الـمقدمـــة
يحتل عقد البيع مكانة جد حساسة في أوساط المجتمع، كون مجمل المعاملات التي يقوم بها الأفراد داخل المجتمع تتمحور في غالبيتها حول البيع. وعلى هذا الأساس تدخل المشرع الجزائري على غرار التشريعات المقارنة، ورجال الفقه لتسمية العقود الواردة على هذا الأخير، فمنها: بيع ملك الغير، بيع المشاع، بيع المريض مرض الموت، بيع التركة، بيع الجزاف، وبيع الحقوق المتنازع فيها و... ويعتبر النوع الأخير من هذه البيوع النوع الأكثر شيوعا وفي نفس الوقت الأكثر جهلا من طرف المتقاضين الأمر الذي أثبتته غياب القرارات المنشورة الصادرة عن المحكمة العليا( )، وبتصفح كل المجلات القضائية الصادرة عن المحكمة العليا من سنة 1989 إلى حد الساعة لم يسعفنا الحظ لنجد أي قرار يتناول مسألة بيع الحقوق المتنازع فيها.
ومن خلال تصفح بعض الأحكام والقرارات الصادرة من المجالس القضائية تبين أنه في العديد منها هي في الأصل بيع حق متنازع فيه إلا أن غياب المعرفة بأحكام بيع الحق المتنازع فيه وآثاره أدى بمعظم بل جل المتقاضين للتمسك تارة ببيع ملك الغير وتارة أخرى بيع المشاع. والملاحظ أن لجوء المشتري لشراء حق متنازع عليه يجهل مصيره لا يكون إلا من شخص يحترف مثل هذه المعاملات الخسيسة فيستغل حينها جهل البائع في أيلولة الحق المتنازع فيه من عدمها، الأمر الذي يجعل المشتري يحصل على الشيء المبيع بأقل ثمن.
الأمر الذي دفعنا لدراسة موضوع بيع الحقوق المتنازع فيها بنوع من التفصيل، لفك اللبس الذي قد يعتري هذا الموضوع ولاسيما أنه يتداخل مع بعض البيوع الأخرى إلى حد بعيد.
وعليه لإزالة هذا الغموض اقتضى الأمر لضبط وتحديد ماهية بيع الحقوق المتنازع فيها في بادئ الأمر ثم الآثار المترتبة على هذا النوع من البيوع. الأمر الذي سنعالجه بنوع من الاسترسال في دراستنا لموضوع بيع الحقوق المتنازع فيها في ظل التشريع الجزائري والتشريعات المقارنة لاسيما، التشريع اللاتيني والتشريعات العربية.
الفصل الأول: ماهية بيع الحقوق المتنازع فيها
سنحاول من خل هذا الفصل، توضيح ماهية بيع الحقوق المتنازع فيها، لفك الغموض واللبس الذي يكتنف الموضوع، وهذا لن يتسنى إلا من خلال تعريف وتمييز هذا الأخير عن باقي أنواع البيوع الخاصة الأخرى التي قد تتداخل معه، وعليه سنتطرق لهذا في المبحث الأول، ثم نعالج موقف القانون من التعامل في هذا النوع من الحقوق والجزاء المقرر لذلك في مبحث ثاني.
المبحث الأول: مفهوم بيع الحقوق المتنازع فيها
في هذا المبحث سنعالج بنوع من التفصيل مفهوم بيع الحقوق المتنازع فيها وذلك من خلال تعريفه وتحديد شروطه فضلا عن مسألة تكييفه في مطلب أول، ثم مكانة بيع الحقوق المتنازع فيها عن بعض البيوع الأخرى التي قد تتداخل معه في مطلب ثاني، وهذا ماسيؤدي بنا لا محالة للتطرق إلى بعض المبادئ العامة التي تحكم عقد البيع.
المطلب الأول: تعريف بيع الحقوق المتنازع فيها
من خلال هذا المطلب سنتناول تعريف بيع الحقوق المتنازع فيها، الأمر الذي يجعلنا لا مناصة أن نتطرق إلى نقطتين أساسيين وهما:- تعريف عقد البيع- تعريف الحق المتنازع فيه.
الفرع الأول: تعريف عقد البيع
لقد عرف المشرع الجزائري على غرار باقي التشريعات الوضعية بنص المادة 351 قانون مدني جزائري بقولها " البيع عقد يلزم بمقتضاه، البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا ماليا آخر مقابل ثمن نقدي" إلا أن هذا التعريف لم يفلت من سهام النقد ولعل أهم ما يمكن قوله أنه جعل نقل الملكية مجرد التزام على عاتق البائع، في حين أنها حكم أصلي في عقد البيع. كما اعتبر أنه تعريفا بالاستثناء لا بالأصل كون أن البيع كأصل عام يؤدي إلي نقل الملكية والاستثناء أنه ينشئ التزاما في ذمة البائع .
وقد عرفته المادة 418 من القانون المدني المصري بقولها "البيع عقد يلتزم به البائع، أن ينقل للمشتري ملكية شيء، أو حقا ماليا آخر في مقابل ثمن نقدي" وأما فيما يخص القوانين اللاتينية ولاسيما القانون المدني الفرنسي في نص المادة 1582 عرفته على النحو التالي: "البيع اتفاق يلتزم به أحد الطرفين ، بتسليم شيء ويلتزم الطرف الآخر بدفع ثمنه " والملاحظ على هذا التعريف أنه قد سها بالتطرق لأهم شيء في عقد البيع ألا وهو نقل الملكية مكتفيا بالتسليم. كما عرفه القانون المدني الألماني في المادة 434 بأنه " عقد يلتزم فيه البائع، بتسليم شيء للمشتري، ونقل ملكيته إليه مقابل ذلك يلتزم المشتري بدفع الثمن المتفق عليه واستلام الشيء المبيع".
وعلى غرار كل القوانين والنظم، عرفت الشريعة الإسلامية عقد البيع بأنه " تمليك البائع شيئا للمشتري بمال يكون ثمنا للمبيع" .
كما عرفته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 22/12/1993 في الملف المسجل تحت رقم 1006776 "من المقرر قانونا، أن البيع عقد يلتزم بمقتضاه البائع بأن ينقل للمشتري ملكية شيء في مقابل ثمن نقدي" ) (.
ويتضح من خلال التعريفات أن عقد البيع لا ينعقد إلا مشتملا بأركانه الأساسية من تراضي، محل، سبب وبالإضافة إلى الشكلية في بعض العقود والتي تعتبر كقيد لمبدأ سلطان الإرادة. ولعل ركن المحل من أهم الأركان التي لها علاقة وطيدة بموضوع البحث الذي استقيناه لدراستنا، كون المحل في بيع الحقوق المتنازع فيها هو جسم النزاع وهذا ما طرح عدة إشكالات سنحاول التطرق إليها من خلال بحثنا هذا.
الفرع الثاني: تعريف الحق المتنازع فيه
حتى نتمكن من إعطاء تعريف للحق المتنازع فيه وبصفة واضحة سنحاول من خلال هذا الفرع أن نتطرق إلى تعريفه وفقا للقانون المدني الجزائري والقوانين المقارنة مبرزين في ذلك شروطه ومميزاته ومسألة تكييفه.
أولا: تعريف الحق المتنازع فيه وفقا للقانون المدني الجزائري والقوانين المقارنة.
تنص الفقرة الثانية من المادة 400 من القانون المدني الجزائري " يعتبر الحق متنازعـا فيه، إذا رفعت من أجله دعوى أو كان محل نزاع جوهري".
يستشف من هذه المادة أنها تطرقت للأثر المترتب عن التعامل في الحق المتنازع فيه قبل تعريفه. وجاءت صياغة المـادة بالشكل التـالي: "إذا تنـازل شخص عن حق متنـازع فيـه، فللمتنازل ضده أن يتخلص من هذا الشخص برد ثمن البيع الحقيقي له والمصاريف الواجبة" ثم تأتي الفقرة الثانية السالفة الذكر لتعرف الحق المتنازع فيه، كما سقطت كلمة " موضوعه" من النص العربي كون النص الفرنسي جاء على النحو التالي "le droit est considéré comme litigieux s'il y a procès ou contestation sérieuse sur son fond".
وقد عرفه التقنين المدني المصري في المادة 469 وجاءت على النحو التالي:" ويعتبر الحق متنازعا فيه، إذا كان موضوعه قد رفعت به دعوى أو قام في شأنه نزاع جدي " ) (
أما المادة 281 من قانون الموجبات والعقود اللبناني فإنها عرفت الحق المنازع فيه على أنه "كل حق يحصل فيه خلاف بين ذوي الشأن يقضى إلى التقاضي ولو لم ترفع به دعوى".
أما بخصوص التشريعات اللاتينية لا سيما التشريع الفرنسي عرف الحق المنازع فيه في المادة 1700 من القانون المدني والتي نصت " يعتبر الشيء متنازعا فيه إذا رفعت من أجله دعوى أو ثار حول موضوع الحق نزاع جدي"
« La chose est censée litigieuse dés qu'il y a procès et contestation sur le fond du droit »( )
و الملاحظ عل هذه التعريفات و رغم اختلافها من حيث الصياغة إلا إنها تجتمع على أمر واحد و هو أن الحق يكون متنازعا فيه في حالتين دون سواهما.
الحالة الأولى: حالة رفع دعوى أمام القضاء
و في هذه الحالة يشترط أن يكون موضوع النزاع المرفوع بشأنه دعوى أمام القضاء قد انصبت على أصل الحق، لأنه يحدث أن ترفع دعوى و لكن النزاع لا يمس موضوع الحق نفسه بل يتناول مسائل شكلية في الإجراءات، كعدم صحة التكليف بالحضور، عدم توافر الصفة أو الاختصاص فهذه المسائل لا يعتبر معها الحق متنازعا فيه كونها غير متعلقة بأصله) (. ولكن يجب أن يكون النزاع متعلقا بوجوده أو بطريقة التخلص منه كالوفاء أو انقضائه بالتقادم( ) كأن يرفع المدعي دعوى يتخذ فيها موقف الإنكار للحق.
ويبقى النزاع قائما حول موضوع هذا الحق طالما انه لم يبث في الدعوى بحكم نهائي، فيضل الحق متنازعا فيه إذا صدر في الدعوى حكم ابتدائي و كان الطعن فيه جائزا بطرق الطعن العادية - المعارضة أو الاستئناف- ) (. و منه فإن صفة النزاع تسقط عن الحق بعد استنفاذ هذه الطرق حتى و لو كان الحكم قابلا للطعن فيه بطرق الطعن غير العادية - الطعن بالنقض، التماس إعادة النظر، اعتراض غير الخارج عن الخصومة- لكن إذا تم الطعن فيه بالنقض فعلا و ألغي قرار المجلس و أحيل الأطراف على نفس المجلس أو مجلس آخر سواء بنفس التشكيلة أو تشكيلة جديدة رجعت له صفة الحق المتنازع فيه.
الحالة الثانية: حالة وجود نزاع جدي حول موضوع الحق
قد لا ترفع دعوى بالحق المتنازع فيه، و لكن قد يكون النزاع حول موضوعه و هذا كافي لاعتباره حقا متنازعا فيه، و قد اشترطت أغلب التشريعات أن يكون النزاع جديا حتى ولو لم ترفع بشأن هذا الأخير دعوى أمام ساحة القضاء. و قد ذهب اتجاه من الفقه إلى حد الاعتبار أن الحق لا يكون متنازعا فيه إذا لم يكن في موضوعه نزاع جدي حتى و لو رفعت به بعد ذلك دعوى لم تكن منتظرة و اعتبروا أن صعوبة التنفيذ بالحق لا تجعله متنازعا عليه إلا إذا كان هذا النزاع من شأنه أن يجعل الحق غير مستطاع التنفيذ) ( و لكن ليس مجرد احتمال رفع دعوى في المستقبل بشأن الحق أو احتمال وقوع النزاع و إنما يجب أن يكون النزاع جديا وقت التنازل عن الحق وهذا ما استقر عليه الفقه كون مختلف التشريعات جاءت غامضة و لم تحدد هذه المسألة بصفة واضحة. ومثال ذلك كما لو اغتصب شخص أرض غيره، و قدم صاحب الأرض شكوى أمام الجهات الإدارية و عليه يمكن القول أن النزاع يكون جديا كلما كانت هناك حاجة إلى رفع دعوى لإثبات الحق.
ثانيا: مميزات الحق المتنازع فيه
يتميز الحق المتنازع فيه بميزتين أساسيتين( ) لاسيما من حيث الأثر و النطاق، و نظرا لكون الحديث عن هذه المميزات سنتطرق إليه لاحقا و بنوع من التفصيل و عليه نكتفي بالإشارة إلى هاتين الميزتين كما يلي:
أ/ أن بيع الحقوق المتنازع فيها محظور على فئة معينة من الأشخاص وردت على سبيل الحصر.
ب/ أن المدين – المتنازل ضده – يجوز له استرداد الحق المتنازع فيه من يد المتنازل له إذا وقع التصرف بمقابل.
ثالثا: مسألة تكييف الحق المتنازع فيه.
إن مسألة تكييف الحق المتنازع فيه تعتبر من أهم المسائل القانونية المطروحة بحدة و التي أسال فيها الفقهاء كثيرا من الحبر، سيما ما يتعلق بالجهة المخول لها قانونا تكييفه من عدمه بالإضافة إلى المستوى الذي تثار فيه هذه المسألة.
فقد ذهب الكثير من الفقهاء و منهم الدكتور: عبد الرزاق أحمد السنهوري، أنور طلبة و خليل أحمد حسن قدادة إلى اعتبار مسألة تكييف الحق إن كان متنازعا فيه أم لا هي مسألـة قانونية لا واقعية) ( و منه فإن قاضي الموضوع يخضع لرقابة المحكمة العليا لأنه يفصل في كل الوقائع التي طرحت عليه تؤدي إلى اعتبار الحق متنازعا فيه أم لا، لذا فهو يبحث عن الأركان، و التي بتوافرها كما سبق الإشارة إليه يعتبر معها الحق متنازعا فيه و بالإضافة إلى رفع دعوى أو وجود نزاع جوهري حول موضوع الحق أضاف الفقه العلم لدى المشتري وقت شراء الحق المتنازع فيه) (.
ومن المبادئ التي قررتها محكمة النقض المصرية بخصوص مسألة تكييف الحق المتنازع فيه" هو أن شراء المدين من غير ضمان بأقل من قيمته لا يعتبر الدين متنازعا فيه" قرار بتاريخ 07/04/1938) (.
كما صدر قرار آخر صدر عن محكمة النقض المصرية و التي اعتبرت فيه أن النزاع يقوم في موضوع الحق إذا تعلق بوجوده، انقضاءه أو مقداره حتى و لو تقدم بدفع موضوعي يرمي إلى رفضه نهائيا كالدفع بالتقادم، قرار بتاريخ 07/05/1946) (.
أما بخصوص إثارة الدفع المتعلق بشراء الحق المتنازع فيه يجب إثارته أمام محكمة الموضوع و لا يمكن إثارته لأول مرة في محكمة النقض ) (.
بالرغم من أننا حاولنا من خلال المطلب الأول إعطاء مفهوما لبيع الحقوق المتنازع فيها من خلال تعريفه و تحديد شروطه و كذا مسألة تكييفه إلا أن الأمر يبقى يكتنفه نوع من اللـبس والغموض كون هذا النوع من البيوع غالبا ما يختلط مع غيره من أنواع البيوع الأخرى ولاسيما بيع ملك الغير و بيع المشاع و هذا ما أثبتته الممارسات القضائية، الأمر الذي حتم علينا معرفة مكانة بيع الحقوق المتنازع عليها عن بعض البيوع الأخرى، هذا ما سنتطرق إليه في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: مكانة بيع الحق المتنازع عليه عن بعض البيوع الأخرى
بعد أن خلصنا في الطلب الأول من ضبط مفهوم البيع الحق المتنازع فيه، فالأجدر بنا أن نميز بيع الحق المتنازع عليه على بعض البيوع الأخرى التي قد تتدخل و تتشابه معه في الكثير من الأحيان و نذكر منها خاصة بيع ملك الغير و بيع المشاع التي قد تشبه بيع الحقوق المتنازع فيها تارة في أحكامه و تارة أخرى في آثاره الأمر الذي جعلنا ندرس مكانة بيع الحقوق المتنازع عليها عن بعض البيوع الأخرى لإضفاء نوع من الشمولية لضبط ماهية بيع الحق المتنازع عليه. و عليه سنتطرق في الفرع الأول إلى التمييز بين بيع الحق المتنازع فيه عن بيع ملك الغير و في الفرع الثاني إلى تمييزه عن بيع المشاع.
