بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

حـق الطـفـل ضحـية العـنف فــي التـأهـيـل

حـق الطـفـل ضحـية العـنف فــي التـأهـيـل.
دراسة في ضوء التشريع الجنائي المغربي.
الطالب علي إدريسي حسني.
مصدر هذه الرسالة :
http://www.startimes2.com/f.aspx?t=17549891
الفـــهــرس.
مـــقـد مـــة :
أولا : التأصيل المفاهيمي لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
I -تحديد مفهوم الحق :
II - تحديد مفهوم الطفل ضحية العنف:
1 - تعريف العنف.
2 - تعريف الطفل الضحية.
III - تعريف حق الطفل ضحية العنف في التأهيل .
ثانيا : أهمية دراسة الموضوع .
الفصل الأول : آليات تأهيل الطفل ضحية العنف في التشريع الجنائي المغربي.
الفرع الأول : الآليات الموضوعية لتأهيل الطفل ضحية العنف.
المبحث الاول : حق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
المطلب الأول : الأساس الدولي لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
الفقرة الأولى : المواثيق الدولية و حق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
الفقرة الثانية : دعم المنتظم الدولي لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
المطلب الثاني : الأساس الوطني لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
الفقرة الأولى : حق الطفل الضحية في التأهيل في القانون المقارن .
الفقرة الثانية : حق الطفل الضحية في التأهيل في القانون المغربي .
المبحث الثاني : تدابير تفعيل حق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
المطلب الأول : تدابير العلاج الطبي.
المطلب الثاني : تدابير الادماج الاجتماعي.
الفقرة الأولى : الأمر القاضي بإيداع الحدث الضحية.
أ)- إيداع الحدث الضحية لدى شخص جدير بالثقة.
ب)- إيداع الحدث الضحية لدى مؤسسة خصوصية.
ج)- إيداع الحدث الضحية لدى جمعية ذات منفعة عامة.
الفقرة الثانية : الأمر القاضي بتسليم الحدث الضحية.
الفرع الثاني : الآليات المؤسساتية لتأهيل الطفل ضحية العنف.
المبحث الاول : مؤسسات علاجية.
المطلب الأول : دور المستشفيات في علاج الطفل ضحية العنف.
الفقرة الأولى : السهر على العلاج الطبي للطفل ضحية العنف.
الفقرة الثانية : إعداد التقرير الطبي للطفل ضحية العنف.
المطلب الثاني : دور مراكز الاستماع للضحايا في علاج الطفل ضحية العنف.
الفقرة الأولى : واقع مراكز الإستماع لضحايا العنف .
الفقرة الثانية : الإشراف المزدوج على عملية التأهيل : الإستماع و التوجيه.
المبحث الثاني : مؤسسات إدماجية.
المطلب الأول : الأسرة وعملية إدماج الطفل ضحية العنف.
الفقرة الأولى : أثر واقع الأسرة المعاصرة على الطفل ضحية العنف.
الفقرة الثانية : دور الأسرة في عملية الإدماج الاجتماعي للطفل الضحية.
المطلب الثاني : المدرسة و عملية إدماج الطفل ضحية العنف .
الفقرة الأولى : تهميش دور المدرسة في إدماج الطفل ضحية العنف.
الفقرة الثانية: إمكانيات المدرسة في إدماج الطفل ضحية العنف.
الفصل الثاني : محدودية عملية تأهيل الطفل ضحية العنف في التشريع الجنائي المغربي وآفاق
تجاوزها.
الفرع الاول : مظاهر محدودية عملية تأهيل الطفل ضحية العنف. .
المبحث الاول : بطء تدخل الآليات التاهيلية قبل تحريك الدعوى العمومية.
المطلب الأول : المثبطات المادية للتدخل السريع.
الفقرة الاولى : وا قع الاطفال ضحايا العنف .
الفقرة الثانية : ضعف الاليات التاهيلية.
المطلب الثاني : المثبطات القانونية للتدخل السريع .
الفقرة الاولى : مثبطات موضوعية .
الفقرة الثانية : مثبطات إجرائية .
المبحث الثاني : عدم نجاعة تدخل قضاء الأحداث بعد تحريك الدعوى العمومية .
المطلب الأول : محدودية تدخل قضاء الموضوع المكلف بالأحداث في عملية تأهيل الطفل الضحية.
المطلب الثاني : قصور دور النيابة العامة في تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف .
الفقرة الأولى : إشراف النيابة العامة على تحريك تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف.
الفقرة الثانية : إشراف النيابة العامة على الصلح بين الحدث الضحية و المعتدي.
الفرع الثاني : آفاق تجاوز محدودية عملية تأهيل الطفل ضحية العنف .
المبحث الاول ضرورة توفير بنية تحتية مؤهلة لتأهيل الطفل الضحية .
المطلب الاول : الاهتمام بالطب الشرعي كفاعل أساسي في العملية التاهيلية .
الفقرة الاولى : الطب الشرعي جنين العدالة الجنائية في المغرب .
الفقرة الثانية : ضرورة الإهتمام بدور الطب الشرعي في إثبات إداعاءات الطفل ضحية العنف .
المطلب الثاني : ضمان الحقوق التبعية لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل .
الفقرة الاول ى : ضمان الحق في المساعدة القضائية .
الفقرة الثانية : ضمان الحق في التعويض .
المبحث الثاني : وجوب انفتاح العملية التاهيلية على محيطها .
المطلب الأول : تمديد مقتضيات العملية التاهيلية للطفل في وضعية صعبة .
الفقرة الأولى : مؤشرات حول وضعية الطفل في وضعية صعبة .
الفقرة الثانية : ملاءمة العملية التاهيلية لوضعية الطفل في وضعية صعبة.
المطلب الثاني : تخويل حق الإشراف على العملية التاهيلية للمجتمع المدني.
الفقرة الاولى : إمكانيات المجتمع المدني المغربي في رعاية الطفل الضحية.
الفقرة الثانية : ضرورة دعم مبادرات المجتمع المدني في رعاية الطفل الضحية. .
خاتمة :
مـــقـد مـــة :
تعتبر الجريمة الظاهرة الاجتماعية التي تقلق بال المشرعين الجنائيين في كل المجتمعات و العصور، فهي الفعل اللامشروع الذي ينتج علاقة ثنائية غير مرغوب فيها بين طرفين هما الجاني و الضحية، علاقة حرصت أغلب التشريعات منذ الأزل على مواجهتها والحد من آثارها بكافة الوسائل، لكن مع ذلك لم تتجاوز حد الإهتمام بالطرف الفاعل في تجاهل تام للضحية و بالأخص الحدث.
حيث جرت العادة منذ بروز التشريعات الجنائية الوضعية [1] على أن لا يؤخذ بعين الإعتبار في المساطر القضائية المحررة بشأن الأحداث إلا الجانحون ، أما الأحداث الذين وقع عليهم الفعل الإجرامي فإنه لا يؤبه بالأسباب التي جعلتهم يقعون ضحية الإعتداء أو التغرير أو الإستغلال [2]، و لا بالنتائج و الآثار المترتبة عن الجريمة.
كما يلاحظ على هذه التشريعات إهتمامها الضيق بالجانح، حين حصرت سياستها الجنائية حياله في التوجه العقابي الذي ينهض على الوقاية والإعتراف بحق المجتمع بكل فئاته في الحماية من الجريمة، في إغفال تام للتوجه العلاجي الذي يراعي بالأساس ا لحاجيات الأساسية لطرفي العلاقة الإجرامية من قبيل حاجة الجاني لإعادة الإدماج و حاجة الضحية للتأهيل.
و هما الحاجتان اللتان لم ينتبه إليهما إلا ببروز أفكار جنائية معاصرة [3] تزاوج بين القيم الكلاسيكية في محاربة الظاهرة الإجرامية، و القيم المعاصرة في علاج مسببات الظاهرة الإجرامية، الشيء الذي تأثرت به بعض التشريعات الجنائية الحديثة وبالأخص تلك التي تبنت التوجه المعاصر للسياسة الجنائية [4]، التوجه الذي ينهض على أساس تجاوز المقاربة الضيقة للسياسة الجنائية الوقائية إلى المقاربة الموسعة للسياسة الجنائية العلاجية التي تتوخى رعاية المصالح القانونية و المتطلبات الطبية لكل من المجرم و الضحية على السواء.
وهو التوجه الذي يحاول من جهة نزع بذرة الإجرام من شخصية المجرم عن طريق إعادة إدماجه في المجتمع بما يتلاءم ومحددات شخصيته، ومن جهة ثانية مواكبة وقع الجريمة على الضحية عن طريق رعايته و تأهيله بما يتوافق أولا مع حاجياته النفسية والصحية، و ثانيا مع متطلبات الحفاظ على السلم الإجتماعي من رد الفعل غير الواعي والمتمثل في الإنتقام وإعادة صياغة الظاهرة الإجرامية بأشكال مختلفة ومتعددة [5].
لذلك، فإن لكل إنسان تم الإعتداء على حقه في العيش بأمن و سلام، الحق في الاستفادة من تدابير الرعاية الاجتماعية و العلاج الطبي لآثار ما خلفه الاعتداء على جسمه و شرفه ونفسيته عن طريق تأهيله و إعادة إدماجه الاجتماعي.
وبذلك يبدو أن الجانب العلاجي في التوجه المعاصر للسياسة الجنائية يتلاءم بشكل كبير مع المطالب الدولية [6] و الوطنية [7] من ضرورة كفالة حق الأطفال ضحايا العنف في التأهيل، الحق الذي لا زال في عموميته محط تشكيك العديد من الفقهاء الجنائيين و بعض منتسبي الهيئة القضائية [8]، الذين يذهبون إلى حد الطعن في صحة الطرح بأنه بالإمكان الحديث عن حق الضحية عموما في التأهيل، على إعتبار أنه لا يمكن إجبار الضحية على العلاج، إلا أنه مع ذلك هناك بعض فقهاء القانون الجنائي وعلم الإجرام من يرون أنه ليس هناك أي مانع يحول دون الحديث عن حق الضحية في التأهيل، خاصة إذا كان الضحية طفل [9].
لأجل ذلك، و تسهيلا للوقوف على مدى إمكانية الحديث عن حق الطفل ضحية العنف في التأهيل ضمن النقاش الفقهي الحاد، و التوجه الجنائي المعاصر للسياسة الجنائية، نرتئي القيام في بداية هذه الدراسة بمحاولة التأصيل المفاهيمي لهذا الحق (أولا)، ثم التعرض لأهمية دراسة الموضوع برمته في الوقت الراهن (ثانيا)، في سبيل الوصول إلى أي مدى استطاع المشرع الجنائي المغربي من خلال ترسانته الجنائية أن يتفهم الوضعية الصحية و النفسية التي يكون عليها الطفل ضحية العنف.
أولا : التأصيل المفاهيمي لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
اعتبارا لما لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل من أهمية بارزة في التوصيات الدولية والوطنية، و كذلك لما له من أهمية في التوجه المعاصر للسياسة الجنائية المعاصرة، فإنه قبل تحديد مقصوده الفقهي و القانوني و السوسيولوجي (III) ، لا بد من التعرض بالدرس لمفهوم الحق كمؤسسة قانونية ( I ) ، ثم لمفهوم الطفل ضحية العنف كمفهوم لازال يتطلب نوعا من التحديد لتمييزه عن الطفل ضحية الواقع الاجتماعي أي الطفل الجانح لدى فقهاء القانون الجنائي ( II ).

I -تحديد مفهوم الحق :

يثير تحديد مفهوم الحق جدالا واسعا بين علماء اللغة و فقهاء القانون، فهو لدى علماء الاشتقاق اللغوي أي علماء الإبستيمولوجيا يعني ذلك الخط المستقيم والشكل الهندسي المتساوي غير المنحرف، وهو المعنى الذي حمل عليه في اللغة الفرنسية القديمة حتى أخذ كلمة Droit المأخوذة من الكلمة اللاتينية Directus التي تعني العدل والصواب [10]، في حين في اللغة العربية فالحق كلمة مشتقة من مادة حقق التي تعني الحظ والنصيب مصدقا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "إن الله أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" [11]، كما تعني نقيض الباطل مصداقا لقوله تعالى "و لا تلبسوا الحق بالباطل و تكتموا الحق وأنتم تعلمون" [12].
و قد عرفه بعض فقهاء الشريعة الإسلامية بأنه تلك "المصلحة المستحقة شرعا" [13]، أو "الحكم الذي قرره الشارع" [14]، في حين عرفه الزرقاني بأن " الحق إختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليف" [15]، لكن على الرغم من تعدد هذه التعاريف فقد إنتقدت من طرف بعض الفقهاء [16]، الذين حاولوا البحث عن تعريف يراعي مآخدهم و انتقاداتهم، فتوصلوا إلى تعريف الحق بأنه "الحق هو إختصاص يقر به الشرع سلطة على شيء أو اقتضاء أداء من آخر تحقيقا لمصلحة معينة" [17]، وهو تعريف يتماشى إلى حد ما مع ما نطمح إليه في هذه الدراسة.
لكن قبل ذلك، فمفهوم الحق عند رجال القانون عرف نقاشا حادا بين من يعتبره "قدرة أو سلطة يخولها القانون للشخص" [18]، و من يعتبره "مصلحة يحميها القانون" [19]، في حين هناك من أراد أن يمزج بين الرأيين السابقين عن طريق المزج بين المصلحة و القدرة أو الإرادة في تعريف موحد [20]، لكنهم مع ذلك غلبوا جانب على آخر ولم يستطيعوا الموازنة بينهما في تعريف موحد، الشيء الذي دفع بعض الفقهاء المغاربة إلى محاولة الخروج من دوامة الرأي و الرأي المضاد في تحديد مفهوم الحق بتعريف شامل لكل عناصره "الإرادة، المصلحة،الإستئثار، التسلط"، فعرف على سبيل المثال الأستاذ عبد النبي ميكو الحق بأنه "سلطة أو ميزة يخولها القانون لشخص بمقتضاها يكون له الحق في مصلحة يحميها القانون" [21].
و بذلك يمكن القول بأن الحق الذي لا يخول لصاحبه سلطة الإستئثار على الشيء للوصول إلى مصلحة مشروعة من أجل الإستفادة من مزاياه لا يعتبر حقا، وهو ما سنطمح إلى توضيحه بعد أن نحدد مفهوم الطفل الضحية من أجل الوصول إلى تعريف شامل لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل.

II - تحديد مفهوم الطفل ضحية العنف:

لأجل تحديد مفهوم الطفل ضحية العنف، نرتئي التطرق لتعريف العنف وأبرز صوره وأشكاله التي تؤدي إلى وجود ضحية(1)، وبعد ذلك نقوم بتعريف الطفل الضحية من خلال تعريف الضحية عموما من أجل تمييزه عن الطفل الجانح (2).
1 - تعريف العنف.
لا ترفض الإنسانية سلوكا كما ترفض العنف بكل صوره و بالأخص ذلك الممارس على فئة الأطفال، بحيث إذا تسامحت مع غيره من صور الإنحراف فإنها لا تتسامح إذا كانت ممارسته قد تمت على طفل، على اعتبار أن الرفض يكون رفض غريزي فطري و ليس مجرد رفض تنظيمي قانوني، فالجاني على حسب البعض [22] لا يعتدي على نص قانوني بقدر ما يطعن الإنسانية ذاتها في صميم وجدانها و فؤادها.
و بما أن العنف هو ذلك السلوك المرفوض من طرف الإنسانية فهو كلمة مشتقة من مادة عنف عنفا و عنافة أي أخذ الشخص بالشدة و القسوة و كذلك باللوم و التعيير، و هو ضد الرفق واللين [23].
و قد عرفته المادة الأولى من الإتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال العنف ضد النساء الصادرة سنة 1993 بأنه "كل فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد بإقتراف مثل هذا الفعل سواء أكان هذا في الحياة العامة أو الخاصة"، في حين لم تتطرق إليه إتفاقية حقوق الطفل الصادرة في 20 نونبر 1989 بأي تعريف باستثناء إيراد بعض صوره تحت إسم سوء المعاملة التي هي بدورها صورة من صوره المتعددة، حيث نصت المادة 19 من الإتفاقية الأممية لحقوق الطفل على وجوب أن تتخذ الدول الأطراف في الاتفاقية كل التدابير لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو المعاملة المنطوية على إهمال و إساءة المعاملة أو الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية.
في حين يعرفه الأستاذ خالد زيو بأنه "كل سلوك سلبي أو إيجابي عمدي أو غير عمدي من شأنه أن يعدم أو يقلص فرص تمتع الشخص بأي حق من حقوقه المشروعة" [24]، على أن الأستاذة نجاة السنوسي تعتبر العنف بأنه "ممارسة القوة والإكراه ضد الغير عن قصد من أجل إخضاعه" [25]، الشيء الذي يبدو أنه يتوافق معه توجه الأستاذ عبد العزيز بوودن العنف حينما يرى بأن العنف هو "إستخدام القوة إستخداما غير مشروع أو غير مطابق للقانون من شأنه التأثير على إرادة فرد ما أو على مجموعة من الأفراد" [26] و يعتبر الأستاذ أحمد الخمليشي أن العنف هو "كل اعتداء يستهدف به الجاني المس بسلامة جسم الضحية أو صحته" [27].
و بذلك، يمكن القول بأن العنف من الجانب القانوني ينحصر فقط في السلوك الذي من شأنه أن يمنع أو يؤثر على ممارسة الضحية لحقوقه بصورة عادية، في حين أنه يتجاهل آثار العنف النفسية و الجسمية على الضحية ، مما يدفعنا إلى البحث عن تعريف من الجانب السيكولوجي.
الجانب الذي يعتبر العنف بأنه "ذلك السلوك الممارس قصد إلحاق الأذى و الضرر بالآخر ماديا أو معنويا أو رمزيا و التأثير عليه بالقوة، والذي يترجم على المستوى السيكولوجي لدى الضحية بمشاعر المعاناة والألم" [28]، ليصير العنف بذلك السلوك المرفوض الذي يؤدي إلى المعاناة الجسدية أو الجنسية أو النفسية، و يكره من تم الضحية على التخلي على ممارسة حق من حقوقه القانونية من قبيل الحق في الأمن و الحماية.
في حين أن صور العنف رغم تعددها فهي تبرز، أولا من خلال طريقة صدوره، حيث نجد العنف المادي الذي يتطلب صدوره فعل مادي يعكسه من قبيل الضرب أو الإيذاء، و هو ما تعتبره المادة الثانية من الإتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال العنف ضد النساء من قبيل العنف البدني والجنسي و النفسي و كذلك العنف المرتبط بالاستغلال.
على أن هناك ما يعرف بالعنف المعنوي، الذي يقتصر في الغالب على الإهانة أو الإمتناع عن تقديم خدمة معينة لمن هو في حاجة إليها من قبيل الامتناع عن تغذية طفل أو حرمانه من كل ما من شأنه أن يغذيه و يساعده على النمو بشكل سليم [29].
كما أن هناك صور للعنف تبرز ثانيا من خلال طبيعة المكان الذي ينفذ فيه و شخصية فاعله فنجذ على سبيل المثال العنف المنزلي أو الأسري الذي لا يمكن أن يصدر إلا من أفراد الأسرة، أو العنف المدرسي أو العنف المهني.
على أن هناك بعض صور العنف التي تبرز من خلال طبيعة السياسة الجنائية التجريمية المنتهجة، التي قد تجرم بعض صور العنف و قد لا تجرم بعضه الآخر [30]، أو ما يعرف بالعنف المجرم والعنف غير المجرم حسب طبيعة السياسة الجنائية المتبعة.
و أمام تعدد صور العنف و خاصة تلك المرتبطة بطبيعة السياسة الجنائية المتبعة، فإننا سنقتصر في هذه الدراسة على الإحاطة بوضعية الطفل ضحية العنف المجرم سوء كان عنف صادر عن الأغيار أو من طرف الأقرباء و المربين من قبيل العنف المنزلي أو المدرسي.
و رغم تعدد صور العنف الممارس على الطفل فقد استطاع البعض أن يحشرها في تعريف جامع للعنف، من قبيل تعريف ذ. نعيمة البالي بأنها " مختلف التصرفات الإرادية أو غير الإرادية الصادرة عن أي شخص، كيفما كانت صفته و التي تلحق بأي وسيلة كانت السلامة الجسمانية والعقلية و المعنوية للطفل و تحدث لديه ضررا ماديا أو معنويا أو نفسيا، أحس به أو لم يحس به و أيا كان المجال الذي وجد فيه [31].
و على العموم يبقى العنف تعبير غير حضاري، يقصد من ورائه الحصول على متعة أو تفجير غضب إن لم يكن تحقيق رغبة خبيثة في إهانة الفئات المستضعفة من قبيل فئة الأطفال، دون أن تراعى نتائجه التي تؤدي في حالة إرتكابه إلى تضاعف عدد الأشخاص الذين يوصفون بالضحايا. فماذا يقصد إذن بالضحية؟ ومن هو الطفل ضحية العنف ضمن المفهوم العام للضحية؟
2 - تعريف الطفل الضحية.
لن يتأتى تحديد تعريف شامل للطفل الضحية دون تحديد تعريف للضحية عموما، على أساس أن مفهوم هذا الأخير يحتمل تعاريف متعددة وليس تعريف واحد على إعتبار تنوع الزوايا التي ينظر منها إليه بدءا من الزاوية اللغوية، فالزاوية السوسيولوجية، ثم الزاوية القانونية.
فالضحية لغة لا تطلق على الشخص الذي تم الاعتداء على حريته أو جسمه أو ماله وإنما تطلق على الشاة حسب ابن منظور و ابن الأعرابي [32]، أما الضحية الشخص فيطلق عليه في اللغة العربية المجني عليه، أما في اللغة اللاتينية فالضحية Victime نجدها تستمد أصلها اللاتيني من كلمة Victima ذات الأصل الإغريقي و المشتقة من كلمة Thyma التي تعني تقديم شخص أو حيوان أضحية للآلهة [33]، وهذا التحديد اللغوي لمفهوم الضحية نجده مضمن في قاموس لا روس الذي يعتبر الضحية لغة الحيوان أو الشخص الذي كان يهدى أضحية للآلهة، وفي الوقت الراهن فمصطلح الضحية أو المجني عليه يقتصر فقط على كل شخص عانى أو يعاني من أفعال سببت له أضرار مادية أو معنوية، و هو ما يتماشى إلى حد ما مع التعريف السوسيولوجي للضحية الذي يعتبر أن الضحية هو الشخص الذي تضرر أو عانى أو لازال يعاني من سلوك إجرامي معاقب عليه أو غير معاقب عليه [34].
وانطلاقا من التحديدين السالفين لمفهوم الضحية أو المجني عليه، يبرز بأن التعريف اللغوي يحصر مفهوم الضحية في مصطلح المعاناة و يزاوج في تحديده بين مصطلحين في نفس المفهوم "الضحية و المجني عليه"، في حين التعريف السوسيولوجي للمفهوم يقحم الأشخاص الذين تعرضوا لأفعال و إعتداءات غير معاقب عليها، مما من شأنه أن يفرض تحديا حقيقيا على التعريف القانوني للضحية أو المجني عليه، و هو التعريف الذي يغلب بشكل كبير وصف المجني عليه على وصف الضحية في أغلب التعاريف القانونية سواء الوطنية أو المقارنة.
فالتشريع الجنائي المغربي مثلا، يتبنى مصطلح المجني عليه في أغلب مقتضياته بشكل كبير وبالأخص في الجانب المتعلق بالأحداث دون أن يقدم أي تعريف له، فالفصل 411 من (ق.ج.م) ينص على أن عقوبة جريمة الإيذاء أو العنف يشدد فيها في حالة ما إذا كان مرتكبها أحد أصول الطفل المجني عليه أو من له سلطة عليه أو مكلف برعايته. كذلك يعتبر الفصل 473 من (ق.ج.م) أن الطفل المختطف هو طفل مجني عليه، كما أن جريمة هتك العرض يشدد في عقوبتها في حالة ما إذا كان المجني عليه طفلا تقل سنه عن 18 سنة [35].
في حين قانون المسطرة الجنائية لم يستقر على مصطلح معين فهو يستعمل تارة مصطلح المجني عليه وتارة أخرى مصطلح المتضرر، و في أحيان كثيرة مصطلح الضحية [36].
أما قانون الإجراءات المصري فيطغى على مشرعه استعمال مصطلح المجني عليه دون إيراد أي تعريف له في المواد(232-388-531) التي تنص جملة على حق المجني عليه المتضرر من الجريمة في تحريك الدعوى العمومية في الجرائم البسيطة [37]، على العكس من ذلك يعرف المجني عليه من طرف القضاء المصري بأنه ذلك " الشخص الذي يقع عليه الفعل أو يتناوله الترك المؤثم قانونا، بحيث يكون هذا الشخص نفسه محلا للحماية القانونية التي يهدف إليها الشارع" [38] .
وعلى خلاف المشرع المغربي و المصري، و كذلك المشرع الفرنسي الذي يغلب في قانون مسطرته الجنائية مصطلحي الطرف المتضرر و الطرف المجني عليه [39]، و على خلاف ما هو متعارف علية في المفاهيم القانونية من أن التعريف ليس من اختصاص المشرع و إنما من اختصاص الفقه، يورد المشرع الجنائي البولندي في المادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية البولندي لسنة 1969 تعريف للمجني عليه على أنه "هو صاحب المال القانوني أو الحقوق التي انتهكتها الجريمة مباشرة أو هددتها بالانتهاك سواء كان شخص ا طبيعيا أو قانونيا، ويجوز اعتبار الجماعات أو الجمعيات العامة أو الاجتماعية مجنيا عليها حتى لو لم تكن لها شخصية قانونية".
و عموما، يبدو أن المصطلح المتداول في التشريعات الجنائية المقارنة والاجتهاد القضائي المقارن والمتعلقة بالمتضرر من الجريمة ينحصر فقط في مصطلح المجني عليه على اعتبار شموليته و مرونة استعماله القانوني في التدليل على مختلف الفئات التي قد تتضرر من الفعل الإجرامي، على العكس من ذلك فأغلب الفقهاء وبالأخص الفقه المقارن لا يقيم أية تفرقة بين مصطلح المجني عليه ومصطلح الضحية.
و هكذا، نجد في هذا الصدد تعريف الأستاذ إبراهيم نجار و أحمد زكي بدوى و يوسف شلال [40] للمجني عليه بأنه " الطرف الآخر الذي يقع عليه الفعل أو يتناوله الشر، و المجني عليه أو الضحية كما يكون شخصا طبيعيا و هو الغالب، يكون شخصا معنويا أيضا كالدولة أو الهيئات العامة أو الخاصة التي أسبغ القانون عليها هذه الشخصية".
في حين يعرف الأستاذ GERARD LOPEZ الضحية " بالشخص الذي مس في سلامته الشخصية بواسطة عامل أجنبي سبب له ضررا ظاهرا معترفا به من قبل النظام الاجتماعي" [41]. وهو التعريف الذي يؤيده الفقيه GERARD CORNU حين يعرف في قاموسه القانوني الضحية بالشخص الذي تعرض شخصيا للضرر [42] .
أما الفقه المغربي فانه يتمسك بمصطلح المجني عليه توخيا على ما يبدو للدقة و عدم الدخول في إشكالية تعدد المصطلحات في مفهوم واحد، فمثلا الأستاذ أحمد الخمليشي يرى أن "المتضرر من الجريمة يشمل المجني عليه ومن يلحقه ضرر شخصي من الجريمة مباشرة دون أن يكون مجنيا عليه" [43]، الأمر الذي يبرز بأن ذ.الخمليشي يوسع من مفهوم المتضرر من الجريمة على حساب مفهوم المجني عليه، حيث لا يقتصر عنده مفهوم المجني عليه على من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي نتيجة للجريمة و إنما كل من لحقه ضرر من الجريمة و لو لم يكن مجنيا عليه مباشرة، وهو ما تبناه المشرع الجنائي المغربي في المادة السابعة من (ق.م.ج.م) من " أن المتضرر هو كل شخص تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة"، مما قد يدفع إلى الاعتقاد بأن الفقه المغربي لا يقيم أي تمييز في تعريفه للضحية بين الضحية المباشر للفعل الإجرامي و الضحية غير المباشر لهذا الفعل من قبيل أصوله أو فروعه.
لكن الأستاذ محمد عياط يزاوج في مفهوم المجني عليه بين المفهوم الضيق و المفهوم الموسع، حيث يعتبر في المفهوم الضيق أن المجني عليه هو من إعتدي على حقوقه المشروعة بصفة شخصية و مباشرة نتيجة لارتكاب الجريمة، في حين المفهوم الموسع يشمل في رأيه جميع الأشخاص الذين تضرروا من الجريمة و لو لم يكونوا هم الضحايا المباشرين لها في المقام الأول [44].
و قد تأثر البعض [45] بهذا التعريف الأخير، و تمسكوا بمصطلح المجني عليه عوض مصطلح الضحية بدعوى أن ليس هناك أي فرق بين المصطلحين، بل أكثر من ذلك أن استعمال المصطلحين معا من شأنه أن يوسع مفهوم المتضرر من الجريمة، و يكفل عدالة أفضل وأنصف لكل من تضرر بأثر أو بمناسبة الجريمة، و من شأنه أن يدفع كذلك إلى القول بأن هذا التوجه يتلاءم إلى حد كبير مع التعريف الدولي للضحية أو المجني عليه الوارد في إعلان ميلانو لسنة 1985 الذي جاء فيه بأن الضحية هو "الشخص الذي أصيب بضرر فردي أو جماعي بما في ذلك الضرر البدني أو العقلي أو المعاناة النفسية أو الخسارة الاقتصادية أو الحرمان بدرجة كبيرة من التمتع بالحقوق الأساسية عن طريق أفعال أو حالات إهمال تشكل انتهاكا للقوانين الجنائية النافدة في الدول الأعضاء" [46].
و في هذا السياق ، يبدو أن إعلان ميلانو قد أدمج في تعريف الضحية عموما مفهوم الطفل الضحية و إن تخلف عنصر السن الذي بمقتضاه يميز بين الراشد و الحدث، و من بين ما يعضد هذا الطرح هو أصناف الضرر التي يتعرض لها الأطفال و التي لا تخرج عن التعريض للضرر البدني أو العقلي أو المعاناة النفسية أو الإهمال، حيث أنه إذا نظرنا إلى جريمة إهمال الأسرة فإنها لا تقوم كجريمة إلا في حالة ما إذا كان هناك طفل أو حمل [1]، بمعنى آخر أن هناك أصناف من الإعتداءات الإجرامية لا يمكن أن يكون ضحية لها غير الطفل من قبيل العنف التربوي الذي من أهم أصنافه العقاب البدني والإهانة.
و في كل الأحوال، فقد أخذت وزارة العدل الفرنسية بمضمون التعريف الذي جاء به إعلان ميلانو عند تحديدها لمفهوم الطفل الضحية في دليل قضاء الأحداث الفرنسي، حين إعتبرت أن "الطفل الضحية هو كل شخص قاصر تكبد ضررا نتيجة جريمة مثل الإهمال، التهديد، السرقة، الجرح، العنف الجنسي...." [2] . إلا أن ما يؤاخذ على هذا التعريف المقدم من طرف وزارة العدل الفرنسية باعتباره تعريفا قانونيا للطفل الضحية هو تغاضيه عن التحديد القانوني الدقيق لمفهوم الطفل الذي هو حسب المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل كل شخص يقل عمره عن 18 سنة وليس كل شخص قاصر، الشيء الذي يبدو أنه قد دفع البعض إلى محاولة تعريف الطفل الضحية بأنه "كل شخص يقل عمره عن سن الرشد الجنائي المحدد في 18 سنة، تعرض لاعتداء مادي أو معنوي يجرمه القانون، ترتبت عنه أضرار جسمانية أو عقلية أو جنسية أو معنوية" [3].
و بذلك يمكن القول بأن التعريف القانوني للطفل الضحية يستبعد كليا كل مزج بين الطفل الضحية و الطفل الجانح [4] على عكس ما هو عليه الأمر لدى علماء السوسيولوجيا الذين يقحمون مفهوم الطفل الجانح ضمن مفهوم الطفل الضحية على أساس أن الطفل الأول و لو كان مصدر الفعل الإجرامي فان ذلك أكبر دليل على أنه ضحية لواقع اجتماعي مضطرب يتجلى في غياب معايير الضبط و التنشئة الاجتماعية السليمة، في حين أن الطفل الضحية و إن كان محل الفعل الإجرامي فإن صفة الضحية أو المجني عليه لا تسبغ عليه إلا بتجريم المشرع لذلك الفعل مما قد يدفع بهذا الأخير إلى سلوك طريق الإنتقام كرد فعل عما تعرض له لتنتقل الصفة القانونية من المجني عليه إلى الجانح [5].
و إعتبارا لوجاهة التعريف السوسيولوجي للطفل الضحية، يمكن القول بأنه رغم ذلك فهو تعريف لا يتماشى بتاتا مع التعريف القانوني للطفل الضحية الذي يبقى تعريفا أكثر دقة من التعريف السوسيولوجي، الذي و إن كان تعريفا أكثر شمولية فإنه يزاوج بين متناقضين الجانح والضحية في نفس الظروف و الأسباب التي تدفع للمعاناة.
في حين تبرز دقة التعريف القانوني للطفل الضحية في عدم خلطه بين الأسباب التي تؤدي للمعاناة و إقتصاره على إبراز صور الضرر التي يتعرض لها الطفل ضحية العنف، بالإضافة إلى أنه يقيم نوعا من التمييز بين الطفل مصدر العنف أي الطفل الجانح و الطفل ضحية العنف أي الطفل المجني عليه، الذي هو حسب إعتقادنا "الشخص القاصر دون 18 سنة، الذي تعرض لكل سلوك مرفوض إنسانيا و أدى به إلى المعاناة الجسدية و الجنسية والنفسية". الأمر الذي يتطلب توجيه العناية الكاملة له و إخراجه من معاناته بتوفير آليات العلاج من آثار العنف والوقاية من نتائجه عن طريق ما يصطلح عليه عند علماء الضحية بتأهيل الطفل ضحية العنف.

