطبيب من الخطر الطبي ؟
تتنوع الإجابة على هذا التساؤل تبعا للتعاريف المقترحة, فبالنسبة لمفوض الدولة الفرنسي (S.DAEL)فقد استبعد الخطأ لتعويض الأضرار اللاحقة بالمرضى تارة في حكم بيانشي و تارة أخرى في حكم(JOUAN) الصادر من مجلس الدولة الفرنسي في 26 ماي 1995 (1)
و على العكس من هذا فإن بعض اقتراحات القوانين, تتوقع إدراج خطأ الطبيب في التعويض "كل تفاقم غير عادي لحالة المريض الصحية السابقة......الناجم إما عن خطأ الطبيب أو عن نظام المرفق, أو نتائج مجهولة غير قابلة للتوضيح." و من جهة أخرى تعتبر شركات التأمين من خلال اقتراحاتها بأن تعويض المؤمن ينبغي أن يشمل كل حادث طبي خاطئ أم لا لأن الحد بين العمل الخاطئ و الخطر غير واضح من الناحية العملية.(2)
إلا أن هذا الاقتراح لقي انتقادا من أغلب الكتاب-و منهم لاروميه- الذين يعتبرون أن الحادث الطبي راجع لخطأ الطبيب و أن قواعد المسؤولية الطبية فقط هي المطبقة في هذا المجال.
إن هذا التمييز بين الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية و الأخرى غير الناجمة عن خطأ الطبيب يؤدي لعدم المساواة في تعويض الضحايا لأن هناك ازدواجية متبعة في هذا الشأن وتمييز بين أضرار من طبيعة واحدة فيتم تعويض بعضها و يستبعد البعض الآخر (3) .
____________________________________________________________________
(1) مجلس الدولة الفرنسي 26-05-1995 حكم (ورثة jouan )و تتعلق الأحكام الثلاثة بالإصابة بفيروس الايدز على اثر نقل دم ملوث بفيروس المرض مما دفع أحد المضرورين و ورثة الشخصين الآخرين لرفع دعوى للمطالبة بالتعويض .انتهى فيه مجلس الدولة لقبولها على أساس مبدأ المسؤولية دون خطأ المرسى سنة 1993 بمناسبة حكم "Bianchi "
أنظر د.ثروت عبد الحميد- تعويض الحوادث الطبية - ص 16
(2) voir azzano (s)-faute médicale aléa thérapeutique DEA de droit privé Toulouse 1995
(3) أنظر د.ثروت عبد الحميد-مرجع سابق- ص 25-151.
____________________________________________________________________
و بالنتيجة فلا تعوض الأضرار إلا إذا كان مصدرها الخطأ, أما تلك الناجمة عن مخاطر العلاج, لا يعوض عليها إلا إذا كانت متميزة بالخطورة القصوى و كان الخطر غير عادي في حين يعوض عن الأولى (الناجمة عن الخطأ الطبي ) دون اشتراط أي صفة في الضرر و هذا لم يعد مقبولا في عصر ازدادت فيه الحوادث, و انتشر فيه التأمين, و تقدمت فيه آليات التضامن الاجتماعي, فينعم البعض بمزايا التقدم العلمي و التقني و يتحمل الآخرون تبعاته(1). كما أن سبب التعويض في الحالتين يختلف, فإذا كان الضرر ناتجا عن الخطأ فالتعويض يكون هنا نتيجة إثارة مسؤولية الطبيب بينما في حالة الضرر غير المتوقع الناجم عن صدفة أو احتمال العلاج فإن التعويض أساسه التضامن الوطني.(2)
و قد اعتبر مجلس الدولة الفرنسي غياب خطأ المستشفى شرطا أساسيا لتطبيق المسؤولية الطبية على أساس المخاطر و ذلك في قراريه الصادرين في 27/10/2000 اللذين أثارا مسؤولية المستشفيين العموميين على إثر عملية تحذير أدت إلى نتائج خطيرة بالنسبة للمعالجين.
2- حالة المريض
إن حالة المريض تلعب دورا أساسيا في تحقق الضرر, و على هذا الأساس استبعد القضاء الفرنسي تطبيق قواعد المسؤولية على أساس المخاطر إذا كان للضرر الذي أصاب المريض علاقة مباشرة بحالته الأولية -أي قبل البدء في العلاج- أو بالتطور المتوقع لهذه الحالة.
أ-الحالة السابقة للمريض
كما سبق و أن أشرنا أن تدخل الحالة السابقة للمريض في إحداث الضرر يحرمه من التعويض على أساس المخاطر بحيث قد تحدث العلاجات المتقدمة أضرار بليغة بالنسبة لمريض مصاب بأمراض مختلفة , ومن هنا ينبغي التمييز بين الضرر الناجم عن النشاط الطبي , والضرر المترتب عن حالة المريض الأولية , والتي ترتبط بتكوينه الوراثي , أو حساسيته لبعض الأدوية.
بالتالي نستنتج أن مفهوم احتمال العلاج يشمل الأضرار الناجمة عن النشاط الطبي فقط حيث يكون للضرر علاقة سببية مباشرة بالعمل الطبي بمعنى أن يكون الخطر خارجا عن إرادة المريض,و لا يد له فيه, كأن يكون غير مصاب بحساسية لدواء معين قبل خضوعه للعلاج(3)
____________________________________________________________________
(1)- راجع د. ثروت عبد الحميد- تعويض الحوادث الطبي- مرجع سابق – ص151
2))-Ibib ,P84
-voir l'article redigé par Mr durrieu - diebolt , avocat a la cour sur interne
(3) -لقد قضى مجلس الدولة الفرنسي بتعويض الضحايا رغم تدخل حالتهم المرضية السابقة في إحداث الضرر في بعض القضايا المطروحة عليه.
____________________________________________________________________
ب-التطور المتوقع لهذه الحالة
إن مفهوم خطر العلاج لا يشمل و لا يأخذ بعين الاعتبار الأضرار -حتى لو كانت جسيمة-الناجمة عن التطور المتوقع للمرض الذي كان يعاني منه المريض سابقا, و التي لا علاقة لها بتنفيذ العمل العلاجي إلا أن التمييز بين الضرر الناجم عن الخطر الطبي و الضرر الناتج عن التطور المتوقع للمرض صعب جدا.(1)
و هكذا و بعد استبعاد المفاهيم التي لا تدخل في إطار احتمال العلاج بقي لنا ذكر بعض الاختلافات الاصطلاحية لكلمة) الاحتمال (Aléa في الفرع الثاني.
الفرع( 2) : تمييز الخطر الطبي عما يشبهه من مصطلحات
1- الاحتمال و الخطر الطبي:
استنادا للتعريف المقدم من قبل الأستاذ CANDILLAC نقلا عن AZZANO فإن الخطر يمثل صدفة مواجهة ضرر مع وجود أمل –في حالة النجاة- الحصول على الشفاء. إن هذا التعريف يطبق على كل نشاط طبي مهما كان نوعه سواء كان تشخيصا أو علاجا.
و هكذا فإن فكرة الخطر تجمع كلا من الصدفة و المخاطرة , بينما الاحتمال هو عدم التأكد من النتائج فهو يحيط بأعمال التشخيص و العلاج كونها تتصل بصعوبة –و أحيانا باستحالة- الحصول على تشخيص مؤكد أو ضمان الشفاء الكامل أو التيقن من زوال الآلام ,وهذا ما يشكل معيار التمييز بين الالتزام ببذل عناية, و الالتزام بتحقيق نتيجة الذي كرسه الفقه الفرنسي , و هذا المعيار يجد تطبيقه في المجال الطبي و خاصة في مرحلة العلاج حيث أن النتيجة -وهي الشفاء- غير أكيدة, كون العلاج احتماليا (2)
و بهذا نستخلص بأن الاحتمال يمثل الخطر الذي يواجه المريض مقابل أمل الشفاء و بهذا المعنى يعد الاحتمال مرادفا للخطر , لكن البعض يرى أن هناك فرقا بين الاحتمال بالمعنى الضيق و المعروف بنتائج الصدفة في النشاط الطبي و يقصد به الضرر الذي تكون إمكانية تحققه غير معروفة علميا من جهة و بين الخطر من جهة أخرى الذي يشابه الاحتمال عند التحقق و الإنجاز .(3)
و ترى الدكتورة بن شعبان حنيفة أن الاحتمال يساعد على مقاومة الصدفة بجانبيها فهو يحارب الجانب المتمثل في الحوادث غير المتوقعة من جهة , ويحارب الجانب المتمثل في الحادث ذو السبب المجهول من جهة أخرى(4) إذن الاحتمال يقضي على الصدفة بحيث يمكن توقع ذلك الحادث بعدما كان غير ممكن التوقع كما أن الاحتمال يحارب الحادث ذو السبب المجهول الذي يعوض عنه على أساس المخاطر.(5)
____________________________________________________________________
(1)- ان تدخل التطور المتوقع للمرض في إحداث الضرر يحرم المريض من التعويض ذلك ما قرره مجلس الدولة الفرنسي في قضية " Bianchi راجع نص القرار و تطبيقه على قضية «Mahrez »
(2) راجع د.ثروت عبد الحميد – مرجع سابق- ص 21
(3)-voir AZZANO (S) Op.cit p 85-86
(4) voir Ben chabane Hnifa.L'aléa dans les droits des contrats. Thèse de doctorats 1989-P105
(5) أنظر المحاضرات الملقاة على طلبة الماجستير للدكتورة بن شعبان-مرجع سابق-
____________________________________________________________________
وما لاحظناه من خلال دراستنا لموضوع الخطر الطبي أن المصطلحين يستعملان كمترادفين, و أن جل المراجع لا تفرق بينهما و على هذا الأساس فلا يمكن فصل المصطلحين من الناحية العملية.
2-الخطر الطبي و الحادث الطبي:
فيما يتعلق بتعريف الحادث الطبي نجد لدينا محاولتين, الأولى قال بها الفقه و الثانية يمكن استخلاصها من القضاء الحديث لمجلس الدولة الفرنسي.ففي ما يتعلق بالتعريف الفقهي, نجد أنه في الندوة التي نظمتها الجمعية الفرنسية للقانون الصحي في مجلس الشيوخ الفرنسي في شهر مارس 1994,تم اقتراح التعريف الآتي للحوادث الطبية"نسبة ضئيلة من المخاطر, يتضمنها بالضرورة العلاج الطبي الذي يتم بطريقة مشروعة, ووفقا للأصول العلمية المتعارف عليها, و التي يترتب عن حدوثها عدم اكتمال الشفاء, أو عدم حدوث مضاعفات أو آثار غير مرغوبة" ذلك أنه كلما ازدادت فرص الشفاء من المرض, بفضل اللجوء لوسائل حديثة في العلاج و ذات فعالية مع استخدام تقنيات متقدمة في الفحص و التشخيص, كلما ازدادت مخاطر حدوث الحوادث الطبية بعيدا عن أي خطأ يمكن نسبته لمباشر العمل الطبي (1)
أما بالنسبة للتعريف القضائي. فيمكن استنتاجه من حكمين شهيرين لمجلس الدولة الفرنسي في مجال مسؤولية المستشفيات الحكومية, صدر الأول عام 1993(حكمBIANCHI ) بصدد فحص مجهري لشرايين الدماغ ترتب عليه إصابة الشخص الخاضع للعلاج بشلل كلي في حين صدر الحكم الثاني سنة 1997 وهو حكم Hopital joseph imbert d'arles وكان في واقعة وفاة طفل على اثر خضوعه لتحذير كلي وعرفت الحوادث الطبية أنها " نسبة الخطر التي تصاحب العمل الطبي اللازم للعلاج أو للتشخيص والتي يكون وجودها معروفا , غير أن تحققها يعتبر أمرا استثنائيا , ولا صلة لها بحالة المريض الأولى ولا يمكن اعتبارها تطورا متوقعا لها , ويتخلف عنها ضرر ذو خطورة استثنائية(2)
إن الكثير من الكتاب يستعملون مصطلح (الحادث الطبي) للتعبير عن الخطر حال انعدام الخطأ الطبي غير أن بعضهم يرون أن هناك فرقا بينهما, ويتجلى من التعريفات الواردة أعلاه أن الحادث الطبي مرتبط بشرطين الأول يتعلق بالضرر, والثاني متصل بالعمل الطبي.فبالنسبة للضرر يجب أن يكون ذو خطورة استثنائية أي أن تكون الخطورة المصاحبة للتدخل الطبي معروفة لكن فرصة تحققها استثنائية و الخطر الاستثنائي هو الذي تكون نسبة حدوثه أقل من (2) بالمائة و لا بد أن يكون الضرر منفصلا عن الحالة الأولية للمريض و غير مرتبط بها ,كأن يصاب المريض بعدوى بمناسبة العلاجات المقدمة له دون ان تتدخل حالته المرضية السابقة في إحداث الضرر , أما الشرط الثاني يتمثل في تدخل الجانب المادي للعمل الطبي الضروري في إحداث الضرر'فمثلا لو أصيبت سيدة أثناء عملها في عيادة طبية بوخزة إبرة مستعملة و أصيبت بالإيدز فلا يعد هذا حادثا طبيا لعدم تعلقه بالعمل الطبي و يمكن تكييفه أنه حادث عمل.(3)
(1)-(2)- (3)-أنظر د ثروت عبد الحميد –مرجع سابق – ص 13-14-23-35
و في جراحة التجميل التحسينية تشبها بأحد النجوم مثلا'أين لا يكون العمل الطبي ضروريا لم يمانع بعض الفقه من تعويض ضحايا الأضرار المترتبة عنها تحقيقا لمبدأ المساواة.(1)
المبحث الثاني :الالتزامات الخاصة للجراح التجميلي و طبيعتها
يترتب عن العقد الطبي بوصفه مصدرا إراديا, إلتزامات متقابلة و متبادلة قبل الأطراف المتعاقدة من ثمة قد يتساءل المرء عن أهم الالتزامات الملقاة على عاتق الجراح التجميلي, و عن طبيعتها باعتبار أن العمليات التجميلية لا يكون الهدف منها شفاء المريض من علة أو سقم, و إنما الغرض منها تجميل تشوه ما (إعاقة أو مرض) أو ناتج عن حوادث أو إصابات. و إما بغرض التجميل لمجرد التجميل كمحاولة للتقليد أو النظرة الطموحة التي تسعى لبلوغ الكمال دوما.وقد تبدو التزامات الجراح التجميلي كثيرة إذا ما قورنت بالحالة العكسية و في كل الأحوال عليه تنفيذها لتفادي الوقوع في الأخطاء التي قد تعرض حياة الإنسان للموت أو لحدوث عاهة. فمثلا أدت الجراحة التجميلية التي لم تجر كما كان مخططا لها لوفاة رجل بعد تلقيه علاجا لإزالة الشعر بأشعة الليزر و لوفاة آخر إثر عملية لشفط الدهون .(2)
لذلك وجب علينا التطرق للالتزامات الخاصة للجراح التجميلي (المطلب الأول) مع ضرورة تبيان طبيعة الالتزام الملقى عليه .وهل يتعلق بالمبدأ العام ببذل عناية أو بتحقيق نتيجة (المطلب الثاني)
المطلب الأول : الالتزامات الخاصة للجراح التجميلي
حتى يكون رضا المريض صحيحا بنوعية التدخل الطبي, فإنه يقع على عاتق الطبيب بصفة عامة و الجراح التجميلي بصفة خاصة, الالتزام بإحاطته علما بطبيعة العلاج و مخاطر العملية الجراحية, و إلا كان الطبيب مسئولا عن كافة النتائج الضارة من جراء تدخله و لو لم يرتكب خطأ في عمله (3) كما يقع على عاتق الطبيب في الجراحة التجميلية التزام آخر مهم هو التزام الحيطة و الحذر الذي يوجب عليه بذل العناية اللازمة لانجاز التدخل الجراحي.
الفرع (1) :إلتزام الجراح التجميلي بالتبصير (الالتزام بالإعلام)
تجدر الإشارة أن المشرع الجزائري لم ينظم أحكاما خاصة بالجراحة التجميلية,و لم يؤطرها. كما أنه لم يعرف الإلتزام بالتبصير,بل أشار إليه في بعض المواد فقط. فنصت المادة 43 من مدونة أخلاقيات الطب(4) على أنه "يجب على الطبيب أو جراح الإنسان أن يجتهد لإفادة مريضه بمعلومات واضحة و صادقة بشأن أسباب كل عمل طبي".
(1)-أنظر د. ثروت عبد الحميد-تعويض الحوادث الطبية-مرجع سابق-ص 35
(2)-أنظر الموقع الالكتروني 2008net clinic .iraqgreen.net le 19-09- www.
(3)-أنظر محمد حسين منصور-المسؤولية الطبية-دار الجامعة الجديدة للنشر -1998 ص34-35
(4) مرسوم تنفيذي رقم 92-276 مؤرخ في 6 جويلية 1992.
و تضيف المادة 44: "يخضع كل عمل طبي, يكون فيه خطر جدي على المريض, لموافقة المريض موافقة حرة و متبصرة أو لموافقة الأشخاص المخولين منه أو من القانون........"
و يقصد بالالتزام بالإعلام تزويد المتعاقد في العقود الرضائية بالمعلومات الضرورية التي تسمح له باتخاذ قراره النهائي بالموافقة أو برفض التعاقد بإرادة حرة و مستنيرة .و للإعلام أهمية خاصة بالنسبة للمريض بالنظر لأهمية محل التعاقد في هذا المجال و هو التدخل الطبي و الجراحي المراد توقيعه على جسم المريض,بالتالي فجهل هذا الأخير للمعطيات المرتبطة بحالته الصحية يجعل واجب الإعلام بالنسبة إليه أكثر من ضروري.
