المسؤولية عن الأشياء في القانون المدني


المسؤولية عن الأشياء في القانون المدني "
مقدمة.
المسؤولية المدنية مجموعة القواعد التي تلزم من سبب للغير ضررا بجبر هذا الأخير، وذلك عن طريق التعويض، وعلى العموم فإن التعويض الذي يتحمله المسؤول هو نتيجة إخلاله بالتزام سابق رتبه القانون أو العقد، وهكذا فان المسؤولية المدنية تنشأ عند امتناع المسؤول عن تنفيذ ما تعهد به من التزامات تعاقدية، أو عدم القيام بالتزام قانوني مقتضاه ألا يضر الإنسان غيره، وبذلك فهي تنقسم إلى مسؤولية عقدية مناطها العقد، ومسؤولية تقصيرية مناطها القانون، وهذه الأخيرة يتحملها المسؤول بسبب الأضرار اللاحقة بالغير نتيجة فعله الشخصي، أو فعل من هو مسؤول عنهم باعتباره مكلفا برقابتهم أو بصفته متبوعا، أو نتيجة فعل الأشياء المملوكة له أو التي تحت حراسته، ولقد أصبحت المسؤولية عن فعل الأشيــاء تكتسي أهمية بالغة منذ ظهور الثورة الصناعية ،فاتسع مجالها ليشمل أغلب الأضرار التي تسببها الأشياء المختلفة مهما كان نوعها أو حجمه أو المادة التي تتكون منها كالآلات الصناعية، وسائل النقل المختلفة ، والأدوات الطبية وغيرها، وقد اهتمت التشريعات بهذا النوع من المسؤولية فبعضها وضع لها أحكاما خاصة في القوانين المدنية ، وبعضها من خصها بقوانين خاصة تختلف باختلاف الأشياء، وتقتصر دراستنا على المسؤولية الناشئة عن فعل الأشياء المنصوص عليها في الأمر 75 /58 المتضمن القانون المدني الجزائري ، والمتمثلة في مسؤولية حارس الشيء المنصوص عليها في المادة 138 ، ومسؤولية حارس الحيوان المنصوص عليها في المادة 139 ، ومسؤولية حائز العقار، أو المنقول الذي حدث فيه حريق ، ومسؤولية المالك عن تهدم البناء المنصوص عليهما بالمادة 140 .
وقد أخذ المشرع الجزائري بأحدث أحكام هذا النوع من المسؤولية التقصيرية من القانون المدني الفرنسي الذي عرف تطورات كثيرة بشأنها بفضل جهود الفقه والقضاء ، كما نتعرض إلى الصورة الجديدة من المسؤولية عن الأشياء التي استحدثها المشرع الجزائري إثر تعديل القانون المدني بموجب القانون 05/10 وخصص لها المادة 140 مكرر والمتمثلة في مسؤولية المنتج عن الأضرار التي تسببها منتجاته المعيبة للغير، هذا وإن تعددت حالات المسؤولية عن الأشياء ، ومن ثم تعدد أحكامها فإنها تثير بعض التساؤلات حول علاقة بعضها ببعض ، ونتساءل أخيرا ما هي شروط كل حالة من حالات المسؤولية عن الأشياء؟ وما هي الأسس التي تقوم عليها، وكيف يمكن دفعها.؟ وهل وفق المشرع الجزائري عندما استحدث مسؤولية المنتج ضمن أحكام القانون المدني.؟ .

الفصل التمهيدي:نبذة تاريخية حول المسؤولية عن الأشياء .

نتناول في هذا الفصل موضوع تطور المسؤولية الناشئة عن الأشياء بصفة عامة لدى الشعوب البدائية ثم في القانون الروماني وفي الشريعة الإسلامية ثم القانون الفرنسي بنوعيه القديم والجديد و أخيرا في القانون المدني الجزائري .
أولا : المسؤولية عن الأشياء في الشرائع القديمة ،و القانون الرومانـــــي.
إذا رجعنا إلى تاريخ المجتمعات البدائية لا نجد أية منظمة قوية تحمي الأفراد من الأضرار الناشئة عن الأشياء وتضمن له الطمأنينة ، كما لا نجد دولة تأخذ على عاتقها حماية هذا الإنسان من الأضرار الناشئة عن الأشياء، فلم تعرف آنذاك المسؤولية ولا التعويض عنها على النحو الذي استقرت عليه حاليا ، فالسائد آنذاك أن الفرد يثأر لنفسه ويرد الضرر من حيث آتى، فكان فعل الشيء الذي يحدث ضررا هو فعل شخصي ينسب إلى مالكه، فكان الانتقام ينصب على مالكه، ثم عرف بعد ذلك ما يسمى بالتحكيم الاختياري بأن يتوسط الطرفين شخص يتفق عليه ليحكم بينهما، دون اللجوء إلى الانتقام وغالبا ما يكون من رجال الدين أو الحكام للاعتقاد السائد بأن الأحكام الصادرة عن الملوك أو الكهنة هي بمثابة أحكام إلهيـة لأن الحاكـم أو الكاهـن إنما يمثـل الإله .
وبقي الحال هكذا إلى أن عرفت هذه الشرائع القديمة ما يسمى بـ " القصاص" الذي يقوم على مبدأ العين بالعين والسن بالسن فأجازت للمضرور دون غيره أن يثأر لنفسه وأن يلحق الأذى بالذي أضره شريطة مراعاة حد معين .
وفي مرحلة ثانية ظهرت السلطة المركزية ( الحاكم ) بمظهر المنظم فعوضت القصاص بالدية فأجازت للمضرور الخيار بين الدية أو الانتقام، ثم تلتها فترة أصبحت الدية إجبارية فحددت قيمتها مقدما للأطراف .
وعندما اكتشفت الكتابة وتحقق انتشارها بدأ بتدوين القواعد القانونية ووضعها في نصوص محددة لتكون في متناول الجميع وليعرف كل فرد ما له من حقوق وما عليه من واجبات ومن أبرز هذه القواعد القانونية شريعة " حمو رابي " التي تناولت الضرب والتعدي وتناولت موضوعات البناء – صنع القوارب مسؤوليات الأطباء، أجرة البنائين وصناع القوارب و الأطباء .
فقد نصت المادة 228 فيما يتعلق بالمسؤولية عن البناء " إذا بنى بناء بيتا لرجل و أكمله ولم يكن متينا ثم سقط البناء الذي بناه وقتل صاحبه يعدم البناء "
كما نصت المادة 230 " إذا سقط البناء وقتل ابن صاحب البيت بسبب الانهدام يقتل ابن البناء " ، وهذا ما يعبر عن مبدأ القصاص ، أما بخصوص السفن فقد أوجبت شريعة " حمو رابي " على من بنى سفينة شخص و أنزلها إلى الماء فتبين له خلال سنة من بنائها أن بها عطلا أن يصلح _ العامل_ له هذا العطل أو يبني له سفينة جديدة دون أن يكلفه أي مال إضافي وجعل بحار السفينة مسؤولا مسؤولية كاملة عن السفينـــــة .
وعليه فان المسؤولية بصفة عامة آنذاك كانت مسؤولية جنائية بحتة تبيح للمعتدي عليه أن يوقع بالمعتدي جزاءا خاصا، إلى أن أخذت السلطة المركزية على عاتقها فرض الدية على الجاني لمصلحة المضرور.
وعليه فلم يكن من الممكن استخلاص قاعدة في المسؤولية تحكم الفعل الضار بشكل عام والفعل الناشئ عن الأشياء بصفة خاصة .
أما المسؤولية في القانون الروماني لم يكن آنذاك نظام خاص حول المسؤولية عن الأشياء ولم يرد في قانون الألواح الإثنى عشر ولا في قانون إكليليا أي نص خاص بهذا النوع من المسؤولية ماعدا ما ورد في مدونة الأحكام القانونية" لـ:جوستنيان فيما يتعلق بالأشياء غير الحية ، يتمثل أساسا في سقوط شيء من نافذة منزل ناتج عن قذفه منه و إلحاقه ضررا بالمارة و كذا تعليق إحدى الأشياء خارج منزل و سقوطها، و إلحاقها ضررا بالمارة، و لمن أصابه ضرر أن يرفع دعوى على صاحب المنزل يطالب من خلالها بالتعويض عن الضرر، لكن هذه الدعوى كانت ترفع على المسؤول باعتباره مسؤولا شخصيا لا عن فعل الشيء و لم يكن المضرور ملزما بإثبات الخطأ في جانب المسؤول .
وكذلك فإن الضرر الناشئ عن الأشياء الحية و المتمثلة آنذاك في الحيوان و العبيد ،كانت الدعوى ترفع على صاحب الشيء باعتباره مسؤولا شخصيا ،لا عن فعل الشيء وكان للمسؤول أن يختار بين التعويض الذي يقدره بقيمة الحيوان و العبيد أو أن يترك الحيوان أو العبد للمضرور ليفعل به م يشاء أما بالنسبة للضرر الناشئ عن تهدم البناء فكان المسؤول يعطي للمضرور أنقاض البناء كتعويض.
ثانيا:المسؤولية عن الأشياء في الشريعة الإسلامية .
لقد بحث فقهاء الشريعة الإسلامية في مبدأ المسؤولية الذي لم يحظ بنظام خاص مستقل يتناول جميع جوانبه ،فاقتصرت الدراسة في ذلك على الأضرار التي تسببها الحيوانات ،وكذا ما ينجم عن تهدم البناء، نظرا لطبيعة البيئة آنذاك ،فعرفت في البداية مــا يسمــى بـ : "المسؤولية عن جناية الحيوان تحت عنوان : " جناية البهيمـة" ،وذلك لأن أغلب الأشياء التي كانـت ذات الاستعمال الواسع ،والأكثر احتمالا وقوع الأضرار بسببـها هي الحيوانــات التي كانت تستخدم في مجالات النقل والانتقـال ، فإذا استخدم الإنسان حيوانـا في قضاء مصالحه و أصاب الغيــر بأضرار خـلال ذلك الاستعمال، يسأل عما يسببه الحيوان من ضرر للغير فيكون مسؤولا شخصيا عن جناية الحيوان، وكأنه ارتكب الفعل الضار بنفسه ،إذا نسب الإتلاف إلى عمل الحيوان ، ولا يضمن صاحب الحيوان ما وراء ذلك ،عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"العجماء جرمها جبار."رواه أبو هريرة .
كما عرف فقهاء الشريعة الإسلامية المسؤولية عن تهدم البناء تحت عنوان " الحائط المائل "أو البناء المائل"، وذلك أن من بنى جدارا مائلا إلى ملك الغير أو إلى الطريق العام يكون مسؤولا عن الأضرار الناشئة عن تهدم هذا الحائط ،على أساس نظرية الضمان، لأن بناء هذا الحائط المائل إلى ملك الغير أو إلى الطريق العام يعد تعد على الجار ،أو على من له حق المرور في الطريق.
غير أن المسؤولية عن الأشياء غير الحية لم يتعرض لها فقهاء الشريعة الإسلامية لعدم وجود حوادث ناشئة عن الأشياء الجامدة إلا ما تعلق منها بالأضرار التي تحدثها بعض الأشياء الخطرة كالسيف والذي يسأل عنه الإنسان الذي يحمله إذا كان مقصرا في ذلك.
وقال بعض الفقهاء لو انفلت فأس من قصاب كان يكسر العظم، فأتلف عضو إنسان وجب عليه الضمان و الدية في ماله .
ويستخلص من كل هذا أنه يستوي عند الفقه الإسلامي أن يكون التعدي من فعــل الشخص نفسه أو بسبب الشيء.
ثالثا : المسؤولية عن الأشياء في القوانين الوضعية.
نتطرق بصفة خاصة إلى تطور المسؤولية عن الأشياء في القانون الفرنسي ثم في القانون الجزائري
1)-تطور المسؤولية عن الأشياء في القانون المدني الفرنسي.
انتقلت أحكام المسؤولية من القانون الروماني إلى القانون الفرنسي القديم وبقيت متصفة بالطابع الجنائي ويعود الاهتمام آنذاك بالمسؤولية التقصيرية بصفة عامة والمسؤولية عن الأشياء بصفة خاصة إلى الفقيه " دوما " من خلال مدونة القوانين المدنية فاهتم بالمسؤولية الناشئة عن فعل الحيوان وتهدم البناء وسقوط الأشياء و أفرد لها فصلا خاصا وقسمه إلى أربعة (4) مباحث .
_ المبحث 1/ ما يلقى أو يسقط من أحد الدور ويحدث ضرر للغير .
_المبحث 2/ الأضرار الناجمة عن فعل الحيوان .
_ المبحث 3 / الأضرار الناجمة عن تهدم البناء .
_ المبحث 4 الأضرار الأخرى التي تحدث نتيجة خطأ .
وقد جعل الفقيه "دوما " الخطأ أساس المسؤولية عن الأشياء وجعل الإنسان مسؤولا عن الأضرار التي يحدثها الشيء الحي أو غير الحي .
وعليه فإن القانون الفرنسي القديم لم يقرر إلا نصوصا متفرقة خاصة بالأضرار التي يحدثها فعل الشيء وكان يطبق بشأنها المبادئ العامة في المسؤولية عن الفعل الشخصي ، وعليه فلم تكن هناك قاعدة خاصة تحكم المسؤولية عن الأشياء
أما بالنسبة للقانون الفرنسي الحديث فقد أخذ أحكام المسؤولية المدنية بصفة عامة التي وجدها في كتابات " دوما " و" بوتييه " فنص في قانون 1804م على أحكام المسؤولية عن الفعل الشخصي في المادتين 1382_ 1383ق م الفرنسي أما أحكام المسؤولية عن فعل الأشياء فخصص لها المواد 1384_ 1385 _ 1386 ق م الفرنسي .
_ المادة 1382 تنص على أنه " كل عمل أيا كان يلحق ضررا بالغير يلزم من وقع بخطئه هذا الضرر أن يقوم بتعويضه " .
_ المادة 1383 تنص على أن " المرء لا يسأل عن الضرر الذي سببه بفعله فحسب بل يسأل أيضا عما يسببه بإهمال أو بعدم التبصر ".
_ المادة 1384 تنص على أن" الإنسـان مسـؤولا ليس فقط عـن الضـرر الذي يحـدثه بــفعله
الشخصي ولكنه مسؤول أيضا عن الضرر الذي يسببه الأشخاص الذين يسأل عنهم والأشياء التي تكون تحت حراسته .
_ المادة 1385 نصت على أن " مالك الحيوان أو من يستخدمه خلال استخدامه له يكون مسؤولا عن الضرر الذي يسببه الحيوان سواءا كان الحيوان تحت الحراسة أو كان قد ضل أو تسرب ".
_ المادة 1386 تنص على أن " مالك البناء مسؤول عن الضرر الذي يسببه انهدامه إذا كان ذلك نتيجة إهمال في صيانته أو عيب في تشييده ".
و أقام المشرع الفرنسي المسؤولية عن الفعل الشخصي ( م 1382_ 1383 ق م الفرنسي ) على أساس الخطأ الواجب الإثبات .
في حين أعفى المضرور من إثبات الخطأ في جانب حارس الحيوان ومالك البناء م 1385، 1386 من القانون المدني الفرنسي فأقامهما بذلك على أساس الخطأ المفترض في جانب الحارس.
أما الأشياء الأخرى خارج الحيوان و البناء فإنه أخضعها في بداية الأمر للقواعد العامة في المسؤولية التقصيرية فعلى المضرور أن يثبت الخطأ و الضرر و علاقة السببية حتى يتمكن من الحصول على التعويض.
فالمشرع الفرنسي آنذاك لم يقم للشؤون الاقتصادية على اختلاف أنواعها أي اعتبار الإ بقدر ما كان معروفا آنذاك ووجد أن معظم الأفعال الضارة تسببها الحيوانات أو تنشأ عن تهدم البناء لذلك عمد إلى إيراد نص خاص بالمسؤولية عن فعل الحيوان م 1385 ق م ف ونص خاص بالمسؤولية عن تهدم البناء م 1386 ق م ف و هما الحالتان اللتان ظهر للمشرع أنهما جديرتان بالاهتمام آنذاك .
أما الفقرة الأولى من م 1384 ق م ف التي أشارت على الأشياء التي تكون تحت الحراسة و تحدث أضرارا بالغير فقد ظلت لغاية القرن 19 م لا تعتبر ذات قيمة قانونية وذلك نظرا للظروف الاجتماعية و الاقتصادية آنذاك التي كانت تمتاز بالبساطة و ترتكز أساس على الزراعة و لم تكن بعصر الصناعـــــة .
و لكنه و مع بداية القرن 19 م و انتشار الثورة الصناعية بأوروبا و ظهور الآلات ووسائل النقل وكثرة الأضرار التي تسببها للغير مما أدى إلى ازدياد عدد ضحايا هذه الآلات، و مقابل صعوبة إثبات الخطأ في جانب صاحب الآلة نظرا لصعوبة تركيبها ، أدى بالفقه و القضاء حماية للمضرور ( اهتماما منهم بالمسؤولية عن الأشياء غير الحية على غرار الحيوان و البناء حين التهدم ) إلى التوسع في فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية الناشئة عن الأشياء، ومحاولة للتخفيف من عبء الإثبات على المضرور فوضعت المحاكم في بداية الأمر مجموعة من الالتزامات على عاتق أصحاب العمل و أصحاب الآلات ووسائل النقل وتضمنت الالتزام بضمان سلامة العمال، و مخالفة هذا الالتزام ترتب مسؤوليتهم ، كما تساهل القضاء أيضا في عبء إثبات الخطأ و لكن هذا الاجتهاد تعرض للنقد نظرا لأن مصدره القضاء و تقدير القاضي لهذه الالتزامات يختلف من قاضي لآخر و يؤدي الاختلاف إلى فقدان الثقة بالعدالة كما أنه من الصعب في الكثير من الأحيان على المضرور إثبات إخلال صاحب العمل بهذه الالتزامات.
و في مرحلة ثانية اكتشف القضاء الفرنسي الفقرة الأول من م 1384 ق م الفرنسي :" الأشياء التي تحت حراسته "واستخلص منها قاعدة أصلية للمسؤولية عن الأشياء ففسرها على أن م 1384 من القانون المدني الفرنسي تشمل كل الأشياء ماعدا ما جاء بنصوص خاصة و هي الحيوانات المادة 1385 من القانون المدني الفرنسي و البناء حين التهدم م 1386 من القانون المدني الفرنسي وذلك بعدما ساد التفسير بأن ما ورد في نص م 1384 الفقرة الأولى لم يكن تنصرف في قصد المشرع إلا إلى الأشياء التي عني المشرع نفسه بعد ذلك بالنص على الضرر الناشئ عن فعلها و هي الحيوانات و البناء المتهدم.
و قد اشترط القضاء في بداية الأمر وجود عيب في الشيء محدث الضرر حتى تتحقق مسؤولية الحارس و لكن سرعان ما هجرت هذه الفكرة فأصبح بعد ذلك يعتبر مسؤولية حارس الأشياء عن الأضرار التي تنشأ عن هذه الأخيرة مسؤولية مفترضة.
و قد تدعم الاجتهاد بحكم صدر عن الدائرة المدنية محكمة النقض الفرنسية بتاريخ : 21/06/1895 و تلاه حكم أخر بتاريخ : 16/06/1896 يقيم المسؤولية على أساس الخطأ المفترض الذي لا يقبل إثبات العكس و لا يعفي حارس الشيء من مسؤوليته إلا بإثبات السبب الأجنبي، قضى فيه بمسؤولية الدولة عن فعل ضار سببته آلة تابعة للها
بإضافة إلى مسؤولية مالك القاطرة التي سببت ضررا، دون أن يكون للمسؤول أن يتخلص من مسؤوليته بإثبات خطأ صانع الآلة أو إثبات عيب فيها .
و قد صدر حكم آخر عن دائرة العرائض لمحكمة النقض الفرنسية بتاريـــــخ :30/03/1897 قضى بأن الحارس يستطيع أن ينفي عن نفسه المسؤولية بإثبات أنه لم يخطأ و ظل يأخذ بهذا الرأي لغاية سنة 1914 ، إذ صدر حكم عن دائرة العرائض بتاريخ : 19/01/1914 لم يقبل من الحارس نفي الخطأ مما يعني أن الخطأ مفترض في جانب حارس الشيء و لا يقبل إثبات العكس إلا بإثبات السبب الأجنبي ثم تدعم هذا الحكم بحكم آخر صادر عن الدائرة المدنية بتاريخ: 21/01/1919 و استمر الفقهاء في فرنسا على هذا الوضع إلى غاية إقرارها تشريعا، بالقانون الصادر بتاريخ : 07/11/1922 الذي يشترط وجوب إثبات خطأ الحارس في حالة الحريق و يستدل هذا بمفهوم المخالفة،أي أنه يخالف المسؤولية عن الأشياء و ذلك بأنه في غير حالة الحريق لا يكلف المضرور بإثبات خطأ الحارس.
و في مرحلة ثانية لجأ القضاء إلى تطبيق أحكام المادة 1386 من القانون المدني الفرنسي، المتعلقة بالمسؤولية عن البناء المتهدم ،على المسؤولية عن الأشياء بصفة عامة و أول مبادرة في هذا الموضوع هو حكم مجلس باريس بتاريخ: 20/07/1877 استهدف التوسع في حكم نص المادة 1386 و اعتبر مالك الشجرة مسؤولا عن حادث وقع بسبب وقوع الشجرة و استخلص أن السقوط كان نتيجة العيب في الشيء و هو قدم الشجرة و لكن سرعان ما عدل القضاء عن فكرة التوسع في مفهوم البناء المتهدم و قد تعرضت هذه الفكرة للنقد : بحيث أن القياس على المادة 1386 يخلق صعوبة تتمثل في أن العيب خاص بالبناء وهو عقار ، فكيف يطبق على المنقول و أن هذا التوسع مخالف لإرادة المشرع و أن الاستناد لهاته الفكرة لا يزيل الصعوبات في عبء الإثبات أمام المضرور فهو ملزم بإثبات عدم الصيانة أو وجود عيب في التشييد وهو ما يتعارض مع مبادرات الفقه و القضاء في محاولة التخفيف من عبء الإثبات على المضرور .
و بمقتضى هذا القانون أضيفت إلى المادة 1384 من القانون المدني الفرنسي فقرة جديدة نصت على مايلي: "و مع ذلك فإن من يحوز بأية صفة كانت عقارا أو منقولا بدأ فيه حريق لا يكون مسؤولا عما يحدثه ذلك الحريق من أضرار للغير إلا إذا ثبت خطأه ، أو خطأ من يسأل عنهم .
أما بخصوص المسؤولية عن فعل الحيوان أو تهدم البناء فهما صورتان للمسؤولية الناشئة عن الأشياء التي ظهر للمشرع الفرنسي منذ صدور قانون 1804 أنهما جديرتان بالاهتمام فوضع لها أحكامها ونظمها بنصوص خاصة وواضحة م 1385(ق م ف) المسؤولية عن فعل الحيوان و م 1386(ق م ف) المسؤولية عن تهدم البناء ولم تظهر عند تطبيقها أي صعوبات أو تطورات .
و يتضح مما سبق أن المسؤولية عن الأشياء بصفة عامة لم تعرف أحكاما خاصة إلا في القانون الفرنسي الحديث و لم تكتمل معالمها إلا في منتصف القرن العشرين .
أما مسؤولية المنتج عما تلحقه منتجاته المعيبة من ضرر للغير فإن المشرع الفرذسي قبل أن يعرف هاته المسؤولية ،كان القضاء الفرنسي يطبق بشأنها القواعد العامة في المسؤولية المدنية ، حيث كان يربطها تارة بأحكام المسؤولية العقدية إذا الحق المنتوج ضرر بالمشتري، و ذلك بتطبيق أحكام ضمان العيوب الخفية م 1641 وما يليها من القانون المدني الفرنسي ووفقا لذلك فإذا كان البائع عالما بعيوب الشيء المبيع عند إبرام عقد البيع فإنه يكون ملزما بالتعويض عن جميع الأضرار التي تصيب المشتري وجعل
علم البائع بعيوب الشيء المبيع قرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس ، و يشترط أن يكون الضرر نتيجة عيب في المبيع .
أما بالنسبة للأشياء الخطيرة بطبيعتها كالأدوية مثلا فاستبعد بشأنها القضاء الفرنسي نظرية العيوب الخفية ، وأن الالتزام الذي يقع على البائع هو التزام بالسلامة ، و يتمثل هذا الالتزام في اتخاذ الاحتياطات المعقولة و الممكنة لتجنب تسبب المنتوج بالضرر .
و يربطها تارة أخرى- مسؤولية المنتج- بأحكام المسؤولية التقصيرية إذا ألحق المنتوج ضررا بالغير كما لو أصيب شخص بحروق نتيجة انفجار جهاز تلفاز يملكه شخص آخر و أقام هذه المسؤولية على أساس الخطأ الواجب الإثبات الذي يكلف المضرور بإثباته في جانب البائع أو المنتج .
كما أجاز القضاء الفرنسي في بعض الأحيان بخصوص هذه المسؤولية التمسك بأحكام المسؤولية عن فعل الأشياء طبقا لنص المادة 1384 / 01 من ق م ف. وبعد مدة من هذه التطبيقات تبنى المشرع الفرنسي بموجب القانون رقم 98/389 المؤرخ في : 19/05/1998 ، التعليمة الأوروبية الصادرة عن الإتحاد الأوروبي بعام 25/07/ 1985 المتعلقة بالمسؤولية عن المنتجات المعيبة ، فأصبحت هذه التعليمة تمثل: المواد 1386 / 01 إلى غاية م 1386 / 18 من القانون المدني الفرنسي الخاصة بمسؤولية المنتج عن الأضرار التي تحدثها منتجاته المعيبة .
فقد عرفت المادة 1386/ 01 ق م ف المنتج على أنه ليس فقط منتج المنتوج النهائي و إنما أيضا منتج المادة الأولية و منتج الجزء أو الأجزاء المركبة.
فعرف المنتوج بنص المادة 1386/ 02 ق م ف: على أنه مال منقول حتى و لو كان مركبا في عقار بما فيها منتجات الأرض و تربية الحيوانات و الصيد البحري و التيار الكهربائي و عرض المنتوج للتداول بتخلي المنتج عن منتوجه بصفة إرادية سواء لصالح المستهلك مباشرة أو بواسطة التوزيع بدءا من الناقل على غاية بائع التجزئة طبقا لنص المادة 1386 / 11 ق م الفرنسي.
ووحدة عرض المنتوج طبقا لنص المادة 1386 /05 ق م ف: على أن المنتوج لا يكون محلا إلا لعرض واحد للتداول، و الهدف منه هو توجيه المسؤولية عن فعل المنتجات نحو من يبادر بعرض المنتوج في السوق.
و قد اشترط المشرع الفرنسي لقيام مسؤولية المنتج وجود عيب في المنتوج م 1386 /01 ق م ف، ويقصد به حسب المادة 1386 / 04 أن المنتوج لا يستجيب للسلامة المرغوبة شرعا لمستعمل المنتوج سواءا السلامة الجسدية أو العقلية.
و شرط ثاني يتمثل في حصول الضرر المادة 1386/02 سواءا الأضرار الخاصة بالشخص كالوفاة، الجروح و الأمراض ، و الأضرار الماسة بالأموال( بإستثناء المنتوج المعيب نفسه) ، ووجود علاقة السببية بين العيب و الضرر.
ووضع كذلك بنصوص المواد: 1386 /10 إلى المادة 1386 /17 ق م ف، أسباب الإعفاء من هاته المسؤولية و التي تتمثل في انعدام صفة المنتج، أو أن المنتوج لم يتم عرضه للتداول،أو انعدام الطابع المعيب للمنتوج، أو خطا الضحية ،أو فعل الغير أو الحادث المفاجئ أو أمر القانون و مخاطر النمو ،و جعل المشرع الفرنسي هذه المسؤولية من النظام العام طبقا للمادة 1386 /15 فلا يجوز الاتفاق على الإعفاء منها
2)نبذة تاريخية حول المسؤولية عن الأشياء في القانون المدني الجزائري .
تميزت مرحلة الاحتلال الفرنسي للجزائر بتطبيقه أحكام القانون المدني الفرنسي و اتخذ تطور المسؤولية المدنية بصفة عامة و المسؤولية عن الأشياء بصفة خاصة من الجزائر أرضا لهذا التطور لأن الجزائر في نظر المستعمر لم تكن سوى امتداد لفرنسا من حيث تطبيق القوانين .
أما مرحلة ما بعد الاستقلال تبدأ من صدور الأمر رقم :62/157 الصادر فـــــــي : 31/12/1962 و القاضي باستمرار تطبيق أحكام القوانين الفرنسية، و عرفت المحاكم الجزائرية تطبيق أحكام المواد 1382 ، 1383 ، 1385 ، 1386من القانون المدني الفرنسي، إلى حين صدور التشريع الجزائري سنة 1975 بالأمر 75/58 المؤرخ في : 26/09/1975 المتضمن القانون المدني الجزائري ، فنص على المسؤولية الناشئة عن الأشياء في القسم الثالث من الفصل الثالث من الباب الأول من الكتاب الثاني من القانون المدني الجزائري بالمواد 138 ، 139 ، 140 منه،بحيث نص المادة 138 قانون مدني جزائري على أنه " كل من تولى حراسة شيء وكانت له قدرة الاستعمال والتسيير و الرقابة يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء.
و يعفي من هذه المسؤولية الحارس للشيء إذا أثبت أن ذلك الضرر حدث بسبب لم يكن يتوقعه مثل عمل الضحية أو عمل الغير أو الحالة الطارئة أو القوة القاهرة "، أما المادة 139 ق م ج نصت على أن " حارس الحيوان و لو لم يكن مالكا له مسؤول عما يحدثه الحيوان من ضرر و لو ظل الحيوان أو تسرب ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب لا ينسب إليه ".
أما المادة 140 ق م ج نصت على أنه " من كان حائزا بأي وجه كان لعقار أو جزء منه أو منقولات حدث فيها حريق لا يكون مسؤولا نحو الغير عن الأضرار التي سببها هذا الحريق إلا إذا ثبت أن الحريق ينسب إلى خطئه أو خطأ من هو مسؤول عنهم .
مالك البناء مسؤول عما يحدثه انهدام البناء من ضرر و لو كان انهداما جزئيا ما لم يثبت أن الحادث لا يرجع سببه إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه.
و يجوز لمن كان مهددا بضرر يصيبه من البناء أن يطالب المالك باتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية للوقاية من الخطر فإن لم يقم المالك بذلك جاز الحصول على إذن من المحكمة في اتخاذ هذه التدابير على حسابه ".
و يعتبر القانون المدني الفرنسي المصدر التاريخي للقانون المدني الجزائري وقد أخذ بآخر ما توصل إليه القانون والقضاء الفرنسيين من تطورات بهذا الخصوص بالإضافة إلى التشريعات الأخرى و لا سيما المسؤولية الناشئة عن الأشياء ة م 1384وما يليها من ق، م، ف.
و قد صدر بتاريخ: 20/06/2005 القانون 05/10 المعدل للأمر 57/58 المتضمن القانون المدني الجزائري فأضاف المادتين 140 مكرر، 140 مكرر 1 فيما يخص المسؤولية الناشئة عن الأشياء في القسم الثالث من الفصل الثالث إذ نصت المادة 140 مكرر المتعلقة بمسؤولية المنتج عن الأضرار التي تحدثها منتجاته المعيبة على أنه " يكون المنتج مسؤولا عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه حتى و لو لم تربطه بالمتضرر علاقة تعاقدية. ويعتبر منتوجا كل مال منقول و لو كان متصلا بعقار، لا سيما المنتوج الزراعي، المنتوج الصناعي ، تربية الحيوانات ، و الصناعة الغذائية ، و الصيد البري و البحري و الطاقة الكهربائية "
أما المادة 140 مكرر 1فقد نصت على أنه " إذا انعدم المسؤول عن الضرر الجسماني و لم تكن للمتضرر يد فيه ، تتكفل الدولة بالتعويض عن هذا الضرر " .
و تجدر الاشارة أن المشرع الجزائري خص مسؤولية المنتج بمادة واحدة فقط وهي المادة 140 مكرر من ق م، على خلاف المشرع الفرنسي الذي عالجها في ( 18 ) ثمانية عشر مـــادة.

