بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

عيوب النظام القانوني لعوارض الأهلية -دراسة مقارنة-مابين الفقه الإسلامي والقوانين العربية

إن لصحة أي تصرف قانوني يشترط توافر الإرادة التي تعتبر المحرك الأساسي للتصرفات القانونية و الشرعية ، و قد عرف الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء الإرادة فقال هي :
مجرد اعتزام الفعل و الاتجاه إليه و الإرادة بهذا المفهوم تستدعي نشاطا ذهنيا معينا و لذا يشترط المشرع فيمن تصدر عنه أن يكون متمتعا بنصيب معين من القوى الذهنية و هذه القوى لا تتوافر إلا إذا بلغ الشخص سنا معينة و كان سليما من كل الآفات العقلية.
و لذلك أعتبر المشرع أن الأصل العام في التصرفات القانونية هو اكتمال أهلية الشخص و من يدعي خلاف ذلك يقع عليه عبئ الإثبات ، فإذا ادعى احد المتعاقدين نقص أهليته أو انعدامها لكي يصل من وراء ذلك إلى بطلان التصرف فيقع عليه عبئ الإثبات فإذا أثبت ذلك نقض العقد و ليس للمتعاقد الآخر الاحتجاج على ذلك إذ كان عليه أن يتحرى أهلية من يتعاقد معه و إن لم يفعل فلا يستفيد من تبعة تقصيره في هذا الشأن.2
وتعرف الأهلية في اللغة: يقال:( هو أهل لكذا أي هو مستوجب له، ويقال استأهله بمعنى استوجبه فتكون بمعنى الاستحقاق )، وهي عند علماء أصول الفقه بمعنى "الصلاحية " ( أي صلاحية الشخص أن يباشر بنفسه الأعمال القانونية والقضائية )
وتقسم الأهلية إلى قسمين :
أهلية وجوب : وهي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له و عليه وهي قسمين :
ـ أهلية وجوب ناقصة: ما كانت فيها صلاحيته لوجوب الحقوق له فقط لا عليه مثلا : الجنين الذي تثبت له بعض الحقوق مثل حقه في الميراث وحقه في المحافظة عليه من التلف .
ـ أهلية وجوب كاملة: ما تكون صلاحية الإنسان فيها لثبوت الحقوق له وعليه، كما في الصبي والبالغ حيث تثبت لهما حقوق مثل النفقة وتثبت عليهما حقوق أيضا مثل نفقة الأقارب من مالهما.
أهلية أداء: وهي صلاحية الإنسان لأن يطالب بالأداء ولأن تعتبر أفعاله وأقواله وتترتب عليها آثارها الشرعية وتقسم إلى قسمين:
أهلية أداء ناقصة: هي صلاحية الإنسان لأداء بعض الأعمال وترتب الأثر عليها دون بعض آخر، كالصبي المميز حيث يصلح لأداء العبادات وقد حكم الشارع بصحة عبادته كما حكم بصحة معاملته المأذون بإجرائها من قبل وليه.
-أهلية أداء كاملة: فهي صلاحية الإنسان لأداء جميع الحقوق المشروعة له وعليه سواء في ذلك عباداته أو معاملاته ، وتترتب على كل أقواله وأفعاله آثاره الشرعية من تمليك وتملك ما لم يعرض له ما يحدد هذه الصلاحية من العوارض .
والأهلية التي تعنينا في مجال دراستنا هي أهلية الأداء
و لا خلاف بين فقهاء القانون المدني وفقهاء الشريعة الإسلامية في أن مناط أهلية الأداء هو التمييز ، والتمييز يتأثر بالسن كما يتأثر بعوارض أخرى تصيب الشخص بعد بلوغه سن التميز أو سن الرشد.
وتعرف عوارض الأهلية لغة: (العوارض جمع عارض والعارض بالفتح ما يعرضه الإنسان من مرض ، ويقال اعترض الشيء دون الشيء أي حال دونه.)
وفي الاصطلاح :( العوارض هي أمور تطرأ على الإنسان فتؤثر على أهليته بالزوال أو بالنقصان وهي ليست من الصفات الذاتية له.)
وهي قسمان: قسم يؤثر على الأهلية بنوعيها (الوجوب والأداء) فيزيلها كالموت فانه يقضي على خاصية الإنسان أو يقضي على أهليته.
وقسم لا تأثير له على أهلية الوجوب وإنما يؤثر على أهلية الأداء بالعدم مثل الجنون ، السكر أو بالنقصان كما في الصبي المميز والسفيه.
فالعوارض هي الأمور المنافية للأهلية وهي ليست من لوازم الإنسان.
ولما كانت الأهلية صفة يتصف بها الشخص فتجعله صالحا لأن يباشر تصرفاته على وجه يعتد بها شرعا نظرا لاكتمال تمييزه عن عقل ورشد ، وكان من اللازم أن يكون العارض مؤثرا في هذه الصلاحية حتى يلحق بالشخص وصف انعدام الأهلية أو نقصها بسبب هذا الأمر الذي آثر في تمييزه ورشده.
فالعارض إذن أمر طارئ غير عادي يعتري الأهلية فيؤثر فيها بالإزالة كما في الموت والجنون أو يؤثر فيها بالنقصان كما في العته و السفه والصبي المميز.
وقد اتفقت النظم القانونية على عدد معين من عوارض الأهلية وهي الصغر،الجنون، العته ، السفه الغفلة باعتبارها الحالات التي يتحقق فيها المعيار المعتمد وهو انعدام أو نقص التمييز باعتبار التمييز هو مناط الأهلية ، إلا أنه هناك حالات أخرى من التصرفات ينعدم فيها التمييز أو يفسد فيها تدبير أصحابها ولكنها لا تندرج ضمن الحالات التي جاءت بها النظم القانونية ، وهذه الحالات منها ما تطرقت إليه الشريعة الإسلامية باعتبارها عقيدة شاملة لتنظيم الحياة ، ومنها ما جاء به العلم الحديث وكشف أنها تؤثر على التمييز بالانعدام أو الإنقاص . وهو ما سنتطرق له بنوع من التحليل والنقد والمقارنة بين النظم القانونية والشريعة الإسلامية وما توصل إليه العلم الحديث ، وذلك بغية جعل النظام القانوني لعوارض الأهلية شاملا لمعظم الحالات التي تعترض أهلية أداء الإنسان تحقيقا لمبدأ استقرار المعاملات والعدالة ، وذلك بدون الخروج عن المعيار المعتمد المتفق عليه.
ولكي نفي هذا الموضوع بعض حقه من العناية ارتأينا تقسيمه إلى فصلين نخصص الأول لعرض عوارض الأهلية الواردة في القانون ، ونكرس الثاني لمعالجة العوارض غير المقننة و أثرها على النظام القانوني الجزائري لعوارض الأهلية .
أما خاتمة الدراسة فنورد فيها أهم النتائج التي توصلت إليها وبعض الاقتراحات التي نراها جديرة بالاعتبار والعناية .
الخـــطـــة المـعــتـمــدة :
المـقـدمة
الفصل الأول :عوارض الأهلية الواردة في القانون
المبحث الأول : عوارض الأهلية الوارد في القانون المدني الجزائري
المطلب الأول : العوارض التي تعدم التمييز
الفرع الأول :الجنون
الفرع الثاني: العته
المطلب الثاني : العوارض التي تنقص التمييز
الفرع الأول : الصغر
الفرع الثاني : السفه
الفرع الثالث : الغفلة
المبحث الثاني : مقارنة بين عوارض الأهلية في القوانين العربية و الفقه الإسلامي
المطلب الأول : المقارنة بين القانون المدني الجزائري و الفقه الإسلامي
الفرع الأول : أوجه الاتفاق مع الفقه الإسلامي
الفرع الثاني : أوجه الاختلاف مع الفقه الإسلامي
المطلب الثاني : المقارنة بين القانون المدني الجزائري و القوانين العربية
الفرع الأول : أوجه الاتفاق مع القوانين العربية
الفرع الثاني : أوجه الاختلاف مع القوانين العربية
الفصل الثاني : العوارض غير المقننة و أثرها على النظام القانوني الجزائري
المبحث الأول : العوارض غير المقننة
المطلب الأول : السكر
الفرع الأول : تعريفه و تأثيره على التمييز
الفرع الثاني : حكم تصرفات السكران في الشريعة الإسلامية
المطلب الثاني: الأمراض النفسية العصبية و العقلية
الفرع الأول : الأمراض النفسية
الفرع الثاني : الأمراض العصبية
الفرع الثالث : الأمراض العقلية
المبحث الثاني : أثرها على النظام القانوني الجزائري
المطلب الأول : المعايير الموضوعية لنظام عوارض الأهلية
المطلب الثاني : النظام القانوني المقترح لعوارض الأهلية
الخــــــاتمة

الفصل الأول: عوارض الأهلية الواردة في القانون

المبحث الأول: عوارض الأهلية الواردة في القانون المدني الجزائري.