III - تعريف حق الطفل ضحية العنف في التأهيل .

تعتبر الإرهاصات الأولى لفكرة تأهيل و علاج الضحية من بين أبرز أفكار عالم الإجرام والضحية الفقيه H.Von Hentig التي أشار إليها في كتابه "المجرم وضحيته" الصادر في سنة 1948، و كما تعتبر الفكرة ذاتها من بين أبرز التوصيات التي صدرت عن مؤتمر ميلانو لسنة 1978 حول موضوع "الضحية : وقاية وعلاج"، وهو المؤتمر الذي إنعقد بمبادرة من مدرسة الدفاع الاجتماعي الجديدة التي مهدت له بمجموعة من اللقاءات العلمية، منها على الخصوص المنتدى الدولي الأول لعلم الضحية الذي إلتأم في مدينة القدس الشريف سنة 1973، ثم بعده بثلاث سنوات وبالضبط سنة 1976 إنعقد منتدى بوسطن حيث تم فيه إصدار أول مجلة دولية تعنى بعلم الضحية [6].
أما فيما يخص تأهيل الطفل ضحية العنف على وجه الخصوص فان حقه في التأهيل لم يبرز بشكل رسمي إلا بصدور الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في 20 نوفمبر 1989 من خلال المادتين 19 و 39 اللتين تنصان على التوالي على التزام الدول الأعضاء بضرورة توفير ترسانة تشريعية وإدارية واجتماعية وتعليمية لحماية الطفل من كافة أشكال سوء المعاملة و على ضرورة إيجاد تدابير مناسبة للتأهيل البدني و النفسي و إعادة إدماج الطفل ضحية سوء المعاملة. كما كان هذا الحق من أبرز التوصيات الصادرة عن مختلف الملتقيات والمنتديات الدولية حول الطفولة و الاستغلال الجنسي التجاري [7].
كما أن منظمة الصحة العالمية أكدت غير ما مرة على أهمية تمتيع الأطفال ضحايا العنف بحقهم في التأهيل حينما قدرت أن عدد هؤلاء الأطفال في العالم يصل إلى 40 مليون طفل لا تتجاوز أعمارهم الرابعة عشر سنة لا يخضعون لأي نوع من التأهيل [8]، الشيء الذي ينذر بضخامة الكارثة التي يشكلها عدم الاهتمام بهؤلاء الضحايا خاصة إذا علمنا أن من أبرز الآثار التي يخلفها العنف بأغلب صوره (العنف الجنسي، العنف الجسمي أو البدني والعنف النفسي) تتجلى فيما يلي :
1. اضطرا بات نفسية و سلوكية؛
2. شعور الطفل الضحية بالدونية و التبضع؛
3. الشعور بالذنب و الخوف و اضطرا بات النوم و التبول و التبرز اللاإرادي؛
4. فقدان الطفل الثقة في الآخرين و انعدامها بشكل مطلق في حالة كون المعتدي من أصوله أو أقاربه؛
5. قصور الطفل في تقدير ذاته و نضجه وكذلك مهاراته و تحصيله العلمي. [9]
6. ارتفاع نسبة احتمال الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة( VIH/SIDA ) بالنسبة للأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية.
و استخلاصا من هذه الآثار التي يخلفها العنف على الأطفال، تبرز أهمية دراسة موضوع تأهيلهم خاصة إذا علمنا أن عدد هؤلاء الأطفال في المغرب في تزايد مضطرد، ففي سنة 1999 سجلت حوالي 102 حالة إعتداء و سوء معاملة جنسية، وتضاعفت في سنة 2001 إلى حوالي 210 حالة، في حين ارتفع العدد إلى حوالي 400 حالة سنة 2002 [10].
وبصفة عامة، فإن المتأمل لوضعية الأطفال ضحايا الاعتداءات على الصعيد العالمي أو الوطني سيكون من المطالبين لا محالة بضرورة تأهيلهم على أساس أن تأهيل الطفل ضحية العنف كما يصرح بذلك الأستاذ عبد الرحيم عمران " تمكين الطفل من آليات إسترجاع و تفعيل نواظم شخصيته السيكولوجية، أي الوجدانية المعرفية الكفاءاتية و الإجتماعية الإندماجية و المشاريعية التأهيلية، عبر الإنصات و المرافقة والتوجيه و الإرشاد النفسي، وكذلك العلاج النفسي بالنسبة للحالات المجني عليها الأكثر تضرر و معاناة سيكولوجيا، بالإضافة إلى الدعم والمرافقة الإجتماعية الوسطية على مستوى آليات التفهم و التآزر و التضامن و الإندماج الإيجابي داخل مختلف المؤسسات و المرافق الإجتماعية الأساسية من قبيل الأسرة، المدرسة ومراكز الرعاية الإجتماعية" [11].
و بناء عليه، يبدو أن التحديد السيكولوجي لمفهوم تأهيل الطفل ضحية العنف يحصر العملية التأهيلية في الجانب النفسي في تجاهل مطلق للجانب البدني والمساعدة القانونية عن طريق التوجيه القانوني، حيث لا يكفي في إعتقادنا أن نؤهل الطفل ضحية العنف من الجانب السيكولوجي فقط ونترك الجانبين البدني والحقوقي دون تأهيل، الأمر الذي يدفع إلى القول بأن تأهيل الطفل ضحية العنف عملية شمولية تقوم على أساس توجيه الاهتمام الطبي والقضائي للشخص الذي يقل سنه عن 18 سنة، والذي يكون ضحية اعتداءات جنسية وجسمية و بدنية، لأجل إعادة دمجه في مجتمعه وحمايته من الوقوع ضحية لاعتداءات أخرى أو من أجل ألا يصير مجرما في مستقبل أيامه".
ثانيا: أهمية دراسة الموضوع .
من كل ما سبق، تبدو أهمية دراسة موضوع تأهيل الطفل ضحية العنف بارزة خاصة من خلال النقط التالية :
1. راهنية الموضوع على الصعيد الدولي، حيث من المنتظر أن تتم مناقشة مدى إعمال المادتين 19 و 39 من الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل و المادة الثامنة من البروتوكول الاختياري الملحق بها والمتعلق ببيع الأطفال و استغلالهم في المواد الاباحية والبغاء، في الشهور القليلة القادمة من خلال جواب الحكومات الموقعة على الوثيقتين الدوليتين لحقوق الطفل الذي قدم على الاستبيان المرسل من طرف الأمين العام للأمم المتحدة و المتعلق بمدى الاهتمام القانوني الموجه للأطفال ضحايا العنف في التشريعات الوطنية [12]، و قبل انعقاد المؤتمر الأممي حول مدى تفعيل توصيات مؤتمر استوكهولم و مؤتمر يوكوهاما فيما يخص تأهيل الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي و حمايتهم من مافيا الرقيق الأبيض.
2. محدودية الدراسات و الأبحاث المنجزة حول آليات ووسائل التدخل الموجودة لحماية و تأهيل هذه الفئة من الأطفال على المستويين البدني و النفسي، على اعتبار أن هذه الدراسة ستكون أول محاولة لتلمس الإرهاصات الأولى لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل في مجموع الترسانة الجنائية المغربية.
3. الارتفاع المتزايد لدور المجتمع المدني في رعاية الطفولة المعنفة خاصة بعد تأسيس أغلب مكونات هذا المجتمع لشبكة وطنية لمراكز الاستماع و التوجيه القانوني لضحايا العنف من كل الأجناس و الفئات بما فيهم الأطفال ضحايا العنف، و هي الشبكة التي ستتولى جمع المعطيات المتعلقة بضحايا العنف على الصعيد الوطني و كذا توحيد مناهج التعامل مع الضحايا أثناء الاستماع و التوجيه القانوني [13].
و على العموم، إذا كان المقصود من عملية تأهيل الطفل ضحية العنف توفير الآليات الفعالة للقيام بعلاج و مساعدة الطفل الضحية على تجاوز آثار الفعل الإجرامي، فإن الإشكالية التي من الواجب طرحها على هذا المستوى هي " هل إستطاع المشرع الجنائي المغربي أن يبلور آليات فعالة للقيام بالعملية التأهيلية على الوجه الذي يراعي الواقع الاجتماعي والقانوني للطفل ضحية العنف، ومن تم مراعاة الالتزامات الدولية والتوجه الإنساني العلاجي للسياسة الجنائية المعاصرة في تلاؤم تام مع المبادىء الإسلامية التي توصي بالمعاملة الحسنة للأطفال خصوصا دون تمييز؟ ".
و من أجل تلمس مؤشرات الإجابة على هذه الإشكالية إرتئيت الوقوف بالبحث في (الفصل الأول) على طبيعة الآليات التي تنهض عليها عملية تأهيل الطفل ضحية العنف في التشريع الجنائي المغربي.
في حين سأحاول في ( الفصل الثاني) إستقراء مظاهر المحدودية التي تعتري العملية التأهيلية برمتها في التشريع الجنائي المغربي عن طريق رصد مدى سرعة تدخل الآليات التأهيلية قبل تحريك الدعوى العمومية، و مدى نجاعة تدخل هذه الآليات بعد تحريك الدعوى العمومية، دون إغفال الحديث عن أبرز آفاق تجاوز هذه المحدودية.
الفصل الأول : آليات تأهيل الطفل ضحية العنف في التشريع الجنائي المغربي.
الفصل الثاني : محدودية عملية تأهيل الطفل ضحية العنف في التشريع الجنائي المغربي وآفاق تجاوزها
________________________________________
[1] - الفصل 479 من القانون الجنائي المغربي.
[2] - Ministère de la justice : « La justice des mineurs », les guides, Février2001, P14.
[3] - موحى ولحسن ميموني : "نظام الحرية المحروسة و أثره في حماية الطفولة : دراسة في ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديد"، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، وحدة الأسرة و الطفولة ، كلية الحقوق فاس، 2002/2003، ص : 181.
[4] - الطفل الجانح الذي هو" كل شخص يقل عمره عن 18 سنة قام بإرتكاب فعل معاقب عليه طبقا للقانون الجنائي و رتب ضحية راشد أو حدث مثله".
[5] - حوار أجري بصفة شخصية يوم 06/01/2006 مع الأستاذ الباحث عبد الرحيم عمران ، رئيس مرصد الطفولة و المراهقة و الأسرة ،كلية الآداب و العلوم الإنسانية فاس .
[6] - Marc ANCEL : « La défense sociale devant le problème de la victime », Revue de science criminelle et droit pénal comparé, N°1 à 2, Année 1978, P :179.
[7] - - انعقدت الملتقيات الاقليمية التالية لمتابعة تنفيد توصيات المؤتمر العالمي الأول لمناهضة الاستغلال الجنسي التجاري و التحضير للمؤتمر الثاني المنعقد بيوكوهاما اليابان :
• من16 الى18 اكتوبر2001 ملتقى آسيا الشرقية و بلدان المحيط الهادي لمواجهة الاستغلال الجنسي للأطفال.
• من 24 الى 26 اكتوبر 2001 الملتقى العربي الافريقي لمواجهة الاستغلال الجنسي للأطفال(الرباط).
• من5 الى 6 نونبر 2001 ملتقى آسيا الجنوبية لمواجهة الاستغلال الجنسي للأطفال.
• من 7 الى8 نونبر2001 ملتقى أمريكا اللاتينية و الكارييب (كولومبيا -مونتيفيديو).
• من 20 الى21 نونبر2001 ملتقى أوروبا الشرقية و الغربية(بودابيست).
• في 23 من دجنبر2001 انعقد ملتقى كندا- الو.م.أ-المكسيك(فيلاديلفيا).
للإطلاع أكثر على التوصيات الصادرة عن هذه الملتقيات وكذا على توصيات مؤتمر يوكوهاما www.focalpointngo.org/yokohama
[8] - OMS(l'organisation mondiale de la santé) : « La maltraitance », rapport sur le site web suivant : http://apte.formation.free.fr/maltraitance.html , mise à jour le 27/11/2005.
[9] - د. سهام عبد الرحمن الصويغ، "الاساءة الى الأطفال و اهمالهم : دراسة ميدانية في مدينة الرياض"، مجلة الطفولة و التنمية، العدد9، مجلد3،خريف 2003 ، ص33.
[10] - الاستغلال الجنسي بالمغرب في أرقام : الأحداث المغربية عدد 1799 ، بتاريخ 27 دجنبر 2003. على أن ما يجب التنبيه اليه هو أن هذا العدد لا يشكل سوى الجزء البارز من جبل الجليد، حيث أن الأمر لا زال يواجه بتبريرات في الغالب تتلخص في الحفاظ على سمعة أسرة الضحية أو أن التصريح من شأنه أن يمس بوحدة وتماسك الأسرة في حالة كون المعتدي من رحم الأسرة أو العائلة.
[11] - حوار أجري يوم 06/01/2006 مع الأستاذ الباحث عبد الرحيم عمران رئيس مرصد الطفولة و المراهقة و الأسرة.
[12] - دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بمسألة العنف ضد الأطفال، "استبيان موجه للحكومات"، http://www.ohchr.org/english/bodies/crc/docs/study-quest-A.doc 10/11/2005
[13] - www.anarouz.org. Ou . www.droitsdeshommes.org
________________________________________
[1] - - مدونة نابليون لسنة 1794، وقبل هذا الشريع كانت هناك تشريعات سماوية و لا زالت، ومن بينها على وجه الشريعة الإسلامية التي تحرم بالمطلق الاعتداء على النفس البشرية، و توصي بالأطفال خيرا وبحسن معاملتهم، فقد روي عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، عن واثلة بن الأسقع، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويجل كبيرنا"، حديث رواه الطبراني في رواية عن شهاب عن واثلة، كتاب "الترغيب و الترهيب"، م1/ طبع دار الفكر/ سنة 1421ه/2000م، بيروت، لبنان، ص: 81.
[2] - د. عبد الرحمان مصلح الشرادي : "إنحراف الأحداث في التشريع المغربي و القانون المقارن"، مطبعة الأمنية – الرباط، 2002، ص263.
[3] - و بالأخص أفكار مدرسة الدفاع الإجتماعي الجديدة بقيادة الفقيه مارك أنسل.
[4] - ليس هناك تعريف موحد للسياسة الجنائية على اعتبار أن محدداتها تختلف من مشرع الى آخر الا أن هناك بعض المحاولات الفقهية للتحديد مفهوم السياسة الجنائية و هكذا يعرف الدكتور فتحي سرور السياسة الجنائية بأنها" هي السياسة التي تضع القواعد التي تحدد على ضوئها صياغة نصوص القانون الجنائي سواء فيما يتعلق بالتجريم أو الوقاية من الجريمة أو معالجتها". فتحي سرور"أصول السياسة الجنائية"، دار النهضة العربية، مصر، 1972، ص17.
[5] - Malika Benradi : « Quelle protection pour les victimes d'infractions : de la recherche théorique à la politique criminelle appliquée ? », Colloque de la politique criminelle au Maroc : réalité et perspectives, Mekenès 9-10-11 décembre 2004, p3.
[6] - تنص المادة 39 من الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل على حق الطفل ضحية العنف في التأهيل، كما تنص المادة 8 من البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على أبرز التدابير التي يجب تفعيلها من أجل حق الطفل ضحية العنف.
[7] - أكدت على ضرورة ضمان حق الطفل ضحية العنف في التأهيل أغلب التوصيات الصادرة عن المرصد الوطني لحقوق الطفل من خلال بعض التوصيات التي تصدر عقب مؤتمر الطفل Le rapport final de la 9éme edition du congrèe national des Droits de l'enfant « Protection et sécurité de l'enfant », Rabat, 25 -26 juin 2002, L'Observatoire National des Droits de l'Enfant.
[8] - أغلب الفقهاء الذين استجوبتهم حول مدى إمكانية تناول موضوع حق ضحية العنف في التأهيل بالدراسة و التحليل، أكدوا على أن هذا الموضوع ليست له أي ارهاصات في التشريع الجنائي المغربي، و بالتالي الصعوبة هي إنعدام الكتابات الفقهية و الطرح الذي بإمكانه أن يساند هذا الطرح.
[9] - أستاذنا جعفر علوي :" مفهوم الضحية في القانون الجنائي و في علم الإجرام محاولة أولية لرصد مجالات الاختلاف و الالتقاء"، مجلة القانون و الاقتصاد، العدد 16 السنة 1999، ص: 104.
[10] - البشير الزرايقي: "حقوق الطفل و المواثيق الدولية"، مجلة المحاماة، عدد 40، سنة 1997، ص121.
[11] - حديث رواه الخمسة و صححه الترمذي و جاء واردا في نيل الأوطار، الجزء السادس، ص:179.
[12] - سورة الأنفال، الآية8.
[13] - علي الخفيف:أشار إليه أستاذنا محمد بن معجوز المزعراني :"الحقوق العينية في الفقه الإسلامي و التقنين المغربي"، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1999، ص:13.
[14] - فرج السنهوري جاء به الأستاذ يوسف عبد الفتاح المرصفي:" النظريات الفقهية"، مؤسسة المختار للنشر و التوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى،2001، ص:120.
[15] - أشارت إليه الزميلة مغنية رشيدي : " حق الطفل في النسب"، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقةفي القانون الخاص، كلية الحقوق فاس ، السنة الجامعية 2002/20203، ص:8.
[16] - لمعرفة طبيعة هذه الانتقادات و الآراء التي قدمت فيها انظر رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص للباحث محمد كرادة تحت عنوان" الحق في الأسرة"، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2002/2003، ص:24/25/26.
[17] - فتحي الدريني :"الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده"، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية1977،ص:54/55.
[18] - رأي لكل من سافيني و وينتشايد أورد ذ.عمر النافعي:"مدخل لدراسة القانون:نظرية الحق"، نشر وتوزيع مكتبة دار السلام، الرباط، 1997، ص:1.
[19] - رأي للفقيه اللماني إيرينج أورده ذ.علي عدوي وآخرون "الحقوق و غيرها من المراكز القانونية"، منشأة المعارف بالاسكندرية،1996،ص:24.
[20] - ففيما يخص الفئة التي غلبت جانب المصلحة عن الإرادة جاء تعريفها للحق بأنه " مصلحة يحميها القانون بتخويلها صاحبها سلطة القيام بالأعمال اللازمة لتحقيق هذه المصلحة". أما فيما يخص الفئة التي غلبت الإرادة عن المصلحة جاء تعريفها للحق بأنه "قدرة إرادية يعترف بها القانون للشخص، ويكفل حمايتها في سبقيل تحقيق مصلحة معينة".
[21] - ذ.عبد النبي ميكو :"الدخل لدراسة القانون"، الجزء الثاني، نظرية الحق في القانون المغربي و المقارن، المطبعة العالمية، الرباط،1974،ص:15.
[22] - خالد زيو: "تعريف العنف ضد الطفل و المرأة"، مداخلة قدمت على هامش ندوة حول التصدي للعنف ضد الأطفال تحت شعار"لا للعنف ضد الأطفال"، بنغازي 15- 16/06/2005، ليبيا. http://www.libyachild.org.ly/force%20-for-child.htm.
[23] - مجلة منبر الأسرة ، العدد الثالث، فبراير 1991، ص:5.
[24] - خالد زيو: "تعريف العنف ضد الطفل و المرأة"، نفس المرجع.
[25] - ذة، نجاة السنوسي: "الأثر الذي يولده العنف على الأطفال و دور الجمعيات الأهلية في مواجهته"، مجلة المعلم، بدون تاريخ و لا عدد، مصر، ص:24.
[26] -- د.عبد العزيز بوودن"استراتيجية التكفل بالأطفال ضحايا العنف"، مجلة الطفولة و التنمية، العدد 9 ، المجلد الثالث، سنة 2003،ص:152.
[27] - د.أحمد الخمليشي: " جريمة الإيذاء العمدي"، مجلة الأمن الوطني، عدد 188، السنة 1997، ص:4.
[28] - ذ.عبد الرحيم عمران: "سيكولوجيا العنف بين الزوجين"، مقال غير منشور تسلمته من الأستاذ مباشرة يوم 06/01/2006.
[29] - الفصول من 459 إلى 467/4 من القانون الجنائي المغربي و قدلت وتممت بمقتضى القانون رقم 24.03 المتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل والمرأة.
[30] - مثلا جريمة الاجهاض تجرم في بعض التشريعات على أساس أنها عنف يمارس على حق الجنين في الحياة، في حين هناك بعض التشريعات من ترى بأن الاجهاض لا يرقى إلى مستوى الجريمة أو العنف الذي يمكن تجريمه، و من أجل التوسع في هذا أنظر رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص للباحث عزيز فضل الله، تحت عنوان "الحماية الجنائية للجنين في التشريع الجنائي المغربي"، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2002/ 2003، ص:
[31] - نعيمة البالي: "ملاءمة التشريع المغربي لاتفاقية حقوق الطفل"، أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق (شعبة القانون العام)،كلية الحقوق وجدة، السنة الجامعية 2002/2003،ص:209
[32] - ابن منظور/"لسان العرب"، الطبعة الأولى، المجلد رقم 14، دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع، بيروت 1410ه-1990م، ص476.
[33] - « Le mot victime est directement issu du latin victima, son sens est analogue à celui du mot grec Thyma. Il désignait une créature offerte en sacrifie aux Dieux ». Gérard Lopez : « victimologie », édition Dalloz, Paris, 1997, P13.
[34] - ذ. عبد الرحيم عمران،"سيكولوجية جريمة الإغتصاب"، مرصد الطفولة و المراهقة و الأسرة بكلية الآداب و العلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، لقاء تم مع الأستاذ الباحث في علم النفس الإجتماعي يوم 06/01/2006.
[35] - الفصل 485 من ق.ج و العديد الآخر من الأمثلة المنصوص عليها في هذا القانون من قبيل مثلا الفصلين التالية : 486 الخاص بجريمة الإغتصاب و الفصل 488 المتعلق بظروف التشديد
[36] - كما هو الأمر في المواد(5-43-510-511 من قانون المسطرة الجنائية المغربية) .
[37] -محمد محمود سعيد : "حق المجني عليه في تحريك الدعوى العمومية : دراسة مقارنة"، دار الفكر العربي، دون تاريخ،ص380.
[38] - قرار أورده الأستاذ محمد محمود سعيد : "حق المجني عليه في تحريك الدعوى العمومية : دراسة مقارنة"، دار الفكر العربي، بدون تاريخ، ص360.
[39] - Les articles 2- 85- 142/1 et 142/3 du code de procédure pénale française. Pierre Couvrat : « La protection des victimes d'infraction : Essai d'un bilan », Revue de science criminelle et droit pénal comparé, 1983, N°3 à 4, P579.
[40] - إبراهيم نجار- أحمد زكي بدوي- يوسف شلال : "القاموس القانوني : فرنسي عربي"، مكتبة لبنان، الطبعة الثالثة، 1991، ص 288.
[41] - Gérard Lopez : « Victimologie », édition Dalloz, Paris 1997, P4.
[42] - Gérard Cornu : « Vocabulaire juridique », Association Henri Capitant, 6éme édition, presses universitaire de France, 1996, P 865.
[43] - أحمد الخمليشي : "شرح قانون المسطرة الجنائية"، الجزء الأول، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط سنة 1999، ص137
[44] - محمد عياط: "حقوق المجني عليه في القانون المغربي في نطاق الدعوى المدنية التابعة"، المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي حول حقوق المجني عليه في الإجراءات الجنائية، القاهرة 12-14 مارس 1989، أعمال المؤتمر منشورة من طرف دار انهضة العربية سنة 1990، ص:361.
[45] - مراد دود وش : " حماية الطفل في التشريع الجنائي المغربي : جانحا و ضحية"، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق فاس، 2002/2003، ص 129.
[46] - إعلان بشأن المبادىء الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة و استغلال السلطة، اعتمد هذا الإعلان و نشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/34 المؤرخ في 29 نونبر1985 ، www1.umn.edu/humants/arab/b049.html. .



الفصل الأول :

 آليات تأهيل الطفل ضحية العنف في التشريع الجنائي المغربي.

تعتبر فكرة تأهيل الضحية من أحدث الأفكار التي نادى بها منظرو السياسة الجنائية المعاصرة وبالأخص فقهاء مدرسة الدفاع الإجتماعي الجديدة و على رأسهم الفقيه مارك أنسل [1] و الأستاذ عزت عبد الفتاح [2]، على أساس ما سطره عالم الإجرام الفقيه H.V.Hentig سنة 1948 في كتابه المعنون ب"المجرم و ضحيته" من ضرورة الاهتمام العلمي و التشريعي بضحية الفعل الإجرامي.
و مع التطور الفكري و الحقوقي الدوليين، تبلورت فكرة تأهيل الضحية إلى المستوى الذي أصبحت معه حق معترف به على الصعيد الدولي [3] و الجهوي [4] لمختلف الفئات الإجتماعية المستضغفة و بالأخص فئة الأطفال ضحايا العنف أو سوء المعاملة، حيث صرحت في هذا الإطار الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل في مادتها 39 على حق الطفل ضحية سوء المعاملة في الحماية الجنائية المواكبة أو ما يعرف بعملية تأهيل الطفل الضحية التي تتلخص إجراءاتها و تدابيرها في ضرورة تسخير آليات قانونية لمساعدة الطفل الضحية على ممارسة كافة الحقوق المكفولة قانونا للضحايا من قبيل المساعدة الطبية و المساعدة القضائية عن طريق تدخل فعال و عاجل للمؤسسات الإستشفائية والإدماجية و القضائية.
لتكون بذلك، عملية تأهيل الطفل ضحية العنف تستهدف في المستوى الأول تسخير آليات موضوعية لجبر ضرر هذا الطفل و إعادة بناء الثقة المفقودة لديه، في نفسه ومحيطه الاجتماعي، عن طريق الإعتراف التشريعي بحقه في التأهيل بكل مشتملاته من تدابير تفعيل الحماية القضائية إلى تدابير تيسير إجراءات الحصول على العلاج الطبي الفعال (الفرع الأول). وفي المستوى الثاني تستهدف تسخير آليات مؤسساتية ذات وظيفة علاجية من قبيل المستشفيات و مراكز للاستماع للضحايا، و أخرى ذات وظيفة إدماجية من قبيل الأسرة بكل تمظهراتها و كذا المدرسة (الفرع الثاني).
الفرع الأول : الآليات الموضوعية لتأهيل الطفل ضحية العنف.
الفرع الثاني : الآليات المؤسساتية لتأهيل الطفل ضحية العنف.
________________________________________
[1] - Marc ANCEL : « La défense sociale devant le problème de la victime », op cit, P : 179.
[2] - - E. A. Fattah, « La victimologie qu'est elle, quel est son avenir ? », Revue internationale de criminologie et de police technique, 19697, P116.
[3] - « Déclaration des principes fondamentaux de justice relatifs aux victimes de la criminalité et aux victimes d'abus de pouvoir », Resolution N°40-34 adoptée par l'assemblée générale de l'O.N.U.
[4] - Convention Européenne relative au dédommagement des victimes d'infractions violentes, Résolution 77/27 du comité des ministres du conseil de l'Europe 24/11/1983 . Et la Recommandation N°R (85) 11 du comité des ministres aux Etats membres sur la position de la victime dans le cadre du droit pénal et de la procédure pénale, adoptée par le comité des ministres le 28 juin 1985 lors de la 387eme réunion des délégués des ministres


الفرع الأول :

 الآليات الموضوعية لتأهيل الطفل ضحية العنف.