الفصل الأول : المبدأ العام في المسؤولية عن الأشياء .

تعبر المادة 138 من القانون المدني الجزائري عن المبدأ العام في المسؤولية الناشئة عن الأشياء إذ أن مصطلح الأشياء في هذه المادة جاء عاما غير محدد، مما يستنتج أن حكم هذه المادة ينطبق على كل الأشياء إلا ما استثني بنصوص خاصة ولا سيما المسؤولية عن فعل الحيوان- كشيء حي - المادة 139 ق، م، ج والمسؤولية عن الحريق المادة 140 الفقرة الأولى من ق، م، ج والمسؤولية عن تهدم البناء المادة 140 الفقرة الثانية من ق، م، ج ومسؤولية المنتج المادة 140 مكرر ق، م، ج.
وتجدر الإشارة أن الأشياء المقصودة في المادة 138 ق، م، ج هي الأشياء غير الحية نظرا لأن المشرع الجزائري خص المسؤولية عن الأشياء الحية وهي الحيوانات بنص المادة 139 من ق، م، ج، وذلك اعتبارا إلى تقسيم الأشياء إلى أشياء حية، وأشياء غير حية.

المبحث الأول : شرطا المسؤولية عن الأشياء طبقا لنص المادة 138 ق م ج .

تقتضي قيام مسؤولية حارس الشيء طبقا لنص المادة 138 ق م ج توافر شرطان: شرط أول " حراسة الشيء " شرط ثاني " وقوع ضرر بفعل شيء ".

المطلب الأول: حراسة الشيء.

تتطلب دراسة هذا الشرط أن نحدد مفهوم الشيء وفقا لنص المادة 138 ق م ج ثم نوضح مفهوم الحراسة.

الفرع الأول: مفهوم الشيء.

إن عبارة الشيء الواردة في المادة 138 ق م ج جاءت عامة فهي تنصرف إلى كل الأشياء إلا ما استثني بنصوص خاصة.
البند الأول: المقصود بالشيء وفقا لنص المادة 138 ق م ج.
يقصد بالشيء في هذا النص بأنه كل شيء غير حي بغض النظر عن صفته أو نوعه ، أو المادة التي يتكون منها سواء كان عقارا أو منقولا، سائلا أو جامدا أو غازيا ، صغيرا أو كبيرا، متحرك أو ساكن ذاتيا أو بفعل الإنسان به عيب أو خال منه، خطر أو غير كذلك .
ويدخل ضمن تعريف الشيء طبقا للمادة 138 ق.م .ج على سبيل المثال : الرمال ، الصخور ، الأشجار وأغصانها والمصاعد ولوحات الإعلانات وقنوات الغاز والمياه و الأسلاك الكهربائية أو الهاتفية أو الآلات الصناعية بمختلف أنواعها ، الغازات الضارة، و السوائل المعبأة في الزجاجات و بخار المصانع وضجيجها ووسائل النقل المختلفة ، سيارات ، قاطرات ، سكك حديدية، المواد المتفجرة، الأسلحة والأدوات الطبية ...الخ، وتعتبر كذلك الحيوانات الميتة شيء غير حي وكذلك البناء عما يحدثه من ضرر في غير حالة التهدم وكذلك بخار الماء المنبعث عن تجمع كهربائي الذي يتسبب في انزلاق الطريق .
البند الثاني: الأشياء المستثناة من نص المادة 138 ق م ج.
أن تعميم حكم المادة 138 ق م ج على كل الأشياء لا يحد منه إلا ما استثني بنصوص خاصة أو بحكم طبيعة الشيء، فبحكم القانون نجد كاستثناء الحيوانات باعتبارها أشياء حية طبقا لنص المادة 139 ق م ج ،ونجد كذلك الأبنية اثر تهدمها 140 /2 ق م ج والمنقولات والعقارات في حالة حريقها و تسببها في ضرر للغير طبقا للمادة 140 /1 ق م ج وكذلك المنتجات المعيبة، وما تسببه من أضرار طبقا لنص م 140مكرر ق، م، ج.
وتجدر الإشارة أنه لو لم يتدخل المشرع في هذه الحالات بنصوص قانونية خاصة لكان حكم المادة 138 ق م ج هو المعمول به فيما يخص الأضرار التي تنشأ عن هذه الأشياء، كما تستثنى أيضا السيارات ( المركبات ) بصفة عامة وما تسببه من أضرار في حوادث المرور وذلك أثناء سيرها .
حيث تخضع في ذلك للأمر رقم 74/15 المعدل والمتمم بالقانون 88/31 المتعلقة بنظام التعويض عن الأضرار الناجمة عن حوادث المرور.
وكذا حوادث الطائرات التي يطبق عليها القانون رقم 64/166 المتعلقة بالمصالح الجوية ،وكذا حوادث السفن البحرية وتطبق عليه أحكام الأمررقم76/80 المتضمن القانون البحري وكذا حوادث العمل وتخضع للقانون رقم 90/11 المتعلق بعلاقات العمل المعدل والمتمم بالقانون رقم 91/29
أما الأشياء التي تخرج عن مفهوم الأشياء بنص المادة 138 ق م ج بحكم طبيعتها هي: جسم الإنسان حيث لا يعتبر هذا الأخير شيئا ما دام صاحبه حيا ولا يكون أمام المضرور إلا المطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم عن جسم الإنسان وفقا لنص المادة 124 ق م ج، ولو كان في حالة إغماء أو نوم ، وكذلك الأشياء السائبة وهي الأشياء التي تخلى عنها حارسها أو لم تكن مملوكة لأحد مثال : المطر ، الثلوج ،أو لم يكن الشيء في حيازة إنسان وقت الحادث.
وذلك نظرا لأن المسؤولية عن الأشياء تقوم على أساس فكرة الحراسة وليس الشيء في حد ذاته .

الفرع الثاني: مفهوم الحراسة.

يتضح من نص المادة 138ق م ج أن المسؤولية الناشئة عن الأشياء، يتحملها الحارس فهي تستند أساسا على فكرة الحراسة فما هي الحراسة وما هي عناصرها.؟.
البند الأول : تطور مفهوم الحراسة وموقف المشرع الجزائري منها.
لقد مرت فكرة الحراسة بتطورات عديدة ولم تتبلور في شكلها الحالي إلا بعد سلسلة من اختلاف في الآراء الفقهية والقضائية وتضاربها، فكان المقصود بها في بادئ الأمر الحراسة القانونية وقوامها السند القانوني أي يستند الحارس إلى حق شخصي أو عيني أو له سند قانوني على الشيء محل الحراسة ، فالمالك هو الحارس حتى يثبت أنه نقل الشيء إلى شخص آخر،ولكن انتقد هذا الرأي نظرا لأنه إذا سرق الشيء وأحدث ضرر بالغير فإن المالك هو الذي يسأل رغم أن الشيء محدث الضرر لم يكن في حيازته وقت الحادث، و في مرحلة ثانية ظهرت فكرة الحراسة المادية وقوامها الحيازة المادية للشيء بغض النظر عن السند الذي يحوز الحارس بموجبه الشيء، ويستوي أن تكون حيازة قانونية أو غير قانونية كأن يكون الشيء مسروقا مثلا فيسأل السارق عما يحدثه الشيء المسروق من ضرر للغير، وانتقد هذا الرأي أيضا لأنه يؤدي إلى مساءلة التابع بدلا من المتبوع عن الضرر الذي تحدثه الآلة ( الشيء ) التي في حيازته لأن السيطرة المادية على الشيء تكون للتابع وقت وقوع الحادث
وفي مرحلة أخيرة ظهرت فكرة الحراسة المعنوية التي استقرت عليها أحكام القضاء الفرنسي، قرار صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 02/12/1941 في قضية" فرانك" التي تتلخص وقائعها كما يلي : في ليلة عيد الميلاد لسنة 1929 كانت سيارة الدكتور فرانك والتي تولى قيادتها تلك الليلة ابنه القاصر متوقفة في الطريق العمومي فتعرضت لسرقة وارتكب بها اللص حادث مرور أودى بحياة السيد "كانوا" ثم فر اللص ولم يعثر عليه وبمطالبة ذوي حقوق السيد كانوا بالتعويض رفضت الدعوى من قبل محكمة الاستئناف لكون السيد فرانك لم يكن حارسا للسيارة بعد سرقتها ، و لكن الدائرة المدنية لمحكمة النقض الفرنسية نقضت هذا القرار وقضت في قرارها المؤرخ في 03/03/1936 : أن مالك السيارة يبقى حارسا رغم سرقة السيارة وبعد إحالة القضية على محكمة الاستئناف " بيزانسون "، التي خالفت حكم الدائرة المدنية وقضت في حكمها الصادر بتاريخ 25/02/1937 بعدم مسؤولية المالك حيث انتقلت الحراسة اثر السرقة إلى السارق فعرضت القضية على الدوائر المجتمعة لمحكمة النقض الفرنسية التي خلصت إلى قرارها الشهير الصادر بتاريخ 02/12/1941 في نفس قضية فرانك من خلال تعريف الحارس على أنه:" ذلك الشخص الذي له على الشيء سلطة الاستعمال والتسيير والرقابة".
أما عن موقف المشرع الجزائري فإنه قد أخذ بآخر ما توصل إليه القضاء الفرنسي في مفهوم الحراسة وهي "الحراسة المعنوية" وهذا ما يظهر من خلال نص المادة 138 ق، م، ج في فقرتها الأولى بأن " كل من تولى حراسة شيء وكانت له قدرة الاستعمال والتسيير و الرقابة يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء ".
وتجدر الإشارة أن المقصود بالقدرة في نص المادة 138 ق م ج هي السلطة.
وقد تدعم موقف المشرع الجزائري بخصوص فكرة الحراسة بالعديد من القرارات القضائية الصادرة عن المحكمة العليا نذكر بعضا منها "قرار المجلس الأعلى الغرفة المدنية القسم الثاني بتاريخ 08/12/1982 ملف : 28316 والذي يتلخص فيما يلي " حيث أن الوجه غير سديد، حيث أن الأضرار التي تسببها الآلات الميكانيكية مسؤول عنها كل من له عليها قدرة الاستعمال والتسيير والرقابة حتى ولو لم يمكن مالكها ( م 138 ق م ج ) ، حيث أن الطاعنة لها امتياز من البلدية لاستعمال ماكنات سحق الثلج وبيع هذه المادة لفائدتها وهي بهذه الصفة يكون لها قدرة الاستعمال والتسيير والرقابة على تلك الماكنات وتصبح هي الحارسة الفعلية لتلك الأجهزة دون سواها " .
_ قرار المجلس الأعلى الغرفة المدنية القسم الثاني بتاريخ 20/12/1989 ملف رقم : 61342 جاء فيه مايلي " :" حيث أن الأصل في الحراسة هو أنه يجب أن يكون للحارس على الشيء سلطات الاستعمال والتسيير والرقابــــة. " .
البند الثاني: عناصر الحراســــــة.
يقصد بالحراسة حسب نص المادة 138 ق م ج " السلطة الفعلية على الشيء والتصرف فيه بالاستعمال والتسيير والرقابة.
وعليه فان الحراسة تقتضي السلطات الثلاث: الاستعمال، والتسيير، والرقابة.
-سلطة الاستعمال: معناها استخدام الشيء باعتباره أداة لتحقيق غرض معين أو الغاية التي أعد من أجلها، كاستعمال سيارة باعتبارها وسيلة نقل وليس بلازم وجود الشيء ماديا لدى الحارس أو واضعا يده عليه ، بل يكفي أن تكون له سلطة استعماله وإن لم يمارسها ماديا ،فلا تقتضي سلطة الاستعمال أن يكون الشيء بيد الحارس فالمتبوع الذي يكلف تابعه بنقل أشخاص أو بضائع يعد مستعملا للسيارة لكونه هو الذي يصدر الأوامر بشأن الاستعمال .
- سلطة التسيير:إن تعبير التسيير له معنيين:
1-المعنى المادي:الذي يعني أن يكون الشيء بين يدي شخص يتولى استعماله كالعامل الذي يستعمل آلة تابعه له سلطة التسيير بالمعنى المادي، أما التسيير في معناه المعنوي يقصد به سلطة إصدار الأوامر
والتعليمات بشأن استعمال الشيء فصاحب العمل هو الذي يتولى تحديد الطريقة الواجب إتباعها لاستعمال الآلة وأيام و ساعات العمل في حين يكتفي العامل بالتسيير المادي للآلة طبقا للأوامر السالفة الذكر، والمقصود بالتسيير في نص م 138 من ق، م، ج هو سلطة التسيير المعنوي و عادة من كان له سلطة استعمال الشيء تكون له في نفس الوقت سلطة تسييـــــره .
- سلطة الرقابة: تتحقق متى كانت للحارس سلطة فحص الشيء و تعهده بالصيانة اللازمة حتى يؤدي الغرض الذي خصص له كما يدخل في مفهوم الرقابة أيضا سلطة الملاحظة وتتبع الشيء في استعماله وتفحصه و تأمين صيانته و إصلاح العيب الذي يظهر فيه ومحاسبة، و تتبع استعمال الشيء من طرف الغير .
إذن الحراسة المقصودة بنص المادة 138 ق م ج، تقتضي أن يكون للحارس السلطات الثلاث (الاستعمال، التسيير،الرقابة )على الشيء حتى تتحقق مسؤوليته عن الأضرار التي تحدثها الأشياء محل الحراسة.
وتجدر الإشارة أنه قد تنتقل حراسة الشيء من شخص لآخر ، سواءا بإرادة الحارس كأن يبيع الشيء محل الحراسة أو يؤجره أو يعيره شخصا آخر و الحقيقة أنه لا يوجد عقد محدد بالذات من شأنه أن ينقل حتما الحراسة ، بل لابد أن نرجع في كل مرة إلى مضمون التصرف القانوني و البحث ما إذ كان الحارس قد تخلى عن سلطات الاستعمال و الرقابة و التسيير لفائدة الشخص الثاني أم لا ، فبائع المنقول مثلا يبقى حارسا للشيء ما لم يتسلمه المشتري رغم اكتسابه ملكية الشيء.
كما قد تنتقل الحراسة استثناءا إلى التابع برضاء متبوعه، كأن يجيز المتبوع(المالك) للتابع أن يستعمل الشيء في غرض خاص و شخصي لا يرتبط بالخدمة .
و قد تنتقل الحراسة بغير إرادة الحارس كما في حالة سرقة الشيء، فالسارق الذي يحوز الشيء و يمارس عليه سلطة الاستعمال و التسيير و الرقابة يكون مسؤولا عن الضرر الذي يتسبب فيه الشيء المسروق باعتباره حارسا له .
و قد تكون الحراسة جماعية بحيث يكون لأكثر من شخص في نفس الوقت سلطات الاستعمال و التسيير و الرقابة، كأن يقوم شخصان يملكان آلة لقطع الخشب، باستثمارها معا فيشتركان في استعمالها و تسييرها و رقابتها، فإنهما يكونان مشتركين في حراسة هذه الآلة، و يكونان بذلك مسؤولين بالتضامن اتجاه الضحية عن الأضرار التي تسببت فيها هاته الآلة .