و غني عن القول أن رضا المريض لا يمكن أن يكون حقيقيا إلا إذا سبقه تنوير من الطبيب بحالته الصحية و طبيعة مرضه و درجة خطورته و ما يقترحه من علاج.(1)
بالتالي لا يجوز للجراح التجميلي إخفاء المخاطر التي تحوق بمريضه لأنه ملزم بالكشف الملائم لمقتضيات العلاج و جوانب خطورته ثم أن الإفصاح للمريض بالأخطار التي تتربص به من شأنه إبراز الثقة بين أطراف العقد و التدليل على حسن نية الجراح في مجال تنفيذه لهذا العقد و تحقيق و لو قدر معين من التكافؤ في المراكز العقدية و لو بصورة تقريبية (2) بالتالي فإن التبصير الذي يجب إفادة المريض به يجب أن يتم بطريقة سهلة و يسيرة, بحيث يستطيع المريض ذو المستوى المتواضع الذي يمثل الرجل العادي اتخاذ قراره بقبول أو رفض العمل الطبي المعروض عليه,و هو على علم و دراية من أمره(3) ومما لاشك فيه أن ممارسة الطب لاسيما الجراحة التجميلية بدون رقابة يشكل خطرا و أثارا سيئة على حياة الأفراد إذ أن مباشرة التدخلات الطبية دون رضاء فعلي من المريض مبني على دراية صحيحة من شأنه أن يحول جسد الانسان لحقل تجارب. (4)
(1) -أنظر د.مأمون عبد الكريم-رضا المريض عن الأعمال الطبية- دار المطبوعات الجامعية-2006- ص119-120
(2) -أنظر د.سعيد سعد عبد السلام- الالتزام بالإفصاح في العقود-طبعة 1-دار النهضة العربية 2000 ص89 و ما يليها
(3) -أنظر د. عبد الراضي محمد هاشم عبد الله –المسؤولية المدنية للأطباء في الفقه الإسلامي و القانون الوضعي –رسالة دكتوراه-كلية الحقوق- جامعة القاهرة –مصر-1994
(4) – راجع المقال المنشور في جريدة الشروق-عدد2447- تحت عنوان"تحقيقات حول عمليات تجميلية مسببة للسرطان" بتاريخ 04/11/2008 أين تم تسجيل عدة إصابات بمضاعفات خطيرة سببتها عمليات تجميل نسائية للأرداف و السيقان أجراها جراحون أجانب في الجزائر على فتيات جزائريات من أبناء الأثرياء تمت في عيادات سرية و بوساطة من أطباء جزائريين.
ويجد هذا الالتزام أساسه طبقا لما يراه بعض الفقه الفرنسي في النصوص التشريعية و التنظيمية(1) و في عقد العلاج على السواء, و على الرغم من تسليمهم بالطبيعة قبل التعاقدية لهذا الالتزام إلا أنهم يعتبرونه متولدا عن هذا العقد.و في حالة إخلال الطبيب به يسأل على أساس إخلاله بالتزام تعاقدي, في حين يسأل على أساس المسؤولية التقصيرية في حالة عدم إبرام العقد.(2)أما بخصوص عناصر الالتزام بالإعلام فتتمثل في:
أ-تشخيص المرض: على الطبيب إعلام المريض بطبيعة الفحص الطبي الذي ينوي مباشرته و المخاطر الطبية المترتبة عنه إن وجدت في حالة استعمال أجهزة معينة للفحص.
ب- طبيعة التدخل المقترح : يجب على الجراح أن يوضح للمريض التدخل المقترح بحكم أنه قد يأخذ عدة أشكال, فيمكن أن يكون علاج كيميائيا أو جراحيا أو عن طريق الأشعة. كما على الجراح إعلام المريض بمده العلاج و توضيح الغرض من التدخل الطبي.
ج- مخاطر العلاج: إن أغلب المتابعات القضائية ناجمة عن إخلال الطبيب بواجب الإعلام بمخاطر العلاج, إذ أن تحقق إحداها عادة ما يدفع المريض للقول أنه لو أحيط علما بها ما كان ليوافق على العلاج المقترح. و يشمل الإعلام بمخاطر العلاج تحديد طبيعة الخطر, مدى جديته و نسبة تحققه(3) و يبيح بعض الفقه عدم التنبيه للمخاطر التي لا تتحقق إلا بنسب ضئيلة أو تلك التي لا يؤدي تحققها لأثار ضارة على المريض.(4)على أنه يجب التفرقة بين حجب المعلومات الذي يخشى معه عدم موافقة المريض على العلاج و بين حجبها بسبب الأثر السلبي الذي قد تحدثه على نفسية المريض. فإن كانت هته الأخيرة مقبولة أخلاقيا و قانونا(5) فهي في الحالة الأولى ليست كذلك.غير أنه في جراحة التجميل على الطبيب إعلام مريضه بكل المخاطر المحيطة بالعملية و حتى الاستثنائية منها
د-البدائل العلاجية : على الطبيب أن يعرض على المريض كل طرق العلاج الممكنة, و البدائل و الخيارات المتاحة, طبيعتها و منافعها, و كذا المخاطر المقترنة بها, بالإضافة للتنبيه للآثار و مخاطر رفض العلاج و ما على المريض سوى المقارنة بينها و تقدير المنافع و المخاطر وفقا لإعتباراته الشخصية و اتخاذ القرار المناسب بناءا على ذلك'وفي فرنسا نص المشرع في التعديل القانوني الجديد (قانون 04 مارس 2002) على وجوب إعلام المريض بكل البدائل العلاجية الأخرى بما في ذلك رفض العلاج و أثاره على صحة المريض.(6)
و نشير في هذا الصدد لموقف محكمة السانية وهران في حكمها المؤرخ في 26 مارس 1996 و المؤيد بقرار مجلس قضاء وهران الذي أدين على إثره طبيب لتطبيقه طريقة التخذير المضاد لآلام الولادة(Péridurale)
(1) - نص على هذا الالتزام القانون المدني لسنة1994 و أشارت إليه المادة 1111-4 من قانون الصحة العامة الفرنسي المعدل بالقانون الصادر في 4 مارس 2004 و أكده تقنين أخلاقيات الطب الفرنسي في مادته (35) و الصادر بموجب مرسوم رقم 95-1000بتاريخ 6/09/1995-مشار اليه من طرف د.مأمون عبد الكريم –مرجع سابق-ص119
(2) - أنظر د.مأنون عبد الكريم –مرجع سابق –ص123 و ما يليها
(3) - أنظر د.مأنون عبد الكريم –مرجع سابق –ص123 و ما يليها
(4) - و هو ما يخالف الاتجاه الحديث للقضاء الفرنسي الذي يوجب التنبيه لكل مخاطر العلاج بما في ذلك المخاطر الاستثنائية –راجع النقص الفرنسي
Cass 1er 07 octobre 1998 الطب (5) - راجع نصالمادة51من مدونة أخلاقيات
(6)-Article L.1111/2 loi du 4 Mars 2002
و التي تنطوي على مخاطر الإصابة بشلل جزئي مؤقت و كان أساس الحكم هو الإخلال بواجب التبصير فلو علمت المريضة بها لكانت لها مجموعة خيارات بديلة عن تطبيق هذه التقنية (1)
كما تجدر الإشارة أن المشرع الجزائري لم يبين شروط شكل الإعلام مما يجعل الطبيب حرا في اختيار الطريقة التي يراها مناسبة في إعلام مريضه(2)
و ما يمكن ملاحظته أن المشرع الجزائري لم يواكب التطورات الرهيبة الحاصلة في مجال الجراحة التجميلية و لم ينظمها رغم أنها تجرى في الجزائر و لو بصفة سرية. و هذا على عكس باقي الدول العربية الأخرى كلبنان و سوريا و مصر.......و لأن المشرع الفرنسي سارع لحماية مرضاه منذ بداية ظهور هذا النوع من الجراحة كان من الضروري إلقاء نظرة على ما توصل إليه خاصة و أنه أصبح ينظر للمريض في الجراحة التجميلية التحسينية على أنه مستهلك أكثر منه كمريض.
- نطاق الإعلام في القانون الفرنسي طبقا لقانون 04/03/2002 بشأن مخاطر العلاج
بعد الجهود المبذولة من طرف السلطات العمومية و النقابة الوطنية الفرنسية للجراحة التجميلية, شهد النور بعد ولادة عسيرة و تحديات جمة قانون 04 مارس 2002المتعلق بحقوق المريض و نوعية النظام الصحي الذي تضمن في طياته التأطير القانوني لممارسة الجراحة التجميلية في مؤسسات مرخص لها بذلك.
فنصت المادة 1111-4 منه بوجوب الإعلام بالمخاطر الكثيرة الوقوع(risque fréquents) و المخاطر الجسيمة التي يمكن توقعها عادة(risques graves normalement prévisibles) في حين عبرت محكمة النقض الفرنسية عن المخاطر الواجب الإعلام بها بالمخاطر المحتملة و الاستثنائية (risques exeptionelles)
و من القرارات الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية بعد دخول قانون 04/03/2002 حيز التطبيق القرار الصادر في 02//10/2002 و الذي أكدت فيه أنه يجب أن تكون الأخطار معروفة لدى الطبيب عند مباشرة العمل الطبي (4)
و من الأمور الجديدة التي جاء بها هذا القانون هي تمديده لواجب الإعلام لفترة ما بعد العلاج, فيلتزم الطبيب بإعلام مريضة فور اكتشافه خطر جديد بعد تنفيذه التدخل الطبي, و من جهة أخرى لم ينص هذا القانون على السماح للطبيب بعدم إعلام مريضه بخطورة حالته الصحية إذا كان هذا يزيد من تدهور حالته النفسية ,و هو ما يخالف نصوص التقنين الفرنسي لأخلاقيات مهنة الطب و كذا قرارات محكمة النقض الفرنسية الحديثة بالتالي أصبح الطبيب في ضوء القانون ملزما بالإعلام الشامل فيما يتعلق بمخاطر العلاج المقترح(5).
(1)- أنظر مذكرة ماجستير جربوعة منيرة- الخطأ الطبي بين الجراحة العامة و الجراحة التجميلية 2007 ص46.
(2)أنظر –مذكرة لنيل شهادة المدرسة العليا للقضاء بعنوان " العقد الطبي" .
(3)-cass-civ-7 octobre 1998
(4)صدر في هذا الشأن قرارعن محكمة النقض الفرنسية في 15-07-2003 تتلخص وقائعه في إصابة سيدة بإنخفاض في تلوين البشرة
(Une perte de pigmentation) الذي يؤدي لاحمرار البشرة و احتراقها بمجرد تعرضها للشمس و هذا بعد إتباعها لعلاج بالليزر لدى جراح تجميلي على مستوى الوجنتين و دائرة الفم و العينين بهدف إزالة التجاعيد و قد دفع الجراح بأن ما أصاب السيدة خطر لم يكن معروفا لحظة تقديم العلاج أي سنة 1996,و سبب القاضي حكمه أن الوثيقة التي وقعتها المدعية تتضمن تبصيرا خاطئا لعدم إشارتها لحدوث هذا الخطر و جهل الجراح لحدوثه ليس عذرا بل هو نقص في معارفه و هذا خطا منه.
(5)أنظر مأمون عبد الكريم -مرجع سابق- ص146 و ما يليه .
و تلى هذا القانون عدة نصوص تطبيقية منها مرسوم 2005-777 المؤرخ في 11-07-2005 و الذي يهدف لإلزام الجراحين التجمليين بإجراء تدخلاتهم الجراحية بتجهيزات مخصصة لها, و أن يقوم بالعملية جراح يكون كفؤا و مؤهلا لذلك.
كما نص هذا المرسوم على إحترام أجل 15 يوم على الأقل بين الفحص الطبي أو تقديم الكشف المفصل و بين التدخل الجراحي, كما ألزم الجراح الذي يفحص المريض بأن يجري العملية التجميلية له شخصيا, و إن تعذر عليه ذلك فعليه إخباره بذلك يوم الفحص .و يجب على المريض أن يوقع كشفا مفصلا حدد القانون بياناته الإلزامية قبل خضوعه للعملية يتضمن على الخصوص:شروط التدخل الطبي'الأخطار المحدقة و النتائج و التعقيدات المحتملة'حساب مفصل للسعر, حتى يكون على بينة من أمره, و يكون محيطا بكافة الأخطار التي تتربص به. و يعاقب القانون الفرنسي الجراح التجميلي الذي لا يقدم الكشف المفصل أو لا يحترم مهلة 15يوم الممنوحة للمريض للتفكير بغرامة مالية قدرها 30.000 أورو أما من يجري هذه العمليات في مؤسسات غير معتمدة قانونا فيعاقب بغرامة 150.000 أورو(1).
و أخيرا نقول أن محكمة النقض الفرنسية أكدت أنه يقع على الطبيب الالتزام بإثبات واقعة إعلام مريضه في الحكم الذي تتلخص وقائعه في: أنه أجريت عملية جراحية لشخص في مستوى المعدة. أسفرت عن إصابته بثقب في الأمعاء, فرفع دعوى مسؤولية على الطبيب عما لحقه من ضرر بسبب عدم إعلامه فرفضت المحكمة دعواه لأنه لم يقدم دليلا على أن الطبيب أخل بالتزامه في الإعلام لكن محكمة النقض الفرنسية ألغت هذا الحكم باعتبار الطبيب هو الملزم بالقيام بإثبات تنفيذه للالتزام بالإعلام بما أن الالتزام يقع على عاتقه.
أما في القطاع العام فان عبء الإثبات يقع على عاتق المستشفى. وهذا ما حكمت به المحكمة الإدارية بباريس-حكم 26 ماي 1998 (2)
الفرع :2 إلتزام الجراح التجميلي بالحيطة و الحذر
هو من أثقل الالتزامات الواقعة على الجراح التجميلي و إذا تمعنا في موقف القضاء يتضح أن الإلتزام بالحيطة و الحذر يأخذ شكلا خاصا في الجراحة التجميلية بالنظر لهذا الالتزام في الجراحة العامة العلاجية. لهذا نجد محكمة النقض أدانت جراح تجميلي أجرى عملية على مستوى عضلات البطن عرفت تعقيدا لإهمال الجراح و قلة يقظته في الرقابة ما بعد إجراء العملية الجراحية بسبب مغادرته للعيادة في وقت مبكر(3).
(1)راجع المواقع الالكترونية http :www.droit medical.net /le 29-07-2008
http :www.sante.ujf-grenoble -fr/le 31-07-2008
(2)-راجع مذكرة التخرج لنيل شهادة المدرسة العليا للقضاء بعنوان العقد الطبي
(3)- راجع –جربوعة منيرة-مذكرة ماجستير ص105 و ما يليها
نجد في هذا الحكم أن القضاء إفترض وجود الخطأ باعتبار أن مغادرة الجراح للعيادة و إهماله المراقبة الطبية عقب الجراحة يشكل خطأ تسبب في الضرر الحاصل للمريض . ولكي ينفي الجراح عنه كل مسؤولية أو إهمال عليه إثبات أنه فعل كل ما بوسعه و بذل العناية اللازمة لإنجاح العملية و المحافظة على المريض, و أن التعقيد كان لا محاله منه أو نتيجة لقوة قاهرة أو حادث غير متوقع.
و في حكم آخر لمحكمة النقض الفرنسية أقر مسؤولية جراح قام بعملية تخذير موضعي قصد تجميل الأنف و علاج الأذن المرتفعة لشابة عمرها 21 سنة , و قد عرفت هذه العملية تعقيدات بعد ساعة من انجازها مما أدى إلى وفاة الشابة بسبب توقف الدورة الدموية و كان سبب إدانة الجراح هو الإهمال و عدم الحذر بعدم إبقائه للمريضة تحت رعايته المباشرة .
بالإضافة إلى ذلك فقد إعتمد القضاة في حكم لهم على مجموعة من الأخطاء الثابتة منها:
*غياب الاحتياطات الجراحية
*عدم البحث عن أسباب الشلل لضمان السير الحسن للعلاج بعد العملية(1)
إن واجب العناية الدقيقة و الحذر يمس كل جوانب الجراحة التجميلية بما فيها دواعي هذه الأخيرة
« Les indication opératoire » , بالتالي فإن كل تدخل ينطوي على مخاطر لايمكن التحكم فيها و لا توقعها و لو نسبيا ينبغي على الجراح عدم الإقدام عليه حفاظا على صحة و حياة المريض,فإذا كانت العملية الجراحية من الصعب انجازها نظرا لجسامة العيب وحساسية المريض أو حالته العامة, فان الإمتناع عنها يشكل في حد ذاته هذا الواجب بالحذر الذي يلزم به الجراح(2) و هذا ما أكدته محكمة استئناف باريس في 13/01/1959 بإدانتها لجراح قام بعملية على فك المريض, و أدت التقنية المستعملة لتشويه على مستوى الوجه, و أكد القضاة هذا الموقف قائلين أنه بما أن الأضرار الناتجة عن هذه العملية كان بإمكان الجراح توقعها فما كان عليه سوى الامتناع عن إجرائها خاصة و أن طبيب آخر أخصائي قد رفض إجراءها(3).
و لكن رغم تشدد موقف القضاة في تقدير خطأ الجراح التجميلي.إلا أن التزامه بقي دائما التزاما بوسيلة, و لكن مجرد الإهمال يشكل خطأ (4).
(1)- راجع مذكرة الماجستير-جربوعة منيرة-مرجع سابق ص106-107
(2)-Daniel Rouget responsabilité médical de la chirurgie esthétique Louis arbous/Edition Arrette/p 119
(3)-Semaine juridique 1959-2 Note savatier/142
(4)Renneau -Faute civil et pénal en matière de responsabilité médical paris sirey 1975
المطلب (2) طبيعة إلتزام الجراح التجميلي
ثار نقاش حاد و تضاربت الأراء حول طبيعة إلتزام الطبيب في الجراحة التجميلية ,فذهب البعض لإعتباره إلتزاما بتحقيق نتيجة في بادىء الأمر,و هذا نظرا لإنعدام قصد العلاج, و تمسك البعض بالمبدأ الذي كرسه قرار مارسيي لسنة 1936 فإعتبروه إلتزاما ببذل عناية وأكد البعض الرأي الثاني و كيفوه أنه إلتزام ببذل عناية كبيرة و مؤكدة « obligation de moyens renforcée »
الفرع (1) إلتزام الجراح التجميلي بتحقيق نتيجة
ذهب رأي(1) إلى وجوب إعتبار إلتزام الجراح التجميلي إلتزاما بتحقيق نتيجة,و مؤدى هذا الإتجاه أنه إذا لم تتحقق النتيجة المرجوة من هذا العمل الجراحي فهذا بذاته يكون جانب التقصير و الخطأ في جانب الجراح(2)
وقد قضت محكمة باريس بأن النتيجة هي التي تبرر التدخل الجراحي بهدف التجميل,و نظرا لأن تلك الجراحة لا تتطلبها صحة المريض فعلى الطبيب أن يمتنع عن التدخل إذا قامت هناك مخاطر جادة بالفشل و لم يتم تحذير المريض منها , و ينبغي على الطبيب عدم القيام بالعملية إلا إذا كان واثقا من نجاحها نظرا لأن الأمر ليس على درجة من الحيوية تتعلق بها حياة المريض أو صحته(3).