تبرز الآليات الموضوعية في عملية تأهيل الطفل الضحية كأهم الآليات التي من شأنها أن تقوم بالدور الأساسي المنتظر في إخراج الطفل المعتدى عليه من تقوقعه على ذاته وانعزاله عن الآخرين، حيث أنها تقوم على أساس حق الطفل الضحية في التأهيل كحق أصيل لكل طفل ضحية عنف (المبحث الأول)، و كذا على أساس مجموعة من التدابير التي من شأنها أن تفعل هذا الحق التفعيل السليم في تمكين الطفل من آليات الحماية الذاتية من كل اعتداء أو الوقوع مرة أخرى ضحية لنفس الاعتداء، وهي الآليات التي تشكل بدورها المضمون الموضوعي لحق الطفل الضحية في التأهيل (المبحث الثاني).
المبحث الاول :

 حق الطفل ضحية العنف في التأهيل.

قبل رصد مضمون حق الطفل الضحية في التأهيل يتطلب الأمر تحديد الأسس التي يقوم عليها هذا الحق بناء على ما جاءت به أبرز التوصيات و الوثائق الدولية المهتمة بوضعية الطفولة عموما(المطلب الأول) و من خلال كذلك الاهتمامات الوطنية بهذه الوضعية على وجه الخصوص (المطلب الثاني).
المطلب الأول :

 الأساس الدولي لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل.

قد يعتقد البعض أن الإطار الدولي لأي موضوع يقتصر فقط على الوثائق الدولية الصادرة عن بعض الهيئات الأممية، لكن هذا الإطار نعتقد أنه يتعدى ذلك إلى الشريعة الإسلامية التي جاء بها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) للناس كافة مصداقا لقوله تعالى " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [1] والتي عالجت القضايا بشكل شمولي، بنص صريح أحيانا وفي أحيان أخرى بمقصد من المقاصد الضرورية، حيث أنه في هذا الباب الأخير نجد مقصد الحفاظ على النفس البشرية من كل ما قد يصيبها من اعتداء أو إيذاء يمس بخلقها وبقائها أو من كل ما قد يعيق نموها و نضجها في أمن و سلام. وضمان الطفل ووقايته وحمايته من كافة ضروب الإهمال والقسوة والاستغلال مقررة في الشريعة الإسلامية طبقا للقاعدة الأصولية والحديث النبوي الشريف : " لا ضـــــرر ولا ضـــــرار " ، و كذا على اعتبار أن مرحلة الطفولة تعد من أخطر مراحل العمر و أعظمها شأنا في تكوين شخصية الفرد، و لذلك أوصى عليه الصلاة و السلام بالمعاملة الرحيمة اللينية بالأطفال، في الحديث المروي عن عمر بن شعيب عن جده أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا و يعرف شرف كبيرنا" [2].
وما تزايد الاهتمام الدولي بقضايا الطفولة في الوقت الراهن إلا نتيجة لتظافر مجموعة من العوامل السوسيوثقافية و السوسيوقانونية، حيث صار الحديث عما يقع للأطفال من اعتداءات لا أخلاقية واقع مرير معاش بصفة يومية بعد أن كان من الطابوهات التي يحضر ذكرها أو مناقشتها، مما دفع المنتظم الدولي على ما يبدو ممثلا في المنظمات الدولية المتخصصة في مجال الطفولة وكذا الممثل في الملتقيات و المنتديات الدولية التي تعقد تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة إلى دق أجراس الخطر حيال ما يتعرض له الأطفال على الصعيد العالمي دون استثناء بين الدول المتقدمة و نظيرتها المتخلفة ( الفقرة الثانية ) . الشيء الذي أدى إلى بروز بعض المواثيق الدولية التي تكفلت بتدويل الحماية القانونية للأطفال من كل أشكال العنف، وضمان حقهم في التأهيل والإدماج الاجتماعي ( الفقرة الأولى ).
الفقرة الأولى :

 المواثيق الدولية و حق الطفل ضحية العنف في التأهيل.

تنبه المجتمع الدولي للفراغ القانوني الذي يشهده مجال الطفولة و المأساة التي تعيشها عبر العالم ، انطلاقا من استهدافها في الحرب العالمية الأولى واستغلالها اقتصاديا في مناجم الفحم الحجري ومصانع الأسلحة، مرورا بسوء المعاملة التي لاقتها و لازالت تلاقيها في أوراش الصناعة التقليدية والخدمة المنزلية، إنتهاءا إلى اتخاذها كسلعة مربحة في تجارة الرقيق الأبيض و زرع الأعضاء البشرية واستعمالها ككاسحات للألغام في حروب اثنية أ و حدودية في أغلب الدول المتخلفة [3].
فكان أن سعى هذا المجتمع إلى الاعتراف الدولي بحق الطفولة في الحماية وحق الضحايا منها في الرعاية و التأهيل في أغلب الوثائق والمواثيق الدولية.
فتم إقرار أول إعلان عالمي حول حقوق الطفل من طرف المجلس العام للاتحاد الدولي لإغاثة الأطفال سنة 1924 من أجل حمل المجتمع الدولي على ضمان وضع يمكن الأطفال من النمو السليم في الحالات العادية وحمايتهم من الاستغلال في الحالات غير العادية دون أن يشير إلى وجوب التنصيص على حق الضحايا منهم في التأهيل، بل أكثر من ذلك فهذا الإعلان رغم تنصيصه على ضرورة حماية الأطفال فإنه لم يتجاوز حسب بعض الفقه درجة وثيقة اجتماعية موجهة بشكل عام إلى المجتمع الدولي دون أن ترتب أي التزام على الدول [4].
بل الأدهى من ذلك أنه حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانهيار عصبة الأمم و حصول نوع من التطور في الفكر الحقوقي بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من دجنبر 1948، والتصاعد النسبي للاهتمام الدولي بحقوق الطفل فإنه لم يؤثر على وجوب التنصيص على حق الطفل ضحية العنف و سوء المعاملة في التأهيل و الإدماج الاجتماعي في إعلان حقوق الطفل لسنة 1959، الذي و إن أكد في المبدأين 8 و9 على وجوب تمتيع الأطفال بأفضل حماية من كل صور الاستغلال والإهمال و الاعتداء، فإنه كرر ما نص عليه إعلان جنيف و غيب أية إشارة إلى وجوب تأهيل الأطفال ضحايا سوء المعاملة. هذه الدعوة لم تطفو إلا بتصاعد وتيرة الاعتداءات المسجلة في حق الأطفال على جميع الأصعدة، "جنسية، جسمية و نفسية". ولم تبرز إلى الوجود إلا بعد ثلاثين سنة من صدور إعلان 1959 وبالضبط بالتوقيع على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في 20 نونبر1989.
و هي الاتفاقية الأولى التي أكدت على وجوب توفير حماية فعالة للأطفال من الإهمال وسوء المعاملة في المادة (19)، و نبهت لأول مرة في تاريخ المواثيق و الاتفاقيات الدولية الخاصة بالطفولة إلى ضرورة تأهيل الأطفال ضحايا العنف و سوء المعاملة في المادة (39) كحق من الحقوق الخاصة بهذه الفئة من الأطفال.
و ما تجب الإشارة إليه على هذا المستوى، هو أن حق الضحية في التأهيل سواء كان راشدا أو طفلا، لم يكن من بين المطالب الحقوقية إلا في العقدين الأخيرين من القرن الماضي و بالضبط سنة 1985 تاريخ صدور أول إعلان عالمي بشأن المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة المعروف بإعلان ميلانو [5]، الذي جاء كأول إعلان عالمي يعرف الضحية و حاجياتها الأساسية المتمثلة في الحق في التأهيل والإدماج الاجتماعي بناء على ضرورة تيسير إجراءات المساعدة القضائية و الطبية وإيجاد تدابير تشريعية دولية و وطنية ملائمة للوضعية النفسية و البدنية للضحية، كما جاء قبل ذلك كنتيجة للمجهودات التي بذلتها مدرسة الدفاع الاجتماعي الجديدة بقيادة الفقيه الجنائي Marc ANCEL ، والمجهودات العلمية لأستاذ علم الضحية "عزت عبد الفتاح" [6] الذي شكلت مقالاته ثورة علمية داخل مدرسة الدفاع الاجتماعي الجديدة انصبت حول ضرورة الاهتمام العلمي و التشريعي بالضحية ولو كانت ضحية مذنبة في وقوع الفعل الإجرامي عليها، على اعتبار أن آثار الاعتداء تظل لصيقة بالضحية ولو عوقب الجاني بالعقوبة الأشد (مثال ذلك حمل القاصرة من اغتصاب جماعي و حتى الراشدة ) حيث أنه كيف ستكون معاملة هذه الأم لطفلها الناتج عن فعل إجرامي إلا سوء معاملته لتتكرر المعاناة و يعاد تشخيص دور الجاني في صورة أخرى، الشيء الذي يحتم ضرورة التعجيل بتفعيل حق مستقل للضحية في التأهيل وعلى الخصوص الطفل أو الطفلة الضحية.
وهو الأمر الذي سعت إليه كما مر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ملزمة الدول المصادقة عليها باتخاذ كل التدابير التشريعية لتشجيع التأهيل البدني والنفسي و إعادة إدماج الطفل ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الإساءة، أو التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة، أو المنازعات المسلحة.
و رغم السبق الذي حققته الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في مجال حماية و تأهيل الأطفال ضحايا الاعتداءات فإن ما يؤاخذ عليها هو التنصيص العام على هذا الحق دون التوسع في الإجراءات والتدابير الواجب توفيرها لصالح هؤلاء الأطفال، الشيء الذي ربما دفع المنتظم الدولي في 25 ماي 2000 إلى إصدار بروتوكولين ملحقين بالاتفاقية الأممية للطفولة، احدهم خاص ببيع الأطفال والاستغلال الجنسي التجاري للأطفال، و ثانيهم متعلق بالتجنيد العسكري للأطفال و استغلالهم في المنازعات المسلحة.
و هما البروتوكولين اللذين أكدا معا على وجوب أن تتخذ الدول الأطراف كل التدابير المناسبة لحماية حقوق ومصالح الأطفال ضحايا الممارسات المحظورة و أن تعترف تشريعات هذه الدول بحقهم الكامل في التأهيل و الإدماج الاجتماعي بناء على ما يلي :
1. ضرورة الاعتراف التشريعي بضعف الأطفال الضحايا و تكييف الإجراءات بشكل يجعلها تعترف باحتياجاتهم الخاصة؛
2. وجوب إعلام الأطفال الضحايا أو ذويهم بالحقوق المكفولة لهم و بنطاق الإجراءات و توقيتها ومدى تقدمها؛
3. السماح بعرض آراء الأطفال الضحايا و أخذها بعين الاعتبار أثناء سير الدعوى؛
4. ضرورة توفير خدمات المساندة الملائمة و الرعاية اللاحقة للأطفال الضحايا طيلة سير الإجراءات القانونية؛
5. حماية خصوصية الأطفال الضحايا و اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب نشر معلومات قد تفضي إلى التعرف على هؤلاء الأطفال؛
6. ضرورة ايلاء الاعتبار الكافي للمصلحة الفضلى للطفل الضحية في النظام القضائي الجنائي الخاص بالأطفال؛
7. وجوب أن تتخذ الدول الأطراف التدابير اللازمة للتأهيل و التدريب القانوني و النفسي للأشخاص الذين يعملون مع الأطفال ضحايا الجرائم [7].
و باستقراء هذه التدابير السبعة التي نص البروتوكولان الملحقان بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عليها، يلاحظ بأنها راعت شيئا ما حاجيات الأطفال الضحايا وشكلت أول اعتراف دولي بهذه الحاجيات التي تتلخص في ثلاث نقط هي :
• النقطة الأولى : ضرورة التصريح التشريعي بحق الطفل الضحية في التأهيل؛
• النقطة الثانية : ضرورة تيسير إجراءات التقاضي و التطبيب بالنسبة للطفل الضحية؛
• النقطة الثالثة : ضرورة تسهيل إجراءات الإدماج الاجتماعي لصالح الطفل الضحية.
لكن مع ذلك فإن البروتوكولين، و رغم ما جاءا به لصالح الأطفال ضحايا الاعتداء و الاستغلال الجنسي والعسكري، فإنهما لا يتمتعان بأي إلزام دولي على اعتبار الصفة الاختيارية التي يقومان عليها في انخراط أي طرف جديد في أي منهما الشيء الذي جعلهما مجرد وثيقتين اجتماعيتين لا يرقيان لمستوى إنتظارات الأطفال الضحايا الذين تزداد أعدادهم يوما بعد يوم حسب ما أوردته وثيقة نيويورك "عالم صالح للأطفال"، بأن مئات الملايين من الأطفال يعانون و يموتون من جراء العنف والاستغلال والإهمال ومن جميع أشكال الإيذاء و التمييز [8].
و قد أكدت الوثيقة على أن من شروط إيجاد عالم صالح للأطفال وجوب كفالة سلامة و حماية أمن الأطفال ضحايا الاتجار و الاستغلال الجنسي و العنف البدني وضرورة توفير الدعم و المساعدة و الخدمات لهؤلاء الضحايا بغية استردادهم لعافيتهم و إعادة إدماجهم في المجتمع [9] بناء على الحقوق القانونية المكفولة للضحية عموما.
و بصفة عامة يمكن القول بأن الاهتمام الدولي بالحماية الواجبة للأطفال من كافة أشكال سوء المعاملة لم يقتصر على عنصر الوقاية بل تعداه إلى إدخال عنصر العلاج عن طريق التركيز على حق الأطفال ضحايا سوء المعاملة في التأهيل بناء على الدعم و الضغوط الممارسة من طرف المنتظم الدولي.
الفقرة الثانية :

 دعم المنتظم الدولي لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل.

يجمع المنتظم الدولي سواء الرسمي أو غير الرسمي المتمثل في هيئات المجتمع المدني الدولي على أن ما تتعرض له الطفولة من اعتداءات من شأنه أن يهدد الوجود الإنساني وما شيدته الإنسانية على مر العصور إن لم توفر الحماية الكافية والعلاج الفعال للأطفال ضحايا الاعتداءات.
و في هذا السياق نجد جملة من التوصيات الصادرة عن مختلف مشارب المنتظم الدولي من قبيل اليونسيف و كذا منظمة الصحة العالمية ( OMS ) بالإضافة إلى مجموعة من التوصيات الصادرة عن بعض الملتقيات الدولية مثل ملتقى استكهولم حول الاستغلال الجنسي للأطفال لأغراض تجارية، وكذا ملتقى يوكوهاما حول نفس الموضوع، زيادة على بعض الملتقيات الإقليمية و الجهوية كالملتقى العربي الإفريقي لمواجهة الاستغلال الجنسي للأطفال المعروف بملتقى الرباط.
فبالنسبة لليونسيف، منذ تأسيسها تحت مسمى صندوق الأمم المتحدة لإغاثة الطفولة يوم الحادي عشرة من دجنبر 1946، و هي تحذر المجتمع الدولي من عواقب ما تتعرض له الطفولة يوميا من سوء معاملة و اعتداءات واستغلالات في جميع المجالات و الميادين، سواء في المنزل أو المدرسة أو الشارع أو أماكن العمل أو السجون و حتى في دور العبادة، مشيرة إلى ذلك في أغلب تقاريرها التي تصدر تقريبا كل سنة [10] و محملة المسؤولية للمجتمع الدولي برمته ورافعة التحدي بمبادراتها التي تترأس برامجها الدورية، حيث نجدها في هذا الصدد تؤكد على ضرورة الحماية الكاملة للأطفال من كافة أشكال الاستغلال أو الاعتداء، و على ضرورة السهر على تأهيل كل طفل كان ضحية لهذه الأعمال اللانسانية في المخطط الرباعي [11] الصادر عنها لصالح الطفولة عبر العالم و الذي تضمن التأكيد على الأولويات الخمسة التالية :
• الأولوية الأولى : تعميم تعليم الفتيات .
• الأولوية الثانية : حماية الطفولة الصغيرة.
• الأولوية الثالثة : توسيع برامج التطعيم أو التلقيح .
• الأولوية الرابعة : القضاء على فيروس نقص المناعة المكتسبة السيدا .( VIH/SIDA)
• الأولوية الخامسة : حماية الأطفال من العنف و الاستغلال، و ضرورة تأهيل الأطفال ضحايا سوء المعاملة. [12]
و من خلال هذه الأولويات يبرز مدى اهتمام منظمة اليونسيف بقضايا الطفولة على الصعيد العالمي وخاصة الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية و البدنية و النفسية، الذين تتزايد أعدادهم يوما بعد يوم في أغلب دول العالم.
فهذه الفلبين على لسان رئيستها كلوريا أرويو تؤكد أن عدد الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية والاستغلال الجنسي التجاري في بلادها، ارتفع من 20 ألف ضحية سنة 1986 إلى أكثر من 100 ألف ضحية سنة 2000 [13] دون أن توفر لهم أدنى وسائل الوقاية أو العلاج من آثار هذه الاعتداءات اللأخلاقية التي قد تتجاوز الآثار النفسية إلى الإصابة بأمراض جنسية، كفيروس نقص المناعة المكتسبة VIH/SIDA ، أو صيرورة الفتيات منهم أمهات عازبات في أعمار مبكرة. وهذا الأمر ليس قاصرا على الفلبين وحدها بل يتعداها إلى أغلب دول جنوب شرق آسيا إن لم نقل جل دول العالم الثالث تضاف إليها بعض الدول الصناعية حيث تعاني الطفولة من ويلات سوء المعاملة والاضطهاد النفسي والجسمي [14] .
فاليونسيف تقدر نسبة الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي التجاري في لتوانيا مثلا ما بين 20 % إلى 50 % ممن يتعاطون الدعارة بدون إرادتهم و أن حوالي 104 ألف طفل يصيرون ضحايا للاعتداءات الجنسية كل سنة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها دون الحديث عن نسبة الأطفال ضحايا العنف التربوي في المنزل أو المدرسة أو مراكز رعاية الطفولة. وتضيف اليونسيف أن العائد المالي الذي يجنيه المستفيدون من الاستغلال الجنسي التجاري للأطفال في التايلاند وحدها يقدر بحوالي 300 مليون دولار كل سنة [15].
و المغرب حسب نفس المنظمة ليس بمعزل عن هذه الدول فيما يتعلق بنسبة الأطفال المعنفين والمستغلون جنسيا، حيث عرفت النسبة الرسمية للاعتداءات الجنسية ارتفاعا ملحوظا، ففي سنة 1999 سجلت حوالي 102 حالة إعتداء جنائي و جنحي، وتضاعفت في سنة 2001 إلى حوالي 210 حالة في حين ارتفع العدد إلى حوالي 400 حالة سنة 2002 [16]، الأمر الذي يحمل أكثر من دلالة على ضرورة الإسراع بتفعيل حق هؤلاء الأطفال في الرعاية اللاحقة و التأهيل بشكل يخفف عنهم آثار الاعتداءات ويوفر لهم برامج مساعدة وإدماج اجتماعي فعال، وهو الشيء الذي تطالب به منظمة الصحة العالمية ( OMS ) التي تولي أهمية كبرى للتدابير والإجراءات و البرامج الوقائية و الحمائية في ميادين العلاج البدني و العلاج النفسي للضحايا، و تلح على ضرورة تقديم خدمات علاجية مستعجلة للأطفال الضحايا على وجه الخصوص على اعتبار أن الاعتداءات التي يتعرضون لها تشكل أكبر مشكل على الصحة العمومية على المدى المتوسط و البعيد و أكبر تحدي سيواجه العالم في المستقبل [17]، كما تركز على دعم دور الجمعيات و الخبراء المختصين في المجال على اعتبار أن عدم العناية بالأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية يولد لديهم شعورا بالانتقام عندما يصيرون رشداء.
و في هذا السياق، تقدر بدورها منظمة الصحة العالمية في آخر تقرير لها أن عدد الأطفال ضحايا سوء المعاملة بصفة عامة في العالم يصل إلى 40 مليون طفل لا تتجاوز أعمارهم الرابعة عشر سنة سنويا، و تقدر نسبة الفتيات فيهن بحوالي 34 % في حين أن نسبة الفتيان تصل إلى حوالي 29 [18] % وتضيف أن نسبة 8 % إلى 10 % من الذكور و نسبة 12 % إلى 25 % من الإناث الذين لا تتجاوز أعمارهم 18 سنة كانوا ضحايا لاعتداءات جنسية من طرف أقربائهم [19]. الشيء الذي يبرز مدى الخطورة التي يشكلها عدم الاهتمام بهؤلاء الضحايا خاصة إذا علمنا أن من أبرز الآثار التي تخلفها هذه الاعتداءات اضطرابات نفسية وسلوكية تتجلى في :
1. الإصابة بالإكتئاب و الصمت المطبق أو العكس الصراخ من أي شيء والذي يكون مصحوبا بالبكاء الكثير؛
2. شعوره الطفل بالذنب و الخوف و إضطرابات النوم و التبول و التبرز اللاإرادي [20]؛
3. فقدان الطفل الثقة في الآخرين و انعدامها بشكل مطلق في حالة كون المعتدي من أصوله أو أقاربه؛
4. العدائية المفرطة للنوع الجنسي مصدر الإعتداءات؛
5. قصور الطفل في تقدير ذاته و نضجه وكذلك مهاراته و تحصيله العلمي. [21]
بالإضافة إلى هذه الاضطرابات النفسية يضيف الدكتور بجورن تيلفورس مدير مصلحة وقاية القاصرين من الصدمات النفسية وتأهيل الضحايا بمنظمة الصحة العالمية أن الأمر قد يتجاوز الأعراض النفسية إلى الإصابة بإعاقات بدنية قد تلازم الحدث طيلة عمره أو الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (VIH/SIDA) [22] حيث تقدر التوقعات ارتفاع معدل الإصابة بهذا الوباء في أفق سنة 2010 إلى حوالي 40 مليون طفل .
ونظرا لخطورة الاعتداءات على الأطفال و بالخصوص الاعتداءات الجنسية انعقدت مجموعة من الملتقيات و المنتديات الدولية و كذا الجهوية على مدى العقدين الماضيين لتدارس سبل وقاية الأطفال وتأهيل الضحايا ومتابعة مدى تفعيل ما نصت عليه أغلب الاتفاقيات الدولية في الموضوع وكذا لدعم حق الطفل ضحية العنف في التأهيل و الإدماج الاجتماعي و الرعاية اللاحقة.
فانعقد أول مؤتمر لمناهضة الاستغلال الجنسي في استوكهولم بالسويد من 27 إلى 31 غشت 1996 بعد مرور سبع سنوات على المصادقة غير المسبوقة في تاريخ القانون الدولي على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1989 ، حيث أراد منظمو هذا المؤتمر الوقوف أولا على ما تحقق للطفولة منذ صدور الاتفاقية الدولية وكذا الوقوف على الثغرات التي تركتها فيما يتعلق بحماية الطفولة من كل أشكال سوء المعاملة من قبيل الاعتداءات البدنية و الجنسية ذات الطابع التجاري، والوقوف على طبيعة الآليات الواجب التأكيد عليها لتجنيب الأطفال آثار هذه الاعتداءات.
و بالفعل، بتصفح التقرير الختامي الصادر عن هذا المؤتمر يلاحظ تركيزه على الجانب المتعلق بتأهيل الطفل ضحية سوء المعاملة الجنسية، وتبنيه لمقاربة علاجية اندماجية تقوم على أساس مد يد المساعدة لهذا الطفل على مستوى المسطرة القضائية و كذلك على مستوى المسطرة الطبية، كما أكد على ضرورة إيجاد مصالح خاصة للإستقبال و الإشراف على عملية الرعاية اللاحقة التي تتطلب أطر عليا متخصصة في مادة حقوق الطفل وكل ما هو مرتبط بها [23].
وقبل انعقاد المؤتمر الثاني التأمت مجموعة من الملتقيات الإقليمية للوقوف على النتائج المحققة بعد استوكهولم والتحضير للمؤتمر العالمي الثاني لمناهضة الاستغلال الجنسي التجاري للأطفال الذي انعقد في يوكوهاما باليابان ما بين 17 و20 دجنبر2001 .
و قد أجمعت هذه الملتقيات [24] على وجوب العمل على ضرورة وضع بنيات لإعادة التأهيل والإدماج العائلي و الاجتماعي للأطفال الضحايا، وهو الأمر الذي أكده مؤتمر يوكوهاما بدوره، كما حاولت هذه المؤتمرات و الملتقيات مع شركائها وضع خطة أممية للقضاء على الاستغلال الجنسي التجاري للأطفال كصورة من صور سوء المعاملة متناسية بقية الصور الأخرى لسوء المعاملة التي قد تكون إحدى العوامل المساهمة أو بالأحرى الدافعة للوقوع في براثن الاستغلال من قبيل قلة الحاجة و التفنن في سوء المعاملة المنزلية بدعوى التوجيه و التربية أو ما يصطلح عليه بالعنف التربوي الذي يدفع بالطفل إلى الإلقاء بذاته في جحيم التشرد والإدمان مما يجعله فريسة سهلة للمتحرشين بالأطفال [25] .
علاوة على ذلك، فإن ما يجب قوله هو أن هذه اللقاءات إن كانت بالفعل قد أسست لمنهجية تأهيل الطفل الضحية فهي لم تراعي المستويات الاقتصادية للدول المشاركة فيها و التي تعاني أغلبها من مشاكل اقتصادية وتتفاقم فيها الظاهرة أكثر من غيرها، فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية تنفق سنويا أكثر من 12 مليار دولار أمريكي لأجل تأهيل مليوني طفل معنف [26] لاعتبارات تتعلق بأن المجتمع لا يتقدم بموارد بشرية محبطة نفسيا و معنفة بدنيا، في حين العديد من الدول لا تستطيع إنفاق نصف المبلغ حتى لتوفير الغداء لأطفالها و إنقادهم من آثار سوء التغذية المدمرة لكل متطلبات التربية والتعليم الخطوة الأولى للتنمية في أي مجتمع، زيادة على عدم إدراكها لتلك الاعتبارات، الشيء الذي يتطلب تظافر جهود المجتمع الدولي لمد يد المساعدة لأطفال تلك الدول وليس لأنظمة تلك الدول التي تحاول منهكة القوى تقعيد الأساس الوطني لحق الطفل الضحية في التأهيل.
________________________________________
[1] - سورة الأنبياء، الآية : 106.
[2] - رواه الترمدي و أبو داوود، كتاب " الترهيب و الترغيب"، المجلد الأول، طبع دار الفكر، بيروت، لبنان، 1421ه/ 2000م، ص:82.
[3] - Rapport : « Guide du protocole facultatif concernant l'implication d'enfant dans les conflits armés », Unicef et Coalition contre l'utilisation d'enfants soldats, Mai 2004, P 3.
[4] - د.عبد العزيز مخيمر عبد الهادي : "اتفاقية حقوق الطفل خطوة الى الأمام أم الى الوراء"، مجلة الحقوق، السنة 17، العدد 3، ربيع الأول 1414ه، سبتمبر1993، ص 125.
[5] -- إعلان بشأن المبادىء الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة و استغلال السلطة، اعتمد هذا الإعلان و نشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/34 المؤرخ في 29 نونبر1985 ، www1.umn.edu/humants/arab/b049.html
[6] - E. A. Fattah, « La victimologie qu'est elle, quel est son avenir ? », OP cit, P 116.
[7] - المادة 8 من البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال و استغلال الأطفال في البغاء و في المواد الاباحية، الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 ماي 2000 ، قرار الجمعية العامة 263/54 تاريخ بدأ النفاذ 18 يناير2002. و كذلك المادة 7 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 263 الدورة الرابعة والخمسون المؤرخ في 25 أيار/مايو 2000 دخل حيز النفاذ في 23 فبراير 2002 . و قد تم التوقيع عليهما من طرف المغرب في 8 شتنبر 2000 بنيويورك على هامش القمة الألفية التي انعقدت ما بين 6 و 8 شتنبر بمقر الأمم المتحدة.
[8] - "الحماية من الإيذاء و الاستغلال و العنف"، وثيقة نيويورك "عالم صالح للأطفال"، تقرير اللجنة الجامعة المخصصة للدورة الاستثنائية السابعة و العشرين للجمعية العامة، الأمم المتحدة، نيويورك2002 (A/S-27/19/Rev.1) .
[9] - المادة 44 "القضاء على الاتجار بالأطفال و استغلالهم جنسيا"، وثيقة نيويورك، مرجع سابق.
[10] - unicef : « la situation des enfants dans le monde 2001 », 1 er édition, New York, 2002. Et aussi « la situation des enfants dans le monde 2003 », 1 er édition, New York, 2004. Et aussi « la situation des enfants dans le monde 2005 : l'enfance en péril » 1 er édition, New York, 2005.
[11] - unicef : « les priorités de l'unicef pour les enfants 2002-2005 », deuxiéme édition, New York, 2002.
[12] - unicef : « les priorités de l'unicef pour les enfants 2002-2005 », op cit, p : 11.
[13] - Gloria Macapagal Arroyo : « Reprenons-nous : une présidente en compagne contre l'exploitation sexuelle des enfants », « Enquete sur l'exploitation sexuelle de nos enfants : A qui profite le crime ? », Dévision de la communication unicef, New York, Novembre2001, P :4.
[14] - Bénédicte Manier : « Le travail des enfants dans le monde », édition la Découverte, Paris, 1999, PP 73, 77 et 94 .
[15] - Unicef : « l'exploitation sexuelle à des fins commerciales : faits et chiffres », enquete sur l'exploitation sexuelle de nos enfants, Op cit, P : 7
[16] - الاستغلال الجنسي بالمغرب في أرقام : الأحداث المغربية عدد 1799 ، بتاريخ 27 دجنبر 2003. على أن ما يجب التنبيه اليه هو أن هذا العدد لا يشكل سوى الجزء البارز من جبل الجليد، حيث أن الأمر لا زال يواجه بتبريرات في الغالب تتلخص في الحفاظ على سمعة أسرة الضحية أو أن التصريح من شأنه أن يمس بوحدة وتماسك الأسرة في حالة كون المعتدي من رحم الأسرة أو العائلة.
[17] - OMS(l'organisation mondiale de la santé) : « La maltraitance », rapport sur le site web suivant : http://apte.formation.free.fr/maltraitance.html , mise à jour le 27/11/2005.
[18] - OMS : : « La maltraitance », op cite site Internet.
[19] - OMS : « Aide à la pratique – Information aux médecins : Abus sexuels des jeunes », rapport sur le site web suivant : http://www.santepub-mtl.qc.ca/mdprevention/fiches/abus/abus.html , mise à jour le 27/11/2005.
[20] - Martine Nisse : « L'enfant victime : Comment faire face aux violences (Le guide du parent) », presses universitaire de France, Aout 1999, P15.
[21] - دة. سنية عبد الحليم: "تعذيب الأطفال"، "موسوعة الطب الشرعي بين الإدعاء و الدفاع"، الجزء الأول، منشورات نقابة المحامين المصرية، لجنة المكتبة و الفكر القانوني، مصر، 1992، ص: 673. .
[22] - OMS : : « La maltraitance », OP cit.
[23] - The Host Committee for the World Congress against Commercial Sexual Exploitation of chidren : « Rapport du congrès mondial contre l'exploitation sexuelle à des fins commerciales », Stockholm, Suède, 27-31 aout 1996,partie 1, p165. Et aussi la partie 2 du rapport et programme d'action du congrés mondiale contre l'exploitation sexuelle à des fins commerciales », Stockholm, Suède, 27-31 aout 1996, p8.
[24] - لمعرفة هذه الملتقيات أنظر هامش الصفحة 13 من هذه الدراسة.
[25] - (les pédophiles).
[26] OMS : : « La maltraitance », op cit. - site Internet


المطلب الثاني :

 الأساس الوطني لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل.

