بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جريمتا رشوة الموظفين العموميين

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة العـــدل
المدرسة العليا للقضــاء
مديريــــة التداريـــــــب

مذكرة التخرج لنيل شهادة المدرسة العليا للقضاء
بعنوان


جريمتا رشوة الموظفين العموميين
وتلقي الهدايا في ظل القانون 06/01 المتعلق
بالوقاية من الفساد ومكافحته






من إعداد الطالب القاضي:
* رقــاد عبدالرحيـم


الدفعة السادسة عشر
الفترة التكوينية:2005/2008

مقدمـة :
إذا كان الإنسان قد حقق خلال الخمسين عاما الأخيرة تقدما يفوق كل ما حققته البشرية خلال تاريخها الطويل، فإن الكومبيوتر يتربع على قمة هذا التقدم باعتباره واحد من أبدع إنجازات الإنسان لما له من تأثير هائل على الحضارة الإنسانية، حتى وصف عصرنا الحاضر بحق أنه عصر تكنولوجيا الحاسوب أو تكنولوجيا المعلومات، ذلك لأن كثيرا من الدول، لاسيما المتقدمة منها استغلت قدرة جهاز الحاسوب في جمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها واستغلالها إذ فتح الكومبيوتر بذلك للإنسانية آفاقا رحبة للتقدم التكنولوجي، ومعه قفزت البشرية قفزات تقنية عملاقة، وكل ذلك مرتبط ارتباطا كليا ببرامج الحاسوب، التي دخلت كافة مجالات الحياة التعليمية والصحية والاجتماعية والثقافية ...الخ.
فأصبح الإنسان لا يستطيع القيام بعمله اختصارا للوقت والجهد دون الاستعانة ببرامج الحاسوب، وعلى جميع الأصعدة نجد أن جهاز الحاسوب وبرامجه تستخدم بكثرة سواء في وزارات الدولة أو مؤسساتها العامة أو الشركات أو المؤسسات المالية أوحتى الخواص مما أدى إلى نشوء ارتفاع في مجال استثمار قطاع البرمجيات ومن ثم فإن مخاطر استخدام هذا الجهاز وبرامجه سواء أكان مصدرها الجهاز أو فعل الإنسان قائمة وتحتاج إلى معالجة قانونية وإدارية، وهذه المعالجة ربما لا تكون موجودة بالقدر المطلوب سواء في جانبها التشريعي أو الإداري لعدم وجود تشريعات خاصة لمواجهة وتنظيم ذلك، وكذلك لغياب الوعي الإداري القادر على استيعاب جميع أبعاد مخاطر استخدامات الحاسوب، كما أن رجال الفقه العرب خلافا لأقرانهم في الدول المتقدمة، لم يعطوا الدراسات المتعلقة بالقانون والحاسوب اهتماما وعناية، عدا قليل من الباحثين الذين أولو لذلك دراسات خاصة، مع الإشارة إلى أن القضاء العربي وخصوصا الجزائري في ظل القضايا القليلة التي عرضت عليه حول القانون والحاسوب لم يجد في تصديه لها إلا أحكام القواعد العامة (مدنية كانت أو جزائية) والتي قد لا تساعده في حلها حلا سليما يتفق وطبيعة هذا الجهاز وخصوصية استخدامه في غياب تشريع خاص.
ولأن المعالجة الإلكترونية باستخدام المعلوماتية تحقق مزايا للمستخدم عن المعالجة اليدوية تتمثل في:1- السرعة في انجاز العمليات وهي أهم ميزة لاستخدامات الحاسوب والتي تتغير من حاسب لآخر.
2- الدقة في تنفيذ الأوامر وعمليا ت المعالجة من طرف الحاسوب الذي يمكن أن يستوعب كم هائل
من المعلومات، فالحاسوب يمكن أن يعمل بدون خطأ ولفترات طويلة، وإذا حدث خطأ فإنه عادة يرجع إلى المبرمج أو من قام بإدخال البيانات أو في التصميم أو في المعالجة ...الخ.
3- قدرة الحاسوب على إنجاز أكبر قدر ممكن من العمليات في نفس الوقت وفي فترة بسيطة دون أي خطأ، خاصة بالنسبة للحواسب الحديثة حيث تم تطويرها فأصبحت الدوائر الالكترونية للحواسب (CPU) ذات كفاءة عالية والعمل يتم دون تعب أو جهد على خلاف المعالجة اليدوية للمعلومات التي تعتمد على العنصر البشري للقيام بها.
4- التكلفة الاقتصادية للمعالجة الالكترونية للمعلومات باستعمال الحاسب أقل من المعالجة اليدوية.
5- الكفاءة العالية في تنفيذ العمليات المطلوبة عن طريق الأنظمة المعلوماتية الخاصة بالحاسوب بدون تدخل من الإنسان، كما يتم تخزين المعلومات لحفظها ومراجعتها السريعة عند الحاجة إليها، وهذا ما يميز المعالجة الالكترونية للمعلومات عن المعالجة اليدوية.
فالنظام المعلوماتي الذي تعالج البيانات من خلاله يتضمن مجموعة عناصر مادية تتمثل في أجهزة الحواسب (HARD WARE) وأخرى معنوية تشمل البرمجيات (SOFT WARE) وكل هذه العناصر تجتمع معا للقيام بالمعالجة.
أولا : مفهوم جهاز الحاسوب :
تختلف الحواسب كثيرا في الأداء والثمن كما تختلف في الحجم والمظهر ومع ذلك تعالج جميعها البيانات رغم الفارق الشاسع بينها ، ويتكون الحاسوب من مجموعة مكونات مادية (معدات) يمكن رؤيتها فيه رغم اختلافها، والتي تتفرع إلى ثلاث وحدات أساسية :
1- وحدات الإدخال: من خلالها يتم إدخال المعلومات والبيانات والقيام بتحويلها إلى إشارات إلكترونية لتوافق النظام الثنائي (Système binaire) ومن أهمها: لوحة المفاتيح، الفأرة، قارئ الأقراص المرنة ...الخ.
2- وحدة المعالجة المركزية التي تعتبر القلب النابض للحاسوب وتحوي المكونات اللازمة لتخزين وتداول البيانات وأوامر التحكم والذاكرة وتلعب دورا كبيرا في سرعته ودقته، وتؤثر في كفاءته وهي: الذاكرة الرئيسية ووحدات الحساب المنطقي ووحدة المعالجة المركزية (CPU).
3- وحدات الإخراج التي من خلالها تستقبل النتائج من ذاكرة الحاسوب وتقوم بإخراج المعلومات المعالجة على أشكال عدة وتشمل الطابعات وشاشات العرض و...الخ.
ثانيا : مفهوم برامج الحاسوب :
يحظى برنامج الحاسوب بأهمية عظمى في مجال استخدام الحاسبات الالكترونية، فلا ترجع الاستخدامات المبتكرة المتميزة في شتى مجالات الحياة إلى عبقرية الحاسوب بقدر ما ترجع إلى عبقرية البرنامج والمبرمج فلا أهمية للجهاز دون برامج ، وهي التي تمثل المكونات المعنوية لجهاز الحاسوب، وتكون عادة مثبتة على دعامة أو حامل SUPPORT. ويمكن تعريف البرامج بأنها تعليمات مكتوبة بلغة ما، وكتابة البرامج على هذا النحو ليست بالعملية اليسيرة بل تأخذ من الوقت والجهد قدرا كبيرا، مع أن لغات البرمجة متعددة ومتنوعة، فهي تتوزع إلى لغات منخفضة المستوى وتتميز بكفاءتها وسرعتها وتعاملها المباشر مع الحاسوب بعد خضوعها لعملية تقنية تسمى التجميع مثل لغة PLAN لحاسبات ICL، وNEAT لحاسبات NCR ولغات مرتفعة المستوى وهي صالحة للعمل على جميع أنواع الحواسيب مثل لغة فورترن FORTRAN ولغة البزيك BASIC ولغة C++، وكذا الدلفي DELPHI والوينداف WINDEV وتتميز بسهولتها وسرعة تعلمها وتتطلب وقت أقل في وضع البرنامج. كما تقسم برامج الحاسوب إلى قسمين :
-برامج التشغيل: هي البرامج المسيطرة على عملية أداء الحاسوب وتحقيق وظائفه وتشكل جزء من الحاسوب ذاته إذ لا يمكن تشغيل الجهاز بدونها وكذا السماح للبرامج الأخرى بالعمل .
-برامج تطبيقية: هي البرامج المخصصة لمعالجة المشاكل الخاصة لمستخدمي الحاسوب مثل القيام بتنظيم عمل معين أو القيام ببعض العمليات الحسابية، وتنقسم بدورها إلى قسمين: برامج تطبيقية يتم إعدادها بشكل مناسب لكافة مستخدمي البرنامج دون تمييز رغم اختلاف وتنوع ثقافات المستخدمين مثل برنامج ACCESS أو أي برنامج آخر، وهناك برامج خاصة يتم إعدادها لتحقيق الغاية المطلوبة ممن طلبها بالذات ولا يمكن للغير الاستفادة منها إلا ممن أعدت لتناسب احتياجاته الخاصة.
ونتيجة لتداول هذه البرامج وتوفيرا للوقت والسرعة، ولتحقيق غايتها بدقة وجودة عالية، استوجب البحث في تنظيم تداول عقود برامج الحاسوب المختلفة ودراسة الأساس القانوني لها لبيان
نظامها القانوني والآثار القانونية المترتبة على كل من (العميل والمبرمج).
ولعل أهم الصعوبات التي تواجه الطارق لهذا الموضوع هي:
- أن بعض الآراء الفقهية في تكييف عقد إعداد البرامج متضاربة ولم تجد آلية مشتركة له وإخضاعه لنظام قانوني محدد مما يجعلنا نقوم بملاءمة بين الآراء الفقهية والواقع العملي لإبرام العقد.
- قلة المراجع المتخصصة التي تتناول هذا الموضوع بشكل خاص، مما يفرض علينا الرجوع إلى القواعد العامة لنظرية العقد في القانون المدني الجزائري وكذا القوانين المقارنة لمحاولة الربط بينها وبين عقد إعداد البرامج والخروج برؤية جديدة حول شرعية العقد.
- بيان مختلف التصرفات المباحة قانونا لوجود بعض القيود القانونية في التصرفات الجائزة لا يمكن تخطيها، كما قام قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة بمنعها حفاظا على حقوق المؤلفين.
وفي خضم هذه المفاهيم، تبقى لعقود إعداد برامج الحاسوب طبيعتها الخاصة الشيء الذي يفتح المجال لطرح التساؤلات التالية:
- ما مفهوم برامج الحاسوب، وما هي الطبيعة القانونية لها ؟
- وضمن أي نوع من العقود المسماة تندرج حسب القانون المدني الجزائري والمقارن ؟
- وما هي أهم الأركان التي تحكم هذا النوع من العقود،ومختلف الإلتزامات التي تقع على طرفي العقد؟
ومحاولة للإجابة على هذه التساؤلات قسمت الخطة في دراسة الموضوع إلى ثلاث فصول، الأول تمهيدي حول ماهية برامج الحاسوب تم نتطرق في الفصل الأول إلى الأساس القانوني لعقد إعداد برامج الحاسوب مع تبيين أركانه والذي بدوره نقسمه إلى ثلاث مباحث أولهم الطبيعة القانونية لبرامج الحاسوب ثم تكيفه القانوني وأخيرهم تحديد أركان هذا النوع من العقود، أما في الفصل الثاني فأطرق فيه مختلف الآثار المترتبة على عقد إعداد برامج الحاسوب ونقسمه لمبحثين أولهما إلتزامات المبرمج ثم التزامات العميل، ونخلص في خاتمة دراستنا إلى النتائج المستخلصة مع مجموعة من التوصيات والاقتراحات لتعديل بعض النصوص القانونية وتحديد آلية قانونية لإبرام العقد ابتعادا عن العقود النمطية المتداولة حاليا، ويظهر ذلك وفق الخطة التالية:












الخطــــــة

الفصل التمهيدي: ماهية برامج الحاسوب
المبحث الأول : تعريف برامج الحاسب من الوجهة القانونية
المبحث الثاني : التعريف ببرامج الحاسوب من الوجهة الفنية
الفصل الأول: الأساس القانوني وأركان عقود إعداد برامج الحاسوب
المبحث الأول : الطبيعة القانونية لبرامج الحاسب الآلي
المطلب الأول : من حيث كونها شيء مادي
المطلب الثاني : من حيث اعتباره خدمة
المطلب الثالث : من حيث كونها ملكية معلوماتية
المبحث الثاني : التكيف القانوني لعقد إعداد برامج الحاسوب
المطلب الأول : تكييف العقد حسب الغرض من إنشائه
المطلب الثاني : تحديده حسب إرادة الأفراد
المطلب الثالث : التكييف المختار كعقد مقاولة
المبحث الثالث : أركان عقد إعداد البرامج
المطلب الأول : الرضا
المطلب الثاني: المحـل
المطلب الثالث: السبب
الفصل الثانـي: الآثار المترتبة على عقد إعداد برامج الحاسوب
المبحث الأول: إلتزامات المبرمج
المطلب الأول تقديم النصيحة للعميل
المطلب الثاني: إعداد وتسليم البرنامج
المطلب الثالث: ضمان العيوب الخفية
المبحث الثاني : إلتزامات العميل
المطلب الأول: تمكين المبرمج من إعداد البرنامج
المطلب الثاني: تسلم البرنامج
المطلب الثالث: دفع البدل






















































الفصل التمهيدي: ماهية برامج الحاسوب
نتيجة القفزة العلمية التي يشهدها عصرنا، أصبحت برامج الحاسوب متوافرة في كل المجالات مديرة بذلك عصب الحياة لكافة الأفراد، ونظرا لسرعة هذه البرامج في توفير الوقت والجهد خاصة في إجراء البحوث التي تتطلب عمليات ومعادلات دقيقة جدا، وكذلك لتصميم البرامج بحيث تتضمن عدم وجود أي خطأ، فإنه من الضروري علينا الوقوف على المقصود منها في توضيح موقف التشريعات من برامج الحاسوب، ومدى معالجتها وفق هذه القوانين، ومعرفة أيضا المقصود بالبرامج من الناحية الفنية في ما يلي:

المبحث الأول : تعريف برامج الحاسوب من الوجهة القانونية
لم أجد تعريفا لبرامج الحاسوب من خلال رجوعي إلى مختلف القوانين سواء الجزائرية أو المصرية أو الأردنية منها أو غيرها . وإنما قد تم ذكر كلمة "برامج الحاسوب ...." دون تعريفها وهذا بوجوب تمتعها بالحماية طبقا للمادة 04 من قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، وهذه الحماية جاءت في إطار تعديل سنة 1997 بموجب الأمر رقم 97/10 المؤرخ في 06/03/1997، ثم الأمر 03/05 المعدل للأمر السابق في المادة 04 منه فقرة أ. مع أن القانونين المصري والأردني هما أيضا ضما تعديلات على قانونيهما لكي تتلاءم ونصوص اتفاقية تريبس التي أوجبت حماية برامج الحاسوب سواء كانت بلغة الآلة أو بلغة المصدر واعتبارها من ضمن المصنفات الخاضعة لحماية حق المؤلف .
فيعد عدم تطرق التشريعات لوضع تعريف محدد وشامل لبرامج الحاسوب وسيلة من الوسائل التي دعت الفقه إلى البحث عن محاولة لإيجاد تعريف يمكن للغير من فهم المقصود منها، وكان من الصعب إيجاد تعريف جامع مانع لاختلاف رؤى كل شخص لها .
إذ تمت محاولة لإيجاد تعريف لبرامج الحاسوب، من المنظمة العالمية للملكية الذهنية أشارت بأنها "مجموعة معارف أو معلومات يعبر عنها في شكل شفوي أو مكتوب أو بيانات أو غيره ويمكن أن يتم نقلها أو تحويل صورها بفك رموزها بواسطة آلة يمكن أن تنجز مهمة أو تحقق نتيجة محددة انطلاقا من جهاز إلكتروني أو ما يماثلها ويمكنها القيام بتحقيق عمليات معقدة تهدف لغايات عملية ".
وأشار بعض الفقهاء بأن برامج الحاسوب هي: مجموعة من التعليمات والأوامر الموجهة من الإنسان إلى الآلة والتي تسمح لها بتنفيذ مهمة معينة وهو نفسه التعريف الذي جاءت به لجنة المصطلحات الخاصة بالإعلام الآلي الفرنسية .
وتبقى هذه التعريفات في عدم اتزان لكون البرامج مستمرة التطور، وفي غياب التشريعات لوضع تعريف لها لكي يكون هناك أركان أساسية لا بد من توافرها ولأجل القول أنها تخضع للحماية القانونية.

المبحث الثاني : التعريف ببرامج الحاسوب من الوجهة الفنية
إن النصوص التشريعية لم تحدد المقصود الدقيق لبرامج الحاسوب، وأرجعت الأمر للإجتهادات الفقهية التي اعتمدت على الخصائص الفنية لهذه البرامج سواء من حيث بيان طريقة إعدادها أو بيان أنواعها أكانت برامج تشغيلية أو تطبيقية أو غيرها من البرامج.
فإعداد برامج الحاسوب تبدأ بمرحلة قيام المبرمج بالاستفسار عن الأمور التي يجب توفرها في البرنامج، ومن ثم يقوم بوضع تصميم للبرنامج ليتمكن بواسطته القيام بكتابة المعادلات الخوارزمية المشتملة على تحليل الأوامر والنتائج الواجب معالجتها أثناء القيام بإعداد البرنامج، وكذلك على المعادلات التنفيذية التي يتم الاستجابة لها فوريا عند إدخالها في جهاز الحاسوب، وبترجمتها تكتمل البنية الأساسية للبرنامج ومتى تم إدخال هذه المعادلات فإنه يتم ترجمة البرنامج إلى لغة الآلة.
والبرامج التي يتم إعدادها تنقسم إلى قسمين، البرامج من الناحية الفنية وحسب الغرض من تشغيلها والتي تشمل البرامج الخاصة بتشغيل جهاز الحاسوب والبرامج التطبيقية لها. أما القسم الثاني فيشمل البرامج العملية التي تتمثل في البرامج النمطية المستخدمة من كافة المستخدمين، والبرامج الخاصة المتعلقة بالمستخدم لوحده دون غيره، لعدم إمكانية الغير الاستفادة منها .
وتقسم البرامج التي تعد وفقا للمعيار الفني إلى قسمين:
-برامج التشغيل وهي أساسية لتشغيل الجهاز، وتعمل كأداة ربط بين الجهاز والبرامج التطبيقية، بالإضافة إلى تشغيلها للجهاز نفسه فهي تحفظ في القرص الأساسي للجهاز (HARD DISK) ، وهذا النوع من البرامج يشتمل بدوره على عدة برامج أخرى منها ما هو رئيسي يعمل على تشغيل الوحدة الرئيسية في الجهاز وبرامج أخرى لإدارة الوظائف الأساسية الداخلية للنظام الذي يعمل به الجهاز، كما يتم بواسطتها تتبع العمليات وترجمة الأوامر المعطاة من المستخدم للغة الآلة لكي تنفذ .
-البرامج التطبيقية وهي النوع الثاني حسب المعيار الفني، إذ تؤدي عمل معين لتحقيق نتائج محددة يتم بها الوصول إلى الغاية التي يسعى إليها المستخدم وهي متنوعة ومتعددة حسب الغرض من إعدادها، فلا يمكن حصرها لأنها برامج متجددة وفي تطور مستمر.
أما بخصوص القسم الثاني فهي البرامج العملية التي تختلف من حيث تركيبها وتتفرع إلى برامج نمطية (Progiciels) موجهة للعامة بدون تحديد، وتستعمل بشكل كبير ومنها برامج (Access، Word،Progiciels de comptabilité ...الخ)، وبرامج خاصة يتم إعدادها وفق الطلب ووفق مقاسات خاصة .
وانطلاقا مما تم توضيحه، فسنحاول دراسة البنيان القانوني لعقود إعداد برامج الحاسوب مع تبيين لكل التصرفات التي تجرى عليها وبيان موقف المشرع منها محاولين تحديد النظام القانوني الذي يحكمها مع تحديد الالتزامات الملقاة على عاتق كل من المبرمج والعميل وبلورة هذه الأفكار إلى واقع مادي ملموس.






























































الفصل الأول: الأساس القانوني لعقد إعداد برامج الحاسوب وأركانه
تعتبر المعلوماتية أهم اهتمامات عصرنا الحالي، وأقوى أركانها برامج الحاسوب ونتيجة الاستخدام الكبير للمعلوماتية ظهرت خلافات فقهية حول الطبيعة القانونية لها، ونظرا لكونها أشياء غير مادية لاعتبارها مبتكرات ذهنية أي مجرد أفكار، كان من الصعب تحديد هذه الطبيعة القانونية، إلا أن المشرع قد وضع هذه الخلافات ضمن إطار معين، بحيث أخضع برامج الحاسوب لقانون حماية حق المؤلف، وعاملها كمصنف من المصنفات الخاضعة لهذا القانون ، واضعا بذلك استقرارا في التصرفات التي تبرم على هذه البرامج وحصرها في نطاق محدد.
ولأجل فهم أكثر وتحليلا للموضوع بصورة دقيقة رأيت أن نعالج ذلك في ثلاث نقاط :
المبحث 1 : الطبيعة القانونية لبرامج الحاسوب .
المبحث 2 : التكيف القانوني لعقد إعداد برامج الحاسوب .
المبحث 3: أركان عقد إعداد برامج الحاسوب.

