االإعتراف في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني
لمحامي رامي احمد الحنطي
المقدمة
الاعتراف هو احد عناصر أدلة الإثبات في الدعوى الجزائية وتكمن أهمية الاعتراف في تحقيق شروط سلامته موضوعاً وما يترتب عليه من أثار قانونية في الدعوى الجزائية في ظل نظام الأدلة الأقناعية القائمة على قناعة القاضي الوجدانية التي تسود قضائنا الأردني في الوقت الحاضر إلا أن أهميته تضاءلت عما كان عليه في الماضي في عصر نظام الأدلة القانونية والتي تقيد القاضي بأدلة معينة على رأسها الاعتراف حيث كان يعتبر سيد الأدلة. إذ كانت الجريمة لا تثبت في حق المتهم إلا عن طريق الاعتراف ولذلك كانت تنتزع الاعترافات قسرا من المتهم عن طريق تعذيبه حيث كان يسام المتهم كافة أنواع العذاب وصنوفه لكي ينتزع منه الاعتراف سواء أكان مرتكب الجريمة أم لا إلا أن الانظمة القانونية تطورت بتطور الحضارات وعلى هذا الاساس تعددت طرق الأثبات الجزائية وتنوعت فمنها الشهادة، والمعاينة، والخبرة، والقرائن، والبيئة الخطية، والإعتراف، حيث أن المشرع الجزائي لم يحصر أدلة الإثبات.
والحكمة من ذلك ليعطي للقاضي السلطة التقديرية ليتفحص كافة الأدلة متساندة مع بعضها البعض وفقاً لمبدأ القناعة الوجدانية فله أن يأخذ من الأدلة ما يطمئن أليه ويطرح ما سواها والتي لا تشكل لديه أي قناعة شخصية، لذا فإن سلامة الاعتراف قانونيا وصدقه موضوعا مرتبط ارتباطا وثيقا بكفالة الحرية الشخصية وضماناتها فالكشف عن الحقيقة والوصول إلى العدالة بوسائل وإجراءات قانونية صحيحة هو الهدف من الإثبات حيث أن القاعدة الفقهية التشريعية "المتهم بريء حتى تثبت إدانته " وبما أن القضاء يعول على الإعتراف بالطوع والاختيار وليس على الاعتراف الذي يؤخذ بالتنكيل والتعذيب.
فماضي الاعتراف مثقل بالأوزار فقد لازمت فكرة التعذيب اعتراف المتهم أولا عند اليونانيين، فقد كان أرسطو يرى أن التعذيب أحسن الوسائل للحصول على الاعتراف .
ثم عند الرومان لا سيما أواخر عصر الجمهورية الرومانية، وامتد الزمن إلى تاريخ الثورة الفرنسية([1])وفي القرن الثاني عشر انتشر نظام التعذيب في أوروبا واستقر بصورة عامة وشائعة وأصبح من النظم الطبيعية في الإجراءات الجنائية، فمتى كان من الصعب الحصول على الاعتراف من المتهم كان التعذيب هو الوسيلة الأمثل للحصول على الاعتراف وبقي نظام التعذيب سائدا للحصول على الاعتراف إلى منتصف القرن الثامن عشر، حيث هاجم الكتاب والفلاسفة استعمال الوسائل الوحشية للحصول على الاعتراف، حيث ظهر مبدأ الاعتراف الإرادي فأصبح لا يقبل في الإثبات إلا الاعتراف الصادر عن إرادة حرة, وحظرت التشريعات كافة أنواع إيذاء المشتكى عليه أو المتهم جسمانياً أو معنوياً وأصبح التعذيب جريمة تستوجب العقاب وعلى الرغم من زوال نظام التعذيب للحصول على الاعتراف إلا انه ومع الأسف فإن كثير من رجال الضابطة العدلية يتبعون وسائل مختلفة من التعذيب من أجل الحصول على الاعتراف وذلك لان الاعتراف يجعل هناك إحساس لدى المحققين بأن الشخص المعترف لا يدلي بالإعتراف إلا إذا كان قد ارتكب الجريمة فعلا، وبذلك فإن المحقق يطمئن إلى أنه اكتشف فاعل الجريمة وسدد القيود الرسمية فلا يطالب بالبحث عن مرتكب الجريمة من قبل المسؤولين عنه وتخلص من الواجب الملقى على عاتقه والمتمثل بالبحث عن مرتكب الجريمة وتسديد القيود الرسمية .
لهذا فإنني أجد أن الاعتراف وحجيته من المواضيع ذات الأهمية الخاصة التي تستدعي البحث فيه لما قد يشوبه من شكوك وغموض تثير الشبهات في كيفية الحصول عليه باستخدام طرق واساليب ملتوية غير مشروعة، وأن دليلا مثل هذا شديد الدقة والحساسية والخطورة جدير بالدراسة ولا بد من إلقاء الضوء عليه وأرجو من الله العلي القدير أن أصيب بعض النجاح في هذا البحث ولهذا أخترته موضوعا لبحثي وقد تناولته بالشكل التالي:-
الفصل الأول: ماهية الاعتراف كدليل إثبات
المبحث الأول : ماهية الاعتراف
المبحث الثاني: انواع الإعتراف
المطلب الأول : من حيث السلطة التي يصدر امامها
المطلب الثاني : من حيث الحجية
المطلب الثالث : من حيث الشكل
المبحث الثالث : الطبيعة القانونية للاعتراف
المطلب الأول : الاعتراف كعمل قانوني
المطلب الثاني : الاعتراف كعمل إجرائي
الفصل الثاني: شروط صحة الإعتراف وتمييزه عن الأنظمة المشابهة
المبحث الأول :شروط صحة الإعتراف
المطلب الأول : الأهمية الإجرائية للمعترف
المطلب الثاني : صدور الإعتراف عن إراده حرة
المطلب الثالث : أن يكون الاعتراف مطابقا للحقيقة والواقع
المطلب الرابع : استناد الاعتراف إلى إجراءات صحيحة
المبحث الثاني : الفرق بين الإعتراف وما يشبهه من الأنظمة
المطلب الأول : الفرق بين الاعتراف والإقرار المدني
المطلب لثاني : الفرق بين الإعتراف والشهادة
الفصل الثالث: حجية الإعتراف
المبحث الأول : حجية الاعتراف كدليل إثبات
المطلب الأول: حجية الإعتراف القضائي
المطلب الثاني : حجية الإعتراف غير القضائي
المبحث الثاني : حجية الإعتراف الصادر من الغير
المبحث الثالث : تجزئة الإعتراف
المبحث الرابع : العدول عن الإعتراف
الفصل الأول ماهية الإعتراف كدليل إثبات
المبحث الأول ماهية الاعتراف
المبحث الثاني أنواع الاعتراف
المبحث الثالث الطبيعة القانونية للاعتراف
المبحث الأول
ماهية الاعتراف
الاعتراف لغة مشتق من الفعل اعترف والاعتراف بالشيء الإقرار به يقال اعترف بذنبه أي اقر به([2]).
أما اصطلاحاً فتوجد عدة تعريفات أهمها :
عرفه الدكتور سامي الملا بقوله :هو إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها(2).
وعرفه المستشار عدلي خليل بما يلي :هو قول صادر عن المتهم يقر فيه بصحة ارتكابه للوقائع المكونة للجريمة بعضها أو كلها وهو بذلك يعتبر أقوى الأدلة وسيدها(3).
أما الأستاذ فاروق الكيلاني فقد عرفه: إقرار المشتكى عليه بأرتكابه وقائع الجريمة المسندة إليه جزئياً أو كلياً بأن ينسب إلى نفسه القيام بارتكاب الفعل الإجرامي صراحة(4).
وقد عرفه الدكتور محمود نجيب حسني بأنه :إقرار المتهم على نفسه بصدور الواقعة الإجرامية عنه(5).
وهناك تعريف شامل للدكتور حسني الجندي بقوله : هو قول صادر عن المتهم أمام القضاء يقر فيه على نفسه باردة حرة واعية بصحة ارتكاب الجريمة المنسوبة أليه كلها أو بعضها فاعلا أصيلا أو شريكاً فيها(6).
أما الاعتراف من وجهة نظر الشريعة الإسلامية والذي يقابله بالمعنى الاصطلاحي الإقرار هو: أخبار عن حق أو الاعتراف به والأصل في الإقرار مستمد من القرآن الكريم والسنة والإجماع.([3])
ومع كثرة التعاريف الواردة في الفقه القانوني الا أن جميعها تتفق على أن الاعتراف هو:
قول أو إقرار صادر عن المتهم بارتكابه الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها.
أما المفهوم القانوني للاعتراف فقد اشار إليه قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني في المادة 172/2 بقوله :إذا اعترف الظنين بالتهمة يأمر الرئيس بتسجيل اعترافه بكلمات اقرب ما تكون إلى الألفاظ التي استعملها في اعترافه ومن ثم تدينه المحكمة وتحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته إلا إذا بدت لها أسباب كافية تقضي بعكس ذلك.
كما أشار إليه في المادة 216/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني في الفصل المتعلق بالإجراءات أمام المحاكم البدائية في القضايا الجنائية والتي نصت على "إذا اعترف المتهم يأمر الرئيس بتسجيل اعترافه بكلمات أقرب ما تكون إلى الألفاظ التي استعملها في اعترافه ويجوز للمحكمة الاكتفاء باعترافه وعندئذ تحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته إلا إذا رأت خلاف ذلك".
وقد أكدت محكمة التمييز الأردنية ذلك في العديد من قراراتها ومنها القرار رقم 91/89 حيث جاء فيه ما يلي"إذا كان الاعتراف الذي أدلى به المتهم أمام المحكمة قد جاء مطابقاً للوقائع التي تضمنها قرار الأتهام ولائحة الاتهام اللذين تليا عليه في الجلسة وبعد تخليص الرئيس لمآل التهمة وفقاً لشروط المادة 215 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فليس ثمة ما يمنع المحكمة من الاكتفاء بهذا الاعتراف في الحكم وتوقيع العقاب عملاً بأحكام المادة 216 منه وعلى ذلك يكون الاعتراف المذكور بينه صالحة للحكم واعتماد المحكمة عليه في التجريم وتوقيع العقاب اللازم لا يخالف القانون "(2)
وكذلك القرار رقم 18/72 حيث جاء فيه "إذا انصب اعتراف المتهم على الوقائع التي ارتكبها والمشكلة للجريمة فإن هذا الاعتراف يعتبر اعترافاً قانونياً"([4]).
إلا أنني أرى من وجهة نظري أن الاعتراف وحسب نص المادتين 172/2و216/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردنية منصب على التهمة المسندة إلى المعترف من قبل النيابة في قرار الظن أو في قرار الاتهام ولائحة الاتهام وليس منصباً على الوقائع المكونة للجريمة وبذلك فإن المادتين المذكورتين قد جانبتا الصواب وذلك لأن التهمة ليست إلا وصف قانوني للوقائع المكونة للجريمة ولا دخل للمتهم بها حيث يلاحظ أن إسناد النيابة يتضمن دائماً الوصف القانوني الأشد للجرم المرتكب وبذلك فإن محكمة الموضوع تسأله عن هذا الوصف المسند أليه ولا تسأله عما ارتكبه من أفعال ووقائع مكونة للجريمة.
فمثلاً قد يكون المتهم ارتكب جناية القتل خلافاً لنص المادة (340) المقرون (بالعذر المخفف) إلا أن المدعي العام يرى أن الوصف القانوني للتهمة المسندة له خلافاً لنص المادة (326) وهنا يسأل المدعي العام المتهم عن التهمة المسندة أليه بحدود تلك المادة وحيث أن المتهم لا يعرف الوصف القانوني المشكل للجريمة فيعترف بالقتل، وقد يعترف أيضاً أمام المحكمة بذلك الوصف حيث لا يدرك المعنى القانوني لذلك الوصف.