كما عرف القضاء الفرنسي نفس الموقف اتجاه جراح تجميلي و العيادة التي يعمل فيها على إثر عملية تجميلية على مريضة كانت تعاني من عيوب بسيطة ناتجة عن الولادة على مستوى صدرها و بطنها, ولأنها لم تحصل على النتيجة المبتغاة,فإن الجراح و عيادته عدا مسؤولين عن ذلك(4),كما نجد محكمة كولمار,و في حكم لها جاء فيه أن جراح التجميل ملزم بتحقيق نتيجة إذا كان تدخله بناء على طلب المريض,أو الشخص الخاضع للجراحة.و كان ذلك بعيدا عن أي قصد علاجي و لغرض تجميلي محض(5)
(1)-savatier : traité de la responsabilité civil tome 2 p 375 ets N 775
(2)-أنظر د.أحمد محمود سعد-مسؤولية المستشفى الخاص عن أخطاء الطبيب و مساعديه- مرجع سابق- ص424
(3)- راجع مذكرة الماجستير-جربوعة منيرة-مرجع سابق-ص93
(4)-cour de cassation 25-02-1995
(5)-راجع مذكرة الماجستير-جربوعة منيرة-مرجع سابق-ص 96
الفرع (2) إلتزام الجراح التجميلي ببذل عناية
يرى البعض أن إلتزام الطبيب هو إلتزام ببذل عناية عملا بالمبدأ العام الذي جاء به قرار مارسيي سنة 1936 و الذي قررت فيه محكمة النقض وجود عقد بين الطبيب و كل مريض من مرضاه,يلتزم بمقتضاه ليس بشفائه و لكن بتقديم العلاج المتقن,اليقض و الحذر,و المتفق مع المعطيات العلمية المكتسبة(1)
و في هذا الإطار نص الدكتور عبد الرزاق السنهوري أن الخدمة الفنية التي يلتزم بتقديمها الأطباء .....و هذا بمقتضى العقد لا تزيد على أن تكون بذل عناية فنية معينة تقتضيها أصول المهنة التي ينتمون إليها.فإلتزامهم هو إذن إلتزام ببذل عناية لا إلتزام بتحقيق غاية,سواء في إطار مسؤوليتهم العقدية أو التقصيرية(2)
و ما يمكن ملاحظته بشأن الموقف الحديث للقضاء الفرنسي أن محكمة النقض لم تساير رأي المحاكم السابق ذكره,ففي قرار لها أكدت أن إلتزام جراح التجميل يبق إلتزاما ببذل عناية,و ذلك بمناسبة عملية جراحية أجراها جراح لإمرأة قصد زرع تركيبات صناعية على مستوى صدرها,إلا أن نتيجة العملية لم تبلغ حد النجاح الذي كانت تتصوره هذه المريضة من الناحية الجمالية.و هذا ما أكده الخبير المعين من قبل القضاء,الذي قرر عدم وجود أي خطأ أو تقصير من جانب الجراح.و إنما العيب يعود وجوده لتقنية زرع هذه التركيبات,و الإحتمال الذي ينطوي عليه العمل الجراحي في هذه الحالة(3)
و في الحقيقة إن خصوصيات جراحة التجميل جعلت قضاء محكمة باريس يتشدد في هذا الإلتزام,و ذلك بمناسبة عملية تجميل بعيدة عن قصد العلاج و ذات طابع تحسيني محض.و هو ما أدى بالقضاء لتقريب إلتزام الجراح التجميلي من الإلتزام بتحقيق نتيجة,غير أنه يؤكد في ذات الوقت أن إلتزامه يبق ببذل عناية.و كل ما في الأمر أن القضاء يتطلب من الطبيب الإمتناع عن التدخل لإجراء جراحة تجميل إذا لم يكن واثقا من تخصصه و دقته من جهة,و أن يكون هناك نوع من التناسب بين الغاية من العملية والمخاطر المحتملة من ورائها.فلا يقدم على إجراء جراحة تجميلية تحمل في طياتها خطرا على حياة الشخص,أو تترك تشوهات أو شللا .......تتجاوز العيب المبدئي المراد إصلاحه(4).و لعل قصر التزام الطبيب في جراحة التجميل على مجرد بذل العناية فقط يبرره تعلق الأمر بممارسة الفن الطبي الذي يهيمن عليه الاحتمال'فلا تقوم مسئوليته إلا أساس التقصير أو الخطأ.
)1)-« que le médecin doit donner des soins consciencieux ;attentifs et,conformes aux données acquises de la
science. »voir jean penneau -la responsabilité du médecin-3éme édition 2004 -p 9
(2)-أنظر د-عبد الرزاق السنهوري-مصادر الإلتزام-المجلد الثاني-2005-ص 930-931
) 3)-voir cassation civile 1er07 dt 1992 jcp 1993 note chabas
(4)-راجع مذكرة الماجستير-جربوعة منيرة-مرجع سابق-ص 97
إلا أن بعض الفقهاء و منهم" jean penneau " يرى ضرورة التفرقة بين العمل الجراحي التجميلي "l'acte chirurgical ésthetique" البحث و الذي يبق خاضعا للطابع العام للالتزام الطبي أي ببذل العناية و الجهد اللازمين لذلك, وبين نتيجة العملية الجمالية التي يعد بها الجراح مريضه و التي يجب إخضاعها لتحقيق النتيجة الموعود بها (1).
الفرع الثالث: إلتزام الطبيب في الجراحة التجميلية إلتزام ببذل عناية مؤكدة و كبيرة
من المتفق عليه أنه على الجراح التجميلي أن يلتزم باستعمال الطرق المتفق عليها, و تجنب الطرق الجراحية الجديدة و الصعبة التي تحوم حول استعملاها مخاطر جمة, و تكون بالتالي نتائجها غير مرضية(2).
و قد تم تكييف التزام الطبيب في هاته الحالة على أنه التزام ببذل عناية كبيرة, و يقع على عاتق الطبيب الجراح واجب النصح و التنبيه و الإحجام عن إجراء العمليات الجراحية التي لا تتناسب منافعها مع أخطارها إذ عليه أن يجنح إلى تلك العمليات التي تزيد فيها فرص النجاح المأمولة و المنتظرة و يمتنع عن القيام بالعمليات التي يتوقع منها نتائج معاكسة.
كما عليه الإحجام عن إجراء عملية تجميلية يكون الدافع إليها غير قانوني أو سببها غير مشروع كأن يقوم الطبيب بالسعي لتغيير ملامح مجرم حتى يتمكن من الإفلات من قبضة البوليس .
و تجدر الإشارة أن شهادة الطب العام لا تكفي و لا تصلح لإجراء مثل هته العمليات و ممارسة هذا النوع من الطب نظرا لما تشمل عليه هذه الأخيرة من أخطار و صعوبات لا يعرفها إلا الأطباء المتخصصون.
و قد قضت المحاكم في فرنسا و اعتبرت أن الطبيب قد ارتكب خطأ جسيما عندما استخدم وسائل كان يجهل خطورتها نظرا لأنه لم يكتسب العلم الكافي و المتخصص لمثل هذه العمليات الدقيقة(4).
إن هذا المبدأ قرره المشرع الجزائري في نص المادة 198 من القانون حماية الصحة و ترقيتها (5) و التي تقضي بعدم جواز ممارسة مهنة طبيب اختصاصي أو جراح أسنان إختصاصي أو صيدلي إختصاصي, إذا لم يكن المعني بالأمر قد حاز شهادة في هذا الاختصاص الطبي أو شهادة أجنبية معترف بمعادلتها, و يستفاد من سياق هذا النص أن الطبيب العام لا يجوز له ما عدا في حالات الضرورة القصوى إجراء أي عملية يتطلبها إختصاص معين و كذلك الأمر بالنسبة للطبيب المختص في فرع من فروع الطب الذي لا يسمح له بإجراء عمليات تدخل في اختصاص فرع آخر غير الفرع المختص فيه.
(1)- voir J.penneau-ha responsabilité du médecin p 12
(2)-trib.paris-17-férier -1994-D.1995-somm 100-obs-J.penneau
مشار إليه في البحث المنشور في مجلة المحامي عدد 4 نوفمبر 2005 ص 12 بقلم الدكتور رايس محمد.
(3)-أنظر الموقع الإلكترونيhttp://www.droit medical.net/article 58
)4)-راجع مجلة المحامي-السنة الثالثة عدد 4 نوفمبر 2005-ص 14
(5)-قانون رقم 85 -05 المعدل و المتمم بالقانون رقم 90-17 المؤرخ في 16-02-1985
و قد أجاز التشريع الجزائري في المادة 168/3 الواردة في القانون 90-17 إجراء عمليات تجريبية لا يرجى من ورائها العلاج بشرط الحصول على رأي مسبق للمجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية(1). مما يعني أن مثل هذه العمليات يمكن أن يكون لها قصد التجميل, و من المؤكد أن المجلس الوطني لأخلاقيات العام الطبية لن يمنح رأيه المسبق إلا إذا تأكد أن الطبيب سيبذل عناية صادقة و حرصا و يقظة في إجراء العملية ,و مع ذلك فإن هذا الحرص و هذه العناية في عمليات التجميل مؤكدة بدرجة واضحة.
و يجب على الجراح التجميلي أن يكون حذرا في عمله و يجري الفحص بدقة شديدة, و أن يلتزم بسلامة المريض, و ذلك لأن عمليات التجميل مسألة لا تمليها حالات الاستعجال و لا الضرورة, مما يمكن من تحوير التزام الطبيب من التزام ببذل عناية إلى إلتزام ببذل عناية مؤكدة و خاصة (2) دون أن يصل إلى إلتزام بتحقيق نتيجة(3) كما ذهبت اليه محكمة باريس في قضاء لها.
و قد قضت محكمة النقض المصرية في حكم لها صادر في 26 جويلية 1969 مؤكدة المبدأ(4) إذ قالت:"و جراح التجميل و إن كان كغيره من الأطباء لا يضمن نجاح العملية التي يجريها إلا أن العناية المطلوبة منه أكثر منها في أحوال الجراحة الأخرى اعتبارا بأن جراحة التجميل لا يقصد بها شفاء المريض من علة في جسمه, و إنما إصلاح تشويه لا يعرض حياته لأي خطر".
فإذا كانت قرينة إتمام الالتزام و القيام به على وجه سليم قائمة مبدئيا لمصلحة الطبيب إلى أن يثبت المريض عكس ذلك, فإن القضاء في مجال عمليات التجميل الجراحية يميل إلى عكس هذا الإتجاه, فيأخذ بمسؤولية الطبيب على افتراض أنه وعد المريض بنتائج طيبة و كبيرة حتى يبرر تدخله و هذا ما قضت به محكمة النقض في مصر إذ قالت أن المريض إذا أثبت واقعة ترجح إهمال الطبيب, كما إذا أثبت أن الترقيع الذي أجراه له جراح التجميل في موضع الجرح, و الذي نتج عنه تشويه ظاهر بجسمه لم يكن يقتضيه السير العادي لعملية التجميل وفقا للأصول الطبية المستقرة, فإن المريض يكون بذلك قد أقام قرينة قضائية على عدم تنفيذ الطبيب لالتزامه, فنقل عبء الإثبات بمقتضاها إلى الطبيب .
(1)-تنص المادة 168/3 من القانون رقم 90-17 المعدل و المتمم للقانون 85-05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها:"تخضع التجارب التي لا يرجى من ورائها العلاج للرأي المسبق للمجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية المنصوص عليه في المادة 168/1 أعلاه."
(2)-trib-lyon-08 Jan.1981-j .C.P.1981-19699-note-chabas مشار إليه في مجلة المحامي –مرجع سابق- ص 15
(3)-راجع د.محمد حسين منصور –مرجع سابق-ص74
(4)-نقض مصري 26/07/1969-س20-ص1075 مشار إليه من طرف د.حسين منصور-مرجع سابق-ص77.
و يتعين على هذا الأخير كي يدرأ المسؤولية عن نفسه أن يثبت حالة الضرورة التي اقتضت التصرف, و التي بها يمكنه أن ينفي عن نفسه الإهمال(1).
و ما يمكن استنتاجه فيما يخص اتقاء الجراح المساءلة القضائية, و ما يمكن فعله عدم اقتراح نتيجة خاصة, إذ أن استعمال الصور, أو أي وسيلة أخرى تدفع الشخص للإقدام على العملية التجميلية تعد -و إن شكلت جزءا من عمله -وسيلة إثبات إذا فشلت العملية التجميلية, و لم يصل المريض إلى مبتغاه الجمالي(2).
إلتزام الجراح التجميلي بالسلامة:
منذ 1911 ابتكر القضاء الفرنسي الالتزام بالسلامة في عقد النقل, و على الرغم من انتقاد الفقه لهذا الالتزام الذي لم يشر إليه القانون, فإن القضاء الفرنسي قد مضى قدما في إدخال هذا الالتزام في الكثير من العقود الأخرى(3). و في القانون الجزائري نصت المادتين 172 و176 من القانون المدني على نوعين من الالتزام(الالتزام بتحقيق نتيجة' و الالتزام ببذل عناية). أما الالتزام بالسلامة فنجد المادة( 62) من القانون التجاري الجزائري تنص على وجوده في عقد نقل الأشخاص, و كذا المادة(2) من القانون 89-02 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك و الذي جعل هذا الالتزام على عاتق المحترف أو المهني.
و ما يميز الالتزام بالسلامة أنه يتعلق بسلامة الأشخاص, و أنه ليس التزاما رئيسيا بل هو إلتزام ثانوي تابع لأحد النوعين من الالتزامات ,و في القضاء الجزائري اعتبرت المحكمة العليا الالتزام بالسلامة, التزاما بتحقيق نتيجة في قرارها الصادر في 30 مارس 1983(4)
و في غياب نص تشريعي للقاضي السلطة التقديرية في تكييف هذا النوع من الالتزام ذلك أن ذات القضية طرحت قبل سنة 1975 , و تم تكييف الالتزام بالسلامة أنه إلتزام ببذل عناية (5).
و في المجال الطبي' بذل الفقه محاولات كثيرة في سبيل جعل إلتزام الطبيب في بعض الأنشطة الطبية, إلتزاما بالسلامة, محله تحقيق نتيجة, دون أن يعني ذلك التخلي عن الأصل العام, و الذي يقصر محل إلتزام الطبيب على بذل العناية كما أن اقتضاء أن"تتوافر في الأعمال الطبية الأمان الذي يحق للشخص أن ينتظره بطريقة مقبولة" يعني فقط أنه إذا كان الطبيب لا يلتزم و لا يعد بنجاح العلاج, أو تحقيق الشفاء, فإنه يجب أن يلتزم بالعمل على ألا يكون التدخل الطبي, في حد ذاته, أو الأدوات المستخدمة أو الأجهزة الموردة سببا في تفاقم حالة المريض بصورة مأساوية أحيانا.
(1)-أنظر مجلة المحامي عدد 4-السنة الثالثة-نوفمبر 2005-بحث منشور بقلم د.محمد رايس-بعنوان المسؤولية المدنية للأطباء في عمليات جراحة التجميل ص16
(2)- أنظر مذكرة الماجستير-جربوعة منيرة-مرجع سابق-ص102
(3)- أنظر –د.علي علي سليمان –مرجع سابق-ص157
(4)-جاء في حيثيات القرار"صاحب الحمام يعتبر مسؤولا لأن العقد هو عقد خدمات بين صاحب الحمام و الزبونة ,يضع على عاتق صاحب الحمام إلتزاما بسلامة الزبائن و هو إلتزام بتحقيق نتيجة"
(5)-راجع محاضرات الأستاذة لحلو غنيمة الملقاة على طلبة المدرسة العليا للقضاء-سنة أولى- دفعة 17-سنة 2006
و قد حدث تطور قضائي واضح في المجال المتعلق بالعدوى المرضية التي تصيب المريض خلال إقامته بالمستشفى « les infections nosocomiales »فلم يعد يقتصر مجال الإلتزام بضمان السلامة على العدوى التي تحدث داخل غرفة العمليات, أو حجرة الولادة, بل يشمل كل عدوى تنتقل للمريض خلال تواجده بالمستشفى أو بالعيادة الطبية الخاصة ,فالمسؤولية عنها تترتب,و يلتزم المسؤول بتعويض تلك الأضرار.
كما يمتد هذا الالتزام حتى بالنسبة للأجهزة التي يوصي الطبيب مريضه باستخدامها إذ يجب أن يحذره من مخاطر الاستخدام و يتحمل المسؤولية عن أي أضرار قد تحدث .
و قد فرض القضاء على عاتق مراكز الدم إلتزاما بضمان السلامة محله تحقيق نتيجة بحيث تترتب مسؤوليته بمجرد حدوث عدوى نتيجة عملية نقل دم ملوث بفيروس الأمراض(1).