المبحث الأول: الطبيعة القانونية لبرامج الحاسوب
تعتبر برامج الحاسوب مجموعة من المعلومات، والأوامر التي يقوم بإعدادها المبرمج، وتحميلها على الحاسوب لاستخدامها حسب الوظيفة المرجوة منها، ولا يمكن الاستفادة منها مادامت مجرد فكرة في ذهنه في حين يمكن أن يستفاد منها في حالة بلورتها على شكل مادي سواء كان في قرص مرن أو اسطوانة يمكن للجهاز التعامل معها، والسؤال الذي يتبادر للذهن هو هل يعتبر البرنامج مجرد خدمة يقدمها المبرمج للمستهلكين أم هو كيان مادي لشيء غير معروف؟ وباعتبار البرنامج شيء مادي أو خدمة يترتب عليه آثار كبيرة في تحديد التكيف القانوني لهذه البرامج والمسؤولية التي تقع على عاتق المبرمج.




المطلب الأول: من حيث كونها شيء مادي
لقد فرق المشرع بين الأشياء والأموال، واعتبر الشيء أساس الحقوق المالية ويمكن اعتباره محلا لحق مالي وهذا ما جاء به المشرع الجزائري على غرار المشرع الأردني والمصري محاولا بذلك تعريفه على
أنه ما يمكن أن يشغل حيز مادي، ويمكن إدراكه بالحواس، والمقدرة على نقله من مكان لآخر دون إحداث أي تغيير في شكله أو أساسه، أما الأشياء المعنوية فهي التي لا يمكن إدراكها بالحواس ولا يمكن الانتفاع بها من قبل الغير إلا إذا تم بلورتها على شكل كيانات مادية .
ومن خلال دراستي للقانون المدني الجزائري وتصفحي للقانون المدني المصري والأردني لم أجد نص يتطرق بشكل واضح ومطلق لبرامج الحاسوب، في حين تم ذكرها في الأمر المتعلق بحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، وكذلك في الأمر المتعلق ببراءات الاختراع، التي اشترطت بلورتها في شكل مادي ليتم حمايتها. وعليه وجب معرفة مدى ملاءمة برامج الحاسوب للعقار وكذلك مدى اعتبارها منقولا؟. كي نتوصل إلى بلورتها وتحديد طبيعتها لتتم حمايتها.
الفرع الأول: مدى اعتبارها عقارا
بالرجوع لنص المادة 683 من القانون المدني الجزائري فإن "كل شيء مستقر بحيزه وثابت فيه ولا يمكن نقله من دون تلف فهو عقار، وكل ما عدا ذلك فهو منقول". فمثلا نقل بيت لا يتأتى إلا بالهدم، واقتلاع الأشجار يؤدي إلى إحداث شرخ في التربة وبقاء لبعض أجزائها في الأرض وحملها لبعض الأتربة جراء نقلها .
وعليه فإنه من الصعب المطابقة بين برامج الحاسوب وأحكام العقار وهذا لكون هذه القواعد مختلفة عن بعضها البعض، فعملية نقل برامج الحاسوب من مكان لآخر عملية سهلة ولا يتصور فيها إحداث أي تدمير أو ضرر في البرنامج وهذا على عكس طبيعة العقار المتسمة بالثبات أما لو نظرنا إلى بعض الحالات التي يمكن أن تحدث خللا في برامج الحاسوب جراء نقلها فهي حالات مؤقتة، ويمكن التصدي لها، وهذا بفضل إدخال أمر في البرنامج ليقوم بحمايته من النقل والنسخ وهذه الحالة لا يمكن الأخذ بها وتطبيقها على النص القانوني الخاص بالعقار كونها تدبير مؤقت إلى حين فترة إلغائه.
وهذا يدعونا إلى القول أن برامج الحاسوب منقولة، لذلك فمن الضروري دراسة المنقول ومدى انطباقه على برامج الحاسوب.
الفرع الثاني: مدى اعتبارها منقول
نجد هنا أن المشرع لم يعرف المنقول بشكل مباشر، بل اعتبر أي شيء لا يمكن تسميته عقارا فهو بالضرورة منقول كون المنقول دائم التجديد، ولا يمكن حصره وتحديده، ونتيجة التطور التكنولوجي ظهر ما يعرف ببرامج الحاسوب التي لم تكن معروفة عصر وضع القانون المدني. فالمنقول هو الشيء الذي يمكن نقله دون إحداث أي خلل في أصله أو وصفه، وهذا هو الفرق الجوهري بين العقار والمنقول .
وعليه وبجمع ما سبق يمكن القول أن برامج الحاسوب هي أشياء ذات كيان مادي نظرا لإدخالها في جهاز الكومبيوتر، وأخذها صفة الأشياء المادية كونها محسوسة، ويمكن نقلها رغم أن أصلها شيء معنوي، ومنه فهي أشياء معنوية ذات كيان مادي يمكن للمجتمع الاستفادة منها، ويمكن بلورتها على شكل أقراص صلبة ومرنة ومضغوطة...، بذلك تعتبر منقولات معدة للاستخدام والاستعمال من قبل المستخدم.
المطلب الثاني: من حيث اعتبارها خدمة
نتيجة الاستخدام والاستعمال لبرامج الحاسوب، فهي تقدم بذلك خدمة للعميل الذي قام بالحصول عليها .
وبالرجوع لعلوم الاقتصاد فإن قطاع الخدمات هو القطاع الثالث بعد الصناعة والزراعة، وأهم ما يميز الخدمة أنها قابلة للاستخدام أو الاستعمال بشكل فوري ويكون المجتمع بحاجة ماسة لها لديمومة الحياة وتقديم الأساسيات التي يرتكز عليها استمراره واستقراره، ومعظم الخدمات تعتمد على فكر الإنسان المجرد الذي يتمكن من خلاله الإبداع والتوصل من الناحية الاقتصادية للغاية المرجوة من الخدمات.
وخدمة الاتصالات السلكية واللاسلكية والمعلوماتية من الخدمات الضرورية في المجتمع إذ تلعب الدور الكبير في تطور النمو الاقتصادي والاجتماعي لأي مجتمع كان. وتعتبر برامج الحاسوب أحد هذه الخدمات، وهي أهم موضوعات التجارة الدولية لعملها على تسهيل الاتصالات، وتقريب المسافات .
ونتيجة الاستثمار في هذا القطاع، ازدهر ومعه البرمجيات وبفضل استخدام هذه الخدمة حقق المواطنون مردود مادي وعملي كبيرين منها.
فقد ذكر الأستاذ برلن في بحث منشور له عبر الانترنت أن هذه الخدمة جنت في قطاع البرمجيات حوالي 102.8 بليون دولار أمريكي لسوق الولايات المتحدة الأمريكية، رغم حصولها على 7.2 بليون دولار كضرائب رغم الخسائر اللاحقة بهذا القطاع البالغة سنة 1994 (2.8) بليون دولار نتيجة نسخ البرامج بطرق غير شرعية وتضاعفت في سنة 1996 لتصل 5.3 بليون دولار .
وأما من الناحية القانونية فإن كلمة خدمة لا نجدها إلا في بعض المواضع المتفرقة في القانون المدني عند دراسة العقود الواردة على العمل ومنها عقد المقاولة الذي يعتبر أهمها وهو يتطور بشكل مستمر ودائم بتطور المجتمع واحتياجاته، ويمكن أن نقول أن أقرب تكيف قانوني لبرامج الحاسوب تنطوي تحت التكيف القانوني لعقد المقاولة، كونها العقود التي ترد على البرامج من العقود غير المسماة وعليه أفضل عقد ينطبق عليها هو عقد المقاولة.
ونظرا للإقبال الكبير على برامج الحاسوب وبالذات البرامج المصممة للجميع مثل access أو غيرها. فهي تحقق خدمات أكبر من البرامج الخاصة وتحقق مردود أعلى .
- حتى أن برامج الحاسوب دخلت إلى القضاء سواء في التطبيقة التي يرجى توحيد العمل بها على مستوى كل المجالس القضائية، بالإضافة إلى البرامج الخاصة بالمحامين ومساعدي القضاء. مع وجود برامج خاصة تحمل كل ما يتعلق بالأحكام والإجتهادات القضائية السابقة والحالية للاستفادة منها، وبذلك لعبت برامج الحاسوب دورا كبيرا في قطاع الخدمات من حيث احتوائها لكافة القطاعات، سواءا الإقتصادية والسياسية والقضاء، ولكن هذا لا يغطي على برامج الحاسوب الطبيعة الأصلية فيها كونها ملكية معلوماتية.
المطلب الثالث: من حيث كونها ملكية معلوماتية
بالإضافة على ما سبق دراسته، من الضروري دراسة مدى اعتبار برامج الحاسوب ملكية معلوماتية باعتبارها ناقلة للمعارف الإنسانية سواء كانت تقنية أو اقتصادية أو اجتماعية وهذا من خلال أجهزة رقمية أوتوماتيكية (الحواسب).
وعليه وجب معرفة مدى اعتبار هذه البرامج كبراءات اختراع أم أنها تعامل معاملة المصنفات الخاضعة لقانون حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
الفرع الأول: مدى اعتبارها براءة اختراع
مع اختلاف أنواع برامج الحاسوب سواء المتعلقة بتشغيل الجهاز أو البرامج التطبيقية فهي مجموعة من الأعمال الذهنية، ونظرا لذلك فقد ثارت عدة تساؤلات حول مدى اعتبارها ملكية صناعية أم تدخل ضمن دائرة حقوق المؤلف . ولمعرفة مدى انطباق أحكام الملكية الصناعية على هذه البرامج من خلال دراستنا لتعريف الملكية الصناعية التي تهدف إلى حماية الإبداع في المجال الصناعي والتكنولوجي وهي الحقوق التي ترد على مبتكرات جديدة، كالاختراعات والرسوم والنماذج الصناعية أو الإشارات والعلامات المميزة المستخدمة لتمييز المنتجات عن بعضها البعض أو المنشآت ويمكن لصاحبها الاستئثار بها وله الحق في مواجهة الكافة بها ، فهل بذلك يمكن القول أن برامج الحاسوب من ضمن الاختراعات؟. في حين ذهب البعض لتعريف الاختراع بأنه : ″ كل اكتشاف أو ابتكار جديد قابل للتطبيق الصناعي. مع أنّه عرّف في المادة 02 من الأمر 03/07 المتعلق ببراءات الاختراع على أنّه فكرة لمخترع، تسمح عمليا بإيجاد حل لمشكل محدد في مجال التقنية، ومنه يطرح السؤال هل يمكن اعتبار برامج الحاسوب من براءات الاختراع؟، رغم نص المادة 06 من الأمر 03/07 التي تقصيه من هذا المفهوم.
ولهذا وجب دراسة ومعرفة الشروط اللاّزم توافرها في المخترَع الذي يحوز على البراءة وهي: أن يكون الاختراع جديدا وناتج عن نشاط اختراعي وقابل للتطبيق الصناعي وعدم مخالفته للنظام العام والآداب العامة .
أولا: اختراعا جديدا (الإبتكار)
لا نجد في الأمر المتعلق ببراءات الاختراع الجزائري ولا المصري أيّ تعريف للابتكار، ممّا جعلنا نرجع إلى الفقه لإيجاد تعريف مانع جامع للابتكارات نظرا لتشعبها وصورها المتعددة.
فانقسم الفقه إلى فريقين: الفريق الأول عرفه على أنّه″ التوصل لأي شيء لم يتم إيجاده من قبل، ولم يتم اكتشافه لأنه كان مجهولا، وغير معروف ثم تم إبرازه على شكل اختراع صناعي ″.
أمّا الفريق الثاني : فذهب إلى أنّ الاختراع هو عدم الإتيان بشيء أفضل من الشيء المعروف والموجود وإنمّا يكتفي بإتيانه بموضوع جديد أي مختلف اختلاف كلي أو جزئي عن الشيء السابق ولا يشترط توافر أي أثر ملموس في المبتكر الجديد يدل على الفن الصناعي فالمهم تقديم المخترع بشكل جديد مختلف عن السابق.
وعليه تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاختلاف بين الرأيين هو اختلاف شكلي وليس موضوعي فالرأي الأول بحث في مضمون المبتكر. أما الرأي الثاني قام بالبحث في الشكل الذي تم بلورة الاختراع به، أي أنّ الرأي الأول كان أدق من الرأي الثاني، كونه قد قام بمنح صفة ابتكار للمبتكر الجديد في أصله ووصفه بعكس الرأي الثاني.
ثانيا: قابليته التطبيق الصناعي
لقد تطرق المشرع الجزائري في مادتيه 03، 06 من الأمر المتعلق ببراءات الاختراع، وكذلك المشرع المصري والأردني على التوالي في موادهما الأولى والثالثة من قانونيهما لبراءات الاختراع، على وجوب توافر شرط قابلية التطبيق الصناعي للمخترع (المبتكر) كي يكون خاضعا لهذا الأمر، والمقصود هنا بقابلية التطبيق الصناعي هو استخدام المبتكر المترتب لاحداث نتيجة صناعية تصلح للتطبيق في كافة مجالات الحياة –أي نوع من الصناعة- فيما يتعلق بالمجالات الصناعية في مضمونها وتطبيقاتها.
والمقصود بمضمونها أنّه يخص الجانب النافع للبشرية لا الجانب الجمالي وهذا ما جاءت به المادة 07 من الأمر(03/07) المتعلق ببراءات الاختراع، أمّا ما يخص تطبيقاتها فلا تمنح البراءات للاكتشافات العلمية البحتة أو المبادئ والنظريات أو المناهج الرياضية.
ثالثا: عدم مخالفتها للآداب العامة
وقد أشارت إلى هذا الشرط المادة 08 من الأمر 03/07 ، فكل مبتكر يكون سلاحا ذو حدين، ويكون استخدامه لصالح البشرية أو ضدها وهذا يعود للمستخدم.
ومن خلال ما درسناه سابقا فإنّه يمكن اعتبار برامج الحاسوب مبتكرًا كونها عبارة عن مجموعة من الخوارزميات تم تجميعها على شكل معادلات رياضية ذات قيمة علمية وذات ناتج عملي بعد إدخالها لجهاز الحاسوب والتي تتمثل في البرامج الأساسية، أو البرامج التطبيقية، مما يمكن القول أنّ هذه البرامج عبارة عن مبتكرات، كونها لم تكن معروفة من قبل بالإضافة لتوفر عنصر الجدة مع قابليتها للتطبيق الصناعي وعدم مخالفتها للنظام العام والآداب العامة.
ونتيجة لتوافر العناصر السابقة وانطباقها على برامج الحاسوب، فمن الممكن اعتبارها ضمن براءات الاختراع، لكن نظرًا للخلاف الفقهي الدائر حول تحديد الطبيعة القانونية لها، نجد أنّ أساس البرامج ما هي إلاّ أفكار تستخدم لاستغلال إمكانيات أجهزة الحواسب للقيام بخدمة معينة ويصبح بذلك جزء من الآلة.
حتّى أنّ شركة هاني ول ضد شركة سبيري عام 1973 حول حاسوب ENIAC المقام في جامعة بنسلفانيا، حكمت المحكمة بإبطال براءة الاختراع لشركة سبيري والحفاظ لشركة هاني ويل باختراعها للحاسب المصمم لحل بعض المشكلات الحسابية، ومنه ففي السابق كان من الممكن اعتبار برامج الحاسوب من المخترعات ويتم حمايتها عن طريق قانون براءات الاختراع ، وبالرجوع لقوانين براءة الاختراع نجد أنّ برامج الحاسوب استثنيت من هذه الحماية .
الفرع الثاني: حق المؤلف
ذكرنا سابقا أنّه أدخلت برامج الحاسوب ضمن تشريع قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، ولم يوضع أي حاجز أو عائق أمام هذه البرامج لحمايتها، وتم معاملتها كأي مصنف محمي بموجب هذا القانون، ونفس الشيء بالنسبة لاتفاقية تربس التي صنفت هذه البرامج ضمن قوانين حماية حق المؤلف.
وبالنظر إلى أنّّ جهاز الحاسوب لا يمكنه إدارة نفسه بنفسه وإنمّا يتم إدارته بواسطة شخص يقوم بتزويده بالمعلومات والأوامر لكي ينتج البرامج التي تؤدي إلى عمل الجهاز، ويكون هذا التزويد عن طريق لغات منخفضة المستوى ولغات مرتفعة المستوى، وكما يتم الاستعانة في ذلك باستخدام لغة المصدر في هذه اللغات (كون أن أصل البرمجيات تم إدخالها بلغة المصدر). ومن ثم تم تناسقها مع بعضها البعض.
ومن دراستنا لتعريف برامج الحاسوب والقانون الذي تم إخضاعها له، يطرح السؤال بعد ذلك في هل البرامج هي مصنفات أدبية أم علمية ؟. كونها مكونة أساسًا من معادلات رياضية أم أنّها مصنف مستقل بذاته، وبالرجوع لنص الأمر المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في مادته الرابعة، وكذلك المادة العاشرة من اتفاقية تربس المصاغة من المادة الثانية من اتفاقية ″ برن ″ لحماية هذه المصنفات نجد أن هذه المواد اشترطت توافر ابتكار فكري لكي تكون خاضعة لهذه الحماية القانونية باعتبارها كالمصنفات الأدبية أو الفنية، وعليه فالمهم توفر شرط الابتكار، وكذلك وجوب كتابة البرامج، وهذه الشروط تخص البرامج الجديدة أو التي تخضع لتحديث برامج موجودة أصلاً، ونجد أنّ المشرع قد قام بحماية هذه البرامج من النسخ دون إذن المبرمج كما فعل ذلك مع المصنفات الأخرى وأخضعها لكافة التصرفات التي يمكن أن تتم على المصنفات الأدبية والفنية الأخرى.
ونخلص في هذا المبحث إلى أنّ قانون حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة أعتبر برامج الحاسوب إحدى المصنفات الخاضعة لحمايته، لذلك تم استبعاد حمايتها ضمن قانون براءات الاختراع، ولأن ذلك يتوافق مع قوانين الكثير من الدول وكذا اتفاقية تربس التي نصت على ذلك كما رأينا.
ونجد أيضًا أنّ الأمر المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لها. الأمر 03/05 لم يتطرق إطلاقا إلى حماية الخوارزميات التي هي أساس البرامج والتي هي عبارة عن معادلات رياضية، كون هذه الأخيرة يمكن الاستفادة منها في حل مشاكل غير المشاكل التي يحلها البرنامج المنجز على أساسها .