المطلب الثاني: وقوع الضرر بفعل الشـــيء.

لتحقق مسؤولية حارس الشيء طبقا لنص م 138 ق م ج لا بد أن يكون الضرر راجعا لفعل الشيء، و أن يكون تدخل الشيء تدخلا إيجابيا في إحداث هذا الضرر.

الفرع الأول: التدخل الإيجابي للشيء في إحداث الضرر.

البند الأول: تدخل الشيء في إحداث الضرر.
إن شرط تدخل الشيء في إحداث الضرر أمر بديهي لأن انعدام هذا الشرط يعني انتفاء علاقة السببية بين تدخل الشيء محل الحراسة والضرر اللاحق بالضحية ومن ثم لا تحقق مسؤولية الحارس.
و المقصود بتدخل الشيء في إحداث الضرر عادة هو التدخل المادي أي مساهمة الشيء في إحداث الضرر بغض النظر عما إذا كان هذا التدخل هو المولد أو المنتج للضرر أم لا .
إن تدخل الشيء في إحداث الضرر يتحقق بصورة عادية متى وجد اتصال مادي مباشر بين الشيء محل الحراسة و المتضرر، فهذا الاتصال يفيد قطعا تدخل الشيء في إحداث هذا الضرر كما هو الحال عند اصطدام الشيء بالضحية أو عند ما تصل غازات سامة، أو مياه ملوثة إلى جسم الضحية أوماله، " قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية بتاريخ: 02/12/1992 ملف رقم: 87667 قضت فيه بوجود علاقة السببية ومن ثم تدخل الشيء، بين المياه الملوثة التي كان يلفظها المنجم وموت الماشية التي شربت من هذه المياه
فبإثبات الاتصال المادي بين الشيء، و محل الضرر تكون الضحية قد أثبتت تدخل الشيء في إحداث الضرر.
و تجدر الإشارة أن تدخل الشيء في إحداث الضرر لا يقتصر على الاتصال المادي المباشر بين الشيء و محل الضرر بل يكفي أن يكون الشيء قد ساهم في حصول الضرر من غير احتكاك مباشر، فلو أن سيارة وقفت فجأة فاضطرت سيارة أخرى خلفها إلى الانحراف عن الطريق لتفادي الاصطدام، فاصطدمت بشجرة على الطريق فإن السيارة الأولى تكون قد تدخلت في إحداث الضرر، أو أن تقذف عجلة قطار حصاة تصيب واجهة محل تجاري أو شخص أو سيارة بضرر،ففي هذه الحالة هناك احتكاك مادي غير مباشر الذي تم عن طريق الحصاة ، وكذلك يتحقق تدخل الشيء في حالة وجود اتصال معنوي بين الشيء ومحل الضرر طالما أن هذا الشيء يوفر السبيل الى إحداث الضرر بفعل منه .
كما هو الحال بالنسبة لسيارة تمر بالقرب من الرصيف بسرعة فائقة فتدخل الرعب والفزع في نفس أحد المارة، وتجعله يقوم بحركة مفاجئة فيتضرر على إثرها.
و تجب الدقة في التمييز بين فعل الشيء وفعل الإنسان ذلك أن المسؤولية عن فعل الشيء تحكمها المادة 138 ق ،م، ج إذ تقوم بقوة القانون، والمسؤولية عن فعل الإنسان تقوم على أساس الخطأ الواجب الإثبات طبقا لنص المادة 124 ق،م،ج .
ولا صعوبة في التفرقة إذا كان الشيء متحركا ذاتيا إذ أن هذا التحرك أمرا ايجابي فيعتبر الضرر من فعل الشيء، أما إذا كان الشيء يخضع في تحركه لسيطرة الانسان فان الحادث يعتبر من فعل الشيء ما لم يتعمد الانسان وقوع الحادث فيعتبر من فعله الشخصي .
البند الثاني: الدور الإيجابي للشيء في إحداث الضرر.
إذا كان تدخل الشيء محل الحراسة لا بد منه لقيام مسؤولية الحارس عن فعل الشيء وفقا لأحكام المادة 138 ق م ج، فهذا لا يعني دائما أن الضرر من فعل الشيء، فقد يكون تدخل الشيء فعال ورئيسي في إحداث الضرر، و قد يكون تدخله سلبي عرضي، كما لو اصطدم أحد المشاة أو راكب دراجة بسيارة واقفة في وضع طبيعي محترمة بذلك قانون المرور ، أو من يسقط من النافذة على سيارة واقفة في مكانها فيصاب بضرر، ففي هذه الحالة تنعدم علاقة السببية بين الشيء و المتضرر لأن تدخل
الشيء في إحداث الضرر لم يكن إلا تدخلا سلبيا، وحتى يعتبر الضرر الذي لحق بالضحية من تدخل الشيء لا بد أن يكون تدخل هذا الشيء إيجابيا أي أنه هو السبب الفعال في إحداث الضرر.
أي هو العامل المولد أو المنتج للضرر و لولاه لما وقع الضرر كوقوع الضحية في متجر ما اثر تعثرها ببقايا من غلافات بضائع تناثرت على الأرض.
و ليس هناك صعوبة في إدراك التدخل الإيجابي حيث يكون الشيء متحركا فالتحرك أمر إيجابي، و لكن الصعوبة تكمن عندما يكون الشيء ساكنا كشخص يصطدم بسيارة متوقفة أمام منزله، إذ لا يشترط أن يكون الشيء محدث الضرر متحركا فقد يكون ساكنا و القاعدة أن الشيء الساكن لا يكون تدخله إيجابيا
إلا إذا كان في وضع شاذ أوغير عادي كما في حالة السيارة الواقفة في عرض الطريق نهارا وقد حكمت محكمة النقض الفرنسية بمسؤولية صاحب مقهى كحارس لكرسي مقلوب أمام مقهاه اصطدم به شخص ليلا،فتضرر من ذلك لأن الكرسي كان في وضع غير عادي.
وذلك نظرا لأن الشيء إذا كان في غير وضعه العادي يكون في حالة تسمح عادة بإحداث الضرر فيعتبر سببا له، كترك حفرة في ورشة بدون علامة أو مصباح للتنبيه.
و الأصل هو افتراض التدخل الإيجابي للشيء محل الحراسة في إحداث الضرر و لكنه افتراض غير قاطع بمعنى أن المضرور عليه إثبات تدخل الشيء في إحداث الضرر فيفترض بذلك تدخله الإيجابي، بمعنى أنه بإمكان المسؤول إثبات أن تدخل الشيء كان سلبيا، وما على المضرور إلا إثبات الخطأ في جانب المسؤول طبقا للقواعد العامة م 124 ق م ج للحصول على التعويــــض. وأما إذا لم يستطع المسؤول إثبات الدور السلبي للشيء في إحداث الضرر فلا يبقى أمامه للتخلص من المسؤولية إلا إثبات السبب الأجنبي طبقا للمادة 138 من ق م ج .
_ قرار المجلس الأعلى _ المحكمة العليا حاليا -القسم الثاني- الغرفة المدنية بتاريخ : 14 جوان 1989 تحت رقم : 61192:
تتخلص وقائعه فيما يلي : انه بتاريخ : 03/03/1984 سقط طفل ( خ _ م ) البالغ من العمر 09 سنوات ببئر موجود داخل مزرعة " محند اويدير " الكائنة بالشراقة فتوفي غرقا ، و إثر الدعوى التي رفعها والده باسمه الشخصي وكذا باسم أولاده القصر ضد المزرعة باعتبارها حارسا للبئر و الصندوق الفلاحي ، قضى مجلس قضاء البليدة في قراره المؤرخ في : 01/09/1986 و المؤيد للحكم الابتدائي على المدعى عليهما بدفعهما مبالغ من قبل تعويض الضرر الذي لحقه ويستند المدعيان في الطعن إلى وجه مأخوذ من خرق القانون و تطبيقه السيئ و هذا كون أن المجلس تمسك بأحكام م 138/01ق م ج.
و التي تفترض المسؤولية المدنية على عاتق حارس الشيء و رفض التمسك بالأسباب القانونية للإعفاء من هذه القرينة والتي تنص عليها الفقرة الثانية من نفس المادة المشار إليها آنفا والتي تتمثل فيما يلي :
-1/ دخول الضحية خ م بطريق الغش إلى المزرعة التي يحدها ممر بلدي .
-2/ بقاء الضحية في المزرعة دون حراسة وهو يبلغ سوى ( 9 سنوات ).
-3/ أن المزرعة ليس مكانا عموميا بل أن الوصول إليها أمر ممنوع لكل شخص ما عدا من يحمل إذنا قانونيا.
-4/ يحيط البئر جدار يبلغ 40 سم فيستنتج من هذه المعاينات أن فعل الضحية واضح جدا وأنه لا يمكن إسناد وفاة الهالك إلى المزرعة المذكورة ".
وردا على هذا الوجه رأى قضاة المحكمة العليا أن " المزرعة بصفتها حارسة لذلك البئر أهملت أن تنصب حوله جهازا وقائيا أو لافتة تنبه بالخطر الذي يشكله لا سيما أن ذلك البئر لا يبعد عن طريق عمومي يمر به بالخصوص أطفال صغار للذهاب إلى مدرسة قريبة من المزرعة، وعليه فهي مسؤولة عن الضرر الذي حدث بسبب كان متوقعا وهذا طبقا لأحكام المادة 138 ق.م.ج وبالتالي فان مسؤولية المزرعة باعتبارها حارسة للبئر تحققت لمجرد أن ذوي الحقوق أثبتوا التدخل المادي للبئر ،إذ حصل اتصال مادي بين الضحية والبئر .

الفرع الثاني: الضرر الذي يحدثه الشيء.

إن الضرر شرط أساسي لقيام المسؤولية التقصيرية بما فيها المسؤولية الناشئة عن الأشياء لأنها تهدف أساسا إلى جبر الضرر الذي أصاب الغير إذ لا مسؤولية بدون ضرر.
البند الأول: تعريف الضرر.
عرفه الفقه على أنه " الأذى الذي يصيب الشخص من جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له، سواء تعلق ذلك الحق أو تلك المصلحة بسلامة جسمه أو عاطفته،أو بماله أو حريته أو شرفه أو غير ذلك ."
أو هو " الخسارة المادية أو المعنوية التي تلحق بحق الضحية نتيجة التعدي الذي وقع عليه "
فالخسارة المادية هي التي تلحق المضرور نتيجة المساس بحق من حقوقه أو مصلحته المشروعة فهو ضرر يصيب الشخص في جسمه أو ماله أو إنقاص حقوقه المالية أو بتفويت مصلحة مشروعة له ذات قيمة مالية "، أو على العموم هي الخسارة الاقتصادية المحضة التي تلحق الشخص نتيجة تعد على حق من حقوقه أو مصلحته المشروعة مثال: إتلاف محصولات ،حرق منقول أو عقار ، هدم حائط ، قتل حيوان ،أو التعدي على السلامة الجسدية للإنسان بالضرب أو الجرح ، أو قطع عضو من أعضاء الجسم و ما ينجم عن ذلك من تكاليف العلاج .
أما الخسارة المعنوية فهي التي تصيب الشخص في عاطفته أو شرفه أو سمعته أو معتقداته الدينية أو الأخلاقية مثال :الآلام جراء تشويه الجسم نتيجة الاعتداءات الماسة بسلامة الفرد الجسمانية أو التعدي على الشخص عن طريق السب أو القذف أو المساس بالعواطف كالحزن أو الآلام التي تصيب الشخص نتيجة وفاة قريب له.
البند الثاني: شروط الضرر.
يشترط في الضرر كشرط للمسؤولية التقصيرية أن يكون محققا ومباشر و شخصيا.
فلا يمكن للمضرور أن يطالب بالتعويض إلا إذا كان الضرر الذي يدعيه محققا و الذي يكون قد حصل فعلا، وتجسدت أثاره على الواقع، والضرر المحقق لا يقتصر على ذلك الذي وقع فقط، بل يشمل كذلك الضرر المستقبلي طالما يكون وقوعه مستقبلا أمر محققا وأكيدا،كذلك يجب أن يكون الضرر مباشرا و هو الذي ينجم مباشرة عن الخطأ أو الفعل الضار والمعيار الذي وضعه المشرع الجزائري قصد تحديد الضرر المباشر يتمثل في عدم استطاعة الشخص(الدائن) توقيه ببذل جهد معقول حسب ما نصت عليه
المادة 182 ق م ج إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره.
ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، ويشترط أن يكون هذا نتيجة طبيعته لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخير في الوفاء به، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعة إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول.
كما يجب أن يكون الضرر شخصيا وهو أن يكون الضرر قد لحق الشخص نتيجة المساس بحقوقه أو مصالحه الشخصية .

المبحث الثاني : أساس المسؤولية عن الأشياء .

يقصد بأساس المسؤولية " السبب الذي من أجله يضع القانون عبء تعويض الضرر الحاصل على عاتق شخص معين ".
لقد حظيت فكرة أساس المسؤولية عن الأشياء عناية فائقة من قبل الفقه والقضاء الفرنسيين إذ تعددت الحلول لحسم الخلاف الفقهي حول أساس هاته المسؤولية، ونظرا لأن المادة 1384/01 من ق م الفرنسي التي تضمنت المسؤولية عن الأشياء و التي تعتبر مصدرا للمادة 138 ق م ج، لم تقدم تفصيلا لقواعد هاته المسؤولية و لا سيما الأساس الذي تقوم عليه، نرى أنه من الأحسن قبل تحديد أساس المسؤولية الناشئة عن الأشياء في القانون المدني الجزائري طبقا لنص م 138 ، ننظر باختصار لأساس
هذه المسؤولية بداية في القانون و القضاء والفقه في فرنسا، وتعاقب النظريات و الحلول التي قيلت في هذا الموضوع منذ اكتشاف الفقرة الأولى من المادة 1384 من ق. م .الفرنسي .

المطلب الأول: الاقتراحات الفقهية و القضائية حول أساس المسؤولية عن الأشياء.

لقد تلخصت جهود الفقه و القضاء في اتجاهين:
_ الاتجاه الأول: يقيم المسؤولية على أساس الخطأ و هو ما يسمى بالنظريات الشخصية.
_ الاتجاه الثاني: يقيم هذه المسؤولية على أساس الضرر بإلزام الحارس بالتعويض عن الضرر الذي يحدثه الشيء محل الحراسة وهو ما يسمى بالنظريات الموضوعية.

الفرع الأول:النظريات الشخصية.

تقيم أساس المسؤولية على أساس الخطأ بمعنى أن مسؤولية حارس الشيء ولو أنها تحققت بحدوث الضرر للغير من الشيء محل الحراسة، إلا أنه يجب أن يكون مرجع ذلك خطأ الحارس وهو إفلات زمام الشيء من يد حارسه .
البند الأول: نظرية الخطأ المفتـــرض.
إن واضعي القانون المدني الفرنسي جعلوا أساس المسؤولية عن الأشياء في باديء الأمر على أساس الخطأ الواجب الإثبات، و لكنه بعد انتشار الصناعة و كثرة حوادث السيارات ووسائل النقل و الآلات الميكانيكية وجد المضرور نفسه أمام استحالة حصوله على التعويض نظرا لأنه كان عليه إثبات الخطأ في جانب المسؤول و هو أمر مرهق له.
و محاولة من الفقه و القضاء لتخيف عبء الإثبات على المضرور و تيسير حصوله على التعويض أعطوا تفسيرا آخر للمادة 1384/01 ق م ف يتضمن افتراض الخطأ في جانب الحارس و هذا هو فحوى هذه النظرية.
بمعنى أن الشيء متى أحدث ضرر للغير فان المضرور يستحق تعويضا عما أصابه من ضرر دون أن يلزم بإثبات خطأ الحارس
وخطأ حارس الشيء بعدما كان مفترضا افتراضا يقبل إثبات العكس في مرحلة أولى من تطبيقات القضاء الفرنسي للمادة 1384 ق م ف، أصبح في مرحلة ثانية خطأ الحارس مفترض افتراضا لا يقبل إثبات العكس و أصبح يتطلب لإعفائه أن يقيم الدليل على أن الضرر يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه .
و قد تعرضت هذه النظرية للانتقادات أهمها: أن جعل قرينة خطأ الحارس قرينة قاطعة لا يتوافق مع كون القرائن القانونية القاطعة لا تكون إلا بنص قانوني صريح و لم ينص المشرع على ذلك بشأن خطأ حارس الشيء وأن قرينة الخطأ تبقى بسيطة نظرا لأن الحارس يمكن له نفيه بإثبات السبب الأجنبي .
البند الثاني:نظرية الخطأ في الحراسة.
بعد الانتقادات التي وجهت لنظرية الخطأ المفترض، ظهرت نظرية الخطأ في الحراسة كأساس للمسؤولية عن فعل الأشياء التي قال بها الفقيه "مازو" و فحوى هذه النظرية هو أنه يقع على الحارس
التزام قانوني بحراسة الشيء و الإخلال بهذا الالتزام يعتبر خطأ في الحراسة أي إفلات الشيء من يد حارسه، وهو التزام بتحقيق غاية بمعنى أن الحارس يلتزم بمنع الأشياء من أن توقع ضررا بالغير، فإذا وقع ضرر للغير كان الحارس مخلا بالتزامه القانوني بالحراسة و لا يستطيع الحارس التخلص من مسؤوليته إلا بإثبات السبب الأجنبي.
و قد طبق القضاء الفرنسي نظرية الخطأ في الحراسة في العديد من الحالات, و الخطأ في الحراسة حسب هذه النظرية وهو خطأ ثابت لا خطأ مفترض.
و بما أنه خطأ ثابت فلا يقبل من الحارس أن يثبت أنه لم يخطأ أو أنه قام بواجب الرعاية على الشيء، بل يجب عليه أن يثبت السبب الأجنبي لنفيه المسؤولية،و انتقدت نظريــة الخطأ في الحراسة
كونها تخلط بين الخطأ و الضرر،و لكون أن إفلات زمام الشيء من يد حارسه دليل على وقـوع الضرر و بالتالي فإن المسؤولية تقوم على أساس الضرر لا على أساس الخطأ .
و كذا فإن منع الشيء من إيقاع الضرر لا يمكن تجنبه في بعض الأحيان رغم الاحتياطيات التي تبذل في سبيل ذلك، فكيف يمكن إرجاع الضرر إلى خطأ الحارس في حين أن الحارس أو أي شخص آخر لو وجد في ظروف مماثلة لظروف الحارس ما استطاع تجنب الحادث .