و عليه فإن الإلتزام بالسلامة الذي يقع على الجراح بصفة عامة و على الجراح التجميلي بصفة خاصة مفاده أن لا يعرض مريضه لأي أذى جراء ما يستعمله من أدوات أو أجهزة و ما يعطيه من أدوية أثناء العلاج الجراحي. و بأن لا ينتقل إليه مرضا آخر نتيجة العدوى.أو ما ينقله من دم.... خاصة و أن التقدم العلمي في المجال الجراحي أدى لزيادة إستخدام الآلات الحديثة بما ينطوي عليها من مخاطر, و يسلم القضاء اليوم بأن الطبيب لا سيما الجراح,عليه أن يلتزم بسلامة المريض من الأضرار التي قد تلحقه جراء إستخدام الأدوات الطبية .و الأضرار المقصودة هنا هي تلك الناشئة عن وجود عيب أو عطل بالأجهزة إذ يقع إلتزام الطبيب بإستخدام آلات سليمة لا تلحق أضرار بالمريض و هذا الالتزام هو إلتزام بتحقيق نتيجة فلا يعفى الجراح من المسؤولية حتى و لو كان العيب موجودا بالآلة وقت صنعها و يصعب كشفه. لكنه يمكن أن ينفي مسؤوليته بإثبات السبب الأجنبي.
و من التطبيقات القضائية في هذا الصدد القضاء بمسئولية الطبيب عن الحروق التي تصيب المريض بسبب اللهب الخارج من المشرط الكهربائي أثناء العملية رغم أن الطبيب لم يرتكب أي تقصير في استخدامه و عن الالتهاب أو الوفاة الناتجة عن زيادة التعرض للأشعة بسبب خلل في الجهاز المنظم, كما يسأل الطبيب عن الوفاة الناتجة عن الشرارة المتطايرة من جهاز التخذير و كسر الحقنة بالعضلات, كما تمتد مسؤوليته للأضرار التي تصيب المريض نتيجة سقوطه من فوق منضدة الفحص بسبب هبوطه المفاجئ(2).
(1)- أنظر د.ثروت عبد الحميد—مرجع سابق-ص137 و ما يليها
(2)-راجع مذكرة الماجستير-جربوعة منيرة-مرجع سابق-ص 68-69
و قد شهد القضاء الجزائري قضية عرفها مستشفى بارني سنة 1985 أين رفعت دعوى قضائية من طرف سيدة أدخلت المستشفى لإجراء عملية جراحية تجميلية لإزالة الدوالي لكنها تعرضت أثناء العملية للحرق بسبب خلل كهربائي, و أثناء المحاكمة لم يتسنى للقضاء تحديد المسؤولية بسبب تداخل و تعدد الأطراف (التقني –الطبيب - مؤسسةالكهرباء) و لكن المستشفى هو من تحمل في الأخير المسؤولية, و دفع تعويضات مالية للضحية قدرها 50 مليون سنتيم و مبلغ شهري يقدر ب 3000 دينار كتعويض عن الخسائر طبقا للمبدأ العام المقرر بموجب المادة 124 من القانون المدني الجزائري(1).
(1)- أنظر جريدة الجزائر –العدد- 407 بتاريخ 28-07-1993 ص09
الفصل 2: أساس المسؤولية المدنية في جراحة التجميل و دور القاضي في تقدير قيام أركانها و في تقدير التعويض
اتخذ القضاء في بداية الأمر موقفا عدائيا من جراحة التجميل, ففي الوقت الذي كان يقرر فيه' فيما يتعلق بالجراحة العادية أن رضاء المريض يعفي من كل مسؤولية عن الأضرار التي يمكن أن تنجم عن العلاج' طالما أن الطبيب لم يقع منه خطأ في تطبيق قواعد مهنته'نجد أنه فيما يتعلق بالجراحة التجميلية اعتبر أن مجرد الإقدام على إجراء عملية لا يقصد منها إلا التجميل يعد خطأ في حد ذاته' حتى لو أجريت طبقا لقواعد الفن الطبي(1).
إلا أنه في مرحلة تالية و تحت تأثير ما نجم من تطورات في العالم إثر الحرب العالمية الثانية و ما نتج عنها من مشوهي حرب' اضطرت الدول لإخفائهم عن أعين الناس' حتى لا تؤذ الأحياء بمظهرهم المريع' فيثبت ذلك السخط على الأنظمة القائمة 'عدل الفقه الفرنسي عن وجهة نظره المتشددة بشأن جراحة التجميل لكن بتحفظ شديد فميز بين نوعين من الجراحة لتحديد مسؤولية الطبيب.
النوع 1:الجراحة التجميلية الضرورية الإصلاحية -الترميمية « La chirurgie esthétique réparatrice »-
و الهدف منها إصلاح حالات التشويه الجسمية الناجمة عن الحوادث و التي ترقى لمقام العلة المرضية فتنزل لمستوى الجراحة العادية و تطبق عليها أحكامها.
النوع 2 :الجراحة التجملية المحضة « La chirurgie esthétique non réparatrice »
و الغرض منها هو جمالي بحث' يشمل العمليات الكمالية لإضفاء الصفة الجمالية على خلقة الإنسان العادية و جعله يبدو أكثر شبابا لأسباب فنية أو نفسية' و هنا لا يكون لتدخل الجراح مبرر إلا إذا لم تنطوي وسيلته في التجميل على خطر ما بالنسبة لحياة المريض أو سلامة جسده .
و نشير أنه لغاية 1988 فإن الجراحة التجميلية الترميمية هي وحدها التي كانت معترفا بها كفرع من الفروع الجراحة العامة رغم ممارسة النوع الثاني منها. و لكن في تطور أخير أقر الفقه الفرنسي بمشروعية جراحة التجميل' و أخضعها لنفس قواعد الجراحة العلاجية' غير أن القضاء تشدد بصدد المسؤولية الطبية في هذا المجال خاصة فيما يخص تقدير خطأ جراح التجميل و اشتراط أن يكون الجراح على درجة كبيرة من التخصص'و أن يستخدم طريقة علاجية متفق عليها(2) و أن يكون ثمة تناسب بين الخطر الذي يتعرض له المريض و الفائدة المرجوة من العمل الجراحي (3) و بالتالي كان من اللازم التطرق لأساس مسؤولية الجراح التجميلي'و تبيان وجه التشدد فيها في المبحث الأول و كذا دور القاضي في تقدير قيام أركان هذه المسؤولية و تقدير التعويض في المبحث الثاني.
(1)-أنظر محمد حسين منصور –مرجع سابق- رقم "1" 1998 ص77
- د.رمضان جمال كامل –مرجع سابق-ص227
(2)-أنظر مذكرة الماجستير- جربوعة منيرة- مرجع سابق- ص79 و ما يليها
- مذكرة الماجستير- قاسي عبد الله زيدومة – المسؤولية الجنائية للأطباء و الصيادلة- كلية الحقوق جامعة الجزائر-1979 ص71 و ما يليها
(3) - محمد السعيد رشدي –الجوانب القانونية و الشرعية لجراحة التجميل 1987- ص18
المبحث الأول: أساس مسئولية الطبيب في الجراحة التجميلية
ككل مسئولية مدنية'تفترض المسؤولية الطبية في الجراحة التجميلية لقيامها ثلاثة أركان:الخطأ الطبي' الضرر' و الرابطة السببية بينهما و نظرا لكون الخطأ الطبي أساس المسئولية الطبية للجراح التجميلي سواء كانت عقدية أو تقصيرية ' ونظرا لما يكتسبه الخطأ الطبي من أهمية و خصوصية بسبب تميز مهنة الطب عموما و جراحة التجميل باعتبارها فرعا من فروع الجراحة العامة خصوصا' و باعتبارها لا تمارس من حيث المبدأ لأهداف علاجية (حتى و لو أن مفهوم المرض اتسع و لم يعد يقتصر على الأمراض العضوية فقط بل حتى النفسية) و إجرائها في ظروف متأنية و غير مستعجلة كان من الضروري تخصيص المطلب الأول لتبيان ماهية الخطأ الطبي معياره, و نوعه و مقدار جسامته مع التطرق للخطأ الفردي و خطأ الفريق الطبي -خاصة و أن هذه العمليات غالبا ما تجرى بواسطة فريق جراحي- ثم نتعرض في المبحث الثاني للصور الخاصة للخطأ الطبي في جراحة التجميل.
المطلب الأول: الخطأ الطبي
لم يورد المشرع الجزائري تعريفا للخطأ الطبي بل ترك ذلك لإجتهاد الفقه و القضاء.و يأخذ هذا الأخير تعريفه من الخطأ المهني المتصل بالأصول الفنية للمهنة' فيعرف بأنه إحجام الطبيب عن القيام بالواجبات الخاصة التي يفرضها علم الطب' و قواعد المهنة و أصول الفن' أو مجاوزتها و ذلك نظرا لأن الطبيب و هو يباشر مهنة الطب فهذا يستلزم منه دراية خاصة و يعتبر ملزما بالإحاطة بأصول فنه و قواعد علمه التي تمكنه من مباشرتها و متى كان جاهلا لذلك عد مخطئا(1).
و يشير الدكتور محمد رايس أن قانون حماية الصحة وترقيتها و كذا مدونة أخلاقيات مهنة الطب' و كذا المرسوم المتضمن القانون الأساسي الخاص بالممارسين الطبيين العامين و المتخصصين في الصحة العمومية و كذا المرسوم المتضمن القانون الأساسي الخاص بالأطباء المتخصصين الاستشفائيين الجامعيين و كذا القوانين التي سبقتها لم تشر إلى تقرير مسؤولية الأطباء الناشئة عن أخطائهم أثناء ممارستهم للمهنة أو لم تتعرض لبيان الخطأ في نطاق الأعمال الطبية 'بل اقتصرت على بيان واجبات و التزامات الطبيب دون وضع الجزاءات المدنية في حالة الإخلال بها. و هو ما يدفع القضاء الجزائري لتطبيق القواعد العامة في المسؤولية المدنية على الأطباء(2).
(1)-J.penneau –la responsabilité du médcin-op.cit-p-16
مشار إليه من الدكتور محمد رايس –المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري-دار هومة 2007- ص 149
(2)- د.محمد رايس-نفس المرجع-ص153و ما يليها
الفرع (1) معيار الخطأ الطبي :
معيار الخطأ الطبي المعتبر ركنا لمسؤولية الطبيب المدنية هو ما لا يمكن أن يتصور من الطبيب العارف على أساس السلوك الذي كان ينبغي أن يصدر من الطبيب موضوع المسؤولية على ضوء الظروف المحيطة به. فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي لا يقع من الطبيب العادي و هو طبيب يقظ في مستواه المهني ووجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسئول أثناء ممارسته لعمله مع الأخذ في كل هذا بتقاليد المهنة و الأصول العملية الثابتة. فالمعيارهنا معيار موضوعي 'بمعنى أن يقاس سلوك الطبيب بسلوك طبيب آخر من نفس المستوى و الدرجة العلمية فمثلا الجراح التجميلي يقاس سلوكه بجراح تجميلي مثله و لا يعتد بالظروف الداخلية للشخص كظرف السن' الجنس 'و الحالة الاجتماعية . ولكن يعتد بالظروف الخارجية كالظروف المكانية و الزمانية التي وقع فيها الفعل الضار.و عليه فمهمة القاضي تكمن في البحث عن سؤالين هما:*هل وقع إهمال حقيقي وواضح من الطبيب؟
*هل اتخذ الطبيب ما يستوجب من احتياطات يفرضه الحذر العادي من طبيب محترز في نفس تخصصه و مستواه الفني و أمام ذات الشروط الظاهرة و المماثلة لتلك التي وجد فيها الطبيب محدث الضرر؟
و للإجابة على هذين السؤالين على القاضي الاستعانة بالأطباء ذوي الخبرة في مجال تخصص الطبيب مرتكب الخطأ(1).كما يمكن للمحاكم الجزائرية أن تلتمس المجلس الوطني و المجالس الجهوية للآداب الطبية كلما رفعت الدعوى بمسؤولية أحد أعضاء الهيئة الطبية قصد توضيح الصعوبات المرتبطة بتقدير الخطأ الطبي و هذا ما نصت عليه المادة 367 مكرر 3 من قانون حماية الصحة و ترقيتها.
الفرع(2)نوع الخطأ و مقدار جسامته: يسأل الطبيب عن كل خطأ يرتكبه مهما كان نوعه, عاديا قد يرتكب من أي شخص عادي نتيجة الإهمال أو عدم بذل العناية اللازمة كقيامه بعملية جراحية و هو في حالة سكر أو إهمال تخذير المريض قبل الشروع في العملية.كما يسأل الطبيب عما يوصف بالخطأ الفني الذي ينتج عن جهله بالأمور الفنية لمهنته و لا عبرة بجسامة الخطأ أو يسره مادام واضحا و ثابتا و يعكس جهل الطبيب بالمعطيات العلمية الثابتة 'كما ذهب مجلس الدولة الفرنسي مؤخرا في إطار المسؤولية الطبية الإدارية للاعتداد بالخطأ مهما كان وصفه لإعمال مسؤولية المستشفى و هذا منذ قرار « Epoux v » الصادر في 10/04/1992 (2). بعدما كان يعتبر المستشفى مسئولا على أساس الخطأ الجسيم في حالة الضرر الناجم عن العمل الطبي' في حين يكتفي بالخطأ البسيط لقيام المسؤولية في حالة العمل العلاجي(3).
(1)-أنظر مذكرة نيل شهادة المدرسة العليا للقضاء – هني سعاد - المسؤولية المدنية للطبيب- مرجع سابق- ص5
- د. ثروت عبد الحميد – مرجع سابق- ص114
(2)-Fabienne quillére –majzoub –la responsabilité du service public hospitalier
محاضرة واردة ب :المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين-منشورات الحلبي الحقوقية لبنان-جزء 1-2004 ص 594
(3)-الأستاذ رشيد خلوفي- قانون المسؤولية الإدارية- ديوان المطبوعات الجامعية - طبعة 1994ص 72
الفرع (3) الخطأ الفردي و خطأ الفريق الطبي :
أدى التطور العلمي إلى التخصص الدقيق في فروع الطب حتى أصبح الطبيب المتخصص في شيء معين لا دراية له بباقي التخصصات'و بالتالي قد تقتضي حالة المريض اللجوء لمجموعة من المتخصصين'أو حتى لمساعدين لإجراء العملية الجراحية' فإن لم يلجأ الجراح لهؤلاء يكون مخطئا(1), و يقر الفقه و يعترف القضاء بأن المسؤولية الطبية بناءا على الفعل الشخصي تكون من طبيعة عقدية كلما وجد عقد بين الطبيب و المريض'غير أن الإشكال يطرح إذا تعاقد المريض مع طبيب جراح و استقدم هذا الأخير أطباء آخرين و من بينهم الطبيب المخذر فيرتكب هذا الأخير خطأ, فإذا قاضى المريض الطبيب المخدر فإن أساس مسؤوليته هي الخطأ الشخصي' أما إذا عاد المريض على الجراح الذي تعاقد معه فيسأل هذا الأخير عن فعل غيره على أساس مسؤولية المتبوع عن أفعال التابع أي على أساس المسؤولية التقصيرية(2).
أما إذا استعان الجراح بطبيب التخذير بناءا على رغبة المريض فإنه ينشأ بين المريض و طبيب التخديرعقد'و يسأل كلاهما عن تنفيذ العقد الطبي قبل ذات المريض(3). و مع ذلك درج القضاء على الحكم بالمسؤولية التعاقدية لطبيب التخدير عن الأضرار التي تحدث نتيجة فعل التخذير. و قد أوضحت محكمة السين في حكمها الصادر في 3/11/1953 أن الطبيب الجراح لا يمكن أن يكون مسئولا عن الأخطاء التي يرتكبها طبيب التخدير باعتباره يتصرف في نطاق تخصصه بكل استقلال' وهو بذلك لا يمكن اعتباره تابعا للجراح و قد سار القضاء الفرنسي على هذا المبدأ كلما تجلى له خطأ طبيب التخدير وحده خاصة في تلك الأعمال القابلة للانفصال عن العمل الجراحي كإعداد المخدر و تقدير درجته و الجرعة اللازمة المطلوبة ......الخ و لكن نظرية العمل المنفصل لا تتحقق دوما إذ أن التخدير يكون في حالات عديدة تحت تبعية الجراح كما أنه من النادر أن يختار المريض و يتعاقد مع طبيب التخدير و هو ما دفع البعض لتصور قيام علاقة تعاقدية بين المريض و طبيب التخدير على أساس مفهوم الاشتراط لمصلحة الغير و عارض بعض الفقه ذلك لعدم توافر رضا المريض المستنير فيما يتعلق بطبيب التخدير(4).
(1)-أنظر د. رمضان جمال كامل- مسئولية الأطباء و الجراحين المدنية – طبعة 1- 2005-المركز القومي للإصدارات القانونية ص220
(2-10533.II-1958- j.c.p-1958/02/14 trib –paris (2)-
مشار إليه في د.محمد رايس- المسئولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري- مرجع سابق- ص197
(3) - د.رمضان جمال كامل- المرجع نفسه- ص 205
(4) - د.محمد رايس-مرجع سابق- ص197 وما يليها.
كما يسأل الجراح تعاقديا عن الأخطاء التي يرتكبها مساعدوه (1) ذلك أنه جرى العمل أن يقوم الجراح بإجراء الجزء الجوهري من العملية بنفسه'ثم يترك الباقي للمساعدين و خاصة النواب و ذلك بغرض التعليم و التدريب. فإذا حدث خطأ من النائب نجم عنه ضررا أصاب المريض فإن الجراح يكون مسئولا عن هذا الخطأ لأنه و إن سمح للنائب بمساعدته فإنه يتعين أن يكون ذلك تحت إشرافه و توجيهه و تحت مسؤوليته و يتعين عليه إتمام العملية والاطمئنان عليها بنفسه(2).