المبحث الثاني: التكيف القانوني لعقد إعداد برامج الحاسوب
تعتبر دراسة التكيف لهذا النوع من العقود مهمة نتيجة طبيعتها التي سبق ذكرها، ولأنّ ظهور هذا النوع من البرامج ونظرًا لخصوصيتها فلقد برزت عدة محاولات من أجل تحديد التكيف القانوني لأي عقد من العقود المبرمة من طرفيها ينطوي ضمنه هذا العقد، وبالرجوع إلى القانون المدني فقد قسمت العقود إلى عقود مسماة وعقود غير مسماة، وكان لهذا التقسيم الدور الكبير في إيجاد التكيف والقانون الواجب التطبيق على عقود برامج الحاسوب.
و لتحديد التكييف القانوني لأي عقد من العقود لا بد أن يمر ذلك بثلاث مراحل، فالمرحلة الأولى والأساسية هي مرحلة تعريف العقد للتمكن من تحديده أهو من العقود المسماة أم غير المسماة، وتبيين مدى تلاؤم هذا التعريف لإيجاد تجانس وتقارب بينها وبين مع ما ذكر في القانون المدني من أنواع العقود، فعقد إعداد برامج الحاسوب يتم إبرامه بين المبرمج والعميل حسب المواصفات والشروط المتفق عليها، ويتم في بعض الأحيان إلغاء بعض الشروط الغير متناسبة والبرامج، دون إعطاء أهمية لكيفية الإعداد، فالمهم هو توفر الغاية المرجوة من البرامج. وتكمن المرحلة الثانية في تفسير الإرادة المشتركة للمتعاقدين لأنه يمكن أن يفهم منها تكييف العقد المبرم، ولهذه الإرادة الدور الأساسي في تحديد مضمون العقد.
أمّا المرحلة الثالثة والأخيرة فهي مدى تلاؤم تعريف العقد مع العقود المسماة واتجاه الإرادة، فلو وجد تطابق فإنه يتم تطبيق قواعد العقد الذي تم ملاءمته مع العقد المبرم، ولو كان خلاف ذلك فإنه يرجع إلى أحكام نظرية العقد، وتطبيق القواعد العامة على هذا العقد .
ونظرا لاختلاف الضمانات التي يلتزم بها المبرمج في مواجهة العميل تختلف حسب طبيعة التعاقد، فإذا كان العقد بيعا فإن هذا العقد يرتب التزامات على العميل والمبرمج تخضع لقواعد عقد البيع، أمّا لو اعتبر هذا العقد من عقود المقاولة فإن الحقوق والالتزامات المترتبة على الأطراف تختلف عن الحقوق والالتزامات المترتبة على عقد البيع. ومنه يمكن القول أنّ الإرادة تلعب دورًا كبيرًا في تحديد التكييف القانوني للعقد.
وبالاطلاع ودراسة لبعض الكتابات الفقهية حول التكييف القانوني لعقود إعداد برامج الحاسوب نجد أنّ البعض ذهب لتحديد التكييف القانوني لهذه العقود حسب الغرض من إنشاء البرامج، بينما رأي البعض الآخر أنّه يرجع إلى إرادة المتعاقدين ، وعليه وجب تناول هذا الشق فيما يلي:
المطلب الأول: تكييف العقد حسب الغرض من إنشائه
يثار خلاف فقهي حول التكييف القانوني لهذا النوع من العقود، فاتجه البعض كما قلنا إلى القول أنّ تكيف العقد يحدد حسب الغرض من إنشاء البرامج، وهنا ذهب مجموعة من هؤلاء الفقهاء إلى القول بأنّ برامج الحاسوب تنقسم إلى قسمين : برامج أساسية وبرامج تطبيقية، فالأولى هي التي لا يمكن للجهاز الاستغناء عنها، فعدم توفرها في الجهاز لا يمكن لهذا الأخير العمل وبتشغيل هذه البرامج يشتغل الجهاز، أمّا البرامج التطبيقية فهي لا تؤثر على عمل الجهاز كونها برامج خاصة ببعض الأفراد والغاية منها هو تقديم خدمة لفئة محدودة، وعلى عكس البرامج الأساسية التي تكون مرتبطة ارتباطا كليا بالجهاز، والتي يمكن القول أنّها من ملحقات الجهاز وبالتالي فالنظام القانوني للحصول على هذه البرامج مرتبط بالنظام القانوني للحصول على الجهاز نفسه، فلو تم الحصول على الجهاز بناءًا على عقد بيع فإنّ البرامج تكون قد حازت نفس النظام وهو البيع.
مما يتوجب على الشخص الذي يبيع جهاز الحاسوب تسليم كافة البرامج الأساسية التي تشغل الجهاز، ومثال ذلك نظام Windows بشتى إصداراته.
أمّا البرامج التطبيقية فهي خاضعة لطبيعة خاصة غير التي تتميز بها البرامج الأساسية، لكونها لا تؤثر على عمل الجهاز، لأنها خاصة بفئة محددة ويتم تنظيم طبيعة التعاقد على هذه البرامج حسب إرادة الأطراف، فإمّا أن يكون عقد بيع أو عقد مقاولة أو أي عقد من العقود التي يتم الاتفاق عليها بين الأطراف.
بينما ذهب البعض الآخر من الفقهاء إلى القول بعدم التمييز بين البرامج الأساسية والملحقة (التطبيقية)، لعدم تصور جهاز حاسوب دون برامج وكذلك برامج بدون حاسوب، كما أنّ البرامج الأساسية أصبحت في طياتها تحوي برامج تطبيقية، وعليه أصحاب هذا الرأي اعتبروا أنّ كافة البرامج هي ملحقة بالجهاز، مما يتعين إخضاعها لنفس النظام القانوني.
ويظهر جليا في عملية نقل البرامج من جهاز حاسوب إلى آخر بأي وسيلة نقل، خاصة عند تلك الأجهزة التي كانت تحوي مثلا نظام Windows 98، وتم طرح بعده برنامج Windows 2000 ليتم تحميله على الجهاز، أمّا بخصوص البرامج التطبيقية فلا بد من رابط بينها وبين البرامج الأساسية لكي تقوم بالعمل المناط بها.
وبالتالي فإنه يتوجب رد الرأي الأول الذي قام بتقسيم البرامج إلى أساسية وملحقة وعدم الأخذ به من الناحية القانونية.
ونخلص إلى القول أنّ التكييف لعقود إعداد البرامج يحكمها الغاية من البرنامج في تحديده دون الأخذ بنوع البرنامج سواءًا كانت برامج أساسية أم تطبيقية.
المطلب الثاني: تحديده حسب إرادة الأطراف
تلعب الإرادة دورًا أساسيًا في تحديد التكييف القانوني لهذا النوع من العقود، إذ تمثل العنصر الأساسي والرئيسي في كافة التصرفات القانونية، وتتحدد بدراسة اتجاه إرادة العميل وما يقابلها من إرادة المبرمج الذي يعد البرنامج ويخرجه إلى حيز التنفيذ، وكل ذلك بناءًا على الاتفاق المبرم بين أطراف العقد، لتحديد درجة وطبيعة العقد المراد إبرامه.
فلو انصرفت مثلا إرادة كل من طرفي العقد إلى قيام المبرمج بالتنازل عن كافة الحقوق المترتبة له على البرامج محل العقد، فلا يمكنه التنازل على الحق الأدبي لكونه لصيق بشخص المبرمج، في حين يكون التنازل عن الحق المالي إمّا بمقابل مردود مالي أو هبة أو أي طريقة أخرى يمكن التنازل بها عن هذا الحق.
أمّا إذا اتجهت إرادة الأطراف لنقل ملكية البرامج مقابل مردود مادي وتنازل المبرمج عن كافة حقوقه المترتبة على البرامج، فإن إرادة الأطراف اتجهت للقيام بعملية بيع، في حين لو اتجهت إرادتهم لنقل بعض الحقوق المترتبة على حق الملكية والتصرفات الناتجة عنها فإنّه يمكن تكييف ذلك العقد بأنّه عقد نشر إذا كان التنازل عن حق النشر، ويمكن أن يكون التنازل عن حقه في الاستعمال أو الاستغلال مما يكون هذا التصرف عقد الترخيص بالاستعمال. أمّا في حالة قيام العميل بطلب مواصفات محددة في البرنامج المراد إعداده التي لم تكن متوافرة في البرامج النمطية الأخرى بشكل مباشر فيكون هذا التصرف عقد مقاولة لأنّه تم الاتفاق على القيام بإعداد برنامج مناسب لاحتياجات العميل .
وانطلاقا ممّا سبق فإنّه أصبح من السهل تحديد التكييف القانوني لهذا العقد بناءًا على إرادة الأفراد. رغم الصعوبة التي واجهت الفقه و القضاء في إيجاد التكييف القانوني الدقيق لهذا العقد وإخضاعه للعقود المسماة، لأنّه ذو شقين مادي ومعنوي والشق المعنوي يتوافر فيه بشكل كبير ممّا يغلب فيه على الشق المادي .
وعليه سنتطرق إلى دراسة مدي انطباق عقد إعداد برامج الحاسوب على كل من عقد البيع و عقد الترخيص بالاستعمال وعقود العمل لإيجاد التطابق بين هذه العقود المسماة وعقد إعداد البرامج لوضعه ضمن الإطار المناسب له.
الفرع الأول: مدى اعتباره من عقود البيع
من دراستنا لنص المادة 351 من القانون المدني والتي تقابلها المادة 418 و 465 من القانونين المدنيين المصري والأردني على التوالي ، نجد أنّ عقد البيع هو عقد ملزم لطرفيه، فالأول يقوم بدفع مقابل مادي للطرف الثاني الذي بدوره ملزم بتسليمه ونقل ملكيته إليه، وعليه فلا بد من مردود مالي كمقابل نقل الملكية كي يتم عقد البيع.
ومنه فإنّ عقد البيع من العقود الرضائية، يكتفي فيه ارتباط القبول بالإيجاب لإتمام العقد، مع أنّ التعبير عن هذه الإرادة يكون صريحا أو ضمنيا كي يتم التعاقد، مع عدم توافر أي عيب من عيوب الإرادة.
وكذلك يعتبر عقد البيع من عقود المعاوضة، يتوجب حصول كل من المتعاقدين على مقابل لما يقدمه، فالبائع يقدم المبيع مقابل الثمن، وكذلك الحال بالنسبة للمشتري الذي يقدم الثمن مقابل المبيع.
ولكن تبقى أهم سمة تميز عقد البيع هو نقل ملكية المبيع من البائع إلى المشتري، أي أنّه عقد ناقل للملكية، ويتم ذلك بمجرد إتمام البيع وانعقاد العقد، بالإضافة إلى كون هذا العقد عقد فوري أي يتم تنفيذه حسب ما حدده الأطراف، ولا يؤثر ذلك في كيفية التسليم والدفع، فالمهم توافر الإيجاب والقبول و إبرام العقد، أمّا ما عداه فيمكن إعمال إرادة الأطراف ، كما أن المشرع أوجب توفر ثلاثة أركان أساسية في عقد البيع وهي الرضا ومحل التقاعد أي المبيع التي اشترط توافر شروط فيه منها: أن يكون موجودًا وممكن تمييزه عن غيره و معلوما .....، وكذالك الركن الثالث وهو الثمن الذي يحصل عليه البائع من المشتري مقابل المبيع.
أمّا مؤخرا فقد شاع استخدام اصطلاح بيع برامج الحاسوب، والمقصود من بيع البرامج هو أنّ العقد المطبق عليها هو عقد البيع لكونها من ملحقات الحاسوب وكان هذا نتيجة رأي اتجاه فقهي، بينما ذهب البعض الآخر من الفقهاء . إلى أن عقد إعداد البرامج يمكن تطابقه مع العقود المبرمة حول الحقوق المتعلقة بحق المؤلف، معتبرا برامج الحاسوب من ضمن براءات الاختراع، لكن أخيرا استقر الأمر على أنّ عقد إعداد برامج الحاسوب يعتبر كإعداد أي مصنف من المصنفات التي تخضع لحقوق المؤلف ولأجل مناقشة هذه الآراء سندرس:
أولا: مدى اعتبار البرامج الأساسية من ملحقات الجهاز
تبنى أصحاب هذا الرأي من الفقهاء الرأي الذي اعتبر البرامج الأساسية من ملحقات جهاز الحاسوب، وبالضرورة يتوجب إرفاق البرامج المشغلة للحاسوب مع هذا الأخير. على الرغم أنّ البرامج عادة ما تكون ذات قيمة مادية أعلى من قيمة الجهاز نفسه، فقد أوجد هذا الرأي تبعية قانونية بين الجهاز والبرنامج، ممّا يجعل تطبيق أحكام عقد البيع على برامج الحاسوب سواءًا من حيث نقل الملكية أو ضمان العيوب الخفية وكافة الآثار المترتبة على هذا العقد.
ولكن يؤخذ على هذا الرأي أنه اقتصر على البرامج الأساسية، ولم يتطرق للبرامج التطبيقية، وعند الأخذ به فإننا نعتبر البرامج محل عقدٍ للبيع، وبذلك تتيح للعميل حق ملكية البرنامج وإعطائه كافة الحقوق المترتبة على ذلك، ومن هذه الحقوق حق الاستعمال والاستغلال مما يترتب عنه حق للعميل في نسخ البرنامج وتوزيعه، وهذا مخالف للواقع القانوني للبرامج ذلك لأن البرامج تعد من المصنفات الخاضعة لقانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة مما يستوجب ذلك التنازل بشكل صريح عن حق الاستعمال أو الاستغلال ويكون التنازل عن الحق المالي دون الأدبي، وكذلك إعطاء الحق للغير في التصرف في أموال الغير دون أخذ ترخيص من صاحبها، فمن قام ببيع الجهاز والبرنامج معه، فالبرنامج هنا ما هو إلاّ وسيط بين العميل والمبرمج ولا يملك العميل الحق بالتصرف فيه، كما لا يمكن تصور عمل البرنامج في حالة عدم وجود ترابط بين البرنامج والحاسوب فعلى سبيل المثال نجد أنّ برنامج Word المتوافر على أجهزة الحواسب الشخصية PC، لا يمكنه العمل في الأجهزة التي تعمل على نظام OS2 الخاص بأجهزة Macintosh .
وقد خالفت محكمة النقض لباريس هذا الرأي في قرارها الصادر في 21 جانفي لسنة 1983، في القضية المتعلقة بالبرامج التي أعدتها شركة آبل الأمريكية ونص القرار على أنّ (برامج الحاسوب لا تختلف من حيث الطبيعة باختلاف الوسيط المادي الذي يحملها، وبالتالي فليس هناك اختلاف في الطبيعة القانونية بين البرامج الأساسية اللازمة لتشغيل الحاسوب) ، أمّا عمليا فإنه من الممكن شراء برامج أساسية دون جهاز ليتم تحميلها وتثبيتها عليه، فنجد أنّه من الممكن استبدال Windows 2000 بـ : Windows XP دون إحداث أي ضرر بالجهاز، ومنه لا يمكن اعتبار عقد البيع الذي تم على الجهاز هو نفس العقد الذي تم على البرنامج والجهاز، ولأن عقد البيع يستوجب أن يكون محل العقد شيء موجود وممكن تحديده وهذا متوافر في جهاز الحاسوب، أمّا البرامج المراد إعدادها فإنه لا يمكن تحديدها وبلورتها في شكل مادي قبل إتمام العقد الشيء الغير متوافر في عقد إعداد برامج الحاسوب.
ثانيا: تشبيهه ببعض الحقوق المجاورة لحق المؤلف
لقد أخذ رأي فقهي على عاتقه تشبيه عقد إعداد البرامج بالعقود المبرمة على الحقوق المجاورة لحق المؤلف - أعوان الإبداع- فنانو الأداء، منتجي التسجيلات السمعية والسمعية البصرية وهيئات البث الإذاعي، مع أنّ هذه العقود الممكن إبرامها على الحقوق المجاورة هي عقود تبرم على عمليات آلية تتم على هذا المبتكر، أي المصنف لإنتاجه أو بلورته على أفضل شكل مادي ممكن ليتمكن الناس من الاستفادة منه، وهذا يمكن توافره على البرامج بعد إعدادها، ووضعها على دعامات (-قرص لين، مضغوط،صلب،....).
مع أنّ هذه الحماية لا ترقى إلى الحماية الأدبية الممنوحة للمبرمج -صاحب الحق- أو لدرجة تساويها، وعليه فالتصرف الذي تم على الحقوق المجاورة هو حق ديناميكي وليس حق ذهني الذي يعتبر أسمى الحقوق لأنه مرتبط بشخص المبتكر .
إضافة لذلك فالعقود المبرمة بخصوص الحقوق المجاورة التي تبحث في الكيان المادي لها لا تعطي الحق للشخص المتحصل على هذا العقد أن يقوم بالتصرف بمحل العقد بغير أوجه الاستعمال التي تم تحديدها في العقد، أمّا من الناحية المادية فإن القيمة المادية لبرامج الحاسوب تفوق بكثير القيمة المادية للأقراص المرنة التي يتم تحميل البرامج عليها، ويتحدد السعر بأهمية البرنامج لا للقرص كون هذا الأخير وسيلة نقل وعرض للبرنامج على الناس، وعليه فإن مشابهة عقود إعداد برامج الحاسوب بالعقود التي تبرم على الحقوق المجاورة، غير سوية ومجدية.
ثالثا: مدى اعتباره من العقود التي ترد على المخترعات
ذهب رأي إلى القول أن برامج الحاسوب من قبيل المبتكرات الصناعية وعليه يتمتع المبرمج بحق الملكية على البرنامج، كما يمكنه التنازل عن هذه المبتكرات سواءا عن طريق البيع أو الترخيص بالإستعمال، مما يكون المبرمج قد تنازل عن كافة الحقوق المترتبة على البرنامج دون إبقاء أي حق له، سواء كان أدبي أم مالي، وهذا حسب عقد براءة الإختراع .
وعلى الرغم من الحجج والدلائل القانونية التي تم التعرض لها بأن هذه البرامج من قبيل الملكية الصناعية، لتوافر العناصر الأساسية لبراءة الإختراع على إعدادها، إلا أن الأمر المتعلق ببراءة الإختراع الأمر رقم:03/07 استثنى صراحة في مادته السابعة هذه البرامج من الحماية، ونفس الشيئ بالنسبة للقانونين المصري و الأردني في مادتيهما 2/أ و4/ب على التوالي، مرجيا بذلك هذه الحماية إلى الأمر المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.