المطلب الأول: العوارض التي تعدم التمييز

الفرع الأول: الجنون
تعريفه : هو مرض يصيب الإنسان فيؤدي إلى ذهاب عقله وتعطيل إرادته ، وعرفه الفقه الإسلامي (مجلة الأحكام العدلية ،شرح رستم باز) بأنه اختلال القوة المميزة بين الأمور الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب بأن لا تظهر آثارها وتتعطل أفعالها .
و الجنون ينقسم إلى :
*جنون أصلي: وهو أن يبلغ الشخص مجنونا.
*جنون طارئ : وهو أن يبلغ الشخص عاقلا ثم يطرأ عليه الجنون بعد البلوغ .
* جنون مطبق : وهو الذي يفقد فيه المجنون عقله فقدا تاما يستوعب كل الأوقات وصاحبه عديم الأهلية ، و تصرفاته غير منعقدة كالصبي غير المميز .
* جنون غير مطبق (الجنون المنقطع) وهو الذي يذهب بعقل صاحبه في بعض الأوقات ثم يعود إليه عقله في بعض الأوقات الأخرى .
حالات الجنون:
الماليخوليا: وهي أول درجات الجنون وأعراضها: دوام الاكتئاب وشدة الاهتمام بالنفس وزعم الإنسان بأنه مصاب بجملة أمراض قاتلة.
المونومانيا: أي الجنون بشيء واحد وهي حالة يجن فيها الإنسان بشيء أو بأشياء محدودة .
ألمانيا: هي أن يجن الشخص جنونا عاما مع هياج شديد .
الذهول : هي أن تضعف قوى الإنسان العقلية ضعفا تدريجيا.
تأثير الجنون على الأهلية: إذا أصاب الجنون الشخص أفقده عقله وسلبه تمييزه، فلا يعتد بأقواله وأفعاله ويصبح عديم الأهلية حكمه في ذلك حكم الصبي غير المميز.
فتكون تصرفاته لاغية لا أثر لها مثل الصبي غير المميز سواء كانت نافعة أو ضارة أو غيرهما وهذا إذا كان الجنون مطبقا ،أما في حالة الجنون المتقطع فتكون تصرفاته في حالة أفاقته كتصرفات العاقل سواء بسواء أي صحيحة ما دام بالغا لسن الرشد و زال الجنون كلية .
وجاء حكم تصرفات المجنون في القانون المدني الجزائري في المادة 42 بقولها :(لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون.)
وبذلك اعتبر الجنون عارض يفقد التمييز ، ويترتب عليه فقدان الأهلية لمباشرة الحقوق المدنية بصفة مطلقة دون أن يميز بين نوعا الجنون و أثر كل منهما ، ونقصد الجنون المطبق والجنون المتقطع بخلاف بعض المذاهب في الشريعة الإسلامية مثل الحنفية الذي اعتبر أن تصرفات المجنون في حالة الإفاقة تعتبر كأنها صدرت من البالغ العاقل .
الحجر على المجنون:
تعريف الحجر: الحجر في اللغة ( يقال حجر عليه حجرا بمعنى منعه من التصرف ولذا سمي العقل حجرا لأنه يحجر صاحبه ويمنعه من فعل القبيح ، قال تعالى:"قسم لذي حجر " لذي عقل .
أما معناه اصطلاحا: (فهو منع مخصوص متعلق بشخص مخصوص عن تصرف مخصوص أو عن نفاذ ذلك التصرف ، فالحجر حكم مخصوص متعلق بشخص مجنون مثلا عن تصرف معين أو عن نفاذ التصرف بالنسبة للسفيه وذي الغفلة .)
ـ رغم اعتبار أهلية أداء المجنون معدومة في حالة الجنون المطبق لأنه فاقد التمييز وتصرفاته القانونية تقع على هذا النحو باطلة بطلانا مطلقا وذلك لانعدام إرادته ، إلا أن الأمر بحاجة إلى إيضاح لان العمل لا يخلو من إثارة صعوبات في تقرير ما إذا كان هذا الشخص مجنونا أم لا، كما لا يكفي إنعدام الأهلية بسبب الجنون لبطلان التصرفات القانونية بل لا بد من صدور حكم بالحجر على المجنون وأن تعين قيما له .
وهذا الحجر حتى يكون منتجا لأثاره في مواجهة الغير حسن النية الذي يتعاملون مع المجنون لا بد من تسجيله ، وعندها يصبح كل تصرف يجريه المجنون بعد تسجيل قرار الحجر يقع باطلا بطلانا مطلقا .
- أما التصرفات التي تقع قبل تسجيل قرار الحجر ، فقد راعى فيها المشرع مصلحة من يتعامل مع المجنون ، فقضى بصحة هذه التصرفات ما لم تكن حالة الجنون شائعة أو معروفة من الطرف الآخر الذي تعاقد مع المجنون ، ولو طبقنا الأصول القانونية البحتة لوجب القول ببطلان هذه التصرفات متى أقيم الدليل على قيام حالة الجنون وسواء كانت شائعة أو خفية أو كان الطرف الأخر عالما بها أم يجهلها وذلك لانعدام إرادة أحد أطراف التعاقد مما يفقد التصرف القانوني ركنا من أركانه ، ولكن التقنين المدني المصري انحاز إلى جانب من يتعامل مع المجنون إذا كان حسن النية فقرر صحة التصرف القانوني ، وقد أقام قرينة قانونية على انتفاء حسن النية إذا كان يعلم بجنون من يتعامل معه ، أو كان في وسعه أن يعلم لأن حالة الجنون شائعة .
و الغاية من الحجر هي أنه جاء لعدم معرفة الناس أحد هؤلاء عديمي الأهلية أو ناقصيها ، وعدم ظهور علامات المرض عليه .
ونلاحظ أن القانون المدني الجزائري لم يتضمن نصوصا تبين مسألة الحجر على المجنون والمعتوه والسفيه وذي الغفلة ، وإنما نظمها قانون الـأسرة في المواد من 101 إلى 108 والتي تنص المادة 101 منه على "المجنون والمعتوه والسفيه يحجر عليهم "
المادة 103 " الحجر يكون بحكم قضائي ".
ولكن فيما يخص المجنون فالمفروض أن يكون محجور لذاته ولا يشترط الحجر عليه لأنه معروف للعامة .
و السؤال أنه إذا لم يحجر عليه فهل تسري تصرفاته القانونية؟
فحسب المادة 107 من قانون الأسرة تعتبر تصرفاته باطلة حتى ولو لم يحجر عليه إذا كانت أسباب الحجر ظاهرة وفاشية وقت صدورها . وهذا ما يؤكد أن المجنون محجور لذاته.
وإثبات الحجر بحكم قضائي ما هو إلا إجراء قانوني لحماية مصالح الغير الذين قد يتصرفوا معه.
نقد: من المؤكد بأن القضاء لا يملك تقرير إصابة الشخص بالجنون كمرض عقلي بناءا على التعاريف الفقهية ، وإنما ذلك من اختصاص الأطباء الذين يستعان بهم كخبراء ، وإذا ما ثبتت حالة الجنون يفترض أن الشخص المصاب أصبح تمييزه معدوما .
لكن هل يكفي إنعدام التمييز دون تقرير حالة الجنون حتى يحجر على الشخص ؟
الجواب: بالتأكيد سيكون بالنفي لأن الحكم ورد خاصا بالمجنون ولم يذكر عدم التمييز دون اقترانه بالجنون ، والذي نجده في حالة بعض المصابين بالأمراض العقلية والنفسية أو العصبية أو حالات الإدمان أو السكر ، إذ ينعدم التمييز فيها ولا نجد حكما قانونيا على تصرفات من تتوافر فيه إحدى هذه الحالات .
والسؤال المطروح: أين هي العدالة في إقرار التصرف الذي انعدم تمييز صاحبه عندما لا يكون مجنونا أو معتوها ؟
الإجابة عن هذا السؤال هو البحث عن وسيلة أخرى للمساواة وعدالة الحكم ، وذلك بإعادة النظر في صياغة الأحكام الخاصة بحالات إنعدام التمييز التي تعدم الأهلية ، وعدم الوقوف عند حالة الجنون فقط ، وهذا دليل كاف على عدم كفاية النصوص القانونية التي تحكم تصرفات عديمي التمييز كيفما كان سببها .
هذا مع ملاحظة أن قانون الأوقاف الجزائري رقم 91-10 المؤرخ في 27/04/1991 قد جعل الوقف الذي يقوم به المجنون حين إفاقته صحيحا ، وأخذ بفكرة التمييز بين نوعي الجنون إذ نصت المادة 31 منه ( لا يصح وقف المجنون والمعتوه لكون الوقف تصرف يتوقف على أهلية التسيير ، أما وقف صاحب الجنون المتقطع فيصح أثناء إفاقته وتمام عقله شريطة أن تكون الإفاقة ثابتة بإحدى الطرق الشرعية .)
الفرع الثاني : العته
أولا : تعريفه: هو آفة توجب خللا في العقل فيصير صاحبه مختلط الكلام بعضه كلام عقلاء وبعضه كلام مجانين "من كتاب التصرفات للسيد الشريف الجرجاني" فإذا ما أصاب الشخص يجعله قليل آو عديم الفهم أو فاسد التدبير أو عاجزا عن تدبير أموره .
وعليه نجد أن العته قد يذهب العقل والتمييز ، وعندها يكون نوع من أنواع الجنون الهادئ ، وقد لا يذهب التمييز كليا وإنما يفسد التدبير فقط ويكون هنا المعتوه كالصبي المميز.
ثانيا: الفرق بين العته والجنون:
يختلف العته عن الجنون في كون العته ضعف في العقل والإدراك ، أما الجنون فهو اختلال في العقل ينشأ عنه اضطراب أو هيجان ، كما أن العته كما رأينا يصحبه أحيانا تمييز وأحيانا أخرى لا يصحبه فيكون جنون ، فالمعتوه تارة يكون غير مميز فتكون أهليته معدومة كالصبي غير المميز والمجنون ، وتارة أخرى يكون مميزا فتكون عنده أهلية الصبي وعلى هذا أكثر الفقهاء .
ثالثا: تأثير العته على الأهلية:
رأينا بأنه هناك حالتين في العته: عته يعدم التمييز وعته يضعف العقل مع بقاء التمييز، وعليه فهو يؤثر في الأهلية تارة بالانعدام وتارة بالإنقاص.
فإذا ما أفقد الشخص عقله وسلبه تمييزه ، فلا يعتد بأقواله وأفعاله ويصبح عديم الأهلية حكمه في ذلك حكم الصبي غير المميز والمجنون .
أما إذا أضعف الشخص عقله وأفسده تدبيره ، فيكون المعتوه المميز ناقص الأهلية كالصبي المميز لا يختلف عنه في شيء ، ويأخذ تصرفه حكم تصرفات الصبي المميز ناقص الأهلية .
وعليه هناك من يرى أن تصرفات المعتوه تكون من ناحية الصحة أو البطلان تبعا للحالة العقلية ومقدار إدراكه ، فإذا كان مثل الصبي المميز أخذ حكمه ، وإذا كان دونه كان في حكم الصبي غير المميز .
و هذا الأمر تؤكده تقارير الأطباء التي تبين أن حالة العته بعد ثبوتها تضعف العقل أم تذهبه كلية ويكون حكم القاضي بناء على هذه التقارير.
رابعا: الحجر على المعتوه:
من المؤكد أن القوانين المدنية تجتمع على اعتبار العته كمرض عقلي عارض من عوارض الأهلية ، سواء كانت تعدم التمييز أو تنقصه فقط ، ومن ثم يتوجب الحجر على المعتوه حماية للمتعاقد معه سواء كانت تصرفاته مثل تصرفات الصبي غير المميز أو المجنون أو كانت مثل تصرفات الصبي المميز ناقص الأهلية.
وعليه لا يكفي انعدام الأهلية أو نقصانها بسبب العته لبطلان التصرفات أو قابليتها للإبطال ، بل لابد من صدور حكم بالحجر على المعتوه وأن تعيين له قيما وهذا الحجر حتى يكون منتجا لأثاره في مواجهة الغير حسن النية ، لابد من تسجيله وعندها يصبح كل تصرف يبرمه المعتوه بعد تسجيل قرار الحجر يقع باطلا بطلانا مطلق . أما بخصوص التصرفات التي تقع قبل تسجيل قرارا الحجر ، يسري عليها ما قلناه في الحجر على المجنون .
موقف المشرع الجزائري من المعتوه:
نص المشرع عن المعتوه في المادتين 42 ق م ج حيث اعتبر المعتوه فاقد للتمييز وغير أهل لمباشرة حقوقه المدنية ، وبذلك يكون قد اعتبر العته عارض يعدم التمييز إذا ما أصاب الإنسان ، وهذا دون أن يميز بين العته الذي يعدم التمييز والعته الذي يضعف العقل فقط ويفسد التدبير ، وهنا نطرح سؤال: هو قد نتصادف بشخص في حالة عته لكن مع بقاء عقله ، مثل الشخص العادي أي مثل المميز ، وهذه الحالة أثرت فيه لدرجة إفساد تدبيره دون ذهاب عقله ، فأين هي العدالة في عدم إقرار تصرف هذا الشخص واعتباره فاقدا للتمييز مثل المجنون وغير أهل لمباشرة حقوقه المدنية بالرغم من اختلاف الحالتين اختلافا جوهريا .
وكان من الأرجح أن تأخذ تصرفاته حكم تصرفات الصبي المميز لإتحاد العلة وهي ضعف العقل وعدم الفهم، وهذا بخلاف بعض القوانين العربية المقارنة مثل : الأردني م 127 ،الكويتي م 99 التي أخذت بهذا التمييز وهو أمر معقول وعادل.
والقاضي يبني حكمه بناءا على تقارير الأطباء التي تبين بعد ثبوت حالة العته أنها تضعف العقل مع بقاء التمييز أو تذهب العقل والتمييز معا.

المطلب الثاني: العوارض التي تنقص التمييز.