يعتبر الإهتمام بالضحية عموما من بين أهم الإشكالات المطروحة على المشرع الوطني، حيث في الغالب ما نجد الإهتمام التشريعي ينصب على الجانح أو الجاني في غياب تام للضحية الذي يتكبد وحده الآثار الجانبية للإعتداء دون أي إهتمام طبي أو إجتماعي من شأنه أن يساعد على تحمل تلك الآثار.
لكن هذا الطرح لا يمكن أخذه على إطلاقه على اعتبار إهتمام بعض التشريعات المقارنة وبالأخص تشريعات الدول الغربية، التي أفردت حيز هام لمشتملات حق الضحية في التأهيل بما فيه حق الطفل ضحية العنف في التأهيل، في حين جزأت بعض تشريعات الدول العربية هذا الحق مشيرة إليه بشكل محتشم و إرتجالي(الفقرة الأولى)، بما في ذلك التشريع الجنائي المغربي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :

حق الطفل ضحية العنف في التأهيل في القانون المقارن .

نتيجة للتطور الذي شهدته محددات السياسة الجنائية المعاصرة في أغلب التشريعات الوطنية عن طريق المزج بين مطالب الاهتمام بالجاني و مطالب الاهتمام بالضحية بشكل متساوي. و اعتبارا للتوصيات الدولية المؤكدة على ضرورة الإعتناء بمتطلبات و حاجيات الضحية عموما في العلاج والإدماج، أولت العديد من التشريعات المقارنة حيزا تشريعيا هاما لحقوق الضحية و بالأخص الطفل الضحية.
فبادر المشرع الجنائي الكندي سنة 1982 إلى قبول إنشاء مركز لمساعدة ضحايا الإجرام، وجهت خدماته لصالح كل ضحايا الجرائم بدون استثناء و لم يقتصر على نوع محدد من الجرائم، ارتكزت على الأساسيات الأربع التالية :
1. الاستماع للضحايا؛
2. التحسيس المستمر بخطورة الجرائم على الحياة العادية للأفراد بما فيهم الأطفال؛
3. تحسيس أجهزة الشرطة و القضاء و المؤسسات العقابية بخطورة الجناة و الجريمة على السلم الاجتماعي؛
4. إحالة الضحايا على هيئات المجتمع المدني المتخصص في استقبال كل فئة من الضحايا من أجل الاستفادة من مبادرات الدعم و العلاج [1].
ثم تبعه المشرع الجنائي الفرنسي سنة 1986 حين أقر إنشاء أول مؤسسة تعنى بمساعدة الضحايا في فرنسا تحت إسم " المعهد الوطني لمساعدة الضحايا و الوساطة ( INAVEM ) " ، كان من أهم مهام هذا المعهد تحديد حاجيات و إستراتيجية مساعدة الضحايا، و تشجيع الشراكات مع الهيآت القضائية والطبية، كما كان له دور أساسي في إصدار ميثاق أخلاقيات التعامل مع الضحايا بناء على مبادىء المجانية، و الإنصات والسرية، و التوجيه النفسي والمساعدة القضائية [2].
ونتيجة للأنشطة التي قام بها المعهد و تزايد ارتفاع أعداد الأطفال ضحايا العنف في فرنسا، قامت الجمعية الوطنية الفرنسية بتشكيل لجنة للتحقيق حول حقوق الطفل في فرنسا ومدى إعمالها بناء على تقارير المعهد و متطلبات حقوق الطفل الضحية فأصدرت تقريرا تضمن مجموعة من المعطيات والحقائق لخصت في ثلاث نقط هي :
1. إرتفاع نسبة إنتحار الأطفال ضحايا العنف؛
2. تراجع المستوى التعليمي للأطفال ضحايا العنف؛
3. تصاعد نسبة الإكتئاب بين الأطفال ضحايا العنف.
كما حدد التقرير أبرز مظاهر الاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال على مستويين :
المستوى الأول يكون فيه الطفل ضحية للإعتداءات الجسدية و الإستغلال الجنسي، و الإساءة العقلية، والإهمال.
المستوى الثاني يعيش الطفل في ظروف من شأنها أن تهدد صحته و أمنه ومعنوياته و تربيته وتعرضه لخطر دائم من قبيل العنف التربوي.
و بناء على ما جاء به تقرير لجنة التحقيق تم إصدار قانون 17/06/1998 الذي أكد على حق الطفل ضحية العنف في التأهيل كحق أصيل بناء على ما يلي :
أ)- وجوب الإهتمام بمسطرة البحث النفسي و الخبرة الطبية للطفل الضحية؛
ب)- ضرورة تقوية و إغناء مساطر و إجراءات التأهيل و إعادة الإندماج عن طريق إيجاد .مراكز و خلايا متنوعة الإختصاصات و الوظائف لمساعدة الأطفال الضحايا؛
ج)- تقوية إجراءات المتابعة السوسيو قضائية؛
د)- تطوير دور الخبراء الأطباء في مساطر البحث و التحقيق؛
ر)- ضرورة تحمل الدولة لكافة المصاريف التي تتطلبها المساعدة الطبية و النفسية بما فيها القضائية [3]؛
و لأجل تفعيل ما جاء به قانون 17/06/1998 دعا المشرع الفرنسي إلى توسيع قاعدة المصالح المكلفة بمساعدة و تأهيل الضحايا في جميع المناطق الفرنسية و أصدر مدونة لتنظيم عملها تحت مسمى مدونة أخلاقيات مساعدة الضحايا ضمنه مجموعة من التدابير المتعلقة بمنهجية تأهيل الضحايا و كيفية التعامل مع أسرهم [4].
و بالموازاة مع تجربة المشرع الفرنسي حيال حق الطفل ضحية العنف في التأهيل أكد المشرع السويسري في القانون الفيدرالي الصادر في 4/10/1991 المعدل بقانون 23/03/2001 و الذي دخل حيز التطبيق في 01/10/2002 تحت إسم قانون مساعدة ضحايا الجرائم (LAVI) على ضرورة توفير حماية خاصة للأطفال ضحايا سوء المعاملة وكذا على وجوب تأهيلهم من الناحية النفسية و البدنية مع الحرص على إعادة إدماجهم في المجتمع بشكل كامل و تمتعهم بكامل الحقوق المكفولة للضحايا عموما [5].
إلا أنه رغم ما نص عليه القانون الفرنسي وكذا السويسري يظل القانون البلجيكي في مجال تأهيل الطفل الضحية رائدا في مواكبة حاجيات هذا الطفل، خاصة إذا علمنا أن المشرع البلجيكي نص على حق الطفل الضحية في التأهيل في قانون 12/05/2004 المتعلق بمساعدة الأطفال ضحايا سوء المعاملة، و جعل مهمة الإشراف على العملية برمتها من مهام قرية الأطفال( (S.O.S بناء على قانون 16/03/1998 المؤسس لهذه القرية التي تتكون من مستشار قانوني كرئيس لها و مختص نفسي ومساعدة إجتماعية و مجموعتي عمل الأولى تتكون من أربع وحدات تتدخل قبل ولادة الطفل وتعرف بإسم Les équipes anténatales و الثانية تتكون من أربعة عشر وحدة تسمى بإسم Les équipes postnatales دورها يبرز في حماية الأطفال من كافة أشكال سوء المعاملة منذ ولادتهم أو ما يعرف بالتدخل القبلي قبل حصول الإعتداء وكذا التدخل البعدي الذي يتلخص في الإشراف الكامل على تفعيل حق الطفل الضحية في التأهيل [6] .
كما تشرف قرية الأطفال S.O.S على دعم و توجيه العاملين في العلاج الطبي و الإدماج الإجتماعي لأجل مواجهة حالات سوء المعاملة التي يتعرض لها الأطفال، وتسهر القرية كذلك على نشر كراسات و دلائل عملية لصالح الأطفال و الأسر تتعلق بطرق الحماية من سوء المعاملة و الحقوق القانونية والقضائية المكفولة للضحايا [7].
وبإستقراء التجارب التشريعية الغربية، يلاحظ بأنها تتماشى إلى حد كبير مع مقتضيات الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل و بالأخص مادتها التاسعة و الثلاثين التي تنص على وجوب أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التي من شأنها أن توفر التأهيل البدني و النفسي و إعادة إدماج الأطفال ضحايا العنف، كما تتوافق مع توصيات وثيقة نيويورك "عالم جدير بأطفاله" التي ركزت بدورها في فقرتها (44) على حق الطفل الضحية في التأهيل و العلم المسبق بطبيعة الإجراءات القضائية و بكل الحقوق المكفولة له.
..في حين هذا التوافق نجده مفقودا لدى أغلب التشريعات العربية المقارنة التي و إن إستطاعت في بعض الأحيان أن تنص على ضرورة حماية الطفل ضحية العنف فإنها غيبت بالمرة النص على طبيعة التدابير المخصصة لتأهيل هذه الفئة من الضحايا و طبيعة الحقوق القضائية و الطبية المكفولة لها و كذا طبيعة القائمين عليها و مسؤولياتهم، و في هذا السياق نجد مثلا قانون العقوبات الجزائري لسنة 1966 في مادته (493) ينص على أن لقاضي الأحداث الحق في أن يقرر بمجرد أمر منه بناء على طلب من النيابة العامة أو من تلقاء نفسه بعد سماع رأي النيابة العامة في حالة ما إذا وقعت جناية أو جنحة على شخص قاصر دون 18 سنة من عمره أن يتم إيداعه لدى شخص جدير بالثقة أو بمؤسسة عمومية أوعمل خاص و إما يعهد به للمصلحة العمومية المكلفة بالمساعدة [8]. كما أن المشرع الليبي تبنى نفس الطرح حيال الأطفال ضحايا العنف في قانون الإجراءات الليبي لعام 1953، بالإضافة إلى ذلك، فالمشرع الليبي رغم إصداره لقانون حماية الطفولة رقم 5/1427م لم ينص على أي إجراء من الإجراءات الواجبة لتأهيل الأطفال الضحايا بإستثناء إعادة نفس المقتضيات العامة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الليبي المادة (330) [9].
و بصفة عامة، يمكن إعتبار توجه كل من المشرع الجزائري و نظيره الليبي في مجال الإهتمام بفئة الضحايا عموما و فئة الأطفال الضحايا على وجه الخصوص نموذجا لتخلف التشريعات الجنائية العربية المقارنة في مواكبة مستجدات السياسة الجنائية المعاصرة التي تنبنى على أساس الاعتبار العلاجي وليس على أساس الاعتبار العقابي، حيث يسجل على هذه التشريعات عموما الإهمال للجانب الإنساني المتمثل في ضرورة الإهتمام بفئة الضحايا و حقوقها مثل الإهتمام المتنامي بفئة الجناة وحقوقها.
و في هذا الإطار الأخير، يلاحظ أن بعض التشريعات العربية بدأت تسجل محاولات جادة على طريق تحديث أسس سياستها الجنائية بالانتقال من سياسة جنائية عقابية تركز بالأساس على المجرم إلى سياسة جنائية علاجية تزاوج بين الحاجيات الأساسية للضحية و متطلبات التعامل الإنساني مع المجرم، و هي السياسة التي يطمح أن يعالج بها المشرع الجنائي المغربي قضاياه الإجتماعية [10] و منها قضية حق الطفل الضحية في التأهيل [11].
الفقرة الثانية :

حق الطفل ضحية العنف في التأهيل في القانون المغربي .

يعتبر التشريع الجنائي المغربي من أحدث التشريعات الجنائية على صعيد الوطن العربي، حيث قام مشرعه بتعديل جوهري لمقتضيات المسطرة الجنائية سنة 2002 [12]، و تعزيزه لمقتضيات الحماية الجنائية المتعلقة بالطفل و المرأة في مجموعة القانون الجنائي المغربي بمقتضى القانون رقم 03/24 بما يتوافق نوعيا مع إلتزاماته الدولية.
لكن بالرغم من ذلك، فإنه لا يعنى بأن المشرع الجنائي المغربي قد حقق الكمال في تأطيره القانوني لجميع القضايا الاجتماعية، و بالأخص القضايا التي تخص فئات إجتماعية لا زالت تعاني دون رعاية أو علاج من قبيل الأطفال ضحايا العنف و سوء معاملة.
حيث أنه بالرجوع إلى مقتضيات الترسانة الجنائية المغربية، يمكن القول بأن حق الطفل ضحية العنف في التأهيل كما نصت عليه م 39 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لم يعترف به المشرع المغربي على الإطلاق، مما يدفع إلى التساؤل عن الأسباب و الدوافع الكامنة وراء عدم الاعتراف بحق أساسي للطفل ضحية العنف، ضمنته الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل و البروتوكولين الملحقين بها؟ هل عدم الاعتراف التشريعي بهذا الحق مرتبط بعدم الوعي الكافي بخطورة الآثار التي يخلفها العنف بكل أشكاله على الأطفال؟ أم هو تجاهل تشريعي يقتضي قوة دفع اجتماعية من أجل إقراره؟
يبدو أن الاهتمام الرئيسي للمشرع الجنائي المغربي ينصب بالأساس في ترسانته الجنائية على فئتي الجناة والجانحين و توفير أكبر قدر من ضمانات المحاكمة العادلة، في حين يوجه لحق الضحايا في التأهيل وبالأخص حق الطفل الضحية في التأهيل الاهتمام الثانوي إن لم يكن عدم الاهتمام [13].
حيث نجده في المسطرة الجنائية على سبيل المثال يخصص الحيز الأكبر للحديث عن القواعد الخاصة بمعاملة الأحداث الجانحين و حقهم في إعادة التأهيل إنطلاقا من الكتاب الثالث المواد من 458 إلى509 من قانون المسطرة الجنائية، بناء على مجموعة من المبادىء ذات الأساس الدولي من قبيل مبادىء الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث (مبادىء الرياض التوجيهية) [14]، و كذا قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث (قواعد بكين) [15] ، بالإضافة إلى قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم [16]، و هي المبادىء التي أدمجت بشكل كامل على أساس إستراتيجية وطنية لملاءمة النصوص الوطنية مع الإلتزامات الدولية، وهو أمر مطلوب تشريعيا في الوقت الراهن، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب فئات إجتماعية من قبيل الأطفال ضحايا العنف، الذين هم في حاجة ماسة للإهتمام و الرعاية الاجتماعية الموازية، حيث لا يعطى لها من الحقوق الواجبة إلا ما تنص عليه المادتين 510 و 511 من مدونة المسطرة الجنائية اللتين كررتا ما كان قد نص عليه في قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959، و بالضبط في الفصلين 565 و 566 ، بالإضافة إلى أن مشرعهما تجاهل ما كان قد إقترحته بعض الهيئات الوطنية المختصة في الطفولة [17] من أن تتضمن المادة 510 من (ق.م.ج.م) التنصيص على حق الطفل الضحية في التأهيل بناء على الصياغة التالية :
" يعتبر الطفل ضحية الجرائم.....، طفلا يعاني ويتعين على المحكمة و قبل البث في المصالح المدنية و تحت طائلة البطلان الأمر بإجراء خبرة طبية و أخرى نفسية و كل خبرة مفيدة لتحديد كافة أشكال الأضرار اللاحقة به و تحديد ما يحتاجه وضعه من علاج و تأهيل نفسي وطبي حالي ومستقبلي" .
الشيء الذي يبرز بأن المشرع المغربي إذا كان قد إستجاب لإلتزاماته الدولية بشأن الطفل الجانح فإنه على العكس من ذلك فيما يخص إلتزامه الدولي حيال حق الطفل ضحية العنف في التأهيل. الشيء الذي يبرز أن المشرع الجنائي المغربي كغيره من مشرعي دول الجنوب، لا يبادر باتخاذ المبادرات الفعالة تجاه الفئات الاجتماعية المستضعفة من قبيل حقوق الأطفال إلا بضغط دولي، وبالأخص من اللجنة الدولية لحقوق الطفل التي أوصت في أعقاب توصلها بالتقرير الأول للمملكة المغربية [18] حول مدى إعمال حقوق الطفل، على ضرورة ملاءمة التشريع الوطني مع المبادىء الدولية في مجال إعادة تأهيل الطفل الجانح، و كررته كذلك في توصياتها عقب التقرير الثاني المقدم من طرف المغرب لكن مع حق الطفل الضحية في التأهيل، حيث طالبت من المشرع المغربي متابعة عملية الملاءمة حتى تصير جميع حقوق الأطفال المنصوص عليها في الإتفاقية مفعلة بشكل واسع [19] ومن ضمنها حق ال أطفال ضحايا سوء المعاملة في التأهيل، و ركزت في توصيتها هذه على وجوب كفالة العلاج البدني و النفسي و كذا الإدماج الاجتماعي لكل الأطفال ضحايا سوء المعاملة بشكل متساوي ودون تمييز بين فئة و أخرى حيث جاءت التوصية على الشكل التالي : " تطالب اللجنة الدولية لحقوق الطفل من الدولة الطرف في الإتفاقية على ضوء الفصل 39 من الإتفاقية بضرورة إتخاد كل التدابير التشريعية و القضائية لضمان العلاج البدني و النفسي وكذا الإدماج الإجتماعي للأطفال ضحايا سوء المعاملة بشكل متساوي و دون تمييز بين فئات الأطفال" [20].
و في جميع الأحوال يبدو أن توجه المشرع الجنائي المغربي حيال الأطفال ضحايا العنف هو توجه يكتسيه نوع من اللاوعي بخطورة ما يتعرض له هؤلاء الأطفال على حياتهم و مستقبلهم الخاص و كذا مستقبل مجتمعهم، خاصة و أن أغلب المنظمات الدولية المعنية بحقوق الطفل و كذا أبرز الخبراء المختصين في شؤون الطفولة يؤكدون على خطورة ما يتعرض له الأطفال على نموهم البدني و النفسي و الصعوبات التي تواجههم في مواجهة المجتمع بعد تعرضهم للإعتداء، و تشير البروفيسور السيدة أمينة المالكي التازي مديرة مستشفى الأطفال بن سيناء الرباط إلى أن أبرز ما يعاني منه الأطفال الضحايا، هي الآثار التي تترتب عن الفعل الإجرامي، و التي تتلخص من جهة في عيوب بدنية، من قبيل تشوهات على مستوى الوجه و أطراف الجسم نتيجة للضرب باليد أو آلات حادة أو مطاطة، و كذا الكي بأعقاب السجائر أو باللسعات الكهربائية، و كذلك الكسر على مستوى المعصم، العنق و العمود الفقري، نتيجة لحمل الأغراض ثقيلة الوزن، مما يؤدي في أغلب الأحيان إلى إعاقات تتطلب التأهيل البدني الفعال. كما تتسبب هذه الإعتداءات في معاناة نفسية للأطفال قد تؤدي إلى الإنتحار أو التشرد أو الإدمان لمختلف أشكال المخدرات، مما يتطلب التأهيل النفسي والرعاية الإجتماعية المواكبة و اللاحقة [21].
و على العموم، فإن ما يمكن إستخلاصه من خلال رصد الأساسين الدولي و الوطني لحق الطفل الضحية في التأهيل، هو أنه من جملة الحقوق المكفولة للطفولة و إن كان حق إستثنائي لا ينهض إلا في حالة حصول إعتداء أو إستغلال لبراءة الطفولة، أما قبل ذلك فيبقى الحق في الحماية أكثر فعالية من الحق في التأهيل بناء على الحكمة السائدة " الوقاية خير من العلاج"، التي لا ينبغي إستخدامها دائما للدفع بعدم فعالية التنصيص على حق العموم في غنى عنه ما دامت هناك مقتضيات جنائية توفر كل أشكال الحماية من كل إعتداء، وأين هي الحماية المفترضة مادامت التقارير الدولية و الوطنية تتحدث عن إرتفاع نسبة الإعتداءت المسجلة في حق الأطفال كل يوم، حيث قدرت اليونسيف في آخر تقرير لها صدر في 10 دجنبر2005 أن حوالي مليون طفل سنويا يتعرضون لكافة أشكال سوء المعاملة [22]، الشيء الذي يتطلب الإعتراف التشريعي الصريح بحق الأطفال الضحايا في التأهيل وضمان التدابير التي من شأنها تفعيل هذا الحق.
________________________________________
[1] -Françoise LOMBARD : « Les différents systèmes d'indemnisation des victimes d'acts de violence et leurs enjeux », Revue de science criminelle et droit pénal comparé, N° 1à 2, Année 1984, P : 295.
[2] -Gérard LOPEZ : « La victimologie », OP cit , P : 63.
[3] - لوران فابيوس : "حقوق الطفل : فضاءات جديدة للإقتحام"، تقرير لجنة التحقيق حول حقوق الطفل ومدى إعمالها في فرنسا، الجمعية الوطنية الفرنسية، تقرير رقم 871 بتاريخ 05/03/1998. أورده : د.مصطفى دانيال و ذ. أحمد شوقي بنيوب : "حماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة و الإستغلال : تطور مقاربة..."، للطفل حقوق ، عدد مزدوج 5/6، يونيو 2002.ص : من 21 إلى 23.
[4] - Gérard LOPEZ : « La victimologie » , OP cit , P 245 Annexe 6.
[5] - Martin STETTLER : « La politique de protection des enfants victimes de maltraitance : Evaluation législatives », étude réalisée sur le mandat du 8 décembre 2003 de la commission externe d'évaluation des politiques publiques (C.E.P.P) du canton de Genève, SUISSE. P : 21.
[6] - O.N.E.Bélge : « L'accompagnement de l'enfant », Banque de données médico-sociales de l'o.n.e, B.D.M.S , Bélge, 2005, P : 25.
[7] - O.N.E.Bélge : OP cit, P :42.
[8] - مصطفى العوجي : " الحدث المنحرف أو المهدد بخطر الإنحراف في التشريعات العربية"، مؤسسة نوفل، الطبعة الأولى، بيروت، 1986، ص : 84.
[9] - ناصر الككلي و ناصر العوفي : "موقف الشريعة الإسلامية و التشريعات الوطنية و الصكوك الدولية من العنف ضد الأطفال"، مداخلة ألقيت في ندوة حول التصدي للعنف ضد الأطفال، "لاللعنف ضد الأطفال"، بنغازي ليبيا، يومي 15 و 16 يونيو 2005 http://www.Libyachild.org.ly/force%20-for-child.htm
[10] - ذ. محمد مرزوكي : " السياسة الجنائية الإجتماعية في مجال الأسرة و الأحداث و مساعدة الضحايا"، مداخلة قدمت في إطار الندوة الوطنية المنظمة من طرف وزارة العدل المغربية تحت عنوان "السياسة الجنائية المغربية : واقع وآفاق"، أيام 9 و 10 و11 دجنبر 2004 بمكناس ، المجلد الأول : الأعمال التحضيرية، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية و القضائية، سلسلة الندوات و الأيام الدراسية، العدد 3- 2004.ص : 338.
[11] - وهو الأمر الذي تنبهت له كذلك بعض التشريعات العربية منها البحرين الذي خلص المؤتمر المنظم من طرفها حول موضوع "حماية الطفل من سوء المعاملة والإهمال عبر حماية الأسرة و تعزيز التشريعات"، أيام 20-21 و 22 أكتوبر 2001 المنامة، البحرين، إلى ضرورة وضع قانون لإعادة تأهيل الأطفال ضحايا سوء المعاملة و الإهمال، مجلة الطفولة و التنمية، العدد 4 مجلد 1 سنة 2001. ص : 261.
[12] - صدرت المسطرة الجنائية المغربية الجديدة بقتضى الظهير الشريف رقم 1.02.225 الصادر في 25 رجب 1423 الموافق 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.
[13] - حددت هيومن رايت ووتش في آخر تقرير لها عرضته قناة الجزيرة في حصاد يوم الثلاثاء 20/12/2005 فئات الأطفال ضحايا سوء المعاملة في المغرب فيما يلي :
* فئة الأطفال ضحايا العنف التربوي و كذا الأسري و تهم هذه الفئة أطفال المفككة أو التي في طريق التفكك .
* فئة الأطفال ضحايا الإستغلال الجنسي و الإقتصادي و تهم هذه الفئة خادمات البيوت و الأطفال المشتغلين بأوراش الصناعة التقليدية.
* فئة الأطفال ضحايا التشرد و التسول و المخدرات بكل أنواعها .
[14] - اعتمدت هذه المبادىء بقرار الجمعية العامة 45/113 المؤرخ في 14 دجنبر 1990، "المعايير الدولية لحماية الأحداث الجانحين"، صكوك دولية، مركز التوثيق والإعلام و التكوين في مجال حقوق الإنسان، وزارة حقوق الإنسان، المملكة المغربية، ص : 21.
[15] - إعتمدت هذه القواعد بقرار الجمعية العامة 40/33 المؤرخ في 29 نونبر1985، نفس المرجع، ص : 21.
[16] -أعتمدت هذه القواعد بقرار الجمعية العامة 45/113 المؤرخ في 14 دجنبر 1990، ن م، ص : 58.
[17] - مذكرة المرصد الوطني لحقوق الطفل بخصوص القواعد الخاصة بالأحداث و الأطفال ضحايا سوء المعاملة في مشروع القانون رقم 01/22 المتعلق بمدونة المسطرة الجنائية، مجلة للطفل حقوق- عدد مزدوج 5/6 ، يونيو2002، ص 62.
[18] - Comité des droits de l'enfant : « Examen des rapports présentés par les Etats parties en application de l'article 44 de la convention : Maroc », CRC/C/15/Add. New York 1998.
[19] - Comité des droits de l'enfants : « Examen des rapports présentés par les Etats parties en application de l'article 44 de la convention : Maroc », Nations Unies, CRC/C/15/Add.211, New York, 10/07/2003, P :3.
[20] - Comité des droits de l'enfants : op cit, P : 8.
[21] - B.Benjelloun Dakhama –A. El Malki Tazi : « La Maltraitance de l'enfant », www.google.fr consultation du 21/12/2005.
[22] - UNICEF : « La situation des enfants dans le monde 2005 », www.unicef.org consultation de 21/12/2005



المبحث الثاني :

 تدابير تفعيل حق الطفل ضحية العنف في التأهيل .

لا شك أن الجريمة تشكل اعتداء على النظام العام و تلحق الضرر بالمجتمع، فيحق له محاسبة مرتكبها [1]، لكن شريطة الاهتمام الموازي بالضحية، و خاصة إذا كان طفلا على اعتبار خطورة الآثار التي تتركها الجريمة على نفسية الضحية عموما و نموه البدني، حيث أنه في الغالب ما لا يقوى الضحية بمفرده على تحمل تلك الآثار و تجاوزها، خاصة إذا كانت نتيجة لجرائم مثل الإغتصاب الجماعي أو الإستغلال الجنسي التجاري أو العنف التربوي.
لذلك أصبح ضروريا بل واجبا على المشرع الجنائي في إطار تفعيل حق الطفل ضحية العنف في التأهيل على المستوى التشريعي، أن يلحقه بتدابير من شأنها أن تسهر على تفعيل العلاج الطبي (المطلب الأول)، وكذا الإدماج الاجتماعي للطفل ضحية العنف (المطلب الثاني)، بناء على ما نصت عليه المادة الثامنة من البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية لحقوق الطفل المتعلقة ببيع الأطفال والاستغلال الجنسي التجاري.
________________________________________
[1] - ذ. محمد عبد النباوي : " تأملات في السياسة الجنائية بالمغرب"، ندوة وزارة العدل "السياسة الجنائية بالمغرب : واقع و آفاق"، المجلد الأول، الأعمال التحضيرية، مكناس أيام 9-10 و 11 دجنبر 2004، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية، سلسلة الندوات والأيام العدد 3- 2004، ص: 140

المطلب الأول :

 تدابير العلاج الطبي.