رابعا: مدى اعتباره من العقود الواردة على ابتكار المصنفات
لقد اتفق أغلب الفقهاء على أنّ برامج الحاسوب تعامل كالمصنفات الخاضعة لحماية حق المؤلف، وهذا ما استقر عليه القانون، أين تم اعتباره مصنف وكذلك ما جاء في المادة العاشرة من اتفاقية تربس والمادة 04 من الأمر المتعلق بحق المؤلف والحقوق المجاورة الجزائري.
ونتيجة لذلك فإن للمبرمج حق ملكية على مصنفه، وينقسم هذا الحق إلى حقين، حق أدبي وآخر مادي، فالحق الأدبي أساسه الحماية الشخصية لفكرة المبرمج وتكون قاصر عليه وحده دون الغير وغير خاضعة للتقادم كونه حق لصيق بشخص المؤلف ومحمي بعد وفاته بمدة يحددها الأمر المتعلق بحق المؤلف والحقوق المجاورة سواء كان حق مادي أو معنوي.
وأهم الحقوق التي حافظ عليها المشرع هي حق سحب البرامج وهذا للحفاظ على الحق الأدبي لهذا المصنف، خوفا من التصرف فيه وتداوله بإحدى الطرق المخالفة للقانون والآداب العامة أو إضراره بشخصية المؤلف إذ كرست المادة 24 من الأمر 03/05 هذا المبدأ. مع اشتراط دفع تعويض مناسب للمستفيدين من الحقوق المتنازل عنها، وهذا ما نصت عليه المادتين ( 42 و 8/ﻫ ) من القانونين المصري والأردني المتعلقين بحقوق المؤلف.
الفرع الثاني: مدى اعتباره من عقود الترخيص بالاستعمال
يعتبر عقد الترخيص بالاستعمال اتفاق كتابي يقضي بتحويل العميل حق الاستعمال والانتفاع بالابتكار العائد لمخترعه مع احتفاظه باستعمال المبتكر لمدة معينة نظير مقابل مالي محدد، مع إبقاء أصل الابتكار لصاحبه ويتم هذا الاستعمال وفق الشروط المحددة في العقد .
وذهب بعض الفقه إلى اعتبار عقد الترخيص بالاستعمال من عقود الإيجار لكون هذا العقد ينصب على حق الانتفاع بمحل العقد، وإبقاء ملكيته إلى المبتكر الذي له الحق وحده في التصرف بالحقوق الأدبية والمالية المنصبة على المبتكر إلاّ أنّ المرخص له الحق في الاستغلال والاستعمال حسب الشروط التي يتم تحديدها. وبالرجوع إلى هذا النوع من العقود فإنه لا ينقل كافة الحقوق إلى العميل ويبقى مستأثرا بحقوقه على البرامج، التي خولته حق الملكية عليها.
والحق الذي يمنح للعميل هو حق استعمال البرامج والانتفاع بها مقابل مردود مادي، مما يمكن القول أنّ عقد الترخيص بالاستعمال يكون مشابه لدرجة كبيرة بعقد الإيجار.
ومن أهم الأمور التي يمكن للعميل الانتفاع بها هو تسلم البرنامج من قبل المبرمج والسماح له بالانتفاع بمحل العقد العين المؤجرة انتفاعا هادئا. مع أنّه لا تطبق حقوق التأجير المنصوص عليها في المادة 27 من الأمر 03/05 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة على تأجير برامج الحاسوب عندما لا يكون البرنامج الموضوع الأساسي للتأجير.
كما أعتبر بعض الفقه أنّ عقد إعداد البرامج من عقود بيع حق الاستعمال وهذا من خلال تمكين المبرمج العميل من استعمال البرنامج الذي تم إعداده من قِبله، وكما ذكرنا فإن المبرمج له حق استئثاري يخوله الحق في التنازل عن استعماله له. ومستندا هذا الرأي على نصوص القانون التي أتاحت للمؤلف التنازل عن كافة الحقوق المترتبة له على المصنف باستثناء الحق الأدبي، وهنا تم إيجاد حق الاستعمال كبديل عن التأجير لبرامج الحاسوب ، لهذا جاء عقد بيع حق الاستعمال ملائم لعقود إعداد البرامج.
الفرع الثالث: مدى اعتباره من عقود العمل
سنقوم في هذه الدراسة بمعرفة التكييف القانوني للتصرفات الناتجة عن الشخص الذي يقوم بالعمل لإنتاج البرمجيات، وقيام هذا المبرمج بإعداد البرنامج، وبيان وضعه القانوني ومدى ملائمة هذه التصرفات لعقود إعداد البرامج وهذا بدراسة عقود العمل وضمنها عقد المقاولة ومحاولة تقريب الآراء لإيجاد الروابط بين عقد الإعداد وعقود العمل.
أولا: عقد العمل
لقد نص القانون المدني الجزائري في بابه التاسع عن العقود الواردة على العمل، كما نص أيضا الأمر المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة على حالة توصل العامل أثناء العمل إلى ابتكار ما، فيكون لصاحب العمل المستخدم ملكية حقوق المؤلف لاستغلال المصنف ما لم يكن هناك شرط في عقد العمل عكس ذلك، وعليه وجب التفريق بين حالة إبرام عقد بين رب العمل والعامل لإعداد برامج لتسيير العمل ويكون لرب العمل الحق المالي عليها حسب العقد المبرم، وبين حالة توصل العامل المبرمج لإعداد برامج خارج إطار العمل وعمله لا يستوجب القيام بإعداد البرامج و عليه فالتصرف صحيح و غير مخالف للعقد. وهذا ما يوافق المادة 19 من الأمر 03/05 ( حقوق المؤلف و حقوق المجاورة).
ثانيا: عقد المقاولة
تطرقت المادة 549 من القانون المدني و المطابقة للمادة 646 من القانون المدني المصري التي عرفت عقد المقاولة على أنه عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين بأن يصنع شيئا أو أن يؤدي عملا مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر.
وعليه يمكن القول أن العقد المبرم بين العميل والمبرمج يمكن اعتباره من عقود المقاولة إذا توافرت الاستقلالية بين العميل و المبرمج، أما لو كان المبرمج تابع لشخص آخر، فان هذا العقد يدخل ضمن عقود العمل لتوافر عنصر التبعية.
ومن خلال المقومات الأساسية للعقدين نجد أن عقد الإعداد ما هو إلاّ عقد ببذل عناية وتحقيق غاية، وعلى الرغم من أنّ التزام المبرمج هو تحقيق الغاية المرجوة من البرنامج إلاّ أنه ملزم ببذل العناية الأساسية للحفاظ على البرنامج من خلال ضمانه من عيوب البرمجة التي قد تظهر أثناء الاستخدام، ويكون بذل العناية جراء الإتفاق الذي تم إبرامه في العقد، باتفاقه مع العميل للقيام بالصيانة الدورية للبرنامج أثناء استخدامه، وهذا مقابل مردود مالي يدفع للمبرمج جراء القيام بهذا التصرف .
فشخصية المبرمج لها دور كبير في تكوين العقد، وهذا يشابه عقد المقاولة أين يكون للمقاول دور أساسي في إبرام العقد، أي لا يصح للمقاول أن يوكل إلى الغير القيام بهذه المقاولة التي لا يسمح القيام بها من الباطن.
ونجد أنّ للمبرمج حق العدول لو طلب منه العميل بعض الشروط المخالفة للبرمجة التي لا يمكن أن تتم البرامج بها كونها لا تصلح مع أساسيات البرنامج المراد إنجازه .
ونخلص أخيرا أنّ أنسب العقود التي يمكن تطبيقها على عقد الإعداد هو عقد المقاولة كونه يفصل بين الحق المالي، والحق الأدبي، ويحتفظ بكافة الحقوق لطرفي العقد، مما يمكن معه تطبيق قواعد هذا العقد مع عقد المقاولة.
المطلب الثالث: التكييف المختار كعقد مقاولة
من خلال معرفتنا ودراستنا للعقود المسماة محاولة منا تكييف عقد إعداد البرامج، يبرز لنا اختيار وضعه ضمن العقود الحديثة التي تدخل في إطار العقود الغير مسماة ؟ أم أنه يعد تطبيقا لأحد العقود التقليدية ولا يحتاج إلى البحث في قواعد خاصة به.
ولأنّ الحداثة تتعلق بموضوع العقد فقط لا بطبيعته ذاتها كما تم توضيحه، فعليه اعتبرنا عقد إعداد البرامج من عقود المقاولة على الرغم من بعض الانتقادات التي لا تستند إلى اعتبارات قانونية تبرز عدم اعتباره كذلك، وفي تمييزنا إياه عن عقد العمل نجد أنّ العامل لا تتم مساءلته إلاّ عن الأخطاء الجسمية أما المبرمج فهو مسؤولا اتجاه العميل عن كافة الأخطاء التي قد يرتكبها والتي سنراها في التزامات العميل والمبرمج.
فإذا كانت المعرفة المقدمة من المبرمج للعميل من خلال تقديم النصيحة والبرنامج المعد بناءا على التعاون بينهما، فإن ذلك من قبيل الأعمال الذهنية فهذا لا يمنع من اعتبار عقد إعداد برامج الحاسوب من عقود المقاولة كون هذه الأخيرة بالإضافة إلى أنها أعمال مادية يتصور فيها أيضا الأعمال الذهنية، لأن هناك بعض الأعمال الذهنية التي تدخل ضمن إطار عقد المقاولة كعمل المهندس والمستشار في عقد المشورة ومهن كثيرة أخرى تنطبق على مثل هذه الحالات.
ومع ذلك نجد أن المعيار الذي يكون أكثر ملائمة ويقدم فائدة علمية في تكييف العقد الذي يشتمل على القيام بعمل دراسة لوضع تصميم من أجل إعداد برنامج الحاسوب. ونقل حق الاستعمال للعميل لا يصعب أن يتم إدراجه ضمن عقد المقاولة، لكون نتائج الدراسة التي يقوم بإعدادها والتصميم الخاص بالبرنامج ليست أشياء مادية بل ذهنية، ولكن لا تنتقل إلى الغير إلا إذا تم بلورتها على شكل برنامج يحقق غايات العميل وهذا الحق لا يعطي الحق لهذا الأخير بنقل ملكية البرنامج له، بل يتمتع بحق الاستعمال من خلال الترخيص الصادر من المبرمج، والمبرمج يقوم بأداء خدمة للعميل من خلال نصحه والبحث عما يناسبه لإعداد برنامج يفي لاحتياجاته، ومنه هذه الخدمة تدخل بدون أي صعوبة ضمن إطار عقد المقاولة بالإضافة إلى أن إرادة طرفي العقد لم تتجه لاعتبارها بيعا.





المبحث الثالث: أركان عقد إعداد البرامج
إن إيجاد تعريف جامع مانع للعقد أمر صعب، فبالنسبة للقانون المدني الجزائري في مادته اعتبر العقد "اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص آخرين نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح، أو فعل، أو عدم فعل شيء ما"، فالعقد هو عبارة عن تطابق إرادتين للقيام بالتزام يترتب عليه حقوق وواجبات.
ويذهب بعض الفقه لتعريف العقد بأنه: توافق إرادتين على إنشاء التزام أو على نقله. بينما ذهب البعض الآخر من الفقهاء لتعريف العقد بأنه اتفاق إلزامي بشكل قانوني بين اثنين أو أكثر بحيث يتضمن هذا العقد حقوق والتزامات على طرفيه ويكون على شكل كتابي أو شفوي.
وبالرجوع إلى كل ما سبق من آراء وتعريفات نجد أن الجميع يتفق على أن التعاقد هو تلاقي إرادتين متطابقتين لترتيب التزامات لكلا طرفي العقد بشرط عدم مخالفتهما للنظام والآداب العامة حسب ما يقرره القانون.
ومن خلال ما سبق يمكن تعريف عقد إعداد برامج الحاسوب بأنه الاتفاق المبرم بين العميل والمبرمج على أن يقوم هذا الأخير بإعداد برنامج خاص حسب المواصفات المحددة في العقد المتفق عليها ضمن شروطه على أن لا تخالف قواعد أساسيات البرمجة، مقابل بدل مالي يدفع من العميل له.
فهو عقد ترخيص باستعمال البرنامج ضمن مجموعة شروط مع احتفاظ المبرمج بحقوقه الأدبية على البرنامج.
ولأن هذا العقد أقرب ما يكون لعقد المقاولة. ونظرا لخصائصه فهو يعتبر من العقود الرضائية، أي لا يبرم إلا بتطابق الإيجاب والقبول دون توفر أي عيب من عيوب الرضا، لكون الإرادة هي الأساس في إبرام هذا العقد، بالإضافة لذلك فهو من العقود الشكلية التي تأخذ شكلا معينا وهذا بكتابتها للحفاظ على حقوق المتعاقدين، نظرا أيضا لكون محل العقد غير متوافر دائما وإنما سيتم التعاقد على إنشائه، ولأن هذا النوع من العقود كثير الثغرات فإن الكتابة هي الوسيلة التي تحفظ بها حقوق الأطراف.
وسنحاول في هذا المبحث دراسة الأركان العامة لنظرية العقد ومحاولة إيجاد الترابط بينها وبين أركان عقد إعداد برامج الحاسوب، متطرقين إلى الرضا ثم محل العقد والسبب الباعث على التعاقد.
المطلب الأول: الرضا
الرضا هو التعبير عن إرادة أطراف العقد بالموافقة على إتمامه، وإحداث آثاره القانونية، وعليه بدون رضا لا يمكن تصور قيام هذه الرابطة .
وأشار المشرع الجزائري في مادته 59 المطابقة للمادة 89 من القانون المصري أن توافر الرضا لا بد في العقد كي يكون صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية.
الفرع الأول: توافر الرضا
لا بد من توافر الإيجاب والقبول من طرفي العقد سواءا كان من خلال الكلام أو العرض عبر شبكة الانترنت، وسواءا كان صريحا أم ضمنيا، وهذا في مجلس عقد واحد أو أن يكون قد تم تقديم الإيجاب من قبل الموجب لكافة المجتمع بانتظار من يقوم بقبول الإيجاب وإجراء التعاقد، وعليه سنعالج أولا طرق التعبير عن الإرادة ثم توافق إرادة المتعاقدين في نقطة ثانية.
أولا: التعبير عن الإرادة
لا بد للعقد من توافر عنصري الإيجاب والقبول وعقد إعداد برامج الحاسوب على غرار العقود الأخرى يتطلب هذين العنصرين.
ويمكن أن يتم التعبير عن الرضا صراحة أو ضمنا بشرط أن يكون مكتوبا للحفاظ على التزامات الأطراف بالمحل المتفق عليه.
ولأن هذا النوع من العقود لا بد له من تحديد بعض الشروط الأساسية التي يحددها العميل، كون البرنامج المراد إنجازه يتصف بصفة معينة يريدها العميل، لذلك يقوم المبرمج بملائمة بين الشروط المطروحة ومقدرته على ذلك، ويمكن جراء ذلك عدم إتمام التعاقد لكون هذه الشروط لا تشكل ترابط بينها ويتم طرح بذلك بعضها أو كلها في حالة عدم الملائمة كما ذكرنا، ولا يشكل هذا أي مسؤولية على من عدل عن التعاقد، لعدم التطابق بين الإرادتين.
أما لو حصل اتفاق على تقديم نموذج مصغر محدود العمل، دون ترتيب أي أثر على المتعاقد الثاني فإن عدول العميل لا يرتب أي مسؤولية قانونية على عدوله، أما في حالة عدم الاتفاق على ما سبق فإن عدول أي طرف يكون مسؤولا عنه، لكون النموذج المعد قد كلف الوقت والجهد وبعض النفقات، وعليه فطرق التعبير هي عديدة وكثيرة ومتنوعة .
ثانيا: توافر الإرادتين
إن التعبير عن الإرادة لا يعني إتمام العقد وإنما هي مرحلة من مراحل إبرام العقد السابقة له، فالمشرع اشترط تلاقي الإرادتين وتطابقها في مجلس العقد أو في غيره .
ونجد في بعض الحالات أن لمقدم الإيجاب الحق في القبول أو رفض القبول الصادر على إيجابه، دون إبداء سبب الرفض، ولا يترتب على ذلك أي مسؤولية قانونية، فنجد بعض الشركات تقوم بإعلان عن توافر برامج تقوم بحماية الحاسوب مثلا من الفيروسات وعلى من يود الحصول على نسخة من البرنامج مراجعة الشركة للحصول عليه، فلو قدم أحدهم قبوله للحصول على نسخة من البرنامج ورفضت الشركة إتمام العقد رغم تطابق القبول مع الإيجاب فإن هذا لا يضع المُوجب في أي مسؤولية نتيجة وضعه لشروط مسبقة على أن له الحق في عدم إتمام العقد مع أي شخص يجد أنه غير مناسب حسب شروط يحتفظ بها لنفسه .
وأكد المشرع المدني الجزائري في مادته 61 والتي تقابلها من القانون المدني المصري المادة 89، على أن التعبير عن الإرادة ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه العلم من وُجه إليه، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك، كما ذكر المشرع المدني الجزائري في المادة 66 "أنه لا يعتبر القبول الذي يغير الإيجاب إلا إيجابا جديدا، كما أنه لا يرقى السكوت أن يكون في حد ذاته قبولا".
بالإضافة لذلك فإن القبول يظهر بالتعبير الصريح أو الضمني وهذا بالتوقيع على العقد المكتوب أو ذكر كلمة قبلت مثلا أو التوقيع إلكترونيا بالضغط في مكان معين على الجهاز وملأ المعلومات الضرورية المطلوبة من البرنامج المخصص لذلك، اما التعبير الضمني يظهر باستخدام البرنامج المعد مسبقا أو أي طريق آخر، في حين أن السكوت يشترط فيه ألا يكون نتيجة موقف سلبي أو عمدي يؤثر على واقعة من وقائع العقد كما يمكن أن يكون السكوت هنا إحدى طرق التدليس، وهذا ما نص عليه المشرع في المادة 86 من القانون المدني أنه يعتبر تدليسا السكوت العمد عن واقعة ملابسة إذا ثَبت أن المُدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بها.
ولقد أجمع الفقه والقانون كما ذكرنا على صدور الإيجاب والقبول في مجلس العقد ويمكن ألا يكون هذا القبول فوريا في مجلس العقد من خلال تحديد وقت معين لإصداره، لدراسة البرنامج بكل تفاصيله وكذلك قيمة بدله، كما يمكن الاتفاق على الأمور الجوهرية وترك المسائل الثانوية في وقت لاحق.
الفرع الثاني: صحة التراضي
تعد عملية التفاوض ما قبل العقد مهمة للحد من بعض العيوب التي من الممكن أن تنشأ أثناء التعاقد، لأنها لا ترتب أي التزامات.
وهناك حالات تؤثر على إرادة الأطراف، وتؤدي لبطلان العقد وقد حددها المشرع الجزائري على غرار المشرع المصري في أهلية المتعاقدين لإتمام عملية التعاقد وكذلك في عيوب الرضا المؤدية لبطلان التعاقد في بعض الحالات.
أولا: الأهلية
اشترط المشرع توافر الأهلية في من يقوم بإبرام العقد واعتبر كل شخص أهل للتعاقد، ما لم تسلب منه أو يُحد منها بحكم القانون ، وقد حددت المادة 40 من القانون المدني الجزائري سن الرشد بـ 19 سنة على عكس المشرع المصري الذي اعتبره واحد وعشرون سنة في حين المشرع الأردني حدده بـ 18 سنة، والأهلية ضرورية كون عقد إعداد برامج الحاسوب من عقود التصرف، وتلعب أهلية المبرمج الدور الكبير مع أن الأصل أن يكون طرفا العقد كاملي الأهلية، ولكن الواقع العملي نجد فيه أن أغلب البرامج فائقة الجودة أصحابها ناقصي أهلية، وبالرجوع للمادة 103 من القانون المدني الجزائري المقابلة للمادة 111/2 من القانون المدني المصري فإنهما تجيزان التصرفات الصادرة عنهم إذا كانت لا تضر بمصلحتهم وإلا فإنها تكون قابلة للإبطال متى كانت دائرة بين النفع والضرر ، والواقع العملي نجده يجيز إبرام هذه العقود على الرغم من مخالفتها للقواعد العامة لنظرية العقد.
ثانيا: عيوب الرضا
إن المبدأ الذي يحكم إبرام العقود هو حرية الإرادة التي يمكن أن تلحقها بعض العيوب وهي المحددة في القانون المدني إنطلاقا من الغلط ، التدليس، الغبن والغلط المؤدية إلى بطلان العقد، فالإكراه في هذا النوع العقود لا يمكن تصوره، كونه يُعتمد في هذا العقد على مقياس الرجل المعتاد، فأطراف العقد لا يمكن أن يكونوا ذوي مستوى متدني من العلم والمعرفة، وهذا للدرجة العالية من الفكر الواجب توافرها والمجهود الذهني المفترض في المبرمج تستوجب توفر نفسية جيدة تجعله يعد أفضل البرامج، لهذا أُفضل التطرق للعيوب الأخرى.
1/التدليس:
هو العيب الثاني، فهو استخدام أحد المتعاقدين وسائل وحيل لحمل الطرف الثاني على التعاقد، بحيث لولاها لما أبرم العقد كما ذكرت المادة 86 من التقنين المدني الجزائري أنه يعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة ملابسة، إذا ثبُت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة .
فالتدليس إذن يقوم على ثلاث عناصر، وهي استخدام وسائل وأساليب احتيالية لتحميل الطرف الآخر على التعاقد، وأيضا إيقاع المتعاقد في الغلط، وكذلك أن يكون التدليس مؤثر على الطرف الذي مورس عليه مما حمله على التعاقد، فلو انتحل أحدهم صفة المبرمج مثلا وتم التعاقد وكان ضارا بأحد الأطراف وكان للشخص أثر في حمل الطرف الآخر على التعاقد فإن من حقه إبطال العقد ويظهر جليا ذلك من خلال التعاقد عبر الأنترنت.
إلا أن المشرع المدني الجزائري في المادة 87 وضع ضوابط ومعايير لهذه التصرفات أهمها إعفاء أطراف العقد من المسؤولية عن عمل الغير المتسبب في التدليس ما لم يكن الشخص الذي تم التدليس لصالحه قد علم أو اتفق مع الغير للقيام بهذا التصرفات.
2/الغلط :
يعتبر الغلط العنصر الثالث من عناصر إصابة الرضا، وحدده في مادته 81 على انه من وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد أن يطلب إبطاله، وذكر في المادة 82 أن الغلط الجوهري على الأخص إذا وقع في صفة الشيء يراها المتعاقدان جوهرية، أو يجب اعتبارها كذلك نظرا لشروط العقد ولحسن النية وإذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته، وكانت تلك الصفة بالذات السبب الرئيسي للتعاقد.
فإن توافر الغلط في مواصفات البرنامج -صفات جوهرية في صفة الشيئ - المتفق على إعداده يعتبر غلطا جوهريا، والغلط المؤدي لعدم الاستفادة من البرنامج بشكل كلي أو جزئي هو كذلك غلط جوهري.
ولكن الغلط المؤدي إلى إطالة الحصول على النتيجة من البرنامج يمكن عدم اعتباره غلط جوهري لتحقق النتيجة ولكن ليس بالطريقة الأحسن وعليه الخلل لما يمس الأصل فيؤدي بالضرورة لإبطال العقد على عكس الخلل الماس بالوسيلة.
وكما ذكرنا أن الغلط في شخص المتعاقد حسب نص المادة 82 من القانون المدني هو غلط جوهري -صفات جوهرية ذاتية -، وهذا لصفة المبرمج المشترطة من طرف بعض العملاء.
ونخلص هنا إلى أن لهذا العيب دور كبير في إبرام التعاقد وكل علم بالغلط هنا موقوف على إجازة الطرف الثاني .
المطلب الثاني: محـل عقد إعداد البرامج
إن تحديد محل وسبب إعداد البرنامج هو من الأمور اللازم تبيانها، لأنه يقع على أساسها الرضا، وللحفاظ على حقوق الأطراف من جهة، واستقرار التعاقدات من جهة أخرى.
ويجب لتحديد محل عقد الإعداد أن نبحث في الالتزامات التي تنتج عنه، لا سيما البرنامج، والبدل باعتبارهما العمليتين القانونيتين التي تم التراضي عليهما. فإعداد البرنامج وتسليمه هو محل التزام المبرمج، والمقابل المالي هو محل التزام العميل ولهذا سنتطرق لكل واحد منهما على حدى لمعرفة هل يصلحان حقيقة لأن يكونا محل إلتزام.
1/ البرنامج: حتى يكون البرنامج صالحا للتعاقد، فإنه انطلاقا من القواعد العامة يجب أن يتوفر على شروط تضمنتها المواد 92 ... 96 من القانون المدني ، وهذه الشروط هي:
- أن يكون البرنامج ممكنا: فإذا كان البرنامج محل التعاقد من المستحيل إعداده استحالة مطلقة في ذاته كان العقد باطلا بطلانا مطلقا وهذا ما جاءت به المادة 93 من القانون المدني .
- أن يكون البرنامج معينا أو قابلا للتعيين: وبما أن البرنامج من الأمور المستقبلية، والتي لا يمكن توافرها وقت إبرام العقد، فإنه يمكن تعيين البرنامج عن طريق بيان كيفية عمل البرنامج ولغة البرمجة، والأمور التي سيعالجها، أي تحديد كافة المواصفات التي سيتضمنها.
- أن يكون البرنامج مشروعا: ومناط مشروعية البرنامج أو عدم مشروعيته هو مخالفته للنظام العام وحسن الآداب، مثل من يقوم بالتعاقد على إنجاز برنامج يقوم بمراقبة عمليات الشراء على الأنترنت والحصول على الأرقام السرية لبطاقات الإئتمان ليتم استخدامها من جديد.
2/ البدل: وهو المحل الثاني في عقد الإعداد، وهو يخضع أيضا لشروط تتمثل أساسا في أن يكون المال موجودا، وأن يكون قابلا للتعيين، وأن يكون قد تم الحصول عليه بطريقة مشروعة.
وعليه يجب تحديد مقدار البدل الذي سيتم إعطاؤه للمبرمج في العقد، وفي حالة عدم تحديده والسكوت عنه فإنه حسب القواعد العامة يكون الأجر خاضعا في تقديره إلى جهد المبرمج المبذول في إعداد البرنامج، ومدى قابلية البرنامج للتطوير، بالإضافة إلى معرفة أجر المثل كأساس في غياب كل تلك العوامل سواء تعلق الأمر بالأجر الذي سيتم دفعه للمبرمج، أو قيمة المواد التي تم استخدامها في إعداد البرنامج.
أما عن طريقة الحصول على قيمة البدل فيمكن أن يكون دفعة واحدة، أو على أقساط عبر مراحل إعداد البرنامج، ويمكن أن يكون نقدا، أو عن طريق أي شيء ذو قيمة مالية، ويمكن أيضا أن يكون عن طريق المقايضة بين العميل والمبرمج.
المطلب الثالث: السبب
يقصد بالسبب باعتباره ركنا في العقد، الغاية التي يستهدف الملتزم تحقيقها نتيجة التزامه، وفي عقد الإعداد غاية العميل هو الاستفادة من البرنامج، أما المبرمج فهو الحصول على البدل.
ولكي يتحقق ركن السبب يشترط فيه:
1/ أن يكون السبب موجودا: يجب أن يكون للالتزام المبرمج والعميل سبب، فإذا لم يوجد كان العقد باطلا. وعليه سبب التزام العميل هو الحصول على برنامج يلبي حاجاته، أما سبب إعداد البرنامج من طرف المبرمج هو الحصول على مقابل مالي.
ووجود السبب في عقد الإعداد لا يقتصر في مرحلة إتمام العقد بل يبقى مستمرا حتى مراحل تنفيذه ، وعليه أي هلاك للبرنامج الذي تم إعداده يؤدي إلى إنتفاء المحل وسقوط التزام تسليم البرنامج، وبالتالي زوال سبب التزام العميل بدفع البدل.
2/ أن يكون السبب صحيحا: فإذا كان موهوما أو صوريا فيكون السبب غير صحيح، فيجب إذا أن يكون السبب موجودا فعليا من خلال تعيينه تعينا نافيا للجهالة .
3/ أن يكون السبب مشروعا: أي غير مخالف للنظام العام وحسن الآداب .












