نتكلم في هذا المطلب عن العوارض التي تنقص التمييز فتجعل الشخص قاصرا
مفهوم القاصر: لغة( يطلق القصر لغة على عدة معان منها: الكف والعجز والحبس، فيقال قصر على الأمر أي عجز عنه ولم يقدر عليه.)
وفي الاصطلاح : ( هو من لا تتوفر فيه ملكة الإدراك وذلك لقصور عقله مع معرفة حقائق الأشياء واختيار النافع منها لنفسه والبعد عن كل من شانه الإضرار ، ومرد كل ذلك إلى عدم اكتمال نموه وضعف قدرته الذهنية والبدنية .)
الفرع الأول: الصغر:
يمر الشخص في حياته بأربعة أدوار:
الدور الأول: قبل الولادة (الجنين) فالجنين ليست له أهلية أداء مطلقا ولا تقضي الشريعة الإسلامية بتعيين وصي أو ولي له ، وإنما تجعل أمواله موقوفة لأجله تحت يد أمين وهذا ما أخذ به المشرع الجزائري في م 43 من القانون المدني.
الدور الثاني: من الولادة إلى سن التمييز وهي محددة بـ13 ثلاث عشرة سنة م 42 من القانون المدني الجزائري.
وفي هذه المرحلة الصبي الذي لم يبلغ سن 13 سنة ، كذلك ليست له أهلية أداء مطلقا ولكن له ولي أو وصي ينوب عنه في مباشرة جميع أعماله القانونية في الحدود التي رسمها القانون ، والصبي الغير المميز هو الذي لا يفهم البيع والشراء أي لا يعلم كون البيع سالبا للملك أو الشراء جالبا له ، ولا يميز الغبن الفاحش من اليسير .
الدور الثالث: من سن التمييز إلى سن الرشد وهنا يكون الصبي مميز وتصرفاته نميز فيها ثلاثة أنواع:
- تصرفات نافعة نفعا محضا : كعقود الاغتناء مثل قبول الهبة أو وصية فتكون له أهلية أداء كاملة وتصرفاته صحيحة ونافذة .
- تصرفات ضارة ضررا محضا : كأعمال التبرع كالهبة أو الإبراء فهنا ليست له أهلية أداء مطلقا وتقع تصرفاته باطلة بطلانا مطلــــقا .
- تصرفات دائرة بين النفع والضرر : فيملك لها أهلية أداء ناقصة وللصبي المميز أن يباشرها بإذن وليه أو وصيه ، فإن باشرها بغير الإذن توقفت على الإقرار أي لا تكون نافذة ولا تنتج أثرها إلا إذا أقرها الولي أو الوصي ، أي تكون قابلة للإبطال لمصلحته ويباشر طلب الإبطال حال حياته بواسطة من يمثله ، أو يباشره بنفسه بعد بلوغه سن الرشد وينتقل هذا الحق بعد وفاته إلى وارثه ، على أن تزول قابلية التصرف للإبطال بإجازته من الصغير بعد بلوغه أو بإقرار من يمثله قبل ذلك.
و قد أخذ المشرع الجزائري بهذا التمييز في المادة 83 من قانون الأسرة.
الدور الرابع: من سن بلوغ الرشد إلى الموت (البالغ) ، والشخص البالغ هو من بلغ سن 19 سنة طبقا للمادة 40 من القانون المدني ولم يحكم باستمرار الوصاية عليه ولم يحجر عليه ، فهذا الشخص تكون له أهلية أداء كاملة بالنسبة إلى جميع الأعمال القانونية سواء كانت اغتناء أو إدارة أو تصرف أو تبرع .
و نخلص إلى أن الصغر عارض يمنع الشخص من مباشرة الأعمال القانونية طالما لم يبلغ سن التمييز وتكون تصرفاته باطلة بطلانا مطلقا ، وهذا ما نصت عنه م 42 ق م ج ، كما أنه حتى ولو أصبح الصبي مميزا فلا يكتسب أهلية كاملة ، وإنما تكون له أهلية ناقصة لعدم كمال عقله وتكون تصرفاته قابلة للإبطال م 101 ق م ج ، وسمي بالمميز لاكتسابه بصر عقلي يمكنه من التمييز بين الحسن والقبيح من الأمور وبين الخير والشر والنفع والضرر وأن البيع سالب للملك والشراء جالبا له.
الفرع الثاني : السفه :
تعريف السفه : لغة:( هو الطيش "وخفة العقل" فقد جاء في المصباح المنير أن السفه نقص في العقل واصله الخفة، كما جاء في تبيين الحقائق للزيلعي أن السفه هو العمل بخلاف موجب الشرع وإتباع الهوى وترك ما يدل عليه العقل.
فالسفه في اللغة إذن هو تلك الخفة التي تعتري الإنسان فتحمله على العمل على خلاف العقل والشرع .
السفه اصطلاحا:( غلب استعمال لفظ السفه في الاصطلاح الفقهي على تبذير المال وإتلافه على خلاف مقتضى العقل والحكمة ) ، وقد عرفت محكمة النقض المصرية السفه في حكم لها بأنه (( إنفاق المال على غير مقتضى الشرع والعقل)) وعرفته في حكم آخر هو تبذير المال وإتلافه فيما لا يعتبره العقلاء من أهل الديانة غرضا صحيحا ، ومنه نصل إلى أن السفيه هو من ينفق ماله من غير روية في العواقب محمودة كانت أو غير محمودة ،لأن من عادته التبذير والإسراف في النفقة.
وقد نصت م 946 من مجلة الأحكام العدلية على تعريف السفيه بأنه هو " الذي يصرف ماله في غير موضعه ويبذر في مصاريفه ويضيع أمواله ويتلفها بالإسراف".
فالسفيه كامل العقل ولكنه مغلوب على هواه سيئ التدبير فاسده والدليل على عدم منافاة السفه للأهلية هو أن السفيه مكلف بجميع التكاليف الشرعية ومؤاخذ على أفعاله كلها ومعاقب على جناياته ، لكنه يمنع من التصرف في ماله صيانة له وخشية عليه من الضياع في أنفاقه بغير وجه صحيح .
الحجر على السفيه: اختلفت الاتجاهات الفقهية في الحجر على السفيه ، وانقسمت إلى اتجاهين : اتجاه يقول بعدم الحجر عليه وهو رأي أبي حنيفة ، واتجاه يرى الحجر عليه وهو رأي جمهور الفقهاء.
أولا: عدم الحجر على السفيه والحكمة من ذلك:
أ) عدم الحجر على السفيه: ذهب الإمام أبو حنيفة إلى عدم الحجر على السفيه لأن السفيه عنده كالرشيد غير السفيه ، فإذا ما اكتملت أهليته ارتفعت عنه الولاية وسلم إليه ماله ولو كان سفيها سواء أونس منه الرشد أو لم يؤنس ، لأنه من وصل إلى سن الرشد ولم يرشد لا ينتظر منه رشد بعد ذلك فلا فائدة من حجر المال عنه.
ب) الحكمة من عدم الحجر عن السفيه: يرى أبو حنيفة أن الحكمة في عدم الحجر على السفيه هي أن أهليته كاملة متى بلغ عاقلا ، إلا أنه لا يسير حسب العقل مكابرة منه ، ثم أنه حر في تصرفاته في الأصل والحجر ينافي الحرية.
ثانيا: الحجر على السفيه والحكمة منه:
أ‌) الحجر على السفيه: خلافا للرأي السابق ذهب جمهور الفقهاء إلى ضرورة الحجر على السفيه وعدم تسليمه ماله وبقاء الولاية عليه حتى يزول السفه عنه ولو بلغ أرذل العمر ، لأن علة نقص الأهلية عندهم هي عدم القدرة على إدارة شؤونه المالية.
ب)الحكمة من الحجر على السفيه: تتمثل في النظر إلى مصلحة السفيه نفسه التي توجب أن يكون غيره قواما عليه محافظة على ماله من الضياع في إنفاقه بغير وجه صحيح ولو فيما أصله خير محض، كالإسراف في بناء المساجد ووجوه البر ، ومن باب أولى يمنع السفيه من صرف أمواله في وجوه الشر كجمعه الفساق في بيته أو التبرع لهم فيما ليس فيه مصلحة ، إذ السفه كما يكون في الشر يكون في الخير أيضا ، والواجب هو الاعتدال والقصد في كل التصرفات لئلا يؤول الأمر إلى إضرار الإنسان بنفسه وبغيره ، ذلك أن ضرر السفه عام لا خاص ولا شك أن دفع الضرر على الجماعة وحماية مصالحها أولى بالاعتبار من المحافظة على أهليته كاملة.
وقد استدل الفقهاء القائلون بالحجر على السفيه بقوله تعالى (( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها...))
وقد نص المشرع الجزائري على الحجر على السفيه في المادة 101 والمادة 103
ق أ ج بقوله ( من بلغ سن الرشد وهو مجنون أو معتوه أو سفيه أو طرأت عليه إحدى الحالات المذكورة بعد رشده يحجر عليه"
م103 (( يجب أن يكون الحجر بحكم وللقاضي أن يستعين بأهل الخبرة في إثبات الحجر)).
ومن هذين النصين يظهر جليا، أن موقف المشرع الجزائري واضح في ترجيح رأي جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية .
والأمر الذي نخلص إليه هو أن السفه عارض يعيب الشخص في تدبيره لا في عقله ويصبح قاصرا على إدارة أمواله ورعايتهما ، مثل الشخص البالغ العاقل ولذا أخذت تصرفاته حكم تصرفات الصبي المميز.
الفرع الثالث : الغفلة تعريف الغفلة : لغة : (هي غيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره له وقد استعمل فيمن تركه إهمالا و إعراضا) كما في قوله تعالى "و هم في غفلة معرضون"
اصطلاحا : (هي عـدم الاهتداء إلى التصرفات الرابحة بسـبب الـبساطـة وسلامة الـقلب ) ، وقـد عـرفت محكمة الـنقـض المصرية الغـفـلة بأنها "ضعف بعض الملكات الضابطة في النفس ترد على حسن الإدارة والتقـدير ويترتب عـلى قيامهـا بالـشخص أن يغبن في معاملاته مـع الغير.
فـذي الغفلة هو من مكان طيب القلب إلى حد السذاجة بحيث تجـره طيبته وسلامة قلبه إلى سهولة خدعه وغبنه في معاملاته مع غيره.
وعلى غرار السفيه فإن ذا الغفلة كامل العقل إذ العلة ليست في عقله بل في سذاجته وفـرط طيبة قـلبه.
و فكرة الغفلة قد يستدل عليها بإقبال الشخص على التصرفات دون أن يهتدي إلى الرابح فيها ، أو بقبوله فاحش الغبن في تصرفاته عادة أو بأيسر الانخداع على وجه يهدد المال بخطر الضياع.
إن السفه والغفلة بوجه عام يشتركان في معنى واحد هو ضعف بعض الملكات الضابطة في النفس، إلا أن الصفة المميزة للسفه هي أنها تعتري الإنسان فتحمله على تبذير المال وإنفاقه على خلاف مقتضى العقل والشرع ، أما الغفلة فإنها تعتبر صورة من صور ضعف بعض الملكات النفسية ترد على حسن سير الإدارة والتقدير .
الحجر على ذي الغفلة:
يلحق ذي الغفلة بالسفيه من ناحية الحجر عليه عند جمهور الفقهاء و عدم الحجر عليه عند أبي حنيفة ، ولذلك فإن ما قلناه بشأن السفيه من الأحكام تنطبق على ذي الغفلة بلا تفرقة. و حجة القائلين بالحجر على ذي الغفلة هي قوله تعالى ( فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) الذي فهموا منه أن المقصود بقوله عز و جل ضعيفا في هذه الآية هو ذو الغفلة .
أما فيما يخص الحجر على ذي الغفلة في النصوص القانونية فلم يرد نص بشأنها ، ذلك أن المادة 101 من قانون الأسرة الجزائري تكلمت عن الحجر على المجنون و المعتوه و السفيه و لم تتكلم عن ذي الغفلة ، كما أن المادة 43 قانون مدني جزائري بنصها "كل من بلغ سن الرشد و كان سفيها أو معتوها و الصحيح ذو غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون "ذلك أن هده المادة نقلت حرفيا عن نص المادة 46 من القانون المدني المصري و بذلك تكون كلمة معتوها قد وردت خطئا في النص الجزائري السابق ، و قد تدارك المشرع الجزائري هذا السهو عند تعديله للقانون المدني بالقانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 يونيو 2005 .
و عليه نجد أن تقنيننا المدني يسوي من حيث اعتبار الشخص ناقص التمييز بين كل من بلغ الثالثة عشرة و هي سن التمييز طبقا للمادة 43 من القانون المدني الجزائري المعدل و من بلغ سن الرشد و هي 19 سنة حسب المادة 40 ق م ج المعدل و كان سفيها أو ذا غفلة .
و يكون الحجر في حالتي السفه أو الغفلة طبقا لما تنص عليه المادة 102 من قانون الأسرة الجزائري "بناءا على طلب أحد الأقارب أو ممن له مصلحة أو من النيابة العامة "
و يلاحظ أن الحجر لا يسري في حق الغير إلا من وقت تسجيل القرار الصادر به وفقا للمبادئ العامة في القانون و لا يستطيع الغير أن يحتج بعدم علمه بالحجر متى كان هذا القرار مسجلا و هذا ما يشعر به نص المادة 106 ق.أ. ج الذي يقضي بأن ( الحكم بالحجر قابل لكل طرق الطعن و يجب نشره للإعلام) ، والحكمة من نشر الحكم القاضي بالحجر تكمن في تمكين الغير من العلم به لمنع الإدعاء مستقبلا بالجهل بالحجر إن هم تعاملوا مع المحجور عليه.
و ينبغي الإشارة إلى أنه إذا كان الحجر لا يثبث إلا بحكم من القاضي ، فهو كذلك لا يرفع إلا بناءا على حكم منه ، وهذا ما تشير إليه المادة 108 من قانون .أ.ج التي تنص على أن (يمكن رفع الحجر إذا زالت أسبابه بناء على طلب المحجور عليه . )
و الأمر الذي نخلص إليه أن الغفلة عارض من عوارض الأهلية يؤثر على أهلية الشخص فتضعف ملكاته النفسية التي ترد على حسن سير الإدارة و التقدير.
و لذلك أخذت تصرفاته حكم تصرفات الصبي المميز كونه ناقص الأهلية .
هذا مع ملاحظة أن قانون الأسرة الجزائري لم ينص على حكم تصرفات السفيه و ذي الغفلة قبل و بعد الحجر عليهما، ذلك أن نص المادة 107 ق.أ.ج بقولها( تعتبر تصرفات المحجور عليه بعد الحكم باطلة و قبل الحكم إدا كانت أسباب الحجر فاشية وقت صدورها) هو خاص بتصرفات المجنون والمعتوه عديمي الأهلية الذين تكون تصرفاتهم باطلة ، أما السفيه وذي الغفلة فهما ناقصي أهلية، و لذلك سنقترح نصا جديدا بهذا الصدد عند وصولنا إلى عرض النظام المعياري المقترح .