تعتبر تدابير العلاج الطبي من أبرز التدابير التي يقوم عليها حق الطفل ضحية العنف في التأهيل، خاصة و أنه يمكن اعتبارها أول رد فعل رافض لما تعرض له هذا الطفل، و أبرز تدبير من شأنه أن يساعده على تجاوز آثار الصدمة النفسية و آلام الجراح و الكسور البدنية التي ألمت به جراء الإعتداء الذي لحقه.
لذلك، يكون من المحتم على ما يبدو لفهم أعمق لهذا التدبير، الوقوف على إجراءاته المسطرية التي تتلخص في ضرورة توجيه الإهتمام الطبي الكامل لصالح الطفل ضحية العنف على المستويين البدني وكذا النفسي، مع ضرورة كذلك تيسير اجراءات المساعدة الطبية.
و هكذا، و وعيا بخطورة ما يتعرض له الأطفال الضحايا على نموهم النفسي و التربوي وكذا بأهمية العلاج البدني و النفسي، نصت أغلب التشريعات الجنائية المقارنة على وجوب أن تنهض العملية التأهيلية في المقام الأول على أساس كفالة تدابير العلاج الطبي أو ما يعرف بتدابير المواكبة الطبية للطفل الضحية [1]، لأجل تشخيص حالته وتحديد حاجياته العلاجية على المستوى البدني و على المستوى النفسي.
و هو الأمر الذي يبدو أن المشرع المغربي هدف إليه من خلال الفقرة الثانية من المادة 510 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها أن بإمكان النيابة العامة أو قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث الأمر بعرض الحدث على خبرة طبية أو نفسية لتحديد نوع و أهمية الأضرار اللاحقة به وبيان ما إذا كان يحتاج إلى علاج ملائم لحالته.
لكن، رغم ذلك فإنه يسجل على المشرع المغربي أنه اخضع تفعيل تدابير العلاج الطبي للطفل الضحية للغة الإمكانية وليس في للغة الحتمية و الوجوب كما نص على ذلك المشرع الفرنسي في قانون حماية و مساعدة الأطفال ضحايا سوء المعاملة بمقتضى قانون 17/06/1998 [2] ، وكذا ما نص عليه المشرع الجنائي البلجيكي حينما أكد على ضرورة التدخل الطبي لصالح الطفل الضحية من قبل المصالح المكلفة بمساعدة الضحايا بمقتضى قانون 12/05/2004 على أساس أن الطفل في الغالب ما يثأثر نفسيا و بدنيا من جراء ما يتعرض له من أخطار أو سوء معاملة، و هي الغاية التي حكمت المشرع السويسري على ما يبدو حينما أوجب في الفصل العاشر من قانون مساعدة ضحايا الجريمة ( (L.A.V.I على ضرورة إخضاع الطفل ضحية أي شكل من أشكال سوء المعاملة للعلاج الطبي من أجل التحديد الدقيق للمتطلبات الطبية بناء على طلب يقدم من ذوي هذا الطفل أو من طرف الهيئات المكلفة بمساعدة الضحايا [3] .
و عليه، يلاحظ بأن أغلب التشريعات الجنائية بما فيها التشريع المغربي واعون بأهمية ضمان العلاج الطبي للطفل الضحية على مستوى العلاج البدني و العلاج النفسي.
ففيما يتعلق بتدبير العلاج البدني ، الذي يتطلب كإجراء مادي يقوم به الطبيب المختص تشخيص الحالة الجسمية عن طريق تحديد الأماكن المضرورة في جسم الضحية، و هي الأماكن التي تكون في الغالب مشوهة على مستوى الوجه والأطراف و الجهاز التناسلي نتيجة للضرب باليد أو الآت الحادة أو المطاطة، و كذا الكي بأعقاب السجائر أو باللسعات الكهربائية، بالإضافة إلى كسور على مستوى المعصم، العنق و العمود الفقري نتيجة لحمل الأغراض ثقيلة الوزن مما يؤدي في أغلب الأحيان إلى إعاقات بدنية حركية أو إعاقات في السمع أو النظر أو العقم، الشيء الذي يتطلب حسب بعض المختصين بشؤون طب الأطفال ومن بينهم البروفسور أمينة المالكي التازي [4]، في المقام الأول الإحترافية المهنية من قبل المعالج المختص، و عدد كاف من الأطباء المختصين في مجال طب الأطفال (البدني و النفسي)، و مؤسسات إستشفائية كافية، حتى يتم إستقبال الطفل الضحية والتكفل بمتطلباته العلاجية على أكمل وجه.
ثم في المقام الثاني، التدخل السريع من قبل المعالج المختص، على أساس أنه كلما كان التدخل سريعا إلا وتم تجنب تفاقم الضرر الجسمي، وتم التعرف على طبيعة الإعتداء الذي تعرض له الطفل، حيث أنه في غالب الأحيان ما تندثر كل مظاهر الإعتداء في حالة التأخير وبالتالي كل وسائل إثبات الجريمة.
و في هذا السياق الأخير، يؤكد البروفسور دوبوا ماكالي على أن تدبير العلاج البدني ينبغي أن يكون متوازيا مع تدبير العلاج النفسي [5] حتى يتم رصد قوة الصدمة النفسية (Le choc) التي تعرض لها الضحية، و التي من شأن عدم رصدها و علاجها خلال 72 ساعة من وقوع الحادث أن تتحول إلى مرض نفسي [6] يلازم الضحية طيلة حياته و قد يضطره في مرحلة من مراحل حياته هذه إلى الإنتقام ليس ممن هو في مستواه و عمره، بل ممن هو أقل منه سنا أو قوة، على إعتبار الخوف الذي يلازمه ويجعله يفكر في الهدف الأسهل حتى يحقق رغبته في فعل ما فعل به [7].
زيادة على أن شخص الضحية حينما يكون تحت الإعتداء فإن بنيته النفسية تنقسم إلى جزأين، جزء يتكلف بتسجيل كل ما يمارس عليه و تخزينه في الذاكرة العميقة، و الجزء الآخر يتكلف بالدفاع المادي ومحاولة الهروب من حماقات المعتدي و إهاناته المتكررة [8].
و لذلك يضيف البروفسور دوبوا أن تدبير العلاج النفسي يجب أن يقوم، أولا على أساس أن يكون المعالج متخصص في علم النفس الإجتماعي، وهو ما لا يوجد في أغلب مراكز الإستماع للضحايا، ثم ثانيا أن تقسم منهجية العمل مع الضحية على أساس منحه إمكانية التعبير عما حدث له وأن يكون الإنصات متزنا، ثم القيام بمحاولة تعريفه بوضعه الحقيقي داخل أسرته و في محيطه الإجتماعي، و أن الحادث ما هو إلا فعل عرضي و ليس مبدئي و أن أي شخص معرض لنفس الحادث في حالة غياب تدابير الوقاية الذاتية و ضعف التدابير التجريمية و العقابية الفعالة [9]. ...... ..... ... .. و هكذا تبرز مدى الخطورة التي يشكلها عدم الإهتمام بمتطلبات الأطفال الضحايا في العلاج البدني والنفسي، خاصة على مستوى إرتفاع عددهم الذي يؤدي إلى إرتفاع نسبة الجريمة في علاقة طردية مع إرتفاع نسبة الجانحين و الجناة. ولا يكفي على هذا الصعيد الإهتمام التشريعي فقط و إنما يجب الإهتمام التطبيقي العملي على أساس الإحترافية و المهنية التي تميز العديد من المبادرات المقارنة، من قبيل الإهتمام الملاحظ بحاجيات الطفل الضحية من طرف قرى الأطفال [10] (S.O.S) التي أوجدها المشرع البلجيكي لأجل الإشراف على تحريك إجراءات إستفادة الطفل الضحية بشكل سريع من تدابير العلاج الطبي. وليس كما هو عليه الوضع في التشريع الجنائي المغربي، الذي يسجل على مشرعه فيما يخص بالذات الإجراءات المتعلقة بإستفادة الطفل الضحية من تدابير العلاج الطبي، إطلاقه إمكانية الأمر للنيابة العامة أو لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث بعرض الحدث على خبرة طبية أو نفسية دون أن يحدد مسطرة إتخاذ هذا الإجراء، هل يتخذ بطريقة تلقائية من طرف من عينتهم الفقرة الثانية من المادة 510 من ( ق.م.ج.م ) أم أنه يجوز لذوي الطفل الضحية التقدم بطلب قضائي لعرض طفلهم على خبرة طبية، أم أن هؤلاء متى توفرت لهم الإمكانيات يقومون بعرض طفلهم على خبرة طبية خاصة دون الرجوع لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية فيما يتعلق بحماية الطفل الضحية؟
قد يعتقد للوهلة الأولى أنه بناء على ما بنيت عليه مقتضيات المادة 510 من (ق.م.ج.م) من إعتبارات إنسانية تقوم بالدرجة الأولى على حماية الطفل ضحية الجناية أو الجنحة و ما خولته في فقرتها الأولى من دور محوري للنيابة العامة في تفعيل بعض التدابير الخاصة بحماية الطفل الضحية، أن هذا الدور يمارس بشكل آني و تلقائي فيما يتعلق بتدابير العلاج الطبي المنصوص عليها في الفقرة الثانية من نفس المادة، و هو ما يتماشى مع رأي الأستاذ حميد الوالي [11] الذي يرى أن المشرع عندما لا يقيد تدخل النيابة العامة أو القاضي المختص في تحريك مسطرة معينة بإجراء قضائي معين فإنه آنيا يضع على كاهلها تحريك تلك المسطرة بصورة تلقائية في حالة ما إذا كانت الجريمة تمس النظام العام و تخدش الحياء و الأخلاق، مثل الاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال سواء الجنسية أو البدنية و حتى النفسية الشيء الذي يدفع إلى القول بأن النيابة العامة أو القاضي المختص ملزم بالأمر بإخضاع الحدث الضحية لتدابير العلاج الطبي.
و عليه، إذا كان هذا الرأي يتوافق مع المبادىء العامة للخبرة الطبية التي تنص على أن القاضي يكون ملزما بعرض الضحية على خبرة طبية من أجل إتمام إجراءات إثبات الجريمة في مواجهة المتهم، فإنه يبدو أن المشرع الجنائي المغربي إذا كان قد أطلق إمكانية الأمر بالتدابير العلاجية لكل من النيابة العامة أو القاضي المختص، فإنه بالمقابل لم يحدد طبيعة الجهة القضائية المسؤولة عن عدم الأمر بإستفادة الحدث من تدابير العلاج الطبي في حالة تبني الرأي السالف، بل الأكثر من ذلك فالواقع القضائي يسجل عدم إهتمام أغلب القضاة، سواء قضاة النيابة العامة أو قضاة الأحداث بتدابير العلاج الطبي للطفل الضحية، وهو ما يستشف من خلال أرشيف الدائرة القضائية لولاية فاس [12]، حيث أن أغلب الأوامر الصادرة عن النيابة العامة أو قاض الأحداث و حتى المستشار المكلف بالأحداث في قضايا الإستغلال الجنسي للأطفال أو الإعتداءات البدنية تخلو بتاتا من أي أمر بإحالة الضحية تلقائيا على خبرة طبية و لو حتى في القضايا التي تقتضي ضرورة العلاج الطبي [13]، الشيء الذي يزكي الطرح بأن عدم وعي المشرع االمغربي بخطورة ما تتعرض له الطفولة من إعتداءات إنعكس سلبا على فعالية المؤسسة القضائية الوطنية، و بالتالي على وضعية الطفولة مما يستدعي التدخل السريع للتنصيص على وجوب أن تأمر النيابة العامة أو قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث بإستفادة الحدث الضحية من إجراءات التدابير الطبية لتحديد كافة أنواع الأضرار اللاحقة به و بيان ما يحتاجه من علاج و تأهيل حالي أو مستقبلي ملاءم لحالته، أو يتم تعيين مؤسسة ذات نشاط جمعوي تكلف بالسهر على تسريع وتيرة إستفادة الحدث الضحية من تدابير العلاج الطبي مثل ما هو عليه الأمر في قرى الأط فال s.o.s) ) البلجيكية، بدل ترك الأمر لأسر الأطفال الضحايا يقوموا بالإجراءات بطريقة فردية يتحملون من خلالها كل مصاريف العلاج و التنقل إلى المحكمة دون أن توفر لهم أية مساعدة مادية قبل الحكم بالتعويض في حالة ثبوت الفعل وقبول المشتبه فيه بالأداء عوض الدفع بحالة العسر مما يشكل عائقا حقيقيا أمام عدم التفعيل الحقيقي لحق الأطفال الضحايا في الاستفادة من تدابير الإدماج الإجتماعي.
________________________________________
[1] - Gérard LOPEZ : « La victiomologie », op cit, P :182.
[2] - Fédération Française de Psychiatrie –« Conséquences des maltraitances sexuelles. Les reconnaître, les soigner, les prévenir », 7ème Conférence de consensus de la Fédération Française de Psychiatrie, 6 et 7 novembre 2003, http://psydoc- fr.broca.inserm.fr/conf&rm/conf/confvictime/RecomL.html. Dernière mise à jour : mardi 2 décembre 2003 .
[3] -Martin STETTLER : « La politique de protection des enfants victimes de maltraitance : Evaluation législatives », OP Cit, P :22.
[4] -- B.Benjelloun Dakhama –A. El Malki Tazi : « La Maltraitance de l'enfant », OP Cit .
[5] - تعرف وزارة العدل البلجيكية تدبيرالعلاج النفسي في المرسوم الصادر في 18/07/2001 بأنه "كل مساعدة ذات طبيعة نفسية موجهة لدعم الحالة النفسية للشخص الضحية".
[6] - (L'état de stress post-traumatique)
[7] - للإطلاع أكثر على الدوافع النفسية التي تدفع بالمعتدين جنسيا على الأطفال إلى سلوك هذا الفعل يرجى الإطلاع على الدراسة التالية :
Frederick Matheurs : « Rompre le silence, faire naitre l'espoire : Une aide aux adultes qui abusent sexuellement des enfants », Centre nationale d'information sur la violence dans la famille, Dévision de la prévention de la violence familiale, Santé Canada, 1995.
[8] - Martine Nisse : « L'enfant victime : Comment faire face aux violences (Le guide du parent) », op cit, P18.
[9] - Dubois Magali : « Approche compréhensive des attentes psychosociales des victimes d'agression », Le journal international de victimologie, Année 2, Numéro 3, Juillet 2004, WWW.JIDV.COM P 14 et 17 /63 , cosultation du 19/02/2005.
[10] -- O.N.E.Bélge : « L'accompagnement de l'enfant », op cit , P25.
[11] - ذ.حميد الوالي، قاضي التحقيق بمحكمة إستئناف فاس، لقاء 04/01/2006.
[12] - و العديد من القضايا التي إطلعت عليها سواء في ارشيف المحكمة الإبتدائية بفاس و كذلك محكمة إستئناف من قبيل القضية عدد 647/9 بتاريخ 15/06/2005 و القضية عدد 920/05 و القضية عدد 1099/05.
[13] - " من قبيل القضية عدد 257/04 التي تدور وقائعها حول تعرض فتاة لايتجاوز عمرها 18 سنة للإستغلال الجنسي من طرف عصابة إجرامية أجبرتها على ممارسة الجنس بغرض تجاري عن طريق تعنيفها وكي أطراف جسمها بأعقاب السجائر بالإضافة إلى هتك عرضها بواسطة آلات صلبة أدت إلى تشوهات جسمية على مستوى جهازها التناسلي و المؤخرة دون أن توفر لها أية تدابير للعلاج أو التأهيل أو المساعدة الطبية رغم أن الضابطة القضائية ممثلة في الشرطة القضائية هي التي قامت برصد الجريمة ومرتكبيها في حالة تلبس"


المطلب الثاني :

 تدابير الادماج الاجتماعي.

ترتبط تدابير الإدماج الإجتماعي أو ما يعرف بتدابير الحماية الاجتماعية للطفل ضحية العنف إرتباطا وثيقا بتدابير العلاج الطبي لهذا الطفل، حيث أنه في الغالب ما يستفيد الحدث الضحية من تدابير العلاج بالتوازي مع تدابير الإدماج التي تقوم على أساس الإيداع أو التسليم، و هو ما حاول المشرع الجنائي المغربي على ما يبدو أن يدمجه في الفقرة الأولى من المادة 510 من (ق.م.ج.م) حينما خول لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث بناء على ملتمسات النيابة العامة أو بصفة تلقائية إصدار أمر قضائي بإيداع الحدث المجني عليه لدى شخص جدير بالثقة أو مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة مؤهلة لذلك، أو بتسليمه لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة، وينفذ هذا الأمر رغم كل طعن.
الأمر الذي يبرز بأن المشرع الجنائي المغربي يجعل مهمة الإشراف على تفعيل الأمر القضائي الخاص بإيداع الحدث الضحية من مهام شخص جدير بالثقة، أو مؤسسة خصوصية، أو جمعية ذات منفعة عمومية، في حين يجعل مهمة الإشراف على تنفيذ الأمر القضائي الخاص بتسليم الحدث الضحية من مهام مصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة، و مع ذلك فهو لم يحدد المعايير الموضوعية التي بناء عليها سيتم إيداع الحدث الضحية لدى الشخص الجدير بالثقة، و كذلك لم يحدد طبيعة إختصاص المؤسسة الخصوصية التي سيودع لديها الحدث، كما أنه إلى الآن لم يقم بإيجاد مؤسسات أو مصالح مكلفة بتسلم و رعاية الحدث الضحية مما يترك الباب مفتوح لمجموعة من الإستفهامات حول المقصود بتسليم و إيداع الحدث الضحية بناء على ما جاءت به المادة 510 (ق.م.ج.م).
الفقرة الأولى :

الأمر القاضي بإيداع الحدث الضحية.

يقصد بتدبير إيداع الحدث الضحية حسب ما جاءت به المادة 510 من (ق.م.ج.م) وضع الحدث تحت إشراف جهة معينة من أجل أولا حمايته من كل تعرض أو اعتداء أثناء سير الإجراءات القضائية وقبل صدور حكم قضائي على المتهم بالاعتداء. و من أجل ثانيا إبعاده عن مكان الجريمة. لذلك جعل المشرع الجنائي المغربي على ما يبدو إمكانية اختيار هذه الجهة من اختصاص القضاء وخوله إمكانية الاختيار بين ثلاث جهات، إيداع الحدث الضحية لدى شخص جدير بالثقة(أ)، أو لدى مؤسسة خصوصية (ب) أو لدى جمعية ذات منفعة عامة(ج).

أ)- إيداع الحدث الضحية لدى شخص جدير بالثقة.

إن الحديث عن مضمون تدبير إيداع الحدث الضحية لدى شخص جدير بالثقة و الإجراءات التي بمقتضاها يتم إيداع هذا الحدث لديه، يقتضي على ما يبدو التطرق للمقصود بالشخص الجدير بالثقة، و المعايير التي بمقتضاها يتم تعيين هذا الشخص؟
لعل ما قد يستوقفنا على هذا المستوى هو أنه بالرغم من الغموض الذي يكتنف المفهوم القانوني للشخص الجدير بالثقة، فإن المشرع الجنائي المغربي، و لا حتى نظيره المقارن قدما إلى الآن أي تعريف للشخص الجدير بالثقة، تاركين على ما يبدو المبادرة في هذا الجانب للفقه الذي بدوره لم يقدم أي تعريف لهذا الشخص على اعتبار تضارب المصطلحات المستعملة في هذا الإطار في جل القوانين المقارنة.
حيث أنه لا يتداول نفس المصطلح على صعيد التشريع المقارن، فالمشرع المصري على سبيل المثال يستعمل مصطلح الشخص المؤتمن على الحدث المجني عليه [1] ويسانده في ذلك المشرع الليبي الذي ينص في المادة 330 من قانون الإجراءات الجنائية الليبي على أن الحدث المجني عليه يجب أن يودع لدى شخص يؤتمن عليه، في حين نجد أن المشرع الجزائري يتبنى نفس المصطلح المدون في قانون مدونة المسطرة الجنائية المغربية من خلال تصريحه في المادة 493 من قانون العقوبات الجزائري على أن إيداع الحدث المجني عليه يجب أن يتم لدى شخص جدير بالثقة.
الشيء الذي نعتقد معه أمام هذا الوضع، أن الشخص الجدير بالثقة و الذي بامكانه السهر على حماية الطفل ضحية العنف قبل صدور الحكم النهائي في حق من اعتدى عليه، لا يمكن أن يتجاوز أقارب هذا الطفل إلا في الحالات التي يكون الاعتداء صادرا عن هؤلاء الأقارب، إما في شكل تخلي أو إهمال جماعي للطفل كما هو الحال في حالات الأطفال المتخلى عنهم أو الأطفال الناتجين عن الإغتصاب، حيث أنه في الغالب ما يتعرضون لأسوء أشكال المعاملة و الإعتداءات.
لكن ذلك لا يمنع من أنه في أغلب الحالات ما يتطوع أحد أقارب هذا الطفل لحمايته خلال سريان المسطرة القضائية و الدفاع عن حقوقه في مواجهة المعتدي إلى أن يصدرالحكم القضائي بالإدانة أو البراءة في حق المعتدي في الشق الجنائي، و بالتعويض في الشق المدني في حالة عدم تنازل الولي عن المطالبة بالحق المدني.
لكن، رغم التطوع الذي قد يبديه من يريد حماية الطفل ضحية العنف، فإننا لا نعتقد أنه يجب أن يستجاب لطلبه بصورة تلقائية إلا بعد التثبت من توفر المتطوع فعلا على مجموعة من المعايير الذاتية و الأخلاقية بالإضافة إلى بعض المعايير المادية.
و هكذا لا يمكن القول بأن الشخص جدير بالثقة لحماية الطفل الضحية :
• في حالة ما إذا كان هذا الشخص سيء الأخلاق و عديم المسؤولية التربوية و المهنية [2]؛
• في حالة ما إذا لم تكن تربط هذا الشخص بالطفل الضحية أية رابطة و لو حتى الرابطة القانونية الممثلة في الكفالة؛
• في حالة ما إذا لم يكن هذا الشخص يقيم مع الطفل الضحية في نفس المنزل، حيث أنه كيف سيسهر على متطلبات هذا الطفل الخاصة بالحماية و هو لا يقيم معه؛
• في حالة ما إذا لم يكن هذا الشخص يتوفر على ملاءة مادية تمكنه من الإنفاق على الطفل الضحية في يسر على إعتبار أن الفقر من أبرز العوامل إن لم يكن رأسها الحاد في تصاعد وتيرة الإعتداءات الجنائية على الأطفال؛
و إذا ثبت ما سبق، فإن ما يجب التأكيد عليه هو أن القاضي لن يستطيع بمفرده معاينة هذه المعايير، و بالتالي إصدار أمره القاضي بالإيداع إلا بتدخل عنصر ثاني يتمثل في الباحث أو الباحثة الإجتماعية، الذي يقوم بمعاينة مدى توفر هذه المعايير عن طريق محضر يحرر في هذا الإطار ويعرض على أنظار النيابة العامة أو القاضي المختص، و هو ما لا نجد له موقعا في التدابير الحمائية للطفل الضحية التي تنص عليها مدونة المسطرة الجنائية المغربية.
بل أكثر من ذلك، فإن الأمر القضائي الصادر دون مراعاة المعايير الأخلاقية و الذاتية للشخص الذي سيودع لديه الطفل الضحية لا يقبل بتاتا أي طريق من طرق الطعن مما يشكل عائقا فعليا أمام التفعيل المهني لمتطلبات الحماية المواكبة للطفل الضحية و إجراءات الدعم الإجتماعي، و بالتالي تفعيل الإجراءات المسطرية الخاصة بإيداع هذا الطفل لدى شخص جدير بالثقة ولو حتى لدى مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة.

ب)- إيداع الحدث الضحية لدى مؤسسة خصوصية.

خول المشرع الجنائي المغربي كما سلف لقاضي الأحداث أو للمستشار المكلف بالأحداث بناء على أمر قضائي غير قابل للإستئناف إمكانية إيداع الحدث الضحية لدى مؤسسة خصوصية في حالة عدم إيداع هذا الحدث لدى شخص جدير بالثقة، مما يدفع إلى التساؤل عن طبيعة المؤسسة الخصوصية التي سيودع لديها الحدث، و عن المؤشرات الموجهة التي من شأنها أن تساعد القاضي المختص في شؤون الأحداث الضحايا في انتقاء المؤسسة المختصة؟
و في كل الأحوال، باستقراء المادة 510 من (ق.م.ج.م) يلاحظ بشكل بارز عدم تنصيص المشرع على طبيعة المؤسسة الخصوصية التي سيتم لديها تنفيد أمر القاضي المكلف بالأحداث بإيداع الحدث الضحية في حالة عدم وجود شخص جدير بالثقة، مما قد يشكل صعوبة حقيقية أمام الجهاز القضائي الذي يعترف بعض منتسبيه [3] بعدم دقة الصياغة الواردة في المادة السالفة و كذا التضييق الوارد على السلطة القضائية في تحديد الجهة المكلفة بتنفيذ الأمر القاضي بالإيداع، حيث أن المشرع لم يقم بتحديدها و لو عن طريق بعض الإشارات الموجهة فيما يتعلق على وجه التحديد بالمؤسسة الخصوصية، هل هي مصحة طبية أم ملجأ خاص؟ أم مؤسسة على منوال النموذج البلجيكي (قرى الأطفال S.O.S )، أو النموذج الفرنسي (مؤسسة مساعدة الضحايا و الوساطة INAVEM )؟
ما يمكن قوله على هذا المستوى لا النموذج البلجيكي و لا حتى النموذج الفرنسي، على إعتبار عدم و جود أي منهما و لا حتى إرهاصاتهما في التشريع و الواقع المغربيين، مع العلم أن وثيرة الإعتداءات على الأطفال في المغرب بدأت تعرف نوعا من الإرتفاع الملحوظ فقد سجلت وزارة العدل في السنوات الأخير إرتفاع قضايا العنف ضد الأطفال وكذا عدد المتابعين فيها، حيث جاءت الإحصائيات على الشكل التالي :
سنة 2001 سنة 2002 سنة 2003 سنة 2004
عدد قضائيا العنف ضد الأطفال. 4923 5299 7567 5650
عدد المتابعين. 5338 5776 7924 6051
مما يلاحظ معه بأن هناك ارتفاع متزايد لعدد قضايا العنف ضد الأطفال، حيث انتقل العدد من 4923 قضية سنة 2001 إلى 7567 قضية سنة 2003، في حين سجل تراجع العدد سنة 2004 إلى 5650 قضية، وهنا لا يمكن الجزم بالقول أن هناك اعتبارات قانونية دفعت إلى هذا التراجع من قبيل دخول المسطرة الجنائية الجديدة ( قانون رقم 22.01 ) حيز التنفيذ في أكتوبر 2003، على اعتبار أولا أنه لا يمكن في المادة الجنائية الجزم بناء على أرقام و إحصائيات للقول بالتأثير و التأثر، و ثانيا أن الإنخفاض المسجل لم يتجاوز ما كان مسجلا سنة 2002 حوالي 5299 قضية، بل أكثر من ذلك فمن خلال الجواب المقدم من طرف المغرب حول النقاط التي تم طرحها من طرف لجنة حقوق الطفل و المرتبطة بمدى إعمال البروتوكول الإختياري الملحق بإتفاقية حقوق الطفل المتعلق بمنع بيع الأطفال و بغاء الأطفال و إستغلالهم في المواد الإباحية، يلاحظ نوع من الإرتفاع في قضايا الإعتداءات الجنسية على الأطفال، حيث تم تسجيل سنة2001 حوالي 253 قضية أمام في حين إرتفع العدد إلى 1347 قضية متعلقة بالعنف الجنسي فقط سنة 2004 و التي جاءت على الشكل التالي [4] :
عدد القضايا في جرائم العنف الجنسي ضد الأطفال سنة 2001 عدد القضايا في جرائم العنف الجنسي ضد الأطفال سنة 2004
أنواع الجرائم عدد القضايا أنواع الجرائم عدد القضايا
الإغتصاب 49 الإغتصاب 153
الإغتصاب الناتج عنه إفتضاض 93 الإغتصاب الناتج عنه إفتضاض 201
هتك عرض القاصر
709 هتك عرض القاصر بالعنف 729
هتك عرض القاصر بدون عنف 215
تسهيل دعارة القاصر 32 تسهيل دعارة القاصر 49
المجموع 253 المجموع 1347
مما يثير مجموعة من علامات الإستفهام حول الغاية من وجود نص قانوني [5] لم توفر الأرضية المناسبة و الإمكانيات الملائمة لتفعيله، إلا التنصل من الإلتزامات الدولية تجاه فئات إجتماعية هي في حاجة ماسة لمن يأخذ بيدها إلى بر الأمان و يسهر على حمايتها و إدماجها.

ج)- إيداع الحدث الضحية لدى جمعية ذات منفعة عامة.

يجمع أغلب المهتمون بقضايا الطفولة [6] على أن أمر إيداع الحدث الضحية لدى جمعية ذات منفعة عامة من أهم الأوامر القابلة للتطبيق خاصة أمام تصاعد دور المجتمع المدني في الحياة الإجتماعية مما من شأنه أن يوسع من هامش تدخل القاضي و يمنحه إمكانية إيداع الحدث الضحية لدى جمعية مختصة في شؤون الأطفال في حالة عدم وجود شخص جدير بالثقة أو مؤسسة خصوصية.
لكن بالرغم من ذلك، فهل هناك فعلا في الواقع المغربي جمعيات مختصة في قضايا الأطفال ضحايا العنف؟ وهل لهذه الجمعيات أي نوع من الإرتباط المباشر أو غير المباشر بالهيئة القضائية؟
يزخر المجتمع المدني المغربي بعدد لا يستهان به من الجمعيات العاملة في مجال الطفولة، تتمركز بشكل بارز في ثلاث محاور، محور الرباط الدار البيضاء و محور مراكش فاس ثم محور طنجة تطوان، و تعمل بشكل تطوعي في بعض الأحيان و بشكل إنتهازي في أحيان أخرى. .
........ على أنه تبقى بعض الجمعيات الرائدة تتمتع أنشطتها بالمصداقية لدى الرأي العام من قبيل جمعية بيتي [7] التي تعمل على تأهيل و رعاية الأطفال ضحايا العنف الأسري و التربوي، حيث أنها تبادر إلى إستقبال هؤلاء الأطفال دون أن تتلقى أي أمر قضائي بإيداعهم لديها، كما تسهر على توجيه المساعدة الطبية والإرشاد القانوني بشكل فردي تطوعي ودون تدخل من طرف الهيئة القضائية مع العلم أنها جمعية ذات منفعة عامة بمقتضى الظهير رقم 2.99.38 الصادر بتاريخ 21/01/1999.
و يعترف أحد المسؤولين عن إستقبال الأطفال سواء ضحايا العنف أو الأطفال المتشردون إراديا يتم بدون أي نوع من التنسيق مع قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث و إنما يتم الكشف عن حالات الإعتدءات عن طريق المتطوعين العاملين في الجمعية أو عن طريق الهاتف أو عبر الشراكات المبرمة بينهم وبين بعض الجمعيات المتخصصة في الطفولة من قبيل جمعية دارنا بمدينة طنجة أو جمعية مبادرات نسائية بمدينة فاس التي تحيل عليهم الطفلات المعنفات و بالأخص فئة خادمات البيوت و الطفلات ضحايا الإعتداءات الجنسية الممارسة من طرف المحارم.
و أمام هذا الواقع يعترف بعض ممثلي الهيئة القضائية [8] كذلك بأن ليس هناك أي إرتباط مهني بين المؤسسة القضائية و الجمعيات العاملة في ميدان الطفولة، بل أكثر من ذلك فالقاضي المختص بشؤون الأطفال لا يستطيع تحديد الجمعية التي بإمكانها أن تسهر على تنفيذ الأمر القاضي بالإيداع نظرا لعدم وجود لائحة خاصة بالجمعيات ذات المنفعة العامة المؤهلة لإستقبال الحدث الضحية كما هو عليه الحال بالنسبة للائحة الخبراء التي تحين كل سنة من طرف وزارة العدل والتي تيسر عمل القاضي عندما يريد أن يصدر أمرا قضائيا بالخبرة.
كما يسجل على العمل الجمعوي المغربي خلل عام في صياغة الأهداف [9] إن لم يكن كثرتها دون تدقيق، فالغالب ما تؤسس جمعيات تحت أهداف متعددة، من قبيل التنمية، البيئة، الطفولة و حماية المرأة.... و غيرها، لأجل مصالح مادية في الغالب أو إشهارية يجعلها لا تركز في إستراتيجياتها وخططها على هدف محدد تحقق من خلاله نفعا لكل مستهدف، الشيء الذي يؤثر على عدم حملها لصفة المنفعة العامة [10] وبالتالي إستفادتها من تمويل رسمي يؤهلها لمساعدة الهيئة القضائية [11] في تفعيل على الأقل تدابير إيداع الحدث الضحية بدل ترك هذا الأخير يواجه مصيره بمفرده في حالتي عدم توفر شخص جدير بالثقة أو مؤسسة خصوصية.
و بصفة عامة، هل يجوز لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث أن يختار من بين المؤسسات الثلاث المكلفة بالسهر على تفعيل الأمر القاضي بإيداع الحدث الضحية لديها دون الإلتزام بالتدرج الواردة عليه في المادة 510 (ق.م.ج.م)؟
يبدو أن ما يمكن إستخلاصه من المقتضيات الواردة في المادة 510 (ق.م.ج.م)، وبالأخص الجزء المتعلق بتدبير الإيداع هو أن المشرع الجنائي المغربي حاول إلى حد ما أن يوجد تدبيرا من شأنه أن يحمي الحدث الضحية قبل صدور الحكم النهائي داخل وسطه الإجتماعي و بالتالي تجنيبه كل ما من شأنه أن يهدده مرة أخرى في جسمه أو يدفعه إلى تغيير تصريحاته، حيث أنه في الغالب ما تسجل الهيئة القضائية [12] بإستياء كبير تراجع الحدث عما كان قد صرح به على مستوى البحث التمهيدي أو الشكاية المباشرة أو التحقيق الإعدادي في الحالات التي يكون فيها مصدر الإعتداء أحد أقارب الضحية خوفا من العار أو التفكك في حالة كون المعتدي المعيل الوحيد للأسرة، مما يجعل القاضي المختص في حيرة من أمره بين الإستجابة لمقتضيات الحماية المنصوص عليها قانونا والواقع الإجتماعي الذي سيحياه الضحية في وسط تعرض فيه لأبشع صور سوء المعاملة التي في الغالب ما تكون ثابثة بشواهد طبية [13]، مما يدفع إلى القول بأن عدم تنصيص المشرع على معايير مضبوطة خاصة بكل مؤسسة على حدى من شأنه أن يوسع من هامش إختيار القاضي للجهة التي يراها مناسبة لإستقبال الحدث الضحية وبالتالي يجوز له أن يقدم مؤسسة على أخرى في الحالة التي تراعي المصلحة الفضلى للحدث الضحية و لو كانت المؤسسة المختارة مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة.
الفقرة الثانية :

الأمر القاضي بتسليم الحدث الضحية.