الفصل الثانـي: الآثار المترتبة على عقد إعداد برامج الحاسوب
إن الآثار المترتبة على هذا النوع من العقود مختلفة على الآثار التي تترتب على العقود الأخرى، كون هذا النوع من العقود غير متوافر المحل وقت الإبرام بالإضافة إلى تمتعه بشقين أدبي ومالي، ومنه سندرس الإلتزامات الأساسية منها في هذا النوع من العقود إنطلاقا من كونها تتشابه كثيرا مع عقود المقاولة كما ذكرنا، مبينين كل من إلتزامات المبرمج كطرف قوي في العقد وكذا إلتزامات العميل.

المبحث الأول: إلتزامات المُبرمِج
إن تحديد التزامات المبرمج يرتكز أساسا على طبيعة عقد إعداد برامج الحاسوب، وبما أن هذا الأخير وفي ظل عدم وجود قواعد خاصة تحكمه، فإن القواعد العامة للقانون المدني خاصة أحكام عقد المقاولة هي التي ستبين لنا وتمكننا من توضيح وتصور الالتزامات المترتبة عن المبرمج.
وعليه فإن من أهم الالتزامات التي تقع على عاتق المبرمج، تكمن أولا في تقديم النصيحة للعميل حول ملاءمة البرنامج لاحتياجاته، بالإضافة إلى ذلك يجب على المبرمج إعداد البرنامج الذي تم الاتفاق عليه، ومن ثمة يتم تسليم البرنامج بالصورة المحددة في العقد.
وبما أن عقد الإعداد هو من العقود الزمنية فإن من أبرز الالتزامات التي تبقى مستمرة فيه الالتزام بضمان العيوب الخفية.
المطلب الأول: تقديم النصيحة للعميل
إن البرنامج وخصوصيته تفرض على المبرمج باعتباره الطرف القوي في العلاقة القانونية الناتجة عن عقد الإعداد بتقديم النصيحة، وذلك بالقيام بإعلام العميل بالبيانات والمعلومات الضرورية من أجل ترشيده في اختيار ما يلائم حاجته، بإعطائه النصائح التي تمكن من تحديد خصائص البرنامج، وتقدير مدى توافقها مع رغباته ومصالحه.
إن الالتزام بتقديم النصيحة هو التزام سابق عن التعاقد ، فالمبرمج وانطلاقا من علمه بأصول البرمجة، وأساسياتها من جهة، وعدم وجود التوازن العقدي من خلال ضعف المعلومات المتواجدة عند العميل الذي لا يهمه سوى الحصول على ما يفي بحاجته بعيدا عن كل ما يخص أدوات البرمجة وكيفياتها من جهة أخرى، ملزم ببذل العناية والجهد اللازمين للوصول إلى البرنامج الذي يرمي إليه العميل، وعليه، فالمبرمج يجب عليه – وهذا نظرا لطبيعة برامج الحاسوب- أن يبين للعميل جميع الجوانب الايجابية والسلبية التي تحيط بالبرنامج واستخداماته.
كما أن النصيحة المقدمة من طرف المبرمج حول مدى تطابق البرنامج لاحتياجات العميل، تفرض علينا البحث في الأمور والجوانب التي يجب أن تتضمنها، والشخص الملزم بتقديمها، وما هو الجزاء المترتب عن الإخلال بها؟.
الفرع الأول: مضمون النصيحة
إن تحديد مضمون النصيحة مرتبط ارتباطا وثيقا بمدى التوصل لنصيحة مقبولة وملائمة للعميل خصوصا وتوافق عمل المبرمج لأجل إعداد برنامج مناسب.
وعليه فالمرحلة السابقة عن عدم التوصل لنصيحة، تظهر دور المبرمج في قيامه بكل الطرق والسبل لترجمة احتياجات العميل في الواقع العملي الذي يتجسد في البرنامج الذي كان مجرد صورة ذهنية، وإيضاح ذلك بشكل سهل ومبسط للعميل، وبيان طرق وكيفيات استخدام البرنامج، والعيوب التي يمكن أن تصاحبه، وهذا كله من أجل إيجاد توافق بين احتياجات العميل ونصيحة المبرمج، وإحداث توازن بينهما، كون أن عقد الإعداد يميل إلى اتصافه بالإذعان، الشيئ الذي يميز عدم توازن العقد، وفي هذه المرحلة يتحمل المبرمج المسؤولية عن عدم تقديم النصيحة -يمكن الرجوع عليه بالمسؤولية التقصيرية- لاعتبار الالتزام هنا هو التزام غير تعاقدي نظرا لعدم وجود عقد بينهما.
أما عن المرحلة التي يتم فيها التوصل إلى توافق الطرفين حول مضمون النصيحة، فهنا يلتزم المبرمج بالنصيحة التي قدمها عن كيفية وطرق استخدام البرنامج، وذلك لأن النصيحة تم تجسيدها ضمن مقتضيات العقد الذي تم إبرامه، وعليه فإن أي إخلال ببنود العقد بعد القيام بإعداد البرنامج، يتحمل فيها المبرمج كل المسؤولية العقدية، لأن الالتزام بتقديم النصيحة يعتبر من الالتزامات العقدية في هذه المرحلة.
كما أن المبرمج لا يمكنه تقديم النصيحة إلا إذا قام بإعداد دراسة للبرنامج المراد إعداده، وذلك لا يتأتى إلا بالقيام بعمل دراسة للظروف المقترنة بالبرنامج واحتياجات العميل من خلال جمع كل المعلومات والبيانات المتعلقة بغاية العميل من البرنامج، ,واستخداماته العملية، وبين توافقها وآليات البرمجة، وإيجاد نظام تشغيل مناسب له، والذي يمكن معالجتها عن طريقه.
هذه الدراسة لا يمكن أن يضعها إلا شخص محترف له الدراية الكافية بالبرمجة والعلم بالظروف المحيطة بها، ونظرا للإحترافية التي يتميز بها هذا الشخص المبرمج فإن النصيحة التي سيقدمها للعميل هدفها تنويره بكل الجوانب، والأمور المتعلقة بالبرنامج محل العقد، ولتحقيق التوازن العقدي لابد من توافر حرية في التعاقد.
ولوجود الالتزام بتقديم النصيحة، يجب أن نفرق بين حالتين ، الحالة الأولى إذا ما كان العقد هدفه تصميم ودراسة للبرنامج المراد إعداده، وهنا يكون المصمم وحده ملزم بتقديم النصيحة حول البرنامج المتفق عليه. أما المبرمج فلا يلتزم بذلك لأن دوره يقتصر على تنفيذ البرنامج فقط، أما عن الحالة الثانية إذا ما كان العقد هدفه التصميم ومن ثمة ربطه بالبرنامج وتنفيذه، فهنا الالتزام بتقديم النصيحة التزام رئيسي في العقد، وعليه كل من قام بالتصميم والتنفيذ معنيون بالالتزام، ومنه وجب النظر إلى طبيعة الالتزام لتحديد المسؤولية، فيقع على عاتق المصمم إلتزام ببذل العناية من خلال النصيحة، أما المنفذ فالتزامه هو تحقيق النتيجة المتمثلة في البرنامج.
يتبين لنا من خلال هذه الدراسة التي يقوم بها المبرمج، أنها تحدد الأطر العامة بالتصميم والخاصة بالبرنامج، ومدى توافقها واحتياجات العميل الذي ليس له سوى تصور ذهني، فإذا ذكرنا على سبيل المثال التعاقد الذي يمكن إبرامه بين أحد المبرمجين وإحدى الشركات للقيام بإعداد برنامج لإدارة الشركة، ففي هذه الحالة يجب على الشركة أن تبين جميع الأمور التي تتعلق بحاجيات الإدارة من خلال هذا البرنامج، بالإضافة إلى كل الرغبات التي يريد تحقيقها من خلاله، ومن ثم يأتي دور المبرمج في تقديم النصيحة التي يُضَمِّنها كيفية تجسيد البرنامج وتحقيقه لرغبات واحتياجات العميل.
ومن مشتملات النصيحة كذلك، مدى قدرة البرنامج من مسايرة التطورات المستقبلية، لا سيما أن البرمجة ليس لها حد معين، وإنما يخضع لتحديثات متواصلة، وعليه فالعميل يجب إعلامه بقدرة البرنامج في تلبية احتياجاته المستقبلية، فالبرنامج الذي لا يمكن إخضاعه للتحديثات يترتب عليه لزوما ضرورة القيام بإعداد برنامج آخر، وهو ما يؤدي إلى إرهاق العميل من الناحية المادية خصوصا.
إن الالتزام بتقديم النصيحة ومضمونها بالصورة التي رأيناها سالفا، هي سابقة على إبرام العقد، وترمي إلى وضع كل النقاط الأساسية حول البرنامج وإزالة كل الغموض الذي يحيط حوله، وتفادي كل الأخطاء والخلط الذي يقع بين العميل والمبرمج، وبما أن عقد الإعداد يتميز بعدم التوازن، ولإحداث توافق ولتفادي أي مسؤولية فإن المبرمج باعتباره الطرف القوي في العلاقة العقدية أن يبين قبل إبرام العقد كل التصورات والاستخدامات والشروط التي تتوافر في البرنامج، وبهذا يكون قد بَرَّأ ذمته من إمكانية الرجوع عليه بالخلل الذي سيحدث بسبب عدم تناسق الاحتياجات والواقع العملي للبرنامج.
ولا يقتصر تقديم الالتزام بالنصيحة على المرحلة السابقة لإبرام العقد، وإنما يتعداها إلى نصيحة لاحقة لإبرامه. والتي تبدأ منذ القيام بإعداد البرنامج والتوصل إلى بعض النتائج من خلال عملية البرمجة الأولية، إلى أن يتم إكمال البرنامج وتسليمه.
هذه النصيحة هي ناتجة عن جهل العميل بكيفية استخدام البرنامج والاحتياطات اللازم إتباعها، وهدفها يكمن بالصورة الأولى إلى حماية العميل من كل المخاطر التي يمكن أن تظهر نتيجة الجهل، وللمبرمج عدة أساليب يمكن بها إيصال النصيحة سواء عن طريق نشرة تبين كيفية استخدام البرنامج، أو إرسال كتيب مع البرنامج، إلى غير ذلك من الوسائل التي تثير انتباه العميل وتوضح كافة المخاطر بشكل تفصيلي، كون أن البرنامج يحمل في طياته كل المعلومات والبيانات التي تخص العميل، وأي خطأ قد يؤدي إلى فقدانها وعدم إمكانية استرجاعها.
من خلال هذه المضامين التي يجب أن تتوفر عليها النصيحة، يكون المبرمج قد وفَّى بالتزامه، فهذه الأمور هي أحد أهم الوسائل التي تبين الطرف الذي تقع على عاتقه المسؤولية في ظل حداثة عقد الإعداد، فمن الضروري على المبرمج أن يلتزم بمضمون النصيحة عبر كافة مراحل العقد سواء السابقة أو اللاحقة، وأي خلل مؤثر يحدث في البرنامج ولم يتم ذكره في النصيحة، فللعميل الحق في إبطال العقد والمطالبة بالتعويض انطلاقا من الإخلال بالالتزامات التعاقدية.
وبناءا على نصوص القانون المدني المتعلقة بأحكام عقد المقاولة يمكن أن نستشف أن تقديم النصيحة من الالتزامات الأساسية، لأنها تبين مدى ملاءمة البرنامج لاحتياجات العميل، والسكوت عنها أو استعمال الطرق التضليلية من أجل التعاقد يعتبر بمثابة تدليس لو علم بها العميل لما أبرم العقد.
الفرع الثاني: الملتزم بتقديم النصيحة
إن تقديم النصيحة هو من أهم الالتزامات التي يمكن بها توفير أكبر قدر من المساواة ما بين العميل والمبرمج، هذا الأخير الذي يقع عليه هذا الالتزام باعتبار أن العقد المبرم بين الطرفين يتصف بالاحتراف لأن أساسه المهنة الحرة .
إن مضمون هذا الالتزام لا يثير أي إشكال كونه محدد بعدة معايير تبين تناسب البرنامج لاحتياجات العميل والأمور الملحقة به.
لكن الاشكالية التي تطرح هنا: ما هي طبيعة هذا الالتزام ؟ فهل الالتزام بتقديم النصيحة هو التزام بتحقيق نتيجة، والتي تستوجب إعداد البرنامج وفق البيانات والمعلومات التي تتضمنها النصيحة ؟ أم هي مجرد التزام ببذل العناية من خلال مجرد تقديم النصيحة ؟ أم هو خليط من الالتزامين، أي المبرمج ملزم ببذل عناية وبتحقيق نتيجة في آن واحد.
لقد اختلف الفقهاء وظهرت عدة اتجاهات حول طبيعة التزام المبرمج بتقديم النصيحة.
إذ رأى اتجاه فقهي ، بأن الالتزام بالنصيحة هو التزام ببذل العناية اللازمة لإنجاز البرنامج، وذلك عن طريق تبيان جُلَّ الجوانب التي تحيط به، سواء من حيث المعلومات أو البيانات التي يمكن للعميل فهم مغزاها، وسواء من حيث كيفية وطرق استخدامه، والأخطار المترتب في حالة عدم توفر الشروط اللازمة، وهذا كله مع عدم ضمان النتيجة التي تترتب عن عدم إتباع الخطوات اللازمة المبينة في النصيحة، وبهذا يكون المبرمج قد وفَّى بالتزامه ببذل عناية الشخص المعتاد أي الذي يمكن أن يقدمه أي مبرمج آخر.
وفي حالة وجود أي خطأ في البرنامج كان نتيجة مباشرة عن المعلومات والبيانات المقدمة الخاطئة، أو نتيجة عدم تقديمها أصلا، فهنا يقع على عاتق العميل إثبات الخطأ في جانب المبرمج، وثبوت الخطأ يؤدي بالمبرمج على تحمل مسؤولية إصلاح الضرر الذي حدث بالبرنامج.
بينما ذهب رأي فقهي آخر ، لإعتبار الإلتزام بأنه إلتزام لتحقيق نتيجة، كون أن النصيحة في حد ذاتها سبب التعاقد ولولاها لما تم إبرام عقد الإعداد من جهة، ومن جهة أخرى إن للنصيحة أهمية كبرى في العقد لأن المبرمج يتمتع بالاحترافية نظرا لأنه أعلم بالبرمجة وأساسياتها على غرار العميل الذي لا يعلم بالقدر الكافي شيئا عن ذلك.
والخطأ الذي يمكن أن يحدث في البرنامج جراء النصيحة يرتب المسؤولية على المبرمج، ويكفي إثبات العميل للضرر الذي لحقه من جراء عدم تقديم النصيحة اللازمة، وعلى المبرمج سوى القيام بإثبات قيامه بالتزاماته من حيث تقديم النصيحة.
ورأى اتجاه فقهي آخر، بأن الالتزام هو التزام مزدوج بين بذل عناية وتحقيق نتيجة، وهو يظهر من خلال بذل العناية اللازمة لإعداد دراسة لمدى ملائمة البرنامج لاحتياجات العميل من جهة، وتحقيق النتيجة يكون بتجسيد البرنامج إلى الواقع والانتفاع به دون توافر لأي عيب يؤثر في الحول دون استخدامه في الوجه المعد له، ويعتبر هذا الرأي هو الراجح فقها.
إن تحديد طبيعة الالتزام تبين لنا بصورة واضحة الشخص الملتزم بتقديم النصيحة، وهو بدون شك صاحب الخبرة، وقد أجمع الفقه على اعتبار الشخص الذي يتمتع بصفة الاحتراف يقع على عاتقه الالتزام، هذا الالتزام يفرض على المبرمج التزام بتقديم ما تفرضه أصول عملية البرمجة في المرحلة السابقة عن العقد، وذلك من خلال تبيان كل الجوانب المتعلقة بالبرمجة، والأمور الخاصة بالعقد للعميل، أما في مرحلة إبرام العقد فالعميل يلتزم بالنصيحة التي تم تقديمها، والتي على أساسها تم انعقاد العقد.
إن المبرمج انطلاقا من هذا الالتزام يريد إقامة توازن بين خبرته، ودرايته الكافية بأمور البرمجة، وبين إرادة العميل الذي يريد برنامج يلائم احتياجاته، وهو جاهل تماما بالمعلومات والبيانات المتعلقة بالبرنامج، وقد ظهر ذلك من خلال البرنامج الذي تم الإتفاق على إعداده وتوريده لمواجهة مشكلة عام 2000، الذي كان متوقعا أن يواجه كافة أجهزة الحاسوب على الساعة (24:00) من يوم:31/12/1999، وبتدخل المبرمجين أظيفت خانة جديدة عند تحول التاريخ: إلى: 01/01/2000 من أجل معالجة التواريخ المعدة بـ: 06 أرقام، وتم الإتفاق حينها مع إحدى شركات البرمجة (u.c.c.s315) لحل المشكل الذي سمي بفيروس 2000 .
الفرع الثالث: جزاء الإخلال بتقديم النصيحة
إن خصوصية عقد الإعداد التي تفرض على المبرمج التزام أساسي وهو تقديم النصيحة، وذلك قبل إبرام العقد، يثير عدة إشكالات على مستوى تحديد طبيعة المسؤولية التي يمكن أن تقع على عاتق المبرمج جراء الالتزام في حد ذاته، وبما أن النصيحة المقدمة للعميل هي أساس التعاقد ولولاها لما تم إبرام العقد، أي أنها تفرض وجود الرضا المتبادل من طرفي العقد، فهل مخالفة الشروط والمواصفات التي تم بيانها بالنصيحة، أو إخفاء بعض الأمور الجوهرية التي لها دور في إبرام العقد، يؤدي إلى إعابة الرضا، وإفساد العقد، وبالتالي تهديده بالزوال ؟.
إن الغلط والتدليس يعتبران من أهم العيوب التي يمكن أن تعتري الرضا الذي هو أحد أهم أركان عقد الإعداد، وعليه فإن العميل ونظرا لجهله بأصول البرمجة، يمكن استغلاله من طرف المبرمج لإبرام العقد.
والغلط الذي يمكن أن يلحق بإرادة أحد المتعاقدين أو كليهما، كالاعتقاد الخاطئ الذي يقوم في ذهن العميل فيدفعه إلى التعاقد، مثل قيام المبرمج بتقديم نصيحة للعميل حول الأمور التي يتطلبها ويحتاجها البرنامج، وبيان مدى ملاءمتها بين الغاية والبرنامج، وعلى أساس هذا التصرف قام بإبرام العقد، إلا أن المبرمج لم يقم بتوفير هذه الصفات الجوهرية التي كانت هي الدافع إلى التعاقد، ويتضح من خلال ذلك أن المبرمج أعطى تصورا خاطئا للأمور والأشياء، حيث يتبين للعميل أن للبرنامج مواصفات معينة إلا أن الحقيقة والواقع مخالفة لما قدم في النصيحة التي حملته على التعاقد.