وقد اجتهدت محكمة التمييز الموقرة بهذا الخصوص حيث اكدت في قرار لها على عدم الأخذ باعتراف المتهم او الظنيين الا اذا كان يتضمن الوقائع المشكلة للجريمة موضوع الأعتراف حيث جاء في القرار رقم (77/53) مايلي :"الاعتراف الذي يشتمل على اصطلاح قانوني إذا كان صادر عن شخص قروي قد لا يدرك المعنى القانوني الذي ينطوي عليه هذا الأصطلاح خصوصاً إذا لم يكن ممثلا أمام المحكمة بمحام يرشده الى كنة الأعتراف لا يعتمد أليه ان لم يفهم معناه القانوني ويسأل عما عناه هذا القول. يشترط لاعتبار الأعتراف بينة كافية أن يكون خالياً من أي لبس او إبهام وأن تقنع المحكمة بأن المعترف يفهم تماماً ما هية التهمة المنسوبة أليه وما يترتب على اعترافه من نتائج"([5]).
وانني أرى أن الاجتهاد القضائي لمحكمة التمييز الموقرة قد أصاب الحقيقة حيث أن الاعتراف يجب أن ينصب على الأفعال المشكلة للجريمة وليس على الاعتراف على التهمة حسب إسناد النيابة العامة له والذي يحمل صفة الوصف الاشد للجريمة حيث أن كثير من الناس ليس لديهم الثقافة القانونية ليدركوا معنى المصطلحات القانونية المترتبة على تكييف النيابة العامة للجريمة.
المبحث الثاني
أنواع الاعتراف
يقسم الاعتراف إلى عدة أنواع:
المطلب الأول:
الاعتراف من حيث السلطة التي يصدر أمامها يقسم إلى:
الاعتراف القضائي : وهو الاعتراف الذي يتم أمام مجلس القضاء ويتم على صورتين الصورة الأولى هو الاعتراف أمام النيابة العامة (المدعي العام) وهو الاعتراف الذي يدلي به المشتكى عليه أو الظنين أو المتهم بنفسه بحضور محامي الدفاع عنه أو بدون حضوره ويجب أن يكون طواعية دون إكراه أو تهديد وقد أحاطه القانون بضمانات لحماية المتهم حيث نص المشرع الأردني في قانون اصول المحاكمات الجزائية في المادة (63)على ما يلي (عندما يمثل المشتكى عليه أمام المدعي العام يتثبت من هويته ويتلو التهمة المنسوبة إليه ويطلب جوابه عنها منبهاً إياه أن من حقه أن لا يجيب عنها إلا بحضور محام، وبدون هذا التنبيه في محضر التحقيق فإذا رفض المشتكى عليه توكيل محام أو يحضر محامياً في مدة أربع وعشرون ساعة يجري التحقيق بمعزل عنه) ويجوز الطعن بالإعتراف الصادر امام النيابة العامة من حيث صدوره عن إرادة غير حره أو صدوره تحت الإكراه أو التهديد وكذلك يجوز الطعن بعدم صحته إذا طلب المشتكى عليه حضور محاميه في مدة الاربع وعشرون ساعة ولكن المدعي العام أجرى التحقيق دون تبليغ المحامي.
أما الصورة الثانية للاعتراف القضائي فهو الاعتراف الذي يدلي به المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه أمام المحكمة التي تنظر بالدعوى الجزائية.
الإعتراف غير القضائي : وهو الأعتراف الذي يصدر عن المشتكى عليه أو المتهم أو الظنين خارج مجلس القضاء كالاعتراف أمام رجال الضابطة العدلية (الشرطة) أو الإعتراف أمام أشخاص عاديين أو الاعتراف بجنحة أو جناية في دعوى أخرى غير الدعوى المنظورة أمام المحكمة التي من أجلها يحاكم المتهم أو الظنين أو خلال دعوى مدنية ( ويخضع الاعتراف بنوعيه لمبدأ القناعة الوجدانية لقاضي الموضوع) – كقاعدة عامة – فالقاضي الجزائي له مطلق الحرية في تقدير قيمة الاعتراف سواء أكان قضائياً أو غير قضائي فليس هناك ما يمنع أن يكون الاعتراف غير قضائي سبباً في الإدانه إلا أنه يعتبر دليل كغيره من الادلة التي تخضع في مجموعها لتقدير قاضي الموضوع ولكن قيمته في الإقناع تتوقف على الثقة في السلطة التي صدر أمامها الاعتراف أو شهادة من صدر الاعتراف أمامه وفي المحضر أو الورقة التي دون بها وهو أمر يحتاج إلى تدعيم من سائر الأدلة المطروحة في الدعوى للتأكد من مطابقته للواقع([6]).
المطلب الثاني :
الإعتراف من حيث الحجية
ويقسم إلى ما يلي:
الاعتراف كدليل إثبات: ويستوي أن يكون الاعتراف قضائي أوغير قضائي ويقسم هذا النوع إلى قسمين :
الاعتراف كدليل إقناع شخصي : وهو الذي لا يحتمه القانون كدليل للإدانة أو التجريم بل إنه يستوي مع غيره من أدلة الإثبات في قوته الإقناعية وذلك طبقاً لمبدأ قناعة القاضي الوجدانية في تكوين قناعته في تقرير حجية الاعتراف فله أن يعتمد على الاعتراف في أية مرحلة من مراحل التحقيق متى إطمأن إلى أنه يمثل الواقع وذلك حتى لو عاد المعترف عن إعترافه أمام القاضي بجلسة المحاكمة([7]).
الاعتراف كدليل قانوني : وهو الذي يطلبه القانون كدليل في بعض الجرائم كجريمة الزنا على سبيل المثال، فالقانون أوجب لإدانة شريك الزوجة بجرم الزنا شروط معينة منها أن يكون الزاني معترفاً بوقوعها ولا يكفي اعتراف الزوجة فقط (2)، فقانون العقوبات الأردني حصر الأدلة المقبولة لإثبات جريمة الزنا ومنها الاعتراف حيث نصت المادة (283) من قانون العقوبات الأردني على ما يلي "الادلة التي تقبل وتكون حجة لإثبات جريمة الزنا وهي ضبط الزاني والزانية في حالة التلبس بالفعل أو الاعتراف القضائي أو وجود وثائق قاطعة بوقوع الجريمة "
الاعتراف كسب الإعفاء من العقوبة : في هذا النوع من الاعتراف يكون الاعتراف بجريمة معينة سبباً من الإعفاء من العقوبة ففي الجرائم الخاصة التي ترتكب في الخفاء أو يصعب إثبات التهمة فيها بالنظر إلى ما يحيطها من دقة في تنفيذها فرأى المشرع أن يشجع الجناة على كشفها وارشاد السلطات إلى المساهمين فيها فنص على إعفاء الجناة من العقوبة إذا إعترفوا بشروط معينة كما هو الحال في جريمة الرشوة في المادة (172/2) حيث أعفت الراشي والمتدخل من العقوبة إذا اعترف بالجريمة قبل إحالة القضية إلى المحكمة، وكذلك الجرائم الواقعة على أمن الدولة المنصوص عليها في المادة (109/1) وجريمة تكوين جمعيات أشرار وجمعيات غير مشروعة، وكذلك جريمة التجمهر غير المشروع المنصوص عليها في المادة (166) من قانون العقوبات الأردني.
المطلب الثالث
الاعتراف من حيث الشكل
وينقسم إلى ما يلي :
الاعتراف الشفهي : وهو الإعتراف الذي يمكن أن يثبت بواسطة محقق الشرطه أو بواسطة كاتب المدعي العام أو كاتب المحكمة المختصة وقد يكون امام أشخاص عاديين ويعتبر الإعتراف الشفهي أقل قيمة من الإعتراف المكتوب فكثير من المعترفين ينكرون إعترافهم الشفهي ويدعون أنهم أجبروا عليها بإستعمال العنف أو التهديدات والوعود وخصوصاً الإعترافات لدى الشرطة أو خارج مجلس القضاء([8]).
الاعتراف المكتوب : فهذا النوع من الإعتراف لا يتطلب شكل معين فقد يكون مكتوب بآلة كاتبة و بخط اليد أو في حديث مسجل على شريط كاسيت أو بتسجيل هاتفي طالما ثبت أنه صدر عن المعترف، حيث أن المشرع لم يشترط في القانون شكلاًً معيناً للإعتراف .
وقد يقسم الإعتراف ايضاً إلى الإعتراف البسيط والإعتراف الموصوف:
الإعتراف البسيط (الكامل) : وهو الإعتراف الذي ينص على الواقعة الإجرامية التي رفعت بها الدعوى دون أن يكون مقروناً بأية ظروف أو وقائع من شإنها التأثير في مسؤولية المعترف كالإعتراف بالإيذاء أو بالسوق دون رخصة، وهذا الإعتراف يخضع لتقديم المحكمة وإقتناعها، فلها أن تأخذ منه ما تراه مطابقاً للحقيقة وأن ترفض ما تراه مخالفاً لها، وينبني على هذه القاعدة أن المحكمة لها تجزئة الإعتراف فتأخذ منه بما تقتنع به عكس الإقرار في المواد المدنية حيث أن المحكمة لها تجزئة الاعتراف فتأخذ منه بما تقتنع به ,عكس الإقرار في المواد المدنية حيث أن الإقرار في المواد المدنية غير قابل للتجزئة لأنه حجة على المقر ولا يملك القاضي حق مناقشته أما الإعتراف في المواد الجزائية فإنه خاضع لتقدير المحكمة فلها أن تناقشه لأنه ليس حجة في ذاته(2).
أما الاعتراف في ظل قانون اصول المحكمات الجزائية الاردني فإنه لا يقبل التجزئة لأن الإعتراف فيه ينص على التهمة المسندة للمتهم ولا ينصب على الوقائع حيث ان التهمة لا تقبل التجزئة فهي الوصف القانوني للوقائع المشكلة للجريمة، إلا أن محكمة التمييز أجازت الأخذ بتجزئة الإعتراف ففي قرار لها وهو القرار رقم (124/98) قضت بما يلي :"استقر الاجتهاد على أن الإعتراف في المسائل الجزائية خاضع لتقدير المحكمة وقناعتها ولها أن تفحص كافة أجزاءه ولا تأخذ منه إلا بما يقنعها"([9]).
الاعتراف الموصوف (الجزئي): وهو الإعتراف بالواقعة الجرمية المدعى بها إذا اقترن بها وصف ويتعلق بتقدير العقوبة أو بظروف أو وقائع إذا صحت، فإنه من شأنها أن تنفي مسؤولية الفاعل أو تمنع العقوبة عنه(2).
فإذا كان الوصف يتعلق بتقدير العقوبة كالقتل مع سبق الإصرار والسرقة بالظرف المشدد فإعتراف المتهم بالقتل وحده أو السرقة وحدها دون الوصف المتعلق بتقدير العقوبة وهو سبق الإصرار للقتل أو الظرف المشدد للسرقة لا يمنع محكمة الموضوع من الأخذ بإعترافه ومن ثم تبحث في الوصف المنكر، أما إذا كانت الوقائع من شأنها إذا صحت ان تنفي مسؤولية الفاعل أو تمنع العقاب عنه كالإعتراف بإرتكاب جريمة قتل تحت تأثير سورة غضب أو في حالة وجود عذرمحل ففي هذه الحالة لا تصح تجزئة الإعتراف ويجب على المحكمة قبوله جميعه أو إستبعاده جميعه.