تخول المادة 510 من (ق.م.ج.م) لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث إمكانية إصدار أمر قضائي بناء على ملتمس النيابة العامة أو تلقائيا بعد أخذ رأي هذه الأخيرة بتسليم الحدث الضحية لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة.
و بما أن المشرع المغربي إستخدم مصطلح التسليم بالنسبة للحدث الضحية، المصطلح المستخدم كذلك من طرفه فيما يتعلق بالحدث الجانح طبقا للمادة 481 (ق.م.ج.م)، فإن الأمر قد يبرز أنهما يحملان نفس الغاية من إيرادهما بالنسبة لهذين الصنفين من الأحداث. لكن، ما تجب الإشارة إليه قبل الحديث عن إجراءات تسليم الحدث الضحية لمصلحة أو مؤسسة رعاية الطفولة هو أن الغاية من التدبيرين تختلف من حدث إلى آخر.
فبالنسبة لتدبير تسليم الحدث الجانح يرى الأستاذ عبد الرحمان مصلح الشرادي أن الغاية من هذا التدبير هو إبقاء الحدث الجانح في بيئته الأصلية على إعتبار أن المشرع قيد إمكانية تسليم هذا الحدث لأشخاص بعينهم هم الأبوين، الوصي، أو المقدم على الطفل أو الكافل أو الحاضن أو الشخص الجدير بالثقة أو الشخص المكلف برعايته.
كما أن من شأن هذا التدبير بالإضافة إلى عدم الحيلولة بين الحدث و أسرته و مدرسته أن يقيه جو مراكز رعاية الطفولة و ما يشوبها من مخاطر أحيانا نتيجة الإختلاط بالأحداث الجانحين و لا سيما المتمرسين منهم [14].
أما بالنسبة لتدبير تسليم الحدث الضحية فإن الغاية منه حسب ما نصت عليه المادة 510 هو محاولة المشرع على ما يبدو حماية هذا الحدث من وسطه الإجتماعي في الحالة التي يكون فيها هذا الوسط مصدرا للإعتداء الإجرامي أو سوء المعاملة.
و ما يعضد هذا الطرح هو أن تدبير تسليم الحدث الضحية ورد على سبيل الخيار بالنسبة للقاضي في الحالة التي لا يمكنه فيها أن يأمر بإيداع الحدث لدى شخص جدير بالثقة أو مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة، إلا بتسليمه لجهة عمومية تتكلف بحمايته إلى أن يصدر الحكم النهائي في القضية.
و قد دعم المشرع أمر القاضي بتسليم الحدث الضحية لمصلحة أو مؤسسة عمومية بعدم إفساحه لإمكانية الطعن في هذا الأمر، الشيء الذي يدفع إلى التساؤل عن مدى أهلية مصالح و مؤسسات رعاية الطفولة لإستلام الحدث الضحية ورعايته؟ خاصة و أن هذه المصالح تتخبط في مشاكل عدة، بدءا من الإكتضاض الذي تعرفه فيما يخص الأحداث الجانحين، مرورا بضعف الموارد البشرية والمادية، و إنتهاءا بعدم فعالية الخدمات المقدمة من طرفها حتى بالنسبة للجانحين فبالأحرى للأحداث الضحايا.
وهكذا، تعاني على سبيل المثال مؤسسة العمل الإجتماعي لحماية و رعاية الطفولة بمدينة فاس من عوائق عديدة تحول دون القيام بمهامها على أحسن ما يرام في مجال إعادة تربية و تهذيب و إصلاح الأحداث الجانحين و ضمان سير عادي لدراستهم و تكوينهم المهني، و من أبرز هذه العوائق هزالة الإعتمادات المالية المرصودة من قبل الجهات المعنية و التي لا تواكب متطلبات النزلاء، وهو أمر لا يقتصر على مركز حماية الطفولة بمدينة فاس على ما يبدو بل يتعداه إلى مركز حماية الطفولة بمراكش حيث يعترف نائب كتابة الدولة المكلفة بالشباب بمراكش [15] بضعف الموارد المالية المرصودة للمؤسسة التي لا تكفي حتى لتغطية حاجيات الأطفال من أكل و لباس و تطبيب، و للعلم فإن هذا المركز يستقبل سنويا 400 حدث 65 % منهم سنة 2004 كانوا متابعين بقضايا التسول و التشرد، وهو ما يعني بأن أغلبية النزلاء ليسوا بالجانحين و إنما قد يكونون ضحايا لمختلف أشكال الاعتداء، خاصة وأن المرصد الوطني لحقوق الطفل سجل خلال المؤتمر الأول لحقوق الطفل أن حوالي 40 % من أطفال الشارع كانوا ضحايا لإعتداءات أسرية [16].
و علاوة على ضعف الموارد المالية تشكو جل مراكز حماية و رعاية الطفولة المغربية من محدودية الموارد البشرية خاصة فيما يرتبط بالجانب الإجتماعي و التربوي و كذلك المختصون في علم النفس الإجتماعي، على عكس ما هو عليه الأمر مثلا بالنسبة لقرى الأطفال البلجيكية ( S.O.S ) التي تعنى بالأطفال ضحايا سوء المعاملة، حيث تسخر لكل فريق من فرق الحماية البعدية Les équipes postnatales مجموعة من الأطر تتكون من 77 فرد يوزعون على الشكل التالي :
• 38 مختص نفسي؛
• 30 مساعدة أو مساعد إجتماعي؛
• 4 مختصين في طب نفس الأطفال؛
• ثلاث مستشارين قانونيين؛
• مختصين في طب الأطفال [17].
كما أن المشرع الكندي أوجب في قانون يونيو 1998 رقم C-127 المتعلق بمساعدة ضحايا الأعمال الإجرامية بما فيهم ضحايا الإعتداءات الجنسية بإحالة الطفل الضحية على المؤسسات والملاجىء التي بإمكانها الإيواء و العلاج في أسرع وقت ممكن لأجل حمايته وإعادة إدماجه في المجتمع.
على أن المشرع الفرنسي أكد في القانون الصادر في 17 يونيو 1998 على أن إيداع الأطفال الضحايا لا يمكن أن يتم إلا في مركز الخدمة الإسعافية والإجتماعية ( DDASS ) التي تتوفر على الأطر المناسبة للسهر على المتابعة الطبية و الإجتماعية لهؤلاء الأطفال [18].
في حين أن كل مركز من مراكز رعاية الطفولة المغربية لا يتعدى المؤطرون العاملون مع الأطفال أربعة مؤطرين يقومون بكل المهام و التخصصات دون أي تكوين علمي دقيق مما يؤثر على فعالية الخدمات الإجتماعية المقدمة للحدث الجانح [19] فبالأحرى للحدث الضحية الذي يتطلب التعامل معه تخصصا دقيقا و إحترافية مهنية عالية الأداء تعتمد مقاربة ثنائية علاجية إدماجية في وقت واحد .
و هكذا، رغم ما قد يكون لتدبير تسليم الحدث الضحية لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة من أهمية في إبعاد الحدث عن الوسط الذي يكون سببا في معاناته و آلامه وإستغلاله، فإنه في حقيقة الأمر أمام الواقع المتردي الذي تعرفه جل مؤسسات رعاية الطفولة المغربية لا يمكن القول بتاتا بفعالية هذا التدبير في تحقيق المراد من حماية الحدث الضحية أثناء سريان الدعوى القضائية و قبل صدور الحكم النهائي على إعتبار أنه قد يتم الجمع بين الضحية و الجانح في نفس المركز و هو ما يتعارض مع محددات السياسة الجنائية المنتهجة حيال كل فئة بعينها.
لأجل كل ما سبق، يمكن الحديث عن مؤسسات أو مصالح هي في الأصل ذات مهام متعلقة بإعادة تأهيل الطفل الجانح منذ صدور ظهير 19 يناير 1939 المتعلق بإنشاء محاكم الأحداث بالمحاكم العصرية و مراكز حماية الطفولة، و الذي كان يقضي بإيلاء العناية الكاملة للأحداث الجانحين الأجانب في مراكز الرعاية و ليس الأحداث الضحايا. و حتى ظهير 1953 لم يشر إلى مسألة و جوب عناية مراكز حماية الطفولة بتفعيل الأمر القضائي بتسليم الحدث الضحية، بالإضافة إلى قانون المسطرة الجنائية القديم الذي كان ينص في الفصل 566 منه على أن الأمر القاضي بتسليم الحدث الضحية كان يصدر لمصلحة عمومية مكلفة بالإسعاف و ليس لمصلحة مكلفة برعاية الطفولة و هو ما يتوافق فعلا مع متطلبات حق الطفل الضحية في التأهيل وليس تسليمه لجهة هي في حاجة ماسة لأطر طبية تعنى بشؤون الأحداث الجانحين في التطبيب فبالأحرى بالأحداث الضحايا.
و على العموم، إذا كان حق الطفل ضحية العنف في التأهيل ينهض كحق موضوعي لأولئك الأطفال الذين يتعرضون يوميا لأسوء أشكال المعاملة و الإعتداءات، سواء في المنزل أو الشارع أو المدرسة وحتى في بعض دور العبادة التي عرفت فيها في الآونة الأخيرة تصاعد خطير لظاهرة الإعتداءات الجنسية على الأطفال على وجه الخصوص [20].
فإن الواجب يقتضي من المشرع الوطني المبادرة إلى إيجاد إجراءات موضوعية لإستفادة الأطفال ضحايا العنف من حقهم في التأهيل عن طريق ضمان تدابير حمائية فعالة تبنى على أساس معايير موضوعية مضبوطة تخول للجهة القضائية إمكانية التدخل في أي وقت من أجل حماية الحدث المعرض للخطر والحدث الذي تعرض فعلا لهذا الخطر، و ليس التنصيص على تدابير عامة بشكل مطلق لا تحدد الجهة المسؤولة عن عدم تفعيلها إلا التهرب من إلتزامات دولية عن طريق التنفيد الظاهري و التغاظي الباطن.
ومما يجدر ذكره على هذا المستوى هو أن تفعيل حق الطفل ضحية العنف في التأهيل لا يقتصر فقط على ضمان تدابير حمائية، وإنما يتعداه إلى وجوب إيجاد آليات مؤسساتية مختصة في العلاج والإدماج لتسهر على التفعيل الحقيقي لحق الطفل الضحية في التأهيل.
________________________________________
[1] - المادة التاسعة من قانون رقم 31 لسنة 1974 المتعلق بالقانون الخاص بالأحداث.
[2] - أقصد بالمسؤولية التربوية هنا طريقة تعامل الشخص مع أبنائه و زوجته في المنزل على إعتبار أن أغلب القضايا التي يكون فيها الأطفال ضحايا يكون مصدرها العنف المنزلي أو التربوي. أما فيما يتعلق بالمسؤولية المهنية فإن من لا يراعي الأمانة المهنية فلن يستطيع أن يراعي أمانة الطفل الضحية.
[3] - ذ. حميد الوالي قاضي التحقيق بمحكمة الإستئناف بمدينة فاس لقاء تم يوم 04/01/2006.
[4] - جواب المملكة المغربية حول النقاط التي تم طرحها من طرف لجنة حقوق الطفل و المرتبطة بإعمال البروتوكول الإختياري و الملحق بإتفاقية حقوق الطفل المتعلق بمنع بيع الأطفال و بغاء الأطفال و إستغلالهم في المواد الإباحية، h://www.ohchr.org/english/bodies/crc/docs/wrmorocco_ar.doc.
[5] - المادتين 510 و 511 من قانون المسطرة الجنائية المغربية الجديدة.
[6] - و من أبرزهم أولئك الذين أجريت معهم حوارات حول الموضوع، الأستاذ عبد الرحيم عمران رئيس مرصد الطفولة و المراهقة و الأسرة بكلية الآداب فاس و الأستاذ حميد الوالي قاضي التحقيق بمحكمة إستئناف فاس.
[7] - جمعية بيتي منظمة غير حكومية ذات منفعة عامة، تحت رقم 38.99.2 من21/01/99 أسست بتاريخ 26/05/1996 بالدار البيضاء.
[8] - ذ حميد الوالي ، مرجع سابق.
[9] - المرصد الوطني لحقوق الطفل : "تقرير تركيبي لأشغال الورشات للقاء حول دور المجتمع المدني المحلي في تتبع و تفعيل الخطة الوطنية للطفل للعشرية 2005-2015، أوريكة، 24-25 مايو 2005، ص11.
[10] - ينص الفصل التاسع من القانون رقم 00.75 المعدل للظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر بتاريخ 15/11/1958 بشأن تأسيس الجمعيات على ما يلي : "يعترف للجمعية العامة بصفة المنفعة العامة بمقتضى مرسوم بعدما تجري السلطة الإدارية بحثا في شأن غايتها ووسائل عملها، وبعد أن تقدم طلبا في الموضوع يجب أن يتم الرد عليه بالإيجاب أو الرفض في مدة لا تتعدى ستة أشهر تبتدىء من تاريخ وضعه لدى السلطة الإدارية المحلية".
[11] - أكبر عائق يواجه الهيئة القضائية في مسألة الجمعيات التي تحمل صفة المنفعة العامة في مجال الطفولة هو عدم وجود لائحة خاصة تمكنهم من اختيار هذه الجمعية و من تم مراقبة أعمالها تجاه الأطفال الضحايا على منوال الأمر بالنسبة لمراكز حماية الطفولة.
[13] - الصديق بوكزول : "قضية إغتصاب فتاة من قبل أخيها بالبيضاء : الضحية تتراجع عن إتهامها لأخيها و ممثل النيابة العامة يدلي بشهادة طبية ليثبت صحة الوقائع"، جريدة الأحداث المغربية 25/26 نونبر 2003.
[14] - د عبد الرحمان مصلح الشرادي : مرجع سابق، ص : 208.
[15] - ذ. عبد الواحد العلكي نائب كتابة الدولة المكلفة بالشباب : "حوار أجري مع جريدة الصباح" منشور بعدد 1271 الصادر بتاريخ 10/05/2004. ص : 5.
[16] - الأطفال المحرومون من الأسرة و أطفال الشارع، المؤتمر الوطني الأول حول حقوق الطفل، الدار البيضاء، ماي 1994، ص : 230.
[17] - O.N.E.Bélge : OP cit, P :44.
[18] - - Martine Nisse : « L'enfant victime : Comment faire face aux violences (Le guide du parent) », op cit, P48.
[19] - محمد الزوهري : " قلة الأطر التربوية و ضعف الإمكانيات المادية يعيق إعادة الأحداث الجانحين"، جريدة الأحداث المغربية، عدد 1936 بتاريخ 14 ماي 2004، ص 6.
[20] - "الكنيسة تحمي رجال الدين المعتدين جنسيا على الأطفال"، جريدة الأحداث المغربية، 3 ماي 2004 . "جاءت دراسة قام بها جون جاي أن هناك 4400 رجل دين إعتدوا على الأطفال في الو.م.أ ما بين 1950 و 2002 ، بينما بلغ عدد الأطفال الضحايا 11 ألف طفل. و في كندا قدمت حوالي 7000 شكاية أمام المحاكم ضد رجال دين في قضايا إغتصاب و تحرش جنسي. أما في بريطانيا فقد تم إنزال عقوبات حسية بحوالي 21 رجل دين في الفترة الممتدة ما بين 1995 و 1999. في حين في ألمانيا قدم الأسقف الألماني هانس هيرمان غروير إستقالته بعد أن وجهت له إتهامات بالإعتداء على الأطفال". جريدة الأحداث المغربية نفس المرجع


الفرع الثاني :

الآليات المؤسساتية لتأهيل الطفل ضحية العنف .

إذا كانت عملية تأهيل الطفل ضحية العنف تقوم على أساس الإعتراف التشريعي بحق هذا الطفل في الحماية الجنائية المواكبة أو ما يعرف بالحق في التأهيل، فإن تفعيل هذا الحق لن يستقيم إلا بالإهتمام الموازي و الفعال بالتدابير التي ينهض عليها والتي تشكل الأرضية الصلبة للعملية التأهيلية برمتها.
و نظرا لكون التدابير التي تقوم عليها عملية تأهيل الطفل ضحية العنف لا تراوح الوظيفتين العلاجية و الإدماجية كما سلف، فإن الضرورة العملية تقتضي إيجاد مؤسسات تهتم في المستوى الأول بتفعيل التدابير العلاجية أو ما يمكن أن يطلق عليها بالمؤسسات العلاجية من قبيل المستشفيات و مراكز الإستماع للضحايا .
و في المستوى الثاني مؤسسات خاصة بتفعيل التدابير الإدماجية أو ما يعرف بالمؤسسات الإدماجية من قبيل الأسرة و المدرسة .
لذلك و من أجل تعميق البحث في مدى كفاءة الآليات المؤسساتية لتأهيل الطفل ضحية العنف فإننا سنتطرق في هذا الفرع لما يلي :
المبحث الأول : مؤسسات علاجية.
المبحث الثاني : مؤسسات إدماجية .
المبحث الاول:

مؤسسات علاجية.

من أبرز المؤسسات العلاجية التي من شأنها أن تسهر على تفعيل التدابير العلاجية لصالح الطفل ضحية العنف، نجد المستشفيات في المقام الأول والتي قد يكون لها السبق في إكتشاف الإعتداء أو سوء المعاملة التي يتعرض لها الطفل و من تم قد تتكلف بإعلام الضابطة القضائية بما تم تشخيصه من حالة إعتداء و السهر على علاج المعتدى عليه (المطلب الأول)، على أن و ظيفة إستقبال الطفل ضحية العنف لم تعد في الوقت الراهن حكرا على المستشفيات و حدها بل تعدتها إلى مراكز الإستماع للضحايا التي بدأت أعدادها تتزايد و تتكاثر في جسم المجتمع المدني المغربي يوما بعد يوم (المطلب الثاني ).
المطلب الأول :

 دور المستشفيات في علاج الطفل ضحية العنف.

في حالة تعرض الطفل لأي إعتداء، سواء كان هذا الإعتداء بدني أو جنسي أو حتى نفسي فإن أول مؤسسة من شأنها أن تباشر إهتمامها به هي المستشفى على أساس مجموعة من الإعتبارات التي تتلخص أولا في القيام بعلاج أي مصاب أو معتدى عليه و لو لم يكن حدث (الفقرة الأولى)، ثم ثانيا في إعداد تقرير شامل للحالة الصحية للمعتدى عليه من أجل أن يتمكن من إثباث نسبة العجز الذي سببه الإعتداء و عرضه على أنظار الهيئة القضائية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :

 السهر على العلاج الطبي للطفل ضحية العنف.

نظرا لكون الغاية الأولى التي تدفع أي معتدى عليه تعرض لإعتداء مادي على جسمه أو نفسه في اللجوء إلى المستشفى هو الحصول على علاج فعال لآثار ما تعرض له، و هي الآثار التي قد تكون في الغالب على شكل إصابات أو كسور أو خدوش أو تمزق عضلي أو تشوه في الرأس أو الوجه، أو على شكل صعوبات أو إعاقات في السمع أو النظر [1]. كما قد تؤدي الإعتداءات إلى المرض الرعاشي و فقدان الثقة في النفس بالنسبة للطفل إن لم تؤدي به إلى الإصابة بعدوى من قبيل عدوى الأمراض المتنقلة جنسيا و من بينها مرض نقص المناعة المكتسبة (السيدا VIH/ )، الذي تقدر منظمة الصحة العالمية نسبة الإصابة به بين الأطفال ضحايا العنف و سوء المعاملة والإستغلال الجنسي التجاري ستبلغ في أفق 2010 حوالي 40 مليون طفل [2].
و لأجل تحقيق غاية الحدث المعتدى عليه في الحصول على علاج فعال للآثار ما أصابه، فإن الأمر يتطلب وجود مراكز إستشفائية على مستوى عال من الجاهزية و الإحترافية المهنية، على اعتبار ما يشكله الاعتداء على الطفل من تهديد خطير لإستمرارية و تقدم أي حضارة إنسانية، لهذه الغاية و بناء على ما تنص عليه المادة 24 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل من حق الطفل في العلاج و التطبيب أو ما يعرف بالحق في الصحة، وكذا على أساس ما نصت عليه المادة الثامنة من البروتوكول الاختياري الملحق المتعلق ببيع الأطفال و حظر كل أشكال الاستغلال الجنسي التجاري، بدأت تبرز بعض المبادرات التي تهدف إلى توجيه العناية الطبية التامة للطفل.
و هكذا، أخذت أغلب التشريعات المقارنة و بالأخص تشريعات المجتمعات المتقدمة تولي الإهتمام الأكبر لقضايا الطفولة و على وجه الخصوص حق ضحايا العنف في التأهيل، ففي فرنسا على سبيل المثال و بالأخص على مستوى مستشفى نانسي تم تأسيس شبكة إجتماعية لإستقبال الأطفال ضحايا العنف و التكفل بعلاجهم، وهي الشبكة التي تتكون من خليتين :
Ø الخلية الأولى تسهر على إستقبال الحالات المستعجلة و تضم على المستوى الداخلي طب الأطفال، الطب النفسي و مصلحة إجتماعية؛ في حين على المستوى الخارجي تضم مصالح الشرطة و الدرك و ممثلين عن هيأة الحكم و المجتمع المدني المهتم بقضايا الأطفال المعنفين.
Ø الخلية الثانية و تسمى خلية أزمة و تضم الطب النفسي للأطفال، علماء النفس الإجتماعي ومختصين في العلاج بواسطة الفن ( L'art thérapeute )، بالإضافة إلى المساعدين الإجتماعيين و المتدخلين القضائيين و خلايا الرعاية اللاحقة.
و قد عممت هذه التجربة على عموم التراب الفرنسي و منح دور بارز في كشف حالات الإعتداء و سوء المعاملة التي يتعرض لها الأطفال إلى المساعدين الإجتماعيين وخول لكل المواطنين بما فيهم جيران الضحية المفترض الحق في تبليغ المراكز الإستشفائية الخاصة بإستقبال الأطفال الضحايا عن كل إعتداء أو إهمال تعرض له الأطفال بمقتضى القانون الصادر في 17/06/1998 والمتعلق بحماية الأطفال من الإعتداءات و الإنتهاكات الجنسية لأجل ضمان التدخل السريع و فعالية الحماية المواكبة لهؤلاء الأطفال [3].
و هذا التحرك لم يقتصر على المشرع الفرنسي فحسب بل تدخل المشرع الكندي بدوره مؤكدا في القانون الصادر في يونيو 1998 رقم C-127 المتعلق بمساعدة ضحايا الأعمال الإجرامية وحماية ضحايا إستغلال السلطة في الأفعال الجنسية، على وجوب أن يستفيد الطفل ضحية العنف على وجه الخصوص من مساعدة طبية في حالة ما إذا خلف له هذا العنف أضرار جسمية أو نفسية [4].
في حين أن المشرع البلجيكي أكد على أن قرى الأطفال (S.O.S) هي المخاطب الوحيد فيما يتعلق بكل حاجيات و متطلبات الأطفال ضحايا سوء المعاملة [5]، و هو الشيء الذي يتماشى إلى حد ما مع أبرز التوصيات الصادرة في هذا المجال عن منظمة الصحة العالمية ( OMS )، التي تولي أهمية كبرى للتدابير و الإجراءات والبرامج الوقائية و الحمائية في الميادين الطبية و النفسية و إعادة التأهيل، و تلح على الإسراع بتقديم خدمات علاجية مستعجلة بناء على تيسير مسطرة المساعدة الطبية لصالح الأطفال ضحايا سوء المعاملة [6].
و في نفس السياق، فإلى أي مدى إستطاع المشرع الجنائي المغربي أن يتلاءم مع توصيات منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بتيسير إجراءات المساعدة الطبية بالنسبة للأطفال ضحايا العنف؟ وهل بالإمكان الحديث عن دور متميز للمستشفيات المغربية فيما يخص تفعيل العلاج الطبي لصالح الأطفال ضحايا العنف؟
بالفعل، إذا كان المشرع المغربي يعتبر من بين المشرعين الذين بادروا إلى المصادقة على الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة في 20 نونبر 1989، و التي تنص في مادتها 24 على وجوب ضمان حق الأطفال في الصحة و إعادة التأهيل الصحي بما فيه كفالة المساعدة الطبية والرعاية الصحية اللازمتين لجميع الأطفال عن طريق إيجاد المؤسسات المؤهلة للإشراف على تفعيل هذا الحق، فإن لا شيء في الواقع المغربي يدل على تفعيل المشرع المغربي للتوصيات الدولية و الإلتزامات الأممية في هذا الجانب على اعتبار مجموعة من العوامل التي يمكن تلخيصها في عاملين اثنين أحدهما بنيوي و ثانيهما مادي .
ففيما يتعلق بالعامل البنيوي، يسجل على الوضع الصحي المغربي هشاشة البنيات الإستشفائية وتهالك الأجهزة الطبية، حيث أن المغرب لا يتوفر إلا على 120 مستشفى بطاقة إستعابية تصل إلى 24 ألف سرير منها 88 مستشفى متعدد التخصصات و 34 مستشفى أحادي التخصص، جلها يعاني من ضعف البنية و تهالك الأجهزة الطبية التي لا تسعف الأطقم الطبية على القيام بواجبها حتى حيال المرضى ذوي العلل المزمنة فبالأحرى السهر على العلاج الطبي الفعال للطفل ضحية العنف، زيادة على أن التوزيع الجغرافي لهذه المستشفيات لا يتوافق بتاتا مع المعايير الدولية، حيث يلاحظ إختلال في توزيع المؤسسات والخدمات الصحية الأساسية على الصعيد الجهوي، فهناك جهات توجد بها مؤسسة صحية واحدة لكل خمسة آلاف نسمة مثل جهة الرباط الدارالبيضاء في حين هناك جهات أخرى توجد فيها مؤسسة واحدة لكل 36 ألف نسمة مثل الجهة الشرقية و الجنوبية [7].
أما فيما يتعلق بالعامل المادي، فيسجل على القطاع الصحي المغربي ضعف الموارد المالية المرصودة، و التي تتجلى في تراجع حصص الميزانية المخصصة للمستشفيات، حيث تقلصت بشكل كبير عما كان عليه الأمر في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، فقد انخفضت من حوالي 8 % إلى أقل من 6 % ، و هي النسبة التي تقسم إلى 2 % بالنسبة للقطاع العام و 3,1 % بالنسبة للقطاع الخاص في حين نجد أن هذه النسبة تفوق 6,5 % في تونس و 7 % في النرويج [8] من جهة ، أما من جهة أخرى فقد ترامت هذه النسبة على حق الطفل عموما والطفل ضحية العنف خصوصا في المساعدة الطبية، حيث في إطار إيجاد موارد مالية لميزانية المستشفيات عموما تم فرض وجيبة على الاستفادة من العلاج بمقتضى الدورية الصادرة عن وزير الصحة في 4 فبراير 1994 رقم 44/ SP على جميع المواطنين بما فيهم الأطفال ضحايا العنف، الذين في الغالب ما يتم تأخير عملية تشخيص طبيعة الاعتداءات التي تعرضوا لها إلا بعد الإدلاء برسم الأداء الذي يحدد طبيعة التشخيص و كذا الملبغ الواجب أداؤه [9]، و لم تستثنيهم الدورية من الأداء كما استثنت بعض الحالات المرضية [10]، الأمر الذي يدفع على هذا المستوى إلى التساؤل عن طبيعة إجراءات المساعدة الطبية الموفرة لصالح الطفل عموما وفاءا بالالتزامات الدولية في هذا الجانب، خاصة إذا علمنا بالإضافة إلى الإعتبارات السابقة تراجع ملحوظ للموارد البشرية العاملة في القطاع الصحي نتيجة لإجراءات المغادرة الطوعية [11]، التي إنتهجها المشرع المغربي سنة 2005، حيث غادر حوالي 236 طبيب مختص و 235 طبيب عام و1183 ممرض، في حين التوقعات تشير إلى أن الخصاص في الأطر الصحية يقارب 13 ألف طبيب وإلى أكثر من 60 ألف ممرض في أفق الخمسة عشر سنة المقبلة الشيء الذي من شأنه أن يفاقم من وضعية الأطفال ضحايا العنف في المغرب.
و بالرغم من مختلف الصعوبات المشار إليها، فإنه يسجل لبعض المراكز الإستشفائية المغربية مبادراتها الأحادية للتكفل بالأطفال ضحايا العنف و على الخصوص ضحايا العنف الجنسي، حيث تم إنشاء خلية إستقبال بالمستشفى الجامعي إبن رشد بالدار البيضاء سنة 1998 تحت مسمى مصلحة الفحص الطبي والقضائي لمباشرة حالات الإعتداءات و العنف الجسدية و الجنسية التي يتعرض لها الأطفال على وجه الخصوص. ومنذ إحداث هذه الخلية إرتفع عدد الواردين عليها، حيث يتولى الأطباء المتخصصون في الخبرة الطبية تجميع حالات الأطفال ضحايا العنف و تقديم شهادات شرعية في الموضوع و متابعة ملفاتهم عبر فحصهم و أخذ معلومات كاملة عن أوضاعهم ثم توجيههم إلى الإختصاصي في الطب النفسي للأطفال لمساعدتهم على التغلب على وضعهم النفسي المتأزم [12].
كما يضاف إلى هذه المبادرة تجربة المركز الإستشفائي الجامعي إبن سينا حيث تقوم خلية إستقبال الأطفال ضحايا العنف المحدثة بهذا المركز بإستقبال الحالات المستعجلة لهؤلاء الأطفال والمحالة عليها من طرف المرصد الوطني لحقوق الطفل، و يترأس خلية الإستقبال هذه البروفسور أمينة المالكي التازي، التي ترى أن عملية علاج الطفل ضحية سوء المعاملة و حمايته من أن يتعرض مرة ثانية لنفس الإعتداء، تقتضي في المستوى الأول إيجاد مؤسسة مؤهلة لإستقبال هذا النوع من الضحايا حتى يتم القيام بالتشخيص الدقيق للحالة النفسية والجسمية التي يكون عليها الطفل بعد الإعتداء، ثم في المستوى الثاني ضرورة تأسيس فريق طبي متعدد التخصصات في كل المؤسسات الإستشفائية يتكون من طب الأطفال، جراح، طبيب نساء في حالات الإغتصاب وهتك العرض، طبيب نفسي بالإضافة إلى مساعد أو مساعدة إجتماعية، و هذا كله على أساس أن المستشفى تبقى المكان الآمن في مخيلة أغلب الأطفال المعنفين أو اللذين تعرضوا لأي نوع من أنواع العنف [13]، رغم أنه في الغالب ما تواجه الفرق الطبية العاملة مع هؤلاء صعوبات يكون مصدرها الأطفال أنفسهم، حيث يؤكد أغلب العاملين في المستشفيات بما فيهم العاملين بالمستشفى الجامعي الغساني أو مستشفى بن الخطيب بفاس [14]، أن الأطفال ضحايا العنف بكل صوره من النادر أن يتكلموا بتلقائية عما أصابهم حيث يكونون في حالة صدمة نفسية تجعلهم لا يستجيبون بالقدر الكافي لكل التدابير العلاجية الموجهة لهم الأمر الذي يعقد من مسألة التوجيه الطبي ومعرفة الجاني الحقيقي أثناء مرحلة البحث التمهيدي.
لكن رغم ذلك فهناك من الأطفال من يتلقى الإعتداء بنوع من اللامبالاة و أحيانا بنوع من الاستسلام، خاصة عندما يكون المعتدي من المحارم أو ممن له سلطة معنوية عليهم، الشيء الذي يبرز مدى الخطورة الملقاة على عاتق المؤسسة الإستشفائية في الكشف عن طبيعة الإعتداء، و بالتالي مساعدة هؤلاء الأطفال على تجاوز آثار ما تعرضوا له ومنحهم إمكانيات الحماية الذاتية، كما من شأن هذه المؤسسات أن تساعد الهيأة القضائية على المسك بخيوط ما تعرض له هؤلاء عن طريق ما تعده من تقرير طبي.
الفقرة الثانية :

 إعداد التقرير الطبي للطفل ضحية العنف.