إن من خلال عيب الغلط الذي يؤثر على الرضا، يمكن اعتبار الالتزام بتقديم النصيحة هو من أهم الوسائل القانونية لحماية استمرارية العقد، وأي إخلال به يؤدي إلى انهياره، فقيام المبرمج بترسيخ اعتقاد في ذهن العميل بأن المواصفات والمعلومات التي تم تقديمها هي الحقيقة في حين أن الواقع يبين عكس ذلك. ونظرا لذلك الغلط الجسيم والمؤثر الذي كان هو الدافع إلى إبرام العقد، استدعى تدخل القانون لحماية العميل عن طريق التهديد بإبطال العقد.
إلى جانب الغلط هناك التدليس حيث يتم إيهام العميل قصدًا من طرف المبرمج بغير الحقيقة بالالتجاء إلى الحيلة والخداع لدفعه على التعاقد، وهنا يظهر الفرق بينه وبين الغلط ، هذا الأخير الذي يكون نتيجة وهم تلقائي، في حين التدليس هو الإيقاع في الغلط، والسكوت هو إحدى طرق التدليس، فعدم تقديم النصيحة يعتبر سكوتا تدليسيا، نظرا لوجود وقائع وملابسات، والتي لا يمكن للعميل العلم بها إلا لو قدمت له من طرف المبرمج، ولو علم بها العميل لما قام بإبرام العقد.
ولا يقتصر التدليس على السكوت فقط، فهناك عدة صور منها، الحيل المختلفة التي يستعين بها المبرمج لإخفاء الحقيقة وتضليل العميل وإيقاعه في غلط يحمله على إبرام العقد، وهناك أيضا الكذب في تقديم البيانات والمعلومات ومواصفات البرنامج.
إن ثبوت كل من الغلط والتدليس نتيجة الالتزام بتقديم النصيحة، يؤدي إلى ثبوت المسؤولية التي تختلف باختلاف مراحل إبرام العقد، فإذا تم توفر الغلط والتدليس في مرحلة ما قبل إبرام العقد، فنكون هنا أم مسؤولية تقصيرية التي يترتب عليها الجزاءات المقررة في القواعد العامة للقانون المدني، والتي تظهر في عدم تقديم النصيحة سواء عن طريق إخفاء بعض المواصفات، أو عن طريق السكوت عنها، أما إذا كان في مرحلة إبرام العقد، أو حتى تنفيذه، فنكون هنا أمام مسؤولية عقدية ترتبت عن عدم تنفيذ التزام ناشئ عن العقد، كعدم تقديم النصيحة في مرحلة القيام بإعداد البرنامج، وبيان بعض الأمور للعميل وإيضاحها له، أو عدم تقديمها في مرحلة استخدام البرنامج التي توجب تبيان كيفيات واستخدامات البرنامج، والأخطار التي يمكن أن تلحقه بسبب وجود ظروف تتعارض واستخداماته.
إن تحقق المسؤولية جراء الإخلال بالتزام تقديم النصيحة، يترتب عنه فسخ العقد والمطالبة بالتعويض المناسب عن الضرر الناجم عن عدم تقديم هذا الالتزام .
المطلب الثاني: إعداد وتسليم البرنامج
الفرع الأول: إعداد البرنامج
لا يقتصر التزام المبرمج في الالتزام بتقديم النصيحة عبر مراحل العقد، وإنما يتعداه إلى الالتزام بإعداد البرنامج بعد إبرام العقد مباشرة، وهو التزام بتحقيق نتيجة، بحيث يقوم المبرمج بتنفيذ الفكرة التي تم تصورها من خلال المعطيات التي زُوِد بها من طرف العميل إلى واقع يتمثل في البرنامج الذي يتناسب واحتياجات العميل.
إن إعداد البرنامج باعتباره مرحلة أولية لإنتاج البرنامج، تلزم المبرمج وتوقع على عاتقه التزامات،كالحفاظ على المواد والوسائل، المستخدمة المقدمة من طرف العميل في إعداد البرنامج، ولا يقف الأمر هنا ، فهناك ضروريات يجب توافرها في الإعداد، لاسيما ظروف الأجهزة المتوافرة لدى العميل، ومدى ترابطها بالطرق التي سيتم استخدامها بإدخال البيانات الأساسية أثناء البرمجة ووكذلك إختيار لغة البرمجة المناسبة.
أولا: تقديم الأساسيات المستخدمة في الإعداد.
إن إعداد البرنامج لا يكون إلا بوجود كل الوسائل المادية والمتناسقة فيما بينها والمكملة لبعضها البعض، وتثار هنا إشكالية حول من هو الملزم بتقديمها، هل هو العميل أو المبرمج ؟.
لقد عالج المشرع الجزائري هذه الإشكالية من خلال الأحكام المتعلقة بعقد المقاولة، حيث أنه انطلاقا من القانون المدني في نص مادته 550 على أنه يجوز للعميل تقديم جميع الوسائل التي يستخدمها أو يستعين بها المبرمج في القيام بعمله، وهنا يكون عمل المبرمج مشاركة فكرية في تجسيد برنامج العميل، ويمكن أيضا للمبرمج أن يقوم بتوفير كل الضروريات اللازمة للبرنامج.
1/ العميل: يجوز للعميل في مرحلة إعداد البرنامج أن يقدم الوسائل اللازمة لإنتاجه، ونظرا لعدم وجود معرفة ودراية بأمور البرمجة وأجهزتها، فإن المبرمج هو الذي يضع دراسة شاملة ويقوم بتحديد جميع الوسائل الواجب توافرها، مع بيان مواصفاتها ومقاييسها التقنية، ويلتزم العميل بهذه الدراسة، وتوفير جميع الوسائل المحددة، وأي إخلال بذلك سيؤدي إلى وجود خلل بالبرنامج، وبالتالي لا يمكن للعميل الرجوع على المبرمج بهذا الخلل.
إن تسليم الوسائل الكفيلة بإعداد البرنامج بحسب المواصفات والمقاييس المحددة من طرف المبرمج، توجب على هذا الأخير مسؤولية الحرص عليها ، ومراعاة أصول الفن في استخدامه لها، كون أن هذه الوسائل ليست مقدمة على سبيل التمليك، وإنما على سبيل الحيازة لفترة إعداد البرنامج، وعلى هذا الأساس، أي خلل أو ضرر يلحق بهذه الوسائل، سيلزم المبرمج بتحمل مصاريف تعويضها، فالمبرمج يجب أن يبذل عناية الرجل المعتاد في الحفاظ على هذه الوسائل بكل الطرق اللازمة سواء من حيث تخزينها أو استخدامها، وبمجرد الانتهاء منها في إعداد البرنامج يجب إعادتها إلى العميل، مع الالتزام بوضع حساب له عما استعمله فيه، وإذا صار شيء في هذه الوسائل غير صالح للاستعمال بسبب إهمال المبرمج أو قصور كفايته الفنية، فهو ملزم برد قيمة هذا الشيء للعميل.
2/ المبرمج: يمكن للمبرمج ونظرا للمعرفة والدراية الكافيين بمستلزمات البرنامج، أن يتكفل هو بنفسه بإحضار الوسائل التي يحتاجها لإعداد البرنامج، لا سيما فيما يتعلق بجهاز الحاسوب أو الأجهزة الأخر، بالإضافة إلى الأقراص المضغوطة أو المرنة، أو أي وسائل أخرى يراها لازمة، ومناسبة لإنتاج البرنامج الملائم للعميل.
إن توفير الأساسيات للبدء بتنفيذ الالتزام من طرف المبرمج يحمله مسؤولية جودتها وضمانها في آن واحد، كون أن عقد الإعداد يصبح في هذه الحالة عقد بيع ، والذي يتكفل فيه المبرمج بشراء المواد ومن ثم بيعها إلى العميل. وهذا العقد هو مستقل تماما عن عقد إعداد البرنامج ويختلف عنه من حيث القيمة المالية، وعلى هذا الأساس عقد البيع يتم على المواد التي تم توفيرها لإعداد البرنامج وتكون ملحقة به، بالإضافة إلى بعض الأساسيات التي يحتاجها العميل من أجل استخدام البرنامج.
إن عقد البيع يفرض على المبرمج أن يحل محل البائع ويسأل بالتالي عن مدى صحة المواد وضمانها من كل عيب، بالإضافة إلى أنه يتحمل مسؤولية اختيار أفضل المواد والوسائل المستخدمة في إعداد البرنامج باعتباره محترف وأعلم من العميل عن المواصفات الواجبة والمناسبة للبرنامج، ويتحمل أيضا مسؤولية أي عيب خفي يؤدي إلى عدم تمكين العميل من الانتفاع من البرنامج.
ثانيا: واجبات إعداد البرنامج
إن عقد الإعداد يفرض على أطرافه بمجرد انعقاده عدة واجبات، وبما أن العميل هو الطرف الضعيف، وذلك نظرا لخصوصية هذا العقد فإن واجباته تكون محصورة جدا، على عكس المبرمج الذي يلتزم بحسن تنفيذ العقد، وذلك بإتباع كل تعليمات مضمون العقد المبرم، بالإضافة إلى بذل العناية اللازمة في إلتزامه، وتبيان كل الأمور الأساسية المتعلقة بالبرنامج في العقد، لا سيما كيفية إعداده، وفي حالة عدم ذكرها في العقد فيجب تطبيق ما يقره العرف وأصول مهنة البرمجة بوجوب إنتاج برنامج متكامل ومطابق للمواصفات المتفق عليها والمناسبة واحتياجات العميل، بالإضافة إلى بذل العناية اللازمة في التزامه، وأي إخلال بهذه الواجبات يؤدي إلى تحمله المسؤولية الكاملة.
إن المبرمج، ونظرا لانشغالاته يمكن له أن يستعين في إعداد البرنامج إلى أشخاص مؤهلين في مجال البرمجة، وهنا وفي هذه الحالة يقع على المبرمج مسؤولية تحمل أخطاء التابعين له والذين هم تحت إشرافه، ولا يمكن للمبرمج في أي حال من الأحوال التحجج بأخطاء التابعين له والتملص من مسؤولية أخطائهم، كون أن العميل كان إبرامه للعقد على أساس شخصية المبرمج الذي تكفل بإعداد البرنامج.
بالإضافة إلى كل هذه الواجبات، يجب على المبرمج أن يلتزم ببذل العناية أثناء قيامه بإعداد البرنامج، لأن هذا الالتزام يتحقق معه الالتزام بتحقيق نتيجة، وهو تحقيق الغاية الأساسية من العقد وهي إتمام البرنامج وتسليمه مطابق لاحتياجات العميل.
ثالثا: جزاء الإخلال بإعداد البرنامج
إن طلب التنفيذ العيني أو فسخ العقد مع التعويض هو جزاء إخلال المبرمج بتنفيذ التزامه بإعداد البرنامج، سواء تعلق ذلك بعدم تقديم الأساسيات، أو عدم بذل العناية اللازمة فيما يخص مراعاة أصول المهنة في استخدام المواد، وكل التزام تم الاتفاق عليه في عقد الإعداد وخاصة طريقة البرمجة، وتنفيذ العقد من طرف المبرمج بذاته، باعتبار أن إعداد البرنامج سيتم بناءا على الأفكار المتوافرة لديه والتي بيَّنها هو شخصيا للعميل.
ولا يتوقف الأمر هنا إلى هذا الحد بل المبرمج يتحمل كذلك المسؤولية القانونية عن عدم مطابقة البرنامج للشروط والمواصفات المتفق عليها، سواء كانت محتواة في العقد، أو تفرضها أصول عملية البرمجة، وما يقتضيه عرف المهنة.
وعليه فإن العميل بمجرد تسلمه البرنامج فإنه يقوم بدراسة مدى تطابق المواصفات والشروط مع الواقع، وذلك من خلال قدرته على تنفيذ الغاية التي تم الإعداد من أجلها، وهنا على المبرمج وانطلاقا من مبدأ حسن النية الذي يلعب دورا جوهريا في تنفيذ العقد، أن يُعلم العميل عن كل ما يؤثر على البرنامج في حالة عدم مطابقة الشروط اللازم توافرها. وعدم مطابقة البرنامج للشروط تجعلنا نميز بين : الخطأ البسيط الناتج عن عدم مطابقة الشروط والذي لا يؤثر على أساس البرنامج ، وإنما يؤدي إلى إحداث خلل أثناء الاستخدام، وهنا للعميل الحق في مطالبة المبرمج بتعديل الخطأ، أو المطالبة بفسخ العقد في حاله رفضه مع التعويض المناسب .
وهناك الخطأ الجسيم والذي ينتج عن عدم مطابقة بعض الشروط الجوهرية، أو عدم مراعاة أصول المهنة، والتي تؤثر على عدم تمكين العميل من تحقيق غايته، وفي هذه الحالة المبرمج ملزم بإعداد برنامج جديد، ويمكن أيضا للعميل المطالبة بفسخ العقد الذي أساسه اختلال أحد أركان العقد وهو المحل، وبمضمون النصيحة، والمطالبة في كلتا الحالتين بالتعويض عن الضرر الذي أصابه.
الفرع الثاني: تسليم البرنامج
إن التزام المبرمج بتسليم البرنامج الذي قام بإعداده وإنجازه مطابقا للشروط والمواصفات من مقتضيات عقد الإعداد، بل هو من أهم التزامات المبرمج.
ويختلف عقد الإعداد عن بعض العقود الأخرى وخاصة عقد البيع كون أن المبرمج لا تبرئ ذمته بمجرد التسليم بل تبقى حتى بعد التسليم، بالإضافة إلى احتواء عقد الإعداد على عقدين في آن واحد، عقد الإعداد من جهة، وعقد رخصة استعمال البرنامج التي يمنحها المبرمج للعميل على أي شكل من الأشكال التي تم تبيانها في العقد من جهة أخرى.
والالتزام بالتسليم وكيفياته تخضع لإرادة الأطراف في حالة النص عليها في العقد، أما في حالة عدم وجود اتفاق تكون القواعد العامة لنظرية العقد هي الأساس.
الأول: أحكام تسليم البرنامج
إن الالتزام بتسليم البرنامج يفرض علينا تحديد نقطتين أساسيتين هي محل الالتزام، وكيفية التسليم.
1/ محل التسليم: إن محل التسليم في عقد الإعداد هو بلا شك البرنامج المطابق للمواصفات والشروط المتفق عليها بين المبرمج والعميل، وتعتبر الملحقات المخصصة لاستخدام البرنامج أيضا من عناصر هذا الأخير ، لا سيما فيما يتعلق بالوسائل والمواد التي تم توفيرها من طرف العميل من أجل إعداد البرنامج، والنسخ الاحتياطية للبرنامج في حالة ضياع نسخة البرنامج الأصلية، أو تلفها لأي سبب كان، بالإضافة إلى الوسائل الأخرى التي تعد ضرورية في استخدام البرنامج والتي تم توفيرها من طرف المبرمج.
ولا يقتصر محل التسليم في البرنامج وملحقاته، بل يتعداها ذلك إلى وجوب تسليم رخصة الاستخدام التي ذهب الفقه إلى وجوبها ، حيث تحوي هذه الرخصة على كيفية استخدام البرنامج خلال الفترة التي تم الاتفاق عليها، وبدون هذه الرخصة لا يمكن للعميل في أي حال من الأحوال مباشرة العمل بالبرنامج.
2/ كيفية التسليم: إن تسليم البرنامج يتم عن طريق نقل حيازة البرنامج واستخدامه طوال الفترة المتفق عليها، ونظرا لخصوصية عقد الإعداد كما رأينا، فإن طريقة تسليمه تأخذ عدة صور وأشكال، وهي خاضعة بطبيعة الحال إلى إرادة الطرفين، فيمكن أن يكون التسليم عن طريق قرص مضغوط، أو عن طريق أجهزة الحاسوب المتوفرة لدى العميل أو غيره، وهنا العميل أو المبرمج يقوم بتحميلها وتنصيبها في أجهزة حاسوب العميل، وذلك حتى يتمكن من تبيان مطابقة البرنامج للشروط والمواصفات المتفق عليها، وإبداء رأيه بعد ذلك بالموافقة عليه أو رفضه.
إن التطور المعلوماتي أظهر طريقة أخرى للتسليم، وهي إرسال البرنامج عن طريق البريد الالكتروني، أو الدخول إلى موقع العميل وتحميل البرنامج، رغم بعض الصعوبات التي يمكن أن تعترض الاستلام، لاسيما فيما يتعلق بالقرصنة. وعليه ولتفادي هذا المشكل يمكن للمبرمج أن يضع شيفرة للبرنامج حتى لا يمكن لأي شخص أن يستفيد من البرنامج، وتعتبر هذه الطريقة المثلى في التسليم فبمجرد حصول العميل على البرنامج عبر بريده الالكتروني أو موقعه، وتأكده من وجوده فإنه يطالب بعد ذلك بالشيفرة، وهو أكبر دليل على تسلمه للبرنامج.
أما عن مكان التسليم فإنه يجب إخضاعه لاتفاق الطرفين، وفي حالة عدم وجود الاتفاق في هذه الحالة فإنه يحدد عن طريق القواعد العامة للعقد، والتي تحدد موطن المبرمج كمكان للتسليم أو في مكان تنفيذ العقد.
وأما زمان التسليم فيكون عند حلول موعد التسليم المحدد في العقد، وفي حالة عدم تحديده في العقد، فإن موعد الانتهاء من البرنامج هو زمن التسليم، وذلك بمراعاة طبيعة البرنامج المراد إعداده، والظروف المحيطة به، وذلك بأخذ معيار الرجل المعتاد في عملية إعداد البرنامج، كون أن عدم تحديد الزمن وتركها للانتهاء من البرنامج قد يؤدي إلى تماطل المبرمج، وعدم استفادة العميل في الوقت المناسب من الغاية المرجوة من البرنامج.
ثانيا: جزاء الإخلال بالتسليم
إذا أخل المبرمج بالتسليم على النحو الذي بيناه، فامتنع عن التسليم، أو تأخر عن التسليم في زمانه، و أراد تسليم البرنامج في غير مكانه، أو ارتكب أي مخالفة أخرى لأحكام التسليم، فإن للعميل أن يطالب بالتنفيذ العيني، إذا كان ممكنا كما له أن يطلب فسخ العقد، وللقاضي السلطة التقديرية في إجابته على طلبه، وله أن يطلب في الحالتين تعويضا عن الأضرار التي أصابته جراء إخلال المبرمج بالتزامه .
وللعميل في حالة امتناع المبرمج عن تنفيذ التزامه بتسليم ملحقات البرنامج نفس الحقوق التي له في حالة الإخلال بتسليم البرنامج.
إلا أنه يجب القول، في حالة طلب العميل فسخ العقد سواء تعلق الأمر بتسليم البرنامج أو ملحقاته، فإنه يجوز للمحكمة أن ترفض الحكم به إذا كان الخلل الذي أصابه قليل الأهمية بحيث أن تخلفها ما كان يمنع العميل من إتمام العقد.