المبحث الثاني : مقارنة بين عوارض الأهلية في القوانين العربية و الفقه الإسلامي

المطلب الأول: المقارنة بين القانون المدني الجزائري و الفقه الإسلامي

الفرع الأول : أوجه الاتفاق مع الفقه الإسلامي
يتفق القانون المدني الجزائري مع الفقه الإسلامي في اعتبار الجنون من عوارض الأهلية وقد أثبت فقه الشريعة الإسلامية أيضا الحجر على المجنون حفظا لمصلحته ولا يختلف عن ذلك أو ينكره أي من فقهاء الأمة في الإسلام، حيث تكلمت هده المذاهب مجتمعة على الحجر عن المجنون بما في ذلك الطوائف الشيعية والدرزية والمذهب الجعفري، ومرد إجماع الفقه الإسلامي هو الحديث الشريف في رواية أبو داود عن علي كرم الله وجهه أن الرسول- صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن ثلاث الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق" ، ومعنى ذلك أن الجنون مما هو متفق عليه بين الشريعة الإسلامية وسائر الشرائع باعتباره عارضا من عوارض الأهلية.
ـ كما يوجد اتفاق مع فقه الشريعة الإسلامية على اعتبار العته عارض أهلية مع اختلاف في تصنيف هذا العارض باعتباره مما يعدم الأهلية أو يؤدي إلى نقصها. والشريعة الإسلامية والتي تعتبر أن العقل أساس الرضى الحقيقي في العقود والتصرفات القولية وعلى اعتبار أن الصغير لا يملك أهلية الأداء بسبب نقصان عقله اعتبرت المعتوه في حكم الصغير.
ومصدر هذا الحكم هو القياس، الذي هو إعطاء حالة منصوص عليها لحالة غير منصوص عليها لإتحاد العلة بينهما.
كما يتفق مع الفقه الإسلامي في اعتبار الغفلة نوع من السفه وأن حكم السفه ينطبق على ذي الغفلة لأن في الغفلة معنى إضاعة المال .
الفرع الثاني: أوجه الاختلاف مع الفقه الإسلامي
أصول مصادر الحكم أو ما يسمى بالأدلة في الشريعة الإسلامية تتعدد وتفتح مجالا واسعا رحبا للأحكام في مسائل حياة الأفراد ومعاملتهم ، لأن الدليل في الاصطلاح الشرعي هو ما يمكن التوصل بالنظر فيه إلى الحكم الشرعي ، فقد أنزل الله كتابا تبيانا لكل شيء تفصيلا في بعض الأحكام وإجمالا في البعض الأخر، وجاءت السنة الموحى بها شارحة مبينة ومكملة لما أنزل الله في الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستحسان والاستصلاح والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب ، وهذه الأدلة أو المصادر تفتح بابا واسعا لاستخدام العقل واستنباط الحكم، وبناءا عليه عوارض الأهلية في الفقه الإسلامي أكثر اتساعا وأشمل في تغطية الحالات من القوانين المدنية فهذه العوارض كما يراها الفقه الإسلامي تنقسم إلى عوارض سماوية وهي ما ليس للشخص اختيار في إيجادها ، والمكتسبة وهي ما يكون له في تحصيلها اختيار، وليس للتقسيم إلى سماوية ومكتسبة ثمرة تنشأ عنه في الأحكام ، وإنما هي فيما يظهر لمجرد الترتيب ،والعوارض السماوية منها : الجنون،والعته والإغماء والنوم ومرض الموت والرق والمكتسبة السكر والسفه والمديونية بدين مستغرق أو الإفلاس.
وبمقارنة ذلك مع ما ورد من عوارض الأهلية في القانون المدني الجزائري نجد أن الفقه الإسلامي يزيد في عوارض الأهلية عما ورد في القانون المدني الجزائري حالات الإغماء والنوم والرق والسكر على اعتبار أن القانون م ج نظم حالات مرض الموت (م408-409) أوالدين المستغرق والإفلاس م225 (ق تجاري) ، وإن كان ذلك تحت مسميات غير عوارض الأهلية.
وبالنظر إلى هذه العوارض الزائدة في فقه الشريعة عن القانون يمكن استخراج موضوع الرق جانبا حيث لم يعد له وجود قانوني حتى يصار للنظر فيه إن كان يصلح لاعتباره عارض أهلية أم لا، أما الإغماء والنوم فلا يتصور الحديث عن تصرفات قانونية خلال وجود الشخص في أي منهما.
والضابط في التمييز أن ينظر إلى طبيعة العارض، فإن كان له تأثير في ملكات الشخص العقلية وقابلياته كالجنون والعته ،أو تأثير في سلطته الشرعية بمقتضى حماية الحقوق من تصرفاته كالسفه عندئذ يكون من عوارض الأهلية.
وعليه فإننا سنعمد إلى اختيار السكر باعتباره عارض أهلية الأداء يؤثر في ملكات الشخص العقلية ، وبذلك نعتبره عارضا تزيد فيه الشريعة الإسلامية عن القانون المدني الجزائري.
وسنتطرق إلى عارض السكر في الفصل الثاني

المطلب الثاني : المقارنة بين القانون المدني الجزائري و القوانين العربية

الفرع الأول: أوجه الاتفاق مع القوانين العربية
لتبيان أوجه الاتفاق سنعمد للرجوع إلى القانون المصري ، السوري ، الأردني ، الكويتي ، الإماراتي ، القطري ، البحريني .
يتكلم القانون المدني الجزائري في المواد 40 ، 42، 43، على عوارض الأهلية،إذ ينص في المادة 40 منه بقوله" كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية"
و بمقارنة هذه المادة مع مثيلاتها في القوانين العربية المقارنة نجد أنها:
تتفق مع نص المادة 44 ق م المصري و المادة 46 ق م السوري ، والمادة 43 ق م الأردني ، والمادة 85 ق م الإماراتي، والمادة 96 ق م الكويتي ، والمادة 49 ق م القطري .
وبذلك نجد أن المشرع الجزائري قد صاغ م 40 ق م التي تعتبر النص العام في النظام القانوني بنوع من الدقة، وكان مسايرا لما جاء في مختلف النظم القانونية العربية.
كما تكلم في نص المادة 42 بقوله"لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون.
وهذا النص يتفق مع نص المادة45 ق م المصري، و م 47 ق م السوري ، و م44 ق م الأردني، و م 86 ق م الإماراتي، والمواد 86إلى 95 من ق م الكويتي ،لأن المشرع الكويتي خص كل من الصغير الغير مميز والصغير المميز بأحكام خاصة ولكن توافق ما جاء في صلب م 42 ق م ج .
ـ كما توافق م 50 ق م القطري ، والمواد 73 إلى 75 ق م البحريني كون هذا الأخير أفرد للصغير غير المميز نصوص خاصة، وبذلك نجد أن نص المادة 42 مسايرا لباقي النصوص الواردة في القوانين المدنية العربية المقارنة .
وتكلم في نص المادة 43 بقوله"كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد، وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون" .
ـ وهذا النص يتفق مع نص م 46 ق م المصري، وم48 ق م السوري، والمادة 45ق م الأردني، و المادة 87 ق م الإماراتي، و م 51 ق م القطري، و م 77 ق م البحريني
وبذلك نجد أن نص المادة 43 مسايرا في مضمونه نسبيا للقوانين المدنية العربية المقارنة.
الفرع الثاني: أوجه الاختلاف مع القوانين العربية
لتبيان أوجه الاختلاف سنعمد أيضا إلى الرجوع إلى نفس القوانين العربية المقارنة التي استعرضناها سابقا.
يختلف القانون المدني الجزائري عن بعض القوانين العربية المقارنة بعد تصفحنا لها في حكم كل من المجنون والمعتوه،إذ اعتبر كلاهما عديمي أهلية دون أن يميز في عارض الجنون بين الجنون المطبق والجنون الغير مطبق ، وكذا في عارض العته بين الحالات التي ينعدم فيها التمييز والحالات التي يفسد فيها التدبير فقط ، واعتبر المعتوه غير مميز مطلقا وكذا في حكم صلح المعتوه في عقد الصلح .
وعليه سنبين أوجه الاختلاف من ثلاث نواح:
- حكم تصرفات المجنون
- حكم تصرفات المعتوه
- عقد الصلح
الناحية الأولى: حكم تصرفات المجنون .
نص المشرع الجزائري على الجنون في م 42 واعتبره عارضا معدما للتمييز بصفة مطلقة وتصرفات المجنون باطلة بطلانا مطلقا لانعدام التمييز، وبذلك لم يميز بين الجنون المطبق والجنون الغير مطبق، و بالرجوع إلى القانون المدني الأردني لاسيما نص م 127 منه التي نصت في الفقرة الثانية
2- المجنون المطبق هو في حكم الصغير غير المميز أما المجنون غير المطبق فتصرفاته في حال إفاقته كتصرف العاقل"
وكذا نص المادة 98 ق م الكويتي التي جاء فيها:
1- المجنون معدوم أهلية الأداء وتقع تصرفاته كلها باطلة.
2- وإذا كان المجنون غير مطبق وحصل التصرف في فترة أفاقة كان صحيحا .
3- ولا يغير من حكم تصرفات المجنون وفقا للفقرة السابقة أن تنصب عليه المحكمة قيما.
ومن خلال هذين النصين نكتشف الوجه الأول من الاختلاف، إذ نجد تفرقة بين الجنون المطبق والجنون الغير مطبق، واعتبر المجنون جنونا مطبقا في حكم الصغير غير المميز وتصرفاته باطلة،أما المجنون جنونا غير مطبق اعتبر في حكم البالغ العاقل وتصرفاته صحيحة.
و ما يلاحظ : أن هذا الاختلاف مسايرا لمعيار التمييز الذي كان هو المعيار المعتمد في النص على عوارض الأهلية، فحيثما انعدم التمييز كما في الجنون المطبق كان التصرف باطلا ، وحيثما وجد التمييز كما في الجنون الغير مطبق(فترة الإفاقة) كان التصرف صحيحا لأن القائم بالتصرف في هذه الحالة يتصرف مثل البالغ العاقل وهو ما يجعل هذا النص عادلا ويحفظ استقرار المعاملات وهنا نطرح السؤال:
ألا يعتبر ذلك قصورا في القانون المدني الجزائري الذي اعتبر الشخص مجنون بصفة مطلقة و تصرفه باطلا نظرا لكونه كان مجنونا قبل القيام بالتصرف رغم أنه كان فائقا وعاقلا وقت القيام بالتصرف.
ألا يعتبر هذا الحكم غير عادل ومساس بمصلحة القائم بالتصرف وخلفه من جهة وبمصلحة المتعاقد معه من جهة أخرى؟
الناحية الثانية : حكم تصرفات المعتوه .
نص المشرع الجزائري على العته في المادة 42 و اعتبره عارضا معدما للتمييز بصفة مطلقة و تصرفاته باطلة بطلانا مطلقا مثل المجنون لانعدام التمييز، و بذلك لم يميز بين العته الذي يعدم التمييز و العته الذي ينقص التمييز أو يفسد التدبير فقط ، وبالرجوع إلى النصين السالفين الذكر لاسيما نص المادة 127 من القانون المدني الأردني التي نصت في فقرتها الأولى " 1ـ المعتوه هو في حكم الصغير المميز ".
وكذا نص المادة 99 من ق م الكويتي التي نصت "تصرفات المعتوه تسري عليها أحكام تصرفات الصغير المميز المنصوص عليها في المادة 87 ، نصب عليه قيم أو لم ينصب "
ومن خلال هذين النصين نكتشف الوجه الثاني من الاختلاف، إذ نجد أن المعتوه أعتبر في حكم الصغير المميز .
وما يلاحظ : أن هذا الاختلاف يعتبر مساير ا إلى حد ما معيار التمييز للحكم ببطلان أو بصحة التصرفات كون أن المعتوه قليل الفهم ، وليس عديمه و كلامه مختلط، إلا أن قدراته العقلية سليمة و له نصيب معتبر من الإدراك مما يجعله في بعض الأحيان مثل الشخص المميز و تصرفاته صحيحة .
إلا أنه نرى هناك مبالغة في اعتبار المعتوه مثل الصغير المميز بصفة مطلقة ، ذلك أنه في بعض الحالات تتغلب صفة عدم الفهم و يصبح مثل المجنون ومن ثمة يأخذ تصرفه حكم تصرف المجنون مراعاة لانعدام التمييز .
ـ وهنا نطرح السؤال التالي : ألا يعتبر هذا قصورا في القانون المدني الجزائري عندما أعتبر المعتوه مثل المجنون بصفة مثلية رغم أنه في بعض حالات العته يكون المعتوه فاسد التدبير فقط ؟ و من الأجدر أن يكون في حكم الصبي الممـيز و لـيس المجنون ؟ .
ـ ألا يعتبر هدا الحكم غير عادل ومساس بمصلحة القائم بالتصرف و خلفه من جهة و بمصلحة المتعاقد معه من جهة أخرى عندما أعتبر المعتوه مثل المجنون و تصرفاته باطلة رغم أنه فاسدا للتدبير فقط مثل السفيه و ذا الغفلة في بعض الحالات؟
الناحية الثالثة: عقد الصلح
نص المشرع الجزائري على عقد الصلح في م 460 ق م ج وبقراءة هذا النص نجد أن عقد الصلح اعتبره المشرع الجزائري مثل باقي العقود أو التصرفات القانونية الأخرى وبذلك إذا أبرمه المجنون أو المعتوه فيكون باطلا بطلانا مطلقا، ذلك أنه اشترط فيمن يصالح أن يكون أهلا للتصرف بعوض في الحقوق التي يشملها عقد الصلح".
و لكن بالرجوع إلى القانون المدني الأردني لاسيما نص المادة 649 منه التي ن" صلح الصبي صت المميز والمعتوه المأذونين صحيح إن لم يكن لهما فيه ضرر بين وكذا الحكم في صلح الأولياء والأوصياء والقوام".
و كذا م 724 من القانون المدني الإماراتي" تضمنت نفس مضمون م 649 أعلاه، نكتشف الوجه الثالث من الاختلاف، إذ نجد أن المعتوه اعتبر في حكم الصبي المميز عند إبرامه لعقد الصلح.
ولا ندري العلة التي جعلت المشرع الأردني والإماراتي إيراد نص خاص بعقد صلح المعتوه و اعتباره مثل صلح الصبي المميز و ربما أن عقد الصلح لا يتطلب أهلية أداء كاملة ولكون المعتوه ناقص أهلية و ليس عديمها ، والملاحظة التي نأخذها من هذين النصين هي نفس الملاحظات التي لاحظناها عندما تطرقنا لحكم تصرفات المعتوه.
استنتاج : من خلال المقارنة التي أجريناها بين القانون المدني الجزائري والقوانين العربية المقارنة نجد أنه هناك اتفاق في النص العام للأهلية الوارد في نص المادة 40 من القانون المدني الجزائري، الذي جعل كمال الأهلية لمباشرة الحقوق المدنية يتوقف على بلوغ الشخص سن الرشد و التمتع بقواه العقلية من جهة وعدم الحجر عليه من جهة أخرى ولكن بالمقابل وجدنا هناك اختلاف في حكم كل من يتوافر فيه عارض الجنون والعته ذلك أن المشرع الجزائري اعتبر الجنون والعته عارضان يفقدان التمييز بصفة مطلقة ، ولم يولي اهتماما لتصرف المجنون في حالة الإفاقة أو حالة الجنون الغير مطبق و اعتبره باطلا ، وهذا يتنافى مع المعيار الذي على أساسه تبطل أو تصح التصرفات و هو التمييز ذلك أن المجنون غير المطبق يكون مميزا و يتصرف مثل البالغ العاقل و هذا خلافا لما فعله المشرع الأردني و الكويتي .
كما لم يولي اهتماما لتصرف المعتوه الذي لم يفقد قواه العقلية كلية و إنما فسد تدبيره فقط و اعتبره فاقد التمييز أيضا، و اعتبر تصرفه باطلا مثل المجنون، وهذا يتنافى مع معيار التمييز أيضا .
و لو نظرنا إلى هاتين الحالتين: حالة المجنون الغير مطبق وحالة المعتوه فاسد التدبير و أحيانا يكون مثل البالغ العاقل، لوجدنا أنهما متمتعان بقواهما العقلية، فإذا كانا بالغان سن الرشد و لم يحجر عليهما يكونا كاملا الأهلية لمباشرة حقوقهما المدنية وفقا لنص المادة 40 ق م ج أو على الأقل فيما يخص المعتوه فاسد التدبير فإنه يكون ناقص الأهلية و تصرفه يأخذ حكم الصبي المميز أو السفيه أو ذا الغفلة وفقا لنص المادة 43 ق م ج .
خلاصة الفصل الأول :
لقد رأينا بأن المعيار المعتمد لحصر عوارض الأهلية هو معيار التمييز كونه مناط الأهلية، و ينعدم التمييز عند كل من الصغير دون الثالثة عشر لعدم اكتمال القدرات العقلية و كذا المجنون و المعتوه لاعتراهما أمراض تذهب العقل فيلحقان بالصغير .
و ينقص التمييز أو يفسد التدبير عند كل من المميز لنقص القدرات العقلية و عدم قدرته على تدبير أموره في حالة المعاوضات و التبرعات و بالتالي عدم إنفاذ تصرفاته إلا تحت إشراف الغير، و كذا السفيه و ذي الغفلة اللذين يفسد تدبيرهما و يبذران أموالهما على خلاف مقتضى العقل و لذلك يلحقان بالصغير المميز .
و لو استمر المشرع على نفس المعيار في المنع من التصرف أو عدم إنفاذه، لكان ذلك معيارا جامعا شاملا كل من تتوفر فيه صفة انعدام التميز لأي سبب كان من جهة أو صفة فساد التدبير لأي سبب كان من جهة أخرى، و بذلك يصبح النظام القانوني لعوارض الأهلية شاملا لجميع الحالات التي يتحقق فيها هذا المعيار .
إلا أن المشرع و للأسف بدلا من الركون إلى معيار عدم التمييز و اعتباره هو الأساس لجأ إلى ذكر حالات على سبيل الحصر تحت تسميات معينة و هي : الجنون ،العته .
و بدلا من الركون إلى معيار نقص التمييز أو فساد التدبير لجأ إلى ذكر حالات على سبيل الحصر أيضا تحت تسميات السفه و الغفلة، و هو الأمر الذي جعل هذا النظام القانوني قاصرا على تغطية جميع الحالات التي تؤدي إلى عقود غير عادلة بالنسبة للمتعاقد و خلفه و هذا ما سنحاول البحث فيه في الفصل الثاني.