الفرع الأول: التمييز بين بيع الحق المتنازع عليه عن بيع ملك الغير
سبق و أن وضحنا في المطلب الأول أننا لا نكون بصدد بيع الحقوق المتنازع فيها ما لم نكن بصدد حق محل نزاع مطروح أمام ساحة القضاء أو كنا في مواجهة نزاع جدي و في هذه الحالة و الحالة فقط نكون بصدد بيع حق متنازع عليه طبقا لنص المادة 400 من القانون المدني الجزائري، بيد أن لو رجعنا لنص المواد 397-398-399 من القانون المدني الجزائري و التي يقابلها نص المواد 467-468-469 من القانون المدني المصري) ( و التي تنص المادة 397 من القانون المدني الجزائري "إذا باع شخص شيئا معينا بالذات و هو لا يملكه فللمشتري الحق في طلب إبطال البيع و يكون الأمر كذلك و لو وقع البيع على عقار أعلن أم يعلن بيعه.
و في كل الأحوال لا يكون هذا البيع ناجزا في حق مالك الشيء المبيع و لو أجازه المشتري" لا نكون بصدد بيع ملك الغير إذا قمنا ببيع شيء مملوك للغير و معين بالذات و كنا نقصد نقل الملكية في الحال في هذه الحالة و الحالة فقط نكون بصدد بيع ملك الغير) ( و على هذا الأساس من خلال تعريف بيع ملك الغير و من خلال استقراء نص المادة 397 من القانون المدني الجزائري يمكن استنباط شروط بيع ملك الغير و هي :
1- أن يكون المبيع معينا بالذات: فلا نقصد نقل الملكية في الحال ما لم يكن المبيع معينا بالذات و عليه يخرج من باب بيع ملك الغير إذا كان المبيع معينا بالنوع لأنه لا يجوز نقل الملكية في الحين ما لم يتم فرزه.
2- أن يكون المبيع مملوكا لشخص غير البائع و المشتري:لأنه إذا كان المبيع مملوكا للبائع كان البيع صحيحا) ( و من آثار بيع ملك الغير بالدرجة الأولى هو الإبطال و ليس البطلان طبقا لنص المادة 397 من القانون المدني الجزائري و يكون طلب الإبطال مقررا فقط لصالح المشتري بنص القانون أما البائع فليس له الحق في ذلك و لو كان حسن النية و لا يسقط حقه في طلب الإبطال إلا في حالة التقادم أو الإجازة الصادرة منه أو إقرار المالك الحقيقي أو تملك البائع للمبيع بعد البيع بصريح المادة 398 من القانون المدني الجزائري) ( .
و عليه من خلال هذه الإشارة الموجزة لبيع ملك الغير و أحكامه قد يتبادر إلى أذهاننا أن بيع ملك الغير و بيع الحق المتنازع فيه هما على حد سواء. و من خلال المثال الموالي يتضح معالم التشابه و الاختلاف.
مثال:
)أ( باع سيارة إلى )ب( و استلم منه الثمن دون أن يسلم السيارة لهذا الأخير ثم باع نفس السيارة إلى )ج( و سلمه إياها مقابل دفع الثمن. نحن هنا بصدد بيع ملك الغير لأن السيارة منقول معين بالذات تنتقل الملكية للمشتري بمجرد العقد. و عليه عملية بيع السيارة من )أ( إلى )ج( هي بيع ملك الغير، كما أنه قد يخيل لنا أن )ب( قد ينازع )أ( على عدم تسليمه السيارة بالرغم من أنها أصبحت ملكا له بمجرد انعقاد العقد مما يخوله أحقية استعمال نص المادة 400 من القانون المدني الجزائري أمام ساحة القضاء لممارسة رخصة الاسترداد في مواجهة (ج) لاسترداد السيارة التي هي ملك له. و لكن لو نظرنا إلى هنا المثال بتمعن و من خـلال مراجعة شروط الحق المتنازع عليه و بيع ملك الغير يتضح أننا بصدد بيع ملك الغيــر و ليس حق متنازع عليه لأن في بيع الحق المتنازع عليه لا تكون ملكية الشيء المبيع مفصول فيها بل هي نفسها محل نزاع إما قضائي أو جدي و لكن في بيع ملك الغير تكون الملكية ثابتة لأحد الخصوم هذا من جهة، و من جهة أخرى فإن أثر بيع ملك الغير هو البطلان النسبي إلا أنه في بيع الحقوق المتنازع عليها هو ممارسة رخصة الاسترداد التي سنوضحها بنوع من التفصيل في الفصل الثاني و عليه فإن الفرق الجوهري بين بيع الحقوق المتنازع عليها و بيع ملك الغير هو أنه في الأول نكون بصدد نزاع أمام ساحة القضاء أو خارجها باشتراط الجدية مع العلم أن ملكية المبيع تكون في مغبة من أمرها فهي غير مفصول فيها إلى من تؤول من أطراف الخصومة، في حين أنه نكون بصدد بيع ملك الغير لما نكون في مواجهة بيع شيء مملوك للغير و كان البائع يقصد نقل الملكية في الحال.
الفرع الثاني: تمييز بيع الحق المتنازع فيه عن بيع المشاع
نص المشرع الجزائري على بيع المشاع في المادة 713 من القانون المدني الجزائري والتي يقابلها نص المادة 825 من القانون المدني المصري و التي تنص على : "إذا ملك اثنان أو أكثر شيئا و كانت حصة كل منهم فيه غير مفرزة فهم شركاء على الشيوع، و تعتبر الحصص متساوية إذا لم يقم دليل على غير ذلك" فالملكية الشائعة هي وسط بين الملكية المفرزة و الملكية المشتركة، إذ أن الحصة التي يملكها الشريك في الشيوع شائعة في كل المال و ليست في جزء منه. و هذا ما يميز الملكية الشائعة عن الملكية المفرزة. و الشيء المملوك على الشيوع لا يملكه الشركاء مجتمعين بل يملك كل شريك حصة فيه و هذا ما يميز الملكية الشائعة على الملكية المشتركة) (. و قد نصت المادة 714 فقرة أولى من القانون المدني الجزائري بأحقية الشريك بالتصرف في حصته الشائعة كما يشاء بشرط عدم الإضرار بباقي الشركاء. أما إذا باع كل المال المشاع كان البيع صحيحا في حصته و قابلا للإبطال على باقي حصص شركائه طبقا لنص المادة 397 من القانون المدني الجزائري، أما إذا باع الشريك حصة مفرزة من المال المشاع فإن المادة 714 الفقرة 02 من القانون المدني الجزائري و التي يقابلها نص المادة 826 فقرة 02 من القانون المدني المصري أنه إذا لم يؤول هذا القسم المفرز إلي البائع فهنا جاز للمشتري حق طلب الإبطال، إذا كان يجهل أن المتصرف لا يملك العين المتصرف فيها – غير مفرزة – و يكون لشركائه حق طلبي الاسترداد إذا باع الشريك حصة مفرزة على حقوق شركائه الآخرين بصريح نص المادة 714 فقرة 02 من القانون المدني الجزائري) (.
فمن خلال هذه الأحكام يستشف أنه لا يمكن ممارسة حق الاسترداد إلا في حالة ما إذا تصرف الشريك في الشيوع ببيع حصة مفرزة على حقوق شركائه الآخرين، أما في الحالات الأخرى فيكون له حق طلب الإبطال لكوننا بصدد بيع ملك الغير طبقا لنص المادة 397 من القانون المدني الجزائري، أو يكون للمشتري حق طلب الإبطال إذا كان حسن النية طبقا لنص المادة 714 فقرة 02 من نفس القانون، في حين في بيع الحقوق المتنازع فيها و كما سبق و أن وضحنا سابقا أنه يشترط حتى نكون بصدد بيع حق متنازع فيه لا بد من وجود نزاع بمفهوم المادة 400 من القانون المدني الجزائري، و الأثر المترتب هو ممارسة رخصة الاسترداد من المتنازل ضده في مواجهة المتنازل له بغض النظر عن الأحكام الخاصة المنوطة بهذه الدعوى، بخلاف الاسترداد المشار إليه في نص المادة 714 فقرة 02 من القانون المدني الجزائري في بيع المشاع، فللوهلة الأولى يظهر بأن المشرع مبذر لكونه قد نظم حالة واحدة بحكمين أولاهما نص المادة 400 و ثانيهما نص المادة 714 فقرة 02 من القانون المدني الجزائري، و لكن لو أمعنا النظر لوجدنا أن المشرع قد وفق إلى ما ذهب إليه لكون بيع الحق المتنازع فيه له أحكام خاصة تختلف عن تلك المشار إليها في بيع المشاع، بحجة أن الحق المتنازع فيه يشترط من جهة وجود نزاع جدي بين المتنازل ضده والبائع بمفهوم المادة 400 من القانون المدني الجزائري ولا تكون ملكية الحق المتنازع فيه مفرزة وثابتة لأي منهما بخلاف الحق المشاع الذي قد يحتمل النزاع بين الشركاء في الشيوع ولكن الملكية تبقى شائعة بينهم، ومن جهة أخرى فإن الأثر الوارد على نص المادة 714 قانون مدني جزائري يكون إما طلب الإبطال أو حق الاسترداد بحسب الحالة، أما نص المادة 400 قانون مدني جزائري فلا تخول للمتنازل ضده سوى حق ممارسة رخصة الاسترداد في مواجهة المتنازل له.
وعن طريق المفاضلة بين طريقة ممارسة حق الاسترداد وأثره تختلف هي الأخرى بين بيع الحقوق المتنازع فيها وبيع المشاع الأمر الذي سنتطرق إليه بنوع من التفصيل في المبحث الأول من الفصل الثاني.
بعد ضبط مفهوم بيع الحقوق المتنازع فيها ولا سيما في ظل التشريع الجزائري وبعد إزالة الغموض والخلط الذي قد يكتسي هذا الأخير بالأنواع الأخرى من البيوع ولا سيما بيع ملك الغير وبيع المشاع الأمر الذي دفعنا لمعرفة الأشخاص الوارد عليهم الحظر في التعامل بالحقوق المتنازع عليها والجزاء المترتب على هذا الحظر الأمر الذي سنتطرق إليه بنوع من التفصيل في المبحث الموالي.
المبحث الثاني: الحظر الواقع على التعامل في الحقوق المتنازع فيها و جزاؤه
قبل الخوض في الحديث عن مضمون هذا المبحث، تجدر الإشارة إلا أن مختلف التشريعات الوضعية، في تنظيمها لبيع الحقوق المتنازع عليها أوردت نصين مانعين، الأول عام و يتعلق الأمر بشراء الحقوق المتنازع فيها، والثاني خاص و هو نص تطبيقي و عملي أكثر من سابقه، و المتعلق بتعامل المحامين مع موكليهم في الحقوق المتنازع عليها، الأمر الذي تحتم معه اختيار مصطلح التعامل بدلا من الشراء، كون المصطلح الأول أعم من الثاني و لتوضيح الأمر أكثر سنتطرق إلى نطاق الحظر و مجاله (مطلب أول) و ما دام أنه لكل منع جزاء فإننا سنتطرق إلى الجزاء الذي رتبه القانون في حالة التعامل في الحق المتنازع فيه والحكمة المتوخاة منه (مطلب ثاني).
المطلب الأول: نطاق الحظر و مجاله
سنحاول من خلال هذا المطلب، تبيان الحدود التي رسمها القانون في مجال بيع الحقوق المتنازع فيها، والتي تظهر من خلال اقتصار المنع على فئات معينة وأموال معينة وهذا ما سيتم معالجته تبعا لما تم ذكره ومن خلال فكرتين أساسيتين: الفرع الأول: منع رجال القضاء و أعوانهم من شراء الحقوق المتنازع فيها، و الفرع الثاني: منع تعامل المحامين و المدافعين القضائيين مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها.
الفرع الأول: منع رجال القضاء و أعوانهم من شراء الحقوق المتنازع فيها.
ذهبت المادة 402 من القانون المدني الجزائري على أنه" لا يجوز للقضاة، و لا المدافعين القضائيين، و لا المحامين، و لا للموثقين ولا لكتاب الضبط، أن يشتروا بأنفسهم مباشرة و لا بواسطة اسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه، إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها...".
و الظاهر من استقراء هذا النص أن المنع الوارد فيه، يعتبر استثناء من القاعدة العامة، وعليه يجب عدم الإطناب في تفسيره و الحرص على تطبيقه بدقة، وهذا تقريرا للعلة التي وجد لأجلها النص، و ما جاء به من قيد جعلت منه مقصورا على فئات معينة من الأشخاص، وبنوع معين من الأموال. وهذا ما سنتطرق إليه تبعا كما سيأتي بيانه.
أولا: الأشخاص الممنوعين من الشراء
يتضح من المادة 402 السالفة الذكر، أن الأشخاص الممنوعين من شراء الحقوق المتنازع فيها هم كالتالي: القضاة، المدافعين القضائيين، المحامين، الموثقين، كتاب الضبط.
قبل تحديد المقصود بكل فئة من الفئات التي عددتهم المادة 402 من القانون المدني الجزائري، تجدر الإشارة إلى أن هناك نصوص خاصة عالجت الموضوع سيما الأمر 96/23 والمؤرخ في 09/07/1996 و المتعلق بالوكيل المتصرف القضائي) ( و كذا الأمر 96/02 المؤرخ في 10-01-1996 والمتعلق بمهنة محافظ البيع بالمزاد العلني( ).
ولكن بالرغم من وجود هذه النصوص، إلا أننا نأخذها وبتحفظ كون هناك من الفقهاء من يرى أن الفئات المذكورة في المادة 402 قانون المدني الجزائري جاءت على سبيل الحصر ( ) وهذا نظرا للطابع الاستثنائي للنص ومن ثم يجب التقيد بالفئات المذكورة في النص دون تطبيق حكم هذا النص على الفئات الأخرى التي لم تذكر كفئة المترجمين والخبراء. ومنه سنتطرق إلى المقصود بكل فئة مما سبق ذكره حسب الترتيب الوارد في نص المادة 402 من القانون المدني الجزائري.
1. القضاة:
قبل إعطاء المقصود بكلمة قاضي يجب الإشارة إلى نص القانون العضوي رقم 04/11 المؤرخ في 06-09-2004 والمتضمن القانون الأساسي للقضاء ( ) وضع تصنيفا للفئات التي يشملها سلك القضاء وهذا ما نصت عليه المادة الثانية منه بقولها:
يشمل سلك القضاء:
- قضاة الحكم والنيابة العامة للمحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم التابعة للنظام القضائي العادي.
- قضاة الحكم ومحافظي الدولة بمجلس الدولة والمحاكم الإدارية.
- القضاة العاملين.
- الإدارة المركزية لوزارة العدل.
- أمانة المجلس الأعلى للقضاء.
- المصالح الإدارية للمحكمة العليا ومجلس الدولة.
- مؤسسات التكوين والبحث التابعة لوزارة العدل.