الفرع الثاني: النظريات الموضوعيـــــــة.

يتفق أنصار النظرية الموضوعية على أن الخطأ ليس أساس للمسؤولية عن الأشياء و إنما تقوم على أساس الضرر، و أن كل شيء ترتب عن فعله ضرر يسأل حارسه سواء كان مخطأ، أو غير مخطئ، و عليه أن يعوض المضرور عما أصابه من ضرر وأهم هذه النظريات نظرية تحمل التبعة أو ما يسمى بالمخاطر، و نظرية الضمـــان.
البند الأول:نظرية تحمل التبعـــــة.
تقوم هذه النظرية على أساس الضرر، ولا تقيم وزنا للخطأ و قد انقسم أنصار هذه النظرية إلى فريقيــــــــن:
فأما الفريق الأول: تقوم على أساس "قاعدة الغرم بالغنم " بحيث أن الحارس يسأل عن فعل الشيء في مقابل المنفعة التي يجنيها من هذا الشيء فعلى الشخص الذي يستعمل في نشاطاته أشياء قصد الانتفاع بها أن يتحمل مقابل ذلك عبء الأضرار التي تتسبب فيها هذه الأشياء للغير.
أما الفريق الثاني: فيرجع أساس النظرية إلى الأخطار المستحدثة بمعنى أن الحارس عند استعماله للشيء في نشاط ما فإنه يستحدث أخطارا ومن ثم يتوجب عليه تحمل النتائج المترتبة على هذه الأخطار .
و الحقيقة أن فكرة المخاطر المستحدثة تقتصر على الأشياء الخطيرة التي تتطلب عناية خاصة كأن تكون لها قوة ذاتية تمكنها من الإفلات من سيطرة حارسها عند استعمالها .
و لم تسلم هذه النظرية من الانتقادات و أهمها أنها لا تتفق مع كون المسؤول هو الحارس و ليس المنتفع، وكذلك فإن هذه المسؤولية تترتب عن كل فعل و لو لم يكن صاحبه مخطأ و لا تفسر هذه النظرية حالات إعفاء الحارس من مسؤوليته إذا أثبت السبب الأجنبي في الوقت الذي يستمر فيه الحـارس منتفعا بالشيء .
البند الثاني:نظرية الضمـــــــــان.
تقيم هذه النظرية المسؤولية عن فعل الأشياء على أساس الضمان لا على أساس الخطأ، فيرى أنصار هذه النظرية أن لكل إنسان الحق في أن يحترم الغير سلامة جسمه وسلامة ذمته المالية فإذا انتهك الغير هذا الحق ،فإنه يكون قد أخل بفكرة الضمان و يكون مسؤول عما أحدثه من ضرر و يصرف النظر عما إذا كان مخطأ أم لا .
و لم تسلم هذه النظرية من الانتقادات وذلك لكونها لا تعبر إلا عن صورة من صور تحمل التبعة نظرا لأنها لا تقيم المسؤولية على أية شروط بل يكفي فيها حدوث ضرر من فعل الشيء .

المطلب الثاني: أساس المسؤولية عن الأشياء وفقا نص المادة 138 ق، م،ج .

ليس من السهل معرفة الأساس الذي تبناه المشرع الجزائري للمسؤولية عن الأشياء نظرا لأنه لم يذكر بالنص القانوني، ويجب أن يستشف من خلال استقراء نص المادة 138 ق م كما أن أحكــام
و قرارات القضاء في تطبيقاته عرفت اختلافا حول تأسيس هذه المسؤولية ولكن في الحقيقة فـــإن أساس المسؤولية لا يخرج عن إحدى الحالات التي رأيناها في القانون المدني الفرنسي و بالأخـص فـــإن المشرع الجزائري أخذ بأحد ث ما توصل إليه القضاء الفرنسي بخصوص هذا الموضوع، إلا أن الآراء الفقهية و التطبيقات القضائية في الجزائر لم تخرج عن إحدى الاتجاهين الآتييــــن وهما:
_ إما الخطأ في الحراسة كأساس لهاته المسؤولية، و _إما أن هذه المسؤولية هي مسؤولية بقوة القانون في جانب الحارس.

الفرع الأول: الخطأ في الحراسة كأساس للمسؤولية عن الأشياء.

يرى بعض الفقهاء أن أساس المسؤولية عن حراسة الأشياء هو الخطأ في الحراسة، المفترض في جانب الحارس و هو خطأ لا يقبل إثبات العكس، فلا يجوز لحارس الشيء إثبات أنه لم يخطأ أو أنه بذل العناية المطلوبة لمنع وقوع الضرر، فإذا وقع ضرر للغير بفعل الشيء فيفترض أن الحارس قد فقد السيطرة الفعلية على الشيء و أن زمامه قد أفلت منه و هذا الإفلات هو عين الخطأ، و قد ثبت هذا الإفلات بوقوع ضرر و لا حاجة لإثباته بدليل أخر و لا جدوى من إثبات عكسه .
و لا يستطيع الحارس دفع هاته المسؤولية عن نفسه إلا بإثبات أن وقوع الضرر كان لسبب أجنبي لا يد له فيه و هذا السبب هو القاهرة أو الحالة الطارئة أو فعل الضحية أو فعل الغير، و المضرور لا يكلف بإثبات الخطأ لأنه مفترض في جانب حارس الشيء بل يكفيه إثبات أن الضرر حدث له من جراء فعل الشيء.
كما يرى هذا الجانب من الفقه أن أساس المسؤولية عن الأشياء هو الخطأ المفترض في جانب الحارس لأن هناك التزاما محددا يقع على حارس الشيء و هو منعه من إحداث الضرر .
كما أن القضاء الجزائري ساير الفقه في بعض الحالات بخصوص فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية عن الأشياء وهذا ما ظهر من خلال بعض قرارات المحكمة العليا نذكر منها:
_ قرار المجلس الأعلى ( المحكمة العليا حاليا) المؤرخ في: 07/07/1982 تحت رقم: 25858 جاء في إحدى حيثياته " حيث أن حراسة الشيء هي مناط المسؤولية تكون على عاتق مالك هذا الشيء ، إلا إذا أثبت أن هذا الشيء خرج من حيازته ، و أن تابع المالك لا يعتبر حارسا لأن الحراسة تتنافى مع الرابطة التبعية ، وكذلك فإن الشركة باعتبارها مالكة القطار الذي أحدث الضرر هي المسؤولة الوحيدة إما باعتبارها متبوعة إذا ثبت خطأ تابعه، وإما باعتبارها حارسة مفترضة في جانبها الخطأ "
وعليه فالمجلس الأعلى بنى المسؤولية عن حراسة الشيء على أساس الخطأ المفترض في جانب الحارس .
_ قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ: 31/12/1980 تحت رقم: 159 : جاء في إحدى حيثياته "و حيث أن قضاة المجلس الأعلى أخطأوا الصواب عندها ألغوا الحكم المستأنف على أساس حجية
الحكم الجنحي القاضي ببراءة المطعون ضدهما دون أن يؤسسوا قضاءهم على أن المدعى عليهما حارسان أو تابعان لحارس الأشياء و الحكم عليها بموجب المادة المذكورة )138 من ق م( دون البحث عن فكرة الخطأ .... " .
غير أن هذا الرأي وجهت له انتقادات أهمهــــــا: - أن المادة 138 ق م، لم تشترط لقيام المسؤولية خطأ من جانب الحارس كما لم تتطلب أن يثبت المضرور أي خلل في سلوك الحارس.
-المسؤولية طبقا لنص المادة 138 ق م مقررة حكما بمجرد وقوع الضرر من الشيء و تحقق علاقة السببية بينهما دون النظر إلى سلوك الحارس .
_ إذا افترضنا أن المشرع الجزائري أقام المسؤولية على أساس الخطأ المفترض في جانب الحارس، فإن هذا الافتراض يجب أن يتيح للحارس إمكانية التخلص من المسؤولية بإثبات عدم الخطأ أو أنه بذل جهدا لمنع وقوع الضرر، و هو ما لم يتفق وصراحة نص المادة 138 ق م التي لا تسمح للحارس بأن يدفع المسؤولية عن نفسه إلا بإثبات السبب الأجنبي.

الفرع الثاني: مسؤولية حارس الشيء مسؤولية بقوة القانون.

_ نظرا للإتنقادات التي وجهت لفكرة الخطأ كأساس للمسؤولية عن الأشياء ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن المشرع الجزائري افترض مسؤولية حارس الشيء لمجرد أن يترتب عن فعل الشيء محل الحراسة ضرر للغير فالمضرور لا يلزم بإثبات خطأ الحارس بل يكفيه إثبات أنه لحقه ضرر وأن ذلك الضرر هو من فعل الشيء و أن هذا الشيء هو محل الحراسة من قبل الحارس المسؤول .
فيفترض القانون مسؤولية الحارس لمجرد أن يسبب الشيء ضررا للغير بغض النظر عن سلوك الحارس ،وجعل هذه المسؤولية مقررة حكما إذا ارتبط الشيء بالضرر ارتباط سببيا ، و لا يعفى الحارس من مسؤوليته بإثبات أنه لم يخطأ ،أو أنه قام بواجب العناية في حراسة الشيء لمنع وقوع الضرر بل يكلف بإثبات السبب الأجنبي حسب ما نصت عليه المادة 138 ق م بأن الضرر الذي حدث كان بسبب لا ينسب إليه ،( القوة القاهرة ، أو الحادث المفاجئ ، أو عمل الضحية ، أو عمل الغير ).
وهذا قد ساير القضاء الجزائري من جهته ما ذهب إليه هذا الجانب من الفقه من اعتبار المسؤولية الناشئة عن الأشياء مسؤولية بقوة القانون وهذا ما تبين لنا من خلال بعض قرارات المجلس الأعلى ، (المحكمة العليا حاليا )، ونذكر منها :
_ قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ: 14/06/1989 تحت رقم: 61192 حيث جاء في إحدى حيثياته: " و هذا كون المجلس تمسك بأحكام المادة 138 الفقرة الأولى من ق م، و التي تفترض المسؤولية المدنية على عاتق حارس الشيء....." .
_ قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ: 21/10/1991 تحت رقم: 72346 جاء في إحدى حيثياته: " حيث بالرجوع إلى ملف الدعوى وإلى القرار المنتقد يتضح أن مسؤولية الطاعنة قد أسست على المادة 138 ق م الخاصة بمسؤولية حارس الشيء.
_ حيث أن مثل هذه المسؤولية المفترضة، تبقي قائمة حتى و لو تبين أن حارس الشيء لم يرتكب أي خطأ أو أن سبب الحادث ظل مجهولا ".
بالإضافة إلى العديد من القرارات القضائية الأخرى التي جعلت من مسؤولية حارس الشيء طبقا لنص المادة 138 ق م مسؤولية بقوة القانون.
ومع ذلك فإن الرأي الراجح عند الفقه و القضاء الجزائريين بخصوص المسؤولية عن أشياء طبقا لنص المادة 138 ق م أنها مسؤولية بقوة القانون .
وعليه فإن مسؤولية حارس الشيء عما يحدثه هذا الأخير من ضرر للغير، كمسؤولية بقوة القانون ليست إلا مسؤولية موضوعية في جوهرها تتحقق متى حصل ضرر للغير من فعل الشيء، إذن فالخطأ مفترضا كان، أو ثابتا ليس بشرط لازم لتحقق هذه المسؤولية، فلا يكلف المضرور بإثبات خطأ الحارس، أو إثبات هذا الأخير بأنه لم يرتكب خطأ أو أنه قام بواجب العناية في حراسة الشيء لمنع وقوع الضرر، بل عليه ( الحارس) للتخلص من مسؤوليته أن يثبت السبب الأجنبي حسب المادة 138من ق، م، ج .

المبحث الثالث : كيفية دفع المسؤولية عن الأشياء .

بعدما رأينا أن المسؤولية عن الأشياء لا تتحقق إلا إذا أثبت المضرور أن الشيء محل الحراسة قد أحدث الضرر،و لا يكلف المضرور بإثبات خطأ الحارس لأن مسؤولية حارس الشيء بقوة القانون و لا تدفع عنه إذا أثبت عدم الخطأ في جانبه و ولا تنتفي إذا ظل سبب الحادث مجهولا، وأن إثبات تدخل الشيء في إحداث الضرر لا يكفي لقيام رابطة السببية بل يجب أن يكون تدخل الشيء إيجابيا في إحداث الضرر، وهذا التدخل يفترض أنه ايجابي في كل مرة ينشأ فيها الضرر عن الشيء غير أنه افتراض يقبل إثبات العكس أي بإثبات أن تدخل الشيء لم يكن إلا سلبيا.
وما يترتب عن هذه الاثبات أن حارس الشيء متى استطاع ذلك، نفى رابطة السببية بين الضرر وتدخل الشيء ومن وسائل دفع مسؤولية حارس الشيء والتي يلجأ إليها هي السبب الأجنبي أواثبات التدخل السلبي للشيء في إحداث الضرر.
فنصت المادة 138 في فقرتها الثانية على ما يلي : "و يعفى من هذه المسؤولية الحارس للشيء إذا أثبت أن ذلك الضرر حدث بسبب لم يكن يتوقعه مثل عمل الضحية أو عمل الغير أو الحالة الطارئة أو القوة القاهرة ".
ويقع عبء إثبات السبب الأجنبي أو الدور السلبي لتدخل الشيء على حارس الشيء حتى ينفي عنه المسؤولية.
وسوف تتعرض في هذا المبحث إلى مفهوم السبب الأجنبي وصوره.

المطلب الأول: مفهوم السبب الأجنبـــي.

إن مسؤولية حارس الشيء مسؤولية بقوة القانون، ولهذا فإن حارس الشيء لا يستطيع نفي المسؤولية عن نفسه إلا بإثبات السبب الأجنبي و حسب م 138 ق م ج في فقرتها الثانية لم تعرف لنا السبب الأجنبي وإن كانت قد ذكرت صوره، كما أنها لم تبين شروطه بدقه إلا شرط عدم التوقع مما يستدعي تبيان هذه النقاط القانونية.

الفرع الأول: تعريف السبب الأجنبـــي.

لعل ما يتبادر إلى الأذهان بخصوص السبب الأجنبي أنه عبارة عن سبب طارئ أحدث الضرر لا يرجع إلى الحارس، أو إمكانية نسبة الضرر إلى غير حارس الشيء .
وهو وسيلة يلجأ حارس الشيء إلى إثباتها متى أراد أن يتخلص من المسؤولية الملقاة على عاتقـه.
يعرف الأستاذ سليمان مرقس السبب الأجنبي بأنه " كل فعل أو حادث معين لا ينسب إلى المدعى عليه ويكون قد جعل منع وقوع الفعل الضار مستحيلا " .
ويعرفه إبراهيم الدسوقي بأنه " كل واقعة تتسبب في تدخل الشيء في الحادث وتحقيق الضرر تبعا لذلك ولا يمكن إسنادها إلى الحارس ومساءلته عنها "
وقد عرفه الأستاذ "علي فيلالي " كل حادث ليس من فعل المسؤول المطالب بالتعويض يكون سبب إحداث الضرر وقد يكون حادثا فجائيا أو قوة قاهرة أو خطأ المضرور أو خطأ الغير يتمسك به حارس الشيء غير الحي الذي تحققت مسؤوليته طبقا لنص م 138 ق م ج أن ما نسب إليه من فعل الشيء ،ليس هو السبب أو على الأقل ليس بالسبب الرئيسي في إحداث الضرر ، وذلك قصد إعفائه من المسؤولية الملقاة على عاتقه .

الفرع الثاني: شروط السبب الأجنبي.

يشترط في السبب الأجنبي ثلاثة شروط في كافة صوره كوسيلة لدفع الحارس مسؤوليته عن الضرر الذي أحدثه الشيء محل الحراسة:
01 _ أن يكون غير ممكن الدفع . 02_ أن يكون غير متوقع. 03 _ أن يكون خارجيا .
أولا :عدم إمكانية الدفــــع.
يقصد بهذا الشرط أن الحارس يكون أمام حادث لا يمكن مقاومته أي أنه يستحيل عليه أن يتصرف في الشيء بخلاف ما فعل وفكرة الاستحالة يترك أمر تقديرها للقاضي والاستحالة المقصود هنا هي الاستحالة المطلقة، يحكمها معيار موضوعي ينطلق من وضع الشخص العادي أي الحارس المتوسط الحرص فيما لو كان في مكانه، فإن لم يكن لمثل هذا الشخص أن يتدارك الحادث أو يتقيه لو وجد في نفس ظروف الحادث فإن شرط الاستحالة يكون متوفرا.
ونلاحظ أن هذا الشرط لم يرد النص عليه في م 138 ق م ج الفقرة 02 سهوا بالرغم من أنه شرط أساسي.
ثانيا:عدم إمكانية التوقــــــــع.
هو شرط نص عليه المشرع الجزائري في المادة 138ف 02 ق م ج ويقصد به أن الحادث لا يمكن عادة توقعه فيكون حصوله على غير ما كان منتظرا واستحالة التوقع هي استحالة مطلقة وتقاس بمعيار موضوعي أي معيار الرجل العادي (الحارس العادي ) ، فإن كان لمثل هذا الشخص
أن يتوقع الحادث في نفس الظروف الحاصل فيها فيكون شرط الاستحالة متخلفا أما إذا كان من المستحيل عليه أن يترقبه فإن هذا الشرط يكون محققا .
ولا يكون الحادث ممكن التوقع بمجرد أنه يستبعد وقوعه فيما مضى فقد يقع حادث في الماضي ويبقى مع ذلك أمرا غير متوقع في المستقبل إذا كان من الندرة بحيث لا يقوم سبب خاص لتوقع حدوثه، ويشترط عدم التوقع وقت الحادث .
ثالثا: خارجية سبب الحـــــادث.
يقصد به ألا يكون الضرر قد حصل، نتيجة فعل أو خطأ الحارس ، وأن لا يكون فعله هو الذي أدى إلى وقوع السبب الأجنبي المتسبب في الضرر، كما يشترط في السبب الأجنبي أن يكون خارجا عن الشيء الذي حدث منه الضرر فلا يرجع إلى تكوينه ، أو عيب فيه .

المطلب الثاني: صور السبب الأجنبي.

إن كانت الفقرة الثانية من هذه المادة 138 ق م ج لم تعرف السبب الأجنبي و لم تذكر كل شروطه إلا أنها تعرضت لصوره وهي: القوة القاهرة ، الحالة الطارئة ، عمل الضحية، عمل الغير نتناولها بالتفصيل .

الفرع الأول: القوة القاهرة أو الحالة الطارئة.