يعتبر التقرير الطبي بإصابة المجني عليه هو ذلك " التقرير الذي يقدم إلى المحكمة من طرف الطبيب الذي قام بإجراء الكشف الطبي على المجني عليه، و الذي يتضمن تحديدا و بيانا لما ألم بالمجني عليه من إصابة " [15]، و لذلك فهو يعتبر من بين أبرز الوثائق التي قد تشتمل عليها الدعوى الجنائية لأجل بيان و تحديد نوع الإصابة التي لحقت بالمجني عليه، على أساس أنه يشتمل على نوعين من المسائل الفنية [16]، [17]، منها ما هو مادي و منها ما هو معنوي. ... . .. .. . ... . .. .
فبالنسبة للمسائل الفنية المادية التي يمكن أن يشتمل عليها التقرير الطبي بإصابة الحدث المجني عليه حسب البعض، لا يمكن أن تخرج عن تشريح الجثة في حالة ما إذا نتج عن الإعتداء وفاة المجني عليه من أجل الوقوف على سبب الوفاة و تحديد الوسيلة التي استخدمت في إحداث الجريمة، أما في الحالة المعاكسة للوفاة فإنه يتم فحص الجروح و آثار الإعتداء، فإذا كان جنسيا يجب الوقوف بالملاحظة على بعض العلامات، مثل آثار العنف أو المقاومة بجسم المجني عليه أو المتهم أو بهما معا، ثم هل تمزق غشاء البكرة بالنسبة للفتاة القاصر العذراء أم لا، العدوى بالأمراض التناسلية، وجود حيوانات منوية بفرج المجني عليها أو شرج المجني عليه أو بملابسهما، أو حصول الحمل و ما إلى ذلك من العلامات التي من شأنها أن تنير طريق الهيأة القضائية من قبيل كذلك بعدوى الأمراض التناسلية كفيروس نقص المناعة المكتسبة (SIDA/VIH) .
أما بالنسبة للمسائل الفنية المعنوية التي يتضمنها التقرير الطبي فتتلخص في تقدير سن الضحية و كذا سن المتهم و أهليته العقلية حتى لا يتضرع بالقصور العقلي لإبراز مدى خطورته في ارتكاب الفعل الإجرامي.
على أنه بناء على ما قد يتضمنه التقرير الطبي بإصابة المجني عليه عموما من مسائل فنية تقوم كدليل على حدوث الفعل الإجرامي و ليس كدليل اتهام في مواجهة المعتدي، مما قد يثير بشأنه مجموعة من النزاعات القضائية التي قد تؤثر سلبا على صيرورة عملية تأهيل الطفل ضحية العنف، و بالتالي تعطيل إجراءات علاجه و إدماجه الاجتماعي.
لأجل ذلك نتساءل عن الوقت المناسب لتقديم التقرير الطبي بإصابة الحدث المجني عليه؟ و ما تقديمه ضمن أوراق الدعوى العمومية على مطالب المجني عليه؟
إذا كان التقرير الطبي بإصابة الحدث المجني عليه هو ذلك التقرير الذي يخول المجني عليه عموما إمكانية تدعيم تصريحاته أمام هيئة من هيئات التحقيق أو الحكم، فإن توقيت تقديمه لا يثير من الناحية القانونية أي إشكال خاصة إذا إعتبر من بين الوسائل القانونية التي منحها المشرع الجنائي للضحايا من أجل تدعيم شكاويهم المباشرة للأجهزة القضائية المختصة عن طريق إقامة دعوى عمومية أو تعزيز طلبات التعويض أثناء إقامة الدعوى المدنية التابعة [18]، حيث يمكن تقديم التقرير الطبي بإصابة الحدث الضحية أثناء البحث التمهيدي أو ما يسمى بمرحلة جمع الإستدلالات [19]، كما يجوز أن يقدم هذا التقرير خلال مرحلة التحقيق الإعدادي في حالة تعذر تقديمه في المرحلة السابقة، زيادة على أن ليس هناك أي مانع قانوني يمنع من عدم تقديمه أثناء مرحلة المحاكمة.
....... لكن ما يثير الإشكال على هذا المستوى ليس وقت تقديم التقرير الطبي و إنما مقدمه الذي قد يكون كاذبا فيما إدعاه و إجتهد بكل الطرق من أجل الحصول على تقرير طبي صادر عن مختص يؤكد ما إدعاه ، خاصة وأن أغلب الدعاوى السليمة و حتى الكيدية تبنى على تقارير طبية يدلي بها الضحايا المفترضون أو ذويهم [20] مما يثير إشكالية أثر التقرير الطبي بإصابة المجني عليه في المحاكمة.
بطبيعة الحال إن تقديم التقرير الطبي بإصابة الحدث الضحية إلى هيئة من هيئات التحقيق أو الحكم يؤشر على أن هناك فعلا إعتداء مادي أو معنوي تعرض له هذا الضحية، لكن لا يعني بالضرورة على أن من إتهمه مقدم التقرير هو فعلا من قام بذلك الإعتداء، على أساس أن هذا التقرير في تقديرنا لا يمكن إعتباره ثمرة خبرة قضائية إلا في حالة ما إذا كان فعلا كذلك و نهض على أساس إحترام إجراءات الخبرة المنصوص عليها في المواد 194 إلى 209 من قانون (م.م.ج.م)، التي تتطلب أن يصدر الأمر بإجراء الخبرة من طرف هيئة من هيئات التحقيق أو الحكم [21]، على أن يقوم الخبير المعين بمهمته تحت مراقبة قاضي التحقيق أو المحكمة المعروضة عليها القضية أو القاضي الذي تعينه المحكمة، و قبل ذلك يجب أن يكون الخبير المعين مسجلا بجدول الخبراء القضائيين الذي تعده وزارة العدل سنويا و في حالة تعذر ذلك يكون من الواجب عليه أن يؤدي اليمين المنصوص عليها في المادة 345 من ق.م.ج.م. في حين أن إجراءات إصدار التقرير الطبي تتم في الغالب بطلب من الضحية شخصيا أو بواسطة وليه مما قد يفتح الباب من جهة لكل كائد من أجل أن يتقدم بدعوى كيدية في أي وقت.
لكن، رغم ذلك فإن الدعاوى التي لا تعزز بقرائن و دلائل قانونية قوية غالبا ما يكون مصيرها الحفظ و بالتالي إغلاق باب المرافعة و المطالبة بالحق المدني و لو كان الإعتداء قائما، مما يخول في حالة تعذر إثباث الإعتداء من طرف المدعي الحق للمدعى عليه في متابعة المدعي بناء على ما يعرف بدعوى الوشاية الكاذبة المنصوص عليها في الفصل 445 من ق.ج.م، الشيء الذي يبرز مدى الضعف القانوني للتقرير الطبي الذي سيدلى به من طرف الحدث الضحية، بالإضافة إلى ما قد يسببه من حرمان محتمل من الإستفادة من أي تدبير قد يساعده على تخطي ما يعانيه و يقاسيه، ومع ذلك فالمشرع الجنائي المغربي و رعيا منه على ما يبدو لمصلحة الحدث الضحية فقد خول للنيابة العامة أو لقاضي الأحداث أو للمستشار المكلف بالأحداث إمكانية الأمر بعرض الحدث على خبرة طبية أو نفسية أو عقلية لتحديد نوع وأهمية الأضرار اللاحقة به و بيان ما إذا كان يحتاج إلى علاج ملائم لحالته حالا ومستقبلا، مما يبرز بأن التقرير الطبي بإصابة المجني عليه لا يلزم الهيأة القضائية في الحكم و حتى ذلك التقرير الذي قد يكون صادرا طبقا لإجراءات الخبرة القضائية على أساس أن الخبرة ما هي إلا آلية مساعدة للهيئة القضائية على تفهم و إستيعاب مسائل ذات طبيعة فنية و لا علاقة لها بالحكم ومنطوقه مما قد يدفعنا في محطة معينة للمنادات بضرورة الإهتمام بمؤسسة الطب الشرعي في تحرير التقارير الطبية بإصابة الحدث المجني عليه وكذا إمكانية منح تقاريره حجية المحاضر التي لا تقبل الطعن إلا بالتزوير اعتبارا لما يشوب التقارير الطبية المعدة من طرف الطب العادي من خروقات قانونية تؤثر على حجيتها.
و عموما يبرز دور المستشفيات في عملية تأهيل الطفل ضحية العنف كدور محوري، على إعتبار ما قد توفره هذه المؤسسات من علاج و رعاية و إن كانت نسبية وتنقصها مجموعة من المتطلبات من قبيل قلة الموارد البشرية المؤهلة للتعامل بإحترافية و مهنية مع حاجيات الطفل و كذا تهالك الأجهزة و الآليات الإستشفائية و قدمها مما يؤثر سلبا على العملية العلاجية برمتها.
و مع ذلك يسجل تحرك ملموس على صعيد هذه المؤسسات لصالح تفعيل عملية تأهيل الطفل ضحية العنف منذ أن تم رفع قيد السر المهني عن الحالات التي يكون فيها الطفل ضحية لأفعال إجرامية أو لسوء معاملة أو لحرمان من حق من حقوق الأطفال [22]، حيث صار من واجب الأطباء والجراحون و ملاحظو الصحة العمومية و كذلك الصيادلة و المولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته، أن يقوم بتبليغ السلطات القضائية ما عاينه مما قد يشكل تفعيلا حقيقيا لمقتضيات الحماية المواكبة للطفل الضحية و لعائلته على المدى القريب، و على المدى المتوسط قد يدفع إلى إزاحة اللثام عن أكبر الطابوهات التي يعاني منها المجتمع المغربي و التي يقوم المجتمع المدني في المجتمع المدني في سبيل كشفها بدور حيوي عن طريق مراكز الإستماع للضحايا.
________________________________________
[1] - ذياب البداينة، "سوء معاملة الأطفال : الضحية المنسية"، ورقة عمل قدمت في ندوة سوء معاملة الأطفال و إستغلالهم غير المشروع، ندوة أقيمت بالرباط من طرف أكاديمية نايف للعلوم الأمنية أيام من 15 إلى 17 يناير 2001، ص43 و 44.
[2] - OMS : : « La maltraitance », OP cit. -
[3] - Colette Vidailhe, Véronique Sibisil et Vincent Diestchy, « prise en charge des enfants victimes de maltraitance : l'expérience de l'hôpital de Nancy », Conférence euro-méditerranéenne, « Droit de l'enfant et sécurité humaine », Marrakech 22-23-24 Octobre 2002, P3 et 5.
[4] - Déclaration canadienne de 2003 des principes fondamentaux de justice relatifs aux victimes de la criminalité, http://canada.justice.gc.ca/fr/ps/voc/publications/03/basic_prin.html.
[5] - O.N.E.Bélge : OP cit, P :44 -.
[6] - د.مصطفى دانيال/ ذ.أحمد شوقي بنيوب : "حماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة و الإستغلال : تطور مقاربة"، مرجع سابق، ص : 21.
[7] - حسن عبد الخالق : "توفير الخدمات الصحية الملائمة أحد المداخل الأساسية لبناء المجتمع الديمقراطي"، جريد العلم، العدد 20286، الإثنين 10 ذو القعدة 1426 الموافق 12 دجنبر 2005، ص : 8.
[8] -PNUD : « Rapport mondial annuel sur le développement humaine 2004 », Rapport publie par économie, New-York , Avril 2005, P : 155 et 168.
[9] - وهو المبلغ المحدد في 40 درهما بالنسبة للتشخيص من طرف طبيب عام، 60 درهم بالنسبة للتشخيص من طرف طبيب مختص، ومن أجل معرفة أكثر لأثمنة الاستشفاء في المستشفيات العمومية الرجوع للملحق
[10] - يراجع الملحق
[11] المغادرة الطوعية نظام إنتهجه المشرع المغربي سنة 2005 لأجل تخفيف العبء على الإدارة العمومية، لكنه واجه إنتقادات عدة من بينها أنه إستنزف خيرة الأطر التي لازال المجتمع المغربي في حاجة إليها في جميع القطاعات ومن بينها قطاع الصحة العمومية.
[12] - ذياب البداينة، "سوء معاملة الأطفال : الضحية المنسية"، مرجع سابق، ص : 30.
[13] B.Benjelloun Dakhama –A. El Malki Tazi : « La Maltraitance de l'enfant », Op cit. -
[14] - ز يارة ميدانية لكل من المستشفى الغساني و مستشفى إبن الخطيب يوم 03/02/2006.
[15] - ذ.حسين عبد السلام جابر : "التقرير الطبي بإصابة المجني عليه و أثره في الإثبات في الدعويين الجنائية و المدنية"، المطبعة العربية الحديثة، دار نهضة القانون، القاهرة 1991، ص 19.
[16] - ذة.آمال عبد الرحيم عثمان" شرح قانون الإجراءات الجنائية"، مطبعة المعارف المصرية، 1988، ص399. و ذ. يحي شريف و محمد عبد العزيز سيف و محمد عدلي مشالي" الطب الشرعي و البوليس الفني الجنائي" الجزء الأول، 1958، ص 275 و 278.
[17] - زيارة إلى مستشفى الغساني و مستشفى إبن الخطيب بفاس يوم03/02/2006.
[18] - منح المشرع المغربي لكل شخص كان ضحية فعل إجرامي الحق في إقامة الدعوى العمومية و الحق في إقامة الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه الجريمة بناء على المواد 3- 7 و 92 من مدونة المسطرة الجنائية الجديدة.
[19] - ذ.حسين عبد السلام جابر : "التقرير الطبي بإصابة المجني عليه و أثره في الإثبات في الدعويين الجنائية و المدنية"، مرجع سابق، ص 14.
[20] - مثال ذلك القضية عدد 647/9 بتاريخ 15/06/2005. و قضية هتك العرض رقم 1099/05 حيث جاء في حيثيات الحكم أن والدة الضحية أدلت بشهادة طبية مدة العجز فيها 25 يوما زيادة على أن أم ضحية صرحت شخصيا تحملت كل تكاليف العملية العلاجية لطفلها الذي تعرض لهتك عرض من طرف مجموعة من أبناء الحي الذي تقطن فيه.
[21] - الهيئات التي خولها المشرع الجنائي المغربي إمكانية التحقيق هي حسب المادة 16 من ق.م.ج.م ضباط الشرطة القضائية، النيابة العامة، قاضي التحقيق في حين الهيأة المكلفة بالحكم هي السلطة القضائية.
[22] - عدل و تمم المشرع الجنائي المغربي الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي بمقتضى القانون رقم 03.24 بما يتوافق و التوجه الحمائي العلاجي للأسس التي تنهض عليها السياسة الجنائية المغربية، حيث أكد على أن "الأطباء وو الجراحون و ملاحظو الصحة، و كذلك الصيادلة و المولدات، و كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، لا يعاقبون بالعقوبات المقررة في هذا الفصل إذا ما بلغوا السلطات القضائية أو الإدارية المختصة عن إرتكاب أفعال إجرامية أو سوء المعاملة أو الحرمان من حق أطفال دون سن الثامنة عشرة......علموا بها بمناسبة ممارستهم مهنتهم أو وظيفتهم"

المطلب الثاني :

 دور مراكز الاستماع للضحايا في علاج الطفل ضحية العنف.

إعتبارا للواقع الذي عرفته و لا زالت تعرفه المؤسسات الإستشفائية المغربية ظهرت في النسيج الجمعوي المغربي بعض المبادرات الخلاقة من أجل مساعدة الضحايا عن طريق التكفل باجراءات الاستماع و التوجيه الطبي و القانوني لبعض الفئات الاجتماعية ضحية العنف عن طريق مراكز الاستماع.
حيث بدأت تتبلور يوما بعد آخر هذه المبادرات و تنضج التجربة رغم ما تعانيه من ظروف تمويلية و بشرية أثرت في بعض الأحيان سلبا على مردودية المراكز مما عقد الواقع الذي تعيشه مع الفئات الإجتماعية المستضعفة من قبيل الأطفال و النساء ضحايا العنف ( الفقرة الأولى)، و رغم ذلك إستطاعت بعض المراكز أن تثبت ذاتها كمشرف على العملية التأهيلية للطفل ضحية العنف من خلال الاستماع والتوجيه القانوني (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :

واقع مراكز الإستماع لضحايا العنف.

إستطاع المجتمع المدني المغربي و بالأخص المجتمع المدني الناشط في الجانب الإجتماعي أن يشيد لنفسه موقعا متميزا في النسيج الجمعوي المغربي بتدخلاته المشهودة لسد القصور الحاصل في بعض الإجراءات الرسمية الحمائية و العلاجية لصالح الفئات الإجتماعية المستضعفة من قبيل المرأة المعنفة و الطفل ضحية سوء المعاملة بواسطة مراكز مختصة في الإستماع للضحايا و التوجيه القانوني.
هذه الأخيرة تحرص على تقديم المساعدة والدعم النفسي لما يعانيه ضحايا العنف بكل فئاتهم العمرية، بالإضافة إلى توجيهم القانوني الذي ييسر عليه فهم المقتضيات القانونية الحمائية، بحيث صارت هذه المراكز من أبرز الآليات التي تعتمد عليها أغلب الجمعيات ذات الأهداف الإجتماعية، من أجل توفير الحد الأدنى من الرعاية و الحماية للأفراد ضحايا العنف و الخروقات القانونية من جهة، و من جهة أخرى فهي مؤسسات هدفها الأساسي الإستماع للضحيا بشكل مركز و دقيق من أجل جمع المعلومات التي تتعلق بهم وبطبيعة الإعتداء الذي تعرضوا له لكشف حاجياتهم و متطلباتهم الطبية والقانونية.
و علاوة على ذلك فإن مراكز الإستماع للضحايا ما هي إلا وسيلة من الوسائل التي تعتمدها الجمعيات للمساعدة على توعية الضحايا بكافة الحقوق المكفولة لهم قانونا، ومساعدتهم على تجاوز الآثار النفسية و منحهم آليات إعادة الإندماج الإجتماعي في النسيج المجتمعي بشكل كامل، ويتجلى ذلك بالخصوص من خلال المناهج و الطرق التي تعتمد في التعامل مع هؤلاء. حيث أنه في هذا السياق أسست جمعية مبادرات لحماية حقوق المرأة [1] لمرشد في تقنيات التواصل و الإستماع للنساء ضحايا العنف بما فيهم الطفلات المعنفات [2].
المرشد الذي يقوم على أساس تحديد مفهوم التواصل والكفاءات التي يجب أن يتوفر عليها المستمع من أجل خلق علاقة حميمية مع الضحية عن طريق التفاعلات الجسدية والنفسية للوصول إلى حقيقة ما يراد قوله، و الذي في الغالب ما يتطلب جهدا مضاعفا بحسب نوع الضحية المستمع إليه، حيث تؤكد في هذا الإطار إحدى المسؤولات [3] في مركز الإستماع و التوجيه القانوني التابع لجمعية مبادرات أن الصعوبة التي تواجه المستمع للضحية في أول الأمر يرتبط بثلاث نقط هي، السن ، الحالة العائلية، و كذا طبيعة الإعتداء.
فإذا كان الضحية إمرأة متزوجة، فالغالب ما يكون حديثها أو تصريحها مطلق بدون أي تحفظ، خاصة إذا كانت ضحية عنف أسري، أما إذا كانت عازب و كانت قاصر في نفس الوقت فالصعوبة ترتفع بالخصوص إذا كانت ضحية إغتصاب جماعي أو حتى فردي من قبل محرم، حيث في الغالب ما تسجل حالات عدم إستيعاب للأسئلة الموجهة و خجل وتردد في الجواب، أو الحديث عما وقع من إعتداء أو غثيان مصحوب بإنهيار عصبي حاد، مما قد يتطلب حصص متعددة للإستماع الثنائي دون حضور أي كان من أوليائها، الشيء الذي يتطلب أطر مؤهلة بما فيه الكفاية، و آليات مساعدة على القيام بالإستماع للضحية بكل مهنية من أجل الوصول إلى حقيقة الظروف والأسباب التي أدت إلى وقوع الإعتداء على هذه الضحية بالأخص، الشيء الذي لا تتوفر عليه جل المراكز مما يعقد من واقعها و يؤثر على مردودية وفعالية الخدمات التي تقدمها.
فأغلب المراكز العاملة في مجال الإستماع للضحايا تعاني بشكل كبير من قلة الموارد البشرية المتخصصة في الإستماع و التوجيه القانوني، بالإضافة إلى ضعف الآليات و الموارد المالية المرصودة.
فعلى سبيل المثال إستقبل مركز الإستماع و التوجيه القانوني لجمعية مبادرات لحماية حقوق النساء [4] في السنوات الأربع التالية ما يفوق 1450 إمرأة معنفة بما فيهن الطفلات بمعدل 365 ضحية في السنة أي أن كل يوم تسقط إمرأة ضحية للعنف، في حين أن المركز لا يتوفر إلا على مستمعتان تكوينهما قانوني.
و كذلك فيما يتعلق بمركز الإستماع و التوجيه الكرامة الموجود بمركز حقوق الناس بفاس والذي إستقبل سنة 2003 ما يفوق 2500 [5] إمرأة وطفلة ضحيا مختلف أشكال العنف والإيذاء والخروقات القانونية بكافة أنواعها بمعدل سبعة ضحايا في اليوم، في حين لا يتعدى العاملون في المركز ثلاث مستمعات في الغالب تكوينهن قانوني، أدبي، فلسفي.
الشيء الذي يدفع إلى وضع أكثر من علامة إستفهام على طبيعة تخصص هؤلاء المستمعات ومتطلبات الإستماع النفسي، التي تقتضي على الأقل أن يتم الإستماع من طرف متخصص في علم النفس الإجتماعي من قبيل مساعدة إجتماعية، التي قد تتوفر على كفاءات مهنية أكثر شمولية ممن تتلقى دورات تدريبية موسمية في كيفية الإستماع دون أن تتوفر لديها الأرضية العلمية لممارسة مهام المستمع لآلام الضحايا و أسرارهم [6].
إلا أن ما يلاحظ على العاملين بهذه المراكز عموما، هو أنهم يعملون بشكل جاد وتطوعي في غياب حقيقي لكل الآليات التي بإمكانها أن تساعد على الإنصات لمعاناة الضحايا بشكل مركز ودقيق، حتى يتمكن الباحثون من الوقوف على الأسباب و الظروف الحقيقية التي تؤدي بحصر فئة معينة ضمن خانة الضحايا، حيث سجل في أغلب الحالات المستمع إليها والتي إطلعنا عليها سبب سوسيولوجي فريد للعنف ألا وهو "الفقر" بينما يتم تجاهل الأسباب الأخرى من قبيل تراجع الوازع الديني و الأخلاقي و سيادة مبادىء الفساد والإفساد التي تساهم فيها بعض وسائل الإعلام إنطلاقا من الصحون المقعرة وصولا إلى الأنترنت ومقاهي الدردشة الإلكترونية، بالإضافة إلى تصاعد نسبة الأمية التي أدت إلى نبذ المنهج الإسلامي في التعامل مع الزوجات والأطفال في المجتمعات الإسلامية، فأصبح الوضع مأساويا بالنسبة للأطفال فيها على وجه الخصوص بإعتبارهم الفئة الأقل ضعفا و مقاومة للإكراه و لإفراغ المكبوتات الغريزية الجنسية والحسية العضلية تشبها بما كان ولازال يسري في المجتمعات الغربية التي تعاني من خطر إسمه الحرية الجنسية التي أدت إلى بروز أشكال و صور للعنف الجنسي من قبيل زنى المحارم L'inceste و استبدال النظام الأسري بأنظمة مبلقنة من قبيل العلاقات المثلية و الأسرة الأحادية [7] .
و رغم ما قد يلاحظ على منهجية عمل بعض مراكز الإستماع التابعة لبعض هيئات المجتمع المدني، فإن هناك بعض المراكز التي يشهد لها بالإحترافية و المهنية في الإستماع والتوجيه القانوني للأطفال ضحايا العنف، من قبيل مركز الإستماع و الإرشاد القانوني بالدار البيضاء و كذا مركز الإستماع والتوجيه القانوني و حماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة و الاستغلال الجنسي بمستشفى بن سيناء بالرباط التابع للمرصد الوطني لحقوق الطفل، الذي تم تدشينه من طرف صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم في 25 نونبر1999 لأجل أن يسهر على بلورة و تفعيل المجهودات الرامية لمحاصرة ظاهرة العنف ضد الأطفال والتكفل بالضحايا، حيث يهدف هذا المركز على العموم إلى :
1. استقبال الأطفال ضحايا سوء المعاملة و خاصة ضحايا الاعتداءات البدنية و الجنسية والسيكولوجية، والإستماع إليهم و لأوليائهم؛
2. التدخل لدى الجهات القضائية بتنسيق مع وزارة العدل لتقديم المساعدة القانونية للأطفال الضحايا (وكلاء الملك – محامون)؛
3. التدخل لدى الجهات الإدارية و غيرها من المؤسسات المهتمة بقضايا الطفولة (وزارة التربية الوطنية، نيابات التعليم الإقليمية، الجمعيات وغيرها.....)؛
4. ربط الاتصال بالمستشفيات بتنسيق مع وزارة الصحة لضمان الدعم الطبي- النفسي؛
5. التحسيس و التوعية بخطورة ما يتعرض له الأطفال من سوء معاملة و عنف [8].
و تجدر الاشارة إلى أن مركز الاستماع للأطفال ضحايا سوء المعاملة التابع للمرصد الوطني لحقوق الطفل، يستقبل و يتوصل يوميا بالحالات من مختلف مناطق المملكة سواء الحضرية أو القروية ومن طرف مختلف مكونات المجتمع من آباء و أقارب الأطفال الضحايا و كذا من الجمعيات، حيث أنه إلى غاية نهاية سنة 2005 إستمع بشكل مباشر لما يفوق 465 طفل كان ضحية للعنف، موزعين على الشكل التالي [9] :
2003 2004 2005
الإناث 86 123 34
الذكور 78 107 37
و تتشكل الموارد البشرية العاملة في المركز عموما من مجموعة من الأخصائيين في مجال الإستماع والتوجيه القانوني، حيث يتكون الطاقم العامل مع الأطفال المعنفين من أخصائيين في طب الأطفال الطب النفسي ومساعدات إجتماعيات بالإضافة إلى مختصين في علوم التربية و الإستشارة و التوجيه القانوني.
و ما يجب التنبيه إليه على هذا المستوى هو أن مراكز الإستماع و التوجيه القانوني لم تعد حكرا على المغرب كتجربة عربية رائدة في مجال الإستماع للأطفال ضحايا العنف كما قد يعتقد البعض [10]، و إنما بدأت التجربة تعمم على الصعيد العربي حيث أنشأت وزارة العمل و التضامن الوطني الجزائري بعض المراكز الجهوية لاستقبال الأطفال ضحايا العنف والتكفل بهم من جميع النواحي العلاجية النفسية و الإجتماعية، و تضم لهذا الغرض خلايا بشرية تتكون من أخصائيين في علم النفس العيادي و البيداغوجيا والتربية بالإضافة إلى مساعدات إجتماعيات، و قد سجلت هذه المراكز منذ بدأ العمل بها سنة 2003 حوالي 5800 حالة عنف ضد الأطفال كمعدل سنوي يشكل الذكور أعلى نسبة مقارنة بالإناث [11] و هي نسبة مرتفعة نسبيا بالمقارنة مع الحصيلة المسجلة من طرف مركز الاستماع و حماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة والاستغلال التابع للمرصد الوطني لحقوق الطفل الذي بدأ نشاطه في 25 نونبر 1999.
و على العموم، فإن ما يجب قوله هو أنه إذا كانت التجربة المغربية في مجال مراكز الإستماع للضحايا رائدة على صعيد الوطن العربي، فإن الواقع الذي تعيشه هذه المراكز يضعف من مردوديتها و يؤثر سلبا على الخدمات التي تقدمها، حيث تصنف إلى هيئات مجتمع مدني رسمي من قبيل المرصد الوطني لحقوق الطفل و ما يدور في فلكه، وهيئات مجتمع مدني غير رسمي من قبيل الجمعيات المحلية و الجهوية، الشيء الذي دفع على ما يبدو مختلف هيئات المجتمع المدني المغربي بكل أصنافه العاملة في مجال الدفاع عن حقوق المستضعفين إلى أن تندمج في إطار شبكة وطنية لمراكز الإستماع لضحايا العنف " أناروز ANAROUZ " [12] هدفها الأساسي توحيد مناهج الإستماع للضحايا و المطالب التشريعية لفائدة ضحايا العنف، و تبادل المعلومات و جمع الإحصائيات على الصعيد الوطني، و كذلك السهر على تفعيل عملية تأهيل الضحايا بما فيهم الأطفال ضحايا العنف عن طريق الاستماع النفسي و التوجيه القانوني.
الفقرة الثانية :

الإشراف المزدوج على عملية التأهيل : الإستماع و التوجيه.