الشيء الملاحظ على النص أنه أعطى ثلاثة أصناف للقضاة، الصنف الأول وهم القضاة الذين ينتمون إلى القضاء العادي، والصنف الثاني وهم قضاة القضاء الإداري، وصنف ثالث وهم القضاة الذين يمارسون وظائف إدارية، ولكن رغم هذا فهم يتمتعون بصفة القاضي، الأمر الذي أدى بنا إلى طرح التساؤل التالي: هل المنع يشمل كل الأصناف أم يقتصر على صنف دون الآخر؟ والإجابة على هذا السؤال لا تكون إلا من خلال إعطاء المقصود بالقاضي الذي قصدته المادة 402 من القانون المدني الجزائري وعليه فإنه وطبقا لهذه المادة، فإن المقصود بالقاضي هو كل من ولي وظيفة القضاء فعلا( ). أي كل قاضي عين للفصل في الدعاوى المرفوعة من قبل الأشخاص بمقتضى أمر صادر من السلطة المختصة، ويستوي في ذلك أن يكون قاضي أمام المحكمة أو المجلس أو المحكمة العليا أو مجلس الدولة ومنه فإن القضاة الذين يمارسون وظائف إدارية والوارد ذكرهم في الفقرة 03 من المادة 02 لا يمكنهم الفصل في الدعاوي ومنه لا يطالهم الحظر.
2- المدافعون القضائيون:
مهنة المدافع القضائي يحكمها الأمر رقم 67-203 المؤرخ في 27-09-1967 والمتعلق بمهنة المدافع القضائي والذي ألغي بموجب الأمر رقم: 75-49 المؤرخ في 17-07-1975 المتعلق بإنهاء توظيف المدافعين القضائيين.
ومهمة المدافع القضائي هي نفسها مهمة المحامي إذ يتولى الدفاع عن حقوق الأطراف إلا أن اختصاصه محدود سواء تعلق الأمر بنوع القضايا، والتي يرخص له بالمرافعة في القضايا المدنية والمخالفات فقط دون الجنح والجنايات. أما بخصوص الاختصاص الإقليمي فإن المدافع القضائي ينحصر اختصاصه أمام المحكمة التي يباشر فيها وظيفته فقط، والمقيد اسمه فيها وكانوا يسمون بالوكلاء الشرعيين( ).
3-المحامون:
ينظم مهنة المحاماة القانون رقم 91-04 المؤرخ في 08-01-1991 والذي يتضمن تنظيم مهنة المحاماة. ويقصد بالمحامي كل من كان عضوا في نقابة المحامين، مهمته هي الدفاع عن حقوق الأطراف، ولكن بالرجوع إلى نص المادة 402 من القانون المدني الجزائري فإنها جاءت غامضة، على غرار باقي التشريعات إذ أنها لم تفرق ما إذا كان المحامي تحت التمرين أم لا، كما أنها لم تقيده ما إذا كان يترافع أمام محكمة معينة بل أن النص جاء عاما وبالنسبة لكل محامي.
4-الموثقين:
مهنة الموثق منظمة بموجب القانون رقم 88-27 المؤرخ في 12-06-1988، والمعدل بالقانون رقم 06-02 المؤرخ في 20-02-2006، والمتضمن تنظيم مهنة التوثيق والمقصود بالموثق أنه ضابط عمومي يتولى تحرير العقود التي يحدد القانون صيغتها الرسمية، وكذا العقود التي يود الأطراف إعطاءها هذه الصبغة.
5-كتاب الضبط:
وقد جاء المرسوم التنفيذي رقم 90/231 المؤرخ في 28-07-1990 والمعدل في سنة 1998ومنه جاءت تسمية أمين الضبط بدلا من كاتب الضبط ويندرج تحت هده الصفة كل كتاب المحكمة مها كانت وظيفته أو درجته، بما في ذلك كتاب الجلسات والسكرتارية والشباك والجدولة، أي كل المصالح التابعة للمحكمة أو المجلس أو المحكمة العليا أو مجلس الدولة.
و كما سبق القول في بداية الأمر أنه و بالرغم من أن نص المادة 402 من القانون المدني الجزائري، ذكر فئات معينة لا يجوز القياس عليها، و لا يجب التوسع فيها. إلا أنه و بالرجوع إلى القوانين الخاصة سيما الأمر 96-02 المؤرخ في 10 جانفي 1996،و المتعلق بتنظيم مهنة محافظ البيع بالمزاد العلني في المادة 20 منه، فإنها تمنع محافظ البيع بالمزاد العلني من شراء الحقوق المتنازع عليها و المعهود إليه ببيعها، أما النص الثاني يتعلق بالأمر 96-23 والمتعلق بالوكيل المتصرف القضائي و بالضبط في المادة 19 منه و التي تنص على أنه لا يجوز للوكيل المتصرف القضائي أن يمتلك شيئا من أموال المدنيين.
و بالرجوع إلى التشريعات المقارنة، فإن الفئات التي يخصها الحظر تختلف من تشريع لآخر، رغم أن الهدف من الحظر واحد. و على سبيل المثال لا الحصر نأخذ القانون المصري في المادة 471 ( ) منه و التي تنص على " أنه لا يجوز للقضاة و لا أعضاء النيابة و المحامين ولا لكتبة المحاكم و لا للمحضرين، ...." فأول ما يلاحظ على القانون المصري أنه فرق بين القضاة و أعضاء النيابة في حين أضاف المحضرين و لم يتطرق أيضا إلى الموثقين و هذه هي جل الملاحظات أو الفروق مقارنة بالقانون المدني الجزائري.
أما المادة 1597( ) من القانون المدني الفرنسي فإنها تقريبا نفس الملاحظات مع القانون المدني المصري، و لكن ما يلاحظ على قانون الموجبات اللبناني في مادته 380( ) و خلافا لمعظم القوانين العربية منها و اللاتينية فإن الحظر يشمل فئات كثيرة كوكلاء البيع و متولي الإدارة العامة و الموظفين الرسميين بالإضافة إلى الأب و الأم و الوصي و القيم و المشرف القضائي و السماسرة و الخبراء و زوجات الأشخاص المقدم ذكرهم. و لكن رغم الاختلاف في تحديد الفئات إلا أن نطاق تطبيق هذه النصوص كان على أموال معينة ووفق شروط معينة و هذا ما سيأتي بيانه في النقطة الموالية.
ثانيا : قصر التحريم على شراء أموال معينة :
اقتضت حكمة تشريع هذا النص الاستثنائي قصر التحريم الوارد فيه على شراء نوع من الأموال من طرف الفئات السالفة الذكر و التي نصت عليهم المادة 402 من القانون المدني الجزائري، إذ اشترط المشرع في تطبيق هذا النص شروطا و لعل أهمها أن يكون الحق المشترى متنازعا فيه، إضافة إلى هذا، أن يدخل النزاع المتعلق به في اختصاص المحكمة التي يباشرون اختصاصهم فيها( )، و أن يكون المشتري للحق ذا صفة وقت الشراء( ). وبالرجوع إلى القوانين المقارنة سيما القانون المصري مادة 471 قانون مدني مصري، والمادة 380 قانون الموجبات اللبناني و المادة 1597 قانون مدني فرنسي) ( فإنها كرست نفس الشروط رغم الاختلاف الذي سبق الإشارة إليه و المتعلق بالفئات التي يطالها الحظر، وفيما يأتي سنحاول أن نذكر هذه الشروط كالآتي :
الشرط الأول: أن يكون الحق متنازعا فيه:
ويتعلق هذا الشرط أساسا بالحق المتنازع فيه، و الذي يعتبر كذلك وكما سبق بيانه في حالتين: الأولى في حالت رفع دعوى أمام القضاء أو قام بشأنه نزاع جدي و لو لم ترفع به دعوى بعد. كما يشترط في انطباق النص أن تكون المنازعة في الحق بهذا المعنى قائمة وقت البيع و هذا ما استقرت عليه محكمة النقض المصرية في القرار الصادر بالجلسة المنعقدة بتاريخ 26/04/1934 في الطعن المسجل تحت رقم 82 سنة 3 ق. إن القانون المدني المصري لما حرم على القضاة و غيرهم شراء الحقوق المتنازع فيها، يفيد أن يكون الحق المبيع قائما بالفعل وقت الشراء و معروفا للمشتري سواء أكان مطروحا على القضاء أو لم يكن قد طرح بعد، إذن لا يكفي لإبطال المبيع أن يكون قابلا للنزاع و محتملا بأن ترفع بشأنه دعوى( ).
وقد أضافت محكمة النقض المصرية شرطا آخر و هو أن تكون المنازعة معروفة للمشتري وقت الشراء( ).
ويستوي في ذلك أن يكون الحق شخصيا أو عينيا أما إذا لم يكن النزاع قد قام وقت البيع أو قام وتم الفصل فيه نهائيا قبل البيع فلا يكون هذا الشرط محققا.
الشرط الثاني الاختصاص:
وهنا حتى يتسنى القول بانصراف الحضر إلى من سبق ذكرهم –الفئات- يجب أن يكون النظر في النزاع على الحق المتنازع فيه مما يدخل في اختصاص الدائرة التي يباشر فيها عمل القضاء وظيفته و هنا يستوجب الأمر شيئا من التفصيل. فالقاضي على مستوى المحكمة لا يجوز له شراء حق متنازع فيه يقع النظر في النزاع داخل اختصاص المحكمة التي يباشر فيها وظيفته و هذا ما يستشف من المادة 402 من القانون المدني الجزائري. بقولها "إذا كان النظر يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها..." و لو كان توزيع العمل داخل المحكمة يجعل القاضي بعيدا كل البعد عن النظر في النزاع( ) و في المقابل فقد ذهب الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري إلى القول بأن المحظور شرائه على القاضي يتسع أو يضيق بحسب المحكمة التي يباشر فيها وظيفته و عليه فإن القاضي في المحكمة يجوز له شراء الحقوق المتنازع فيها فيما عدا ذلك، و لو كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص محكمة أخرى تابعة لنفس المجلس( )، و مثال ذلك أن يشتري قاضي من محكمة سيدي محمد بالجزائر حقا متنازع فيه يدخل في اختصاص قاضي محكمة باب الواد، لكن لو فرضنا أن القاضي شؤون الأسرة على مستوى محكمة سيدي محمد اشترى حقا متنازعا فيه يعود الاختصاص فيه لنفس المحكمة، فإن هذا الشراء محظور. أما فيما يتعلق بالمستشارين على مستوى المجالس القضائية فإن الحظر في الشراء لهذه الحقوق يكون عبر كافة المحاكم التابعة لاختصاص المجلس لأن الولاية هنا عامة، حتى ولو كان موضوع النزاع غير قابل للاستئناف( )، كما أن مجرد احتمال رفع الاستئناف و لو كان غير مقبول لوروده خارج الآجال القانونية مثلا فإن الشراء لهذه الحقوق محظور بل يجوز أن يتسع النزاع و تضم إليه طلبات إضافية تجعله قابلا للاستئناف. أما مستشارو المحكمة العليا فيمنع عليهم شراء أي حق متنازع فيه، بكل بساطة لأن اختصاصها يمتد إلى جميع المحاكم و المجالس( ) هذا حتى و إن كان الحكم غير قابل للطعن فيه بالنقض هذا في ما يتعلق بقضاة الحكم.
أما قضاة النيابة و نظرا لقاعدة التبعية التدرجية و عدم قابلية النيابة العامة للتجزئة فإن الإشكال الذي يثور في هذا الصدد هو مشكل الاختصاص، الذي يصطدم بالقواعد المميزة أو الخصائص التي ينفردون بها أعضاء النيابة وفي هذا الصدد يرى بعض الفقهاء بأن أعضاء النيابة لا سيما وكلاء الجمهورية على مستوى المحاكم و مساعديهم يعتبرون في حكم من يؤدون وظائفهم في دائرة اختصاص المجلس القضائي التابعين له أما النواب العامون ومساعديهم لدى المجالس القضائية و كذا المحامون العامون لدى المحكمة العليا و محافظي الدولة لدى مجلس الدولة فإن المنع يكون عبر كل إقليم الجمهورية فيما يتعلق بهذه الفئة أما الفئة الأولى فإن الحظر يكون على مستوى المجالس التابعين لها.
أما بخصوص المحامين و كونهم غير ملزمين بالمرافعة أمام جهة معينة لكون المحامي غير مقيد باختصاص فإن الحظر و حسب نص المادة 402 من القانون المدني الجزائري جاء على إطلاقه و منه فلا يجوز للمحامي أن يشتري أي حق متنازع فيه عبر كافة محاكم الجمهوريـة، لأن حكمة النص تقتضي منا التقيد بمضمونه، و كون نص المادة لم يوضح بدقة المقصود بالاختصاص، لكن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد و حسب قانون المحاماة فإن المحامي الذي له أقل من عشر سنوات في المهنة لا يكون معتمدا أمام المحكمة العليا ومنه فهل يجوز للمحامي غير معتمد لدى المحكمة العليا شراء حق متنازع فيه يكون مطروح أمامها؟ الإجابة قد تكون بنعم لأن النظر في النزاع لا يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشر أعماله في دائرة اختصاصها، و قد تكون بالنفي لأن المحكمة العليا وحسب ما هو متعارف عليه أنها صاحبة الولاية العامة.
و قد أثارت مسألة الاختصاص بالنسبة للمحامي جدلا فقهيا كبيرا فهناك من يرى أن المنع يكون في حالة ما إذا كان المحامي وكيلا عن أحد المتنازعين( ) في حين ذهب رأي آخر إلى قصر المنع على المحاكم التي يترافع فيها المحامي بصفة مستمرة، أو المحكمة التي يباشر فيها عمله فعلا في دائرتها( )، في حين ذهب فريق آخر إلى القول أن هذه الآراء يعوزها سند قانوني و منه فإن عموم النص يستفاد منه إطلاق التحريم بالنسبة للمحامين ومنه لا يجوز للمحامين شراء حق متنازع فيه عبر كافة التراب الوطني( ).
أما المدافع القضائي فيحكم اختصاصه المحدود، فبحكم اختصاصه المحدود في ممارسـة مهنته، فإن الحظر في شراء الحق المتنازع فيه يكون بالنسبة له في إطار اختصاص المحكمة التي يمارس فيها مهنته و المقيد فيها دون غيرها من المحاكم.
أما الموثق فاختصاصه محدد كذلك و يكون في دائرة اختصاص المحكمة الواقع فيها مكتبه ومنه فإن الحقوق المتنازع فيها التي تكون في اختصاص هذه المحكمة محظورة عليه شراؤها.
أما الصنف الخامس و الأخير و هم الكتاب، فإن الكاتب موظف في محكمة معينة، و منه فإن الحظر يشمل دائرة اختصاص هذه المحكمة، سواء كانت محكمة أو مجلس أو محكمة عليا أو مجلس الدولة متى كان النزاع في الحق يدخل في دائرة اختصاصه.
و خلاصة القول أنه إذا كان النظر في النزاع المطروح بشأن الحق المتنازع فيه، يدخل في اختصاص الجهة القضائية التي يباشر فيها عامل القضاء أعوانه مهامهم فإن هذه الحقوق يمنع شراؤها و لكن يبقى هذا الشرط نسبي لتقرير الحظر و منه يجب توفر الصفة لدى المشتري للحق المتنازع فيه وقت الشراء و هذا ما سنتطرق إليه في الشرط الثالث.
الشرط الثالث: توفر الصفة في المشتري للحق.
يشترط أيضا لقيام الحظر أن تتوفر الصفة التي وردت بالنص في الشخص، وقت شراء الحق المتنازع فيه، فالقاضي مثلا إذا أحيل على التقاعد جاز له شراء الحق المتنازع فيه وهذا لزوال الصفة المطلوبة في نص المادة 402 من القانون المدني الجزائري لأن صفته كقاضي أو محامي أو كاتب محل اعتبار و لولا هذه الصفة لما امتنع عليه الشراء.