المبحث الثالث
الطبيعة القانونية للإعتراف
المطلب الأول :
الإعتراف كعمل قانوني
ثار خلاف فقهي حول الطبيعة القانونية للإعتراف، فذهب بعض الفقهاء على إعتباره تصرفاً قانونياً وذلك لأن المعترف تتجه إرادته إلى الأثار المترتبة على الإعتراف ويرى البعض الآخر –وهو الرأي الراجح – أن الإعتراف عمل قانوني بالمعنى الضيق وذلك لأن القانون وحده هو الذي يرتب الآثار القانونية الإعتراف وليس لإرادة المعترف دخل في تحديد هذه الأثار حيث أن للقاضي سلطة مطلقة في تقدير قيمة الإعتراف دون أي تدخل من المعترف حيث أن الإعتراف كغيره من الأدلة في الدعوى الجزائية خاضع لمبدأ القناعة الوجدانية لقاضي الموضوع الذي له أن يأخذ به إذا أقتنع به وارتاح له ضميره أو أن يطرحه جانباً، وبذلك فأن القانون هو الذي يرتب اثار الاعتراف بغض النظر عن إرادة المعترف، فدور الإرادة هنا مقتصر على مجرد الأتجاه إلى العمل دون أثاره، الأمر الذي يترتب عليه نتيجة هامة ألا وهي صلاحية الأعتراف كدليل في الدعوى الجزائية وترتيب أثاره الأخرى مثل الاستغناء عن سماع الشهود ولو لم تتجه إرادة المعترف إلى ذلك، فمثلا إذا اعترف المتهم بالجريمة بقصد الإبلاغ عن زملائه لا نسبة التهمة إليه فإن هذا القصد لا أهمية له في أثار الإعتراف التي ارادها القانون فطالما ثبت أن إرادة المعترف قد إتجهت إلى الإعتراف كان ذلك وحده كافياً لنشوئه ويبدأ القانون بعد ذلك بترتيب اثار الإعتراف بعيداً عن إرادة المعترف.
ويتضح من خلال ما تقدم أن الإعتراف ليس إلا عملاً قانونياً بالمعنى الضيق لا تصرفاً قانونياً([10]).
المطلب الثاني
الاعتراف كعمل إجرائي
العمل الإجرائي : هو العمل القانوني الذي يرتب القانون عليه مباشرة أثراً في إنشاء الخصومة أو تعديلاتها أو انقضائها سواء أكان داخلا في الخصومة أو ممهداً لها([11])، فالاعتراف كعمل إجرائي هو الذي يصدر أثناء الخصومة الجنائية أو الذي يصدر خارج الخصومة الجنائية ثم يؤثر في نشوءها أو سيرها أو تعديلها أو انقضائها كالاعتراف الصادر في مرحلة التحقيق، وقد يكون الاعتراف عمل غير إجرائي كالذي يصدر خارج إطار الخصومة الجنائية سواء في إحدى المجالس الخاصة او امام القضاء المدني بصدد دعوى مدنية مرفوعة أمامه بشرط أن لا يؤثر في نشوء الخصومة أو سيرها أو تعديلها أو انقضائها.
الفصل الثاني
شروط صحة الاعتراف وتمييزه عن الأنظمة المشابهة
المبحث الأول
شروط صحة الاعتراف
إن الاعتراف هو دليل من أدلة الإثبات في الدعوى الجزائية، ويجب أن يكون لكل دليل قواعد وأصول تتحقق بها ثقة المحكمة في هذا الدليل وتستند عليه في حكمها وبعض هذه القواعد واردة صراحةً في التشريع والبعض الآخر في اجتهادات الفقه والقضاء، وقد وضع الاعتراف قواعد وشروط تتفق وأهمية الاعتراف وحساسيته حيث يحتل المرتبة الأولى من بين أدلة الإثبات في الدعاوى الاجزائية، حيث أن الاعتراف من الأدلة التي تصدر عن المتهم فإنه له دور حاسم في الدعوى الجزائية وأقواها في الأثبات إذا صدر عن إرادة حرة واعية دون ما تأثير على إرادة المعترف يكون هو الأقرب للحقائق والوقائع الجرمية التي قام بها الشخص حيث أن الإنسان في العادة لا يرمي بنفسه إلى التهلكة ولخطورة هذا الدليل فإنه لا بد من توافر شروط تحيط بسلامته قانوناً وصدقه موضوعاً ولكي يطمئن القاضي لسلامة الاعتراف والأخذ به كدليل إدانة فلا بد من أن يتوفر فيه عدة شروط وضوابط وهذه الشروط هي :
1. الأهلية الإجرائية للمعترف.
2. صدور الاعتراف عن إرادة حرة واعية.
3. ان يكون الاعتراف صريحاً وواضحاً ومطابقاً للواقع.
4. أن يكون الاعتراف مستنداً إلى إجراءات صحيحة. ونظراً لأهمية الشروط الواجب توفرها في الاعتراف حتى يكون صحيحاً فلا بد من التطرق إليها بشيء من التفصيل.
المطلب الأول
الأهمية الإجرائية للمعترف :
إن الاعتراف بوصفه عملاً إجرائياً يجب لصحته أن يصدر عن شخص توافرت لديه الأهلية الإجرائية، ويقصد بالأهلية الإجرائية هي الأهلية اللازمة لمباشرة نوع من الإجراءات على نحو يعتبر هذا الإجراء صحيحاً منتجاً لأثاره القانونية ([12]).
وحيث أن الاعتراف عمل إجرائي فإنه يجب لصحته أن يصدر عن شخص متمتعاً بالإدراك والتمييز وتقوم الأهلية الإجرائية للمعترف على شرطين هما :
1. أن يكون المعترف متهماً بارتكاب الجريمة :
أي أن يكون المعترف مقامة ضده دعوى الحق العام من قبل النيابة العامة أي ان يكون متهماً بارتكاب الجريمة، فالشاهد في الدعوى يختلف عن المتهم فإذا اعترف أثناء شهادته بأنه ارتكب جريمة فلا يعتبر ما يصدر عنه اعتراف بالمعنى القانوني وذلك لأن وقت صدور هذا الاعتراف لم تتوفر فيه الأهلية اللازمة للاعتراف لارتكابه الجريمة التي منها أن يكون المعترف متهماً بارتكابها، وفي هذه الحالة ينتهي المدعي العام من سماع أقوله كشاهد ويقوم باستجوابه عن التهمة التي اعترف بها أثناء إدلائه بالشهادة.
وقد أكدت محكمة التمييز الأردنية الموقرة في العديد من قراراتها على أن المعترف يجب أن يكون متهماً بالجريمة حين الإدلاء باعترافه ومنها القرار رقم 455/96 والذي جاء فيه(اعتراف المتهم امام أحد الشهود على نفسه وعن متهم آخر لا يعتبر اعترافاً قانونياً ولا تعتبر أقواله أقوال متهم ضد متهم آخر حسب مفهوم المادة 148/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية إضافة إلى أن الشخص لا يعتبر متهماً أو ظنيناً إلا إذا أقيمت عليه دعوى الحق العام عملاً بالمادة الرابعة من قانون أصول المحاكمات الجزائية طالما أن أقوال المتهم هذه والتي اعتبرت ضد متهم آخر دم الإدلاء بها قبل ان يصبح من أدلى بهذه الأقوال متهماً)(2).
وكذلك قرارها رقم 48/66 والذي جاء فيه (إذا اعترف المتهم بإرتكابه جرماً غير مسند إليه في لائحة الإتهام فيستبعد اعترافه بإرتكاب الجرم غير مسند إليه)([13]).
ولذلك حتى يكون الإعتراف صحيح لا بد أن يكون قد صدر عن شخص وجهت أصابع الإتهام إليه بإرتكاب الجريمة، والمتهم هو من توافرت ضده أدلة أو قرائن قوية كافية لتوجيه الإتهام إليه وتحريك الدعوى الجزائية ضده ويتم ذلك بواسطة النيابة العامة حسب الأصل كما تتحرك الدعوى الجزائية عن طريق المشتكي بطريقة الإدعاء المباشر، ولا يعتبر متهماً كل من قدم ضده بلاغ أو شكوى أو أجري بشأنه بعض التحريات أو الإستدلالات إنما يعتبر مشتبهاً به .
والفرق بين المتهم والمشتبه به في مرحلة التحقيق والإستدلالات هو في قيمة الشبهات والأدلة المسندة إليه، فإذا وصلت إلى حد الشك في أسناد التهمة كان متهماً، أما إذا كانت من الضعف والبساطة كان الشخص موضع إشتباه.
وبناء على ذلك فإن الشخص طالما بقي مشتبها به فإنه يسال بصفته شاهد، ويحلف اليمين قبل الإدلاء بأقواله، وإذا فرض واعترف اثناء سماع أقواله كشاهد فيجب على المحقق أن ينتهي من شهادته فوراً ويستجوبه عن التهمة المسندة إليه(2).
وبعد أن يحمل الشخص صفة الإتهام يتوجب على المدعي العام أن يتحقق من شخصيته، حتى لا يتخذ أي إجراء ضد شخص بريء، كما يتوجب على المدعي العام أن يحيط المتهم علماً بالتهمة المسندة إليه حتى يتمكن من الدفاع عن نفسه، وقد رتب القانون البطلان على عدم القيام بهذا الإجراء لأنه يمس مصلحة أساسية للمتهم فلا يكون الاعتراف صحيحاً إلا إذا صدر عن المتهم بعد علمه بموضوع التهمة المسندة إليه أو بالأدلة التي تحيط به .
ولكن لا يشترط على المدعي العام أن يعلم المتهم بالوصف القانوني لوقائع التهمة المنسوبة إليه بل يكفي علمه بهذه الوقائع لأنه قد يكون من المتعذر تحديد التهمة من الناحية القانونية في هذه المرحلة من مراحل الدعوى الجزائية، إضافة إلى أنه قد تظهر ظروف جديدة تغير من وصف التهمة المنسوبة للمتهم.
2. أن يكون المعترف متمتعاً بالإدراك والتمييز وقت الإعتراف
لكي تكتمل الاهلية الإجرائية للمتهم المعترف فإنه يجب أن يكون متمتعا بالإدراك والتمييز وقت إدلائه بالاعتراف، أي أن يكون لديه القدرة على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وما يترتب عليها من نتائج([14])، وليس المقصود هنا أن يكون المعترف فهم ماهية التكييف القانوني لأفعاله حيث أن الشخص يسأل عن أفعاله حتى ولو كان يجهل أن القانون يعاقب عليها حيث أن المادة 85 من قانون العقوبات الاردني تنص على (لا يعتبر جهل القانون عذراً لمن يرتكب أي جرم).
هنالك العديد من الأشخاص لا يتوافر فيهم الإدراك والتمييز كالصغير والمجنون والمصاب بعاهة عقلية أو الشخص الذي يتعاطى مواد مسكرة أو مخدرة وقت الإدلاء باعترافه ،فإن هذه الاعترافات التي تصدر عن هؤلاء لا تقبل في الإثبات وسنحاول التطرق لكل حالة من هذه الحالات بشيء من التفصيل والشرح :
اعتراف الصغير : إن اعترافه لا يقبل بالاثبات لأنه لا يملك القدرة على إدراك مضمون فعله وهذه هي القاعدة العامة، ولكن يجب التمييز بين حالتين:
الحالة الأولى : اعتراف الصغير دون السابعة لا يقبل بالإثبات حيث أن الصغير دون السابعة لا تتوافر لديه القدرة الذهنية على إدراك ماهية أفعاله وآثارها. وبالتالي ينعدم التمييز لديه وقد نص المشرع الأردي في المادة 18/1 من قانون الأحداث رقم 7 لسنة 1983 على ما يلي (لا يلاحق جزائياً من لم يكن قد أتم السابعة من عمره حين اقتراف الفعل).
الحالة الثانية : وهي إعتراف الصغير الذي أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشر من عمره ويسمى حدثاً ذكرا أو أنثى وفي هذه الحالة فإن أمر تقدير الإعتراف راجع لتقدير القاضي حسب قناعته الشخصية وهو الذي يقدر مدى فهم هذا الصغير للأمور وإدراكه لماهية الأفعال التي إعترف بها وعواقبها وعلى هذا الأساس يأخذ القاضي القاضي بالإعتراف او يستبعده وهذا ما نصت عليه المادة 15 من قانون الأحداث والتي نصت على: (1. تشرح المحكمة عند البدء في المحاكمة خلاصة التهمة المسندة إلى الحدث بلغة بسيطة ثم تسأله إذا كان يعترف أم لا. 2. إذا اعترف الحدث بالتهمة يسجل اعترافه بكلمات اقرب ما تكون إلى الألفاظ التي استعملها في اعترافه وتفصل المحكمة في الدعوى إلا إذا بدت لها أسباب كافية تقضي بعكس ذلك).