المطلب الثالث: ضمان العيوب الخفية
إن طبيعة عقد الإعداد الذي ينصب على شيء غير محدد وقت إبرام العقد، والذي يفرض استخدام البرنامج وتجربته لتبيان مدى مطابقته للشروط والمواصفات المتفق عليها، ومدى الانتفاع به بأفضل وسيلة تفرض عدم وجود أي عيب مستقبلي.
وعلى هذا الأساس فإن أحكام ضمان العيب الخفي تطبق على عقد الإعداد باعتباره عقد من عقود المعاوضة، ويرتب حقوق والتزامات على الطرفين ويستوجب الضمان، ولأنه من عقود المقاولة فإن ضمان العيب الخفي يتم تحديده بناء على الشروط العقدية التي تبين طبيعة الحق الوارد على البرنامج، والحقوق المتولدة عن هذا العقد لتمكين العميل من الاستخدام دون تعارض مع إمكانية التنازل عن الحق المالي في استغلال البرنامج، وذلك يمنح العميل حق الترخيص باستعمال البرنامج الذي تم إعداده، ويعتبر هذا التصرف أقرب ما يمكن إلى تأجير الأشياء المادية، وبالتالي فإن هذا التصرف خاضع لأحكام ضمان العيوب الخفية بناء على أنه عقد إيجار.
الفرع الأول: شروط العيب المنشئ للضمان
يشترط لقيام ضمان المبرمج لعيوب البرنامج توافر شروط معينة في العيب هي: أن يكون العيب قديما، خفيا، ومؤثرا.
1/ أن يكون العيب قديما: إن قدم العيب هو من أهم الشروط الواجب توافرها لكي يتحقق الضمان، وبما أن محل عقد الإعداد هو مجموعة من الأفكار متواجدة في ذهن المبرمج، وتتمثل من خلال بعض المعادلات الخوارزمية التي يتم تجميعا على شكل برنامج، أي أنه لم يكن موجودا أثناء إبرام العقد، وبهذه الحالة نجد أن القدم يتم تحديده بالفترة الواقعة بين الانتهاء من إعداد البرنامج وقبوله وفي هذه الحالة فإن المبرمج يكون ضامنا لهذا العيب ومسؤولا عنه .
2/ أن يكون العيب خفيا: و هو العيب الذي يكون موجودا قبل تسليم البرنامج، ولكن ليس بوسع العميل تبينه أو اكتشافه، وله فحص البرنامج بعناية الرجل العادي، ذلك أن البائع لا يضمن العيوب الظاهرة التي باستطاعة الرجل المعتاد اكتشافها بالفحص العادي، رغم أن خصوصية عقد الإعداد فإنه من غير السهل العلم بالعيب الخفي، كون أنه يجب توافر العلم والمعرفة بأصول البرمجة، وهو ما لا يمكن توافره لدى العميل.
3/ أن يكون العيب مؤثرا: يكون العيب مؤثرا في البرنامج، إذا كان ينقص من الانتفاع به بحسب الغاية المقصودة منه، وحسبما هو مذكور وموضح في العقد أو القواعد العامة، أو حسبما يظهر من طبيعته ومدى تأثيره على المنفعة المرجوة منه، أو استعماله للغرض الذي أعد من أجله
الفرع الثاني: الملتزم بالضمان وسببه
يعتبر المبرمج سواء المحترف أو غير المحترف الذي قام بإبرام العقد مع العميل هو الملتزم بضمان العيوب الخفية، وبما أن هناك عقد فإن مسؤولية الضمان هنا هي مسؤولية عقدية متى توافرت شروطها. بالإضافة إلى هذا فإن المبرمج مسؤول عن العيوب التي تظهر في المواد والوسائل التي قام بتوفيرها في إعداد البرنامج كونه قد حل محل المالك الأول لهذه المواد والوسائل، أما عن الوسائل والمواد التي تم توفيرها من قبل العميل فإن المبرمج لا يتحمل المسؤولية، إلا إذا كان هو السبب في وجود العيب، فالعيب هنا هو ليس عيب في البرمجة وإنما هو عيب في الوسائل والمواد التي تم استخدامها في البرنامج.
أما عن سبب ضمان العيوب الخفية والتي كانت نتيجة لخلل في التصرفات التي قام بها المبرمج وجود خلل في عملية البرمجة أو في الوسائل المستخدمة، أو جراء عملية نقل البرنامج عبر بيئته أدت إلى توافر العيب.
الفرع الثالث: جزاء الإخلال بالضمان
بعد فحص البرنامج وإخطار المبرمج بالعيب يمكن للعميل أن يرفع دعوى الضمان، وهذه الدعوى تتمثل إما في حق الفسخ، أو في حق المطالبة بالتنفيذ العيني، لكن هذا التنفيذ العيني لا يخل بحق العميل في طلب تعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب وجود العيب. وفي كل الحقين السابقين يجب التفرقة بين:
حالة العيب الجسيم والتي لا يمكن معها إصلاح البرنامج، فيحق للعميل في هذه الحالة المطالبة بالتعويض، وفي حالة إمكانية التنفيذ العيني فيحق للعميل المطالبة بالتعويض في الفترة التي تم إصلاح العيب فيها، وللقاضي كل السلطة في تقدير ذلك.
حالة العيب غير الجسيم الذي يؤثر في جوهر البرنامج فللعميل أن يطلب التنفيذ العيني مع التعويض عن الضرر المؤثر الذي نجم عنه خسائر.




المبحث الثاني : إلتزامات العميل
لم يعالج هذا العقد من طرف المشرع بشكل خاص إلا أن صفة الالتزام لطرفي العقد تكون مرتبطة ومتشابهة، وسنحاول بيان التزامات العميل ومقارنتها مع التزامات المبرمج.
تتسم هذه الالتزامات في هذا العقد بنوع من الخصوصية، وأكثرها هو التزام العميل بتمكين المبرمج من القيام بتنفيذ التزامه من خلال إتاحة كافة الأمور له لتسهيل إعداد البرنامج، والتي تظهر من خلال ببذل ما بوسعه للقيام بالإعداد نتيجة للتعاون ما بين الطرفين ليتم بيان رغبات العميل والأمور التي يتوجب أن يشملها البرنامج وتحقيق النتيجة المرجوة منه، وهنا تبرز أهمية التعاون للوصول إلى إبرام عقد صحيح ملزم للأطراف.
يبدأ التعاون في المرحلة السابقة لإبرام العقد عبر النصيحة التي يتم تقديمها، وتحوي الأمور المتعلقة بالبرمجة ومدى تحقيق احتياجات العميل، كما أوجب هذا العقد على العميل القيام بالاستعلام للحد من إيجاد طرف ضعيف في العقد، كما يتوجب على العميل تسلم البرنامج وقبوله متى كان مطابقا للشروط المتفق عليها من كيفية وزمان ومكان التسليم، ولأن هذا النوع من العقود يتفق وعقد المقاولة لهذا سيتم دراسة هذه الالتزامات من خلال التطرق إلى ما جاء في عقد المقاولة من أحكام .
المطلب الأول: تمكين المبرمج من إعداد البرنامج
يقوم العميل بتمكين المبرمج من العلم بالغاية التي يرغب بها لتحديد الهدف الأساسي من البرنامج ويتم ذلك من خلال بذل ما بوسعه لإتمام التعاقد وهذا بإزالة كافة الصعاب من أمام المبرمج، هذا الأخير يقوم بعمل دراسة للتوصل إلى أفضل شكل ممكن يتم تقديمه، والذي يظهر في ما تتضمنه النصيحة التي تحتوي على تصميم مبدئي للبرنامج، فإذا تم الإطلاع على النصيحة يتوجب الرد عليها سواءا أكان بالقبول أم الرفض خلال فترة مناسبة، كما يجوز للعميل القيام باستشارة ذوي الخبرة لبيان مدى التناسب ما بين التصور الذي تم تقديمه على شكل نصيحة وبيان احتياجاته، فإذا كان هناك توافق فإن النصيحة تكون ملزمة للطرفين وتعتبر جزءا من العقد.
يؤدي عدم التزام العميل بهذه التصرفات إلى مساءلته والتي يمكن أن تؤدي إلى التنفيذ العيني وفسخ العقد بالإضافة إلى التعويض المناسب عن الضرر الذي لحق بالمبرمج.


الفرع الأول : مرحلة التعاون
التعاون هو استعلام طرفي العقد من بعضهما البعض عن كافة الأمور الجوهرية للعقد، وبيانها من خلال بعض التساؤلات التي يتم طرحها عن بعضهم البعض ليتم ضمان وجوب تنفيذ العقد بحسن نية دون توافر أي خلل من أحد الأطراف. ويمر هذا الالتزام بمرحلتين هما :
1-التعاون في مرحلة إبرام العقد :
يلتزم العميل بتوفير ماهو ضروري لإعداد البرنامج من خلال توفير المواد الأساسية أو تقديم بعض المعلومات عن احتياجاته، ومنه يتمكن المبرمج من القيام بعمل تصور مبدئي للبرنامج ويعرضه على العميل بلغة سهلة لإخراج العميل من الإدعاء بالجهل و إيضاح الأمور الأساسية التي تبين محل العقد، ونتيجة للتعاون يتمكن المبرمج من وضع تصميم يتم عرضه على العميل وهذا أمر ضروري لإبرام العقد ولا يستوجب النص عليه لأنه من ضمن طبيعته.
فعدم معرفة العميل بالبرمجة لا تعفيه من القيام بالوفاء بهذا الالتزام، إلا أن سكوت العميل عن بعض الأمور وهو عالم بأنها ضرورية تعد من التصرفات التي تؤدي لتوافر سوء النية لديه، وقصد من خلالها إحداث خلل في التوازن العقدي، أو بمحل العقد، ويكون مسؤولا ولا دخل للمبرمج بها.
إن توافر التقنية في البرنامج أمر ضروري لذا وجب على الطرفين التعاون وتفادي أي خلل، أو أي أمر ضروري كان يتوجب تزويد المبرمج به، ويجب إثبات أن هذه الأمور تمت بشكل واضح للطرفين وإلا قامت مسؤوليتهما في المستقبل عند حدوث أي خلل.
يعد إلتزام العميل بالتعاون التزاما ببذل عناية الشخص المعتاد الذي يسعى لإعداد برنامج محقق لغايته، ويعامل العميل في هذه التصرفات بناءا على الرجل المعتاد على التعاقد وليس الشخص المحترف بالبرمجة.
2-التعاون من خلال قبول البرنامج واستخدامه:
في هذه المرحلة يتم تنفيذ العقد من خلال إعداد البرنامج الذي تم تحديده وتعد هذه المرحلة أكثر إلزاما للطرفين، فيتم التعاون بتسلم البرنامج في المكان والزمان من طرف العميل بعد الانتهاء من إعداده حسب الشروط التي تم الاتفاق عليها، وشموله لكافة الأمور الأساسية الموجودة في العقد لتبرأ ذمة المبرمج من التزامه.
يتبلور التعاون في هذه المرحلة من خلال قيام العميل بتسلم البرنامج المبدئي والبحث في إمكانياته لأن هذه المرحلة هي مرحلة مطابقة الشكل وليس المضمون.
يقوم المبرمج ببيان كيفية استعمال البرنامج وتشغيله وبناءا على تعليماته فالبرنامج سيؤدي الغاية المرجوة منه، فإذا تم إتباع التعليمات وظهر أثناء الاستخدام بعض المشاكل أو المخاطر فعلى العميل الإخبار عنها خلال مدة مناسبة ليتمكن المبرمج من معالجتها.
إن الالتزام بالتعاون في هذا العقد التزاما مستمرا طيلة فترة عمل البرنامج من أجل تفادي أي خلل.
الفرع الثاني : مرحلة الاستعلام
في هذه المرحلة يقوم العميل بالاستعلام عن البرنامج ومدى مطابقته للمواصفات سواء كان من النصيحة التي يقدمها المبرمج أو استخدام وسائل خاصة به أو الاستعانة بغيره من أهل الخبرة وهذا تفاديا لضعفه في هذا العقد.
يحق للعميل اللجوء للمبرمج واستشارته ويكون هذا التصرف منفصلا عن العقد ولا يكون ملزما للعميل بقبول التعاقد بناءا على النصيحة التي تم تقديمها.
عند قيام العميل باستشارة خبير برمجة الذي يقدم تصميم للبرنامج ويكون مسؤولا عنه مما يؤدي إلى الحد من الإخلال بالتوازن في العقد، إلا أن اختيار المستشار لا بد أن تتوافر فيه شروط من بينها الخبرة العالية في البرمجة، كما أن المستشار ملزم ببيان التكلفة الإجمالية للبرنامج لتفادي وقوع العميل في الاستغلال.
من حق العميل اختيار النصيحة التي يقدمها المبرمج أو الخبير وبالتالي الأخذ بالتصميم الأفضل ويلتزم المبرمج بتنفيذ التصميم المناسب للعميل ويكون ملزم للطرفين .
عند اعتماد الاستشارة فإن مسؤولية المستشار تقوم عن أي خلل يحدث جراء التصميم.
لكي يتسم العقد بالتوازن يجب على العميل الاستعلام سواء من المبرمج أو طرف ثالث لا علاقة له بالعقد.
الفرع الثالث: جزاء الإخلال بتمكين المبرمج من الإعداد
إذا أخل العميل بالتزامه من خلال عدم تمكين المبرمج من إعداد البرنامج سواءا من حيث تقديم أساسيات البرنامج أو أي مواد أخرى تستوجب إتمام إعداد البرنامج، فإنه يكون مسؤولا ، فإذا لم يتم الوفاء بهذا الالتزام سواءا كان الوفاء جزئيا أم كليا فإن العميل يكون مسؤولا عن تصرفه كونه ناتج عن عدم التعاون .
فلو امتنع العميل عن الوفاء بالتزامه فيحق للمبرمج طلب التنفيذ العيني، أو فسخ العقد مع التعويض، أما إذا امتنع العميل عن التعاون وعدم قبوله للنصيحة أو تقديم تصميم مناسب للبرنامج الذي يرغب بإعداده فإن هذا التصرف يعطي للمبرمج الحق في أن يطلب من المحكمة تقرير فسخ العقد نتيجة عدم إعلام المبرمج بالأمور الأساسية وهي أساس العقد، ولا يمكن تصور تنفيذ العقد دون إخبار المبرمج باحتياجات العميل سواء كان من حيث التعاون أو الاستعلام لتحديد غايته من البرنامج.
يكون العميل مسؤولا عن التزامه لإتمام تنفيذ العقد ويتم الرجوع للقواعد العامة لنظرية العقد، وتطبيق أحكام الإخلال بالالتزام حسب ما تقرره محكمة الموضوع بناءا على الواقعة المعروضة أمامها.
المطلب الثاني: تسلم وقبول البرنامج
يلتزم العميل بتسلم البرنامج تنفيذا لالتزامه العقدي، ويكون ذلك إما بوضع البرنامج تحت يده أو أن يرسل المبرمج خطابا بأن البرنامج جاهز للتسليم، وفي حالة رفض العميل لذلك جاز للمبرمج اللجوء للقضاء لتنفيذ التزامه.
التسلم هو إجراء يتم من خلاله التأكد من صحة المواصفات التي يتطلبها البرنامج، فقد يتسلم العميل البرنامج دون قبوله وكذلك قد يتم قبول البرنامج قبل تسلمه لأنه كان يتابع عملية التنفيذا أولا بأول مما تم القبول معه.
الفرع الأول: تسلم البرنامج :
يلتزم العميل بتسلم البرنامج بعد عرضه عليه من قبل المبرمج في الوقت المتفق عليه بين الطرفين، ويكون التسلم مشابها للتسلم في عقد المقاولة كونهما ينصبان على محل لم يكن متوافرا وقت إبرام العقد، إلا أن هذا العقد لا تبرأ فيه ذمة المبرمج فور الاستيلاء على البرنامج بل يجب البحث في مدى توافق الشروط والمواصفات بعد استخدامه.
أكد المشرع الجزائري على وجوب تسلم البرنامج متى أفرغ المبرمج من إعداده، فما على العميل إلا أن يقوم بتسلمه، أو رفضه مع بيان أسباب مشروعة أدت إلى عدم الوفاء بهذا الالتزام، وإلا اعتبر متسلم البرنامج حكما ومسؤولا عن أي ضرر يلحق بالبرنامج، لأنه أصبح تحت حيازته بقوة القانون وذلك بناءا على نص المادة 558 .
وبناءا على نص المادة فالتسلم هو تمكين العميل من البرنامج من خلال وضعه تحت يده لفترة محددة.
يجب على العميل تسلم البرنامج قانونيا و ماديا من خلال تحميله على الأجهزة المتوفرة لديه ليتمكن من استخدامه وهي أحسن طريقة للتسلم، أما في حالة عدم تحديد كيفية التسلم فيتم الرجوع إلى القواعد العامة والعرف.
ويتم تسليم البرنامج في نفس المكان والزمان الذي يتوجب عملية التسلم لإبراء ذمة الطرفان، أما في حالة إغفال تحديد مكان التسلم فيتم الرجوع إلى عقد المقاولة أي مكان الوفاء هو موطن المبرمج أو مكان إعداد البرنامج.
الفرع الثاني: قبول البرنامج
في عقد إعداد البرامج يلتزم العميل إلى جانب تسلم البرنامج قبوله من خلال التأكد من مطابقته للمواصفات التي تم تحديدها ويعتبر هذا الالتزام مستقلا عن الالتزام بالتسلم رغم ترابطهما .
في هذه المرحلة يقوم العميل بالمراقبة الكلية للبرنامج لضمان مراعاة أصول البرمجة واحتوائه على كامل المواصفات، مع الالتزام بالتعليمات الأساسية التي حددها المبرمج ليتم بعد ذلك مراقبة سير عمل البرنامج أثناء استخدامه من العاملين ويكون المبرمج مسؤولا عن أي عطل يصيب البرنامج خلال مدة يتم تحديدها من الطرفين، فعند حدوث خطأ يجب إخطار المبرمج بذلك، فإذا لم تتوفر صفة من الصفات في البرنامج المتفق عليها فإنه يتوجب انتداب خبير محايد ليحدد مدى صحة إدعاء أحد الأطراف .
فقبول البرنامج من قبل العميل يعد بمثابة إقرار من العميل عن تنازله عن أي عيب من العيوب الظاهرة المتوافرة في البرنامج أثناء التسلم، أما الأثر الأخر الذي ينصب على قبول البرنامج هو القيام بالوفاء بالبدل الذي تم الاتفاق عليه جزئيا أو كليا.
الفرع الثالث: جزاء الإخلال بالتسلم
أكد المشرع الجزائري من خلال المادة 558 قانون مدني على وجوب التنفيذ العيني على العميل إذا امتنع عن تسلم البرنامج وهذا بعد إرسال إنذار رسمي من قبل المبرمج لتسلم البرنامج ومعاينته لقبوله
في فترة مناسبة حسب ما يقتضيه العرف.
فإذا انتهت مدة الإنذار ولم يقم العميل بالتسلم أعتبر قد تسلمه حكما فيكون مسؤولا عن دفع الأجر وقبوله بالعيوب الظاهرة وتحمل تبعة الهلاك في البرنامج.
المطلب الثالث: دفع البدل
يعتبر الالتزام بدفع البدل من الالتزامات الأساسية المترتبة على العميل، وهي ركن من أركان العقد فلكي يبرئ العميل ذمته يجب أن يقوم بالوفاء بالبدل في الزمان والمكان المحددين في العقد، ووجب الرجوع للقواعد العامة لقانون المدني لإيجاد ما يناسب هذا الإلتزام.
ويعتبر الوفاء بالبدل التزاما وأثرا من آثار التسلم، واُشترط الوفاء للانتهاء من تنفيذ العقد وتسلمه من قبل العميل.
وقد أوجب المشرع الجزائري حسب المادة 559 ق م ج الوفاء بدفع البدل فور الانتهاء من إعداد البرنامج وتسلمه من قبل العميل إلا إذا كان هناك إتفاق مبرم شرط ألا يكون مخالفا لأحكام عقد المقاولة .
الفرع الأول: ما يجب الوفاء به
عند وفاء المبرمج بالتزامه يجب على العميل أن يدفع البدل تنفيذا لالتزامه المقابل، سواءا كان نقودا أو شيئ ذو قيمة مالية محدد في العقد، ويكون ملزما بذلك رغم عدم تحديد أي جزئية من جزئيات البدل وذلك بالرجوع إلى العرف، والتحديد العادل للمبرمج مقابل جهده المبذول، ويتوجب على العميل الوفاء بما يلحق البدل من مصروفات، كتحويل البدل للمبرمج عن طريق أحد البنوك أو الدفع بواسطة بطاقة إئتمان.....الخ.
الفرع الثاني: كيفية الوفاء بالبدل
يجب على العميل الإلتزام بآلية الوفاء التي تم تحديدها في العقد حسب ما يقتضيه العرف من حيث تحديد مكان وزمان الوفاء بالبدل، والغالب من التعاقدات يقوم العميل فيها بدفع جزء من البدل إلى المبرمج وقت إبرام العقد مع البدء بإعداد البرنامج على أن يتم تكملة الباقي فيما بعد .
وإذا لم يتم تحديد وقت دفع البدل يرجع إلى العرف المتبع في البرمجة ليتم تحديد المواعيد، أما مكان الوفاء فهو ما اتفق عليه في العقد سواء كان من خلال بطاقات الإئتمان، أو وضع المبلغ في أحد البنوك، أو تسليمه في مكان تسليم البرنامج، وإذا لم يحدد ذلك في العقد يرجع إلى القواعد العامة التي توجب الدفع في موطن العميل لو كان البدل من المثليات وفي المكان المتواجد فيه مركز أعمال المبرمج أما إذا كان شيء قيمي يكون الوفاء في مكان وجود هذا الشيء وقت إبرام العقد .