و التصرف المحظور على عامل القضاء و أعوانه هو الشراء سواء تم باسمه مباشرة أو باسم مستعار، و إن كانت مسألة الصفة الشخصية لا تثير أي تساؤل فإن مسألة الاسم المستعار تثير تساؤل كبير في مسألة إثباتها، كأن يشتري باسم زوجته، أو ولده، أو قريبه،أو صديق له. وذهب غالبية الفقهاء إلى القول بأن إثبات الشراء باسم مستعار يكون بجميع الطرق. بما فيها البينة و القرائن( ) و قد وضعت بعض القوانين و منها القانون اللبناني قرينة قانونية على أن الشراء باسم الأولاد أو الزوجة هو شراء باسم مستعار، قرار بتاريخ 19/03/1924( ).
و كخلاصة يمكن القول أن شراء الحقوق المتنازع فيها له إطار معين و حدود رسمتها أغلب التشريعات، سواء من حيث الأشخاص المعنيين بالشراء، أو الأموال التي تكـون محلا للشراء، إذا اقتصر الحظر على فئات معينة عل سبيل الحصر،لا يمكن القياس عليها. و على أموال معينة كذلك و لكل شروطه، سواء تعلق الأمر بالمشتري لهذا الحق أو ما تعلق بموضوع الحق نفسه. فمشتري هذا الحق يجب أن يكون النزاع يدخل في دائرة اختصاص الجهة القضائية التي يمارس فيها وظيفته، بالإضافة إلى توفر الصفة وقت الشراء أما الحق فيجب أن يكون متنازعا فيه - على النحو الذي سبق بيانه- و أن يكون النزاع معلوما لدى رجل القضاء وقت الشراء.
و لكن يبقى السؤال مطروحا فيما يخص التعامل في الحق المتنازع فيه، لأن المسألة تقتصر على فئة معينة و هي فئة المحامين و هذا ما سيتم التطرق إليه في الفرع الثاني.
الفرع الثاني: منع تعامل المحامين والمدافعين القضائيين مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها
تنص المادة 403 من القانون المدني الجزائري على أنه: " لا يجوز للمحامين و لا للمدافعين القضائيين أن يتعاملوا مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها سواء كان التعامل بأسمائهم، أو بأسماء مستعارة إذا كانوا هم الذين تولوا الدفاع عنها".
والملاحظ أن هذا النص أضاف حظرا جديدا بالنسبة للمحامين، فهم بحكم المادة 402 من القانون المدني الجزائري السابق دراستها، ممنوعين من الشراء للحقوق المتنازع فيها، و لو لم يكن المحامي موكلا في الدفاع عن هذا الحق. أما إذا كان المحامي موكلا للدفاع عن الحق المتنازع فيه، فإن الحظر يصبح أشد، و منه فإن المادة402 من القانون المدني الجزائري كانت وحدها كافية لتحريم شراء المحامي للحق المتنازع فيه، ولو لم يكن وكيلا عن صاحب الحق كما سبق القول. أما المادة 403 من القانون المدني الجزائري فهي أوسع من سابقتها من ناحية و أضيق من ناحية أخرى، فهي أضيق، لأنها تشترط أن يكون المحامي وكيلا في الحق المتنازع فيه و هو نفس الأمر الذي اشترطه المادة 472 من القانون المدني المصري و المادة 381 قانون الموجبات اللبناني. و هي أوسع، لأنها تقضي بأنه متى كان المحامي و كيلا في الحق المتنازع فيه فكل ضروب التعامل في هذا الحق محرمة عليه( )، و ليس الشراء فحسب فلا يجوز له أن يشتري الحق، و لا أن يقايض عليه، و لا أن يوهب له، و لا أن يشـارك فيه، و لا أن يقترضه و لا يجوز له بوجه خاص أن يأخذ جزءا من الحق في مقابل أتعابه و لو تولى الإنفاق على التقاضي( ).
كما نصت المادة 82 من القانون رقم 91-05 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة على نفس الحكم بقولها:"يمنع عن المحامين من تلك الحقوق المتنازع فيها، عن طريق التنازل عنها و كذلك أخذ فائدة ما، عن القضايا المعهودة إليهم أو جعل قيمة أتعابهم تبعا للنتائج التي توصلوا إليها".
و يستوي أن يتعامل المحامي باسمه، أو باسم مستعار كزوجته أو أحد أقاربه، ولكن ما يجدر الإشارة إليه أن حظر التعامل على المحامي، لا يمنع من أن يطلب المحامي تقدير أتعابه، أو ما أنفقه عل التقاضي( ). و إذا انتهى النزاع بصدور حكم قضائي جاز للمحامي شراء الحق المتنازع فيه.
ومنه نقول أن تعامل المحامي في الحق المتنازع فيه، و الذي يكون فيه وكيلا عن أحد الخصوم محرما على الرأي الراجع، و هذا تطبيقا للمبدأ العام الذي يحرم عل المحامي شراء الحقوق المتنازع فيها سواء كان وكيلا في النزاع أو غير موكل، و أن المادة 403 من القانون المدني الجزائري لم تحدث شيئا جديدا في هذا الصدد، و إنما قامت بتخصيص المطلق، و أوردت نصا خاصا و صريحا في التحريم، و هذا عكس التقنين المدني الفرنسي الذي لم يتطرق إلى هذا النص الخاص و لكن بالرجوع إلى الفقه الفرنسي، فإنه يمنع المحامين من التعامل في الحق المتنازع فيه طبقا للمادة 1597 من القانون المدني الفرنسي، و التي تقابل المادة 402 من القانون المدني الجزائري و المادة 471 من القانون المدني المصري( ).
أما بالنسبة للمدافع القضائي و نظرا لتشابه مهامه مع المحامي و لكن بنوع من القضـايا فقـط، فإن النص يطبق بكل ما ورد فيه و تبقى الشروط المطبقة نفسها.
و نخلص مما تقدم أن القانون، وضع اطر و ميكانيزمات فيما يتعلق بالتعامل في الحقوق المتنازع فيها، و ذلك من خلال اقتصار المنع على فئات معينة وردت على سبيل الحصر وأموال معينة و هذا وفق شروط شخصية و موضوعية، و المنع في القاعدة القانونية يفيد الوجوب و الالتزام، و مخالفته يرتب عليها القانون جزاءا سواء كان ماديا أو معنويا، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح السؤال الموالي: ما هو الجزاء الذي رتبه القانون على التعامل في الحقوق المتنازع فيها؟و فيما تتجلى الحكمة منه؟.
للإجابة على هذه التساؤلات سنتطرق إليها بنوع من التفصيل في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: جزاء الحظر وحكمه
سنحاول من خلال هذا المطلب، التطرق إلى الجزاء الذي رتبه القانون على التعامل في الحقوق المتنازع فيها، وهذا في بعض القوانين المقارنة مقارنة في ذلك بالقانون المدني الجزائري، مبرزين الطبيعة القانونية لهذا الجزاء، و الشروط الواجب توافرها لتقريره في الفرع الأول، ثم العلة التي أرادها المشرع من هذا الجزاء في الفرع الثاني.
الفرع الأول: جزاء الحظر
لقد رتب المشرع الجزائري، جزاءا على التعامل في الحقوق المتنازع فيها، تمثل في بطلان هذا التعامل بطلانا مطلقا( )، وهذا ما يبدو صريحا من خلال المادتين 402 و403 من القانون المدني الجزائري، إذا نصت المادة 402 من نفس القانون على أنه "لا يجـوز للقضـاة، ولا للمدافعين القضائيين، والمحاميين ولا للموثقين ولا لكتاب الضبط، أن يشتروا بأنفسهم مباشرة، ولا بواسطة اسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه، إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها و إلا كان البيع باطلا".
كما نصت المادة 403 من نفس القانون على أنه "لا يجوز للمحامين و لا للمدافعين القضائيين أن يتعاملوا مع موكليهم، في الحقوق المتنازع فيها، سواء كان التعامل بأسمائهم، أو بأسماء مستعارة، إذا كانوا هم الذين تولوا الدفاع عنها، وإلا كانت المعاملة باطلة".
وتقابل هاتين المادتين في التشريعات المقارنة المواد 471 و 472 مدني مصري، 439 و440 مدني سوري، و المواد 378 إلى 381 من قانون الموجبات اللبناني والمادتين 1596 و 1597 من القانون المدني الفرنسي. وإن كان النصين المصري والسوري لا يشيران إلى إي إشكال مقارنة بالنص الجزائري من حيث تقرير البطلان سواء تعلق الأمر بالشراء للحقوق المتنازع فيها أو تعامل المحامين في هذه الحقوق مع موكليهم فإن النص الفرنسي جاء على خـلاف ذلك، إذا جاء غامضا مقارنة بالنصوص الأخرى لأن المادة 1597 قانون مدني فرنسي تطرقت إلى عدم جواز شراء عامل القضاء للحق المتنازع فيه، دون أن تنص صراحة على بطلان العقد المتعامل به( ) الأمر الذي أدى إلى انقسام الفقه في فرنسا إلى القائل بالبطلان المطلق لأنه بني على سبب غير جائز قانونا و منهم لوران و جيوار ( ) في حين ذهب فريق أخر إلى القول بقابلية هذا البيع للإبطال متحججا في ذلك بأن المنع الوارد في المادة 1597 من القانون المدني الفرنسي مبني على سبب غير مشروع وحجتهم في ذلك أنهم لا يرون أن الاتفاق بين المحامي و موكله مثلا على أنه حاصل من فرد إلى فرد على أخذ نصيب بعد كسب الدعوى لقاء أتعابه و ما دفعه في سبيلها من رسوم و نفقات، مقابل ذلك يحتمل أن يكون معسرا و يخشى إن هو استدان و خسر دعواه و تتراكم عليه الديون، إضافة إلى أن الاتفاق حصل من شخص غريب عن القضاء إلى شخص آخر قد لا يستحق النصيب المتفق عليه إن كسب دعواه.
في حين قال البعض أن الاتفاق الحاصل بين الطرفين ليس من قبيل البيع و هذا لفقدانه ركن الثمن و الذي أقل ما يقال عنه أنه عقد إيجاز أو وكالة بأجر ( )، و لكن من الفقهاء الفرنسيين ومنهم بودري والذي يرى أن هذا الاتفاق بيع و يأخذ حكمه و وصفه ومنه نادى بقابليته للبطلان، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 15 ماي 1991. و التي جاء فيه:" أن عقد البيع المبرم بين الشركة المدنية العقارية المالكة و محاميها ليس باطلا و إنما قابلا للإبطال"( ).
أما النص اللبناني وبالرجوع إلى المواد 378إلى 381 من قانون الموجبات اللبناني، فإنها قررت البطلان فيما يتعلق بشراء الحقوق المتنازع فيها من طرف القضاة بطلانا مطلقا و نفس الشيء بالنسبة للمحامين و لكن بعد صدور قانون المحاماة و الذي يجيز للمحامي الاتفاق مع موكله على نصيب في الحق المتنازع فيه على أن لا يتجاوز نسبة 20% منه( )، أما فيما يخص الفئات الأخرى السالفة الذكر و الواردة في المادة 378 قانون الموجبات اللبناني فإن التعامل في الحق المتنازع فيه قابل للإبطال، ومنه فلا يجوز لغير من تعود عليه منفعة من تقرير البطلان أن يبطله و هو نفس الحكم الذي ذهبت إليه المادة 1596 من القانون المدني الفرنسي إذا تعلق الأمر بشراء الحقوق المتنازع فيها من طرف وكلاء البيع ومتى كان كذلك فإن هذا النوع من البطلان تلحقه الإجازة.
إن تقرير البطلان من طرف أغلبية التشريعات يجب أن يكون وفقا لأطر قانونية ووفق شروط معينة,يجب توفرها من أجل تقرير هذا الجزاء و الذي أعتبره فقهاء القـانون بمثـابة الإعـدام، كونه لا ينتج أي أثر لا فيما بين المتعاقدين ولا بالنسبة للغير وهذا ما سيأتي بيانه لاحقا بعد التطرق إلى الشروط الواجب توفرها للقول يبطلان التعامل في الحق المتنـازع فيـه، وكذا توضيح الطبيعة القانونية له.
أولا: ما هي طبيعة هذا البطلان؟
مما لا ريب فيه أن البطلان الذي قرره المشرع الجزائري كجزاء لمخالفة أحكام المادتين 402و403 من القـانون المـدني الجزائري هو البطلان المطلق و ليـس البطـلان النسـبي، والمشرع صريح في هذا الشأن. حيث نصت العبارة الأخيرة من المادة 402 القانون المدني الجزائري - وإلا كان البيع باطلا- كما نصت العبارة الأخيرة من المادة 403 القانون المدني الجزائري -وإلا كانت المعاملة باطلة - ومن ثم لا ينشىء العقد أي نوع من الآثار سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير لأن البطلان المطلق عدم، ويجعل العقد كأن لم يكن. ويجوز لكل ذي مصلحة التمسك بهذا البطلان طبقا لما نصت عليه المادة 102 من القانون المدني الجزائري بقولها:" إذا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا، جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان، و للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولا يزول البطلان بالإجازة"
وفي نفس السياق نصت المادة 82 من القانون 91/04 المتعلق بتنظيم مهنة المحامـاة بأنه: " يعد باطلا بطلانا مطلقا كل اتفاق مخالف لذلك".
والبطلان في هذه الحالة مؤسس على مخالفة أحكام النظام العام( )، و هذا ما نصت عليه المادة 93 من القانون المدني الجزائري بقولها:" إذا كان محل الالتزام مستحيلا في ذاته، أو مخالفا للنظام العام أو الآداب العامة كان باطلا بطلانا مطلقا".
وكخلاصة يمكن القول أن البطلان المقرر كجزاء لهذه التعاملات هو بطلان مطلق، و لكن القول به يحتاج إلى توافر شروطه وهذا ما سنتناوله في نقطة موالية.
ثانيا: الشروط الواجب توفرها لتقرير البطلان
لقد وضعت كل القوانين التي جعلت من البطلان المطلق كجزاء لمخالفة المنع الوارد على الشراء أو التعامل في الحق المتنازع فيه من طرف الفئات التي سبق ذكرها جملة من الشروط يأتي ذكرها كما يلي:
1 -أن يكون الحق متنازعا فيه وقت الشراء
وقد تم تعريف الحق المتنازع فيه في المبحث الأول من هذا الفصل على أنه كل حق ثار حوله نزاع جدي، أو رفعت من أجله دعوى أمام القضاء، و لكن حتى يمكن القول بأن التعامل في هذا النوع من الحقوق يقع باطلا يجب أن يكون الحق متنازعا فيه وقت الشراء( ). فلو لم يقم نزاع جدي، أو لم ترفع بشأنه دعوى وقت الشراء من طرف أحد الأشخاص ممن يطالبهم الحظر فالشراء صحيح، و لو قام النزاع بعد ذلك أو كان قائما من قبل و أنحسم.
2- الصفة المستمدة من وظيفته أو مهنته:
و بعد التأكد من أن الحق متنازعا فيه - و علم المشتري بذلك - تأتي مرحلة أخرى يجب التأكد فيها من توافر الصفة المستمدة من وظيفة الشخص وقت الشراء( )، كأن يكون المشتري للحق قاضيا أو محاميا مثلا. فإذا انعدمت الصفة لدى الشخص وقت الشراء كان هذا التعامل صحيحا و منتجا لجميع آثاره و لكن من ثبتت الصفة في الشخص الذي يجعل المنع منطبقا عليه، أعتبر التعامل باطلا بطلانا مطلقا. و سواء أتم ذلك باسمه شخصيا أو باسم مستعـار( )، كما نصت عليه الماد تبين 402و403 من القانون المدني الجزائري يقولها:" أن يشتروا بأنفسهم مباشرة و لا بواسطة اسم مستعار و كان هذا الشراء بحسابه".
3) الاختصاص:
وقد تم التطرق إلى هذا العنصر بشيء من التفصيل و للتوضيح نقول أنه يجب أن يكون النزاع في الحق مما يدخل في دائرة اختصاص الجهة القضائية، التي يباشرون فيها مهامهم وهذا حسب نص المادتين 402و 403 من القانون المدني الجزائري.