لا يفرق كثيرا من الفقهاء بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ (الحالة الطارئة) إذ يرون أنهما مصطلحين مترادفين لمسمى واحد.
ونشير أن الحالة الطارئة مصطلح غير ملائم وغير دقيق والأصح هو مصطلح الحادث المفاجئ حسب ما نصت عليه المادة 127 ق م ج وهو المصطلح الذي كان يجب أن يعتمده المشرع في المادة 138 ق م ج .
فيرى الأستاذ لبيب شنب: أن الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة حادث خارجي لا يمكن توقعه ولا دفعه يؤدي مباشرة إلى حدوث الضرر.
كما يرى الأستاذ سليمان مرقس: أن الحادث المفاجئ والقوة القاهرة تعبيران مختلفان يدلان على معنى واحد يقصد به أمر غير متوقع حصوله وغير ممكن تلافيه يجبر الشخص على الإخلال بالالتزام.
وقد أوردت محكمة النقض الفرنسية تعريفا جاء فيه:" الحادث الطارئ أو القوة القاهرة هي حادث خارجي يحصل فجأة فلا يستطاع توقعه ولا درءه كالزلزال والبراكين والفيضانات.
والملاحظ أن هذه التعاريف وإن اختلفت في استعمالها للألفاظ، إلا أن العامل المشترك الذي يجمعها هو أنها استعملت مصطلح الحادث المفاجئ لفظا مرادفا للقوة القاهرة وهما يشتركان في العناصر التي يجب توافرها في كل منهما وهي عدم إمكان التوقع وعدم إمكان الدفع .
أما الأقلية من الفقهاء الذين يرون وجود فرق بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ وأساس هذه التفرقة هي صفة خارجية الحادث فلا يكون الحادث في نظرهم قوة قاهرة إلا إذا كان أجنبيا خارجا عن نشاط الحارس أو الشيء كزلزال و الحروب أما الحادث المفاجئ فهو ما كان داخليا بالنسبة للحارس أو الشيء كمرض مفاجئ أو انفجار آلة أو نشوب حريق في مصنع أدى إلى وقوع الضرر.
ولكن رد على هذا الرأي بأن من شروط السبب الأجنبي هو خارجية سبب الحادث عن الشيء والحارس وعليه فإن مصطلح الحادث المفاجئ لا يكفي للإعفاء من المسؤولية ولم يقصد بهذا المصطلح إلا مفهوم القوة القاهرة، وما نص عليه في المادة 138 ق م ج إلا تزيد .
والراجح عندنا أن المشرع الجزائري عندما تعرض للسبب الأجنبي كوسيلة للإعفاء من المسؤولية المدنية بصفة عامة لم يكن يهدف وراء اللفظيين لغة وقانونا إلا نتيجة واحدة وهو أن كلاهما سببا معفيا متى توفرت الشروط اللازمة في السبب الأجنبي ألا وهـــي:
خارجية الحادث عن الشيء والحارس وعدم إمكانية التوقع وعدم إمكانية الدفع، وعليه فمتى تدخلت القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ واستطاع الحارس إثباتها بجميع شروط دون أن يكون مخطئا أعفي من مسؤوليته أما إذا ثبت خطأه بجانب ثبوت القوة القاهرة يسأل مسؤولية كاملة طبقا للمادة 138ق م ج.

الفرع الثاني: عمل الضحيــــــة.

لقد اكتفى المشرع الجزائري في م 138 ق م ج بذكر عبارة "عمل الضحية" كسبب أجنبي معفي من المسؤولية وبمفهوم المخالفة لا يشترط أن يكون فعل المضرور خاطئا، غير أن هذا لا يمنع من القول بأن خطأ المضرور غير مستبعد من أحكام م 138 ق م ج لأن فعل المضرور سواء كان خاطئا أم لا، يعفي من المسؤولية ولكن يجب أن نميز بين حالتيــــن:
فإذا كان فعل المضرور غير خاطئ فيجب أن تتوفر فيه شروط السبب الأجنبي من عدم التوقع وعدم إمكانية الدفع وخارجية سبب الحادث عن الشيء والحارس حتى يستطيع بذلك الحارس أن ينفي عن نفسه المسؤولية، أما إذا كان فعل المضرور خاطئ، هذا يكون كافيا ليصبح سببا أجنبيا.
وهذا عكس المشرع المصري الذي اشترط الخطأ في فعل المضرور كسبب أجنبي للإعفاء من المسؤولية عن الأشياء طبقا للمادة 176 القانون المدني المصري.

الفرع الثالث: عمل الغـيـــر.

يعتبر فعل الغير سببا أجنبيا يعفي حارس الشيء من مسؤوليته متى أحدث هذا الشيء ضررا للغير وقد اكتفي المشرع في هذه المرة كذلك بمصطلح عمل الغير دون اشتراط الخطأ في جانبه.
يعرف الأستاذ : لبيب شنب " الغير" بأنه : "كل شخص غير المضرور وغير الحارس وغير الأشخاص الذين يسأل عنهم الحارس قانونا وهم المشمولون بالرقابة من أولاد وصبيان وتلاميذ وتابعين" .
فالغير يقصد به : كل شخص لا يكون الحارس مسؤولا عنه قانونا أو اتفاقا فلا يعتبر من الغير إلا من كان أجنبيا عن الحارس أي الأشخاص الذين يخرجون عن حكم المواد 134 ،135 ، 136 من ق م وبعبارة أخرى فاصطلاح الغير لا يتضمن المشمولين بالرقابة ولا التابعين.
وبعبـارة أخرى لا يعتبـر من الغير كل شخص يكون الحارس مسؤولا عنهـم مدنيا وعليـه فإن مساهمـة الغير ولو بقـي مجهولا، في إحداث الضرر تجعل حارس الشيء غير مسؤول عما يحدثه
الشـيء من ضرر، وذلك متـى توافر في فعل الغير شروط السبب الأجنبي فيكون فعلا غير متوقع ولا يمكن دفعه وكان فعل هذا الغير أجنبيا عن الحارس أو نشاطه. .
ويشترط أن يكـون فعل الغـير هو السبب الوحيـد في إحداث الضرر ويبقـى على حارس الشيء عبء إثبات أن الحادث يعود لسبب أجنبـي وله في سبيل ذلك كافـة وسائل الإثبات ويجـب عليه أن يحدد صورة السبب الأجنبي ( قوة قاهرة،الحالة الطارئة، فعل الغير، فعل المضرور ) عملا بأحكـام المادة 138 في فقرتـها الثانية من ق م ج .
وتجدر الإشارة أخيرا أن إعفاء الحارس من مسؤوليته في هذه الحالة لا تتحقق فقط بإثبات السبب الأجنبي وإنما يمكن إعفاء حارس الشيء من مسؤوليته عن الضرر بإدحاض قرينة الدور الايجابي للشيء في إحداث الضرر أي بإثبات أن الشيء محل الحراسة لم يكن دوره إلا سلبيا في إحداث الضرر فيهدم بذلك علاقة السببية بين فعل الشيء ومحل الضرر،و له أيضا أن يثبت أن الشيء محل الحراسة مسبب الضرر قد انتقلت حراسته إلى الغير ليصبح هذا الأخير مسؤولا باعتباره حارسا للشيء ،عن الضرر الذي أحدثه.

الفصل الثاني : الصور الخاصة للمسؤولية عن الأشياء .

إذا كان المشرع الجزائري قد أطلق نص المادة 138 ق م ج ليشمل كل شيء تحت الحراسة فلا ينبغي أن يفهم من هذا الإطلاق أن مفهوم الشيء يعم جميع الأشياء بل هناك حالات استثنائية وردت بشأنها أحكام خاصة ومن ثمة لا تخضع هذه الحالات للقواعد العامة التي قدمناها في مسؤولية حارس الأشياء طبقا لنص م 138 ق م ج وإنما تسري عليها أحكام خاصة وهذه الحالات الواردة في التقنين المدني الجزائري، هي المسؤولية عن الحيوان طبقا للمادة 139 ، والمسؤولية حائز العقار أو المنقول عن الحريق طبقا للمادة 140 /01 ، ومسؤولية المالك عن تهدم البناء طبقا للمادة 140/02 ، و مسؤولية المنتج عن الأضرار التي تسببها منتجاته المعيبة للغير طبقا للمادة 140 مكرر.

المبحث الأول: المسؤولية عن فعل الحيوان.

لقد أفرد المشرع الجزائري للأضرار التي يسببها الحيوان كشيء حي حكما خاصا و هو نص المادة 139 ق م ج التي تنص على أنه: " حارس الحيوان و لو لم يكن مالكا له مسؤول عما يحدثه الحيوان من ضرر ، و لو ظل الحيوان أو تسرب ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب لا ينسب إليه " .

المطلب الأول: شرطا المسؤولية عن فعل الحيوان.

إن هذه المسؤولية تفترض أن شخصا يتولى حراسة حيوان من أي نوع وهذا الحيوان يحدث ضرر للغير، فيكون الحارس بذلك و لو لم يكن مالكا له، مسؤولا عن تعويض الضرر.
ويتضح من نص المادة 139 ق، م،ج بأنه لا بد من توفر شرطين للتحقق المسؤولية عن فعل الحيوان.

الفرع الأول: تولي شخص حراسة حيوان.

لتحقق المسؤولية لا بد أن يتولى شخص حراسة حيوان.
البند الأول: المقصود بالحيوان:
يقصد بالحيوان في نص المادة 139 ق، م، ج كل كائن حي عدا الإنسان و النبات و قد يكون الحيوان بذلك من الدواجن أو من الطيور أو من الدواب أو من الزواحف أو من الأسماك و سواءا كان هذا الحيوان مستأنسا كالقط، أو متوحشا كالأسد، أو كبيرا كالفيل، أو صغيرا كالنحل، وقد يكون خطيرا كالأفعى، أو غير خطير كالخروف، و يدخل في هذا الإطار الحيوان الذي يعتبر عقارا بالتخصيص كالمواشي الملحقة بأراضي زراعية و لا يمنع ذلك أن يكون حارسها مسؤولا عنها و لا عبرة أنها تعد عقارا بالتخصيص.
و يشترط أن يكون الحيوان حيا، و مملوكا لأحد من الناس وحراسته ممكنة، فجثة الحيوان الميت تعتبر شيء غير حي، لا حيوانا، وتخضع بذلك لنص المادة 138 ق، م، ج.
و الحيوان الذي لا مالك له لا يسأل شخص عما يحدثه من ضرر مثلا " الطيور الحرة التي لا مالك لها، أو الجراد الذي أصاب زرعا فأتلفه لا يسأل عن فعله إلا شخص ثبت أنه أثار الجراد بخطئه و لكن يسأل طبقا للمادة 124 ق، م، ج المتعلقة بالمسؤولية عن الفعل الشخصي .
البند الثاني: حراسة الحيوان.
لتحقق المسؤولية طبقا للمادة139 ق م ج لا بد أن يكون الحيوان تحت حراسة شخص ما .
أولا: معنى الحراسة.
تنص المادة 139 ق م ج على أنه " حارس الحيوان و لو لم يكن مالكا له مسؤولا عما يحدثه الحيوان من ضرر و لو ظل الحيوان أو تسرب " .
حارس الحيوان هو من يملك بيده زمامه، أي يملك السيطرة الفعلية عليه في التوجيه و الرقابة و يكون هو المتصرف في أمره سواءا كانت هذه السيطرة الفعلية تستند إلى حق أو بدون حق.
ومالك الحيوان هو في الأصل صاحب السيطرة الفعلية عليه فله سلطة التوجيه و الرقابة و هو المتصرف في أمره و من ثمة فهو حارس الحيوان أصلا، إذ هناك قرينة على أن مالك الحيوان هو الحارس فإذا رجع المضرور على المالك فلا يكلف بإثبات أنه الحارس، بل المالك هو من يقع عليه عبء الإثبات أنه لم يكن الشيء تحت حراسته وقت حدوث الضرر، كما هو الحال لمستأجر حصان يركبه على أن يتولى قيادته فيكون مسؤولا عما يحدثه من ضرركحارس ولا يسأل عنه المالك.
و لا يعتبر راعي الحيوان أو الخادم الذي يقوم بالعناية بالحيوان لحساب مخدومه حارسا، وكذلك لا
يعتبر من يدرب الحصان لحساب صاحبه حارسا، و لكن يعتبر حارسا للحصان الخيال الذي يمتطيه ليتسابق به لأنه هو من يتولى السيطرة الفعلية و التوجيه على الحصان أثناء السباق.
وهكذا حسب نص المادة 139ق م ج إذا خرج الحيوان من السيطرة الفعلية للمالك بأن ظل أو تسرب كان خطأ في الحراسة و يكون المالك حارسا مسؤولا عما يحدثه الحيوان من ضرر للغير أما إذا عثر عليه شخص ومارس حراسته عليه فإنه يكون هو المسؤول عما يحدثه من ضرر.
أما التابع فلا يعتبر حارسا للحيوان المملوك لمتبوعه بل الحارس هو المتبوع، إلا إذا استولى التابع على الحيوان دون علم المتبوع أو دون إذنه و استخدمه لتأدية حاجاته الشخصية فإنه يصبح هو حارسه الفعلي و المسؤول عنه.
و عليه فإن المقصود بالحراسة هنا هو ما يراد بها في المسؤولية عن فعل الشيء، طبقا للمادة 138 ق م ج أي السيطرة الفعلية على الحيوان ورقابته أو توجيهه ويستوي بذلك أن تكون هذه السيطرة قانونية أو غير قانونية.
ثانيا: إنتقال الحراسة.
ليس بالضرورة أن يكون حارس الحيوان هو مالكه، فقد تتنقل السيطرة الفعلية على الحيوان إلى شخص آخر إما بإرادة المالك أو بغير إرادته.
فقد تتنقل السيطرة الفعلية على الحيوان إلى الغير بإرادة المالك كأن يبيعه أو يؤجره أو يعيره فيصبح المشتري أو المستأجر أو المستعير حارسا للحيوان بحكم انتفاعه به إذ هو في سبيل الانتفاع به يصبح له سلطة توجيهه و رقابته و التصرف في أمره.
أما إذا نقل الحيوان لدى شخص للمحافظة عليه أو لعلاجه كصاحب الإسطبل أو الطبيب البيطري فالأصل أن السيطرة الفعلية تنتقل إلى هذا الشخص ويكون بذلك حارسا على الحيوان و لكن قد يستبقي المالك في هذه الحالة السيطرة الفعلية على الحيوان أثناء الوديعة أو وقت العلاج فيبقى هو الحارس.
وتجدر الإشارة أنه لا يوجد عقد محدد بالذات من شأنه أن ينقل الحراسة ومن ثمة يمكن اعتماده كمعيار، بل يجب في كل مرة الرجوع إلى مضمون التصرف القانوني ما إذا تم من خلاله نقل السيطرة الفعلية على الحيوان إلى الغير أم لا إذ أن المعيار المعتمد عليه هو انتقال السيطرة الفعلية على الحيوان إلى الغير من عدمه .
و قد تنتقل السيطرة الفعلية على الحيوان إلى الغير بغير إرادة المالك أو دون علمه كما لو سرق الحيوان فيعتبر السارق هنا حارسا للحيوان لأنه يملك بذلك السيطرة الفعلية عليه.
و الأصل أنه إذا كان الغير تابعا لمالك الحيوان كالسائق،أوالسائس، أو الراعي فالأصل هنا أن وجود الحيوان بيد هؤلاء لا ينقل إليهم السيطرة الفعلية عليه بل تبقى للمالك.
أما التابع الذي يستعمل حيوان المتبوع لمنفعته الشخصية فإنه يصبح بذلك حارسا للحيوان ويكون حينها مسؤولا عما يحدثه من ضرر للغير طبقا للمادة 139 ق م ج وكذلك هو الحال عندما ينقل المتبوع الحراسة إلى التابع، كما لو سمح له بالسفر بالحيوان إلى جهة بعيدة فيعتبر التابع حارسا للحيوان في هذه الحالة.
وعند ضياع الحيوان، يبقى الحارس الأصلي مسؤولا،( معناه المالك )عن الضرر الذي يحدثه الحيوان إلا إذا أثبت أن الحراسة انتقلت على غيره.

الفرع الثاني: أن يحدث فعل الحيوان ضررا للغير.

لتحقق مسؤولية حارس الحيوان لا بد أن يكون الضرر من فعل الحيوان وهو ما يبرز علاقة السببية بين فعل الحيوان و الضرر اللاحق بالمضرور.
البند الأول: فعل الحيوان.
يجب أن يكون الحيوان هو الذي أحدث الضرر و أن يكون تدخل الحيوان في إحداث الضرر تدخلا إيجابيا كأن يعض كلب شخص ما، أما إذا كان تدخلا سلبيا كشخص اصطدم بحيوان ساكن في مكانه فتضرر، فالضرر هنا لا يكون من فعل الحيوان لأن دور هذا الأخير لم يكن إلا دورا سلبيا، و لا يشترط أن يكون لتدخل الحيوان اتصال مادي بالمضرور بل يكفي أن يكون هو السبب في إحداث الضرر فلو أفلت حيوان من حارسه و انطلق في الطريق ، فأصيب أحد المارة بالذعر وسقط فتضرر دون أن يلمسه الحيوان فهذا الضرر يعتبر من فعل الحيوان أما إذا كان الحيوان في قفصه أو كان مربوطا داخل منـزل
مالكه و رآه شخص فخاف و سقط و أصيب بجروح ففي هذه الحالة لا يعتبر الضرر من فعل الحيوان لأن تدخله كان سلبيا في وقوع الضرر.
و نتطرق إلى تبيان بعض الحالات التي يشترك فيها الحيوان مع عامل أخر في إحداث الضرر. _الحالة الأولى: أن يشترك أكثر من حيوان في إحداث الضرر، فإذا كانت جميعها في حراسة شخص واحد فلا إشكال فيكون هو المسؤول و لكن إذا كان لكل من هذه الحيوانات حارسها الخاص بها فهنا يرجع المضرورعلى الحارسين بالتضامن إلا إذا دفع أحدهم المسؤولية عن نفسه بإثبات السبب الأجنبي أو الدور السلبي للحيوان في إحداث الضرر.
_ الحالة الثالثة : عندما يمتطي شخص حصانا و يصيب هذا الأخير،الغير بضرر.
في هذه الحالة للمضرور الخيار إما الرجوع على حارس الحيوان على أساس المسؤولية عن حراسة الحيوان وهو الأصلح لأن الخطأ مفترض في جانب الحارس ،و إما الرجوع على أساس الفعل الشخصي فعليه بذلك إثبات الخطأ في جانب الإنسان .
_ الحالة الثانية : أن يكـون كما الضرر نتيجة عربة وهي من الأشياء غير الحية، يجرها حيوان وهو من الأشياء الحية، فهل الإصابة من فعل الحيوان أو من فعل العربة.؟هنا نبحث عن العامل ( العربة أو الحيوان ) الذي كان له دور أكثر في وقوع الضرر ،و تظهر أهمية التمييز في هذه الحالة عندما يكون لكل من الحيوان و العربة حارسه الخاص به،أما إذا كان كلاهما تحت حراسة شخص واحد فلا أهمية من التمييز ففي كلتا الحالتين يكون المسؤول هو الحارس سواء كان الضرر نتيجة فعل الحيوان أو فعل العربة .
البند الثاني : الضرر الذي يحدثه الحيوان .
أي ضرر يحدثه الحيوان يكون حارسه هو المسؤول و يشترط أن يكون هذا الضرر قد لحق بالغير وهو غير الحارس و الضرر هو كل خسارة مادية أو معنوية تلحق بالضحية نتيجة الفعل الذي وقع عليه ضررا ماديا كان كالمساس بسلامة جسمه بتخريب أمواله أو إتلاف محصوله،أو ضررا جسمانيا كالجروح ، أو ضرر معنويا كالآلام الناجمة عن المساس بجمال الإنسان، ومعاناة ذويه .
فيكون حارس الحيوان مسؤولا إذا دهس الحيوان شخصا ما فجرحه مثلا أو أتلف مالا مملوكا للغير حتى و لو كان هذا المال حيوان مثله ،أو عض كلب شخصا ما فأحدث له ضرر أوانتقل مرض معدي من حيوان مريض إلى حيوانات أخرى فكل هذه تعتبر ضررا و يكون حارس الحيوان مسؤولا عنها وغالبا ما يقع الضرر الذي يحدثه الحيوان على الغير فيكون من حق المضرور في هذه الحالة أن يرجع على حارس الحيوان بالتعويض على أساس المسؤولية عن فعل الحيوان طبقا م139 ق م ج.
و الغير هنا كما أوضحنا هو كل شخص ما عدا الحارس و يدخل في مفهوم الغير تابع المالك إذا لم تنتقل إليه حراسة الحيوان كالسائس أو الراعي أو السائق ن فإذا لحق به ضرر رجع على المالك باعتباره أصلا حارسا له أي صاحب السيطرة الفعلية على الحيوان، كما يعتبر المالك من الغير إذا انتقلت حراسة الحيوان إلى غيره، أي أن المعيار هو السيطرة الفعلية على الحيوان، فمن لم تكن له هذه السيطرة أصبح من الغير.
أما إذا تسبب فعل الحيوان بضرر للحارس نفسه فلا يستطيع أن يرجع على المالك إلا إذا أثبت خطأ في جانبه طبقا للقواعد العامة في المسؤولية عن الفعل الشخصي وفقا للمادة 124 ق، م، ج.
فإذا سلم صاحب الحيوان هذا الأخير للمستخدم لينتفع به انتفاعا شخصيا انتقلت الحراسة إلى المستخدم ، ولا يكون صاحب الحيوان مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه الحيوان للمستخدم طبقا للمادة 139ق، م ج .
وإذا أوقع الحيوان ضررا بذاته ، بأن اختنق بحبل مثلا وكان الحارس هو المالك هلك الحيوان على مالكه أما إذا كان الحارس غير المالك فلا يستطيع المالك في هذه الحالة أن يحتج على الحارس بالخطأ المفترض لأن افتراض الخطأ لا يقوم إلا لضرر أصاب الغير ،لا الحيوان ذاته و لكن يجوز للمالك أن يثبت الخطأ في جانب الحارس فيرجع عليه بالتعويض للخطأ الذي أثبته طبقا للمادة 124 ق، م، ج ، لا على أساس الخطأ المفترض طبقا للمادة 139 ق، م، ج .

المطلب الثاني: أساس مسؤولية حارس الحيوان وكيفية دفعها .

الفرع الأول : أساس مسؤولية حارس الحيوان.