و يرى الدكتور محمد رايس أن عدم الخيار بين المسؤولية العقدية و المسئولية التقصيرية قائم من حيث المبدأ في الجزائر وعليه فمتى وجد عقد بين الطرفين و كان الضرر اللاحق بالمريض نتيجة إخلال الطبيب بالتزام ناشئ عن العقد وجب تطبيق أحكام المسؤولية العقدية و هي الأصل'و لا تثور المسؤولية التقصيرية للأطباء إلا إذا لم يكن هناك عقد كما هو الحال بالنسبة للطبيب الموظف في المستشفى العام أو عندما يتخذ خطأ الطبيب الوصف الجرمي كذلك في الحالات التي يقوم فيها الطبيب بتحرير شهادة طبية لشخص و تكون غير مطابقة للحقيقة فمسؤوليته تكون تقصيرية عما يصيب الغير (جهات العمل وهيئات التأمين الاجتماعي مثلا) جراء تلك الشهادة...........الخ
وتجدر الملاحظة أن محكمة النقض الفرنسية قررت بوضوح الطبيعة العقدية للمسؤولية الطبية عن فعل الغير. إذ يسأل الطبيب عن عدم تنفيذ التزامه العقدي, و لو كان هذا الإحجام عن التنفيذ من فعل الغير' و في هذا المجال هناك من يرى ضرورة التخلي عن الحلول التقليدية المتمثلة في التمسك بمسؤولية الطبيب الرئيسي ذو الشهرة الكبيرة الذي يكون له الإشراف و القيادة للفريق الطبي ' و إعمال المسؤولية التضامنية طبقا لنص المادة 126 من القانون المدني الجزائري (3) أو تطبيق ما يسمى بالمسؤولية التضاممية المعمول بها في فرنسا و هذا بالأخذ بمسؤولية الفريق الطبي بعد إضفاء الصبغة القانونية عليه(4).
(1)-تنص المادة 73/2 من مدونة أخلاقيات الطب"أما المساعدون الذين يختارهم الطبيب أو جراح الأسنان فإنهم يعملون تحت مراقبتهما و تحت مسؤوليتهما."
يتضح أن الطبيب المعالج يسأل فقط عن أخطاء المساعدين الذين اختارهم و يعملون تحت رقابته أما إذا لم يكن حرا في اختيارهم كما هو الحال في المستشفى العام و الخاص فلا مجال لمساءلتهم عن الأخطاء الواقعة منهم أثناء تنفيذهم لتعليماته بل يبق المستشفى مسئولا باعتبارهم تابعين له و تطبق أحكام المادة 136 قانون مدني جزائري.
(2)- د.رمضان جمال كامل -مرجع سابق- ص213
(3)-تنص المادة 126 من القانون المدني الجزائري : "إذا تعدد المسئولون عن فعل ضار,كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر و تكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في الالتزام بالتعويض"
(4)- د.محمد رايس –مرجع سابق- ص192 و ما يليها
المطلب الثاني: الصور الخاصة للخطأ الطبي في جراحة التجميل
لعل ما يميز المسؤولية الطبية عن غيرها هي طبيعة الخطأ' فخطأ الطبيب بصفة عامة و الجراح التجميلي بصفة خاصة ليس كخطأ الشخصي العادي, و ذلك لما ينطوي عليه من طبيعة فنية و تعقيد علمي يلزم القضاء الاستعانة بالخبراء و رجال الفن لتقدير وجوده و هذا بمختلف صوره في الجراحة التجميلية و المتمثلة في:
-الإهمال و عدم الحذر
-عدم التحكم في تقنية العلاج
-عدم تناسب المخاطر مع الغرض التجميلي
الفرع 1: الإهمال و عدم الحذر
إذا كان إلتزام الطبيب بالحرص و العناية و اليقظة أيضا التزاما عاما في جميع الحالات و في كافة الظروف' فإنه أوضح و أوجب في جراحة التجميل .و من قبيل ذلك أنه على طبيب التجميل أن يفحص مريضه بعناية و دقة فائقة و أن يجري كافة الفحوص السابقة على إجراء العملية ملتزما في كل ذلك و بحذر بكافة مقتضيات السلامة و الأمان بالنسبة للمريض, خاصة أنه يجري عملية لا تبررها ضرورة صحية' أو علة مرضية وإنما مجرد عملية إصلاح جسماني لا ضرورة و لا استعجال فيه(1).
و في هذا الصدد نجد حكم لمحكمة مرسيليا أدانت فيه طبيبا جراحا إثر إهماله لتبصير المريضة و حثها على تفادي التعرض لأشعة الشمس و هذا ما اعتبره القضاء خطأ عن طريق الإهمال في التبصير بمخاطر متوقعة.
و في حكم آخر لمحكمة النقض' اعتبر القضاء الجراح التجميلي مخطئا عن طريق الإهمال لعدم اتخاذه الاحتياطات الجراحية العادية و اللازمة لمواجهة جراحة معقدة على مستوى الوجه فيشترط عليه التنبؤ بما هو غير متوقع و أن لا يترك المجال للمفاجآت (2)و(3).
(1)- أنظر د.رمضان جمال كامل-مرجع سابق-ص240
(2)- مذكرة الماجستير – جربوعة منيرة- مرجع سابق – ص106 و ما يليها
(3)- لمزيد من التفصيل الرجوع لالتزام الجراح التجميلي الخاص بالحيطة و الحذر ص 20 و ما يليها.
الفرع الثاني:عدم التحكم في التقنية
لا يمكن لأي جراح تجميلي أن يقوم بأية عملية تجميل إلا إذا كان متمكنا و متحكما في عمله هذا, و معظم فقهاء القانون يقرون بإلزامية تمتع الجراح بدرجة عالية من التخصص في نوع العملية التجميلية التي هو بصدد إجرائها.هذا ما ذهب إليه قضاة محكمة ليون في الحكم الصادر بتاريخ 08/01/1981 و هو بمثابة سابقة قضائية في كونه أوجب على الجراح التحكم التام في التقنية الجراحية خاصة و أن عمله الجراحي بعيد عن كل ضرورة علاجية أو استعجالية(1) و هذا بمناسبة استعمال تقنية الجراحة التجميلية المتضمنة إصلاح عيب ارتخاء الثدي
« Technique de bisengur » و كانت النتائج المتحصل عليها غير مرضية من الناحية الجمالية
. « Mauvaise qualité des cicatrices »
و مدى التحكم في التقنية الجراحية يصعب تقديره ماعدا في الحالات الاستثنائية الواضحة و نجد في هذا الصدد جراحا أدين في حكم محكمة باريس الصادر في 21/12/ 1968 و هذا إثر محاولته إزالة تجاعيد الجبهة 'و قد وصف الخبراء هذه التقنية بالشاذة لعدم تحكم الجراح فيها و في النتائج الوخيمة التي انجرت عنها. و في الحالات الأقل وضوحا, فإن التقرير الطبي الجراحي يشكل عنصرا هاما لتقدير مدى التحكم في التقنية الجراحية إذ يتضمن شرحا و تفسيرا للنتائج المتوخاة منها.
لذا نجد أن محكمة النقض الفرنسية قالت بمسؤولية طبيب إثر تنخر عظام المريض(Nécrose) و كان تأسيس القضاة لحكمهم على أساس عدم التحكم في هذه التقنية و إسرافه في إعطاء هذا النوع من العلاج 'رغم الحذر و الدقة الخاصة التي تستلزمها و هذا يعد خطأ من جانبه.
و على العكس' ففي الجراحة العامة, لا يعرف القضاء نفس التشدد في البحث عن التحكم في التقنية الجراحية' ففي هذا الصدد قرر مجلس بوردو بتاريخ 05/06/1973 أنه رغم عدم التحكم التام في تقنية العملية الجراحية التي أجراها الطبيب, فإن هذا لا يمكن اعتباره خطأ لعدم مخالفة تقنية القواعد العلمية الثابتة.
وعليه نخلص للقول أن عدم التحكم في التقنية و عدم التأكد من الوصول للنتائج المبتغاة منها يشكل خطأ في حد ذاته نظرا للطابع الكمالي لهذا النوع من العمل الجراحي(2).
(1)-أنظر La semaine juridique 02/1969 note chabas :
مشار اليه في مذكرة الماجستير- جربوعة منيرة – المرجع نفسه- ص109
(2)-أنظر جربوعة منيرة – المرجع نفسه- ص109 و ما يليها.
و نجد أنه في حالة غياب أي خطأ فلا يمكن مساءلة الجراح' إذ أن النتيجة الجمالية الرديئة و غير المرضية لا تشكل خطأ في حد ذاتها, لأنه أقل ما يقال عن العمليات الجراحية التجميلية أنها تجري على أنسجة حية, لا يمكن التنبؤ بردود أفعالها ومدى حساسيتها(1).و هذا هو جانب الاحتمال في الجراحة التجميلية.
و في هذا المجال فإن المشرع الفرنسي بموجب المرسومين رقم 776-2005 و 777-2005 الصادرين في 11/07/2005 ألزم الجراحين التجميليين بإجراء تدخلاتهم الجراحية في مؤسسات تستجيب لمقاييس تقنية محددة تتوافر على تجهيزات مرخص بها 'و تكون هذه المؤسسات مصرحا بها و معتمدة قانونا حتى تستطيع ممارسة مهامها.
و بين المرسوم رقم 776-2005 شكليات و عناصر طلب الترخيص الذي يقدم لوالي ولاية مكان تواجد التجهيزات و مدة الترخيص هي 05 سنوات قابلة للتجديد' و تكون قرارات الوالي مسببة في حالتي الرفض أو القبول مع إمكانية سحب الترخيص بقرار إداري أو في حالة عدم المطابقة عند زيارة التفتيش التي تتم لهذه المؤسسات 'و كذا في حالة تقرير مسؤولية جراح تجميلي ينتمي للمؤسسة المعنية.
و فيما يخص الكفاءة المهنية المطلوبة فقد تم التفريق بين الجراحين الذين يستطيعون إجراء أي عمل جراحي تجميلي و هم: الأطباء المؤهلين المتخصصين أو الحاملين لشهادة الدراسات المتخصصة التكميلية من الصنف الثاني في الجراحة التجميلية المحضة أو الترميمية.أما الجراحين الذين لا يستطعون ممارسة الجراحة التجميلية إلا في إطار تخصصاتهم التي سجلوا أنفسهم فيها في جدول الترتيب هم :الأطباء المؤهلين المتخصصين أو الحاملين لشهادة الدراسات المتخصصة التكميلية من الصنف الأول في الجراحةالتجميلية المحضة أو الترميمية' و كذا الأطباء المتخصصين في الفروع التالية:جراحة الفك,جراحة الفك و الأسنان, جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة, جراحة الجهة العلوية للوجه' جراحة العيون' اختصاص أمراض النساء و التوليد, و أخيرا جراحة الجهاز البولي(2).
(1)-أنظر: DOL-JLA responsabilité médicale en matiére chirugie esthétique gazpal doctrine 674
- مشار إليه في مذكرة الماجستير – جربوعة منيرة- ص111
(2)- راجع المواقع الالكترونية : .net /spip php ?article 58 http:/www.droit -medical http:/www.sante .ujf-grenoble.fr/sante/medilega/pages/cas2%pratg/esthetiqueb.html
الفرع الثالث:عدم تناسب المخاطر مع الغرض التجميلي
يتجه القضاء الفرنسي المعاصر إلى إلزام طبيب التجميل بمراعاة مسألة التناسب بين مخاطر العملية التي يقدم عليها 'و بين الفوائد المبتغاة من ورائها, و كلما كان الهدف العلاجي بالمعنى الدقيق منتفيا في عمليات التجميل كلما كان على الطبيب أن يلتزم بمزيد من الحيطة و الحذر.
و هذا ما أكدته محكمة استئناف باريس في أكثر من مرة, حيث ذهبت في حكم لها في 13 جانفي 1959 إلى أنه إذا كان هناك عدم تناسب واضح بين مخاطر العملية و بين فوائدها, كلما كان على الطبيب تبصير المريض بالوضع و النتائج المرتقبة' فضلا على أنه ملزم في بعض الحالات بأن يبدي النصيحة بعدم إجراء العملية بل عليه الامتناع صراحة عن إجرائها' حتى لو كان المريض مصمما على ذلك(1).
و في هذا الصدد ذهبت محكمة السين' عندما قام أحد الأطباء بإجراء عملية من أجل إصلاح ساق عارضة أزياء كانت تعاني من تضخم في أحد ساقيها,و بعد تردد الطبيب و الإلحاح الشديد للمريضة 'أجريت العملية و نجحت ثم أصيبت الرجل بمرض خبيث فتم قطعها .و قالت المحكمة أن إجراء عملية جراحية خطيرة على عضو سليم من أجل إصلاح شكله فقط دون قصد الشفاء من مرض يعتبر في حد ذاته خطأ يستوجب المسؤولية لأن مصلحة المريض لا تسمح بتعريضه لخطر الموت أو الإصابة البالغة في سبيل الوصول لتحقيق نتيجة بسيطة و غير هامة هي إصلاح العيب الجسدي.
و بناء على ما تقدم يكون القضاء قد وضع الأمر في إطار الموازنة بين فائدة طب التجميل و الأخطار المترتبة عليه ' فرجح تفادي الخطر على فكرة تحقيق الفائدة, و هذا الموقف إنما ينم على التشدد و الغلو(2).
و طبقا للتطبيقات القضائية فإن تقدير مسألة التناسب هي مهمة القاضي و ليس الخبير سواء تعلق الأمر بتقدير دواعي العلاج أو بتقدير الوسيلة المستعملة في العلاج ' فكلما كان العيب المراد إزالته بسيطا فإن هذا يجعل مبرر التدخل العلاجي ينعدم خاصة إذا وجدت مخاطر جدية تؤدي لتعقيد حالة الشخص فالإقدام عليها يشكل خطأ في حد ذاته لخرقه قاعدة التناسب' كالعملية المجراة لإصلاح تقوس بسيط في الأنف . و فيما يخص وسيلة العلاج فكلما كان العيب بسيطا' كلما تطلب من الجراح اختيار وسائل علاجية دقيقة لضمان أكبر قدر من العناية لتحقيق سلامة المريض لأنه "لا يمكن استعمال مطرقة لقتل ذبابة"(3).
(1)- أنظر د.رمضان جمال كامل – مرجع سابق- ص 228
(2)- مجلة المحامي – مرجع سابق- ص 9- 10
(3)- مذكرة الماجستير – جربوعة منيرة- مرجع سابق - ص112 و ما يليها
هذه هي الصور الخاصة للخطأ في جراحة التجميل وفقا للقوانين الوضعية عموما, فهل لمبادئ الشرع الإسلامي رأي مخالف أم أنها تتوافق مع مبادئ القانون الوضعي؟
حكم الشرع الحنيف في جراحة التجميل :
يقسم فقهاء الشريعة الإسلامية الجراحة التجميلية إلى ثلاثة أنواع:
1-الجراحة العلاجية الشرعية الوقائية:و من أنواعها: الختان , لما فيه من العلاج الوقائي المسبق و الحجامة التي أوصى بها رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم في غير ما حديث' ثقب الأذن للمرأة و دليل مشروعيته ما رواه البخاري عن ابن العباس قال"أمرهن النبي بالصدقة فرأيتهن إلى أذانهن و حلقهن" و عدم النهي عن ذلك يعني الجواز.
2-الجراحة التجميلية المباحة: هي التي تعالج التشوهات الناتجة عن عيوب خلقية ولد بها الإنسان كإلتصاق أصابع الرجلين أو اليدين.......أو التشوهات الناتجة عن عيوب مكتسبة أو طارئة كتشوه الجلد بسبب الحروق أو الآلات القاطعة و هذا النوع من الجراحة مباح تدعو إليه حالة الضرورة فكل عملية تؤدي لإزالة الحرج و إراحة البال' تعد ضرورية لأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة شرعا(1).
3- الجراحة التجميلية الممنوعة (غير المشروعة): و تهدف للزينة قصد الغلو في مقاييس الجمال مما لا تدعو إليه الحاجة' فتحسن مظهر الشخص كتجميل الأنف أو العين.....أو تجدد الشباب فتزيل الشيخوخة كشد تجاعيد الوجه......
و هذا النوع من الجراحة لا تتطلبه دوافع ضرورية بل غايته تغيير خلقة الله و العبث بها 'و هذا غير مشروع بدليل الكتاب و السنة على عكس ما رأيناه في القانون الوضعي الذي يجيزه مع التشدد(1).
(1)- عبد الراضي محمد هاشم عبد الله – المسؤولية المدنية للأطباء في الفقه الاسلامي و القانون الوضعي – رسالة دكتوراة-كلية الحقوق جامعة القاهرة-مصر-1994 ص75-76
- مجلة المحامي – مرجع سابق – ص7
المبحث الثاني:سلطة القاضي في تقدير قيام أركان المسؤولية المدنية لطبيب التجميل و تقدير التعويض
إن إصابة المريض بضرر جراء العملية الجراحية, تعد نقطة البداية للحديث عن المسؤولية المدنية الطبية'ذلك أن إقرار مسؤولية الجراح التجميلي المدنية فيما تهدف إليه إنما جبر الضرر عن طريق تقدير التعويض الملائم و في هذا الصدد ينبغي الإشارة إلى أنه لا يكفي مجرد حدوث الضرر للتمسك بمسؤولية طبيب التجميل من الناحية المدنية مادام لم يثبت أي خطأ من جانبه و بالإضافة لركن الخطأ الطبي و الضرر يشترط كذلك وجود علاقة بينهما.
إن كل هذه الأركان تخضع من حيث تقدير قيامها للقاضي فكيف يتم ذلك؟ و كيف يقدر التعويض؟ هذا ما سنورده في المطلبين الآتين حيث نتعرض في المطلب الأول لسلطة القاضي في تقدير قيام أركان المسؤولية المدنية لطبيب التجميل و نتعرض في المطلب الثاني لسلطته في تقدير التعويض.
المطلب الأول: سلطة القاضي في تقدير قيام أركان المسؤولية المدنية لطبيب التجميل
قبل التطرق لسلطة القاضي في تقدير قيام الخطأ الطبي يتعين الإشارة أن عبء إثبات الخطأ يتوقف على تحديد مضمون الالتزام فإذا كان إلتزام طبيب التجميل ببذل عناية وجب على المضرور الذي يدعي إصابته بالضرر إثبات الخطأ أما إذا كان إلتزام الطبيب بتحقيق النتيجة (كما هو الحال في الالتزام بالإعلام),فمجرد عدم تحقق النتيجة يعد خطأ غير قابل لإثبات العكس إلا بقطع العلاقة السببية بين الضرر و الخطأ بواسطة السبب الأجنبي طبقا للمادة 127 من القانون المدني و لا يقع على المريض سوى إثبات أن إلتزام الطبيب محله تحقيق نتيجة و أنها لم تتحقق(1).