4) العلم:
وكشرط أخير أضاف الفقه ضرورة توافر العلم لدى المشتري للحق المتنازع فيه أو المتعامل في هذا الحق بالنسبة للمحامين، و العلم يجب أن يكون وقت الشراء و قد قضت محكمة الاستئناف المصرية بأنه إذا تبين أن تحويل السند، أن المحامي لم يكن يعلم بأن الحق موضوع نزاع جاز التحويل له ولا يمكن أن ينسب إليه أنه أشترى حقا متنازعا فيه، قرار بتاريخ 25/07/1924 ( ).
متى توافرت هذه الشروط مجتمعة بطل الشراء أو التعامل في الحق المتنازع فيها بطلانا مطلقا، و لكن يبقى السؤال مطروحا فيما يخص مجال تقرير البطلان، لاسيما التعاملات التي رتب عليها القانون هذا الجزاء. الأمر الذي سنوضحه من خلال التطرق إلى التصرفات التي رتب عليها القانون البطلان إذا كان محلها حقا متنازعا فيه.
ثالثا: مجال البطلان
حسب ما قررته المادتين 402و403 من القانون المدني الجزائري فإن أي شراء للحقوق المتنازع فيها يعتبر باطلا سواء تم ذلك باسم رجل القضاء أو باسم مستعار.
و إن كانت مسألة تعامل المحامين مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها لا يثير أي إشكال وهذا نظرا لعمومية النص إذ حصر كل التعاملات في هذا الحق. أما مسألة الشراء فإنها تحتاج إلى نوع من التفصيل إذ أنه وبالرغم من أن النص لا يتكلم إلا عن الشراء فإنه ومن المتفق عليه أن الحظر يشمل أيضا المقاضية( ) تطبيقا لنص المادة 415 من القانون المدني الجزائري بقولها:" تسري على المقايضة أحكام البيع بالقدر الذي تسمح به طبيعـة المقايضـة، ويعتبر كل من المقايضين بائعا للشيء و مشتريا للشيء الذي قايض عليه". فلو أن رجل القضاء حصل على الحق المتنازع فيه مقابل بدل غير نقدي فإن هذا العقد يكون باطلا كما يسري الحظر على الوفاء بمقابل ( ) تطبيقا للمادة 286 من القانـون المدني الجزائـري بقولهـا:" تسري أحكام البيع، وخصوصا ما يتعلق منها بأهلية الطرفين، وبضمان الاستحقاق، و بضمان العيوب الخفية، على الوفاء بمقابل فيما إذا كان ينقل ملكية شيء أعطي في مقابل الدين، ويسري عليه من حيث أنه يقضي الدين أحكام الوفاء و بالأخص ما يتعلق منها بتعيين جهة الدفع و انقضاء التأمينات" فلو أن رجال القضاء اكتسبوا الحق المتنازع فيه من مدينه كمقابل للوفاء بدينه، فإن هذا البيع يقع باطلا. ويصدق نفس الحكم إذا اشترى رجل القضاء الحق المتنازع فيه كبدل في صلح( ). و هذا تطبيقا لنص المادة 459 من القانون المدني بقولها:" الصلح عقد ينهي به الطرفان، نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا، و ذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه".
أما إذا باع رجل القضاء الحق المتنازع فيه، فإن العقد لا يكون باطلا لأن رجل القضاء إذا باع الحق المتنازع فيه فهنا يقطع صلته به فلا تثور بصدده شبهات أو ظن، و لذلك فإن القانون لم يبطل هذا البيع ( )، و أعتبره صحيحا وحكمة هذا الاستثناء أن الذي ينازع في هذا الحق هو رجل القضاء نفسه و هو إذ يشتريه إنما ينهي هذه المنازعة فلا يكون هناك مجال لاحتمال الانحراف في جانبه أو المساس بسمعته.
ومما تقدم نستنتج أن البطلان الذي رتبه القانون على هذا المنع جاء وفق شروط معينة و في مجالات محددة و لكن ما هي الحكمة من وراء تقرير هذا البطلان؟
الفرع الثاني: الحكمة من تقرير البطلان
إن القانون كما سبق التطرق إليه حظر على بعض الفئات شراء الحقوق المتنازع فيها فقط. في حين حظر على المحامين و بصفة خاصة جميع التعاملات مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها وهذا الحظر يقوم على اعتبارات تتصل بالنظام العام، إذ يخشى أن يستغل رجل القضاء مركزه وعلمه فيوهم صاحب الحق لما له من نفوذ حتى و إن كان لم يستغل نفوذه فعلا، ففي القليل قد ألقي بشرائه الحق المتنازع فيه ظلا من الشبهة في حياد القضاء في نزاع يقع اختصاصه، فهذه الاعتبارات تتصل أوثق الاتصال بالنظام العام و الآداب، ولهذا كان الجزاء هو البطلان المطلق.
الفصل الثاني: الآثار المترتبة على بيع الحقوق المتنازع فيها
مـن خلال ضبط ماهية الحقوق المتنازع فيها و الحظر الوارد على الأشخاص المشار إليهــم في المادة 402 و المادة 403 من القانون المدني الجزائري بحيث لا يجوز لهم ولا بواسطة أشخاص مستعارين شراء أو التعامل في حقوق متنازع فيها، الأمر الذي يدفعنا لدراسة الآثار المترتبة على بيع مثل هذه الحقوق، وعليه سنتطرق إلى أحقية استرداد الحق المتنازع فيه في المبحث الأول ثم في مبحث ثاني نتطرق إلى آثار دعوى الاسترداد.
المبحث الأول: أحقية استرداد الحق المتنازع فيه
باستقراء المادة 400 من القانون المدني الجزائري في أول فقرة لها فهي تشير إلى ممارسة حق استرداد الحق المتنازع فيه دون أن تحدد أحكامه و اكتفى فقط بقوله : "إذا تنازل شخص على حق متنازع فيه، للمتنازل ضده أنه يتخلص من هذا الشخص برد ثمن البيع الحقيقي له و المصاريف الواجبة"، و عليه سنضبط مفهوم دعوى الاسترداد في بادئ الأمر ثم شروط و كيفيات ممارسة هذه الدعوى و نتطرق إلى الحالات التي تخرج من مباشرة دعوى الاسترداد.
المطلب الأول: أحكام ممارسة دعوى الاسترداد
حتى نتطرق لأحكام ممارسة دعوى استرداد الحق المتنازع فيه لا بد من ضبط مفهوم هذه الدعوى أولا ثم نتطرق إلى شروط و كيفية ممارسة هذه الدعوى.
الفرع الأول: مفهوم دعوى استرداد الحق المتنازع فيه
لقد بينا في درستن السابقة أنه لا يجوز لعمل القضاء أو المحامين شراء الحقوق المتنازع فيها إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها طبقا للمدة 402 من القانون المدني الجزائري و التي يقابلها نص المادة 471 من القانون المدني المصري و انه لا يجوز للمحامين أن يتعاملوا مع موكليهم في هذه الحقوق بأي نوع من أنواع التعامل إذا كانوا هم الذين يتولون الدفاع عنها.
و الذي يهمنا الآن هو الأثر الخاص الذي رتبه القانون علة بيع الحقوق المتنازع فيها عندما يكون هذا البيع قد وقع صحيحا. ذلك الأثر الخاص هو رخصة الاسترداد Retrait Litigieux . التي خولها القانون للطرف الآخر في النزاع و التي بموجبها يحل محل المشتري في مقابل أن يرد له الثمن و ما تكبده من مصروفات.
و تتضمن رخصة الاسترداد خروجا على الأصل حرية التصرف ذلك أن المسترد – المتنازل ضده - يحل محل المشتري رغم إرادة هذا الأخير و البائع.
ونجد تطبيقات أخرى لرخصة الاسترداد أوردها المشرع في المادة 721 من القانون المدني التي تخول الشريك في المنقول الشائع أو في المجموع من المال المنقول أو العقار، أن يسترد الحصة الشائعة التي باعها شريك غيره لأجنبي. و قد أريد بالاسترداد في هذه الحالــة تمكين الشركـاء من منع دخـول أي أجنبي بينهم في الشيوع، و كذلك الشفعة في جميع صورها طبقا للمادة 795 من القانون المدني الجزائري ليست غلا رخصة استرداد، فبالشفعة يحل الشفيع محل مشتري العقار المشفوع فيه. و المقصود من تقريرها هي دفع لضرر المتوقع للشفيع نتيجة اتصال ملكه بالعقار.
أما استرداد الحق المتنازع فيه قد قصد بتقريره منع المضاربة و حسم المنازعة، إذ يغلب في من يشتري حقا متنازع فيه أن يكون مضاربا و محترفا الشغب أمام ساحة القضاء بدفع ثمن أقل مما يساويه الحق و يكون الفرق مقابل ما يتحمله من عناء المنازعة فيه، وما قد يتعرض له من احتمال الخسارة، فأراد المشرع أن يفوت عليه الفرصة ويحسم المنازعة بتمكين الطرف الآخر في النزاع من استرداد الحق المتنازع عليه فنصت المادة 400/01 من القانون المدني الجزائري و التي يقابلها نص المادة 469 من القانون المدني المصري " إذا تنازل شخص عن حق متنازع فيه فللمتنازل ضده أن يتخلص منة هذا الشخص برد ثمن البيع الحقيقي له والمصاريف الواجبة وقد أضاف النص المصري إلى ما يجب رده فوائد الثمن وقت الدفع فضلا عن الثمن الحقيقي و المصروفات( ).
و بعد ضبط المشرع في نص المادة 400 من القانون المدني الجزائري و حصر مجال الحق المتنازع فيه لما نكون بصدد حق محل نزاع مطروح أمام ساحة القضاء و مازال لم يصدر بشأنه حكم قضائــي نهـائي، و كذلك الحالة التي نكون بصدد نزاع حول حق غير مطروح على ساحة القضاء و لكنه جدي في هذين الحالتين فقط أقر المشرع للمتنازل ضــده حق استرداد الحـق المتنازع فيه من المتنازل له فهي دعـوى تستمد قوتها من نص المادة 400 من القانون المدني الجزائري فهي بصراحة النص تخول للمتنازل ضده مباشرة هذه الدعوى ضد المتنازل له لاسترداد الحــق المتنازع فيــه مقابل تقديم الثمن الحقيـقـي والمصروفات الواجبة إلى هذا الأخير فتعتبر هذه الدعوى بمثابة ضمان قانوني أقره المشرع لحماية الطرف الضعيف في العلاقة ألا و هو المتنازل ضده لكون جراء الممارسات القضائية التي أثبتت أن المتنازل له في غالب، بل معظم الحالات ما هو إلا شخص يحترف مثل هذه المعاملات الخسيسة و التي يقصد من ورائها المضاربة في شراء هذا الحق المتنازع فيه بأقل ثمن لكونه يستغل الحالة النفسية للمتنازل الذي لا يعلم مصير هذا الحق هل سيؤول له أم لا؟ وعليه يخاطر بشراء هذا الحق المتنازع عليه من هذا الأخير ليدخل بعدها في صراع متعود عليه مع المتنازل ضده و باتخاذ إجراءات تسويفية( ) معقدة و طويلة غالبا ما تجعل المتنازل ضده يستسلم لمكر و دهاء المتنازل له جراء المماطلة في المحاكم و طول الإجراءات، الأمر الذي جعل المشرع يتدخل بنص المادة 400 من القانون المدني الجزائري للحد من هذه الظاهرة برسم آليات و ميكانزمات توضح شروط و كيفيات ممارسة هذه الدعـوى، ووضح الحالات التي تخرج من نطاقها ممارسة حق استرداد الحق المتنازع عليه محاربا بذلك فكرة المضاربة التي يلجأ إليها عادة المتنازل له. و سنتطرق إلى هذا بنوع من التفصيل في الفرع الثاني.
الفرع الثاني: شروط ممارسة دعوى الاسترداد
تنص المادة 400 من القانون المدني الجزائري أنه : "يعتبر الحق المتنازع فيه إذا رفعت من أجله دعوى أو كانت محل نزاع جوهري" و عليه يظهر للوهلة الأولى أنه يجوز ممارسة دعوى الاسترداد فقط إذا كان الحق محل دعوى قضائية أو كان محل نزاع جوهري دون الإشارة إلى طبيعة هذا الحق هل هو عيني أو شخصي ؟( ).
كما أن المشرع الجزائري لم يقصد بعبارة صريحة عملية البيع في المادة 400 فقرة أولى من القانون المدني الجزائــري بل أورد عبـارة "تنازل" و عليـه من خلال هذه الإشكاليـات يمكن حصر شروط الحق المسترد كما يلي:
1-أنه يكون الحق المسترد متنازعا فيه: طبقا لنص المادة 400 فقرة 02 من القانون المدني الجزائري الأمر الذي تطرقنا إليه بنوع من التفصيل في المطلب الأول، و لا بأس أن نثريه بمـا استقر عليـه القضاء المصري في قرار صادر عن محكمة النقض المصرية لجلسة 07/04/1983 في الطعن المسجل تحت رقم82 سنة 7ق. أنه شراء الدين من غير ضمان بأقل من قيمته لا يعتبر معـه الدين متنازعا عليها، إذ يجب لاعتبـار الحق المبيع من الحقـوق المتنازع عليه أن يكون قائــما بشأنـه، وقت التنازل عنه، خصومة أمام القضـاء، و أن النزاع فيهـا منصـبا على أصـل الحـق le fond de droit- - أي متعلقا بوجوده أو بطريقة التخلص منه كالسداد أو السقوط بمضي المدة، فكل العراقيل التي تعترض السداد بفعل المدين، كالدفع بعدم الاختصاص أو بعدم وجود صفة المدعي، لا يعتبر معها الدين متنازعا عليه، لأنها غير متعلقة بأصلة( ).
2- أن يكون النزول على الحق بمقابل : وفي هذا المنوال يجب أن يكون التصرف بمقابل نقدي كثمن المبيع أو بمقابل آخر كالمثليات( ) و منه يستوجـب في التصرف أن يقع بمقابل وبمفهوم المخالفة كل تصرف دون مقابل لا يحتمل فيه فكرة المضاربة و هي العلة التي أسس عليها المشرع الحظر الواقع على بيع الحقوق المتنازع فيها، و من ثم نقل الحق بطريق الهبة لا يرقى إلى فكرة المضاربة بحيث ينتقل الحق للمتنازل له بدون مقابل( ).
هل يجوز الاسترداد إذا كان المقابل غير الثمن النقدي ؟.
الأصل في المادة 400/01 من القانون المدني الجزائري "إذا تنازل شخص عن حق منازع فيه..." فعند القراءة الأولى يتبادر إلى ذهننا التنازل بمقابل ثمن نقدي و هو البيع بحكم أنه يشكل مضاربة صارخة للحق المتنازع فيه. و لكن هل ترقى المقايضة لتكون محلا لممارسة دعوى الاسترداد ؟.
لقد اختلف الفقه حول هذه المسألة.
الــرأي الأول:
يرى الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري : أنه لا بد أن يكون المقابل نقدا و على هذا الأساس تخرج عنه المقايضة و بالتالي لا يمكن ممارسة دعوى الاسترداد لكون المسترد لا يمكنه دفع ثمن البيع الحقيقي بل يقدم له تعويضات و عملا بنص المادة 400/01 من القانون المدني الجزائري لا تشترط أن يكون حتما التنازل عن طريق البيع، بل قد يكون هناك طريق آخر و بمقابل نقدي و من ثم ممارسة دعوى الاسترداد. مثاله وجود حق متنازع فيه بين شخصين و يوفيه للآخر نزولا عن دين بينهما. أو إزاء وقوع صلح بينهما يقدم الأول للثاني مبلغا مقابل تنازله على الحق المنازع فيه للآخر( ).
و يشترك الدكتور خليل أحمد حسن قدادة مع الرأي السابق بحجة أن ظاهر النص ينص على رد الثمن الحقيقي و بالتالي تخرج المقايضة عن ممارسة دعوى الاسترداد ( ).