مسؤولية حارس الحيوان أساسها الخطأ في الحراسة و هو خطأ مفترض في جانب حارس الحيوان
البند الأول : الخطأ في الحراسة كأساس لمسؤولية حارس الحيوان .
تقوم مسؤولية حارس الحيوان على أساس الخطأ في الحراسة وهو إفلات الحيوان من سيطرة الحارس فالخطأ إذن هو أساس مسؤولية الحارس و لا يمكن القول أن أساسها هو تحمل التبعة وإلا لكان المسؤول هو المنتفع بالحيوان لا الحارس،و يكلف المضرور بإثبات الشروط التي تتحقق بها مسؤولية حـــارس
الحيوان ، فيجب عليه أن يثبت أولا أن المدعى عليه هو حارس الحيوان وهناك قرينة أن المالك هو الحارس إلا أن يثبت أن حراسة الحيوان قد خرجت من يده و يجب أن يثبت أن الضرر قد وقع بفعل الحيوان أي أن الحيوان تدخل تدخلا إيجابيا في إحداث الضرر، و أن الضرر حدث بفعل الحيوان لا بفعل الإنسان و لا بفعل الشيء آخر
البند الثاني:الخطأ في الحراسة مفترض في جانب الحارس افتراضا لا يقبل إثبات العكس.
تنص المادة 139 ق م ج على أنه " حارس الحيوان و لو لم يكن مالكا له مسؤول عما يحدثه الحيوان من ضرر و لو ظل الحيوان أو تسرب ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب لا ينسب إليه " .
الخطأ في الحراسة الذي تقوم عليه مسؤولية حارس الحيوان طبقا للمادة 139 ق م ج هو خطأ مفترض في جانب الحارس لا يكلف المضرور بإثباته بل يكفيه إثبات شرطا المسؤولية السالف ذكرهما ، و لا يجوز حينها للحارس أن ينفي الخطأ عن نفسه بأن يثبت أنه لم يرتكب خطأ أو أنه قام بواجب العناية حتى لا يحدث الحيوان الضرر ، ذلك أن الضرر لم يحدث إلا لأن زمام الحيوان قد أفلت من يده و هذا الإفلات هو الخطأ وقد ثبت هذا الإفلات بدليل وقوع الضرر فلا حاجة لإثباته بدليل أخر و لا جدوى من نفيه بإثبات العكس وهذا هو المقصود من أن الخطأ في جانب حارس الحيوان هو خطأ مفترض افتراضا لا يقبل إثبات العكس .
كما لا يستطيع الحارس أن ينفي المسؤولية عن نفسه إذ هو أثبت أن الحيوان ظل أو تسرب لأنه إذا تمسك بذلك فإنه لا ينفي عن نفسه الخطأ بل يؤكده، فالخطأ في القانون الجزائري يقوم في كل حالة يخرج فيها الحيوان عن سيطرة حارسه و يسبب ضررا للغير.

الفرع الثاني:كيفية دفع مسؤولية حارس الحيوان.

لقد سبق و أن قلنا بأن مسؤولية حارس الحيوان طبقا للمادة 139 ق م ج تقوم على أساس الخطأ المفترض الذي لا يقبل إثبات العكس.
حيث نصت المادة 139 ق م ج " ...ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب لا ينسب إليه".
و عليه فنحن بصدد قرينة قاطعة تقضي بأن السبب الأجنبي هو وحده الذي يعفي الحارس من المسؤولية.
و لا يقبل إذن من الحارس نفي الخطأ عن نفسه أو إثبات أنه لم يخطأ أو أنه قام بواجب الرعاية للحيوان حتى لا يحدث ضررا للغير، بل يجب أن يثبت السبب الأجنبي في صورة من صوره وهي القوة القاهرة، أو الحادث المفاجئ، أو خطأ الغير، أو خطأ المضرور .
البند الأول: المقصود بالسبب الأجنبي.
هو" كل فعل أو حادث معين لا ينسب إلى المدعى عليه ( الحارس ) ويكون قد جعل من منع وقوع الفعل الضار مستحيلا "،و يشترط في السبب الأجنبي ثلاثة شروط، وهي:
أولا: خارجية سبب الحادث.
معناه أن الضرر اللاحق بالمضرور كان نتيجة سبب أجنبي عن الحادث أي خارجا عن الحيوان أو حارسه أي يشترط أن لا يكون هذا الضرر نتيجة فعل أو خطأ من الحارس و لا قد أسهم فيه، كما يشترط أن يكون خارجا عن الحيوان الذي حدث منه الضرر و لا يعني هذا الاشتراط في الضرورة إخراج الحيوان عن دائرة الحادث إنما لا يجعل منه السبب المنتج للضرر.
ثانيا: عدم إمكانية توقع الحادث .
و يكون كذلك إذا لم يكن في إمكان الحارس أن يتوقع الحادث وهذا معناه أن سبب الحادث باغت الحارس و لم يترك له فرصة معقولة ليتخذ أثناءها التدابير اللازمة لدفع أو تفادي الحادث .
و معيار عدم التوقع هو معيار موضوعي يقاس بوضع الحارس المتوسط أو العادي في مكان الحارس الفعلي والنظر فيما إذا كان بإمكانه أن يتوقع ذلك الحادث أم لا .
ثانيا : عدم إمكانية دفع الحادث.
و يكون كذلك إذا أثبت الحارس أنه لم يكن بإمكانه أن يتصرف على غير الصورة التي تصرف بها فاستحال عليه معها أن يمنع إفلات الشيء من سلطته أو رقابته أو أن يبعده عن دائرة الضرر بعد الذي فاجأه من عارض لم يقدر على مقاومته أو دفع نتائجه.
و معيار عدم إمكانية الدفع هو الآخر معيار موضوعي يقاس بوضع الحارس المتوسط العادي .
ومتى أثبت الحارس شروط السبب الأجنبي فإنه يتخلص من المسؤولية لأنه يهدم بذلك رابطة السببية بين الضرر و تدخل الشيء في حصوله.
البند الثاني: صور السبب الأجنبي.
لقد نص المشرع الجزائري في المادة 139 من ق ، م ، ج على السبب الأجنبي دون ذكر صوره ،
وبالرجوع إلى نص المادة 127 ق م ج فإن صور السبب الأجنبي تتمثل في القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ ،أو خطأ المضرور ، أوخطأ الغير .
أولا: القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ .
لقد سبق الإشارة أن الفقه أجمع بأن " عبارتي القوة القاهرة و الحالة الطارئة اسمان لمسمى واحد
" القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ حادث خارجي لا يمكن توقعه و لا دفعه يؤدي مباشرة إلى حدوث الضرر .
أو هو الحادث الذي ليس بلا مكان عادة توقعه أو ترقبه و لا بالمستطاع دفعه تفاديه الذي يحصل من غير أن يكون الحارس يد فيه للحيوان دخل فيه كالزلزال و البركان .....الخ.
و يشترط في القوة القاهرة شروط السبب الأجنبي و هي :خارجية الحادث ، و عدم إمكانية الدفع ، وعدم إمكانية التوقع .
ثانيا:خطأ المضرور .
يقصد به فعل المضرور الخاطئ و الذي أدى إلى وقوع الضرر بفعل الحيوان.
و يشترط في خطأ المضرور كذلك شروط السبب الأجنبي وهي خارجية الحادث وعدم إمكانية التوقع و عدم إمكانية الدفع.
ثالثا: خطأ الغير .
يقصد بالغير: هم من لا يعتبر الحارس مسؤول عنهم و بعبارة أدق يشترط في الغير أن لا يكون من الأشخاص الذين نصت عليهم المواد: 134، 135، 136، ق م ج، فالمشمولون بالرقابة و الأولاد و التابعون لا يعتبرون من الغير الذين يستند الحارس إلى فعلهم للإعفاء من مسؤوليتهم عما يسببه الحيوان من ضرر.
و في نهاية هذا المبحث لاحظنا أن المسؤولية عن فعل الحيوان طبقا للمادة 139 ق م ج تتشابه كثيرا في أحكامها مع المسؤولية عن الأشياء طبقا لنص المادة 138 ق م ج ، سواءا من حيث المسؤول عن الضرر وهو الحارس بمفهوم الحراسة الفعلية المعنوية كما سبقت الإشارة،ومن حيث أساس كلتا المسؤوليتين وهو الخطأ المفترض افتراضا لا يقبل إثبات العكس وكذا في طرق دفع المسؤولية عن الحارس وهي السبب الأجنبي في كلتا الحالتين .
ورغم ذلك فإننا نعتبر المسؤولية عن فعل الحيوان، صورة خاصة للمسؤولية عن الأشياء التي وردت بنص المادة 138 ق م ج وذلك نظرا لأن المشرع الجزائري أفرد للمسؤولية عن حراسة الحيوان حكما خاصا وهو نص المادة 139 ق م ج وهو بذلك فقد أخرجها من عموم حكم المادة 138 ق م ج التي جاءت عبارة "الأشياء" فيها عامة فلم تفرق بين الأشياء الحية و الأشياء الغير الحية و بمفهوم المخالفة فإن إقرار المادة 139 ق م ج للمسؤولية عن الحيوانات و هي الأشياء الحية فإن المادة 138 ق م ج تخص المسؤولية عن الأشياء غير الحية و هي تشمل كل الأشياء ما عدا ما استثني بحكم أو نص خاص .

المبحث الثاني : مسؤولية حائز العقار أو المنقول عن الحريق الذي ينشب فيهما.

لقد أفرد المشرع الجزائري للمسؤولية عن الأضرار الناتجة عن الحريق الذي ينشب في عقارات أو منقولات رغم أن هذه الأخيرة أشياء، حكما خاصا وهو نص المادة 140 الفقرة الأولى من ق م ج واستثناها بذلك من حكم نص المادة 138 ق.م.ج و يظهر ذلك أساسا من خلال المسؤول عن الأضرار وأساس هاته المسؤولية وكيفية دفعها.

المطلب الأول : شروط مسؤولية حائز العقار أو المنقول عن الحريق .

تنص المادة 140 في فقرتها الأولى مايلي :" من كان حائزا بأي وجه كان لعقار أو جزء من عقار أو منقولات ، حدث فيها حريق لا يكون مسؤولا نحو الغير عن الأضرار التي يسببها هذا الحريق إلا إذا ثبت أن الحريق ينسب إلى خطئه أو خطأ من هو مسؤول عنهم ".
يتضح أن هناك شرطين لتحقق المسؤولية عن الحريق .

الفرع الأول: حيازة عقار أو جزء من عقار أو منقول.

يشترط لتحقق المسؤولية عن الحريق أن يكون العقار أو جزء منه أو المنقول في حيازة شخص ما.
البند الأول: الحائـــــــز.
يقصد بالحائز من كان الشيء في حيازته وله السلطة الفعلية عليه أي له سلطة الاستعمال والرقابة والتسيير بأي وجه كان، سواءا كان مالكا أو غير مالك فالأساس هنا هو الحيازة بأي صفة وهو بهذا المعنى كالحارس بل هو الحارس نفسه سواءا كان سلطته شرعية أو غير شرعية.
والمالك في الأصل هو الحائز، فإذا كان يدعي خلاف ذلك فعليه أن يثبت أن الحيازة انتقلت إلى غيره وقت وقوع الضرر الناشئ عن الحريق ،فسارق الشيء الذي يشب فيه الحريق مسؤول عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء إذا ثبت الخطأ في جانبه ،ذلك أن الحراسة انتقلت إليه ولو لم تكن مشروعة نظر لسرقته الشيء . " قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية القسم الثاني بتاريخ: 16/12/1991 تحت رقم: 77504 تبين من هذا القرار أن الضحية أقامت دعوى تعويض على مستغل المحل الذي اندلع فيه الحريق و على المالك كونه اكتتب تأمينا ضد الحريق فقضت المحكمة الابتدائية وكذا المجلس بإخراج المالك من النزاع لأن المسؤول عن الحريق هو الحائز و ليس المالك و لقد أبدت المحكمة العليا هذا الحل في ضوء وقائع هذا القرار يظهر أن مستغل المحل الذي يمارس به نشاط النجارة له صفة الحارس و ليس مجرد حارس مادي للمحل " .
البند الثاني: الشيء الذي حدث فيه الحريق.
حسب نص المادة 140 الفقرة الأولى من ق م ج بأن الشيء هو العقار أو الجزء من العقار أو منقول.
وحسب المادة 683 ق م ج التي تنص على أنه " كل شيء مستقر بحيزه وثابت فيه و لا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار، و كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول".
وعليه فإن المشرع الجزائري لم يفرق بين العقارات والمنقولات و سواءا كان العقار كاملا أو جزء منه خطرا أو ليس خطرا ، كما لا يفرق بين الأشياء التي تتيح فرصا أكبر لاندلاع الحريق وبين الأشياء التي لا تتيح هذه الفــرص .

الفرع الثاني: أن يكون الحريق هو سبب وقوع الضـــرر.

لتحقق المسؤولية عن الحريق طبقا لنص المادة 140 الفقرة الأولى من ق م ج لا بد أن يكون سبب الضرر هو اشتعال النار في مال المسؤول ثم تسرب هذا الحريق إلى الغير ليحدث بها ضررا.
البند الأول : حريق مال المسؤول .
بقصد بالحريق هو اشتعال النار في عقار الحائز أو في جزء منه أو في منقولاته و يستوي أن يكون سبب الحريق محدد أو غير محدد فإذا لم يحترق مال المسؤول فلا مجال لتطبيق نص المادة 140 /01 ق م ج و كذلك إذا لم يترتب عن الحريق تحطيم مال المسؤول كليا أو جزئيا كأن يتضرر الغير من شرارات النار التي تسربت من قطار أو محرك و ذلك لإنعدام الحريق بالقطار أو المحرك، كما لا يعتبر حريقا انفجار أو ألتماس كهربائي أدى إلى نشوب الحريق في مال الغير.
ويجب أن يكون للحريق أهمية من حيث حجمه فلا يعتبر حريقا النار التي تشتعل في ورقة كراس ،أو عود كبريت.
البند الثاني:تسرب الحريق إلى ممتلكات الغير.
تهدف المادة140/01 ق م ج إلى تعويض الأضرار التي سببها الحريق الذي اندلع في منقولات أو عقار المسؤول، لممتلكات الغير و هذا الشرط يقتضي تسرب الحريق من مال المسؤول إلى ممتلكات الغير فيلحق بها أضرار.
قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية القسم الثاني بتاريخ : 16/12/1991 ملف رقم: 77504تبين من وقائع هذا القرار أن المطعون ضده أقام دعوى ضد الطاعن أمام محكمة باب الوادي وذلك "بهدف الحكم بمنحه تعويض عن الخسائر اللاحقة بمحله المخصص لإنتاج الأحذية الكائن بـ 13 نهج رباعي موسى بحي باب الوادي الجزائر بسبب الحريق الذي شب في ورشة النجارة التابعة للطاعن و الذي امتد إلى محله المذكور"، ويجب أن يكون الحريق الذي شب في مال المسؤول هو السبب الأول و المباشر في الأضرار التي أصابت الغير أما إذا كان الحريق هو السبب الثاني كأن يكون الحريق ناتج عن انفجار، أو التماس كهربائي فيستبعد تطبيق الفقرة الأولى من المادة 140 ق م ج .

الفرع الثالث : ثبوت الخطأ في جانب الحائز أو في جانب من هو مسؤول عنهم.

تشترط المادة 140/01 ق م ج لتحقق مسؤولية الحائز عن الأضرار التي تصيب الغير نتيجة حريق عقار أو جزء منه أو منقولات، أن يثبت الخطأ في جانب الحائز أومن يكون الحائز مسؤول عنهم و يجب على الضحية حينئذ إضافة إلى إثبات الضرر الذي أصابها وعلاقة السببية، بإثبات أن الحريق ينسب إلى خطأ الحائز، أو إلى خطأ من هو مسؤول عنهم و المراد بالأشخاص الذين يكون الحائز مسؤول عنهم،على وجه الخصوص الأشخاص الخاضعين للرقابة طبقا للمادتين 134 ،135 ق م ج و التابع طبقا للمادة 136 ق م ج.
أما إذا بقي سبب الحريق مجهول فلا يعتبر الحائز مسؤولا عما يحدثه من ضرر لممتلكات الغير إلا إذا شارك إهماله أو عدم تبصره في اشتعال النار وثبت ذلك في جانبه .

المطلب الثاني : أساس مسؤولية حائز العقار أو المنقول عن الحريق وكيفية دفعها.

نتناول في هذا المطلب أساس المسؤولية الناشئة عن الحريق وكيف يمكن للحائز أن يدفع عن نفسه هذه المسؤولية متى تحققت شروطها .

الفرع الأول : أساس مسؤولية حائز العقار أو المنقول عن الحريق.

حسب المادة 140 ف01 ق م ج ،لا يكون الحائز العقار أو المنقول الذي حدث فيه حريق مسؤول عن الضرر التي يسببها هذا الحريق إلا إذا ثبت أن الحريق ينسب إلى خطئه أو خطأ من هو مسؤول عنهم
وعليه فإن المسؤولية عن الحريق في القانون المدني الجزائري وهي مسؤولية قوامها الخطأ الواجب الإثبات في جانب الحائز أو الأشخاص الذين يسأل عنهم، فإذا ثبت الخطأ قامت المسؤولية عن الحريق واستحق المضرور التعويض وعلى هذا الأساس فإن المسؤولية عن الحريق تخضع للقواعد العامة الواردة في م 124 ق م ج التي تقوم على الخطأ الواجب الإثبات من جانب المضرور وعليه فإن الخطأ في المسؤولية عن الحريق ليس مفترضا بل هو واجب الإثبات من طرف المضرور لتحقق مسؤولية الحائز والخطأ في هذه الحالة يجب على المضرور إثباته في جانب الحائز أو في جانب من هو مسؤول عنهم كما سبقت الإشارة إليه أنفا . و تجدر الإشارة في هذا المقام لنص المادة 496 ق م ج التي تنص على أنه:"المستأجر مسؤول عن حريق العين المؤجرة إلا إذا أثبت أن الحريق نشأ عن سبب ليس من فعله .".
و عليه فإن خطأ المستأجر مفترض افتراضا بسيطا حيث يستطيع أن يثبت عكسه ويكون خطأ المستأجر مفترض باعتباره أن المسؤولية المترتبة عليه هي مسؤولية عقدية و ليست مسؤولية تقصيرية و من بين الالتزامات التي يتحملها المستأجر نحو المؤجر، الاعتناء بالعين المؤجرة و المحافظة عليها و استعمالها استعمالا عاديا، وعليه يكون مسؤولا عن الحريق الذي نشب في العين المؤجرة إلا إذا أثبت أن الحريق لا يد له فيه.
وإذا تعدد المستأجرون لعقار واحد كان كل واحد منهم مسؤول عن الحريق بالنسبة للجزء الذي يشغله بما فيهم المؤجر إذا كان يسكن العقار، إلا إذا أثبت أن الحريق بدأ نشوبه في الجزء الذي يشغله أحد المستأجرين فيكون هذا الأخير وحده مسؤولا عن الحريق وهذا عملا بأحكام المادة 496 من ق، م، ج في فقرتها الثانية

الفرع الثاني : كيفية دفع حائز العقار أو المنقول مسؤوليته عن الحريق.

إذا تحققت شروط المسؤولية عن الحريق كما سبق الإشارة إليه أصبح الحائز مسؤولا طبقا لنص المادة 140/01 ق م ج و بما أن هذه المسؤولية تقوم على أساس الخطأ الواجب الإثبات في جانب الحائز أو في جانب من هو مسؤول عنهم فإنه لا يستطيع التخلص من هذه المسؤولية إلا بنفي الخطأ عن نفسه أو بنفي الخطأ عن الذين يسأل عنهم وذلك بإثبات أنه لم يبدر منه أو من هو مسؤولا عنهم أي إهمال أو تقصير أو انحراف في سلوك أدى إلى نشوب حريق في عقاراته أو جزء من عقاراته و في منقولاته و انتقل هذا الحريق إلى ممتلكات الغير و أصابتها بضرر .
كما يستطيع المسؤول الحائز أن يتخلص من هذه المسؤولية بإثبات السبب الأجنبي في إحدى صوره و بكامل الشروط كما سبقت الإشارة سالفا .
وتجدر الإشارة أخيرا في نهاية هذا المبحث أن المسؤولية عن الحريق طبقا للمادة 140/01 ق م ج ما هي إلا صورة خاصة للمسؤولية عن الأشياء و يظهر ذلك جليا من خلال المسؤول وهو الحائز و إن كان مفهومه لا يتعدى إلا أن يكون حارسا وفق نص المادة 138 ق م ج و كذا من حيث أساس المسؤولية عن الحريق،و المتمثلة في الخطأ الواجب الإثبات و هذا على عكس المسؤولية عن الأشياء طبقا لنص المادة 138،التي تقوم على أساس الخطأ المفترض افتراضا لا يقبل إثبات العكس وكذا من حيث كيفية دفع المسؤولية عن الحريق بحيث يجوز للحائز أن ينفي عن نفسه أو عن المسؤول عنهم الخطأ بالإضافة إلى إمكانية إثبات السبب الأجنبي حتى يتخلص من هذه المسؤولية .

المبحث الثالث : مسؤولية المالك عن تهدم البناء .

لقد خصص المشرع الجزائري للمسؤولية عن الأضرار التي يسببها تهدم البناء نصا قانونيا وهو نص المادة 140 الفقرة الثانية من ق.م.ج ،وبهذا فقد أخرجها من عموم حكم المادة 138 ق م ج المتعلقة بالمسؤولية عن الأشياء ،و يظهر ذلك من خلال المسؤول عن الضرر الذي يسببه تهدم البناء و أساس هاته المسؤولية وكيفية دفعها . حيث تنص المادة 140/ 02 ق م ج على ما يلي " مالك البناء مسؤول عما يحدثه انهدام البناء من ضرر و لو كان انهداما جزئيا ما لم يثبت أن الحادث لا يرجع سببه إلى إهمالا في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه ".