و لصعوبة إثبات الخطأ الطبي فإن محكمة النقض الفرنسية بموجب قرار " Hédreul" الشهير عام 1997 حاولت تخفيف هذا العبء الملقى على المضرور بأن اتجهت نحو إلزام الطبيب بإثبات حسن تنفيذه للالتزام بالإعلام 'و هذا بكافة الطرق المتاحة له(2).
(1)- أنظرطلال عجاج- المسؤولية المدنية للطبيب- دراسة مقارنة – المؤسسة الحديثة للكتاب-طرابلس-لبنان-طبعة2004- ص230
- راجع محاضرات الأستاذة لحلو غنيمة الملقاة على طلبة المدرسة العليا للقضاء –مرجع سابق-
(2)- مقال الأستاذة شهيدة قادة –التزام الطبيب بإعلام المريض-المضمون و الحدود و جزاء الإخلال –موسوعة الفكر القانوني- مجلة الموسوعة القضائية – جزء 1- ص91
- بحث د.بودالي محمد منشور في المجلةالقضائية عدد1-2004 بعنوان المسؤولية الطبية بين الاجتهاد القضاء الإداري و القضاء العادي ص33
الفرع 1: تقدير قيام الخطأ الطبي
إن تقدير قيام الخطأ الطبي هو من المسائل الداخلة في نطاق السلطة التقديرية للقاضي مادام مستمدا من وقائع الدعوى. فالقاضي يتحقق من حصول الوقائع التي أثبتها المضرور أو ذووه على الطبيب أو من عدم حصولها دون معقب من المحكمة العليا غير أن تكييفه لتصرف الطبيب أنه خطأ يعد من مسائل القانون و يخضع فيه لرقابة المحكمة العليا فالتكييف القانوني للأفعال يعد من المسائل القانونية(1) و يستعين القاضي في هذا الصدد بأهل الخبرة لتوضيح ما صعب عليه فهمه 'و يجب أن يكون هؤلاء في نفس تخصص الطبيب محل المساءلة و على القاضي تحديد مهمة الخبير بدقة حتى يكون تقريره أفيد و أكثر مساهمة في تكوين قناعته 'و تشمل مهمته أساسا في :
- فحص الضحية و تحديد الأضرار اللاحقة بها و بيان أسبابها.
- بيان الإهمال و التقصير الواقع من الطبيب إن وجد و مدى تحكمه في تقنية العلاج
- مدى مطابقة تصرفه للقواعد الفنية و الأخلاقية لمهنة الطب و مدى إمكانية تجنبه لهذا الفعل حسب ما تمليه المعطيات العلمية المتوصل إليها في مجال المهنة وقت ارتكاب الفعل.
- القول إن كان لطبيب يقظ في نفس مستوى الطبيب المدعى عليه و الظروف الخارجية المحيطة به أن يقوم بنفس التصرف.
- البحث في مدى تدخل حالة المريض و تطورها المتوقع في تفاقم حالته الصحية.
و إذا كان القاضي غير ملزم, كقاعدة عامة برأي الخبير طبقا للمادة 54 من قانون الإجراءات المدنية فإن تقرير الخبير في هذا المجال لا يمكن عدم الأخذ به أو استبعاده كلية و كل ما في الأمر أنه إذا لم يقتنع القاضي بتقرير معين فيمكنه الاستعانة بخبرة ثانية و ثالثة عملا بمقتضيات العدالة. و إذا رجح خبرة على أخرى وجب أن يعلل حكمه بدقة و إلا شابه القصور في التسبيب(2) و ليس للقاضي سلطة تقديرية في استخلاص الخطأ إذا كان التزام الطبيب بتحقيق نتيجة كما هو الحال في مجال نقل الدم فمجرد عدم تحقق النتيجة يعد خطأ.
و لقاضي الموضوع السلطة المطلقة في استنباط خطأ الطبيب من القرائن القضائية التي يعتمد عليها في تكوين عقيدته لا سيما في الأمور الثابتة في مجال الطب كتلوث الجرح الناتج عن الإهمال في تعقيم الأدوات المستعملة أو عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تلوثه.
(1)- د.محمد حسين منصور –المسؤولية الطبية – مرجع سابق- ص131
(2)- قرار المحكمة العليا رقم 79863 بتاريخ 29/09/1992 بالمجلة القضائية لسنة 1993 عدد 3 ص95
- مشار إليه في مبادئ الاجتهاد في قانون الاجراءات المدنية أ/حمدي باشا عمر ص 64 دار- هومة طبعة- 2004.
-الضرر: يقال عادة لا مسؤولية بدون ضرر « pas de responsabilité sans préjudice » فالضرر هو الذي يقدر التعويض بمقداره عادة سواء في المسؤولية التقصيرية أو العقدية(1) لهذا فمن الضروري أن يستجمع الضرر كركن من أركان المسؤولية الطبية بعض الشروط الضرورية لقيامه و التي فرضتها نصوص القانون المدني لا سيما المادة 124 منه و تتمثل في:
1-أن يكون محققا :أي أن يكون أكيد الوقوع 'سواء وقع فعلا أم سيقع حتما كما يجب أن يكون الضرر قد حدث مستقلا عن مسألة عدم تحقق الشفاء لعدم التزام الطبيب به في عقد العلاج و يجب التمييز هنا بين الضرر الاحتمالي الذي لا يوجب التعويض و الذي يكون وقوعه في المستقبل غير أكيد(2) و بين الضرر المتمثل في تفويت الفرصة
(La perte de chance) الذي يعد أمرا إحتماليا' لكن تفويتها أمر محقق يجب التعويض عنه و على ذلك فقد قرر القضاء الفرنسي-في مناسبات كثيرة-تعويض الوالدين عن الضرر الأدبي الذي لحقهم جراء تفويت الفرصة في استمرار حياة الطفل الوليد (3).
2-أن يكون أكيدا :أي أن يكون وجوده ثابتا و إن لم يكن بصورة كاملة و فورية وهذا دون أن يكون حاليا و أنيا(4).
3-أن يكون مباشرا : أي أن يكون نتيجة طبيعية لخطأ الطبيب الذي أحدثه 'و ترتب عنه. و هذا الضرر هو فقط الذي تكون بينه و بين الخطأ المنشئ له علاقة سببية وفقا للقانون(5).
*أنواع الضرر: ينقسم الضرر إلى ضرر مادي و ضرر معنوي (أدبي)
أ-الضرر المادي : هو ضرر يصيب المريض في جسمه و هذا بالتعدي على حقه في سلامة جسده بإتلاف عضو منه أو إحداث نقص فيه أو تشويه أو إنقاص في قدرته أو منفعته 'الشيء الذي يجعل المريض عاجزا عن الانتفاع بالعضو عجزا دائما أو مؤقتا أو كليا أو جزئيا.و قد يصيبه في ماله فالضرر المالي هو إخلال بمصلحة مالية للمضرور كالخسارة المالية الناتجة عن نفقات العلاج(6).
(1)- أنظر علي علي سليمان- النظرية العامة للالتزام – مرجع سابق – ص162
(2)- أنظر د.علي فيلالي -الالتزامات-العمل المستحق للتعويض- المؤسسة الوطنية لفنون الطبع – الجزائر 202- ص254
(3)- أنظر د.ثروت عبد الحميد- تعويض الحوادث الطبية- مرجع سابق- ص28
(4)- أنظر قمراوي عز الدين-مفهوم التعويض الناتج عن حالات المسؤولية الطبية في الجزائر – موسوعة الفكر القانوني-دار الحلال للخدمات الإعلامية –جزء1- ص55
(5)- أنظر بسام محتسب بالله-المسؤولية الطبية المدنية و الجزائية بين النظرية و التطبيق-دار الإيمان-دمشق-بيروت-طبعة 1-1984 - ص241
(6)- أنظر د.رمضان كامل جمال – مسؤولية الأطباء و الجراحين المدنية- مرجع سابق- ص250 و ما يليها.
ب- الضرر الأدبي: هو ضرر يخص العاطفة و يمس الشعور' و يلحق الآلام' و يؤثر على النفس 'و يصيب المريض بالأحزان.(1) و هو كل ما يصيبه في جسمه من الأضرار دون أن تنقص من قدرته في العمل كالآلام و الجروح و الأوجاع(2) كما أن الانتقاص من جمال الجسم و الخلقة و ما ينجر عن ذلك من تشويه يعد من قبيل الأضرار المعنوية لبعض المهن كالمغنيين و عارضي الأزياء و المضيفين(3).
ج- تفويت الفرصة: هي تلك الأضرار التي تصيب المريض جراء خطأ الطبيب و الذي ينجم عنه حرمان المريض من فرصة كان محتمل الفوز بها' فمثل هذه الفرصة و إن كان تحققها أمر محتمل إلا أنه و بسبب خطأ الطبيب أصبح تحققها أمرا مستحيلا و عليه فالتعويض عن ضياعها مسألة وجوبية. و قد قضت محكمة النقض الفرنسية في أول حكم لها عن تفويت الفرصة في المجال الطبي للطفلة البالغة من العمر 8 سنوات إثر سقوطها و إصابتها بأضرار في ساقها الأيسر ثم إصابتها بعجز دائم.
أما في القضاء الجزائري فلا وجود لأحكام عوضت عن فوات الفرصة و لا مانع من انتهاج المحاكم الجزائية نهج القضاء الفرنسي في ذلك(4).
إثبات ركن الضرر: إن الضرر واقعة مادية يمكن معاينتها و إثباتها بكافة طرق الإثبات عملا بمبدأ البينة على المدعي ' فيقع على المتضرر من خطأ الطبيب و هو المريض أو ذووه في حالة وفاته إقامة الدليل على حصول الضرر مهما كانت طبيعته و غالبا ما يلجأ المريض في مثل هذه الحالات لتقديم شهادة طبية أو اللجوء للمحكمة لطلب تعيين خبير لفحصه و تحديد الأضرار اللاحقة به.
الفرع 2 :تقدير قيام ركن الضرر
يبدو أكثر تعقيدا عندما يتعلق الأمر بالضرر المعنوي الذي لا يمكن معاينته ماديا'أما تحديد عناصر الضرر التي تدخل في حساب التعويض الممنوح للضحية, فتعد مسألة قانون يخضع فيها القاضي لرقابة المحكمة العليا لذلك يقع عليه تبيانها في حكمه.
(1)- أنظر في هذا المعنى د.محمود جمال الدين زكي- مشكلات المسؤولية المدنية- جزء 1- جزء2- مطبعة جامعة القاهرة – مصر-1978
(2)- أنظر د.محمد رايس – المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري – مرجع سابق- ص280
(3)- يسمى هذا الضرر بالضرر الجمالي و نص عليه أمر 74-15 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات و نظام التعويض عن الأضرار
(4)- أنظر د.محمد رايس –المرجع نفسه- ص276 و ما يليها .
و فيما يخص تقدير تفويت الفرصة فإنه على المريض أو ذويه إثبات أن الطبيب قد ضيع بخطئه على المريض فرصة الشفاء و التعافي من المرض أو البقاء على قيد الحياة.و لقد حدد القضاء من خلال أحكامه المبادئ التي تحكم مفهوم تفويت الفرصة في مجال جراحة التجميل'إذ لا بد من خطأ في جانب الجراح'و إثبات العلاقة السببية بينه و بين وجود فرصة نجاح العملية من جهة أخرى'ولا يكون تعويض الضرر هنا سوى جزئيا.فمثلا أدانت محكمة النقض جراحا بعد وفاة مريضة خضعت لجراحة تجميلية على مستوى الأنف و تم ذلك بتخذير موضعي و في غياب طبيب التخذير و الإنعاش'و قد إعتبر القضاء غياب هذا الأخير تفويتا لفرصة الشفاء و بالتالي الحياة(1).
ووفقا لمحكمة النقض الفرنسية فان إخلال الطبيب بالتزامه بتنوير المريض و إعلامه' قد حرم هذا الأخير من فرصة تجنب -عن طريق قرار كان عليه أن يكون حكيما-خطر تحقق في النهاية و هي خسارة تشكل ضررا متميزا عن الإصابات الجسمانية'بمعنى أن المريض كانت له فرصة تجنب هذا الخطر و هذا برفض التدخل الجراحي و بما أنه لم يتم إعلامه فإنه خسر هذه الفرصة و لا شك أن التعويض الذي سيحصل عليه المريض سيكون محددا بعنصر فوات الفرصة' مما لا يسمح في غالب الحالات بتعويضه عن كامل الضرر'علما أن الضرر اللاحق بالمريض لا يمكن أن يقف فقط عند هذا العنصر-تفويت الفرصة- و هو ما قرره مجلس الدولة الفرنسي في قراراته الشهيرة لسنة 2000(2).
و يرى جانب من الفقه ضرورة عدم التوسع في التعويض عن فوات الفرصة و ذلك باشتراط أن يكون الضرر الذي يصيب المريض نتيجة طبيعية لعدم وفاء الطبيب التزامه أو لأنه تأخر في الوفاء به (3).
الفرع الثالث : تقدير قيام ركن العلاقة السببية
تعد علاقة السببية بين الخطأ و الضرر ركنا أساسيا لقيام المسؤولية الطبية و مناط وجودها رغم أنه ليس سهلا تبيانها في المجال الطبي' نظرا لتعقيدات الجسم البشري و تغير خصائصه و عدم وضوح الأسباب التي أدت إلى المضاعفات الظاهرة (4) كما أن القول بتوافرالعلاقة السببية أمر بالغ التعقيد كون الضرر ينشأ عادة عن أكثر من سبب'مما يستوجب تحديد أي الأسباب أدت إلى حدوث الضرر(5)كما أن المريض قد يموت و تدفن معه الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وفاته, و في هذا الصدد اعتنق القضاء الجزائري نظرية السبب المنتج عندما أقر بمسؤولية الطبيب متى ثبت خطؤه الذي أدى لوفاة الضحية .وقد تلا ذلك صدور عدة قرارات تؤكد ذلك لكن الكثير من الفقهاء يرون أن القضاء الجزائري يأخذ بنظرية تعدد الأسباب 'و في الحقيقة لا يمكن معرفة موقف القاضي الجزائري بدقة فالحلول متغيرة حسب ظروف كل حالة على حدى(6).
(1)- راجع مذكرة الماجستير-جربوعة منيرة- مرجع سابق – ص 115
(2)- بحث منشور في مجلة القضائية عدد1-2004 للدكتور بودالي محمد –مرجع سابق- ص31
(3)- د.محمد رايس –المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري – مرجع سابق- 278
(4)- أنظر د.محمد عبد القادر العبودي – المسؤولية المدنية لطبيب التخدير – رسالة دكتوراه-كلية الحقوق – جامعة عين شمس –القاهرة- مصر- 1992 ص 151
(5)- أنظر د.عبد الحميد الشواربي – مسؤولية الأطباء و الصيادلة و المستشفيات المدنية و الجزائية والأدبية –منشأة المعارف-الإسكندرية- مصر -2000ص 36
(6)- لمزيد من التفصيل راجع – د.محمد رايس- المرجع نفسه- ص309 و ما يليها.
و يستقل قاضي الموضوع بإستخلاص قيام علاقة السببية بين خطأ الطبيب و الضرراللاحق للمريض مراعيا في ذلك تجنب الغوص في مسائل فنية تخرج عن اختصاصه بل يوكل البحث فيها لأهل الخبرة .و يستخلص القاضي علاقة السببية من ظروف الواقع و القرائن و الدلائل المتوافرة في ملف القضية معتمدا على استخدام فكره في البحث عن العلاقة المنطقية التي تربط المصادفات الواقعة في عناصر الدعوى . و هذا لأن السببية حسب تعريف الفقيه سافاتيي ليست بالشيء الذي يرى أو يلمس 'و إنما نتجها الفكرمن ظروف الواقع(1) و تمارس المحكمة العليا حق الرقابة على حكم القاضي من أجل أن تتأكد من مدى التزام قضاة الموضوع بتوضيح وجود رابطة السببية من عدمها.
و كما سبقت الإشارة فإن القضاء الفرنسي أخد بفكرة الفرصة الضائعة و فيها تكون علاقة السببية احتمالية و غير محققة و اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أنه ليس من المهم في هذه الحالة أن يتأكد القاضي من أن خطأ الطبيب هو سبب حصول الضرر للمريض بل يكفي وجود شك في وجود السببية فيحمل المسألة من نطاق السببية اليقينية لنطاق السببية الاحتمالية(2).
و في هذا الصدد فإنه يقع عبء إثبات ركن العلاقة السببية على المريض أو ذويه لأن إثبات المريضة لخطأ الطبيب المتمثل في نسيان قطعة شاش للجراحة في رحمها'و إثباتها لإصابتها بضرر أدى لاستئصال رحمها لا يكفي لإقامة مسئولية الطبيب عن خطئه ما لم يقع الدليل أن هذا النسيان أدى لإصابة الرحم بالتهابات خطيرة كانت نتيجتها استئصال الرحم.
لهذا وجب إبداء بعض التساهل من القضاة في تحميل المضرور عبء إثبات العلاقة السببية لصعوبة الغوص في المسائل الطبية' و باعتبار المريض الطرف المضرور في كل الحالات و هذا بإقامة قرينة لصالح المريض بقيام علاقة سببية في الحالات التي تتوفر فيها قرائن قوية. على أنه من شأن الخطأ الذي ارتكبه الطبيب أن يحدث عادة هذا الضرر و على الطبيب المسئول نفي هذه القرينة بإثبات أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه(3).و السبب الأجنبي قد يكون حادثا مفاجئا أو قوة قاهرة أو خطأ المريض-الضحية- أو خطأ الغير طبقا للمادة 127 من القانون المدني الجزائري(4).