اعتراف المجنون وصاحب العاهة العقلية
والمجنون هو الشخص الذي يكون عاجز عن توجيه تصرفاته على صورة صحيحة بسبب توقف قواه العقليه عن النمو أو انحرافها أو انحطاطها مما يعدم ذلك الشخص قدرته على التمييز والإدراك بما يحيط به وبالتالي تنعدم أهليته لتحمل المسؤولية الجزائية، أما سائر الأمراض النفسية التي لا تفقد الشعور والإدراك فلا تعد سببا لانعدام المسؤولية، وهذا ما نص عليه المشرع الأردني في المادة 233/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي جاء فيها (إذا ظهر للمحكمة أن المتهم كان حين ارتكابه الجرم المسند إليه مصاباً بمرض سبب اختلالاً في قواه العقلية وجعله عاجزاً عن إدراك كنه أعماله أو العلم بأنه محظور عليه إتيان العمل أو الترك الذي يكون الجرم قررت إدانته وعدم مسؤوليته جزائياً).
ونلاحظ من خلال نص المادة 233/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية عدم مسؤولية المجنون والمعتوه لفقدهما الشعور والاختبار وقت ارتكاب العمل المكون للجريمة وبالتالي لا يعتد بإعترافهما في الإثبات. وقد أكدت محكمة التمييز الموقرة في العديد من قراراتها على أن الأخذ باعتراف المجنون يعتبر خاطئاً ومنها القرار رقم 38/84 والذي جاء فيه (أخطأت محكمة الجنايات الكبرى باعتمادها على اعتراف مجنون )([15])
حالة السكر والمواد المخدرة:
والسكر كما عرفه فقهاء الشريعة بأنه (غيبة العقل من تناول الخمر أو ما يشبه الخمر)([16])، فأي مادة مخدرة تؤدي إلى غيبة العقل هي كالسكر تماماً.
وحيث أن المواد المسكرة أو المخدرة هي من العوامل التي تؤدي إلى فقدان الشعور والإدراك وتضعف السيطرة والإنتباه لدى الشخص الذي يتعاطاها، فإن الإعتراف الذي يصدر من المتهم وهو في حالة سكر وفاقداً لشعوره لا يعتد به لأنه صادر من شخص غير متمتع بالإدراك والوعي والإرادة .
ولكن هنا يجب التمييز بين حالة تناول الخمر أو المواد المخدرة بطريقة إجبارية أو اختيارية حيث أن الشخص قد يتعاطى هذه المواد من دون رضاه أو على غير علم منه بأنها مادة مخدرة أو مسكرة، حيث أن في حالة السكر الإجباري تنعدم مسؤولية الشخص الجزائية بالإضافة إلى أهليته الإجرائية اللازمة لصدور الإعتراف عنه، وفي حالة السكر الإختياري لا تنعدم مسؤوليته الجزائية ولكن تنعدم الأهلية الإجرائية اللازمة لقبول الإعتراف. وقد قال الدكتور سامي الملا في كتابه إعتراف المتهم عن هذه الحالات (أن المتهم إذا إعترف وهو في حالة سكر وكان فاقد الشعور وقت الإدلاء بإعترافه نتيجة تناول الخمر قهراً عنه بطل الإعتراف بل لا يقبل اعترافه وهو فاقد الشعور نتيجة سكر إختياري أما إذا لم يفقد الشعور تماماً فلا يبطل إعترافه ولكن لا يجوز للمحكمة أن تكتفي به وحده وتصدر حكمها بناء عليه بل لا بد من تأييد ادلة أخرى له ويكون تقدير توافر السكر وفقد الشعور من المسائل الموضوعية لقاضي الموضوع)(2) .
المطلب الثاني
صدور الاعتراف عن ارادة حرة
أن الاعتراف الذي يركن إليه في صدور الحكم هو (الإعتراف الإرادي) أي الاعتراف الصادرة عن إرادة حرة، وهو الإعتراف الذي تكون فيه إرادة المعترف حرة غير متأثرة بأي مؤثر خارجي سواء كان عنف أو تهديد أو وعيد يعيب إرادته ويفسد اختياره، فإذا صدر الاعتراف من المتهم بإختياره وبدون تاثير على إرادته وتوافرت باقي شروط صحة الإعتراف فإنه يكون دليلاً صحيحاً ومقبول بالإثبات([17]) وبعكس ذلك يكون الإعتراف باطلا ومخالفاً للقانون.
وهذا ما استقر عليه الاجتهاد القضائي لمحكمة التمييز الأردنية في العديد من قراراتها ومنها القرار رقم 86/86 الذي جاء فيه (أن الاعتراف الذي يعتبر حجة ضد المتهم هو الذي يصدر عن إرادة حرة واعية، فإذا شاب ارادته إكراه مادي أو أدبي يعد اعترافاً باطلاً)(2).
وكذلك في قرارها رقم 672/97 والذي جاء فيه (لا يقبل الاعتراف بإرتكاب الجرم الذي يدلى به في غير حضور المدعي العام، إذا قدمت النيابة على الظروف التي قدم فيها واقتنعت المحكمة ان المتهم اداه بطوعه وفقا لحكم الماده 159 من قانون اصول المحاكمات الجزائية, وعليه فإن ثبوت ان المتهم ادلى باعترافه بارتكابه جناية الرشوة بعد تعرضه للضرب وعدم اقتناع المحكمة بهذا الاعتراف وهو البينة الوحيدة في الدعوى فإن ما توصلت إليه بإعلان براءة المتهم موافقا للقانون)(3)
ونلاحظ أن هذا القرار ناطق بما فيه حيث اخذت اعترافات المتهم تحت التعذيب والضرب من قبل رجال الضابطة العدلية الأمر الذي يبطل تلك الاعترافات التي أخذت بأساليب غير مشروعة .
والسبب باستبعاد الاعتراف غير الإداري هو أن الحصول عليه عن طريق التأثير بالخوف أو التعذيب يجعله بعيداً عن الحقيقة لأنه يدلي به خوفاً من أن يتهدده خطر ما، وهنا يجب على المتهم الذي اثار دفعاً بأن اعترافه جاء نتيجة إكراه وتعذيب وأن إرادته كانت معيبة أن يقدم الادلة الثبوتية على ذلك حتى تأخذ به المحكمة وذلك لأن الأصل في الإعتراف أنه صادر عن إرادة حرة، فالإعتراف المأخوذ عند المدعي بفترض صحته وموافقته للقانون وتأخذ به المحكمة دون حاجة لإثبات ظروفه وهذا ماأكدته محكمة التمييز الأردنية الموقرة وبقرارها رقم 48/87 والذي جاء فيه (أن اعتراف المتهم هي اعترافاته أمام المدعي العام ويفترض فيها أن تكون طواعية ويوخذ بها دون الحاجة لإثبات ذلك)([18]).
وبما أن الدفع بعدم صحة الاعتراف من المسائل الموضوعية التي تعود إلى قناعة محكمة الموضوع فإنه لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة التمييز بوصفها محكمة قانون، وقد أكدت محكمة التمييز على ذلك بقرارها رقم 30/52 والذي جاء فيه "لا يجوز لمحكمة التمييز أن تتعرض لقناعة محكمة الموضوع التي طعن أمامها في صحة الاعتراف المأخوذ من قبل المدعي العام والتي سمعت البيانات المقدمة من الطرفين من أن ذلك الاعتراف قد صدر عن المهتم بطوعه واختياره"(2)
المطلب الثالث
أن يكون الاعتراف واضحاً مطابقاً للحقيقة والواقع
أن الاعتراف في جوهره هو تعبير عن إرادة المتهم بنسبة واقعة معينة إليه، فإن هذا التعبير يجب أن يكون صريحاً لا لبس فيه ولا غموض ومطابقاً للحقيقة والواقع حتى يمكن الاستناد إليه كدليل إدانه وتجريم([19])، فلا يجوز الإستناد إلى الإعتراف الذي يكون غامضاً ويحتمل التأويل، كما لا يمكن اعتبار صمت المتهم أمام الوقائع المسندة إليه على أنه اعتراف منه بصحة هذه الوقائع فقد يكون سكوته بسبب خوفه من إساءة الدفاع عن نفسه أو انتظار المشورة من محاميه وكذلك لا يمكن اعتبار تصالح المتهم مع المجني أو مع ذويه على تعويض معين اعترفا منه بالجرم.
وبناء على ذلك يجب أن ينصب الاعتراف على الوقائع المشكلة للجريمة التي ارتكبها المتهم أي الواقعة الإجرامية نفسها لا على واقعة أخرى حتى لو كانت ذات صلة وثيقة بالفعل فمثلاً لا يعد اعترافاً لإقرار الشخص بوجود خلاف بينه وبين المجني عليه أو أنه يحرز سلاحاً من نفس نوع السلاح الذي ارتكبت به الجريمة أو أنه على علاقة غير شرعية بالمجني عليها دون اعتراف بارتكاب الفعل المجرم فكل هذه الأمور تعتبر دلائل موضوعية لا تكفي لإدانة أو التجريم إلا إذا عززتها أدلة أخرى كافية.
ولا يكفي كذلك أن يكون الاعتراف صريحاً وصادراً عن إرادة حرة بل يجب ان يكون مطابقاً للحقيقة والواقع وهنا يجب البحث عن الدوافع التي أجبرت المتهم على الإدلاء باعترافه، إذ قد يعترف الشخص كذبا للتخلص من إكراه مادي أو معنوي يتعرض له أو بدافع تخليص المجرم الحقيقي ,إلى غير ذلك من أسباب (2). وقد قضت محكمة التمييز الاردنية الموقرة في العديد من قراراتها على أنه لا يجوز الاستناد إلى اعتراف شابه الغموض واحتمال التأويل وكذلك اكدت المحكمة الموقرة على بطلان الاعتراف غير المطابق للحقيقة والواقع من هذه القرارات القرار رقم 764/97 حيث جاء فيه "إذا تبين أن اعتراف المتهم غير مطابق للحقيقة ويتناقض مع شهادة المشتكي ويتناقض مع تقرير الكشف على موقع السرقة فتكون الوقائع الواردة بالاعتراف غير صحيحة ويكون الاخذ بالإعتراف الذي جاء وليد التأثير على إرادة المتهم غير المطابق للحقيقة مخالف للقانون"([20])
ومن خلال هذا القرار والعديد من القرارات الأخرى لمحكمة التمييز الموقرة حول هذا الموضوع نلاحظ أنه قد استقر على أن الإعتراف الذي يركن إليه في التجريم والإدانة هو الإعتراف الواضح والصريح والمطابق للحقيقة والواقع الذي لا لبس فيه ولا غموض والصادر عن إرادة حرة واعية وفق إجراءات صحيحة وغير ذلك لا يجوز الاعتماد عليه في التجريم والإدانة.
المطلب الرابع
استناد الإعتراف إلى إجراءات صحيحة
يجب أن يستند الاعتراف إلى إجراءات صحيحة لكي يقبل في الاثبات لان الاعتراف المبني على إجراءات باطلة يكون باطلا وذلك سنداً للقاعدة الفقهية العامة "ما بني على باطل فهو باطل"، وعادة ما يصدر الاعتراف الباطل نتيجة للقبض أو التفتيش الباطل أو أن يصدر الاعتراف من المشتكى عليه أثناء الاستجواب الباطل من قبل أحد أفراد الضابطه العدلية المناب من قبل المدعي العام، وهنا الاعتراف يكون باطل حيث لا يجوز الإنابة بالاستجواب([21]).