الفصل الثاني :العوارض غير المقننة و أثرها على النظام القانوني الجزائري

المبحث الأول: العوارض غير المقننة

المطلب الأول: السكر

السكر ليس جديدا على القانون بالنسبة لترتيب أثار قانونية عليه وخصوصا في إطار المسؤولية في القانون الجنائي في بعض الدول مثل القانون اللبناني، فالقانون الجنائي يعتبر السكر مانع من المسؤولية إذا نتج السكر عن سبب طارئ أو قوة قاهرة وأدى إلى فقد الوعي أو الإرادة في لحظة معاصرة لارتكاب الفعل الإجرامي،و السكر حالة عارضة ينحرف فيها الوعي أو تضعف السيطرة على الإرادة نتيجة لمادة أدخلت في الجسم،فالسكر أو التسمم حالة نفسية وإن كان مرجعها إلى تأثير مواد معينة على الجسم خاصة خلايا المخ.
فالسكر إذا مانع من موانع مسؤولية الشخص عن جريمة ارتكبها وحسب الشروط التي يعتد بها القانون إذا نتج عن سبب ليس لمرتكب الجريمة(السكران) دور فيه كأن تدس له المادة المسكرة بطعام أو شراب.
و يعد السكر من العوارض المكتسبة التي يعود سبب حصولها إلى المكلف ذاته أو بتأثير من الغير.
الفرع الأول : تعريفه و تأثيره على التمييز
تعريفه :
لغة: قيل معناه غيبوبة العقل واختلاطه من الشراب المسكر
اصطلاحا: هو زوال العقل بتناول الخمر وما يلحق بها بحيث لا يدري السكران بعد إفاقته ماكان منه حال سكره.
طرق السكر: السكر نوعان:
ـ سكر حاصل بطريق مباح كالسكر الحاصل بشرب الدواء.
ـ سكر حاصل بطريق محظور ودلك كالسكر الحاصل من الخمر.
تأثيره على التمييز : يرى كثير من الفقهاء أن السكر يزيل الأهلية فلا تصح منه العقود والأقوال والأفعال سواء كان أمرا مباحا كبعض الأدوية أو محظور كالخمر و سواء كان سكر مريدا مختارا أو مضطرا مكرها ، ويستدل هؤلاء على هذا الرأي كالتالي:
من الكتاب:
قوله تعالى " يا أيها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" ووجه الدلالة أن الله سبحانه وتعالى جعل قول السكران غير معتبر لأنه لا يعلم ما يقول وبأنه غير مكلف لانعقاد الإجماع على أن من شرط التكليف العقل ومن لا يعقل ما يقول فليس بمكلف.
من السنة: ما أخرجه أبو داود في سننه عن ثور بن يزيد الحمصي،عن محمد بن عبد بن أبي صالح عن صفية بنت شيبة- عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول لا طلاق ولا عتاق في غلاق"
ووجه الدلالة أن الإغلاق كل ما يسد باب الإدراك والقصد والوعي بجنون أو سكر، كذلك قوله صلى الله عليه وسلم" رفع القلم عن ثلاث "
ويروى في هذا حديثا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه" ليس لمجنون ولا لسكران طلاق، ويعلل ابن القيم ومن ذهب معه مثل الأحناف بأن السكران لا يعقل مهما كان السبب ومهما كانت المادة التي سكر بها.
وهناك رأي أخر لجمهور الفقهاء فلا ينظرون إلى السكر في حد ذاته باعتباره مزيلا للعقل مناط التكليف وعلة اعتبار التصرفات وجعلها أسبابا لأحكامها وأثارها ، بل ينظرون إليه في سببه وإلى وقوعه بالرضا أو بالإكراه.
فهم يرون أن السكر إن كان بالرضا وبأمر مباح كالدواء والبنج كانت التصرفات باطلة وكذلك إذا حدث السكر إكراها لأن السكران معذور لانعدام إرادته ، أما إذا حدث بإرادة الإنسان و قصده وبمادة محظورة كالخمر وما يجري مجراها لم يكن الإنسان معذورا فكل تصرفاته نافدة وصحيحة عقابا وزجرا له .
ـ ولكن الزجر والتنكيل يحصلان بتوقيع الحد الشرعي على السكران، فهو العقاب الوحيد الذي رتبه الشارع عن هذه الجريمة ، ومن المقرر شرعا وقانونا أن الجريمة لا يجوز أن يكون عقابها عقوبتان والعقوبة يجب أن لا تصيب غير المجرم، وتصرفات السكران يتعدى أثارها لغيره إلى حد كبير إذا باع أو اشترى فليس لنا إلا أن نبطل هذه التصرفات حماية وحفاظا على استقرار المعاملات بين الناس ما دمنا نستطيع أن نعاقب السكران وحده بتوقيع الحد الشرعي عليه وعليه إذا فرضنا أن سكيرا تلفظ بما يفيد عقد البيع أو شراء أو غير ذلك من العقود التي يشترط فيها القصد والاختيار كان كله باطلا لا قيمة ولا أثر له لزوال الأهلية.
الفرع الثاني : حكم تصرفات السكران في الشريعة الإسلامية
لقد ورد في حكم طلاق السكران أنه إذا تلفظ السكران بالطلاق فطلاقه غير واقع إذا انعدم وعيه وقصده ، وهو قول الكرخي والطحاوي ومحمد إبن سلمة من الحنفية وبعض المالكية والشافعية و الحنابلة ،وبهذا الرأي أخد قانون الأحوال الشخصية الأردني، السوري والمصري فقد نص القانون الأردني في م 88"لا يقع طلاق السكران ولا المد هوش ولا المكره والمعتوه ولا المغمى ولا النائم) كما نصت على دلك م 129 القانون المصري وم89 القانون السوري.
وبناءا على ذلك فإن السكران غير مسئول عن تلفظه بالطلاق إذا أثبت بالأدلة المقنعة أن وعيه وإرادته كانا متأثرين مباشرة بالسكر وأنه لم يكن بكامل وعيه وإرادته ، ويعود ذلك إلى قناعة القاضي وتقديره ومما يؤيد ذلك:
- أن عبادة السكران كالصلاة لا تصح بالنص والإجماع وكل من بطلت عبادته لعدم كمال وعيه وإرادته فبطلان طلاقه من باب أولى.
- إن وقوع طلاق السكران تعد عقوبة له على سكره وهذه العقوبة لا يتحملها هو فحسب بل تتعداه إلى غيره كزوجته و أولاده – فكيف يتحمل غيره نتيجة خطئه والله سبحانه وتعالى يقول" ولا تزر وازرة وزر أخرى"
- تكليف الشخص تبعة تصرفاته مناطه العقل والعقل معدوم بسبب السكر
* فالسكران إذن لا يعقل فهو إما معتوه وإما ملحق به لأن المعتوه في اللغة لا عقل له والسكران لا يعد مسيطرا على عقله كاملا.
* السكران غير عاقلا ولا فاهم لما يقول فلا يكون نطقه بلفظ الطلاق سببا يترتب عليه وقوع
الطلاق .
نتيجة : باعتبار الطلاق تصرف قانوني و لا يقع إذا صدر من شخص سكران فمن الأولى جعل التصرفات القانونية الأخرى كالبيع والشراء....الخ غير صحيحة إذا أبرمها من كان في حالة سكر نظرا لانعدام التمييز وقت صدور التصرف.
وعليه يعتبر السكر عارض من عوارض الأهلية
خلاصة: إن حالة السكر تلقي أمامنا نوعا جديدا من الأشخاص يمر أحدهم بحالة وهي السكر، وهو يفقد الوعي والإرادة وجعل قانونا مانعا من المسؤولية عن الجرائم في بعض القوانين الجزائية لأن صاحبه لا يعي ما يفعله، ومعنى ذلك أن قدراته العقلية تتعطل وبالتالي فإما أن نقول عنه بأنه منعدم التمييز وهذا هو الأرجح، لأن القانون الجنائي عامله معاملة الطفل عديم التمييز،والقانون الجنائي أيضا قرنه بالجنون في كونه مانعا من المسؤولية .
فلماذا لا نتوقف عند هده الحالة التي اعتبرها الفقه الإسلامي عارض من عوارض الأهلية. والسؤال الذي يطرح:" هل أن شخصا دست له مادة مسكرة في شراب ثم أبرم عقودا وهو تحت تأثير السكر وثبت أنه سكرانا في تلك اللحظة، فلماذا لا يقال عن هذا بأنه عارض أهلية الأداء.
وزيادة في التحوط وحتى لا يقال بأن ذلك قد يكون مدعاة لسيء النية من المتعاقدين لأن يتعاطى المسكرات ثم يذهب لإبرام عقوده ليطعن مستقبلا بأنه عديم الأهلية إن وجد بأنها غير مناسبة له ، ولكن خطة القانون الجنائي مع السكر تخلصنا من هذا الفرض أو التخوف، بحيث نعتبر من يسكر بإرادته عن نية الذهاب للتعاقدات فهو يعلم بأن السكر يؤثر على ملكاته ولكنه قبل، وبالتالي لا نعتد بالسكر الذي لإرادة المتعاقد دور في إحداث حالته بتناول المسكرات .
ألا يعتبر ذلك قصورا في تنظيم القوانين المدنية لعوارض الأهلية عندما يكون شخصا منعدم التمييز لأسباب ليس لإرادته فيها دور ومع ذلك نقر تعاقداته لأنه ليس مجنونا أو معتوها.