الــرأي الثاني:
يرى الدكتور أحمد حسين نص المادة400/01 من القانون المدني الجزائري يحتمل تفسيرين آخذا بظاهر النص فمن جهة تتكلم المادة أن يكون التصرف بيعا بحكم المادة 400/01 من القانون المدني الجزائري "يرد الثمن الحقيقي..." و يلاحظ من جهة أخرى أن النص يقول"تنازل شخص..." و لم يقل إذا "باع الشخص" و عليه يصح الاستيراد آخذا بظاهر النص في المقايضة أيضا بشرط أنه يرد المسترد للمتنازل له قيمة المال الذي قايضه به ومن باب أولى مادامت المضاربة تتحقق في كل التصرفات الناقلة للحق بمقابل ومن ثم لا يشترط أن يكون التصرف بيعا( ).
وما يستخلص من خضم دراسة هذه الآراء فان رأي محمد حسن هو الأقرب للصواب لتماشيه مع إرادة المشرع نصا و روحا، كونه التزم بظاهر النص من جهة، و يحارب المضاربة في الحق المتنازع فيه من جهة أخرى.
ولا يشترط في البيع أن يكون رضائيا و إنما إذا وقع عن الحق المتنازع فيه نتيجة بيع قضائي فانه يجوز الاسترداد. نظرا لإطلاق عبارة النص.
يعتبر هذين الشرطين هما الأصليين في ظل التشريع الجزائري وهما أن يكون الحق المسترد متنازعا فيه و أن يكون بمقابل. و قد ذهب بعض الشراح لإضافة شرط ثالث لإمكانية ممارسة حق استرداد الحق المتنازع فيه من يد المتنازل له.
3-أن يتم التصرف في هذا الحق إلى عالم بالنزاع حوله-المضاربة-: فيشترط لجواز الاسترداد أن يكون المتصرف إليه-المشتري- عالما بالنزاع الواقع على الحق. و بمفهوم المخالفة لو لم يكن يعلم بما نسب إليه قصد المضاربة لسقطت أحقية ممارسة دعوى الاسترداد.
في حين فإن المقصود بنص المادة 400 من القانون المدني الجزائري أساسا هو المضاربة الواقعة على الحقوق المتنازع فيها وهذا ما ذهب إليه الدكتور محمد حسين( ). فهو بذلك يسد ذريعة ممارسه حق استرداد الحق المتنازع فيه على أساس فكرة المضاربة و التي لا تكون إلا بالمعلم المسبق للمتصرف إليه.
كما ذهب الدكتور السيد تناغو إلى نفس الفكرة و مؤسسا رأيه في اشتراط أن يكون المتصرف إليه في الحق المتنازع فيه يعلم بالنزاع وقت التصرف لاتحاد العلة لكون المشتري ي هذه الحالة لا يكون مضاربا.
و بالنتيجة لا يجوز للمتنازل ضده استرداد هذا الحق معللا رأيه بالمذكرة الإيضاحية التي تقدم على منع فكرة المضاربة( ).
في حين أن عبد الرزاق أحمد السنهوري أبقى على الشرطين المشار إليهما سابقا مستبعدا بذلك شرط علم المتصرف إليه في الحق المتنازع فيه وقت التصرف( ).
وعن طريق المفاضلة بين الرأي الذي يشرط عدم علم المشتري وقت التصرف أن الحق متنازع فيه.
و الرأي الذي يستبعد هذا الشرط مكتفيا فقط أن يكون الحق متنازعا فيه و أن يكون بمقابل لابد من ترجيح الكفة لحماية المتنازع ضده لكونه المشرع تدخل أساسا لحماية هذا الأخير من المتنازل له الذي غالبا ما يكون محترفا لمثل هذه العمليات التي يقصد من ورائها المضاربة و اتخاذ إجراءات تسويفية.
و إن تدخل المشرع بنص المادة400 من القانون المدني الجزائري و هي منع التعامل في الحقوق المتنازع عليها و إقرار دعوى الاسترداد للمتنازل ضده التي يمارسها في مواجهة المتنازل له الغاية منها هي محاربة فكرة المضاربة التي تنطوي على سوء نية المتصرف إليه. والتي يمكن إثباتها بجميع طرق الإثبات من قبل المتنازل ضده و التي يكشف عليها و للوهلة الأولى إذا ما كان الثمن الذي تنازل عليه زهيد فهو غير حقيقي مقارنة بالحق المتنازع عليه.
و عليه لو اعتمدنا على الرأي الأول الذي أضاف شرط علم المتنازل له بأن الحق متنازع عليه وقت التصرف يحمي بذلك كاهل القضاء من العديد من الدعاوى التي لا مصلحة فيها لان المصلحة التي خولها المشرع في نص المادة 400 من القانون المدني الجزائري للمتنازل ضده في مباشرة حق الاسترداد هي محاربة فكرة المضاربة التي عادة ما يلجأ إليها المتنازل له و عليه بغياب سوء النية لهذا الأخير تنفي مصلحة المتنازل ضده قي ممارسة حق الاستيراد.
وفي غياب الممارسة القضائية تبقى هذه مجرد آراء تحتمل تارة الصواب و تارة أخرى الخطأ. والى حين صدور الاجتهادات القضائية في مجال بيع الحقوق المتنازع فيها يبقى الفقه يجتهد.
إن المادة400 من القانون المدني الجزائري جاءت بصياغة عامة و من ثمة يستوي في الحق الذي يراد استرداده أن يكون حقا عينيا أو شخصيا، ولا يقتصر الحق العيني على حق الملكية كما يتجاوز إلى كل الحقوق العينية المتفرعة كحق الارتفاق و الانتفاع...الخ( ).
و بتمــام هذه الشروط يمكن للبائع ممارسة دعوى الاسترداد بكيفيات و طرق نتطرق إليها في دراستنا في الفرع الثالث.
الفرع الثالث: كيفية ممارسة دعوة الاسترداد
من خلال استقراء المادة 400 من القانون المدني الجزائري يتم الاسترداد باجتماع أمرين أولهما هو إعلان المدين إرادته في الاسترداد وثانيهما هو رد المشتري الثمن الحقيقي وفوائده والمصروفات.
أولا: إعلان المدين إرادته في استرداد الحق:
بتوفر شروط الاسترداد المشار إليها آنفا يجب على المتنازل ضده أن يعلن رغبته في استرداد الحق المتنازع عليه بأية وسيلـة يمكن إثباتها( ) و بالتالي لا يحتاج الإعلان إلى شكل خاص. فالمتنازل ضده يعلن إرادته في الاسترداد عن طريق طلبه في المحكمة من المشتري بالشكل العادي الذي تبدى به الطلبات في الخصومة يوجه الطلب إلى المتنازل له دون المتنازل لكون المتنازل له – مشتـري الحـق المتنازع عليه- هو الخصم في دعوى الاسترداد( ).
هناك فرضيتين إما تكون هناك دعوى منظورة أمام ساحة القضاء سواء رفعها المشتري على البائع يطالبه بالحق المتنازع فيه الذي اشتراه هنا يدخل المتنازل ضده بدعوى الاسترداد رافعا إياها ضد المشتري لوحده. أو احتمال أن يعلم المتنازل ضده بعملية بيع المتنازل للمتنازل له المال محل النزاع فهنا يرفع المتنازل ضده دعوى ضد المتنازل له لوحده يقصد من ورائها استرداد الحق المتنازع عليه. كمـا يجـب إعلان الرغبة في الاسترداد قبل أن ينتهي النزاع بصدور حكم نهائي في موضوع الحق كما يجب أن يطلب الاسترداد بصفة أصلية أمام القضاء فلا يصح طلب الاسترداد بصفة احتياطية ذلك أن الحكمة من تخويل هذه الرخصة هي حسم النزاع( ).وما استقرت عليه محكمة النقض المصرية في هذا السياق في القرار الصادر عنها بتاريخ07/07/1938 في الطعن لمسجل تحت رقم 82سنة 7ق أن القانون لا يخول للمدين – المتنازل ضده- الحق غي استرداد الدين المبيع بعرض الثمن على المشتري إلا إذا كان ذلك حاصلا بصفة أصليــة و بغير منازعة في أصل الدين رغبة في إنهاء الخصومة صلحا على هذا الأساس( ).
و يطلب الاسترداد في أي وقت يكون الحق لا زال متنازعا فيه و تسقط دعوى الاسترداد بمضي 15 سنة من يوم النزول على الحق المتنازع عليه( ). طبقا لنص المادة 308 من القانون المدني الجزائري.وعليه يستخلص مما سبق أن إعلان المدين عن إرادته في استرداد الحق المتنازع فيه يتم دون حاجة لاستعمال شكل معين كون القانون لم يشترط ذلك و يوجه هذا الإعلان من المدين- المتنازل ضده-، إلى المشتري و ليس ضد البائع-المتنازل- لأن المشتري هو الشخص الوحيد المعني بذلك( ).
وقد يتنازل المشتري عن الحق المتنازع فيه إلى شخص آخر قبل ممارسة دعوى الاسترداد على المشتــري و هنا يرى السنهوري أن ترفع دعوى الاسترداد ضد المشتري الثاني و الذي سيحصل على مركز المتنازل له بدلا من المشتري الأول ( ).
ثانيا: أن يدفع المسترد للمشتري الثمن الحقيقي و كذلك المصروفات:
تنص المادة 400/01 من القانون المدني الجزائري " إذا تنازل شخص عن حق متنازع فيه للمتنازل ضده أن يتخلص من هذا الشخص برد ثمن البيع الحقيقي له و المصاريف الواجبة".
يستصاغ من هذه الفقرة أن إعلان استرداد الحق المتنازع فيه يكون عديم الأثر ما لم يقوم المتنازل ضده بعرض الثمن الحقيقي بالإضافة إلى المصاريف الواجبة للمتنازل له وعلى هذا الأساس ماذا يقصد بالثمن الحقيقي و المصاريف الواجبة في نص المادة400/01 من القانون المدني الجزائري؟
للإجابة على هذا السؤال سنحدد مفهوم كل واحد منها على النحو التالي:
1. مفهوم الثمن لحقيقي الوارد في نص المادة400/01 من القانون المدني الجزائري:
تقابل هذه المادة نص المادة 469/01 من القانون المدني المصري و المادة 1699 من القانون المدني الفرنسي. أن التخلص من المطالبة بالحق المتنازع فيه لا يكون إلا بالوفاء بالثمن الحقيقي الذي دفعه المشتري لشراء الحق المتنازع فيه للبائع و قد أراد المشرع ذكر لفظ "الحقيقي" لوضع حد للثمن الصوري الذي قد يذكره المتنـازل و المتنازل له في عقد البيع( ). فغالبا ما يكون المتنازل له محترف الشغب القضائي أي من الذين يأخذون هذا الحق المتنازع عليه بثمن بخس( ). ويقصدون المضاربة من ورائه و بالتالي حماية المشرع للمتنازل ضده أقر بدفع الثمن الحقيقي دون أن يقتصر في الصياغة على الثمن فقط لسد ذريعة اتفاق المتنازل و المتنازل له بإدراجهما في العقد ثمن خيالي و صوري حتى لا يكون الاسترداد باهظ التكاليف على المتنازل ضده مما يجعل هذا الأخير يعدل على الاسترداد مع الإشارة إلى أن عبء إثبات الثمن الحقيقي يكون على عائق المتنازل ضده و يكون بكافة طرق الإثبات عملا بالقواعد العامة لكون المتنازل ضده في العلاقة ما بين المتنازل و المتنازل له يعتبر من الغير مما يجعل هذه العلاقة بالنسبة للمتنازل ضده بمثابة واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات( ).
2. مفهوم المصاريف الواجبة:
يدخل في هذا القبيل أتعاب الموثق الذي قام بتحرير عقد التنازل ورسوم التسجيل ورسوم الدمغة ومصاريف إعلان الحوالة ( ) ورسوم الطوابع وأتعاب المحامي والسمسرة ( ).
وعليه طبقا لنص المادة 400/01 من القانون المدني الجزائري على المتنازل ضده أن يدفع بالإضافة إلى الثمن الحقيقي جميع المصاريف الواجبة المشار إليها أعلاه وللإشارة ما دام المشرع قد نص على الثمن الحقيقي بكل مشتملا ته بمعنى إذا كان الثمن الحقيقي مؤجلا أو مقسطا فإن المتنازل ضــده يستفيد من هذا التأجيــل أو التقسيط. وبحسب عبارة المادة 400/01 من القانون المدني الجزائري فإن المسترد يجب عليه أن يدفع هذه المبالغ دون أن يوضح ما إن كان عرض الثمن كافي أم أنه لا بد من الدفع الحقيقي.
لقد اختلف الفقهاء في مسألة عرض الثمن أو دفعه فيرى عبد الرزاق أحمد السنهوري أنه بصراحة المادة 369/01 قانون مدني مصري والتي تقابلها المادة 400/01 قانون مدني جزائري أن الاسترداد لا يحدث أثره إلا إذا تم الرد أو العرض( ) بمعنى أنه لا ضرر في عرض الثمن فحسب كما ذهب بعض الشراح في مصر للقول أن طلب الاسترداد لا يكون مقبولا إلا إذا تم عرض الثمن عرضا حقيقيا بإذاعة خزانة المحكمة إذ به تتأكد جدية طلب الاسترداد .
غير أن الرأي السائد في الفقه المصري هو عدم لزوم ذلك على أساس النص لم يستلزمه، كما يرى الدكتور محمد حسنين أن الرأي الرامي بإيداع خزانة المحكمة الثمن الحقيقي هو الأرجح بحجة أنه يحسم الموقف( ).
غير أنه ولغياب قرارات المحكمة العليا الفاصلة في هذا الشأن لا يمكن إلزام المتنازل ضده بإيداع الثمن الحقيقي والمصاريف الواجبة في خزينة المحكمة مما يستوجب ترجيح رأي الدكتور وعبد الرزاق أحمد السنهوري أخذا بظاهر نص المادة 400/01 من القانون المدني الجزائري.
لقد لاحظنا أنه في باب بيع الحقوق المتنازع عليها لعمال القضاء ومن حكمهم مآلها البطلان المطلق الأمر الذي يطرح إشكال هل يجوز استرداد عمال القضاء ما عليهم من حقوق متنازع عليها؟
إن نص المادة 400/01 قانون مدني جزائري تجيز للمتنازل ضده المدين استرداد الحق المتنازع عليه مقابل دفع الثمن الحقيقي والمصروفات الواجبة ولكن إذا كان المتنازل ضده في هذه العلاقة هو أحد عمال القضاء المنصوص عليهم في المادتين 402و403 من القانون المدني الجزائري هل يجوز له الاستناد إلى نص المادة 400/01 من القانون المدني الجزائري لاسترداد الدين من المتنازل له؟ أم يعتبر هذا الاسترداد شراء لحق متنازع فيه؟ فيحرم عليه بالشروط المنصوص عليها في المادة 402 و 403 من القانون المدني الجزائري ؟ قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أنه بمثابة شراء لحق متنازع منه طبقا لنص المادتين 402 و 403 من القانون المدني الجزائري لأنه إذا كانت المادة 400 من القانون المدني الجزائري أجازته فإن حكمها منسوخا فيما يتعلق بعمال القضاء بحكم المادتين 402و403 قانون مدني جزائري لخصوصه، ولأن حكم المادة 400/01 قانون مدني جزائري قصد به مراعاة مصلحة المدين في حين أن حكم المادتين 402 و 403 قانون مدني جزائري قصدت به المصلحة العامة وهي أولى بالتغليب من المصلحة الخاصة غير أن هذا الرأي مردود عليه لأن الحكمة من الاستثناء الوارد في المادتين 402 و403 قانون مدني جزائري هي منع عمال القضاء ومن حكمهم من المضاربة في الحقوق المتنازع عليها باستعمال نفوذهم أو لمنع تعرضهم للشبهات فيما يتعلق بها وما دام رجل القضاء متنازل ضده فإن هذا أبعد أن يكون عن فكرة المضاربة ولا محل فيه لأي شبهة وبالنتيجة لا مجال لتحريمه عليه( ) ونشير إلى أن محمد حسن ذهب مع هذا الرأي لانتقاء فكرة المضاربة ولا تحاذ العلة( ).