فإذا شاب البطلان اي إجراء من إجراءات التحقيق ونتج عن هذا الإجراء صدور الاعتراف من المشتكى عليه، فإن الإعتراف يكون باطلا ويجب استبعاده وعدم الاستناد عليه في الحكم، وعلى سبيل المثال إذا اعترف المتهم نتيجة قبض أو تفتيش باطلين أو جاء الاعتراف نتيجة تعرف المجني عليه على المتهم في عمليه عرض باطله حيث لا يصح للمحكمه الاعتماد عليه وقد قضت محكمة التمييز الاردنية ببطلان الاعتراف الصادر نتيجه القبض الباطل على المتهم وحجزه بالنظارة مدة تزيد على أسبوع ففي قرارها رقم 746/97 والذي جاء فيه:
" يكون اعتراف المتهم لدى الشرطة وليد الإكراه بدليل وضعه في النظارة مدة تزيد على أسبوع خلافاً لأحكام المادة 100 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي لا تجيز للضابطة العدلية إبقاء المقبوض عليه في نظارة الشرطة مدة تزيد عن ثمان وأربعون ساعة ويتوجب بعدها إرساله إلى المدعي العام"(2)
اما بالنسبة للاعتراف المستقل عن الإجراء الباطل فلا يترتب عليه بالضرورة بطلان الاعتراف اللاحق عليه، فيصح أن يكون الاعتراف مستقلاً عن الإجراء الباطل وليس نتيجة لهذا الإجراء وبالتالي يمكن اعتباره دليلاً مستقلاً بذاته ويؤخذ به في مجال الاثبات ضد المتهم متى اطمأنت المحكمة إلى صحته وعدم تأثره بالإجراء الباطل، وعلى سبيل المثال يعتبر الاعتراف دليلاً مستقلا عن التفتيش الباطل إذا صدر من المتهم لدى المدعي العام أو محكمة الموضوع بعد مدة غير قصيرة من هذا التفتيش، ويتحقق الاستقلال بين الاعتراف والإجراء الباطل متى وجد فاصل زمني أو مكاني أو اختلف الشخص القائم بهما([22]).
ومما يجب ذكره أن محكمة الموضوع هي صاحبة الصلاحية بتقدير قيمة الإعتراف الصادر نتيجة إجراء باطل، فمتى رأت أن الاعتراف دليل قائم بذاته ومستقل عن الإجراء الباطل فإنها تاخذ به وفي هذه الحالة يجب على المحكمة بيان انقطاع الصلة بين الاعتراف وبين ما سبقه من إجراءات باطلة، وقد قضت محكمة التمييز بذلك الإتجاه بأن إعتبرت الإعتراف إجراء مستقل عن التوقيف والإستجواب في قرارها رقم 380/98 والذي جاء فيه (احتفاظ المخابرات العامة بالمتهم لفترة تزيد على خمسين يوم تم خلالها ضبط أقواله يشكل عملاً تعسفياُ وفقاً لأحكام المادة 100 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، كما أنه يثير الشك بصحة وسلامة الإجراءات التي اتخذت خلال تلك المدة إلا أن ذلك لا يؤثر على النتيجة في هذه الدعوى طالما اعترف المتهم أمام المحكمة بضبط العبوة الناسفة في منزله وهذا دليل مستقل عن الإجراءات المخالفة للقانون)(2)
وحتى يصدر الاعتراف مستنداً إلى إجراءات صحيحة فلا بد من توافر الضمانات الكافية للمتهم لذلك فقد أعطى القانون للمشتكى عليه أو المتهم الحقوق التالية:
حق المشتكى عليه بالاستعانة بمحامي:-
يعتبر حق المتهم بالإستعانة بمحامي من أهم الضمانات في مرحلتي التحقيق والمحاكمة وما يجري فيها من إجراءات وخاصة الاستجواب وذلك لأن حضور المحامي مع موكله يضمن سلامة الإجراءات المتبعة ويستبعد حصول استعمال أية وسيلة غير مشروعة لحمل المتهم أو المشتكى عليه على الإعتراف وكما أن وجود محامي يساعد على اتزان المشتكى عليه وهدوءه، وهذا وقد حرصت اغلب الدول في العالم على النص في قوانينها على هذا الحق ومنها الاردن حيث ورد هذا الحق في المادة (63/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي أوجبت على المدعي العام أن ينبه المشتكي عليه إلى أن من حقه أن لا يجيب على التهم إلا بحضور محامي فإذا إختار محامي لا يجري التحقيق معه إلا عند حضوره.
حق المشتكى عليه ووكيله الإطلاع على أوراق التحقيق:
وهذا الحق من الضمانات الهامة لتحقيق العدالة لكي يكون المتهم على علم بالوقائع والأدلة القائمة في التهمة الموجهة إليه ولكي يتمكن من إعداد دفوعه على الوجه الأكمل، وقد اكد المشرع الأردني على هذا الحق في المادة 64/2 والتي أعطت للمشتكى عليه والمسؤول بالمال و المدعي الشخصي ووكلائهم أن يطلعوا على جميع إجراءات التحقيق وأن يطلعوا على الإجراءات التي جرت بغيابهم.
المبحث الثاني
الفرق بين الإعتراف والأنظمة المشابهة (الإقرار المدني والشهادة)
المطلب الأول
الفرق بين الإعتراف والإقرار المدني :-
الاعتراف كما سبق أن أوضحنا من خلال التعاريف الواردة في الفقه والقانون هو إقرار المشتكى عليه على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة. أما الإقرار المدني فهو إقرار الخصم لخصمه بالحق الذي يدعيه مقدراً نتيجته قاصداً إلزام نفسه بمقتضاه ([23]).
وهناك اواجه اختلاف عديدة يبن الاعتراف والاقرار المدني، فمن حيث الإرادة نجد أن نية المقر في الأقرار المدني تتجه إلى تحمل الالتزام وترتيب أثارة القانونية بينما في الاعتراف لا دخل للإرادة في ترتيب الأثار القانونية للإعتراف فالقانون هو الذي يرتب هذه اأثار فمثلاً إذا اعترف المتهم بالتهمة ظنا منه أن ذلك سوف ينجيه من العقاب فإن ذلك لا يحول دون ترتيب آثاره القانونية .
ومن اوجه الإختلاف إيضاً أن الإقرار المدني يعتبر سيد الأدلة في المسائل المدنية فهو حجة قاطعة على المقر ويؤدي إلى إعفاء المدعي من إقامة الدليل على دعواه طالما أن خصمه اقر بها وهو ملزم للقاضي المدني، وبينما الإعتراف ليس حجة في ذاتها وإنما خاضع لتقدير محكمة الموضوع ولا يعف النيابة العامة من البحث في باقي أدلة الدعوى الجزائية.
وايضاً لا يجوز للمقر في الإقرار المدني العدول عن اقراره إلا لخطأ في الوقائع على أن يثبت هذا الخطأ حتى يستطيع العدول عن إقراره أما في الإعتراف يجوز للمشتكى عليه العدول عن اعترافه دون أن يكون ملزماً بإثبات عدم صحة الإعتراف الذي عدل عنه. والاقرار المدني لا يجوز تجزئته إلا إذا إنصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى بينما الإعتراف يجوز تجزئته إذ أن الأمر متروك لسلطة القاضي وقناعته الشخصية فله الاخذ بما يطمئن له وطرح الباقي.
وأخيراً فإن الإقرار المدني لا يصح صدوره إلا ممن إكتملت أهليته المدنية ولا تلازم بين الأهلية المدنية وبين الأهلية المطلوبة لصدور الإعتراف([24])
المطلب الثاني
الفرق بين الإعتراف والشهادة
الاعتراف هو إقرار المتهم على نفسه بإرتكاب الوقائع المكونة للجريمة. أما الشهادة فهي أن يدلي الشخص بما رأه أو سمعه عن الجريمة أو فاعلها من أمور تمس غيره سواء كانت روايته في مقام الإثبات أو النفي.(2)
وأوجه الإختلاف بين الاعتراف والشهادة يمكن إجمالها فيما يلي :
الاعتراف يختلف عن الشهادة في أن الاعتراف هو إقرار عن النفس أما الشهادة فهي الإدلاء بمعلومات عن الغير، فالشاهد شخص غريب عن الاتهام.
أن الاعتراف وسيلة من وسائل الإثبات في الدعوى الجزائية كما قد يعتبر وسيلة الدفاع بالنسبة للمشتكى عليه فقد يدافع به عن نفسه أما الشهادة فهي وسيلة للإثبات بالنسبة للوقائع التي تضمنتها .
وأيضاً من أوجه الإختلاف أنه في الإعتراف لا يجوز تحليف المعترف اليمين قبل الإدلاء بأقواله وإلا كان الإعتراف باطلاً، بينما الشهادة لا بد من تحليف الشاهد اليمين القانوني قبل الإدلاء بشهادته.
واخيراً فإن الشهادة واجب على الشاهد، بينما المشتكى عليه له الخيار في أن يقدم اعترافه أو يلتزم الصمت إذا رأى أن الصمت افضل وسيلة للدفاع بها عن نفسه ضد الاتهام الموجه إليه.(3)
الفصل الثالث
حجية الاعتراف
المبحث الأول
حجية الاعتراف كدليل إثبات
أن البحث في حجية الاعتراف كدليل إثبات تتطلب منا التطرق إلى الاعتراف بنوعيه القضائي وغير القضائي وحجية كل منهما كدليل في ادلة الإثبات.
المطلب الأول
حجية الاعتراف القضائي :
وهو الاعتراف الصادر من المتهم أمام المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية أو أمام المدعي العام الذي يحقق في موضوع الشكوى .
أولاً : حجية الاعتراف القضائي الصادر أمام محكمة الموضوع سواء في الجنايات أو الجنح أو المخالفات سنداً لنص المادتين 172/2 و 216/2 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني واللتان تتناولان الاعتراف القضائي، حيث وردت الأولى في باب الجنح وتنص على "إذا اعترف الظنين بالتهمة، يأمر الرئيس بتسجيل اعترافه بكلمات أقرب ما تكون إلى الألفاظ التي استعملها في اعترافه، ثم تدينه المحكمة وتحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته ألا إذا بدت لها أسباب كافية تقضي بعكس ذلك".
أما الثانية فقد وردة في باب الجنايات وتنص على "إذا اعترف المتهم بالتهمة، يأمر الرئيس بتسجيل اعترافه بكلمات أقرب إلى الألفاظ التي استعملها في اعترافه، ويجوز للمحكمة الاكتفاء باعترافه وعندئذ تحكم عليه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته إلا إذا رأت خلاف ذلك".
ونستنتج من خلال هذين النصين أن الأخذ بالاعتراف الذي يدلي به الظنين أو المتهم أمام المحكمة أو عدم الأخذ به هو أمر يعود لقناعة محكمة الموضوع الشخصية، فمن الممكن أن يكون الاعتراف بينه كافية بحد ذاته للإدانة إذا قنعت به محكمة الموضوع واطمأنت أليه وكان مطابقاً للحقيقة والواقع ومستجمع لكافة شروط صحته وسلامته قانوناً وصدقه موضوعا، فتكتفي به المحكمة وحده ولا تسمع شهود الإثبات أو باقي الأدلة ومن ثم تدين الظنين أو تجرم المتهم.
وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية الموقرة بقرارها رقم 286/91 والذي جاء فيه "إذا وجدت محكمة الموضوع في الاعتراف بينة كافية فلها أن تصرف النظر عن أية بينة أخر"([25])
وقد يكون الاعتراف أمام المحكمة بحضور محامي أو بدون حضور محامي إلا أن بعض الأنواع في الجرائم تستلزم حضور محامي للدفاع عن المتهم وفقاً لنص القانون حيث نص المشرع الأردني في قانون أصول المحكمات الجزائية بالمادة 208/1 على أنه في الجرائم التي يعاقب عليها القانون بالإعدام والاشغال الشاقة المؤبدة أو الإعتقال المؤبد أن يسال المتهم هل اختار محامي للدفاع عنه فإن لم يفعل وكانت حالته المادية لا تساعده على تعيين محامي عين له الرئيس أو نائبه محامي للدفاع عنه ويكون على حساب المحكمة.
ألا أنني أجد ومن خلال نص المادة 172/2 والمادة 216/2 على أن الاعتراف حسب مفهوم هاتين المادتين ينص على التهمة المسندة وليس على الوقائع المشكلة للجريمة كما سبق وأشرت إلى ذلك في الفصل الأول من البحث
ثانياً : حجية الإعتراف لدى المدعي العام
وهو اعتراف قضائي يخضع لتقدير محكمة الموضوع حتى لو عدل عنه المتهم أو الظنين، لان الأمر راجع إلى اقتناع القاضي واطمئنانه إلى سلامة الاعتراف من أي عيب يشوبه كما أن المشرع الأردني أعطى ضمانات لحماية المتهم في تلك المرحلة فقد نصت المادة 163/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ما يلي: "عندما يمثل المشتكى عليه أمام المدعي العام يتثبت من هويته ويتلو عليه التهمة المنسوبة أليه ويطلب جوابه عنها منبهاً إياه أن من حقه أن لا يجيب عنها إلا بحضور محامي، ويدون هذا التنبيه في محضر التحقيق فإذا رفض المشتكى عليه توكيل محامي أو لم يحضر محامياً في مدة أربع وعشري ساعة يجري التحقيق بمعزل عنه".