(1)-أنظر د.طلال عجاج –المسؤولية المدنية للطبيب –دراسة مقارنة - مرجع سابق-ص394
(2)- أنظر د.طلال عجاج -المرجع نفسه- ص378
(3)-راجع – مذكرة التخرج لنيل شهادة المدرسية العليا للقضاء – هنى سعاد- مرجع سابق- ص 19-20
(4)- تنص المادة 127 من القانون المدني الجزائري:"إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب لا يد له فيه كحادث مفاجئ 'أو قوة قاهرة' أو خطأ صدر من المضرور' أو خطأ من الغير' كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ........"
إن التعداد التي جاءت به المادة 127 ق.م جاء على سبيل المثال غير أنه من العسير أن يوجد سبب أجنبي آخر غير هذه الأسباب الأربعة' و من المتفق عليه اليوم أنه يجب توافر ثلاثة شروط في السبب الأجنبي المعفي من المسؤولية و هي: عدم إمكان الدفع" irrésistible insurmontable "و عدم إمكان التوقع " imprévisible"و عدم نسبته إلى المسئول"non imputable ", و يضيف القضاء الفرنسي في مادة المسؤولية عن فعل الشيء غير الحي شرط الخارجية " l'extériorité "(1).
1- الحادث المفاجئ و القوة القاهرة: رغم أن المادة 127 ق.م نصت على كليهما' إلا أن كل محاولات التميز بينهما أخفقت و يقصد بهما حدوث أمر غير متوقع حدوثه و غير ممكن دفعه أو مقاومته, مما يجعل الطبيب غير قادر على الوفاء بالتزامه(2) و من أمثلة ذلك وفاة المريض بالقلب إثر رعد مفاجئ' أو الخوف من زلزال مهول.(3) و تقدير ما إذا كانت الواقعة المدعى بها تعتبر من قبيل القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ هو تقدير موضوعي تملكه محكمة الموضوع(4).
2-خطأ المريض : إذا وقع خطأ (تصرف منحرف) من المريض ' و كان هو السبب الوحيد في إحداث الضرر فلا يسأل الطبيب عن الضرر فخطأ المريض كما يمكن أن يقطع الرابطة السببية بين الخطأ الطبي و الضرر الحاصل' فإنه يمكن أيضا أن يقطع تلك الرابطة بين الخطأ و الضرر المتمثل في فوات الفرصة في الشفاء أو استمرار الحياة' أو تحسن الحالة الصحية أو تفادي تفاقمها.
و من أمثلة خطأ المريض : إخفائه عن طبيبه حقيقة إصابة أخرى مما لا يسأل الطبيب عنه عادة' و لا يكتشف إلا بعد إجراء الفحوص. أو تناول المريض لأشياء منعت عنه بشكل قاطع.
3-خطأ الغير: يقصد بالغير الشخص المتسبب في الضرر إذا كان أجنبيا عن المدعى عليه.و لا تنقطع رابطة السببية بفعل الغير في مواجهة الطبيب إذا كان هذا الأخير مسئولا عن فعل الغير, ذلك لأننا سنكون أمام حالة مسؤولية الطبيب عن أعمال تابعيه.
و قد يحدث أن يشترك خطأ الغير مع فعل الطبيب أو فعل المريض في إحداث الضرر و هي الحالة التي تناولتها المادة 126 من القانون المدني.
و من الأمثلة عن خطأ الغير المؤدي لانتفاء علاقة السببية' خطأ الأم التي تباشر علاج ابنها المريض بزيادة جرعات الدواء الموصوفة من الطبيب مادامت تعليماته كانت صحيحة(5).
(1)- أنظر علي علي سليمان –النظرية العامة للالتزام – مرجع سابق – ص195
(2)- انظر د. رايس محمد – المسؤولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري – مرجع سابق – ص315
(3)- انظر حسين منصور – المسؤولية الطبية –مرجع سابق – ص116
(4) – (5) د. رايس محمد – المرجع نفسه – ص316
المطلب (2): سلطة القاضي في تقدير التعويض عن الضرر في جراحة التجميل
إن التعويض هو الحكم الذي يترتب على تحقق المسؤولية و جزاؤها(1) و هو الهدف الذي يرمي إليه المدعي. و حتى يحكم القاضي به لا بد من تقديره أولا,فكيف يقدر؟ و ما هي العوامل المؤثرة فيه؟و ما مدى سلطة القاضي في تحديد مبلغ التعويض؟
الفرع 1: تقدير التعويض و العوامل المؤثرة فيه:
1-تقدير التعويض: الأصل أن الحق في التعويض ينشأ من يوم اكتمال عناصر المسؤولية' و تنص المادة131 ق.م:"يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادة 182 مع مراعاة الظروف الملابسة فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يقدر مدى التعويض بصفة نهائية' فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بالنظر من جديد في التقدير" و يفهم من المادة أن التعويض عن الضرر المحقق يقدر في الوقت الذي يتم إصلاحه فيه' و هو يوم النطق بالحكم و لا يستطيع القاضي أن يصل بالتعويض لهدفه في جبر الضرر, إلا إذا قدره بحسب قيمة الضرر في الوقت الذي ينظر فيه الدعوى, و يصدر حكمه فيها.
غير أنه قد لا يتيسر له أن يحدد وقت الحكم مدى التعويض تحديدا كافيا كما هو الحال في حالة جرح قابل للتطور مع الزمن, فيمنح القاضي المضرور تعويضا ملائما للضرر المقدر تاريخ الحكم' مع الاحتفاظ له بحقه في أن يطلب خلال مدة معينة إعادة النظر من جديد في تقدير التعويض(2).فإذا تفاقم الضرر بعد صدور الحكم فللمريض أن يطلب في دعوى جديدة التعويض عما استجد من ضرر لم يكن قد أدخله القاضي في الحسبان عند تقديره للتعويض في حكمه السابق 'و هذا دون القول بمبدأ حجية الشيء المقضي فيه الذي حازه هذا الحكم كون الضرر المطلوب التعويض عنه في هذه الحالة الجديدة يعتبر ضررا مستجدا لم يسبق أن قضي فيه بالتعويض.
و إذا لم يحتفظ القاضي في حكمه السابق للمضرور بحقه هذا' و اكتفى بمنحه تعويضا إجماليا دون أي تحفظ يكون قد أضاع على المريض حق الرجوع أمام القضاء من جديد لإعادة تقدير الضرر اللاحق به.
(1)- د.محمد صبري السعدي – شرح القانون المدني الجزائري – دار الهدى – ط2-2004- ص210
(2)- أنظر في هذا الصدد قرار رقم 34000 مؤرخ في 07/01/1984 قرار المحكمة العليا رقم 50190 بتاريخ 17/06/1987 مشار إليه في أ/عمر بن سعيد-مبادئ الاجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني ص94-95
و إذا كانت زيادة التعويض لتفاقم الضرر واردة و ممكنة, فإن العكس غير جائز-أي تناقص الضرر بصورة لم تكن متوقعة-و لا يجوز في هذه الحالة إعادة النظر في التعويض لإنقاصه إعمالا بمبدأ"حجية الشيء المقضي فيه"(1).
*معيار تقدير التعويض: المبدأ العام في المسؤولية المدنية هو التناسب بين الخطأ و الضرر و في مجال المسؤولية الطبية تكون مهمة التقدير صعبة' لأنه ليس من السهل التعويض عن الآلام التي عانى منها المريض أثناء العلاج أو تقدير التعويض الناتج عن بتر ذراع شاب في مقتبل العمر.
أ-معيار تقدير التعويض في الضرر المادي: على القاضي عند تقديره للتعويض الأخذ بعين الاعتبار حالة كل قضية على حدى حسب ظروفها و ملابساتها من حيث الزمان أو المكان أو الموضوع. و هو ما عبرت عنه المادة 131 ق.م "يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادة 182 مع مراعاة الظروف الملابسة......." و بالرجوع للمادة 182 ق.م في نصها:"و يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة ' و ما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام' أو التأخر بالوفاء به ' و يعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول, غير أنه إذا كان الإلتزام مصدره العقد فلا يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشا أو خطأ جسيما إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد".
إذن فمعيار تقدير التعويض سواء كنا أمام مسؤولية عقدية أم تقصيرية هو ما لحق المدعي (المضرور) من خسارة و ما فاته من كسب' و يلاحظ أن نص المادة 131 ق.م يقضي بأن يأخذ القاضي عند تقديره للتعويض (بالظروف الملابسة) فما المراد بالظروف الملابسة؟ يرى الأستاذ السنهوري أنها الظروف التي تلابس المضرور لا المسئول, و التي تتعلق بحالته الصحية و العائلية و المالية.و الواقع أن مراعاة ظروف المضرور الشخصية متفق عليها فقها و قضاء' فينبغي للقضاء حين يقدر التعويض عن الضرر'أن ينظر للمضرور نظرة شخصية' فيأخذ بعين الاعتبار حالته الصحية, أي مدى تأثير الفعل الضار على حالته الصحية و مدى استعداده لرد الفعل المترتب على إصابته, ومدى تأثير هذه الإصابة عليه' فالأعور إذا أصيب في عينه السليمة 'كان الضرر الذي يصيبه أفدح من الضرر الذي يصيب من له عينان سليمتان'ولا ينبغي للقاضي عند تقدير التعويض النظر لثراء المضرور أو فقره(2).
(1)- بسام محتسب بالله – المسؤولية الطبية و الجزائية بين النظرية و التطبيق – مرجع سابق- ص248-250
(2)- أنظر علي علي سليمان- النظرية العامة للالتزام - مرجع سابق- ص181-182
بل على القاضي النظر لحالة المريض و عمره' و نوع مرضه و إصابته و مدى قابلية المرض للشفاء من عدمه. وتجدر الإشارة إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالمسائل الطبية و جسم الإنسان فمن الصعب تقدير قيمة ضياع عضو من الجسم البشري نتيجة خطأ الطبيب.
ب-معيار تقدير التعويض في الضرر المعنوي: يسعى القاضي هنا للتعويض عنه تعويضا متقاربا مع ما يحقق بعض الترضية للمطالب به' نظرا لصعوبة تقديره ماديا.
و يرى الأستاذ علي علي سليمان أن القول بأن معيار ماحق الدائن من خسارة, و ما فاته من كسب لا يصدق إلا على الضر المادي قول غير سديد' إذ أن هذا المعيار يصلح أيضا لتعويض الضرر المعنوي(1).
ج-معيار تقدير التعويض عن فوات الفرصة: على القاضي هنا تقدير احتمالية الشفاء أو البقاء على قيد الحياة مقابل خطأ الطبيب الحاصل' من ثمة يقضي بالتعويض المناسب و يستعين في ذلك بأهل الخبرة من الأطباء.
2-العوامل المؤثرة في التعويض :
أ-تتابع الأضرار: إن خطأ الطبيب أو إخلاله بالتزامه قد يتسبب في (إصابة محددة) ضرر للمريض, هذا الضرر قد يؤدي لضرر ثان و ثالث......... فمثلا قد يؤدي خطأ الطبيب لإصابة المريض بجرح في أحد أعضائه و لسبب ما يتلوث الجرح' ثم يتطور ذلك فيؤدي لبتر العضو أو وفاة المريض.فالقاعدة العامة هو حصر مسؤولية الطبيب في الأضرار المباشرة فقط' و التي تعتبر نتيجة طبيعية لخطئه أو لعدم قيامه بالتزامه.و تعد كذلك إذا لم يكن من المستطاع تفاديها ببذل جهد معقول . و يكون تقدير التعويض في حدود هذه الإصابة فقط(2) و هذا راجع لأن الطبيب في المسؤولية العقدية لا يسأل إلا عن الأضرار المتوقعة وحدها إلا في حالتي الغش والخطأ الجسيم .
ب-خطأ المريض و الغير: إذا اشترك خطأ المضرور و خطأ المسئول و تساويا في الدرجة' قسم التعويض بينهما مناصفة أما إذا اشترك خطؤهما و لم يستغرق خطأ أحدهما خطأ الآخر' جاز للقاضي إنقاص التعويض بقدر خطأ المضرور أما إذا كان خطأ المضرور أشد جسامة من خطأ المسئول أي استغرقه فللقاضي إعفاء المسئول من كل التعويض. و تنص في ذلك المادة 177 ق.م "يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض أولا يحكم بالتعويض إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه"(3) فإذا ثبت أن المريض مهمل و لم يتخذ مسلك الرجل العادي لحصر الإصابة أو معالجتها و حتى في إتباع تعليمات الطبيب و هذا بعد علمه بها' و ترتب على ذلك حدوث مضاعفات لم يكن ليتعرض لها لولا إهماله 'فإن مسؤولية الطبيب تقف عند حد الإصابة الأصلية وحدها.
(1)- أنظرعلي علي سليمان - النظرية العامة للالتزام – مرجع سابق- ص167
(2)- راجع – هنى سعاد- مذكرة نيل شهادة المدرسة العليا للقضاء – مرجع سابق- ص51 و ما يليها
(3)- أنظرعلي علي سليمان – المرجع نفسه- ص197- 198
و بالمثل لو ثبت أن المضاعفات قد نشأت عن تدخل خاطئ آخر لجأ إليه المريض عقب إصابته الأولى ' فلا يسأل الطبيب الأول إلا عن الإصابة الأولى الأصلية و يبق للمريض مساءلة الطبيب الآخر عن المضاعفات الناتجة عن تدخله(1).
الفرع 2: سلطة القاضي الموضوع في تقدير قيمة التعويض و رقابة المحكمة العليا للجوانب القانونية لهذا التقدير:
إن تقدير قيمة التعويض الناتج عن المسؤولية المدنية للطبيب بصفة عامة'والجراح التجميلي بصفة خاصة يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع شريطة أن يسبب حكمه'و يؤسسه استنادا لمجموع الظروف و الوقائع المحيطة بالقضية'لاسيما ما يستمده من الخبرة الطبية التي غالبا ما يقضى بها قبل الفصل في الموضوع'و هو ما يأخذ به القضاء الجزائري'و من قبيل هذا أن يسبب القاضي حكمه و يؤسسه على التقرير الطبي المحرر من طرف الطبيب'و الذي بين فيه هذا الأخير بوضوح الخطأ الطبي المرتكب من الطبيب محل المساءلة ' فيوضح القاضي أنه بعد دراسته لعناصر الملف الطبي تبين و أن الضحية قد تعرضت لعدة أخطاء طبية من خلال عدة عمليات جراحية أجريت عليها بعد دخولها المستشفى لوضع حمل عادي' غير أن مدة طويلة انقضت بين العملية الثانية و الثالثة لإعادة العملية الجراحية و أصبحت تعاني من عقم دائم' و حرمانها من عطاء الأمومة و للأبد و هي في ريعان شبابها ' و كذا وفاة الصبية مباشرة بعد الولادة(2).
(1)- راجع هنى سعاد- المسؤولية المدنية للطبيب - مذكرة نيل شهادة المدرسية العليا للقضاء – مرجع سابق- ص53
(2)- قرار مجلس الدولة 19/04/1999 قضية القطاع الصحي بأدرار ومن معه ضد زعاف رقية
- المنتفى في قضاء مجلس الدولة- حسين بن الشيخ آث ملوية - دار هومة - جزء 1- طبعة 2002 ص 101-105
- كما جاء في قرار مجلس الدولة في 31/01/2000 قضية مدير القطاع الصحي شي قفارة بمستغانم ضد سليمان فاطمة.
- حيث أن الخبرة الطبية قد أظهرت وجود إبرة في بطن المستأنف عليها
- حيث أن نسيان الإبرة أدى لألام تستحق التعويض
- حيث أن قضاء المجلس لما صادقوا على الخبرة المأمور بها 'و منحوا على أساسها مبلغ 200.000 دج للضحية قد أصابوا في تقدير الوقائع و في تطبيق القانون و التالي ينبغي إذا تأييد القرار المستأنف فيه.
و في الحالة التي يتخذ فيها خطأ الطبيب وصفا جزائيا' فإن الحكم الناطق بالتعويض لا يحتاج إلى تسبيبه بأسباب خاصة كونه يستمد أساسه من الجريمة ذاتها(1).
و لا رقابة على القاضي في تقدير قيمة التعويض من المحكمة العليا' إلا فيما يتعلق ببيان الوسائل المعتمدة منه لتقدير التعويض الممنوح للمريض أو ذويه(2) أي الوسائل و العناصر التي استمد منها قناعته في تحديد مقدار التعويض عن الضرر اللاحق بالمريض. ذلك أنه إذا كان لقاضي الموضوع سلطة في تقدير الضرر' إلا أنه لا يستطيع أن يغفل هذه العناصر التي تعد معايير كفيلة لجبر الضرر'و التي يجب أن تدخل في حساب التعويض فهي إذن من المسائل القانونية التي تقع تحت طائلة رقابة المحكمة العليا'و تدخل في إطار التكييف القانوني للوقائع .و يكون للمحكمة العليا تصحيحه ' فتستبعد من التعويض الذي قضى به قاضي الموضوع ما تر ى أنه قد أدخله في التقديرعلى الأساس الخاطئ(3).
كما أنه إذا كان مؤدى نصوص المواد 131-182 من القانون المدني أن التعويض يخضع في تقديره لسلطة القاضي إلا أن عدم الإشارة من طرف قاضي الموضوع لمراعاته الظروف الملابسة للضحية و قيامه بتحديد الخسارة'يجعل حكمه غير سليم(4).