بعد ضبط أحكام ممارسة دعوى الاسترداد آن الأوان لحصر الحالات التي تخرج من مجال ممارسة هذه الدعوى.
المطلب الثاني: الحالات التي لا يجوز فيها الاسترداد
لقد نص المشرع الجزائري صراحة في القانون المدني في المادة 401 منه تقابلها نص المادة 470 من القانون المدني المصري وهي حالات استثنائية جاءت على سبيل الحصر وليس المثال وهي (04) أربع حالات لا يجوز فيها إلا الاسترداد لانتقاء فكـرة المضـاربـة، و سنتطرق لكل حالة منها على حدى.
الحالة الأولى إذا كان الحق المتنازع فيه داخلا ضمن مجموعة أموال بيعت جزافا بثمن واحد:
مثال ذلك بيع التركة فهي مجموعة من المال بما له من حقوق وما عليه من ديون وعليه لا ننظر هنا إلى عنصر من عناصر بالذات وبالتالي إذا كان الحق المتنازع فيه يفقد ذاتيته ويفنى مع العنـاصر الأخرى في مجموع التركة، هنا تنعدم فكرة المضاربة في هذا الحق بالذات وعليه لا يجوز استرداده وبالتالي إذا اشترى شخص من وارث نصيبه في التركة وكان ضمن هذا النصيب دين للتركة في ذمة أجنبي وهو دين ينازع فيه المتنازل ضده فهنا المتنازل له أصبح صاحب هذا الحق المتنازع فيه. ولا يستطيع المتنازل ضده أن يسترده منه( ).
الحالة الثانية إذا كان الحق المتنازع فيه مشاعا بين ورثة أو شركائه وباع أحدهم نصيبه للآخر:
وقد عللت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصـري منـع الاسترداد في هذه الحالة بقولها " أن الاشتـراك في الميراث أو الشيوع قد يكون هو الدافع إلى الشراء هنا مما يعارض فكرة المضاربة ( )، ناهيك على أن إجازة الاسترداد في هذه الحالة لا تؤدي إلى حسم النزاع بصفة نهائية .
والملاحظ أن شراء الشريك لنصيب شريكه لا يقصد به المضاربة بل هو إلا قسمة أو خطوة نحوها. أما إذا كان الشريكان في الحق ينازعهما أجنبي يدعي ملكية الحق معهما وكان الحق ذاته متنازعا فيه مع المدين به ثم ترك الأجنبي عما يدعيه للمشتركين عندها لا يكون ضمن هذا الاستثناء وهنا يجوز للمتنازل ضده أن يباشر دعوى الاسترداد، لاسترداد الحق المتنازع عليه لكون هذا الاستثناء يقتضي أن يبيع أحد الشريكين للآخر نصيبه، لا أن أجنبيا عنهما يكون هو المتصرف( ).
الحالة الثالثة إذا تنازل المدين لدائنه عن حق متنازع فيه وفاءا للدين الثابت في ذمته:
وتفترض هذه الحالة، أن المدين له حق في ذمته شخص آخر متنازع فيه بينهما، ثم يتنازل المدين عن هذا الحق لدائنه كوفاء لدينه الذي في ذمته له، في هذه الحالة لا يجوز الاسترداد هذا الحق من قبل المتنازل ضده لأن قبول الدائن المتنازل له بالحق ينفي فكرة المضاربة حيث يقصد من وراء قبوله الوفاء بحقه مما يجعل عملية تنازل المتنازل عن الحق المتنازع فيه للمتنازل له وفاء بمقابل لا مضاربة فيها.
مثاله كأن يكون (أ) له حق متنازع فيه مع (ب) ، ويكون (أ) في نفس الوقت مدينا ل (ج) فوفاءا منه بحق (ج) يتنازل عن حقه المتنازع فيه مع (ب)( ). هنا لا يمكن ل (ب) ممارسة دعوى الاسترداد على (ج).
الحالة الرابعة: إذا كان الحق المتنازع فيه دينا مترتبا على عقار وبيع العقار لحائز العقار
أو بعبارة أخرى إذا كان الحق المتنازع فيه يثقل عقارا وبيع الحق لحائز هذا العقار فحائز العقار المرهون الذي يشتري الدين المضمون بالرهن والذي قد يكون متنازعا فيه فهناك تكون عملية الشراء إلا وسيلة لتخليص عقاره المثقل بالرهن وليس بنية المضاربة في الحق المتنازع فيه( )، فعله المشرع بوضع هذه الحالة من الحالات الاستثنائية التي تخرج منها ممارسة حق الاسترداد هي انتفاء فكرة المضاربة في التعامل في الحق المتنازع فيه لأن الرخصة التي وضعها المشرع للممارسة دعوى الاسترداد ما هي إلا وسيلة للحد من التعامل و المضاربة في الحقوق المتنازع عليها، و عليه بانتفاء السبب- وهو المضاربة- تسقط معه دعوى حق الاسترداد. و بالمثال الموالي يتضح المقال.
مثاله أن يكون (أ) صاحبا لأحد العقـارات المرهونـة وفاءا لدين متنازع فيـه ل(ب) على(ج)، فإذا اشترى (أ) الدين من (ب) مثلا، فلا يجوز ل (ج) استرداده لان (أ) لم يقصد المضاربة بل قصد تخليص العقار من الرهن الذي يثقل كاهله( ).
هذه هي الحالات التي أوردها المشرع الجزائري في القانون المدني و التي تخرج من مجال ممارسة دعوى استرداد الحق المتنازع عليه لانتفاء فكرة المضاربة. مع الإشارة أن هذه الحالات الأربع المشار إليها سابقا جاءت على سبيل الحصر فهي شاذة والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه، ومن هذه الزاوية فان ذهاب بعض الفقهاء و الشراح لاعتبار التصرفات الواردة على الحق المتنازع فيه والتي تكون في شكل عقود تبرع تخرج هي الأخرى من مباشرة دعوى الاسترداد. و بما فيها من لم يعلم بالنزاع في وقت التصرف بحجة أنه تنتفي فكرة المضاربة( ). الأمر الذي يجعل هذين الحالتين تخرجان من مجال الحظر الواقع على ممارسة حق الاسترداد بحجة أن الحالات المشار إليها في المادة 401 من القانون المدني الجزائري جاءت على سبيل الحصر من جهة و من جهة أخرى أن نية المشرع في التضييق في زاوية المنع الوارد على ممارسة دعوى الاسترداد ما هي إلا وسيلة لحماية المتنازل ضده و الحد من فكرة المضاربة بحجة أن المتنازل له بحكم الممارسات القضائية ما هو إلا شخص يحترف مثل هذه الممارسات التضليلية مع الإشارة إلى أن المشرع لم ينص على عقود التبرع في نص المادة401من القانون المدني الجزائري إلا أنها مستبعدة ليس بحكم المادة 401 لكنها بصريح المادة400 من القانون المدني الجزائري التي تشترط أن يدفع المتنازل ضده للمتنازل له الثمن الحقيقي.
بعد ضبط مفهوم دعوى الاسترداد و التطرق لشروط و كليفيات استرداد الحق المتنازع فيه وحصر الحالات التي تخرج من مجال ممارسة هذه الدعوى أصبح لزوما دراسة الآثار المترتبة على هذه الدعوى الأمر الذي سنتطرق له بنوع من التفصيل في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: آثار الاسترداد
تقع آثار ممارسة حق الاسترداد وقعا صحيحا في العلاقة ما بين المشتري -المتنازل له- والبائع- المتنازل- وفي العلاقة ما بين المتنازل ضده و البائع( )من جهة ومن جهة أخرى يقع آثار الاسترداد عل محل الحق المتنازع فيه بحسب طبيعة هذا الحق. وعليه سنطرق بنوع من التفصيل في المطلب الأول إلى آثار الاسترداد على أطراف العلاقة، و في المطلب الثاني إلى آثار الاسترداد على الحق المتنازع فيه.
المطلب الأول: أثار الاسترداد على أطراف العلاقة
إذا استرد المتنازل ضده الحق المتنازع فيه من المشتري، فإن هذا لا يعني أنه أقر بأن الحق ليس له، وكل ما عناه بالاسترداد أنه قصد وضع حد للخصومة القائمة حتى لا يحسم النزاع في أمر لا تعرف مغبته( )
و بالتالي إذا تم الاسترداد على الوجه الصحيح فإنه ينتج أثره لا محالة، أولا: في العلاقة مــا بـيـن المشتري و المتنازل ضده، ثانيا: في العلاقة ما بين المشتري و البائع، ثالثا: في العلاقة ما بين المتنازل ضده و البائع.
الفرع الأول: في العلاقة ما بين المشتري و المتنازل ضده.
يترتب بصفة آلية على الاسترداد حلول المسترد محل المشتري –المتصرف إليه- بأثر رجعي أي من تاريخ التصرف. مع العلم أنه لا يعتبر هذا شراء جديد، وكأنه هو المتصرف إليه من أو مرة، فيكون المشتري في هذه العلاقة وكأنه لم ينتقل إليه الحـق على الإطـلاق( )، ولاحظنا سابقا أنه قد يتنازل المشتري للحق المتنازع فيه إلى مشتري آخر قبل مباشرة دعوى الاسترداد ( )، فهنا يستوجب مباشرة دعوى الاسترداد على المشتري الثانـي و ليس المتصرف إليه الأول، مع بقاء العلاقة ما بين المتصرف إليه الأول و الثاني صحيحة ما لم تكن مشوبة.
و على وجه الخصوص يترتب على استرداد الحق سقوط جميع الحقوق التي يكــون المشتـري قـد رتبها على الحق قبل الاسترداد. كأن يكون المشتــري قد رتب رهنا لأحد الأشخـاص على العقار أو حق ارتفاق أو انتفاع، فتعتبر هذه الحقوق بعد الاسترداد كأن لم تكن، و إذا كان دائن المشتري قد استصدر حكما من القضاء بالحجز، فإنه يسقط بمجرد وقوع الاسترداد لأن محل الحجز لم يعد مملوكا للمشتري( ). إذا كانت هذه التصرفات التي قام بها المتصرف إليه في الحق المتنازع فيه لا يعتد بها قبل المتنازل ضده، فما حكم المشتري الذي يقوم بدفع رسوم أكبر بسبب المبالغة في الثمن المصرح به في العقد ؟ لأن المشتري غالبا ما يكون محترفا في مثل هذه التصرفات فليلجأ إلى الصورية.
الجواب على هدا السؤال يكون بالنفي بحجة أن المتنازل ضده ليس مسؤولا بما انجر عن المشتري من رسوم جراء التصريح الكاذب في الثمن عملا بظاهر النص المادة 400 من القانون المدني الجزائري التي تهدف إلى الحد من لجوء المتنازل له إلى الصورية والمضاربة في الحقوق المتنازع فيها.
الفرع الثاني: في العلاقة مابين المشتري و البائع
تبقى هذه العلاقة قائمة و صحيحة فهي لا تنقض بالاستيراد ( ). و يذهب غالب الفقهاء إلى قول ببقاء عقد البيع بين المتنازل و المتنازل له بعد الاسترداد على أساس أن الاستــرداد يوجه ضد المشتري وحده دون البائع، ومن ثم لا تتأثر العلاقة بين البائع والمشتري، و ينجر عنه أنه يكـون للبائع الحق بمطالبة المشتري بالثمن و الالتزامات الأخرى الناشئة عن عقد البيع، ولا يحل المسترد محل المشتري في هذه الالتزامات، لان البائع لم يتعامل معه فلا يجبر على معاملته، و لا يجوز للمشتري الرجوع على البائع بالضمان بعدما انتزع المسترد الصفقة من يد المشتري. إلا إذا كان المشتري يجهل أنه اشترى حقا متنازعا عليه فيكون له الرجوع على البائع بالضمان و التعويض( ). و هذا ما استقرت عليه محكمة النقض المصرية في لقرار الصادر بتاريخ 18/01/1948 في الطعنان المسجلان تحت رقم 111 سنة 16ق و 10 سنة 17 ق. بحيث أنه متى كان الحكم قد اثبت أن المدعي لم يشتر إلا مجرد حق متنازع فيه، فإن قضاءه برفض دعواه بالضمان يكون موافق لحكم المادة 353 من القانون المدني المصري الـتي تقضي بأن لا ضمـان أصلا على من باع مجرد حق متنازع فيه ( ).
الفرع الثالث: في العلاقة مابين المتنازل ضده و البائع
يذهب الرأي السائد في الفقه الفرنسي أن اثر الاستـرداد هذا نسبـي فهـو قاصر على علاقة المتنازل ضده و المتنازل له فيما بينهما، أما بالنسبة للمتنازل فلا يحتج عليه بحلول المتنازل ضده محل المتنازل له.ويكون للمتنازل أن يطالب المتنازل له بالثمن و كأن الاسترداد لم يحصل أي أن التصرف يظل قائما في علاقة البائع بالمشتري و يبالغ أصحاب هذا الرأي في منطقهم، يقولون بأن للبائع أن يطالب المتنازل ضده بالثمن مستعملا حقوق مدينه أي المشتري بواسطة دعوى غير مباشرة ( ) .
و يرى الأستاذ عبد المنعم البداوي في هذا الصدد أن الاسترداد لا يعدو أن يكون وسيلة لإبراء ذمة المدين. فليس من اثر الاسترداد إنشاء علاقة مباشرة بين البائع و المسترد، فلا يستطيع البائع مطالبة المسترد بالثمن بدعوى مباشرة و إنما يرجع عليه بدعوى غير مباشرة ثم أن المسترد لا يعتبر انه قد تلقى حقا من المشتري الذي أستعمل خيار الاسترداد في مواجهته لأن كل ما يترتب على الاسترداد هو انتهاء الدين إذا كنا بصدد حوالة حق أو زوال النزاع الذي ثار حوله الحق العيني محل التنازل. و عليه المسترد لا يعتبر خلفا خاصا للبائع و لا للمشتري لأننا بصدد حق متنازع فيه كان المسترد نفسه طرفا فيه( ).
و يذهب جانب في الفقه الفرنسي وفقا للتقاليد القانون الفرنسي القديم إلى جواز رجوع البائع على المسترد بالثمن عن طريق دعوى غير مباشرة استعمالا للبائع لحق مدينه المشتري قبل المسترد و إمكانية البائع لمباشرة دعوى مباشرة على المسترد( ).
الأرجح انه لا يجوز للبائع إلا ممارسة دعوى غير المباشرة طبقا لنص المادة 189 من قانون المدني الجزائري في حالة ما إذا لم يدفع المسترد الثمن الحقيقي و المصاريف الواجبة إلى المتنازل له فهنا يكون المتنازل له دائن للمسترد بالثمن و المصاريف الواجبة و يكون البائع إذا لم يسدد له المتنازل له ثمن الحق المتنازع فيه دائنا لهذا الأخير مما يجعل المسترد في مثابة مدين البائع مما تخوله نص المادة 189 من القانون المدني الجزائري ممارسة الدعوى غير المباشرة في مواجهة المسترد للمطالبة بالثمن الحـقـيـقـي و المصاريف الواجبة. ولا مجال لممارسة الدعوى المباشرة. لأن الدعوى المباشرة عادة لا تكون إلا بنص و لغياب نص في القانون المدني الجزائري في هذا المجال لا يسمح للبائع بالرجوع على المسترد بواسطة دعوى مباشرة.
كما يترتب على استرداد المدين للحق إنهاء هذا الحق الأخير إذا كان شخصيا و قطع الخصومة إذا كان الحق عينيا و عليه الحق المتنازع عليه لا ينتقل من البائع إلى المسترد. والعلة في ذلك أن هذا الحق كان متنازعا فيه من البائع و المسترد، فهنا الاسترداد قد حسم النزاع و بالتالي يسقط حق البائع في مطالبة المسترد بالحق المتنازع فيه، و عليه يصبح أثر الاسترداد كأثر الصلح في حسم النزاع ( ).