وحول حجية الاعتراف لدى المدعي العام فإننا نجد أن الاعتراف سواء أمام المدعي العام أو المحكمة ليس حجه بذاته ما لم يكن صادقاً وصحيحاً وتم الإدلاء به بإرادة حرة واعية غير مشوب بأي إكراه أو ضغط مادي أو معنوي وذلك سنداً لمبدأ القناعة الشخصية لقاضي الموضوع، حيث أن له سلطة تقديرية في وزن الاعتراف بعد التحقق من توافر شروط صحته والتأكد من صدقه من الناحية الواقعية، فله أن يبني حكمه على الأعتراف متى اطمأن إلى سلامته قانوناً وصدقه موضوعاً وله أيضاً استبعاده متى وجد أنه غير مطابق للحقيقة والواقع وأنه تم الإدلاء به تحت التهديد والإكراه والضغط حتى وأن تم أمام المدعي العام فهذا لا يعني أنه بعيد عن التهديد والإكراه.
وهذا ما أكدت عليه محكمة التمييز الأردنية الموقرة في العديد من قراراتها ومنها القرار رقم 173/64 والذي جاء فيه "من حق المحكمة أن تسمع البينة على الظروف التي أحاطت بالاعتراف أمام المدعي العام حتى إذا تبين لها أنه قد اخذ بالاكراه فتقرر عدم الاخذ به ولا مجال للقول بأن اعتراف المتهم أمام المدعي العام غير قابل للطعن ألا بالتزوير، ومن حق المتهم أن يقدم البينة على أن الاعتراف قد اخذ منه بالضغط والإكراه امام المدعي العام، لأن الإفادة التي تعطى أمام المدعي العام تخضع لتقدير المحكمة كأي بينة أخرى"([26]) .
وكذلك القرار رقم 369/93 والذي جاء فيه "إن اعتراف المتهم أمام المدعي العام وأن كان يشكل دليلاً صحيحاً للإثبات، إلا أن اعتماده يستلزم الحيطة والحذر والوقوف على الظروف والملابسات التي أحاطته ورافقته بما لا يدع مجالا للشك في صحته وأنه تم أداءه عن إرادة حرة دون إكراه أو ضغط، فإذا ثبت من شهادات الشهود أن المتهم كان في عمله الوقت الذي يفترض فيه وقوع الجريمة، فإن الفرض سلفاً أن هذه الشهادات غير صحيحة لتعارضها مع الإعتراف غير سائغ ويشوب الحكم بعيب القصور، كان على محكمة الجنايات الكبرى الاستماع إلى شهادة رجال الضابطة العدلية منظمي الظبط للوقوف على أسباب الاشتباه بالتهم والقاء القبض عليه والوقوف على الدوافع والأسباب التي دفعت المتهم للإدلاء باعتراف مفاجئ دون مقدمات"([27]).
ونلاحظ من خلال هذين القرارين لمحكمة التمييز الأردنية الموقرة حول الاعتراف ومدى حجيته أمام المدعي العام، أن الاعتراف لدى المدعي العام ليس حجة على المتهم ويستطيع المتهم تقديم أدلة على عدم طوعيته وظروف التي أحاطت بأخذه، وهذا ما أستقر عليه الفقه القانوني والقضائي.
المطلب الثاني
حجية الاعتراف غير القضائي :
وهو الاعتراف الذي يتم خارج مجلس القضاء فقد يتم بمرحلة البحث والتحري وجميع الاستدلالات أي أمام الضابطة العدلية (رجال الشرطة) وقد يتم أمام شخص أو أشخاص عاديين أو وقد يكون أمام المحاكمة التي يحاكم أمامها المعترف بجناية أو جنحة غير الجناية أو الجنحة التي اعترف فيها .
وهذا النوع من الاعتراف لا تأخذ به المحكمة إلا إذا ثبت واقتنعت انه تم الإدلاء به طوعاً واختياراً أو قدمت النيابة العامة بينة على الظروف التي احاطت به، حيث نصت المادة 159 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على ما يلي :"إن الإفادة التي يؤديها المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه في غير حضور المدعي العام ويعترف فيها بارتكابه جرما، تقبل فقط إذا قدمت النيابة بينة على الظروف التي أديت فيها واقتنعت فيها المحكمة بأن المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه أداها طوعاً واختيارا ً".
ويلاحظ من خلال نص المادة أنفة الذكر أن الاعتراف غير القضائي لا يستبعد نهائياً وإنما يؤخذ به اذا توافرت فيه شرطين :
1. أن تقدم النيابة بينة على الظروف التي تم فيها الاعتراف
2. أن تقتنع المحكمة بأن هذا الاعتراف صدر طوعاً واختياراً
والهدف من توافر هذين الشرطين في الأعتراف غير القضائي حتى يعتبر أساسا صالحا للإدانة هو أن هذا النوع من الاعتراف عند صدره يفتقر على الضمانات التي منحها القانون للمشتكى عليه أمام الجهات القضائية، حيث يشتبه في تلك المرحلة استعمال الشرطة لأساليب غير مشروعة بهدف الحصول على الإعتراف . لذا جاء النص على أن مثل هذه الاعترافات لا تقبل كبينة ضد المتهم إلا إذا قدمت النيابة بينة على أنها أخذت بالطوع والاختيار
وقد أشارت محكمة التمييز في العديد من قراراتها إلى جواز الأخذ أو عدم الأخذ بالاعتراف في مرحلة جمع الاستدلالات أمام رجال الشرطة وذلك حسب قناعة محكمة الموضوع بالظروف التي أحاطت بكيفية الحصول عليه وهل تم بأسلوب مشروع أو غير مشروع، ومنها القرار رقم 172/95 والذي جاء فيه "يجوز للمحكمة الاستناد إلى اعتراف المتهم الذي يؤديه أمام الشرطة بغير حضور المدعي العام إذا اقتنعت أنه قد أداه بطوعه واختياره وبشهادة من ضبط أقواله التي تأيدت باعتراف باقي الاظناء عملا بالمادة 159 من قانون أصول المحاكمات الجزائية"([28])
وكذلك القرار رقم 14/76 والذي جاء فيه"(إذا أدلى المتهم بإفادة لدى الشرطة في غير حضور المدعي العام واعترف بها بارتكابه الجرائم التي أدين بها وقدمت النيابة البينة على الظروف التي أديت فيها الإفادة وقنعت محكمة الموضوع بأن المتهم المذكور قد أداها طوعاً واختيارا فإن اعتماد المحكمة على هذا الاعتراف يتفق وأحكام القانون"(2) .
ومن خلال دراسة بعض القرارات لمحكمة التمييز الموقرة نجد أن الاعتراف غير القضائي قد يصلح كبينة في الدعوى الجزائية وتأخذ به المحكمة وتعتمد عليه كدليل إثبات للإدانة أو التجريم بالرغم من عدول المتهم عنه أمام المدعي العام و أنكره أمام المحكمة إذ توافرت فيه الشروط التي نصت عليها لمادة 159 من قانون أصول المحاكمات الجزائية واقتنعت المحكمة بشروط صحته، وقد لا يصلح الاعتراف غير القضائي كدليل إثبات لوجود قرائن على أنه أنتزع بالإكراه والتعذيب فتعمل المحكمة على طرحه من أدلة الدعوى وكل ذلك يعود إلى قناعة القاضي الوجدانية والشخصية.
أما الاعتراف في دعوى أخرى غير الدعوى المنظورة فعلاً أمام المحكمة فيعتبر من صور الاعتراف غير القضائي وذلك ما أخذت به محكمة التمييز الأردنية بقرار لها وهو القرار رقم 220/93 والذي جاء فيه "إذا حصل الاعتراف في قضية أخرى كان الاعتراف غير قضائي إذ لا يقصد المقر أن يتعدى أثره تلك القضية وان يحكم عليه بمقتضاه فيما إذا رفعت أي دعوى أخرى، وبهذه الحالة تخضع أقواله لتقدير القاضي الذي له مطلق الحرية في تقدير قوتها في الإثبات حيث يجوز له أن يعتبرها دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة "([29]).
نلاحظ من خلال هذا القرار لمحكمة التمييز الموقرة أنها اعتبرت الاعتراف في دعوى أخرى اعتراف غير قضائي حيث أن المعترف ليس مشتكى عليه بالتهمة التي اعترف بها, وقال الأستاذ فاروق الكيلاني عن هذا النوع من الاعتراف (والحقيقة أن الاعتراف إذا تم أمام القضاء فإنه يكون اعترافاً قضائياً ولكن لا يكون له حجية في الإثبات إذا تم في دعوى أخرى فحتى يكون للاعتراف حجية في الإثبات يجب أن يتم في الدعوى الجزائية وأمام المحكمة التي تنظر الدعوى فعلاً)(2).
المبحث الثاني
حجية الاعتراف الصادر من الغير
لا يتصور أن يكون الاعتراف إلا من الشخص على نفسه، ولكن قد يتطرق المتهم من خلال اعترافه على نفسه إلى ذكر أمور صدرت عن الغير وفي هذه الحالة يكون المعترف في موقف الشهادة على الغير، فإذا كان الغير متهماً آخر فهذه ليست إلا أقوال متهم على متهم بأنه قد ارتكب الجريمة أو صدرت منه أفعال معينة تدينه لأن الاعتراف بطبيعته إقرار بواقعة ينسبها المتهم إلى نفسه, فإن حجيته كإقرار تكون قاصرة على المقر ([30]). وسنتطرق في دراستنا إلى حجية الاعتراف الصادر عن الغير في حالتين هما :
الحالة الأولى : اعتراف متهم ضد متهم :-
إن الأقوال التي يدلي بها متهم ضد أخر تعتبر دليلاً من أدلة الاثبات في الدعوى الجزائية يجوز للمحكمة ان تأخذ بها إذا اقتنعت بصحتها وتأيدت بقرينة أخرى في الدعوى(2).
وهذا ما أخذ به المشرع الأردني حيث نص في المادة 148/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على " يجوز الاعتماد على أقوال متهم ضد متهم إذا وجدت قرينة أخرى تؤيدها ويحق للمتهم الأخر أو وكيله مناقشة المتهم المذكور ".
وبالرجوع إلى النص المذكور فلا تعتبر أقوال متهم ضد متهم دليلا كاملا أي لا يجوز الاستناد عليه وحده في إدانة المتهم الأخر, وإنما يعتبر دليل ناقص لابد أن يكتمل بوجود قرينة أخرى تؤيد الاعتراف فإذا لم توجد هذه القرينة يجب على المحكمة استبعاده وعدم الاعتماد عليه في الإدانة والتجريم، ولكنه يعتبر من باب الاستدلال.
وقد قضت محكمة التمييز الأردنية في قرارها رقم 14/85 بعدم الأخذ بأقوال متهم ضد متهم أخر ما لم تؤيد بقرينة أخرى حيث جاء فيه ( للمحكمة الاعتماد على أقوال المتهم ضد أخر إذا وجدت قرينة تؤيدها وعليه فإن اعتراف المتهمة وضبط المسدس الذي قتلت به زوجها , هما أكثر من قرينة ولذلك فلها ان تقبل قولها في عداد البينة للاستدلال على أنها قتلت المغدور)([31]).
اما فيما يتعلق بموقف الشريعة الإسلامية من أقوال متهم ضد متهم أخر فيرى جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية ان الاعتراف على قوته حجة قاصرة على نفس المعترف لا يتعداه إلى غيره وقد روي عن أبي داوود عن سهل إبن سعد أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعترف عنده أنه زنا بإمرأة سماها له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة وسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت فجلده وتركها (2).