المطلب الثاني: الأمراض النفسية العصبية و العقلية

الفرع الأول: الأمراض النفسية
يتناول علم النفس الأمراض النفسية والعقلية تحت شكل تقسيمات وتصنيفات متعددة فهي إما أن تكون نفسية عصبية وإما أن تكون عقلية
تعريفها:
الانحرافات النفسية : أمراض وظيفية تكون بدون تلف في تركيب المخ، كما لا تنتج اختلال عضوي ، والمصاب بمرض نفسي أو نفسي عصبي قل أن يتميز سلوكه الاجتماعي بالشذوذ إلا أن سلوكه الذي يبدو طبيعيا هو مختلف عن الميول الداخلية والاتجاهات النفسية الخفية عن أعين الناس، وتتميز بوجود صراعات داخلية وتصدع في العلاقات الشخصية.
و الواقع أن المريض النفسي يقاد من قبل قوى غامضة و متسلطة لا سلطان له عليها وتلك هي الحال في العقد النفسية مثلا، وأهم ما يتميز به المريض النفسي هو عدم تلاؤمه مع بيئته.
أنواعها :
1) البار انويا: تعني الهذيان المزمن وفيها يسقط المريض مشكلاته على غيره من الناس ، ويرى نفسه ضحية لتآمرهم عليه ويقابل ذلك أن المريض يرى نفسه تارة أخرى في حالة من الانشراح والمرح والإحساس بالرضا عن الذات و الاعتقاد بالتفوق والشعور المفرط بالنشاط ولكنه مع ذلك يدرك أنه تحت كابوس من التوهمات .
2) البرافرينيا: هي شكل من أشكال البرانوية المنبثقة من الفصام وهو نوع من أنواع الأوهام الخيالية الحشوية.
3) التخشب: ويتأتى أساسا من عدة أسباب منها الشيزوفرينيا(الفصام)،والذهانات السمية- التهاب المخ .
4) زملة الخبل: وتنشأ في الغالب عن خلل يصيب لحاء المخ وتؤدي إلى ضعف عقلي تام يصيب بالعطب كلا من الانتباه والكلام والذاكرة ويعطل جميع ملكات التحليل والتعميم والحكم العقلي الناقد.
5) النقص العقلي: هو نمط من أنماط تدهور الشعور باعتبار الشعور أرقى محطات العقل البشري وأوثق اتصالا بالنفس ، وهو مرض يتمثل في الارتباط والتشويش إلى درجة فقدان أي إحساس بالأنا وتصبح هذه الأنا فاقدة لمعناها.
6) حالات التو هان: إن وضع الشخص الذي يكون في حالة توهان هو أشبه بوضع الشخص الذي يسير وهو نائم ، إذ يخرج إلى الشوارع ويقوم بأعمال بشكل آلي ولكنه لا يعي ماذا يفعل ولا يعير أدنى انتباه إلى ما يحيط به وكأنه يسير في بيت من زجاج يعزله عما حوله ووجود الناس حوله لا تأثير له فيما هو فيه من حالة توهان.
7) العصاب: هو اضطراب وظيفي نفسي في صورة أعراض نفسية وجسمية مختلفة يجد المريض نفسه مضطرا إلى أداء بعض الأفكار المتسلطة و المخاوف الشاذة و الشكوك التي لا أساس لها.
أعراضها وأثارها:
- فقدان السمات الأساسية التي تتميز بها كل شخصية
- صعوبة في التوافق النفسي و تبلغ هذه الصعوبة حد الاضطراب.
- إتلاف يصيب الجانب الفكري و يدهور الذاكرة.
- تدهور القدرة على أداء العمل العقلي ووجود نقص ملحوظ في الطاقة العقلية نفسها.
الفرع الثاني:الأمراض العصبية:
هي الأمراض التي ترجع إلى أسباب عصبية أي عضوية أو جسمية .
أنواعها:
1)الصرع : كلمة تعني حالة من الشعور بالهزيمة أو تعرض لهجوم ، والصرع مرض مزمن ينتاب المخ فيؤدي إلى تشنجات مختلفة حدة و شدة ويظهر على هيئة نوبات تصيب الشخص.
و هناك ثلاث أنواع رئيسية من نوبات الصرع هي:
ـ نوبة الصرع الكبير ، نوبة الصرع الخفيف ، النوبة النفسية الحركية ، وفي حالة نوبة الصرع الكبير و هي أكثر نوبات الصرع خطورة يفقد المريض الوعي فجأة و يسقط مالم يسنده أحد ، وخلال نوبة الصرع الخفيف يفقد المريض الوعي لثوان، و في النوبة النفسية الحركية يتصرف المريض بشكل انطوائي و غريب لعدة دقائق .
ـ أعراض الصرع:
يتصف الصرع بفقدان الوعي بصفة مؤقتة أو متطاولة وبالتحركات التشنجية غير الإرادية .
فالصرع هو مشكل صحي عصبي يتجلى بواسطة النوبات و الأزمات الصرعية الناتجة عن تفريغ تلقائي للخلايا العصبية التي تكون في حالة تهيج مفرطة يمكن تشبيهها بعاصفة كهربائية، و ينتج عن هذه النوبة حركات و حالة خارجة عن إرادة المصاب.
أثاره:
- فقدان الوعي و الذاكرة
- فقدان الكلام أو الكلام الغير مفهوم.
نتيجة : إن حالة الصرع حالة مرضية أكد فيها الأطباء الخبراء بأن المصابين بها لا يمكنهم تسيير شؤونهم بأنفسهم ويستوجب خضوعهم للولاية. ( أنظر ملحق رقم 01 )
و هو الأمر الذي فرض على القضاء الحكم بالحجر على المصابين بهذا المرض في دعاوى الحجر المعروضة عليهم . ( أنظر ملحق رقم 02 )
2) حالات الإدمان:
تعريفها: يعرف الإدمان أنه حالة نفسية تنتج عن التفاعل بين الفرد والمخدر، وتتميز باستجابات سلوكية وغير سلوكية تحتوي دائما على شعور قسري لتناول المخدر على أساس استمراري لكي يجد تأثيراته النفسية إلى درجة اعتماد المدمن النفسي و العضوي على المخدر للشعور بالارتياح، ويؤدي انقطاعها إلى اضطرابات عضوية شديدة
وتعرف المخدرات بأنها مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان وتسمم الجهاز العصبي و تؤثر على العقل حتى تكاد تذهبه.
أثارها:
يثبت الكحول أو المخدر الجهاز العصبي المركزي ، وهو مشبط أيضا للمراكز العليا بالمخ ويترتب عن نسبة الكحول من :0،1 إلى 0،2 عدم اتزان و عن نسبة0،35- غيبوبة 0،55
غيبوبة
- يؤدي الإدمان إلى تغير مفاجئ غير طبيعي في السلوك.
- اضطراب في إدراك الواقع ( الإدراك الحسي)
- تدهور في القدرة العقلية
- افتقاد القدرة على حسن تقدير الأمور.
- تدهور الكفاءة الذهنية عموما.
الفرع الثالث: الأمراض العقلية:
يتكلم العلم الحديث عن أمراض ليست من الجنون والعته في شيء، ولكنها تضعف الإرادة
تعريفها:
هي اضطراب الشخصية واختلال في القوة العقلية وعدم القدرة على إدراك الواقع.
أنواعها
1) الفصـام:( schizophrénie): معناها:تتكون من كلمتين: سكيز schiz ومعناها الانفصام وفر ينيا(phrenia) ومعناها العقل أي انفصام العقل وليست الشخصية.
ويعرف بأنه مرض يتميز باضطراب في التفكير والوجدان والسلوك الاجتماعي، كما يفقد الفرد شخصيته ويصبح في منعزل عن العالم الحقيقي. و هو من أكثر الأمراض العقلية النفسية انتشارا.
ويعني الفصام ظاهرة تفكك الشخصية وفيها يرتبط الشخص بنشاطه الحركي (انفعالاته) وليس بحياته الواقعية كأن يعتقد بأن من حوله يتآمرون عليه .
ـ ومن أعراض هدا المرض:
الخمول- البلادة والنقص في الانفعالات الحيوية وأيضا السريعة والمفاجئة مثل الصرخات العالية والاعتداء على أثاث الغير وتكسيره وتدميره .
ومرضى الفصام مرضى غير عدوانيين ولا يميلون للعنف وإنما يفضلون الانطواء والعزلة.
أثاره:
- يجعل الشخص يجد صعوبة في التفريق بين الشيء الحقيقي والغير حقيقي أو الواقعي والغير واقعي.
- اضطراب الفكر الذي يؤثر على التفكير السليم والتبرير المنطقي.
- ضعف التركيز وتقلب المزاج وخلط ذهني مع وجود أفكار غربية.
- عدم ترابط الكلام وعدم القدرة على الفهم.
- الهيجان الشديد بدون هدف وبدون سبب ويحطم كل ما يقابله في طريقه.
نتيجة : إن مرض الفصام مرض أكد فيه الأطباء الخبراء بأن المصابين به يمنع عليهم تسيير أمورهم بأنفسهم و من الضروري وضعهم تحت الولاية .(أنظر ملحق رقم 01 )
و هو الأمر الذي فرض على القضاء الحكم بالحجر على المصابين بهذا المرض
( أنظر ملحق رقم 02 )
02 ) الذهان:
تعريفه:هو اضطراب عقلي خطير و خلل شامل في الشخصية يجعل السلوك العام للمريض مضطربا و يعوق نشاطه الطبيعي.
والمصاب به يتكلم ويتصرف بشكل غير طبيعي ويكون غير مدرك كليا لعواقب تصرفاته .
و يصنف الذهان إلى قسمين رئيسيين :
الذهان العضوي: وهو الذي يرجع فيه المرض إلى أسباب و عوامل عضوية و يرتبط بتلف في الجهاز العصبي .
الذهان الوظيفي: أي النفسي المنشأ و هو مرض عقلي و أهم أشكاله :الفصام ، الهذاء ، ذهان الهوس.
و المريض بالذهان تتفكك شخصيته و تتشوه و تفقد تكاملها و يبدو سلوك المريض غريبا شاذا بدائيا مضطربا بشكل واضح بعيدا عن طبيعة الفرد، ولا يساير المعايير الاجتماعية و لا يهتم المريض بنفسه و لا بيئته و يتدهور مظهره العام .
آثاره:
ـاضطراب النشاط الحركي و تميزه بأوضاع غريبة و حركات شاذة ، وعدم الاستقرار و الهياج و التخريب .
ـ اضطراب التفكير و الذاكرة و الإدراك .
ـ اضطراب الكلام و عدم تماسكه و لا منطقيته .
ـضعف البصيرة أو فقدانها و أحيانا يكون هناك انفصال كامل عن الواقع.
ـ اضطراب الانفعال و يبدو التوتر و التهيج و قد تراود المريض فكرة الانتحار.
03 ) التخلف العقلي: هو حالة من عدم تكامل نمو خلايا المخ أو توقف نمو أنسجته منذ الولادة ، ويعرف بأنه نقص الذكاء الذي ينشأ عنه نقص التعلم والتكيف مع البيئة على أن يبدأ ذلك قبل بلوغ الثامنة عشر من العمر بخلاف الجنون الذي يحدث بعد اكتمال نمو العقل ، والتخلف العقلي ليس مرضا وإنما هو ظاهرة مرضية تنشأ عن أسباب وراثية أو مكتسبة.
ويقصد به نقص الوظيفة الذكائية الواضح عن الطبيعي وعند الأطباء يوصف المتخلف عقليا بالمعاق ذهنيا ( إعاقة عقلية)
آثاره:
- انعدام التمييز كلية كونه لا يعرف حقيقة الأشياء ولا يمكنه القيام بأي تصرف كان
- نقص التمييز كونه يعرف بعض التصرفات مثل الصبي المميز ولكنه يتصرف وفقا لتعليمات الغير الذين يحيطون به.
نتيجة: إن الأشخاص الذين يعانون من تخلف عقلي ،أكد أيضا الأطباء الخبراء بأنهم غير مسئولين و غير مؤهلين لتسيير أموالهم و تصرفاتهم بأنفسهم و من الضروري وضعهم تحت الولاية.( أنظر ملحق رقم01 )
و هو الأمر الذي فرض على القضاء الحكم بالحجر على المصابين بتخلف ذهني و تعيين لهم مقدما لإدارة شؤونهم .(أنظر ملحق رقم 02 )
الفرق بين المريض النفسي والمريض العقلي:
- المريض النفسي يعي مرضه أو ما به من حالات نفسية غير سوية، كما يعي جيدا سلوكه ونشاطاته الفردية والاجتماعية فعلى سبيل المثال: إن المصاب بالهلوسة (انحراف بالحس والإدراك) قد يرى أو يسمع أشياء لا وجود لها في الواقع إلا أنه يعلم جيدا أن هذه الأشياء التي يسمعها أو يراها لا وجود لها ، لذلك يكون سلوكه طبيعيا وعاديا.
أما المريض العقلي فهو بالعكس قد يرى أو يسمع أشياء لا وجود لها، ولكنه وهذا ما يميزه يقتنع فعلا بوجودها ويكون بموجب ذلك سلوكه ونشاطاته وحركاته.