الخاتمـة:
رأينا أن الواقع العملي يتجه إلى إدخال طرق ووسائل حديثة في التعامل تظهر جليا في الحواسب، ولا يكون لهذا الجهاز أي دور دون وجود برامج الحاسوب المثبتة عليه والتي تخلق الروح فيه، ونظرا لأهمية هذه البرامج كما ذكرنا في بحثنا، فإن أغلب الباحثين ركزوا دراساتهم على هذا الجانب، غير أن دراسة النظام القانوني الذي يحكم عقود إعداد هذه البرامج لم يكن له النصيب الكبير رغم أهميته، ويمكن تفسير هذا لجدية الموضوع وحداثته.
ومحاولة مني لدراسة هذا الموضوع من خلال أحكام التشريع وآراء الفقهاء، للوصول إلى إيجاد نظرة جديدة وفهم أكثر لهذا المجال، رغم المدة القصيرة التي تم إنجاز البحث فيها، راجيا أن أدفع وأخرج بهذا الموضوع إلى الحياة القانونية كي يحتضنه من يمكنهم إرساء قواعد قانونية تخصه في كل من القانون المدني أو فيما يتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في المستقبل القريب.
ولإبراز مفاتيح هذه الدراسة أرى أن نضع النتائج المتوصل إليها من هذا البحث ثم وضع إقتراحات عملية وقانونية علها كما ذكرنا أن تؤخذ بعين الإعتبار.

أولا: نتائج الدراسة:
- برامج الحاسوب تخضع لأحكام الأمر المتعلق بحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، وتعتبر من إحدى المصنفات المذكورة في المادة 04 من هذا الأمر ، على الرغم من أنها كيانات معنوية تتخذ شكلا ماديا من خلال بلورتها في دعامة سواءا كانت قرص مضغوط أو قرص مرن أو قرص صلب أو...، وتحظى بالحماية في مواجهة مستعملي البرامج، ضمن إطار عقود الترخيص وعقود العمل وأحيانا عقود الإستعمال، التي لا تخلو من نص يلتزم فيه المتعاقد الأخر بعمل نشر أو استنساخ البرنامج في غير الغرض المتعاقد عليه، ولأن برامج الحاسوب عبارة عن معادلات خوارزمية تم إدخالها ومعالجتها بواسطة جهاز الحاسوب، لتمر بمجموعة من العمليات (compilation, édition des liens…) كي تتحول إلى برامج قابلة للتنفيذ، فقد استبعدها من الأمر المتعلق ببراءات الإختراع.
- إن التكييف القانوني لعقد إعداد برامج الحاسوب تحكمه الغاية المراد تحقيقها من البرنامج، دون المراعاة لمعرفة هل هو ضمن البرامج الأساسية أم التطبيقية، وهذا يجرنا لعدم الأخذ بالرأي الفقهي الذي إعتبرها من ملحقات الأجهزة، لكون كل تصرف هو منفصل عن غيره ومنفرد، فيمكن شراء جهاز الحاسوب دون برامج، لإمكانية حصول الفرد على البرنامج قبل حصوله على الجهازا، وأيضا للقيمة المالية العالية التي يحظى بها البرنامج مقارنة بالجهاز.
- اعتبر الفقهاء عقد الإعداد من عقود العمل، خاصة عقد المقاولة، وذلك لاتسامه بعدم تبعية المبرمج للعميل، ولأن محله يتطلب مجهودا فكريا لإعداد برنامج جيد ومناسب لمتطلبات العميل، وبذلك يكون أقرب ما يمكن لعقد التصميم والتنفيذ الهندسي الذي يقوم به المهندس.
- يعد عقد الإعداد من العقود الرضائية التي تستوجب تطابق الإيجاب والقبول، كي يتم الإبرام الصحيح للعقد، دون توافر أي عيب من عيوب الإرادة، وإلا يكون عرضة للبطلان، مع اتسامه بالشكلية التي تستوجب تدوين العقد، لأن محل العقد لم يكن متوافرا وقت إبرامه لأجل دفع الطرفين على تنفيذ إلتزاماتهم.
- يعتبر الإعلان الموجه للجمهور عبر شاشات الحاسب في شبكة الأنترنت للقيام بإعداد برامج الحاسوب، إيجابا صادرا من طرف واحد ضمن شروط يضعها مسبقا وما على الجمهور إلا القيام بالتعاقد مع صاحب العرض بعد الإطلاع على الشروط المرفقة به، وهذا بالنقر على الطلب وملأ المعلومات الخاصة، ويعتبر التعاقد عبر الأنترنت تعاقدا صحيحا، وبخصوص مكان إبرام العقد فيتم الإستدلال عليه من خلال طبيعة العقد وما اتجهت إليه إرادة الأفراد حسب ما يقتضيه العرف في مثل هذه التعاقدات، أما زمان التعاقد فهو الوقت الذي تم فيه تطابق الإيجاب والقبول أي وصوله إلى الموجب.
- إن الواقع العملي يفرض بعض الأمور التي لا تتفق والقانون فنجد أن هناك عددا كبيرا من المبرمجين ناقصي الأهلية، ورغم ذلك يبرم العملاء هذه العقود معهم ويتم تنفيذها بأحسن وجه، مع انه يرى البعض أنها لا تمثل عيبا من عيوب الإرادة في هذا النوع من العقود خارجين بذلك عن القواعد العامة للعقد، كون العقل البشري الذي استطاع أن يقوم بإعداد برنامج في غاية الدقة يكون قادرا على تمييز التصرفات، ولا دخل للسن في مثل هذه التصرفات لارتباطها بالمستوى الفكري، وما التصرفات التي تدور بين النفع والضرر ما هي مقررة إلا للذين يفترض فيهم عدم حسن التصرف، في حين نحن أمام وضع عكس ذلك تماما، كون المبرمج هنا يقدم النصيحة للعميل ويعلم دقائق الأمور في البرمجة.
- إن المحل في عقد إعداد البرامج مزدوج كما هو الحال بالنسبة لعقود المقاولة فالمبرمج ملزم بإعداد البرنامج أما العميل فهو ملزم بدفع البدل المتفق عليه ولا بد أن يكون المحل هنا مشروعا غير مخالف للنظام العام أو الآداب العامة.
- ولأن العميل يفترض فيه عدم إحاطته بدقائق الأمور حول البيئة التي يستخدم فيها البرنامج، وكل الأمور الواجب توافرها في حالة استعماله البرنامج، ينشأ هنا إلتزام من المبرمج حول تقديم النصيحة لكي لا يتم المطالبة بفسخ العقد من خلال الإدعاء بأن سكوت المبرمج عن البيئة الواجب توافرها لعمل البرنامج تدليسا حمل المتعاقد معه على ابرام العقد، وفي المقابل العميل هو ملزم بتقديم كل ما يتعلق بسير مصالحه وكل ما يحتاجه المبرمج من مواد أولية من معلومات ينجز البرنامج من خلالها.
- يجوز أن يكون تسليم البرنامج عن طريق البريد الإلكتروني، و يمكن إثبات التسليم بالقيام بتشفير البرنامج ويكون طلب العميل للشيفرة ووصول حل الشيفرة إليه دليل على استلام البرنامج.
- وجب توفر شرطين في العيب المنشئ للضمان، أولهما هو أن يكون العيب قديما بتوافره في البرنامج قبل التسليم، وقبول البرنامج، وثانيهما يكون من الجسامة بحث يحول دون تمكين العميل من الإنتفاع من البرنامج، وسبب الضمان هو حماية حقوق العميل في المستقبل، لإمكانية ظهور عيوب بعد استعمال البرنامج ضمن إحدى جزئياته، كما أن أي شرط يلغي ضمان المبرمج للعيوب يكون باطلا.
- يقع إلتزام تمكين المبرمج من إعداد البرنامج على العميل وهذا بالتعاون بين الطرفين من توفير الظروف الملائمة للمبرمج للقيام بعمله، وهذا بتسلمه كافة الوثائق والأوراق المتعلقة بموضوع البرنامج.
- يتم تسليم البرنامج من طرف المبرمج بقبوله، وليس العبرة بتسلمه، وذلك بعد قيامه بفحص لمدى فاعلية البرنامج وتحمله، ومطابقته لأصول البرمجة، وهذا في فترة محددة يتفق عليها، وعند تحقق ذلك يكون العميل ملزم بدفع بدل البرمجة.
ثانيا: الإقتراحات
- كان من الأجدر للمشرع أن ينظم أحكام هذا النوع من العقود في قوانين خاصة، لأنه أصبح من العقود المتداولة والضرورية في حياتنا اليومية، لتنظيم أغلب المؤسسات والشركات أعمالها بواسطة البرامج المنجزة من طرف المبرمجين.
- إن الوقت الراهن يحتم على المشرع أن يتماشى مع التعاقدات التي تتم عن طريق الإنترنت، وعليه بموجبها تعديل القانون المدني مع تفعيل دور التوقيع الرقمي والتشفير بمواد تعالج ذلك.
- لا بد من إعتبار النصيحة التي يتم تقديمها للعميل حول البرنامج إلتزاما أساسيا على المبرمج، وبالذات في مرحلة المفاوضات العقدية من أجل خلق التوازن بين مقدرة العميل وقدرته الإقتصادية وما يتطلبه البرنامج كي يعمل،
- كان لابد على المشرع أن يضع مواد تنظم وتحدد فترة مناسبة للتسليم وقبول البرنامج في حالة خلو العقد من هذا الشرط لكي لا يتم إضاعة الوقت الذي من شأنه الحط من قيمة البرنامج وهذا بتركه بدون قبول أو رفض رغم أن المشرع المصري قد عالج ذلك في مادته 255 من قانونه المدني.
ثالثا : التوصيـات
- التفعيل القانوني لهذا النوع من العقود من خلال القيام بإبرامه لدى موثق لكي يتم الحفاظ على حقوق الطرفين وإظفاء بعض الرسمية على العقد كما أن الموثق يذكر الأطراف بما يمكن أن يتغافلا عليه، وخاصة العميل الذي يعتبر طرفا ضعيفا في العقد.
- الإصطلاح على أن هذا العقد هو عقد تنازل على حق الإستعمال أو الإستغلال المادي وليس الحق الأدبي وعليه فهي عقود ترخيص الإستعمال بعد إعداد البرنامج، والإتفاق على عدم تسميته بعقد بيع حقوق معنوية.
- يجب الحد من العقود النمطية التي يتم استخدامها من قبل الكثير لإحتوائها على بعض العيوب والشروط التي لا تتفق وطبيعة موضوع العقد المراد ابرامه .


























الفهـــرس
مقدمـة ........................................................................................................1
الفصل التمهيدي: ماهية برامج الحاسوب........................................................................6
المبحث الأول : تعريف برامج الحاسب من الوجهة القانونية......................................................7
المبحث الثاني : التعريف ببرامج الحاسوب من الوجهة الفنية.....................................................7
الفصل الأول: الأساس القانوني وأركان عقود إعداد برامج الحاسوب............................................9
المبحث الأول : الطبيعة القانونية لبرامج الحاسب الآلي ..........................................................9
المطلب الأول : من حيث كونها شيء مادي......................................................................10
1/ مدى اعتبارها عقارا .................................................................................10
2/ مدى اعتبارها منقول .................................................................................11
المطلب الثاني : من حيث اعتباره خدمة .........................................................................11
المطلب الثالث : من حيث كونها ملكية معلوماتية.................................................................12
1/ مدى اعتبارها براءة اختراع..........................................................................13
2/ حق المؤلف..........................................................................................14
المبحث الثاني : التكيف القانوني لعقد إعداد برامج الحاسوب......................................................15
المطلب الأول : تكييف العقد حسب الغرض من إنشائه............................................................16
المطلب الثاني : تحديده حسب إرادة الأفراد.......................................................................17
1/ مدى اعتباره من عقود البيع ..........................................................................18
أولا : مدى اعتبار البرامج الأساسية من ملحقات الجهاز .................................................19
ثانيا : تشبيهه ببعض الحقوق المجاورة لحق المؤلف......................................................20
ثالثا : مدى اعتباره من العقود التي ترد على المخترعات.................................................21
رابعا: باره من العقود الواردة على ابتكار المصنفات.....................................................22
2/ مدى اعتباره من عقود الترخيص بالاستعمال.........................................................22
3/ مدى اعتباره من عقود العمل.........................................................................23
المطلب الثالث : التكييف المختار كعقد مقاولة ...................................................................24
المبحث الثالث : أركان عقد إعداد البرامج.......................................................................25
المطلب الأول : الرضا..........................................................................................27
1/ توافر الرضا.........................................................................................27
2/ صحة التراضي .....................................................................................29
أولا : الأهلية ...................................................................................................29
ثانيا : عيوب الرضا.............................................................................................29
المطلب الثاني: المحـل والسبب.................................................................................31
1/ المحـل.............................................................................................31
2/ السبب...............................................................................................32
الفصل الثانـي: الآثار المترتبة على عقد إعداد برامج الحاسوب ................................................34
المبحث الأول: إلتزامات المبرمج.................................................................................34
المطلب الأول تقديم النصيحة للعميل..............................................................................34
1/ مضمون النصيحة....................................................................................35
2/ الملتزم بتقديم النصيحة................................................................................37
3/ جزاء الإخلال بتقديم النصيحة ........................................................................39
المطلب الثاني: إعداد البرنامج....................................................................................40
1/ تقديم الأساسيات المستخدمة في الإعداد................................................................41
2/ واجبات إعداد البرنامج................................................................................42
3/ جزاء الإخلال بإعداد البرنامج.........................................................................42
المطلب الثالث: تسليم البرنامج....................................................................................43
1/ أحكام تسليم البرنامج ..................................................................................44
2/ جزاء الإخلال بالتسليم.................................................................................45
المطلب الرابع: ضمان العيوب الخفية.............................................................................45
1/ شروط العيب المنشئ للضمان........................................................................46
2/ الملتزم بالضمان وسببه................................................................46
3/ جزاء الإخلال بالضمان ...............................................................................47
المبحث الثاني : إلتزامات العميل........................................................................47
المطلب الأول: تمكين المبرمج من إعداد البرنامج......................................................47
1/ مرحلة التعاون ............................................................................48
2/ مرحلة الاستعلام..........................................................................49
3/ جزاء الإخلال بتمكين المبرمج من الإعداد......................................49
المطلب الثاني: تسلم وقبول البرنامج...........................................................................50
1/ تسلم البرنامج...............................................................................50
2/ قبول البرنامج..............................................................................51
3/ جزاء الإخلال بالتسلم ......................................................................52
المطلب الثالث: دفع البدل .............................................................................52
1/ ما يجب الوفاء به .......................................................53
2/ كيفية الوفاء بالبدل..........................................................................53
الخاتمـة .............................................................................................54
الملاحـق
المراجـع
الفهـرس

0 تعليق:

إرسال تعليق