ونرى مما سبق أن الفقه الإسلامي لا يعتمد ما يسميه القانون أقوال متهم ضد متهم. وإنني أرى موقف الفقه الإسلامي هو الأفضل في عدم الأخذ في أقوال متهم ضد متهم حيث أن تلك الأقوال لا تخلو من المصلحة، وذلك لأن الإنسان قد يدفع التهمة عن نفسه وإلصاقها بغيره خوفاً من العقاب المترتب عليها.
الحالة الثانية :اعتراف محامي عن موكله
إن الاعتراف يجب أن يصدر عن المشتكى عليه شخصياً لأنه إقرار على نفسه بإرتكاب الجريمة ولا يجوز أن يصدر من المحامي عن موكله في الدعوى وفقاً لإجتهادات القضاء في الأردن حيث جاء في القرار رقم 66/71 لمحكمة التمييز ما يلي: " لا يعتبر إعتراف الوكيل بأن موكله إقترف مخالفة النقل على الطرق صادر عن المشتكى عليه ولا يجوز الإعتماد عليه كبينة في الدعوى الجزائية "(3).
أما في رأي الإستاذ فاروق الكيلاني فإن هذا الإجتهاد محل نظر، وذلك لأن الإعتراف عمل قانوني يصح أن يكون محلاً للوكالة فيجوز للمتهم أن يوكل المحامي بالإعتراف عنه أمام المحكمة أو في التحقيق، وهذا التوكيل مشروع لان كل الأعمال القانونية يصح التوكيل فيها(4).
المبحث الثالث
تجزئة الاعتراف
ويقصد به أن تستند المحكمة إلى اعتراف المتهم بوقائع معينة وتطرح اعترافه بالنسبة لوقائع أخرى وردت في اعترافه لأنها لا تطمئن أن إلى صدقها([32]) وفي موضوع تجزئة الإعتراف لا بد لنا من أن نتطرق إلى نوعي الإعتراف البسيط والموصوف، فبالنسبة للاعتراف البسيط فهو الإعتراف الذي ينصب على الواقعة الإجرامية التي رفعت بها الدعوى دون أن يكون مقرونا بأي ظروف أو وقائع من شأنها التأثير في مسؤولية المعترف كالإعتراف بالإيذاء أو السوق دون رخصة (2)، وهذا النوع من الإعتراف يخضع لتقدير محكمة الموضوع وإقتناعها فلها أن تأخذ بما تراه مطابقاً للحقيقة وترفض ما تراه مخالفاً لها، وهذا ما أكدت عليه محكمة التمييز الأردنية في العديد من قراراتها ومنها القرار رقم 108/54 والذي جاء فيه (اعترف المتهم بالجريمة المسندة إليه يعتبر من البينات الخاضعة لتقدير محكمة الموضوع فلها أن ترفضه بأكمله أو أن ترفض بعضه وتقتنع بالبعض الأخر حسبما يتراءى لها ويرتاح إليه وجدانها )(3).
أما فيما يتعلق بالاعتراف الموصوف وهو الإعتراف بالواقعة الإجرامية المدعى بها مقترناً بها وصف يتعلق بتقدير العقوبة أو بظروف او بوقائع إذا صحت فإن من شأنها أن تنفي مسؤولية الفاعل أو تمنع العقاب عنه (4).
فقد استقر الفقه على أنه يجوز تجزئة الإعتراف الصادر من المشتكى عليه أو المتهم فيما يتعلق بالواقعة الإجرامية كالقتل والسرقة دون الوصف المتعلق بتقدير العقوبة كسبق الإصرار بالنسبة للقتل أو الكسر بالنسبة للسرقة، حيث يجوز للمحكمة أن تأخذ بإعترافه بالقتل أو بالسرقة ثم تبحث بالوصف الذي أنكره.
أما إذا كانت الظروف أو الوقائع من شأنها إن صحت أن تنفي مسؤولية الفاعل أو تمنع العقاب عنه كالإعتراف بإرتكاب جريمة القتل نتيجة الإكراه أو في حالة وجود عذر محل ففي هذه الحالة لا يصح تجزئة الإعتراف، لأنه ينفي المسؤولية أو يمنع العقاب كلياً فلا يجوز للمحكمة أن تأخذ جزء منه دون أخر وإنما ترفضه جميعه ولا تعتبره إعترافاً وهذا الرأي محل إجماع في الفقه والقضاء العربي، إلا ان محكمة التمييز الأردنية اخذت اتجاهاً مخالفاً فقضت بجواز تجزئة الاعتراف الموصوف والمقترن بظروف ووقائع إن صحت فإنها تنفي مسؤولية فاعلها وذلك بالقرار رقم 27/61 والذي جاء فيه:
"بعد التدقيق نجد أن المميز اعترف بأنه قتل زوجته المجني عليها ولكنه إدعى أن إقدامه على ذلك كان بسبب مفاجأتها في حالة تلبس بالزنا مع شخص أخر، وإن محكمة الموضوع قد اخذت بما جاء باعترافه من حيث إيقاع القتل وطرحت ظرف العذر المحل الذي إدعاه لأنها لم تقتنع، وحيث أن الإعتراف بالمسائل الجزائية خاضع بتقدير المحكمة واقتناعها فلها أن تفحص كافة أجزائه ولا تأخذ منها إلا بما يقنعها، وحيث لا رقابة لمحكمة التمييز عليها في ذلك ما دام الاعتراف يؤدي إلى النتيجة التي استخلصت منه، فإن قول المميز بأنه يتوجب الأخذ بالإعتراف كاملاً وعدم تجزئته لا يستند إلى أساس"([33]).
المبحث الرابع
العدول عن الإعتراف
العدول عن الاعتراف هو رجوع المشتكى عليه عن الأقوال التي سبق وأن أدلى بها أمام الشرطة والضابطة العدلية أو أمام المدعي العام([34]) . وقد استقر الفقه والقضاء على ان الإعتراف ليس حجة بذاته ما لم يكن صادقا وصحيحاً وصادر عن إرادة حرة مدركة ولا يشوبه أي عيب من العيوب، وحيث أن الإعتراف ليس حجة فإنه يجوز للمتهم الرجوع عنه دون أن يلزم بإثبات عدم صحة الاعتراف الذي رجع عنه، ويخضع صحة الرجوع لتقدير محكمة الموضوع، أما الإقرار في المواد المدنية فإنه لا يجوز الرجوع عنه إذا قبله الخصم ما لم يثبت المقر أنه وقع في غلط في الوقائع وذلك لأن الإقرار حجة على المقر.
وسنبحث في هذا المبحث عن نقطتين هما :
1. العدول عن الاعتراف أمام المحكمة
2. مظاهر صدق العدول
أولا : العدول أمام المحكمة :
أن لمحكمة الموضوع حرية تقدير الإعتراف فلها إن تأخذ بإعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق حتى لو عدل عنه أمامها، فتقدير قيمة الإعتراف كدليل إثبات من شأن محكمة الموضوع، ولا حرج على المحكمة إذا هي أخذت باعتراف المتهم أمام الشرطة أو أمام المدعي العام رغم عدوله عنه بعد ذلك بجلسات المحكمة مادامت قد أطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع(2)
والمشرع الأردني أعطى الحق للمتهم أو الظنين أمام المحكمة بالرجوع عن الاعتراف الذي أدلى به خلال مرحلتي جمع الاستدلالات والتحقيق أمام الشرطة أو المدعي العام.
ويتضح ذلك من خلال نص المادة 216/4 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي نصت على: "إذا أنكر المتهم التهمة أو رفض الإجابة و لم تقتنع المحكمة باعترافه بها تشرع المحكمة بالاستماع إلى شهود الإثبات".
ونرى من خلال نص المادة المذكورة سابقاً أنه يجوز للمتهم أن ينكر التهمة المسندة له حتى لو كان معترف بها خلال مرحلة التحقيق، وبالرجوع إلى اجتهادات محكمة التمييز الأردنية نجد أنها تركت للقاضي حرية تقدير الاعتراف والرجوع عنه وذلك سنداً لمبدأ القناعة الشخصية للقاضي، ولكن يجب على المحكمة إذا أخذت بالإعتراف بعد الرجوع عنه وأسست حكمها بالإدانة وفقاً لهذا الاعتراف أن تبين سبب عدم أخذها برجوع المتهم أو استبعدت الإعتراف , لإقتناعها بالرجوع عنه أن تسبب فرارها وإلا شابه القصور .ونلاحظ من خلال القرار التمييزي رقم 14/85 على أن رجوع المتهم عن اعترافه في مرحلة التحقيق غير ملزم للمحكمة وذلك لأن المحكمة تأخذ بالبينة التي يرتاح إليها ضميرها ووجدانها حيث أن قناعة المحكمة استخلصت من بينة ثابتة بالدعوى، حيث جاء بالقرار المذكور ما يلي:
"إن رجوع المتهمة عن إعترافها لا يلزم محكمة الجنايات بأن تأخذ بالإفادة التي انكرت المميزة فيها الجريمة إذ لمحكمة الجنايات صلاحية الأخذ بالبينة التي يرتاح إليها وجدانها، فإذا ارتاح وجدانها إلى اعتراف المميزة فتكون قناعتها مستخلصة من بينة ثابتة في الدعوى كما لا ينال من صحة هذه القناعة إنتفاء وجود وشم البارود في مكان الإصابة "([35]). إذن من حيث النتيجة فإن قاضي الموضوع له أن يأخذ بالعدول ويترك الاعتراف أو أن يأخذ بالإعتراف ويترك العدول فهو في الحالتين أمر تقديري خاضع لقناعة القاضي الوجدانية وانسجامه مع باقي الأدلة في الدعوى.
ثانياً : مظاهر صدق العدول :
من المظاهر التي تبين صدق العدول تقديم بعض الوقائع التي تستبعد قيام الجريمة، كشهادة عدة شهود بأنهم شاهدوا المجني عليه بعد الوقت الذي اعترف فيه المتهم بقتله أو بإيضاحه استحالة قيامه بارتكاب الجريمة لوجوده وقت ارتكابها في بلد أخر بعيد عن مكان الجريمة أو أن يتهم شخصاً نفسه زورا لكي يفتدي شخصاً عزيزاً عليه، ونجد مما ذكر نماذج محتملة للعدول الصادق ولكن يجب التأكد دائماً من حقيقة العدول.
ويحتمل أن يعدل المتهم عن اعترافه في أي وقت لذا يجب على المحقق أن يبحث في أدلة إثبات أخرى لتأييد الإعتراف خوفا من العدول عنه في المستقبل، حيث أن كثير من المحققين يرون أن التحقيق ينتهي بمجرد الحصول على الاعتراف ولكن هذا يخالف الواقع فمن حق المتهم أن يعدل عن الاعتراف في أي وقت، لذلك يجب على المحقق أن يناقش المشتبه به تفصيليا باعترافه ويتحقق من جزئيات ووقائع الاعتراف لتدعيمه بأدلة أخرى، فكل دليل على حده لا يكفي لتكوين قناعة القاضي فالحجية والإقناع تستخلصان من تساند الأدلة المختلفة في الدعوى الجزائية ([36]).
الخاتمة والتوصيات
بعد التطرق إلى الإعتراف وحجيته في هذا البحث نجد ندرة المؤلفات الأردنية والعربية التي تبحث بالإعتراف بشكل منفرد بالإضافة إلى قلة النصوص القانونية المتعلقة بالإعتراف في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني حيث لا يوجد نص تفصيلي لأحكام الاعتراف ولهذا كانت معظم احكام الاعتراف وقواعده القانونية من عمل القضاء والاجتهاد الفقهي لبعض المفكرين القانونيين سواء من حيث تعريف الإعتراف والطبيعة القانونية له وشروط سلامته وصدقه ومدى حجيته، حيث نجد بالعديد من القرارات لمحكمة التمييز الأردنية الموقرة التي أبطلت فيها الاعترافات التي أخذت بالاكراه المادي والمعنوي أو بالاستناد إلى إجراءات غير مشروعة.