يرى الدكتور محمد حسنين أنه يجب أن يقاس استرداد الحق المتنازع فيه على استرداد الحصـة الشائـعـة و على الشفعة. ففي كليهما يحل المسترد أو الشفيع محل المشتري وذلك بصريح النص الوارد في المادة 721/01 من القانون المدني الجزائري تقابلها المادة833/01 من القانوني المدني المصري،و المادة 804/01 من القانون المدني الجزائـري، والتي تقابلها المادة 945/01 من القانون المدني المصري عن آثار استرداد الحصة الشائعة والشفعة و ليس هناك لأن ينفرد الحق المتنازع فيه بحكم خاص في هذا الشأن( ).
فرأي محمد حسنين الذي أنزل المسترد في الحق المنازع فيه منزله المسترد في الحصة الشائعة و الشفعة في الحقوق و الواجبات قبل البائع يستحق إعادة نظر سواء في الحقوق والوجبات و النصوص القانونية المنظمة لكل منها فإنه بصراحة المادة 721/1 و المادة 802و804/1 من القانون المدني الجزائري فإنه على الشريك المسترد أن يباشر دعواه على كل من البائع و المشتري و نفس الشيء بالنسبة للشفيع التي تلزم بمباشرة هذا الأخير دعواه على كل من البائع و المشتري في حين أنه المادة 400 من القانون المدني الجزائري أن المسترد يباشر دعواه فقط على المشتري دون البائع.
فهنا لو قسنا المسترد في بيع الحقوق المتنازع فيها على المسترد في الحصة الشائعة و الشفعة فيها لألزمناه بما لم ينص عليه القانون، ومن جهة أخرى فإن الخصوصية التي تميز هذا النوع من الاسترداد عن غيره من الحالات الأخرى. أن المسترد هنا مدين بالحق المنازع فيه للبائـع، فهو ليس أجنبي عن الحق بعكس الشفيع فهذا الأخير لا يلقى الحق بل ينهيه أو يقطعه بحسب محل الحق المتنازع فيه( ).
وعليه فإن الأثر الجوهري في علاقة البائع بالمسترد هو حق البائع في مباشرة الدعوى غير المباشرة على المسترد إذا لم يفي بالثمن و الحقوق الواجبة للمتنازل له. و أن الحق المتنازع فيه لا ينتقل من البائع للمشتري و أن البائع يسقط حقه في مطالبة المسترد بشيء من الحق المتنازع فيه لأن الاسترداد يحسم النزاع بين البائع و المسترد حول الحق المتنازع فيه ( ).
و عليه من خلال ما سبق يكون الاسترداد قد أوقع أثره في العلاقة مابين أطراف العـلاقـة سواء المشتري و البائع و المتنازل ضده. مع أنه لا معنى لهذا الأثر ما لم يكن الاسترداد قد وقع صحيحا، ناهيك عن الآثار التي تترتب على الاسترداد بين أطراف العلاقة فإنه ينصب آثار على محل الحق الذي نتطرق إليه بنوع من التفصيل في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: آثار الاسترداد على الحق المتنازع فيه
إزاء مباشرة المسترد دعواه فإنه يحسم النزاع القائم حول الحق المتنازع فيه و بالتالي يختلف هذا الحسم بحسب موضوع الحق المتنازع فيه سواء حق شخصي أو عيني باستثناء الحالات الأربع المنصوص عليها في المادة 401 من القانون المدني الجزائري التي تخرج هذه الحالات من مجال ممارسة حق الاسترداد. فإذا كان الحق المتنازع فيه حقا شخصيا فإن الاسترداد ينهيه، إما إذا كان حقا عينيا فإنه يقطع الخصومة. وإذا كان الحق المتنازع فيه حق شخصي مثلا دينا يدعيه البائع في ذمة المسترد فإن الاسترداد لا ينقل الدين إلى المسترد فينقضي باتحاد الذمة. بل إن الاسترداد يحسم النزاع في الدين فيعتبر كأنه لم يكن في ذمة المسترد( ).
فقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانـون المدنـي المصـري في هذا الصدد ما يلي: "وإذا كان الحق المتنازع فيه حقا شخصيا فاسترداده يمكن تكييفه على أساس أنه شراء للحق من الدائن ثم انقضاء الحق بعد ذلك باتحاد الذمة".
و إذا كان الحق المتنازع فيه حقا عينيا مثلا حق ملكية على أحد العقارات. فإن الاسترداد يؤدي إلى قطع النزاع و يخلص للمسترد ملكية العقار دون منازعة من البائع. و يعتبر العقار كأنه لم ينقطع عن أملاك المسترد و بالتالي لا حاجة هنا لتسجيل الاسترداد و في هذا الإطار أورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري ما يلي "... و إذا كان الحق عينيا فاسترداده يكون شراء فيه معنى الصلح. "مجموعة الأعمال التحضيرية 02ص205( ).
وبصفة عامة فإنه بمجرد مباشرة دعوى الاسترداد في مواجهة المشتري يؤدي إلى حسم النزاع القائم بخصوص الحق المتنازع فيه فإذا كان محل الحق المتنازع فيه حقا شخصيا يؤدي ممارسة حق الاسترداد إلى إنهاء هذا الحق.و إذا كان حقا عينيا قطع الخصومة فيه. مع الإشارة إلى أنه إذا كان محل الحق المتنازع فيه حقا عينيا مثلا عقار فإن استرداد المتنازل ضده لهذا الحق لا يستلزم تسجيله بحكم أن الاسترداد يؤدي إلى قطع النزاع و تخلص ملكية المتنازل ضده.
وإذا كانت المنازعة تتمحور على نقض، بطلان، فسخ، نقل أو إلغاء لحق عيني عقاري وتطلب شهر العريضة لدى المحافظة العقارية فإنه يؤدي إلى رفع هذا القيد بمجرد استرداد المتنازل ضده للحق المتنازع فيه لكون ممارسة حق الاسترداد لحق عيني يؤدي إلى قطع الخصومـة القائـمـة ما بين المتنازل ضــده و المتنازل. و إذا كان الحق المتنازع فيه حق عيني تبعي فإن استرداده من قبل المتنازل ضده يؤدي إلى قطع الخصومة القائمة و يؤدي إلى زوال القيد الوارد على العقار المتنازع عليه.
الخـــاتمــة
من خلال دراستنا لموضوع بيع الحقوق المتنازع فيها مقارنة بالتشريعات المقارنة، وفك البس الذي كان يعتريه مع بيع ملك الغير وبيع المشاع وبعد ضبط مفهوم بيع الحق المتنازع فيه وتحديد شروطه ومميزاته وحصر الأشخاص المحظور عليهم التعامل في الحقوق المتنازع عليها ولاسيما الحظر الواقع على المحامي في ظل القانون المدني وفي ظل قانون تنظيم مهنة المحاماة الذي نظمه المشرع وأعطاه قدرا من الاهتمام على غرار الأشخاص الآخرين الذين يمتد إليهم الحظر والجزاء الذي ينجر على هذا المنع.
كما استرسلنا في الأثر المنجر عن بيع الحقوق المتنازع فيها لغير الأشخاص المحظور عليهم التعامل في مثل هذه الحقوق ألا وهي رخصة الاسترداد وما يترتب عليها من آثار في مواجهة أطراف العلاقة- المتنازل ضده والمتنازل له والمتنازل- وقد خلصنا إلى أن رخصة الاسترداد ما هي إلا وسيلة خولها المشرع بيد المتنازل ضده في مواجهة المتنازل له للحد من فكرة المضاربة، لأن المتنازل له غالبا ما يكون شخصا يحترف مثل هذه المعاملات الخسيسة، فتدخل المشرع من خلال هذا الإجراء للحد من هذه المعاملات التظليلية التي يكون فيها دائما المتنازل ضده طرفا ضعيفا في العلاقة.
ومن خلال ما تقدمنا به نخلص إلى أن بيع الحق المتنازع فيه نوع خاص من أنواع البيوع ينفرد بأحكام خاصة تجعله يختلف عن صور البيع الأخرى سواء بالنظر إلى أحكامه أو آثاره. والملاحظ أن رخصة الاسترداد تحسم النزاع المثار بين المتنازل ضده والمتنازل من مغبة، في حين أن البطلان الوارد على التعامل في الحقوق المتنازع فيها من قبل الفئة المحظور عليها التعامل في مثل هذه الحقوق ما هو إلا جزاء رتبه المشرع في مواجهة هذه الفئات لدرء الشبهة التي قد تكتنف هذه الأخيرة.
أولا: النصوص القانونية
1- القوانين الداخلية:
1) الأمر رقم 67/203، المتعلق بمهنة المدافع القضائي، الجريدة الرسمية العدد 81 لسنة 1967.
2) الأمر رقم 75/49، المتعلق بإنهاء مهام المدافعين القضائيين، الجريدة الرسمية العدد 50 لسنة 1975.
3) الأمر رقم 75/58، المؤرخ في 26/09/1975، القانون المدني المعدل والمتمم بالقانون رقم 05/01، المؤرخ في 20 جوان 2005.
4) القانون رقم 88/27،المؤرخ في 12 جوان 1988، والمعدل بالقانون رقم 06/02، المؤرخ في 20 فيفري 2006، والمنضم لمهنة الموثق العدد 14.
5) المرسوم التنفيذي، رقم 90/231، المؤرخ في 28/07/1990، المطبق على كتاب الضبط.
6) القانون رقم 91/04، المتعلق بمهنة المحاماة، الجريدة الرسمية العدد 02 لسنة 1991.
7) القانون الأساسي للقضاء، رقم 04/11، الجريدة الرسمية العدد 57 لسنة 2004.
8) الأمر رقم 96/02، المتعلق بمهنة محافظ البيع بالمزاد العلني، الجريدة الرسمية العدد 03 لسنة 1996.
9) الأمر رقم96/23، المتعلق بالوكيل المتصرف القضائي، الجريدة الرسمية، العدد 43 لسنة 1996.
2-القوانين الأجنبية:
1) Dalloz : code civil, loi du 15 juin 1976, année 1995/1996.
2) Dalloz : code civil, 106 édition successions et libéralités, loi du 23 juin 2006,année 2007.
ثانيا: المجلات القضائية
1) المجلة القضائية رقم 02، لسنة 1994، قسم الوثائق المحكمة العليا.
2) مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض المصرية، من أول إنشائها في سنة 1931 حتى 31 ديسمبر سنة 1955، الجمعية العمومية، الدار المدنية، الجزء الأول( أ-ش)، مطابع مذكور وأولاده بالقاهرة.
3) مجموعة عمر للقواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض المصرية 02، رقم 109 لسنة 1938، الجمعية العمومية، مطابع مذكور وأولاده .
4) مجموعة عمر للقواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض المصرية 04، رقم 129 لسنة 1946، الجمعية العمومية، مطابع مذكور وأولاده .
5) مجلة المحاماة رقم 26، سنة 1926،مصر.
ثالثا: المراجع
1) الدكتور محمد حسنين، عقد البيع في القانون المدني الجزائري، الطبعة الرابعة لسنة 2005، ديوان المطبوعات الجامعية، الساحة المركزية-بن عكنون- الجزائر.
2) الدكتور خليل أحمد حسن قدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، الجزء الرابع،
( عقد البيع)، طبعة 1994، ديوان المطبوعات الجامعية، الساحة المركزية- بن عكنون- الجزائر.
3) الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الرابع، العقود التي تقع على الملكية، المجلد الأول البيع والمقايضة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
4) الدكتور مصطفى مصطفى منصور، شرح أحكام البيع، الطبعة الخامسة،سنة 1991، ديوان المطبوعات الجامعية.
5) الدكتور توفيق حسن فرج، الوجيز في عقد البيع، سنة 1988، المكتبة القانونية للدار الجامعية، مصر.
6) الدكتور زهدي يكن، عقد البيع، رئيس غرفة لدى محكمة التمييز، أستاذ القانون المدني بالجامعة اللبنانية، منشورات المكتبة العصرية- صيدا- بيروت.
7) الدكتور عبد الناصر توفيق العطار، شرح أحكام البيع، شرح لأحكام القانون المدني المصري، مع الإشارة إلى قانون المعاملات المدنية وأهم أحكام الفقه الإسلامي وأحدث أحكام النقض.
8) الدكتور سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني في العقود المسماة، عقد البيع وعقد الكفالة، الطبعة الخامسة، سنة 1998 دار الكتب القانونية، نشأت مصر، لبنان.
9) الدكتور سمير عبد السيد تناغو، عقد البيع، منشأة المعارف الإسكندرية.
10) الدكتور أنور طلبة، عقد البيع في ضوء قضاء النقض، التصدي لكافة المنازعات الناشئة عن عقد البيع وحسمها بقضاء محكمة النقض، سنة 1990.
11) الأستاذ عمر بن سعيد، الاجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني، سنة 2001، مطبوعات الديوان الوطني لأشغال التربوية، بريكة، باتنة.
12) الدكتور أنور سلطان، شرح أحكام البيع، سنة 1986، الدار الجامعية.
13) الدكتور إبراهيم الخليلي، الوسيط في شرح القانون المدني، عقد البيع، سنة 1986، دار النهضة العربية.
الـمقدمـــة................................................................................. 01
الفصل الأول: ماهية بيع الحقوق المتنازع فيها................................................. 02
المبحث الأول: مفهوم بيع الحقوق المتنازع فيها............................................... 02
المطلب الأول: تعريف بيع الحقوق المتنازع فيها............................................... 02
الفرع الأول: تعريف عقد البيع................................................................. 02
الفرع الثاني: تعريف الحق المتنازع فيه........................................................ 03
المطلب الثاني: مكانة بيع الحق المتنازع عليه عن بعض البيوع الأخرى....................... 06
الفرع الأول: التمييز بين بيع الحق المتنازع عليه عن بيع ملك الغير........................... 07
الفرع الثاني: تمييز بيع الحق المتنازع فيه عن بيع المشاع.................................... 08
المبحث الثاني: الحظر الواقع على التعامل في الحقوق المتنازع فيها و جزاؤه.................. 10
المطلب الأول: نطاق الحظر و مجاله........................................................... 10
الفرع الأول: منع رجال القضاء و أعوانهم من شراء الحقوق المتنازع فيها.................... 10
الفرع الثاني: منع تعامل المحامين والمدافعين القضائيين مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيه. 18
المطلب الثاني: جزاء الحظر وحكمه............................................................ 19
الفرع الأول: جزاء الحظر...................................................................... 19
الفرع الثاني: الحكمة من تقرير البطلان ...................................................... 24
الفصل الثاني: الآثار المترتبة على بيع الحقوق المتنازع فيها................................... 25
المبحث الأول: أحقية استرداد الحق المتنازع فيه............................................... 25
المطلب الأول: أحكام ممارسة دعوى الاسترداد................................................. 25
الفرع الأول: مفهوم دعوى استرداد الحق المتنازع فيه......................................... 25
الفرع الثاني: شروط ممارسة دعوى الاسترداد................................................. 27
الفرع الثالث: كيفية ممارسة دعوة الاسترداد................................................... 30
المطلب الثاني: الحالات التي لا يجوز فيها الاسترداد............................................ 34
المبحث الثاني: آثار الاسترداد.................................................................. 37
المطلب الأول: أثار الاسترداد على أطراف العلاقة ............................................. 37
الفرع الأول: في العلاقة ما بين المشتري و المتنازل ضده...................................... 37
الفرع الثاني: في العلاقة مابين المشتري و البائع.............................................. 38
الفرع الثالث: في العلاقة مابين المتنازل ضده و البائع......................................... 38
المطلب الثاني: آثار الاسترداد على الحق المتنازع فيه......................................... 41
الخـــاتمــة............................................................................... 43