المبحث الثاني : أثرها على النظام القانوني الجزائري

بعد التطرق إلى حالة السكر والأمراض العقلية والنفسية والعصبية والتي بعضها معدمة للتمييز أو على الأقل تفسد تدبير الشخص مع أنها ليست جنونا ولا عتها ولا سفها ولا غفلة يمكن أن نطرح التساؤلات الآتية:
ـ ألا يمكن الجزم مع هذه الحقائق بالقول بأن نظام عوارض الأهلية في القوانين المدنية مشوب بالقصور، وأن هناك حالات ينعدم فيها التمييز أو يفسد فيها التدبير دون أن يكون نظام عوارض الأهلية بقادر على تغطيتها أو أنه يتسع لها.
ـ ألا يعتبر الحكم بإقرار تصرف السكران الذي لم يكن له دور في سكره حكم غير عادل بالنسبة له أو لخلفه ، حتى يمكن القول بأن السكر عارض أهلية يجب الاعتداد به.
ـ لقد ثبت ما نقول به من مجرد المقارنة لنظام عوارض الأهلية في القوانين المدنية مع نظيره في فقه الشريعة الإسلامية وما اكتشفه العلم الحديث من أمراض بأن، المعيار المعتمد يشوبه الغموض وأن الحالات التي جاءت بها القوانين المدنية العربية بما فيها القانون المدني الجزائري يشوبها القصور عن تغطية كل الحالات التي يجب أن لا تنفد تصرفات أصحابها لاختلال في قدراتهم العقلية.
ـماذا يمكن أن يكون الحل ما دمنا قد انتهينا إلى هذه النتيجة ؟
ـ الحل هو أنه سنعمد إلى اقتراح نظام عوارض أهلية جديد ينبني على معايير موضوعية لنظام عوارض الأهلية و نظام قانوني مقترح لعوارض الأهلية
و لن يكون ذلك من باب الافتراض أو الإتيان بما يهدم النص القانوني التقليدي ولكنه استخدام لنفس النص القانوني بطريقة جديدة.
و سنعالج ذلك في المبحث الثاني من هذا الفصل نتطرق في المطلب الأول إلى المعايير الموضوعية لعوارض الأهلية و في المطلب الثاني للنظام القانوني المقترح لعوارض الأهلية.

المطلب الأول : المعايير الموضوعية المقترحة .

لبيان المعايير الموضوعية ننطلق من النتيجة التي وجدت عوارض الأهلية لأجلها، وهي المنع كليا من إبرام التصرفات القانونية أو عدم نفاذ التصرفات إلا تحت إشراف الغير، وهذه النتيجة تحققت وهي المنع من التصرف كليا في شخص أخر غير من يتحقق به عارض أهلية وهو الصغير عديم التمييز دون سن الثالثة عشر،
وتحققت نتيجة عدم إنفاذ التصرفات في القاصر الذي يبلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد وبناءا عليه سنتحرى دوافع القانون أو لنسميها العلل أو الحكم التي جمع فيها الصغير والمجنون والمعتوه أحيانا ، وجمع بناء عليها أيضا بين القاصر والسفيه وذي الغفلة، فلعل ذلك يهدي إلى العامل المشترك لاستخراج معيار موضوعي مجرد نقترح بموجبه نظام عوارض أهلية بطريقة جديدة.
لقد جمعت القوانين بين الصغير الغير مميز والقاصر ومن تحقق به عارض أهلية في إطلاق حكم القانون على تصرفاتهم جميعا، وعليه سنبدأ بالصغير الغير المميز، نرى أن معيار منعه من التصرف هو انعدام التمييز و انعدام التمييز تقرر وجوده لمجرد كون الصغير دون سن الثالثة عشر منعدم التمييز ويلحق بحكم الصغير المجنون والمعتوه في بعض القوانين، لأن الجنون والعته يؤدي إلى انعدام التمييز وانعدام التمييز سببه أن الجنون والعته أمراض تذهب العقل بمعنى أن القدرات العقلية اعتبرت مثل قدرات الصغير الذي لم يبلغ سن الثالثة عشر.
ويقابل ذلك تماما حكم تصرفات القاصر، الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد حيث جرت المساواة بين حكم تصرفات القاصر والسفيه وذي الغفلة باعتبارهم جميعا ناقصي الأهلية، و أرجعت العلة في ذلك إلى فساد تدبير السفيه وذي الغفلة وعدم قدرة القاصر على تدبير أموره في حالة المعاوضات، بمعنى أن القدرات العقلية كانت أيضا هي المناط.
ـ ومسيرة المشرع في تدرجه عندما يبدأ في تحديد الحكم للصغير غير المميز و يعتبره عديم الأهلية ، ثم القاصر المميز ليس لسبب إلا لعدم قدرته على تدبيره أموره في المعاوضات ( افتراض فساد تدبيره)، يأتي المشرع للمجنون والمعتوه ، وبدلا من الركون إلى معيار عدم التمييز وجعله هو الأساس والمعيار، يذكر الجنون والعته، ولو استمر المشرع على نفس الخطة التي اعتبرها كل من هو دون الثالثة عشر عديم التمييز وكل من هو دون التاسعة عشر فاسد التدبير في المعاوضات والتبرعات دون تمييز بين شخص وأخر، فهو بذلك يضع معيارا عاما يشمل كل من بلغ سن الرشد إذا توافرت صفة معينة وما هي هذه الصفة ، لقد كانت على الدوام عدم التمييز أو فساد التدبير ولو فعلها المشرع لكانت خطته متناسقة موافقة لما بدأ به مع الصغير دون سن الثالثة عشرة و القاصر دون التاسعة عشرة (سن الرشد).
ـ إن المعيار الانتقائي بعد سن الرشد الذي انتهجه المشرع بذكر أمراض بعينها أدى إلى غموض المعيار وقصور الحالات عن تغطية جميع حالات عدم التمييز أو فساد التدبير.
إن المعايير التي يجب أن تحدد بناءا عليها عوارض الأهلية معايير موضوعية ، حتى نتجنب المعيار الانتقائي الذي يؤدي إلى الازدواج- بمعنى إثبات وجود الجنون وعدم التمييز معا و اعتبار الجنون متضمن معنى عدم التمييز، لأن هناك حالات غير الجنون كالسكر والأمراض العقلية أو العصبية أو النفسية كما رأينا ينعدم فيها التمييز .
ويقصد بالمعايير الموضوعية هي أن نعمد إلى صفة عامة تجمع كل حالة تؤدي إلى نفس النتيجة لتندرج تحت معناها ، وهي بالنسبة لعوارض الأهلية حتى تجمع كل حالات انعدام
التمييز وفساد التدبير يجب أن تكون هي نفسها انعدام التمييز و يؤدي إلى انعدام الأهلية، و فساد التدبير معيار أخر لاعتبار البالغ قد عاد ليكون قاصرا تندرج تحت هذين الوصفين جميع الحالات التي قد تؤدي إلى عقود غير عادلة بالنسبة للمتعاقد وخلفه، ولتوضيح هذه المعايير الموضوعية نقترح نظام عوارض أهلية ليس غريبا على ما فعله المشرع ، بل يستخدم هذا النظام المقترح نفس الأدوات التي استخدمها المشرع على الدوام هذا الاقتراح سيكون موضوع المطلب الثاني.

المطلب الثاني : النظام القانوني المقترح لعوارض الأهلية:

سنعمد إلى استخدام معيار موضوعي بالنسبة لحالة انعدام التمييز و المفترضة افتراضا بالنسبة للطفل دون سن الثالثة عشر، فيساوى في المعاملة معه كل من ينعدم تمييزه بعد بلوغ سن الرشد أو سن التمييز لأي عارض من العوارض مع وضع قيد لإخراج حالات السكر التي يتخوف من يلجأ إليها المتعاقد ليطعن في عقوده بعد إبرامها بناء عليها ، وهو السكر الذي يقدم عليه المتعاقد بإرادته بحيث ندخل على معيار عدم التمييز كعارض من العوارض قيدا وهو اشتراط أن لا يكون الشخص عديم التمييز قاصدا الوصول بنفسه إلى حالة انعدام التمييز.
وسنعمد إلى استخدام معيار موضوعي أخر بالنسبة لحالة فساد تدبير الشخص و المفترضة في القاصر الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد، فيساوى في المعاملة معه كل من فسد تدبيره بعد بلوغ سن الرشد لأي عارض من العوارض مع وضع القيد الذي وضعناه بالنسبة لحالة السكر لأن السكر قد يفسد التدبير فقط دون إذهاب العقل نهائيا'
و سنأخذ مثالا على ذلك النصوص الخاصة بعوارض الأهلية في القانون المدني الجزائري و النصوص الخاصة بالحجر في قانون الأسرة الجزائري ، فنوردها ثم نورد بعدها مباشرة نفس النصوص، مع وضع المعيار الموضوعي المقترح بدلا من العوارض المذكورة في هذه النصوص'
كما سنقترح نصوصا جديدة تتعلق بمسألة الحجر الذي أورده المشرع الجزائري في قانون الأسرة في الفصل الخامس تحت عنوان الحجر، و ذلك لوجود غموض في نص المادة 107 التي جعلت تصرفات المحجور عليهم بعد الحكم بالحجر باطلة و قبل الحكم إذا كانت أسباب الحجر ظاهرة و فاشية وقت صدورها ، و قد بينا آنفا بأن هذا النص يخاطب المحجور عليهم عديمي الأهلية ، و لا يوجد نص خاص بالحجر على ناقصي الأهلية .
النصوص الواردة في القانون المدني الجزائري:
المادة 40 ق م ج : كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية ،و لم يحجر عليه ،يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية .
و سن الرشد تسعة عشر 19 سنة .
المادة 42 ق م ج : لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن، أو عته، أو جنون .
يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاث عشرة سنة .
المادة 43 ق م ج : كل من بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد ، و كل من بلغ سن الرشد و كان سفيها ، أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون
و فيما يلي النظام المعياري المقترح كتعديل للنصوص السابقة :
المادة 40 ق م ج : تبقى بدون تعديل
المادة 42 مقترح : لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو أي عارض يؤدي إلى فقد التمييز بعد بلوغ سن التمييز أو سن الرشد .
يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاث عشرة سنة.
المادة 43 مقترح : كل من بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد و كل من بلغ سن الرشد و كان فاسد التدبير لأي عارض ، يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون .
مادة إضافية مقترحة : في كل الأحوال لا يعتد بأي عارض يعدم التمييز أو يفسد التدبير إذا كان الشخص سيئ النية و قصد الوصول بنفسه إلى حالة انعدام التمييز أو فساد التدبير .
النصوص الواردة في قانون الأسرة الجزائري :
المادة 101 ق أ ج : من بلغ سن الرشد و هو مجنون ، أو معتوه ، أو سفيه ، أو طرأت عليه إحدى الحالات المذكورة بعد رشده يحجر عليه .
المادة 107 ق أ ج : تعتبر تصرفات المحجور عليهم بعد الحكم باطلة ،و قبل الحكم إذا كانت أسباب الحجر ظاهرة و فاشية وقت صدورها .
و فيما يلي النظام المعياري المقترح كتعديل للنصوص السابقة :
المادة 101 مقترح : عديم التمييز لأي سبب غير الصغر ، و فاسد التدبير لأي سبب كان تحجر عليهم المحكمة وفقا للقواعد و الإجراءات المقررة قانونا .
المادة 107 مقترح : (تعتبر تصرفات المحجور عليهم لفقد التمييز بعد الحكم باطلة، و قبل الحكم إذا كانت أسباب الحجر ظاهرة و فاشية وقت صدورها )
المادة 107 مكرر إضافية مقترحة :
( تسري على تصرفات المحجور عليهم لفساد التدبير ما يسري على تصرفات الصبي المميز من أحكام .)
خلاصة الفصل الثاني:
بمجرد مطالعة النصوص المقترحة يظهر لنا بأننا استبدلنا عوارض الجنون ،العته ، السفه ، الغفلة بمعايير موضوعية ، حيث استبدلنا الجنون و العته بمعيار انعدام التمييز لأي عارض و استبدلنا السفه و الغفلة بمعيار فساد التدبير لأي عارض ، و اشترطنا إضافة لذلك أن لا يكون الشخص قاصدا الوصول بنفسه إلى العارض الذي يعدم التمييز أو يفسد التدبير .
ـ هذه النصوص المقترحة تجعل المجنون جنونا مطبقا و المعتوه فاقد التمييز و المصابين ببعض الأمراض العقلية و النفسية و العصبية و مدمن المخدرات منعدم التمييز و السكر الشديد الذي يعدم التمييز شريطة عدم قصد الأخيرين الوصول بأنفسهم إلى هذه الحالات للاستفادة منها في تصرفاتهم عديمي الأهلية ، كما تجعل السفيه و ذي الغفلة و المعتوه ناقص التمييز و بعض المصابين بالأمراض النفسية و كذلك السكر الذي ينقص التمييز ناقصي الأهلية .
و بذلك يصبح النظام القانوني لعوارض الأهلية يشمل كل من يعترض أهليته أي عارض سواء كان معدم للتمييز أو مفسد للتدبير.
الخـاتمة :
لقد اتضح لنا من خلال هدا البحث بأن هناك سببا رئيسيا في قصور النظام القانوني الجزائري لعوارض الأهلية ، وهو الاتكاء على النظم القانونية التقليدية القديمة دون بذل محاولات لإعادة النظر فيها.
فالجنون مثلا عارض أهلية ولا يمكن إنكار ذلك ، وصحة كون الجنون كحالة عارض أهلية أدت إلى الاتكاء على ذلك قرونا طويلة دون بذل محاولة من قبل المشرع للاستغناء عن حالات فردية بعينها كعوارض أهلية بنظام معياري يسمح بتغطية حالات تستجد مع تقدم الزمان تؤدي إلى نفس نتيجة الجنون كمرض وما يماثله من الحالات التي تؤدي إلى انعدام التمييز وفساد التدبير.
و قد ظهر لنا بأن الشريعة الإسلامية التي أقرت كون الجنون والعته والسفه والغفلة عوارض أهلية لم تتوقف عند هدا الحد، فالشريعة كنظام قانوني والتي تميز الفقه فيها ببحث الحالات الفردية والحلول الوقتية أكثر من ميله لبناء النظريات، لم يتردد هذا الفقه في اعتبار السكر عارض أهلية وكان ذلك على خلاف القوانين المدنية،كما ظهر لنا بأن بعض النظم القانونية العربية المقارنة سارت على نفس المنهاج الذي انتهجته الشريعة الإسلامية وذلك بالتمييز بين أنواع الجنون وكذا العته بناءا على معيار التمييز وكل ذلك بهدف حماية المصالح الخاصة للأفراد.
أما النظام القانوني الجزائري فقد عرف تجديدا ، وذلك باستدراكه بعض عوارض الأهلية التي تضمنتها بعض النظم القانونية العربية المقارنة مند حقبة طويلة من الزمن ويتمثل هذا التجديد في إضافة عارض أهلية جديد وهو الغفلة في تعديل القانون المدني بالقانون رقم
05-10 المؤرخ في20 يونيو 2005 و ذلك في نص المادة 43 .
و بهذا التعديل يصبح مشابه لبعض النظم القانونية العربية المقارنة ، إلا أنه يبقى نظاما قانونيا قاصرا و تشوبه عيوب سواء من ناحية الصياغة القانونية التي لا تميز بين الجنون المطبق و الغير المطبق و لا تميز بين المعتوه الفاقد للتمييز و المعتوه المميز مما يشكل تناقضا بين النصوص القانونية التي عالجت عوارض الأهلية أي بين المادة 40 و42 و43 من ق م ج كما أوضحنا سابقا هدا من جهة ، ومن جهة أخرى يظهر القصور في عدم تغطية جميع الحالات التي تعرضنا لها في بحثنا هذا و المتمثلة في السكر و بعض الأمراض النفسية و العصبية و العقلية غير الجنون و العته وثبت أنه فيها ما يعدم التمييز و فيها ما يفسد التدبير . وهذا ما يؤكد بأن النظام القانون الجزائري لعوارض الأهلية تشوبه عيوب .
و هو الأمر الذي يجب التخلص منه ، و ذلك بمحاولة تجديده و انتهاج نظام معياري جديد يسمح بتغطية جميع الحالات التي تستجد مع تقدم الزمان وتؤدي إلى نفس نتيجة الحالات التي وردت في في القانون المدني الجزائري ، إما بانعدام التمييز أو فساد التدبير .
و نأمل أن يكون بحثنا هدا المتواضع محاولة لبعث روح التطور و معاصرة التشريع في القانون الخاص، و أن يحظى بالاهتمام من طرف السلطة المكلفة بالتشريع بغية حماية المصالح الخاصة للأفراد .
المـراجـع
أولا : المراجع المكتوبة:
الكتب :
1) د/ أمجد محمد منصور : النظرية العامة للالتزامات ، مصادر الالتزام ، دار النشر عمان ، الطبعة الأولى 2003 ,
2) د/ أنور سلطان : المبادئ القانونية العامة ، دار النهضة العربية ، طبعة 1974
3) د/ إسحاق إبراهيم منصور : نظرية الحق و القانون و تطبيقاتهما في القوانين الجزائرية ، ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون الجزائر الطبعة الثانية 1990
4) د/ توفيق حسن فرج : المدخل للعلوم القانونية ، مطبعة عيتاني الجديدة 1984
5) د/ جمال مهدي محمود الأكشة : مسؤولية الآباء المدنية عن لأبناء القصر في الفقه الإسلامي و القانون الوضعي ، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية 2006
6) د/ جمعة سمحان الهلباوي : الأهلية و عوارضها و الولاية العام و الخاصة و أثرهما في التشريع الإسلامي ، دار الهدى عين مليلة الجزائر 1993
7) محمد أبو زهرة : محاضرات في الوقف ، دار الفكر العربي القاهرة 1972
8) د/ محمد تقية : الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام في القانون الجزائري و الشريعة الإسلامية ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1984
9) محمد مصطفى شلبي : أصول الفقه الإسلامي ، ج1 دار النهضة العربية طبعة 1984 .
10) د/ محمد سعيد جعفور : تصرفات ناقص الأهلية المالية في القانون المدني الجزائري و الفقه الإسلامي ، دار هومة الجزائر طبعة 2002 ,
11) د/ محمد صبحي محمصاني : النظرية العام للموجبات و العقود في الشريعة الإسلامية ، دار العلم للملايين طبعة 1983 .
12) د/ محمد صبحي محمصاني : المبادئ الشرعية و القانونية في الحجر و النفقات و المواريث و الوصية ، دار العلم للملايين طبعة 1984 .
13) د/ محمد يوسف موسى : الأموال و نظرية العقد في الفقه الإسلامي ،دار الفقه العربي طبعة 1987 .
14) د/ محمود نجيب حسني : شرح قانون العقوبات اللبناني القسم العام ، دار النقري للطباعة طبعة 1985 . شرح قانون العقوبات القسم الخاص دار النهضة العربية ، القاهرة
ط 1992
15) د/ عبد المجيد الحكيم : الكافي في شرح القانون المدني الأردني و القانون المدني العراقي و القانون المدني اليمني في الالتزامات و الحقوق الشخصية ج1 ،
الشركة الجديدة للطباعة عمان طبعة 1993 .
16) د/ عبد المنعم البد راوي : مبادئ القانون ، طبعة 1985 .
17) د/ عبد المنعم فرج الصده : أصول القانون ، دار النهضة العربية طبعة 1978 .
18) د/ عبد القادر الفار: مصادر الالتزام ـ مصادر الحق الشخصي في القانون المدني دار الثقافة للنشر و التوزيع الأردن 2004 .
19) د/ سليمان مرقص : الوافي في شرح القانون المدني ج1 ـ المدخل للعلوم القانونية ايريني للطباعة طبعة 1987 .
20) د/ شمس الدين الوكيل : محاضرات في النظرية العامة للحق ، مطبعة نهضة مصر
21) د/ وحيد الدين سوار : التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي ، الشركة الوطنية النشر و التوزيع الجزائر طبعة 1979 .
التقنينات المدنية :
1) الأمر رقم 75 ـ 78 المؤرخ في 20 رمضان 1395 الموافق ل 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني الجزائري المعدل و المتمم بالقانون رقم 80 ـ 07 المؤرخ في 09 غشت 1980 و القانون رقم 83 ـ 01 المؤرخ في 29 يناير 1983 و القانون رقم 84 ـ 21 المؤرخ في 08 ديسمبر 1987 و القانون رقم 88 ـ 14 المؤرخ في 03 مايو 1988 و القانون رقم 89 ـ01 المؤرخ في 07 فبراير 1989 و القانون رقم 05 ـ 10 المؤرخ في 20 يونيو 2005 .
2) القانون رقم 84 ـ 11 المؤرخ في 09 رمضان 1404 الموافق ل 09 يونيو 1984 المتضمن قانون الأسرة الجزائري المعدل و المتمم بالأمر 05 ـ 02 المؤرخ في 27 فبراير 2005
3) القانون رقم 131 الصادر في 16 / 07 / 1948 المتضمن القانون المدني المصري .
4) المرسوم التشريعي رقم 84 الصادر بتاريخ 18 / 05 / 1949 المتضمن القانون المدني السوري.
5) القانون رقم 43 لسنة 1976 المؤقت و أصبح دائم بموجب الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ
16 / 03 / 1996 ، جريدة رسمية رقم 4106 و المتضمن القانون المدني الأردني .
6) القانون رقم 67 لسنة 1980 و المتضمن القانون المدني الكويتي .
7) القانون الاتحادي رقم 05 لسنة 1975 المتضمن قانون المعاملات المدنية الإماراتي .
8) القانون رقم 19 لسنة 2001 و المتضمن القانون المدني البحريني .
9) القانون رقم 16 لسنة 1971 و المتضمن قانون المواد المدنية و التجارية القطري .
ثانيا :المراجع الإلكترونية :
1) محمد محاسنة ، مدى كفاية النظام القانوني لعوارض الأهلية ،دراسة مقارنة مع الفقه الإسلامي، القسم الخاص كلية الحقوق جامعة مؤتة الأردن، بحث بتاريخ 11 /12 /1994
www.arablawinfo.com
2) بسام الهلول ، مدى مسؤولية السكران في تلفظه بالطلاق ـ كلية الشريعة جامعة مؤتة
الأردن ، بحث بتاريخ 22 /03 /2004 .
www.arablawinfo.com
3) جريدة الرياض اليومية ، مقال منشور في 18 /07 /2003
www.alriyadh-np.com
4)أحمد سعد الدين ، منتديات العز الثقافية ،الأمراض النفسية و العقلية ، مقال منشور في
. www.alzez.com 13/01 /2005
5) أيمن كمال السباعي ، الأمراض النفسية و العقلية و علاقتها بالمسؤولية الجنائية
منتديات واتا الحضارية ، مقال منشور في 06 /11 /2007 .
www.groups.google.com
6) د/ محمود جمال أبو العزائم ، واحة النفس المطمئنة
www.alazayem.com
7) علي رمضان محمد ازبيده ،النظرية العامة للأهلية ـ عوارض الأهلية
www.2000albalagh.com
www.mousat.org 8) د/ عماد بن يوسف الدوسري .
www.iu.edu.sa الكحولي ) د/ أبو الفاء عبد الآخر،الخمر و الإدمان 9 )
10) منتديات طبية ،الأمراض العقلية و النفسية مقال منشور في 05 /11 /1426 .
www.6abib.com
11) الأمراض النفسية العصبية ، أعراضها و علاجها مقال في 24 /07 /2007 .
www.bab.com
12)الأمراض العقلية و النفسية و علاجها مقال في 15 /06 /2006 ,
www.alhiyak.com
13) الموسوعة الطبية ، نقلا عن جريدة الرياض العدد 13030 مقال منشور في 03 محرم 1425
www.khayma.com
14 )مجلة المجلس العربي للاختصاصات الطبية ، دمشق العدد 1 2003 مقال منشور
. www.2004sience.arabs.com في 14 /12 /1421
الفـهـرس :
الموضوع الصفحة
المقدمة ................................................................................. 01
الفصل الأول : عوارض الأهلية الواردة في القانون ...................................... 07
المبحث الأول : عوارض الأهلية الواردة في القانون المدني الجزائري ................. 07
المطلب الأول : العوارض التي تعدم التميز ............................................07
الفرع الأول : الجنون ................................................................07
الفرع الثاني : العته ..................................................................12
المطلب الثاني : العوارض التي تنقص التمييز ........................................14
الفرع الأول : الصغر ................................................................15
الفرع الثاني :السفه ..................................................................17
الفرع الثالث : الغفلة ................................................................ 20
المبحث الثاني : المقارنة ين عوارض الأهلية في القوانين العربية و الفقه
الإسلامي ........................................................... 22
المطلب الأول :المقارنة بين القانون المدني الجزائري و الفقه الإسلامي ................22
الفرع الأول : أوجه الاتفاق مع الفقه الإسلامي ........................................22
الفرع الثاني : أوجه الاختلاف مع الفقه الإسلامي .....................................22
المطلب الثاني : المقارنة بين القانون المدني الجزائري و القوانين العربية ..............23
الفرع الأول : أوجه الاتفاق مع القوانين العربية .......................................23
الفرع الثاني : أوجه الاختلاف مع القوانين العربية .....................................24
الفصل الثاني :العوارض غير المقننة وأثرها على النظام القانوني الجزائري ................28
المبحث الأول : العوارض غير المقننة ..................................................28
المطلب الأول : السكر ..................................................................28
الفرع الأول: تعريفه و تأثيره على التمييز ...............................................29
الفرع الثاني : حكم تصرفات السكران في الشريعة الإسلامية .............................30
المطلب الثاني : الأمراض النفسية العصبية و العقلية .....................................32
الفرع الأول : الأمراض النفسية ..........................................................32
الفرع الثاني : الأمراض العصبية .......................................................34
الفرع الثالث : الأمراض العقلية ........................................................35
المبحث الثاني : أثرها على النظام القانوني الجزائري ...................................38
المطلب الأول : المعايير الموضوعية لنظام عوارض الأهلية .............................39
المطلب الثاني : النظام القانوني المقترح لعوارض الأهلية ................................40
الخاتمة ..................................................................................44
ملحق رقم 01
1) خبرة طبية على مريض مصاب بمرض الصرع
2) خبرة طبية على مريض مصاب بمرض الفصام
3) خبرة طبية على مريض مصاب بتخلف ذهني .
ملحق رقم 02
01 ) حكم قضائي صادر بتاريخ 29 /09 /2007 تحت رقم 2831 /07 .
02 )حكم قضائي صادر بتاريخ 29 /09 /2007 تحت رقم 2825 /07 .
03 )حكم قضائي صادر بتاريخ 29 /09 /2007 تحت رقم 2830 /07 .

0 تعليق:

إرسال تعليق