وقد كان الاعتراف فيما مضى سيد الادلة وأقواها إلا انه اصبح ليس حجة بذاته بغض النظر عن الجهة التي تم أمامها الاعتراف سواء الضابطة العدلية أو المدعي العام أو المحكمة ما لم يكن صادقاً وصحيحاً وصادر عن إرادة حرة واعية مدركة لمعنى الاعتراف وغير مشوب بعيب من العيوب التي تؤثر في حرية المعترف وإدراكه لان الاعتراف المستند إلى إجراءات باطله يكون محل شك في صدقه وتمثيله للحقيقة والواقع وحيث أن الأحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين وليس على الشك والتخمين فأي شك بسلامة الإعتراف يؤدي إلى بطلانه.
ومن الملاحظ أن الإعتراف يؤخذ في أغلب الأحيان بالإكراه المادي أو المعنوي فهو دليل تحيطه الشبهات وخاصة فيما يتعلق بالاساليب المتبعه للحصول عليه وخاصة لدى رجال الضابطة العدلية، وذلك لأن الإعتراف يعتبر سيد الأدلة في ذهان المحققين فيسعون للحصول عليه بشتى الوسائل وإن كان بعضها غير مشروع، وكذلك فإن الحصول على الاعتراف يجعل هناك احساساً عاماً لدى المحققين بأن الشخص المعترف لا يدلي باعترافه إلا إذا كان قد ارتكب الجريمة فعلاً هو بذلك يطمئن إلى أنه اكتشف فاعل الجريمة ويسدد القيود الرسمية فلا يطالب من قبل المسؤولين عنه بالبحث عن مرتكب الجريمة .
وانني أرى انه من المؤلم أن يصبح هدف الحصول على الإعتراف هو تسديد القيود الرسمية حيث يؤدي ذلك إلى ضياع الحقيقة وإلى انعدام العدالة وهو عمل يتصف بانعدام الحكمة ولذا أرى ان لا يعتد بالاعتراف لوحده وانما يجب ان يكون مدعما بأدلة أخرى مثل سماع الشهود والنظر في باقي الأدلة من قبل المحكمة قبل اصدرها للقرار استنادا على الاعتراف وذلك للتأكد من صحة الاعتراف وإن المعترف قد ادلى به بإردة حرة دون عنف أو إكراه، أتمنى أن ينص القانون على ذلك حيث يتم تعديل الفقرة الثانية من المادة 172و216 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي تجيز للقاضي أن يكتفي باعتراف الظنين أو المتهم بالتهمة ثم تدينه بالعقوبة التي تستلزمها جريمته حيث يكون التعديل بعدم الإكتفاء بإعتراف الظنين او المتهم وإنما يجب على المحكمة ان تقوم بالسير بالدعوى وتسمع البينات وتحكم حسب قناعتها الشخصية في هذه الأدلة بما فيها الاعتراف وأن لا تكتفي بالاعتراف وحده وذلك لأن قناعة المحاكمة تتشكل استناداً إلى مبدأ تساند الأدلة ,والإكتفاء بدليل واحد مع وجود ادلة أخرى بالإمكان سماعها أو معاينتها يهدر هذا المبدأ .
وفي الختام فإنني اقدم اعتذاري إن قصرت في الإيضاح أو أسأت بالتعبير فالكمال لله وحده، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وصحبه ومن اتبعه إلى يوم الدين.
قائمة المراجع
1. اعتراف المتهم للدكتور سامي الملا، الطبعة الثالثة لسنة 1986.
2. محاضرات في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني والمقارن للأستاذ فاروق الكيلاني، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة سنة 1995.
3. الإجراءات الجنائية تأصيلا وتحليلاً للدكتور رمسيس بهنام سنة 1984
4. الوسيط في شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية – الجزء الثاني (التحقيق الإبتدائي – قواعد الاختصاص – قواعد الإثبات -البطلان)للدكتور محمد علي سالم عياد الحلبي سنة 1996
5. التشريع الجنائي الإسلامي للأستاذ عبد القادر عودة سنة 1986.
6. شرح قانون الإجراءات الجنائية للدكتور محمود نجيب حسني، الطبعة الثانية لسنة 1988
7. اعتراف المتهم فقها وقضاء للمستشار عدلي خليل سنة 1987.
8. البطلان الجزائي (نظرية البطلان –بطلان التحقيق-بطلان المحاكمه-بطلان الحكم)للدكتور عبد الحميد الشواربي .
9. احكام الدفع ببطلان الاعتراف للدكتور حسني الجندي لسنة 1990
10. الوجيز في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني للدكتور محمد صبحي نجم ،الطبعة الأولى لسنة 1991.
11. مجموعة مجلة نقابة المحامين الاردنية – قرارات محكمة التمييز الجزائية لسنوات مختلفة
القوانين:
1. قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 9 لسنة 1961 والتعديلات الواردة عليه والقانون المعدل رقم 16 لسنة 2001
2. قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960
3. قانون الأحداث رقم 24 لسنة 1968
(1)أعتراف المتهم د سامي الملا – اطبعة الثانية – ص1 وما بعدها سنة 1986
[2] ) المعجم الوسيط ج2، ط2
2) اعتراف المتهم، د. سامي صادق الملا- ط3،ص1 سنة 1986
3) اعتراف المتهم فقها وقضاء المستشار عدلي خليل ص17 سنة 1987
4) محاضرات في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني والمقارن الأستاذ فاروق الكيلاني ط3 ص253 سنة 1995
5) شرح قانون الإجراءات الجنائية د. محمود نجيب حسني ط2، ص472 سنة 19
6) أحكام الدفع ببطلان الاعتراف د. حسني الجندي ص5 سنة 1990
[3] )التشريع الجنائي الاسلامي عبد القادر عودة ج2 ط7 ص203 سنة 1986
2) تمييز جزاء رقم 91/89، ص406 سنة 1991 مجلة نقابة المحامين.
[4] ) تمييز جزاء رقم 18/72 س 1972 مجلة نقابة المحامين
[5] ) تمييز جزاء رقم 77/53ص 642 سنة 1953 مجلة نقابة المحامين
[6] ) البطلان الجزائي (نظرية البطلان – بطلان التحقيق – بطلان المحاكمة – بطلان الحكم ) الدكتور عبد الحميد الشواربي ص254
[7] ) اعتراف االمتهم، سامي الملا، ص265، ط3، سنة 1986
2) اعتراف المتهم، سامي الملا، ص11، ط3، سنة 1986
[8] ) اعتراف المتهم، سامي الملا، ص9، ط3، سنة 1986
2) محاضرات في قانون أصول امحاكمات الجزائية الأردني والمقارن، الأستاذ فاروق الكيلاني ص 268،ج2 ط3سنة 1995
[9] ) نمييز جزاء رقم 124/89، صفحة 572، سنة 1991، مجلة نقابة المحامين
2) محاضرات في قانون أصول المحاكمات الاردني والمقارن، الأستاذ فاروق الكيلاني ،ص269 ج2 ط3 سنة 1995
(1) اعتراف المتهم د. سامي صادق الملا – الطبعة الثالثة – ص 13 – سنة 1986 .
(1) اعتراف المتهم د . سامي صادق الملا – الطبعة الثالثة – ص 14 – سنة 1986 .
(1) اعتراف المتهم، د . سامي الملا، ط3، ج2، ص 25 .
(2) تمييز جزاء رقم 455/96 صفحة النشر 2033 سنة 1997، مجلة نقابة المحامين .
(1) تميز جزاء رقم 48/66 صفحة النشر 1231 سنة 1966، مجلة نقابة المحامين
(2) إعتراف المتهم د. سامي الملا، ط3 ص28، سنة 1986
(1) اعتراف المتهم د. سامي الملا، ط3 ص40، سنة 1986
(1) تمييز جزاء رقم 38/84 صفحة النشر 1437 سنة 1984، مجلة نقابة المحامين
(1) التشريع الجنائي الإسلامي عبد القادر عودة، ج2 ص306، سنة 1986
(2) اعتراف المتهم د. سامي الملا ط3 ص55، سنة 1986
(1) اعتراف المتهم، د؟. سامي الملا ط3 ص65، سنة 1986
(2) تمييز جزاء رقم 86/86 سنة 1989 صفحة النشر 769، مجلة نقابة المحامين
(3) تمييز جزاء رقم 672/97 سنة 1989 صفحة النشر 3958، مجلة نقابة المحامين
(1) تمييز جزاء رقم 48/87 لسنة 1989 صفحة النشر 1831، مجلة نقابة المحامين
(2) تمييز جزاء رقم 30/52 لسنة 1953 صفحة النشر 133، مجلة نقابة المحامين
(1) اعتراف المتهم، د. سامي الملا، ط3 ص180، سنة 1986
(2) اعتراف المتهم فقهياً وقضائياً المستشار عدلي خليل ص99 وما بعدها، سنة 1987
(1) تمييز جزاء رقم 746/97 لسنة 1998 صفحة النشر 1207، مجلة نقابة المحامين
(1) اعتراف المتهم، د. سامي الملا ط3 ص200، سنة 1986
(2) تمييز جزاء رقم 746/97 لسنة 1998 صفحة النشر 1207، مجلة نقابة المحامين
(1) اعتراف المتهم فقها وقضاء المستشار عدلي خليل، ص118، سنة 1987
(2) تمييز جزاء رقم 380/98 لسنة 1999 صفحة النشر 375، مجلة نقابة المحامين
(1) رسالة الإثبات الإستاذ أحمد نشأت ط7 ج3 ص3
(1) اعتراف المتهم، د. سامي الملاء، ط3 ص17، سنة 1986
(2) اعتراف المتهم، د. سامي الملاء، ط3 ص17، سنة 1986
(3) اعتراف المتهم، د. سامي الملاء، ط3 ص18، سنة 1986
(1) تمييز جزاء رقم 286/91 صفحة النشر 1284 لسنة 1992، مجلة نقابة المحامين
(1) تمييز جزاء رقم 173/63صفحة النشر 656 لسنة 1965، مجلة نقابة المحامين
(1) تمييز جزاء رقم 369/93 صفحة النشر 1365 لسنة 1994، مجلة نقابة المحامين
(1) تمييز جزاء رقم 172/95 صفحة النشر 135 لسنة 1996، مجلة نقابة المحامين
(2) تمييز جزاء رقم 14/76 صفحة النشر 993 لسنة 1976، مجلة نقابة المحامين
(1) تمييز جزاء رقم 220/93 صفحة النشر 136 لسنة 1994، مجلة نقابة المحامين
(2) محاضرات في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني المقارن، الاستاذ فاروق الكيلاني ج2 ص265
(1) اعتراف المتهم د. سامي الملا ج2، ط3، ص 295 لسنة 1986 .
(2) محاضرات في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني والمقارن، للاستاذ فاروق الكيلاني، ج2 ص273 .
(1) تمييز جزاء رقم 14/85 صفحة النشر 1291 لسنة 1985، مجلة نقابة المحامين
(2) التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة ج2 ص304
(3) تمييز جزاء رقم 66/71 صفحة النشر 223 لسنة 1972، مجلة نقابة المحامين
(4) محاضرات في قانون اصول المحاكمات الجزائية الأردني والمقارن الاستاذ فاروق الكيلاني ج2 ص272
(1) البطلان الجنائي (نظرية البطلان – بطلان التحقيق – بطلان المحاكمة – بطلان الحكم)د. عبد الحميد الشوربي ص255
(2) محاضرات في قانون اصول المحاكمات الجزائية الأردني والمقارن الإستاذ فاروق الكيلاني، ج2 ص270
(3) تمييز جزاء رقم 108/54 صفحة النشر 767 السنة الثانية، مجلة نقابة المحامين
(4) محاضرات في قانون اصول المحاكمات الجزائية الأردني والمقارن الإستاذ فاروق الكيلاني، ج2 ص270
(1) تمييز جزاء رقم 27/61 صفحة النشر 105 سنة 1961، مجلة نقابة المحامين
(1) الوسيط في شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني والمقارن د. محمد الحلبي ج2 ص348
(2) اعتراف المتهم د. سامي الملا، ط3 ص283 سنة 1986
(1) تمييز جزاء رقم 14/85 صفحة النشر 1307 لسنة 1985، مجلة نقابة المحامين
(1) اعتراف المتهم د. سامي الملا ط3 ص285 سنة 1986