المطلب الأول : شرطا مسؤولية المالك عن تهدم البناء .

تفترض هذه المسؤولية وجود بناء ما تهدم كليا أو جزئيا، سبب ضرر للغير فيكون مالك البناء مسؤول عن هذا الضرر .

الفرع الأول: ملكية البناء.

نتطرق إلى المقصود بالبناء ومسؤولية مالك البناء .
البند الأول: المقصود بالبناء.
البناء هو الشيء المتماسك الذي يكون من صنع الإنسان ويتصل بالأرض اتصال قرار وهو مجموعة من المواد مهما كان نوعها خشبا ، جبسا ، إسمنتا ، حديدا ، حجارة أو كل ذلك، شيدها الإنسان لتتصل بالأرض اتصال قرار سواء استخدم ذلك البناء للسكن أو التجارة أو الصناعة أو الزراعة ،أوغير ذلك وسواءا شيد البناء فوق الأرض أو في باطنها وتطبيقا لذلك فإن المنازل ، السدود ، النفاق ، المخازن ، حظائر الحيوانات ، الجسور ، مجاري المياه ، التماثيل ، و النصب التذكاري و المدافن و المخابئ .....الخ، تعتبر بناءا.
و ليس شرطا أن يكون البناء قد شيد بقصد الدوام بل يكفي أن يستقر على الأرض أو في باطنها و لو مؤقتا كمعارض البضائع وأكشاك البيع بشرط أن يتصل البناء بالأرض اتصال قرار و لا يمكن نقله من مكانه دون تلف .
كما يتبع البناء كل ما يعد من مشتملاته وخصص في خدمة البناء و اتصل به، كالأبواب،النوافذ، الشرفات ، مداخن السطوح ، المصاعد، و غيرها .
و تبعا لذلك لا يعتبر بناءا العقارات بالتخصيص حالة عدم اتصالها بالبناء كآلة الحرث و الري غير المثبتة بالأرض و أحواض الزهور، وأسماك الزينة، وأسلاك الكهرباء، و أسلاك الهاتف المعلقة، و كذلك الأرض و الأشجارلا تعتبر بناءا .
و لا يعتبر بناءا ما جمع من مواد بفعل الطبيعة كالنباتات و الصخور و الرمال التي تجمعها مياه الأودية و الرياح و تشقق الأرض بفعل المطار أو الزلزال لذلك قلنا سابقا أنه لا بد أن يتم تشييد البناء من طرف الإنسان .
البند الثاني : مسؤولية مالك البناء.
طبقا للفقرة الثانية من المادة 140 ق م ج يكون مالك البناء مسؤولا عما يحدثه تهدم البناء من ضرر للغير و المفروض أن المالك هو من له السيطرة الفعلية على البناء و لكن يسأل حتى و لو كان البناء في حيازة المستأجر بل حتى و لو تقرر الاستيلاء عليه من السلطة العامة بمعنى آخر حتى و لو كان البناء في حراسة شخص آخر غير المالك يظل المالك مسؤول عما يحدثه البناء من ضرر للغير عند تهدمه سواء ا كان المالك شخصا طبيعيا،أو شخصا معنويا،ومالك البناء هو صاحب حق الرقبة ومن ثم لا يعتبر صاحب حق الانتفاع أو صاحب حق الاستعمال أو صاحب حق السكن....الخ، في حين يعتبر راهن العقار البناء مالكا له حتى و لو انتقلت حيازة البناء إلى الدائن المرتهن.ويكون مالك البناء وقت الحادث مسؤولا ولا عبرة بذلك للحيازة.
وتحديد مالك البناء لا تثير صعوبة عند المضرور نظرا لأن المشرع حدد إجراءات اكتساب الملكية العقارية ،وانتقالها من شخص لأخر ،وعلى العموم تنتقل الملكية العقارية(البناء)،بمجرد إتمام إجراءت الشهر العقاري عملا بأحكام المادة 793من القانون المدني الجزائري .
فبائع العقار قبل شهر عقد البيع هو المالك ، حتى ولو انتقلت حيازة البناء إلى المشتري والمشتري هو المالك ولو علق عقد البيع على شرط فاسخ أو مضافا إلى أجل فاسخ، بمجرد شهر عقد البيع ،ما دام لم يتحقق الشرط أو لم يحل الأجل .
ومن أقام البناء على أرضه بمواد مملوكة للغير يعتبر مالكا عملا بأحكام المادة 783 ق،م،ج، وكذلك من أقام بناءا على أرض مملوكة للغير بحسن نية أو بسوء نية المادة 784 ق، م، ج .
وإذا كانت ملكية البناء جماعية فهنا إما أن تكون الملكية شائعة طبقا لنص المادة 713 ق م ج فيكون كل شريك في الشيوع مسؤولا باعتباره مالكا عن الأضرار التي تسبب فيها تهدم البناء محل الشيوع أي أن الملاك على الشيوع مسؤولين بالتضامن عن الضرر اللاحق بالغير إثر تهدم البناء.
أما إذا كان البناء المتهدم محل ملكية مشتركة طبقا لنص المادة 743 ق م ج التي تنص على أنه " الحالة القانونية التي يكون عليها العقار المبني أومجموعة العقارات المبنية والتي تكون ملكيتها مقسمة حصصا بين عدة أشخاص تشتمل كل واحدة منها على جزء خاص ونصيب في الأجزاء المشتركة" ، ففي هذه الحالة يتحمل الشريك لوحده المسؤولية المترتبة عن تهدم الأجزاء الخاصة للمبنى، بينما يتحمل كل الشركاء وبالتضامن مسؤولية الأضرار التي تتسبب فيها تهدم الأجزاء المشتركة للبناء .

الفرع الثاني : تهدم البناء كليا أو جزئيا وإلحاقه ضررا بالغير.

لتطبيق المادة 140 الفقرة الثانية من ق م ج لا بد أن يكون هناك تهدم لبناء وأن ينتج عن التهدم ضررا للغير .
البند الأول: تهدم البناء كليا أو جزئيا بسبب إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه.
يقصد بتهدم بالبناء تفكك أجزاء البناء كلها أو بعضها وانفصالها عنه أو عن الأرض المقام عليها سواءا كان تهدما كليا أو جزئيا كانهيار البناء ،وقوع سقفه،أو انهيار حائطه، أو انهيار شرفته ، أو سقوط سلمه ، أو بعض أبوابه ،أو نوافذه .
أما الأشياء التي تسقط من البناء والمنفصلة عنه لا تعتبر تهدما للبناء كأن يلقي صاحب المنزل شيء صلب أو حجر من الشرفة وأصابت الغير بأضرار ، كما لا يعتبر تهدما للبناء حتى و لو سقط جزء من البناء عقب إطفاء الحريق الذي شب فيه ، أما إذا تهدم البناء الذي شب فيه الحريق بعد مدة طويلة من هذا الحريق فإنما ينجم عنه من ضرر للغير يعتبر راجع إلى تهدم البناء إذ يعتبر المالك مقصرا في قيامه بالصيانة اللازمة للبناء طوال هذه المدة.
ولا يعتبر تهدما بمفهوم نص المادة 140 /02 ق م ج الانهدام الإرادي كأن يقوم المالك بتهديم البناء لتفادي خطر انهياره أو لتشييد بناء آخر أو لسبب ما .
كما أن الجدار المثبت في الأرض بواسطة أوتاد لا يعتبر بناءا حسب المادة 140 /02 ق م ج و الأضرار الناجمة عن سقوطه يسأل عنها المسؤول وفقا لأحكام المادة 138 ق م ج.
ويشترط أن يكون التهدم البناء راجعا إلى حالة البناء بحيث يكون مرده إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه و من ثم يتعين أن يثبت المضرور أن تهدم يرجع إلى إهمال المالك صيانة البناء،أو وجود عيب في هذا الأخير أو قدم فيه و عليه فإذا حدث الانهدام نتيجة انفجار آلة موجودة فيه أو بفعل الحريق فلا يعتبر تهدما بمفهوم نص م 140/02 ق م ج.
البند الثاني : أن يكون تهدم البناء هو الذي أحدث ضررا للغير:
إن مسؤولية مالك البناء في القانون المدني الجزائري طبقا للمادة 140 /02 تقتصر على ما يصيب الغير من ضرر نتيجة تهدم البناء ومن ثم يجب أن يكون التهدم هو السبب في وقوع الضرر فسقوط شيء من نافذة منزل على أحد المارة و إصابته بضرردون أن يكون السقوط بسبب الإنهيار أو التهدم فلا ينطبق حكم المادة 140 /02 ق م ج وكذلك الحال لو سقط شخص في فتحة توجد على سطح المنزل لم تكن محاطة بحاجز وقائي أو شخص اصطدم بالبناء أو انزلق من سلم البناء فأصابه ضرر من ذلك نظرا لأن هذه الأضرار لم يكن سببها تهدم البناء وعليه فلا تطبق بشأنها مسؤولية مالك البناء طبقا للمادة 140 / 02 ق م ج.
و يقصد بالغير هنا هو غير المالك بمعنى الضرر الذي يصيب الغير حتى و لو كان هذا تابعا للمالك .

المطلب الثاني: أساس مسؤولية المالك عن تهدم البناء وكيفية دفعها .

نتعرض من خلال هذا المطلب إلى الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية والطرق التي يستطيع من خلالها المالك أن يدفعها عن نفسه.

الفرع الأول :أساس مسؤولية المالك عن تهدم البناء .

متى توافرت شروط مسؤولية المالك عن تهدم البناء طبقا للمادة 140/02 ق م ج إلتزم بالتعويض إزاء المضرور عما يلحقه من ضرر بسبب تهدم البناء ، و شروط هاته المسؤولية يقع عبء إثباتها على المضرور دون أن يكلف بإثبات خطأ مالك البناء و عليه فإن أساس المسؤولية الناشئة عن تهدم البناء هو الخطأ المفترض في جانب المالك و ينحصر في هذا النوع من المسؤولية في ثلاث صور و هي : الإهمال في الصيانة ، أو قدم في البناء أو وجود عيب فيه و هو خطأ مفترض افتراضا بسيطا يستطيع مالك البناء إثبات عكسه وذلك بإثبات أن إنهدام البناء لم يكن سببه إهمال في صيانة البناء من طرفه أو قدم، أو عيب فيه .
و تجدر الإشارة أن حكم المادة 140/02 ق م ج لا يعمل به إلا في مجال المسؤولية التقصيرية فإذا كان المضرور هو مستأجر البناء مثلا وتهدم البناء فأصابه بضرر فإن المستأجر يرجع على المؤجر بمقتضى المسؤولية العقدية و مصدرها عقد الإيجار وكذلك فإنه إذا كان المضرور نزيلا في فندق فمالك الفندق مسؤولا قبله بمقتضى العقد ، أما إذا كان المضرور تابعا لمالك البناء أو خادما لديه فإن العقد لا يلزم المتبوع في هاته الحالة بكفالة سلامة التابع و لذلك يكون مالك البناء مسؤولا قبل تابعه أو خادمه طبقا للمسؤولية التقصيرية و يقوم الخطأ المفترض في جانب مالك البناء طبقا لنص المادة 140/02 ق م ج.

الفرع الثاني :كيفية دفع المالك مسؤوليته عن تهدم البناء .

لقد سبقت الإشارة أن مسؤولية مالك البناء عما يحدثه تهدمه، من ضرر للغير تقوم على أساس الخطأ المفترض في جانب المالك و الذي ينحصر في إهمال في صيانة البناء أو قدم أو عيب فيه و هذا الخطأ المفترض يقبل إثبات العكس .
و عليه فإنه بمجرد توافر شرطا المسؤولية قامت مسؤولية مالك البناء و إلتزم بتعويض الضرر و لا يستطيع الإفلات من هاته المسؤولية إلا إذا ثبت أن تهدم البناء لم يكن سببه إهمال في الصيانة أو قدم أو عيب فيه
و تطبيقا لذلك لا يكون المالك مسؤولا إذا أثبت أن البناء قد تهدم نتيجة زلزال أو نتيجة حريق امتد من مبنى مجاور ،أو أن الجار إستعمل ألات ضخمة لحفر أساس منزله و لم تتحملها طبيعة الأرض ، أو تهدم بناء مجاور تسبب في إنهيار المبنى أي بفعل الغير و بمعنى آخر نفي علاقة السببية بين الضرر الذي وقع و بين خطئه المفترض ،و يستطيع المالك إقامة الدليل على أن البناء لم يكن قديما،بأنه قد شيد طبقا للمواصفات الهندسية الدقيقة وأن أعمال الصيانة قام بها طبقا للأصول الفنية بمعنى آخر يستطيع المالك أن ينفي عن نفسه الخطأ المفترض .
و تجدر الإشارة أن الفقرة الثالثة في المادة 140 ق م ج التي تنص على أنه : " يجوز لمن كان مهددا بضرر يصيبه من البناء أن يطالب المالك بإتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية للوقاية من الخطر فإن لم يقم المالك بذلك جاز الحصول على إذن من المحكمة في إتخاذ هذه التدابير على حسابه".
وهكذا نلاحظ أن المسؤولية عن تهدم البناء ما هي إلا صورة خاصة للمسؤولية الناشئة عن الأشياء باعتبار البناء شيء، وهكذا ما ينجر عن تهدمه من ضرر يخضع لأحكام خاصة طبقا للمادة 140/02 ق م ج بشروط هاته المسؤولية ( تهدم البناء و إلحاقه ضرر بالغير، تقرير مسؤولية مالك البناء، أساس هاته المسؤولية المتمثل في الخطأ المفترض الذي ينحصر في ثلاث صور : الإهمال في الصيانة ، أو عيب في البناء أو قدم فيه وهو خطأ مفترض يقبل إثبات العكس ).

المبحث الرابع: مسؤولية المنتج عن الأضرار التي تسببها منتجاته المعيبة.

لقد استحدث المشرع الجزائري هذا النوع من المسؤولية عندما عجزت نصوص القانون المدني المتعلقة بالعيوب الخفية عن تقديم الحماية اللازمة للمتضررين من المنتجات المعيبة، نظرا لأن دعوى الضمان لا تكفل غالبا سوى ما يعرف بالأضرار التجارية فقط، كما لا يمكن الإحتجاج بهذه الدعوى إذا كان المضرور من الغير.
أما بالنسبة لقانون المستهلك فقد نصت المادة 2 من القانون 89/02 على أن " كل منتوج سواءا كان شيئا ماديا أو خدمة، مهما كانت طبيعته يجب أن يتوفر على ضمانات ضد كل المخاطر التي من شأنها أن تمس صحة المستهلك و\ أو منه، أو تضر بمصالحه المادية " .
وعليه فإن المشرع الجزائري قرر هذه الحماية لصالح المستهلك فقط، و إن كان هو أنسب شخص يستفيد من هذه الحماية إلا انه بالتأكيد ليس الشخـــــص الوحيد، لأن المنتوج قد يكون مصدرا للأضرار بالمستعمل، أو المحترف نفسه كالبائع أو الموزع ، كما في حالة الشخص الذي تصدمه سيارة بفعل عيب بنظام التوجيه فيها .
و بالنظر إلى الحوادث التي وقعت بالجزائر بخصوص ضحايا الاستهلاك.
حادثة الكاشير الفاسد التي عرفتها كل من مدينتي سطيف و قسنظينة لسنة 1999، والتي أدت إلى وفاة 17 شخصا و إصابة 200آخرين بأضرار.
قضية واد الأبطال بمدينة معسكر في 23 ديسمبر 2001 التي نتج عنها وفاة 7 رضع نتيجة حقنهم بلقاح فاسد ضد البوحمرون.
انفجار عبوة غاز البروبان في مدينة سبد و بتلمسان في شهر نوفمبر 2002 و الذي أدى إلـــــى وفاة 12 شخصا و إصابة 13 آخرين بالإضافة إلى أضرار مادية بالغة بالمحلات و العقارات.
الغش في مواد البناء ( حديد و إسمنت) و آثاره في استفحال الأضرار المادية، والبشرية كتلك التي نتجت عن زلزال بومرداس في شهر ماي لعام 2003.
كل هذه العوامل و أخرى دفعت بالمشرع الجزائري إلى وضع نظام قانوني خاص بمسؤولية المنتــــج عن الأضرار التي تسببها منتجاته المعيبة، فأدرج بموجب القرار 05/10المؤرخ في 20 يونيو 2005 المعدل والمتمم للأمر75/58 المتضمن القانون المدني الجزائري. ضمن الفصل الثالث في القسم الثالث منــــــــه المعنون ب: المسؤولية الناشئة عن الأشياء، و بموجب المادة 140 مكرر، نوع جديد المســــــــؤولية عن الأشياء، وهي مسؤولية المنتج عن الأضرار التي تسيبها منتجاته المعيبة .
قبل الخوض في موضوع هذا النوع من المسؤولية في القانون المدني الجزائري لابد من الإشارة إلـــــــى بعض الملاحظات:
*أن المشرع الجزائري نقل بعض أحكام هذا النوع من المسؤولية من القانون المدني الفرنسي وضمنها في مادة واحدة(م 140 مكرر من ق. م. ج )، في حين أن المشرع الفرنسي عالجها في 18 مادة ( من المادة 1386-1 إلى المادة 1386-18 من القانون المدني الفرنسي. ) وضح من خلالها مجالها، و شروطها، و طرق دفعها و ميعاد تقادم الدعوى التي يطالب من خلالها المضرور بهذه المسؤولية، في حين أن المشرع الجزائري، وإن كان قد وضع شروطها و مجالها إلا أنه أهمل أن يوضح أساسها و كـــذا أسباب الإعفاء منها.
*إن كان من الجائز اللجوء إلى أحكام المواد 1386 -1 إلى 1386-18من ق.م. الفرنسي ، و ذلك من باب تأصيل مسؤولية المنتج و كذا معرفة أحكامها و لا سيما ما أغفله المشرع الجزائري بخصوص نظام هــذه المسؤولية، إلا أنه من الصعب بل من غير الجائز تطبيق هذه الأحكام بجانب ما تضمنته المادة140 مكرر ق.م.ج باستثناء ما يتوافق معها مثل:مفهوم المنتوج و شروط هذه المسؤولية.
*أن تبني أحكام مسؤولية المنتج عما تسببه منتجاته المعيبة من أضرار للغير، إنما كان الهدف منها هــــــو توفير حماية أكثر للمتضررين مهما كانت صفتهم وعلاقتهم بالمنتج، من المنتجات المعيبة وذلـــــــــــــك نظرا إلى عجز كل من نظرية ضمان العيوب، و قانون المستهلك عن توفير هذه الحماية المناسبــــــــــة،
وبالتالي فان هذا النوع من المسؤولية تطبق إلى جانبها ( نظرية ضمان العيوب م379 ق. م. ج )، وقانون المستهلك رقم 89/02. و إن كان لكل منهما نطاقه.

المطلب الأول: نطاق مسؤولية المنتج.

حسب نص المادة 140 مكرر ق.م.ج التي تنص على أنه " يكون المنتج مسؤولا عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه حتى و لو لم تربطه بالمتضرر علاقة تعاقدية.
و يعتبر منتوجا كل مال منقول ولو كان متصلا بعقار، لاسيما المنتوج الصناعي، و تربية الحيوانات ، والصناعة الغذائية، و والصيد البحري و البري، والطاقة الكهربائية.".
و بالتالي يتحدد نطاق هذه المسؤولية من حيث المنتجات، و من حيث الأشخاص.

الفرع الأول: من حيث المنتجات.

تنص المادة 140 مكرر في فقرتها الثانية من القانون المدني الجزائري على أنه " يعتبر منتوجا كل مال منقول و لو كان متصلا بعقار، لا سيما المنتوج الزراعي، و المنتوج الصناعي، و تربية الحيوانـــــــات، والصناعة الغذائية، و الصيد البري و البحري، و الطاقة الكهربائية".
و بالتالي فان المنتوج هو مال منقول و بالتالي تستثنى العقارات، أي العقارات بالطبيعة فقط، و لكن المنقولات المركبة في العقار ( الأجر و الاسمنت )، أو المتصلة به،أو العقارات بالتخصيص تعتبر منتجات.
إن مفهم المنتوج في هذا الصدد، لا يتضمن فقط ما يعتبر نتاج النشاط الصناعي ـ أي الأشياء المصنعة ـ بل يتضمن المنتجات الزراعية .
كمثال عن المنتوج الزراعي الخضر و الفواكه، والمحاصيل الزراعية، مثلا عند سقي الأشجار بمياه ملوثة فيصاب الغير بضرر نتيجة استهلاك ثمارها، ويتضمن كذلك مفهوم المنتوج تربية الحيوانات مثل الدواجن والمواشي كأن تصـــــــاب حيوانات بمرض ورغم ذلك يتم بيعها مثلا للاستهلاك، والصناعة الغذائية كصناعة الحليب، أوالعجائن، أما المنتوج الصناعي فمثلا صناعة الأدوية و المـــــــــــــــواد الصيدلانية الأخرى،وصناعة السيارات ،ومواد التنظيف،ومواد التجميل ، وكذلك يدخل في مفهوم المنتوج الصيد البحري، و الصيد البري،والطاقة الكهربائية بالنسبة لشركة سونلغاز مثلا.
وإن كانت بعض المراسيم التنفيذية قد عرفت المنتوج ،كما هو الحال للمرسوم التنفيذي رقم :90/30المتعلق ب :رقابة الجودة وقمع الغش بأن المنتوج" هو كل شيء منقول مادي قابل لأن يكون موضوع معاملات تجارية." وعليه فقد اعتبرت منتوجا المنقولات المادية فقط.
وقد عرفه المرسوم التنفيذي رقم90/266 المتعلق بضمان المنتوجات والخدمات بأنه"كل ما يقتنيه المستهلك من منتوج مادي أو خدمة.
ولكن بالرجوع إلى المادة 140مكررنرى بأن المشرع قرر حكما خاصا لمسؤولية المنتج ،وذكر عبارة "المنتوج " بصفة عامة دون تحديد طبيعته ) مادي أو معنوي)،ولم يستثني سوى العقار كما سبق الإشارة.
ويفهم من عبارة "لا سيما "المذكورة في المادة 140مكررمن ق،م،ج بخصوص مسؤولية المنتج أنها ذكرت هذه المنتجات على سبيل المثال ،لا على سبيل الحصر،كما أنه لم يشترط أن تكون المنتجات خطرة.
و تجدر الإشارة أخيرا أنه إذا كان المشرع الفرنسي قد اشترط بموجب المادة 1386-5 ق.م الفرنسي أن يعرض المنتوج للتداول بصفة إرادية، وأنه يعفى المنتج من مسؤوليته إذا أثبت أنه لم يطرح المنتوج للتداول، أو أن العيب قد نشأ بعد عرضه للتداول، فإن المشرع الجزائري لم يتعرض لهذا الشرط، و يعتبر بذلك إغفالا منه لعنصر قانوني مهم.