(1)-قرار الغرفة الجنائية رقم 258194 بتاريخ 24/04/2001 المجلة القضاية -العدد 2 سنة 2001 ص348
(2)-قرار المحكمة العليا رقم 109568 بتاريخ 24/05/1994 المجلة القضائية لسنة1997 عدد21ص13
(3)-بسام محتسب بالله –المسؤولية الطبية المدنية و الجزائية بين النظرية و التطبيق-دار الإيمان دمشق بيروت-ط1-1984 ص254
(4)- ملف رقم 39694 بتاريخ 08/05/1985-المجلة القضائية-عدد 3لسنة 1989 ص34-
أخيرا نقول أن المسئولية عن جراحة التجميل تخضع للقواعد العامة في المسئولية،أي مسئولية الخطأ الواجب الإثبات.(1)و هذا في الجزائر.غير أنه يبدو صوابا ما قرره البعض من أن المخاطر الطبية التي تستحق التعويض عن الأضرار التي تسببها ينبغي أن تضبط في إطار الشروط التالية(2):
الشرط الأول:وجوب توافر عمل طبي ضروري
فمن الأهمية بما كان ضرورة وجود عمل طبي تقتضيه حالة المريض 'على أن يكون فعالا بحيث يرتجى منه تحقيق مصلحة المريض.على أن إرادة المريض ينبغي أن يصدر عنها قبول واضح مستندا إلى تبصيره الواضح الصريح من قبل الطبيب بالمخاطر التي يحتمل أن يتعرض لها بسبب العمل الطبي و كل ما يتعلق به.
الشرط الثاني:احتمالية وقوع الضرر
ينبغي أن يبصر الطبيب مريضه باحتمال وقوع الضرر بسبب المخاطر،و يكون ذلك على صورتين:
الصورة الأولى:و تتعلق بالمخاطر غير الاستثنائية أي الآثار الجانبية التي تبدو طبيعية وفقا للمجرى العادي للأمور.
الصورة الثانية:تعني المخاطر الاستثنائية التي لا تدخل في نطاق التوقع، بل يحتمل وقوع ضرر غير عادي.و من الجدير بالذكر أن معيار الاحتمال لا يحدد نسبة منضبطة بل قد تزيد أو تنقص،و من ثمة فإن الضرر إذا ما وقع فإنه يكون غير متكافئ لما يتوقع حدوثه،و لذلك تتباين الأضرار من حالة إلى أخرى و هذا هو منطق الاحتمال.
الشرط الثالث:نطاق اللاخطأ
فلسنا بصدد مسئولية خطئية،فعدم توافر الخطأ هو قوام المخاطر لأن النطاق هو الاحتمال،من ثمة فدور الخبرة الطبية يبدو جوهريا في نطاق تقدير الأضرار التي تقع،و يتم الفحص هنا بطريقة علمية مجردة.
الشرط الرابع:وقوع الضرر الذي كان محتملا
إن استحقاق التعويض عن المخاطر الطبية يقتضي تحقق الأضرار بعد أن كانت- قبل تنفيذ العمل الطبي- في دائرة الاحتمال ،فالمبدأ إذا في استحقاقه هو وقوع الأضرار و إن لم تكن استثنائية.
و كي لا يكون الضمان هباء منثورا ينبغي إنشاء صناديق لضمان تعويض ما تسفر عنه المخاطر الطبية من أضرار،على سند من حقيقة فكرية هي أن "التحدي بعدم وجود مخاطر في العمل الطبي زعم مدحوض"(3).
_______________________________________________________________________________
(1)-أنظر د.محمد رايس-المسئولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري- مرجع سابق- ص 206
- د.محمد حسين منصور- المسئولية الطبية – مرجع سابق – ص 73
(2)-أنظر د.أسامة أحمد بدر-ضمان مخاطر المنتجات الطبي-مرجع سابق- ص74 و ما يليها
الخاتمة :
مازال القضاء في الجزائر لم يقل كلمته بعد في هذا الموضوع'خاصة و أن الجراحة التجميلية لازالت في أطوارها الأولى' و غير منتشرة انتشارا واسعا و بالكيفية المعروفة في الدول الغربية المتقدمة.و إذا كانت مثل هذه العمليات لا تزال لم تطرح خصومات على المحاكم' فإنه لا مانع من أن يتقيد الأطباء بالالتزامات ذات الطابع الخاص عند إجرائهم للعمليات الجراحية ذات الطابع التجميلي غير العلاجي. و لعل تشدد القضاء في كل ما يتعلق بجراحة التجميل يكون حافزا لدفع الجراحين للتحكم في التقنية الطبية المستعملة'و تقرير ما هو مناسب بعيدا عن المخاطرة' مع بذل الجهد و العناية المطلوبين لذلك.
و يعز علينا استجلاء الصواب و إتباع منطق الأمور'فنقترح حلا لعله يسعف المشرع الجزائري في إتخاذه لموقفه الجديد المرتقب من تعديله لقانون الصحة 'الذي أصبح قانونا لا يساير عصره بعد مرور سنوات و سنوات عليه'و بعد التحولات الكبيرة التي عرفها المجتمع الجزائري. مما يحتم عليه مراجعة موقفه و تبني مواقف أخرى لم يضعها في الحسبان عند وضعه لقانون الصحة الحالي.
و منها مسؤولية الأطباء و التأسيس القانوني لها بصفة عامة ' و مسؤولية الطبيب في مجال جراحة التجميل بصفة خاصة. و كذلك التأمين من كل المخاطر التجميلية ' دون مضايقة الطبيب المنتسب لهذا التأمين بالبحث في أخطائه' بل الاكتفاء بإثبات وجود الضرر و كون هذا الضرر على علاقة بالنشاط الطبي ' و تتكفل هيئة التأمين من المخاطر في جراحة التجميل بتعويض ضحايا حوادث جراحة التجميل الناجمة عن فعل المنقولات 'من معدات و آلات وأجهزة و أدوات طبية مستعملة في مجال هذه الجراحة.
كما بإمكانه انتهاج المشرع الفرنسي بأن يجعل أساس التعويض هو التضامن الاجتماعي في غياب أي خطأ' فمن جهة نجد أنه من الطبيعي و المنطقي عدم ترك الضحية يتحمل وحده ثقل سوء حظه'و من جهة أخرى يكون من غير المنصف إعمال مسؤولية الطبيب في حين أنه لم يرتكب أي خطأ يذكر. مع العلم أن الاجتهاد القضائي الفرنسي قد قبل تطبيق مسؤولية الطبيب دون خطأ' و كان هدفه من وراء ذلك هو عدم ترك الضحايا دون تعويض.
و بهذا و فقط' نتمكن من تفادي هته المخاطر التي أصبحت لصيقة بجراحة التجميل و برجال هذه المهنة' و نضمن حماية أكبر للفئة الضعيفة المقبلة على هذا النوع من الجراحة' و نقلل من الدعاوى المرفوعة ضد الأطباء أمام القضاء .
تم بحمد الله و عونه
المراجع:
1-المؤلفات:
أ-باللغة العربية:
المؤلفات العامة
- عبد الرزاق أحمد السنهوري-الوسيط في شرح القانون المدني الجديد مصادر الالتزام-(1) المجلد الثاني –منشورات الحلبي الحقوقية 2005 .
-علي علي سليمان –النظرية العامة للالتزام –مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري-ديوان المطبوعات الجامعية.
-علي فيلالي-الالتزامات- العمل المستحق للتعويض-المؤسسة الوطنية لفنون الطبع- الجزائر-202
-عبد الرزاق بن خروف-التأمينات الخاصة في التشريع الجزائري-الجزء الأول-التأمينات البرية- 1998
دون دار نشر
-مختار محمود الهانسي-مقدمة في مبادئ التامين-الدار الجامعية-1990
-عبد المنعم البدراوي-العقود المسماة-الإيجار والتأمين-الأحكام العامة-بدون دار نشر
-جمال الدين زكي-مشكلات المسؤولية المدنية-جزء 1 -مطبعة جامعة القاهرة-مصر-1978
-عمر بن سعيد –مبادئ الاجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني-دار الهدى-عين مليلة –طبعة 2004
-أحمد باشا عمر –مبادئ الاجتهاد في قانون الإجراءات المدنية –دار هومة-طبعة 2002
-محمد صبري السعدي-شرح القانون المدني الجزائري-جزء2-دار الهدى-طبعة 2-2004
-حسين بن الشيخ أث ملوية-المنتفى في قضاء مجلس الدولة-دار هومة-جزء 1-طبعة 2002
-سعيد سعد عبد السلام-الالتزام بالإفصاح في العقود-طبعة1-دار النهضة العربية 2000
-رشيد خلوفي-قانون المسئولية الإدارية-ديوان المطبوعات الجامعية-طبعة 1994
المؤلفات الخاصة
-عبد الحميد الشواربي –مسئولية الأطباء و الصيادلة و المستشفيات المدنية و الجزائية و الأدبية-منشاة المعارف-الإسكندرية-مصر 2000
-بسام محتسب بالله –المسئولية الطبية المدنية و الجزائية بين النظرية و التطبيق-دار الإيمان-دمشق-بيروت-طبعة1-1984
-طلال عجاج-المسئولية المدنية للطبيب-دراسة مقارنة-المؤسسة الحديثة للكتاب-طرابلس-لبنان-طبعة 2004
-محمد حسين منصور-المسئولية الطبية-دار الجامعة الجديدة للنشر-الإسكندرية-مصر-طبعة 1998
-رمضان جمال كامل-مسئولية الأطباء و الجراحين المدنية-طبعة1-2005-المركز القومي للإصدارات القانونية
-ثروت عبد الحميد-تعويض الحوادث الطبية-2007-دار الجامعة الجديدة للنشر
-عبد السلام التنوجي-المسئولية المدنية للطبيب في الشريعة الإسلامية و في القانون السوري و المصري و الفرنسي-دار المعارف-لبنان-1967
-أحمد محمود سعد-مسئولية المستشفى الخاص عن أخطاء الطبيب و مساعديه-طبعة2-2007-دار النهضة العربية
-أسامة أحمد بدر-ضمان مخاطر المنتجات الطبية-دار الكتب القانونية-2008
-مأمون عبد الكريم-رضا المريض عن الأعمال الطبية-دار المطبوعات الجامعية-2006
-محمد السعيد رشدي-الجوانب القانونية و الشرعية لجراحة التجميل-بدون دار نشر-1987
-محمد رايس-المسئولية المدنية للأطباء في ضوء القانون الجزائري-دار هومة-2007
ب- باللغة الفرنسية:
-Jean penneau-la responsabilité du médecin -3éme édition 2004.
-Savatier –traité de la responsabilité civile –tome 2-ets-N 775.
-Jean penneau –faute civile et pénale en matière de responsabilité-paris-sirey-1975.
-Daniel Rouget –responsabilité médical de la chirurgie esthétique –louis arbous –édition arrette.
-MM Hannous et A, R Hakem –précis de droit médical à l'usage des praticiens de la médecine et du droit-office des publications universitaires –réimpression 1992.
الرسائل:-2
أ- باللغة العربية:
-قاسي عبد الله زيدومة-المسئولية الجنائية للأطباء و الصيادلة-رسالة ماجستير-جامعة الجزائر-1979
-جربوعة منيرة-الخطأ الطبي بين الجراحة العامة و الجراحة التجميلية-رسالة ماجستير-جامعة الجزائر-2007
-محمد عبد القادر العبودي-المسئولية المدنية لطبيب التخذير–رسالة دكتوراه –كلية الحقوق-جامعة عين شمس-القاهرة-مصر-1992
-عبد الراضي محمد هاشم عبد الله-المسئولية المدنية للأطباء في الفقه الإسلامي و القانون الوضعي –رسالة دكتوراه-كلية الحقوق-جامعة القاهرة-مصر-1994
-هني سعاد-مذكرة التخرج لنيل شهادة المدرسة العليا للقضاء-دفعة14-سنة 2003-2006
-ب- باللغة الفرنسية:
-Sabrina Azzano –faute médicale alea thérapeutique –DEA en droit privé toulouse 1995.
-Dr ben chaabane Hnifa -thése de doctorat 1986 d'alea dans les droits des contrats –office national de publications.
- 3المقالات و الدروس؛
أ-باللغة العربية
-شهيدة قادة-التزام الطبيب بإعلام المريض-المضمون و الحدود و جزاء الإخلال- موسوعة الفكر القانوني-مجلة الموسوعة القضائية الجزائرية-الجزء الأول.
-قمراوي عز الدين- مفهوم التعويض الناتج عن حالات المسئولية الطبية في الجزائر- موسوعة الفكر القانوني –دار الحلال للخدمات الإعلامية –الجزء الأول .
-محاضرات الأستاذة لحلو غنيمة –ملقاة على طلبة المدرسة العليا للقضاء- دفعة 17-سنة 2006
-محاضرات الدكتورة بن شعبان حنيفة ملقاة على طلبة الماجستير-فرع المسئولية و العقود-جامعة بن عكنون-الجزائر.
-محمد رايس - المسئولية المدنية للأطباء في عمليات جراحة التجميل-مجلة المحامي-السنة الثالثة-العدد 1-نوفمبر 2005
-بودالي محمد- المسئولية الطبية بين الاجتهاد القضائي و القضاء العادي-المجلة القضائية –العدد1-2004
ب-باللغة الفرنسية
-Fabienne Quillére- Mjzoub- la responsabilité du service public hospitalier
محاضرة واردة بالمجموعة المتخصصة في المسئولية القانونية للمهنيين –منشورات الحلبي الحقوقية-لبنان-الجزء الأول-2004.
4المجلات و الدوريات:-
-باللغة العربية:
-مجلة المحامي الصادرة عن منظمة المحامين سيدي بلعباس–السنة الثالثة-عدد4-نوفمبر 2005 رمضان 1426
-باللغة الفرنسية:
-Groutel (H)-le risque médical –évolution de la jurisprudence récent en droit commun et en droit administratif –revue médecine et droit –n°=4 janvier /février 194-1
5المجلات القضائية:-
-المجلة القضائية الصادرة عن المحكمة العليا عدد1-2004
-المجلة القضائية عدد3-1990
-6المواقع الإلكترونية:
-http://www. net clinic. iraqgreen. net
-http://www .droit médical .net /
-http://www. sante u.j.f grenoble . fr/
-7المقالات الصحفية:
- مقال تحت عنوان "تحقيقات حول عمليات تجميلية مسببة للسرطان"-جريدة الشروق-عدد 2447-بتاريخ 04/11/2008.
- مقال تحت عنوان "الأخطاء الطبية و القانون "جريدة الجزائر- عدد 407-بتاريخ 28/07/1993.
-8النصوص القانونية:
-الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26/09/1975 المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم بالقانون رقم 05/10 المؤرخ في 20/06/2005 .
-القانون رقم 85/05 المؤرخ في 16/02/1985 المتعلق بحماية الصحة المعدل و المتمم بالقانون رقم 98/09
-المرسوم التنفيذي رقم 92-276 المؤرخ في 06/07/1992 المتضمن مدونة أخلاقيات الطب –جريدة رسمية عدد 52 لسنة 1992.
الفهرس:
المقدمة:..................................................................................................... ص1
الفصل الأول: الخطر الطبي و الإلتزامات الخاصة للجراح التجميلي............................. ص5
المبحث الأول: فكرة الخطر في جراحة التجميل ..................................................................... .ص6
المطلب الأول : مفهوم الخطر الطبي...................................................................................... ص7
الفرع الأول: الخطر كفكرة خاصة بالتأمين...............................................................................ص7
الفرع الثاني: الخطر كأساس للمسئولية المدنية..........................................................................ص9
المطلب الثاني: تمييز الخطر الطبي عن المفاهيم المجاورة له..................................................... ص12
الفرع الأول: إستبعاد ما لا يدخل في نطاق الخطرالطبي .......................................................... ص12
الفرع الثاني: تمييز الخطر الطبي عما يشبهه من مصطلحات.....................................................ص14
المبحث الثاني: الإلتزامات الخاصة للجراح التجميلي و طبيعتها ................................................ ص 16 المطلب الأول: الإلتزامات الخاصة للجراح التجميلي................................................................ص16
الفرع الأول: إلتزام الجراح التجميلي بالتبصير .......................................................................ص16
الفرع الثاني: إلتزام الجراح التجميلي بالحيطة و الحذر.............................................................ص 20
المطلب الثاني: طبيعة إلتزام الجراح التجميلي........................................................................ص22
الفرع الأول : إلتزام الجراح التجميلي بتحقيق نتيجة .................................................................ص22
الفرع الثاني: إلتزام الجراح التجميلي ببذل عناية....................................................................ص 23
الفرع الثالث: إلتزام الجراح التجميلي ببذل عناية مؤكدة و كبيرة...................................................ص24
-إلتزام الجراح التجميلي بالسلامة................................................................................ص26
الفصل الثاني: أساس المسئولية المدنية في جراحة التجميل و دور القاضي في تقدير قيام أركانها و تقدير التعويض........................ص29
المبحث الأول : أساس مسئولية الطبيب في الجراحة التجميلية......................................................ص30
المطلب الأول: الخطأ الطبي ............................................................................................ص30
الفرع الأول : معيار الخطأ الطبي.......................................................................................ص31
الفرع الثاني: نوع الخطأ و مقدار جسامته............................................................................ص31
الفرع الثالث: الخطأ الفردي و خطأ الفريق الطبي....................................................................ص32
المطلب الثاني: الصور الخاصة للخطأ الطبي في جراحة التجميل.................................................ص34
الفرع الأول: الإهمال و عدم الحذر.....................................................................................ص34
الفرع الثاني: عدم التحكم في التقنية....................................................................................ص35
الفرع الثالث : عدم تناسب المخاطر مع الغرض التجميلي..........................................................ص37
المبحث الثاني: سلطة القاضي في تقدير قيام أركان المسئولية المدنية لطبيب التجميل و تقدير التعويض...ص39
المطلب الأول: سلطة القاضي في تقدير قيام أركان المسئولية المدنية لطبيب التجميل.........................ص39
الفرع الأول: تقدير قيام الخطأ الطبي...................................................................................ص40
الفرع الثاني: تقدير قيام ركن الضرر .................................................................................ص42
الفرع الثالث : تقدير قيام ركن العلاقة السببية .....................................................................ص43
المطلب الثاني: سلطة القاضي في تقدير التعويض ...................................................................ص46
الفرع الأول : تقدير التعويض و العوامل المؤثرة فيه.................................................................ص46
الفرع الثاني:سلطة القاضي في تقديرقيمة التعويض ورقابة المحكمة العليا للجوانب القانونية لهذا التقدير..ص49
الخاتمة:.....................................................................................................ص51