الفرع الثاني: من حيث الأشخاص.

تنص المادة 140 مكرر في فقرتها الأولى على أنه " يكون المنتج مسؤولا عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه حتى و لو تربطه بالمتضرر علاقة تعاقدية".
يتحدد نطاق مسؤولية المنتج من حيث المنتج المسؤول عن الأضرار التي تسببها منتجاته المعيبة، و كذا من حيث ضحايا هذه المنتجات.
البند الأول: المنتج.
لم يعرف المشرع الجزائري المنتج، على خلاف المشرع الفرنسي م 1386 – 6 القانون المدني.
لكن يمكن تعريفه على أنه " الشخص الذي يقوم بصناعة المنتوج، و تحويل الشيء المصنع، ولا يشترط في المنتج أن يكون هو الذي صنع كل المنتوج، وإنما قد يساهم في صنع جزء منه فقط، كما يمكن اعتباره منتجـــــــا الشخص الذي يقوم بعمليات تركيب المنتوج كله أو جزء منه،كتركيب الأجهزة الكهرو منزلية،
فالمورد، أو الموزع، أو التاجر، لا يعتبر منتجا لأنه لا يساهم في عملية الإنتاج، وإن كان يساهم في عملية الاستهلاك، أو التوزيع.
وتجدر الإشارة أن المشرع الفرنسي قد وسع من مفهوم المنتج ليشمل مثلا حسب نص المادة 1386ـ 6 بالإضافة إلى صانع السلعة في شكلها النهائي ، صانع المادة الأولية ،ومن يقدم نفسه كمنتج ،ومن يضع اسمه أو علامته على السلعة ،ومستود السلعة إلى المجموعة الأوربية ،كما اعتبر البائع والمؤجر منتجين.
البند الثاني: الضحايا.
حسب نص 140 مكرر ق.م.ج. في فقرتها الأولى أن المنتج يكون مسؤولا عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه و لو لم تربطه بالمتضرر علاقة تعاقدية.
نلاحظ أن المشرع الجزائري تماشيا مع أقره المشرع الفرنسي، بهذا الخصوص أراد أن يضع حدا للتمييز بين المسؤولية التعاقدية و المسؤولية التقصيرية للمنتج، و بالتالي ففي جميع الحالات يبقى المنتج مسؤولا مدنيا عن الضرر مهما كانت العلاقة القانونية التي تربطه بالمتضرر .
وبالتالي فيمكن أن نتصور أن المتضرر هو المستهلك، أي من استهلك المنتوج فسبب له ضررا سواءا كان (ضرر جسمانيا، أو ماديا، أو معنويا....)، نتيجة عيب فيه، رغم أنه لا تربطه علاقة تعاقدية بالمنتج.
كما يمكن أن يكون المتضرر هو المحترف ( بائع الجملة، أو بائع التجزئة مثلا ) حتى و لو لم تربطه بالمنتج علاقة تعاقدية، فالمستورد و الموزع و التاجر كل هؤلاء محترفين، و المحترف هو كل شخص يتدخل في عملية الاستهلاك، من عملية الإنتاج إلى عملية الاستهلاك باستثناء المستهلك النهائي لــهذا المنتوج.
و المادة 140 مكرر ق.م.ج، لم تميز بينهم و عليه فإن المحترف بذلك إضافة إلى المستهلك يستفيد من أحكام نص م 140 مكرر، إذا ما سبب له المنتوج المعيب ضررا نتيجة العيب الموجود فيه.

المطلب الثاني: شروط مسؤولية المنتج عن الأضرار التي تسببها منتجاته المعيبة.

استلزم المشرع الجزائري لقيام مسؤولية المنتج طبقا للمادة 140 مكرر من ق.م.ج، ثلاثة شروط وهي: وجود عيب في المنتوج، الضرر، علاقة السببية بينهما.

الفرع الأول: وجود عيب في المنتوج.

اشترطت المادة 140 مكرر الفقرة الأولى من ق.م.ج لتحقق مسؤولية المنتج أن يكون الضرر الحاصل نتيجة عيب في المنتوج.
و مرة أخرى فإن كان المشرع الفرنسي قد وضع العناصر التي يقدر من خلالها العيب الموجود بالمنتوج فان المشرع الجزائري اكتفى بذكره دون أن يعّرفه أو يذكر العناصر التي يقّدر من خلالها،وإن كان المشرع الجزائري قد استعمل مصطلح العيب في المادة 379 من ق،م،ج المتعلقة بضمان العيوب الخفية في الشيء
المبيع ،فإنه يعني في هده الحالة بأن المبيع لا تتوافر فيه المواصفات المتفق عليها في العقد،وهو ما لا يتوافق مع المقصود من مصطلح" العيب" في مسؤولية المنتج.
وعلى كل فيمكن تعريف العيب في المنتوج حسب نص المادة 140 مكرر من ق، م، ج بأنه" عدم مطابقة المنتوج للمواصفات و المعايير التي وضعها القانون من الناحية التقنية للمنتوج".
مثلا عدم إتحاد الاحتياطيات المادية اللازمة فيما يتعلق بتعبئتها، أو تغليفها، إهمال التأكد من سلامة المواد الأولية الداخلة في تركيبة المنتوج، ولا يعتبر عيبا في المنتوج مثلا انتهاء مدة الصلاحية.
ومع ذلك يبقى مفهوم العيب قاصرا، وكان من الأحسن أن يوضح المشرع الجزائري هذا المفهوم، أو على الأقل كما فعل المشرع الفرنسي( م 1386-4 ق.م.الفرنسي )، عندما وضع بعض العناصر التي يتحدد بها.

الفرع الثاني: حصول الضرر.

إن عبارة" الضرر" الناتج عن عيب في المنتوج المنصوص عليها في المادة 140 مكرر جاءت عامة، فهذه الأخيرة لم تحدد طبيعة الأضرار، مما يؤدي بنا إلى الأخذ بعبارة الضرر بمفهومها الواسع، وبالتالي قد يكون الضرر الناشئ عن عيب في المنتوج ، ضرر ماديا، أو جسمانيا، أو ماليا ،أو معنويا.
|ـ فالضرر الجسماني: يتمثل عادة في الجروح و الأمراض أو ما يمس بالسلامة الجسدية للإنسان بصـــــفة عامة.
والضرر المالي: ما يصيب الشخص من خسارة في ذمته المالية، مصاريف العلاج و غيرها.
والضرر المعنوي: ما يصيب الشخص من آلام (ضرر تألم)....الخ.

الفرع الثالث : علاقة السببية بين العيب في المنتوج و الضرر اللاحق بالغير.

يجب أن يكون الضرر الذي لحق الضحية نتيجة العيب الموجود بالمنتوج، و إلا فلا تحقق مسؤولية المنتج وفق الأحكام م 140 مكرر ق.م.ج .
ومتى تحققت شروط المسؤولية نشأ حق المضرور في التعويض طبقا لأحكام المادة 140مكرر،ويقدر القاضي التعويض وفقا لأحكام المواد 131 ،182 ،182 مكرر من القانون المدني.والضرر القابل للتعويض هو الضرر المباشر ، المتوقع و غير المتوقع .

المطلب الثالث :أسـاس مسؤولية المنتج وكيفية دفعــــــها.

لم يوضح المشرع الجزائري في نص المادة 140 مكرر من ق.م.ج أساس مسؤولية المنتج ،ولا طرق دفعها مما يؤدي بنا إلى الاستعانة بالفقه تارة ،والرجوع إلى القواعد العامة تارة أخرى.

الفرع الأول:أساس مسؤولية المنتج.

نظرا لكون مسؤولية المنتج نوع حديث في القانون المدني، فإنها عرفت اختلافا فقهيا بخصوص أساسها، و ظهر هناك رأيين:
البند الأول:الخطأ كأساس لمسؤولية المنتج.
أقام القائلون بهذه الفكرة مسؤولية المنتج على أساس الخطأ المرتكب من طرف المنتج، وهو انحراف في سلوك المنتج عن سلوك المنتج العادي والخطأ هنا يقاس بمعيار موضوعي، وقد استقر القضاء الفرنسي على اعتباره خطأ مفترض، أي بمجرد تسليم المنتوج المعيب أو عرضه للتداول، يثبت خطأ المنتج وتقوم مسؤوليته إذا أحدث هذا المنتوج ضررا للغير.
البند الثاني:الضرر كأساس لمسؤولية المنتج.
أقام القائلون بفكرة الضرر ـ تحمل التبعة ـ مسؤولية المنتج على أساس الضرر الذي يقع نتيجة نشاط المنتج، ولا يهم إن كان مخطأ أم لا. وقد اعتبر المشرع الفرنسي مسؤولية المنتج، مسؤولية بقوة القانون، تقوم بمجرد أن يسبب المنتوج ضررا للغير نتيجة عيب فيه، وما على المتضرر إلا إثبات العيب، و الضرر ،وعلاقة السببية بينهما.
ويستشف من حكم المادة 140 مكرر من ق.م.ج أن المشرع الجزائري قد أخذ بنفس فكرة المشرع الفرنسي بخصوص أساس مسؤولية المنتج، وجعلها مسؤولية بقوة القانون، يكفي لقيامها حدوث ضرر بسبب العيب الموجود في المنتوج،ولا يؤخذ بعين الاعتبار سلوك المنتج ،كمالا يمكنه نفي مسؤوليته بأنه قام بواجب العناية كما ينبغي.

الفرع الثانــي: وسائل دفع مسؤولية المنتج.

لم ينص المشرع الجزائري على طرق دفع هذا النوع من المسؤولية، مما يحتم علينا الرجوع إلى القواعد العامة في هذا الشأن، أي المادة 127 من القانون المدني، باعتبار مسؤولية المنتج مسؤولــــية تقصيرية تقوم عـلى أســـــــاس القانون، وعليه فان المنتج متى تحققت شروط مسؤوليته لا يمكنه التخلص منها إلا بإثبات السبب الأجنبي.
البند الأول:القوة القاهرة، والحادث المفاجئ.
يقصد بهما ذلك الحادث الذي لا يمــــكن توقعه، ويستحيل دفعه، استحالة مطلقة مثالها:الزلزال، والكوارث الطبيعية بصفة عامة، ويكون خارجا ومستقلا عن فعل المنتج، و المنتوج في حد ذاته.
البند الثاني: خطأ الغير، وخطأ المضرور.
يمكن للمنتج أن ينفي مسؤوليته بإثبات أن الضرر اللاحـق بالمتضرر كان سببـه خطأ من الغير( مثلا التاجر أو الموزع ،أو مخزن السلعة.)، أو خطأ المتضرر نفسه، ويعّرف الخطأ عموما على أنه انحراف سلوك الإنسان عن سلوك الشخص العادي.
ولكن الإعفاء الكلي للمنتج من مسؤوليته يكون استثناءا،لأنه في حالة وجود عيب في المنتوج فخطأ المتضرر ما هو إلا أحد الأسباب التي أدت إلى وقوع الضرر،وبالتالي يكون الإعفاء من المسؤولية جزئيا.
و تجدر الإشارة أخيرا إلى المادة 140 مكرر 01 ق م ج المستحدثة بموجب القانون 05/10 المؤرخ في: 20 جوان 2005 المعدل والمتمم للقانون المدني إذ تنص هذه المادة على ما يلي " إذا انعدم المسؤول عن الضرر الجسماني و لم تكن للمتضرر يد فيه تتكفل الدولة بالتعويض عن هذا الضرر ".
تجدر الإشارة أولا بأن البعض من الفقه يعتبر المادة 140مكرر1يقتصر تطبيقها على مسؤولية المنتج فقط، ولكن في حقيقة الأمر أنه لا توجد علاقة خاصة بين م 140 مكرر و م 140 مكرر 01 ق م ج ونقصد بذلك أن م 140 مكرر 01 تطبق على جميع أنواع المسؤولية الناشئة عن الأشياء ( م 138، 139، 140، 140 مكرر ق م ج ) .
و يشترط لتطبيق أحكام م 140 مكرر 01 ثلاث شروط:
*أولا: أن يكون الضرر جسمانيا وبذلك يستبعد من تطبيق أحكام هذه المادة الضرر المادي، والضرر المعنوي كما سبق الإشارة إلى تعريفها.
*ثانيا:انعدام المسؤول عن الضرر اللاحق بالمتضرر نتيجة فعل الشيء أو حيوانات، أو تهدم البناء أو حريق في المنقول أو العقار، أو نتيجة عيب في المنتوج.
مثال: لا يعرف المسؤول أو ظل مجهولا مع تحقق الشروط القانونية للمسؤولية عن الأشياء .
مثال: الأضرار الجسمانية التي تحدثها الحيوانات السائبة، بالأفراد.
*ثالثـا: ألا يكون للمتضرر يد في حدوث الضرر الجسماني .
بمعنى أن لا يكون المتضرر من الشيء قد تسبب بفعله الخاص في إحداث الضرر الجسماني اللاحق به، مثلا كأن يكون الضرر ناجما عن سوء استعمــال، أو استهلاك المنتوج دون أن يكون به عيب، أو أن يكون المنتوج خطرا مثلا، فلا يتخذ الاحتياطيات اللازمة عند استعماله فتصيبه أضرار جسمانية من جراء ذلك.
و بتحقق هذه الشروط تتكفل الدولة بتعويض الضرر الجسماني اللاحق بالمتضرر جراء فعل الشيء أو عيب في المنتوج.
و يقع على المتضرر عبء إثبات * الضرر الجسماني، * انعدم المسؤول، *و أنه لم يكن له دخل في إحداث هدا الضرر الجسماني.
و تعتبر مسؤولية المنتج طبقا للمادة 140مكرر من ق.م.ج ،صورة خاصة للمسؤولية عـــــــن الأشياء ،لكون المنتوج شيء،فقط أن مسؤولية حارس الشيء طبقا لمادة 138 من ق.م.ج ،تقوم على أساس فقدانه ما كان يجب أن يظل له من سيطرة فعلية على الشيء في استعمــاله ،ورقابته ،تسييره حتى لا يضر بالغير ،في حين أن مسؤولية المنتج تشترط عيب في المنتوج ،كما أن المنتج قبل تصريف منتجاته يعتبر حارسا لما ينتجه ،ويمكن أن تقوم مسؤوليته بهذه الصفة على أساس المسؤولية عن الأشياء طبقا للمـــادة 138 ،كأن يحدث انفجار في المنتجات التي قـــام بتخزينها في مستودع ،وإلحاقها ضررا بالغير، ولكن بعد عرض المنتجات للتداول بالبيع أو التوزيع أو غيرها يسأل كمنتج على أساس المادة 140 مكرر،إذا سبب المنتوج ضررا للغير نتيجة عيب فيه.
وفي أخر هذا المبحث نلاحظ أن المشرع الجزائري وإن كان حماية للمضرور من المنتجات المعيبة استحدث نظام مسؤولية المنتج في القانون المدني، إلا أنه لم يوضح كل أحكامها على خلاف المشرع الفرنسي، مما يثير مشاكل في تطبيقها دون إمكانية اللجوء إلى أحكام القانون الفرنسي بشأنها كما أنها تختلط مع أحكام نظرية العيوب الخفية ( م379 من ق م ج ) وكذا قانـون المستـهلك 89/02 ،وكذا القانـون 74/15 المعـــدل ،
والمتمم بالقانون 88/31 المتعلق بنظام التعويض عن الأضرار الجسمـــانية الناجـــمة عن حوادث المرور في حالة ما إذا وجد عيب في السيارة وقع بسببه حادث مرور مثلا.
الخاتمــــــــــــــــــة.
وفي نهاية هذه الدراسة ،نخلص بأنّ المسؤولية عن الأشياء في جميع صورها ما هي إلا هي مسؤولية تقصيرية ، والتي يتحملها الشخص نتيجة إخلاله بالتزام قانوني ، وهي كنظام قانـوني تهــدف إلى تعويض المتضررين من فعل الأشياء ،وتستلزم لقيامها شروط معينة ،وتستند إلى أساس ،وهناك طرق معينة لدفعها ،وقد أخد المشرع الجزائري أحكامها وبآخر ما وصلت إليه من مستجدات ،من القانون الفرنسي الذي عرف تطـورات كثيرة بشأنها نتيجة جهود الفقه والقضاء في فرنسا الذين كان لهما دور كبير في ذلك،وخصوصا بعد ظهـور الثورة الصناعية،وما نجم عنها من ابتكار أشياء أكثر تعقيدا و تطورا وخطرا على الإنسان ومنذ إقرار المشرع الجزائري المسؤولية عن الأشياء بموجب الأمر 75/58 المتضمن القانون المدني في القســم الثالث بعنوان المسؤولية الناشئة عن الأشياء ،من الفصل الثالث من الباب الأول من الكتاب الثاني من القانون المدني، فإنه لــم يحدث أي تعديل قانوني عليها ،وشهد القضاء الجزائري تطبيقات كثيرة لأحكامها ،وقد انخفض هذا التطبيق، بالنظر إلى وضع المشرع الجزائري نصوص خاصة للأضرار الناجمة عن فعل بعض الأشياء كحوادث العمل الناجمــة عن فعـــل الآلــــة و الأضــــرار التي تسببها السيارات أثناء سيرها .....الخ وتجدر الإشارة أنه في وقتنا الحالي أصبح الفقه بخصوص المسؤولية عن الأشياء يبتعد تدريجيا عن فكرة الخطأ ،أي سلوك المسؤول،كأساس لهاته المسؤولية ،لتكون نظرية تحمل التبعة ،أي الضرر،كبديل صالح ،بمعنى أنه بمجرد حدوث الضرر تقوم المسؤولية دون البحث في سلوك المسؤول ،وهذا كله لتوفير حماية أكثر للمتضررين من فعل الأشياء ، وقد استحدث المشرع بموجب المادة 140مكررمن القانون المدني إثر تعديله بالقانون رقـــــم 05/ 10 المؤرخ في 20 جوان 2005 ،صورة جديدة من المسؤولية عن الأشيـاء ، وهــــــي مسؤوليـة المنتج عن الأضرار التي تسببها منتجاته المعيبة للغير، وأدرجها في القسم الثالث المتعلق بالمسؤولية الناشئة عن الأشياء ،والتي تجد هي الأخرى مصدرها في القانون المدني الفرنسي المعدل والمتمم بالقانون 98/389الؤرخ في 19ماي 1998.
وما يعاب على المشرع الجزائري أنه عالج مسؤولية المنتج في مادة واحدة (المادة 140مكـرر)ولم ينص على كل أحكامها ،مما يخلق مشاكل في تطبيقها ،وخصوصا من حيث تحديد مفهوم المنتج والعيب في المنتوج ،وأساس هاته المسؤولية ،وطرق دفعها،و هذا على خلاف المشرع الفرنسي الذي خصها بثمانية عشر( 18)مادة ليبين معظم أحكامها،كما أن مسؤوليـــة المنتج تختلط في تطبيقــها مع نظرية العيب الخفيــة (المادة 379من القانون المدني) وقانون المستهلك رقم 89/02،الأمر الذي حسم فيه المشرع الفرنسي ،واستبعد تطبيقها صراحة بخصوص مسؤولية المنتج،وأما المادة 140مكرر1من القانون المدني ،والتي نصت على مسؤولية الدولة عن التعويض في حالة انعدام المسؤول عن الأضرار الجسمانية التي تسببها الأشياء، ولم تكن للمضرور يد فيه ،فيعاب عليها الغموض وعدم التحديد في مجالها،وكيفية الحصول على التعويض ،ولا حتى الجهة المختصة بدفعه.
ورغم ذلك فإن إقرار مسؤولية المنتج عن الأضرار التي تسببها منتجاته المعيبة للغير يعتبر مبادرة متميزة من المشرع الجزائري كنظام لتعزيز حماية ضحايا المنتجات المعيبة،في وقت يشهد تطورا تكنولوجيا وصناعيا والذي كثرت معه الأضرار الناجمة عن مختلف المنتجات ،وفي جميع الميادين ،ويرجى من المشرع الجزائري تدارك هذا النقص والغموض و التداخل الذي يعترض تطبيق أحكام هده المسؤولية.

ابحث عن موضوع