اعتبارا للدور الريادي الذي تنهض به بعض هيئات المجتمع المدني المغربي في الدفاع عن حقوق الفئات الاجتماعية المستضعفة من قبيل حق الأطفال ضحايا العنف في التأهيل. واعتبارا كذلك لقصور التدخل العلاجي لجل المستشفيات الوطنية في عملية تأهيل هؤلاء الأطفال وبالخصوص في الجانب النفسي و كذا ضعف الوعي القانوني، بادرت أغلب مراكز الاستماع للضحايا بما فيها الشبكة الوطنية لمراكز الاستماع للضحايا « ANAROUZ » إلى محاولة تكملة هذا القصور عن طريق الإشراف المزدوج على العملية التأهيلية في جانبيها العلاجي و القانوني.
ففي الجانب المتعلق بالعلاج و بالأخص تدابير العلاج النفسي فإن المراكز تقوم بالإستماع للضحية بشكل فردي و دون حضور أي من أوليائه و في حالة وجود حالات نفسية مرضية يتم إحالتها على المختص في الطب النفسي الذي قد تربطه علاقة شراكة مع الجمعية أو علاقة تطوع.
أما في الجانب القانوني فإن هذه المراكز تسهر على تيسير فهم المقتضيات القانونية الحمائية عن طريق منح الإستشارة القانونية بالمجان أو التدخل لدى الأجهزة القضائية كمطالب بالحق المدني بشرط التوفر على صفة المنفعة العامة [13].
و بناء عليه، إذا كان تدخل مراكز الإستماع للضحايا على مستوى تدابير العلاج النفسي من شأنه أن يصل إلى حقيقة الظروف و الأسباب التي أدت إلى حصول الاعتداء عن طريق الاستماع الفردي في غياب الولي و حتى الأم فإن ذلك يدفع إلى التساؤل عن مدى مشروعية الإستماع لأسرار المواطنين من قبل هيئات مدنية دون حضور الولي الشرعي أو القانوني؟
جوابا على هذا السؤال يبرر أغلب العاملين [14] في مراكز الاستماع لضحايا العنف بأن الاستماع الفردي للضحايا من أهم التدابير التي تساعد الضحية المفترض على التصريح والبوح بما تعرض له من إعتداء، حيث أنه في حالة ما إذا تم الاستماع بحضور شخص ثالث من قبيل الولي الشرعي للضحية مثلا، فمن شأن هذا الحضور أن يؤثر سلبا على صيرورة الاستماع و على حقيقة المعطيات والمعلومات المدلى بها من طرفه خاصة إذا كان ضحية لإعتداءات هذا الولي.
علاوة على ذلك، يضيف هؤلاء العاملون أن الاستماع للضحايا عموما يتم بشكل إرادي من طرف الضحايا الذين يلجؤون بكامل إرادتهم و حريتهم لهذه المراكز من أجل الحصول على الدعم النفسي و الحديث عما جرى، في حذر شديد من أن يشاع ما صرحوا به.
و بالفعل، فقد تبين لنا بالملموس من خلال زيارة ميدانية لكل من جمعية مبادرات ومركز حقوق الناس بمدينة فاس [15] أن مراكز الإستماع العاملة بهذه الجمعيات تستقبل عددا لا يستهان به من المواطنين والمواطنات الذين يشتكون من كونهم تعرضوا لإعتداءات وخروقات قانونية، و أنهم في حاجة ماسة للحديث عما تعرضوا له من أجل الحصول على دعم نفسي ملاءم و توجيه قانوني مناسب، حيث أنه في هذا الإطار تقدر جمعية مبادرات لحماية حقوق النساء، عدد النساء ضحايا العنف اللذين استمع إليهم مركز الإستماع والتوجيه القانوني منذ تأسيسه سنة 2001 إلى غاية شتنبر 2005 بحوالي 1408 مستمع إليها [16]، في حين استمع مركز الإستماع المتواجد بمركز حقوق الناس سنة 2003 إلى حوالي 2504 شخص [17]، و هذه الإحصائيات عموما تتعلق في الغالب بمواطنين بالغين سن الرشد القانوني المحدد في 18 سنة [18]، و لا يتجاوز عدد المستمع إليهم القاصرين 72 حالة بالنسبة للعدد الأول حيث لاتتجاوز النسبة عتبة 2.3 % .
على العكس من ذلك و تجنبا لإحراج الضحايا بالأسئلة المباشرة أو جلسات المكاشفة المباشرة، اتجهت بعض مراكز الاستماع إلى أسلوب الهاتف الأخضر أو الهاتف المجاني كآلية لمساعدة الأطفال ضحايا العنف على التصريح بما تعرضوا له بناء على ما هو عليه الأمر في كل من بلجيكا و فرنسا إن لم نقل جل الدول المتقدمة.
فمثلا، مركز الإستماع وحماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة التابع للمرصد الوطني لحقوق ارتفعت وتيرة تلقيه لمكالمات الأطفال ضحايا العنف منذ تدشينه من طرف صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة لالة مريم في 25 نونبر 1999 إلى غاية دجنبر 2004 ، حيث جاءت أعداد المكالمات التي تلقاها المركز على ثلاث فترات على الشكل التالي:
* الفترة الأولى تبتدأ من 25 نونبر1999 تاريخ تدشين الخط الأخضر إلى نهاية شهر أبريل 2002 حيث سجلت حوالي 422 مكالمة قسمت على الشكل التالي:
1. الاعتداءات البدنية 35 % ؛
2. الاعتداءات الجنسية 18 % ؛
3. الاهمال 16 % ؛
4. القسوة النفسية 16 % ؛
5. الحالات الأخرى 15 % [19] .
* الفترة الثانية تبتدأ من ماي 2002 إلى غاية 14 يناير 2004، و سجلت هذه الفترة ارتفاع ملحوظ حيث وصل عدد المكالمات إلى حوالي 21524 مكالمة مما شكل نجاحا ملحوظا للخط الأخضر في هذه الفترة بالذات، و تقسم عدد المكالمات على الشكل التالي:
1. الاعتداءات الجنسية 73,64 % ؛
2. الاعتداءات البدنية 10,9 % ؛
3. الإهمال 3,64 % ؛
4. طلب مساعدة 11,82 % ؛
* الفترة الثالثة و تبتدأ من فاتح فبراير 2004 إلى نهاية شهر دجنبر من نفس السنة، حيث سجلت حوالي 84008 مكالمة منها حوالي 81209 مكالمة بدون موضوع، في حين 2799 مكالمة ذات موضوع خاص بطلب معلومات متعلقة بطبيعة الخدمات المقدمة من طرف المركز وإما بطلب تدخل.
و بإستقراء ما تضمنته إحصائيات الفترات الزمنية الثلاث لعمل مركز الاستماع و حماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة، يلاحط بأن ما بين الفترة الأولى و الثانية شهد عدد المكالمات التي استقبلها الخط الأخضر لهذا المركز ارتفاعا ملحوظا نتيجة على ما يبدو للجهود الكثيفة [20] التي قام بها المرصد الوطني لحقوق الطفل خلال هذه الفترة من أجل التحسيس بخطورة ظاهرة سوء المعاملة والاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال.
حيث ارتفعت نسبة التصريحات بالاعتداءات الجنسية على سبيل المثال من 18 % في الفترة الأولى إلى73.64 % في الفترة الثانية، في حين تراجعت نسبة الاعتداءات البدنية من 35 % في الفترة الأولى إلى 10.9 % في الفترة الثانية، و إنعدمت حالات التصريح بالقسوة النفسية وعوضت على ما يبدو بطلبات التدخل و المساعدة التي إعتمدت في إحصائيات الفترة الثالثة التي تضمنت لأول مرة الإحصائيات المتعلقة بالمكالمات الفارغة التي شكلت السواد الأعظم في عدد مكالمات هذه الفترة الأمر الذي يبرز على ما نعتقد، من جهة مدى النضج الذي بلغته تجربة مركز الاستماع وحماية الأطفال ضحايا العنف التابع للمرصد الوطني لحقوق الطفل حتى صارت مرجعا لمجموعة من مراكز الاستماع على الصعيد الوطني، ومن جهة ثانية تبرز هذه الاحصائيات مدى الشفافية المنتهجة من قبل المشرفين على المركز من خلال النشر المفصل لجميع للمعطيات بما فيها المكالمات الفارغة غير ذات موضوع.
و بالرجوع إلى الإشكال المتعلق بمدى مشروعية الاستماع لأسرار المواطنين من قبل هيئات مدنية دون حضور الولي الشرعي أو القانوني، فإنه من خلال عدد المكالمات المسجلة وكذا من خلال الزيارة الميدانية التي قمنا بها لبعض مراكز الاستماع، يلاحظ بأن الإستماع يتم بشكل تطوعي من قبل المختصين في الجمعيات العاملة في المجال من أجل مساعدة ضحايا العنف على تجاوز حالات الاضطراب النفسي التي يكونون عليها.
كما أن الضحايا يلجؤون إلى هذه المراكز بشكل إرادي ودون إجبار من أي كان، بل على العكس من ذلك فالغالب ما يتم التوجه إليها عن طريق ضحايا سابقين مروا بنفس التجربة مما قد يطبع على عمل مراكز الاستماع نوعا من المشروعية الإختيارية التي لا تلزم أي طرف في عملية الإستماع، إلا أنه و بإعتبار الحدث الضحية لا يمكن الحديث بشأن حريته في اللجوء إلى هذه المراكز أو عدمها، على إعتبار الحاجة الماسة التي قد تدفعه إما إلى الحديث عما تعرض له بتلقائية و دون أن يلقي بال لخطورة تصريحاته على المدى البعيد، وإما قد يمتنع عن الكلام بالمرة خشية التشهير بسره، الأمر الذي يتطلب حسب إعتقادنا من المشرع أن ينص على ضمانات قانونية من شأنها أن تساعد الأطفال ضحايا العنف على البوح بما تعرضوا له من سوء معاملة و من تم رفع الستار على الطابوهات التي تعيق تنمية المجتمع، ومن شأن هذه الضمانات كذلك أن تقنن عمل المراكز وتنظم الآليات القانونية للاستماع.
و هكذا، فمن خلال لبعض مقتضيات القانون الجنائي المغربي يلاحظ بأن المشرع قد بلور بعض الضمانات القانونية التي من شأنها أن تحمي شرف الضحايا على العموم من كل ما من شأنه أن يسيء لهم، فجرم إفشاء الأسرار المهنية مثله مثل أغلبية القوانين الجنائية المقارنة [21] و عاقب عليها بعقوبة تأديبية تتراوح مدتها ما بين شهر وستة أشهر من الحبس النافذ و غرامة من ألف و مائتين إلى عشرين ألف درهم بالنسبة للأطباء والجراحون و ملاحظو الصحة و كذلك الصيادلة و المولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم وظيفته أو مهنته الدائمة أو المؤقتة، و في هذا الإطار الأخير يكمن تكييف عمل مراكز الاستماع. الشيء الذي يبرز بأن تجريم إفشاء السر المهني يعتبر من أهم الضمانات القانونية المكفولة لحماية أسرار الضحايا وهو بالفعل كذلك، لكن لا يعني أنه ضمان كافي لعدم التشهير بما تعرض له الضحية على إعتبار ما تشهده وسائل الإعلام من تداول ممل في بعض الأحيان لأخبار الأطفال ضحايا الإعتداءات و بالأخص ضحايا الإعتداءات الجنسية [22]، رغم أن المشرع الجنائي المغربي منع عرض صور الضحايا أو أسمائهم في وسائل الإعلام حفظا لكرامتهم و تجنيب أسرهم ما قد يترتب عن هذا النشر من عواقب و خيمة، الأمر الذي قد يشكل ضمان إضافي لإحترام أسرار الضحايا و بالأخص الأطفال ضحايا العنف.
لكن مع ذلك، فإن هذا الأمر لا يصل على ما يبدو إلى مستوى ما سطره المشرع الفرنسي الذي فرض على الجمعيات العاملة في مجال الطفولة المعنفة إحترام ما قد يصرح به هؤلاء ومنع نشر أي معلومات شخصية عنهم بناء على مدونة تنظم أخلاقيات التعامل مع ضحايا الإعتداءات الإجرامية [23] والتي تفرض على مصالح الإستماع للضحايا الإلتزام بالمهنية في التعامل مع هؤلاء الضحايا.
و على العموم، فإن ما يمكن قوله هو إذا كان الأمل الذي يبقى للحدث الذي تعرض لاعتداء كيف ما كانت صورته أو شكله في حالة عدم لجوئه إلى القضاء لإنصافه هو الحصول على علاج فعال لآثار ما تعرض، فإنه في الغالب ما قد يصاب بخيبة أمل عند لجوئه إلى المستشفى مما قد يفاقم من ضرره الشيء الذي تنبهت إليه أغلب هيئات المجتمع المدني من خلال مبادراتها في مجال تأسيس مراكز إستماع على الصعيد الوطني و شبكة وطنية مكنتها من ريادة التجربة على صعيد الوطن العربي رغم الاكراهات التي تعاني منها في الجانبين المادي و البشري، و كذا الجانب القانوني الذي لم يقنن لحد الآن عمل هذه المراكز بمقتضى مدونة لأخلاقيات مراكز الاستماع للضحايا الشيء الذي لا زال يؤخر عملها في لعب دور أكثر تقدما على صعيد الإدماج الاجتماعي إلى جانب المؤسسات المخول لها فعليا إدماج الحدث ضحية العنف من قبيل الأسرة بكل تمظهراتها و المدرسة بكل فعالياتها.
________________________________________
[1] - جمعية مبادرات لحماية حقوق المرأة، جمعية تهتم بالإستماع و التوجيه القانوني للنساء ضحايا العنف بما فيهم الطفلات ضحايا العنف بكل صوره، يوجد مركزها بمدينة فاس ولها فروع على الصعيد الوطني.
[2] - المرشد من إعداد ثريا البطل و فاطمة المعراني، جمعية مبادرات لحماية حقوق المرأة.
[3] - المستمعة فتيحة الركيبي العاملة في مركز الاستماع و التوجيه القانوني للنساء ضحايا العنف في جمعية مبادرات لحماية حقوق المرأة، فاس.
[4] - لقد تم إيراد هذه المراكز على سبيل المثال و أخذ نماذج على طبيعة الظروف التي تعمل فيها أغلب مراكز الإستماع و التوجيه القانوني و ليس على سبيل الإشهار لأية جمعية أو مركز.
[5] - - مركز حقوق الناس : "مركز الكرامة للإستماع و التوجيه و المساعدة القانونية و النفسية للنساء ضحايا الإنتهاكات في الشغل"، تقرير ملخص للإنتهاكات الواردة على مركز الكرامة خلال سنة 2003.
[6] - حوار أجري يوم 06/01/2006 مع الأستاذ عبد الرحيم عمران رئيس مرصد الطفولة المراهقة و الأسرة.
[7] - د. محمد الشافعي:"الأسرة في فرنسا:دراسة قانونية و حالات شاذة"، سلسلة البحوث القانونية رقم 3، مطبعة الوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، مراكش، 2001، ص:131.
[8] - مركز الاستماع و حماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة و الاستغلال، المرصد الوطني لحقوق الطفل، المغرب E-mail :onde@iam.net.ma
[9] - مركز الإستماع و حماية ضحايا سوء المعاملة، إحصائيات وزعت يوم الملتقى الوطني حول دور المجتمع المدني المحلي في تفعيل الإستراتيجية الوطنية لحماية الطفولة 25 و 24 ماي 2005 بأوريكا مراكش .
[10] - د.عبد الله الشافي:"رأي الطب النفسي في ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال: الأسباب، الوقاية و العلاج"، المجلة الإلكترونية عربيات 10 شتنبر 2005، http://www.arabiyat.com/magazine/publish/article_666.shtml .
[11] - د.عبد العزيز بوودن"استراتيجية التكفل بالأطفال ضحايا العنف"، مرجع سابق، ص:156.
[12] - تم تأسيس هذه الشبكة سنة 2005 و تسمى بالشبكة الوطنية لمراكز الإستماع و تنشر مختلف أنشطتها على الموقعين التالين في شبكة الأنترنيت:
1. www.anarouz.org .
2. www.droitsdesgents.org .
[13] - تنص الفقرة الثانية من المادة السابعة من (ق.م.ج.م) على أنه "يمكن للجمعيات المعلن أنها ذات منفعة عامة أن تنتصب طرفا مدنيا، إذا كانت قد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي، وذلك في حالة إقامة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المدني بشأن جريمة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي".
[14] - فتيحة الركيبي مستمعة في مركز الاستماع والتوجيه القانوني في جمعية مبادرات لحماية حقوق النساء فاس، خديجة السعيدي: مساعدة إجتماعية بجمعية التضامن النسوي، حوار أجري يومي 4 و 5 أبريل 2004.
[15] - مركز حقوق الناس هو من بين الجمعيات النشيطة في مجال حماية حقوق النساء و الطفلات الخادمات يوجد مقره بشارع الشفشاوني بمدينة فاس.
[16] - Statistiques relatives au centre Nawal Bellehmer , Association Initiatives pour la protection des droits de la femme , atelas FES.
[17] - مركز حقوق الناس : "مركز الكرامة للإستماع و التوجيه و المساعدة القانونية و النفسية للنساء ضحايا الإنتهاكات في الشغل"، تقرير ملخص للإنتهاكات الواردة على مركز الكرامة خلال سنة 2003.
[18] - وحد المشرع المغربي سن الرشد المدني و كذلك سن الرشد الجنائي من خلال المادة 19 من مدونة الأسرة و المادة 458 من (ق.م.ج.م).
[19] - م.و.ح.ط:" الأطفال ضحايا سوء المعاملة: ملخص عن تقرير المرصد الوطني لحقوق الطفل"، الدورة السابعة للمؤتمر الوطني لحقوق الطفل "حماية و أمن الطفل"، الرباط 25 و 26 يونيو 2002، ص:2.
[20] - من ضمن هذه المجهودات تنظيمه للمؤتمر الوطني التاسع حول حقوق الطفل تحت شعار "أمن وحماية الطفل" ، وهو الملتقى الذي ناقش بإهتمام كبير قضاايا الأطفال ضحايا العنف و سوء المعاملة، أيام 25 و 26 يونيو 2002، الرباط. كما أتبعه بحملة تحسيسية في جميع وسائل الاعلام الوطنيةتمثلت في :
- حملة تحسيسية ضد سوء معاملة الطفلة الخادمة؛
- حملة تحسيسية لوقاية الأطفال و الشباب من المخدرات؛
- حملة تحسيسية ضد الاستغلال الجنسي للأطفال.
[21] - الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي.
[22] - في هذا الإطار نجد التعامل غير المسؤول من بعض وسائل الإعلام التي تقوم بنشر صور الأطفال ضحايا الإعتداءات الجنسة و أسماءهم الشخصية و العائلية من قبيل مثلا قضية لبنى المحجوبي التي تعرضت لإغتصاب و حشي في ربيعها التاسع سنة 2002 ، وقضية الأطفال السبعة للقضية المشهورة بقضية تارودانت صيف 2004.
[23] - Gérard Lopez : « Victimologie », Annexe 6 « Services d'aide aux victimes code de déontalogie de l'INAVEM », op cit : 245.


لمبحث الثاني :

 مؤسسات إدماجية.

أكدت المادة الثامنة من البروتوكول الاختياري الملحق و المتعلق ببيع الأطفال و اسغلالهم الجنسي التجاري في الدعارة و المواد الاباحية، على ضرورة إتباع تدابير علاج الطفل ضحية العنف و الاستغلال، بتدابير إدماجية تسهر على تفعيلها مِسسات اجتماعية يكون لها ارتباط مباشر بالضحية.
و المؤسسات الاجتماعية التي نعتقد أنها تتوفر على الإمكانية الاجتماعية لإدماج الطفل الضحية لا يمكن أن تخرج عن الأسرة الخلية الأولى للمجتمع (المطلب الأول)، و عن المدرسة الحضن التربوي و التعليمي لكل الأطفال (المطلب الثاني).
المطلب الأول : الأسرة وعملية إدماج الطفل ضحية العنف.
اعتبارا لكون الأسرة الرأس المال الاجتماعي للأفراد و الملجأ الأول و الأخير من حالات التصدع و الأزمات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي تعيشها أغلب المجتمعات المعاصرة، لم تعد تقتصر وظيفتها فقط على المصاهرة و الإنجاب و بناء العلاقات الاجتماعية، بل أصبح لها دور متزايد في ضمان الأمن الاجتماعي [1] عن طريق حضورها الواقعي في رعاية الطفل و إعادة إدماج الطفل ضحية العنف على وجه الخصوص (الفقرة الأولى)، رغم أن هذا الواقع في بعض الأحيان يكون السبب المباشر في وضعية الطفل ضحية العنف (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :

 أثر واقع الأسرة المعاصرة على الطفل ضحية العنف.

يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 16 أن "الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع"، في حين تعرف بطاقة Encarta المعلوماتية لسنة 1999 الأسرة بأنها "مجموعة اجتماعية تربط بينها روابط القرابة أو الزواج، وهي شكل اجتماعي له وجود في كل المجتمعات البشرية، و تقوم من الوجهة النظرية بتوفير الحماية و الأمن و التنشئة الاجتماعية لأعضائها".
على أن عالم الاجتماع الفقيه هانس لوك يرى بأن الأسرة "جماعة من الأفراد تربط بينهم رابطة الدم أو التبني، ويعيشون في منزل مستقل و يتواصلون فيما بينهم عبر تفاعل مستمر، كما يؤدون أدوارا اجتماعية خاصة بكل واحد منهم باعتباره زوجا أو ابنا أو ابنة أو أما أو أختا، بحيث يتكون نتيجة ذلك ثقافة مشتركة".
لذلك، فحسب هذه التعاريف فمفهوم الأسرة يرتكز على العناصر التالية :
1. ضرورة وجود فردين أو أكثر تربط بينهما علاقة اجتماعية؛
2. أن يكون شكلها الاجتماعي مماثل لما هو عليه في المجتمعات البشرية، مما يعني أن الأسرة التي لا تتماثل مع ما هو سائد في أغلب المجتمعات لا تعتبر أسرة ، كما هو الحال عليه في الأسرة المماثلة و الأسرة الأحادية، اللتين لا يمكن اعتبارهما أسر بالرغم من قبولهما في بعض المجتمعات التي أباحت إمكانية إنشائهما [2]؛
3. أن تقوم هذه الأسرة بوظائفها الاجتماعية المتمثلة في التنشئة الاجتماعية و الأمن والحماية لكل أعضائها، مما يعني أن كل أسرة لا تقوم بهذه الوظائف بالإمكان نزع الصفة الأسرية عن أعضائها، وهو ما من شأنه في حالة الانتباه إلى أهميته أن يتم تفعيل الحماية القبلية للطفل بشكل كامل، و هو ما نعتقد أن المشرع المغربي سعى إليه من خلال مقتضيات ظهير الكفالة رقم 1.02.172 الصادر في 13 يونيو 2002، حينما اعتبر في المادة الأولى من هذا الظهير أنه " يعتبر طفل مهملا الطفل من كلا الجنسين الذي لم يبلغ سنه 18 سنة شمسية كاملة إذا وجد في إحدى الحالات التالية:
Ø .......
Ø إذا كان أبواه منحرفين و لا يقومان بواجبهما في رعايته و توجيهه من أجل اكتساب سلوك حسن، كما في حالة سقوط الولاية الشرعية، أو كان أحد أبويه الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه عن رعايته منحرفا و لايقوم بواجبه المذكور إزاءه" [3].
و رعاية لهذه العناصر مجتمعة يمكن القول، أن بامكان الأسرة أن تصير الحصن الحصين والقاعدة التي من شأنها أن توفر الحماية الكافية للطفل عن طريق تدخلها لكفالة الأمن و الاطمئنان والدعم النفسي و العاطفي الازم، على اعتبار أنها مسؤولة عن قوة أو ضعف البنية المجتمعية العامة، مثلما هي مسؤولة عن التنشئة و التكوين [4].
لكن رغم ذلك فإن الأسرة المعاصرة على الخصوص تواجه واقعا مزريا أثر و لا زال يؤثر على وظائفها و آلياتها الحمائية في المجتمع، و من أهمها وظيفة حماية الأطفال من الوقوع ضحايا للعنف أو سوء المعاملة نتيجة لمجموعة من الاعتبارات التي أضعفت من قواها وآلياتها الحمائية؛ منها السوسيو اقتصادية، و السوسيو ثقافية، بالإضافة إلى الإعتبارات السوسيو قانونية.
ففيما يخص الاعتبارات السوسيو اقتصادية، يلاحظ بأن الوظيفة التمويلية التي من شأن رب الأسرة أن ينهض بأعبائها مررت بشكل آني في المجتمعات المتخلفة وبعض من المجتمعات المتقدمة إلى الأطفال، بسبب الفقر والعوز، مما جعلهم لقمة سائغة في أفواه المستغلين و مافيات الدعارة و البغاء أو ما يعرفون بتجار الرقيق الأبيض.
ففي دراسة أعدتها الصحفية الفرنسية Bénédicte Manier حول "عمل الأطفال في العالم" حصرت فيها أسباب عمل هذه الفئة المجتمعية و كذا صور الأعمال التي يقومون بها، فكان أن احتلا كل من الفقر [5] ضمن أسباب استغلال الأطفال، والاستغلال الجنسي وعلى رأسه السياحة الجنسية في صور استغلال والاعتداء على الأطفال المرتبة الأولى على التوالي [6].
و علاوة على ذلك، جاء آخر تقرير لهيأة اليونسيف [7] معنون ب" طفولة في الجحيم"، متوافق مع ما حصرته الدراسة السابقة من أسباب تدفع بأولياء الأطفال إلى القذف بفلذات أكبادهم إلى براثين العمالة و الخدمة المنزلية، و إلى التشرد والتسول، و إلى كل أشكال الاستغلال التي تؤدي بهم في الغالب إلى الوقوع ضحايا لاعتداءات جنسية أو بدنية تسبب لهم بالإضافة إلى التشوهات الجسمية إضطرابات سيكولوجية قد تلازمهم طوال حياتهم إن لم يتم تفعيل حقهم في التأهيل.
و في نفس السياق قدر آخر تقرير صادر عن "هيومن رايتش ووتش" أن عدد الطفلات العاملات في المغرب في صنف خادمات المنازل قد يصل إلى حوالي 60000 خادمة أغلبهن تعاني أسرهن من الفقر المدقع، يتعرضن لكل أصناف سوء المعاملة و في حرمان تام لأبسط شروط الاستفادة من أي حق من حقوق الطفل المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل [8]، في حين كان قد رصد تقرير صادر عن المندوبية الجهوية للتخطيط لمدينة الدارالبيضاء في سنة 2002 [9] أن عدد الخادمات القاصرات في مدينة الدار البيضاء و حدها يصل إلى حوالي 22940 خادمة، ينحدرن من أسر فقيرة و قروية، يعملن في ظروف لا إنسانية محط إهانات مشغليهن و مدارس جنسية أولية لمراهقي الأسرة على حسب قول ذ.أديب السلاوي [10].
الأمر الذي يؤكد بأن الفقر من أبرز العوامل السوسيوإقتصادية التي تواجه الأسرة المغربية وبالتالي تؤثر تأثيرا سلبيا على وظيفتها الحمائية لأطفالها، حيث نجد على سبيل المثال أن نسبة الأسر المغربية التي ترزح تحت عتبة الفقر تتجاوز 13.7 % في حين لا تتجاوز النسبة 34.5 % من الأسر الفقيرة أو ذات الدخل المحدود الذي لا يتجاوز حسب ( PNUD ) خمس دولارات في اليوم [11].
و إضافة إلى الاعتبار السوسيو اقتصادي المتمثل في الفقر، هناك اعتبارات سوسيو ثقافية تقوم بدور بارز في الدفع بالأسرة إلى تهميش وضعية الطفل ضحية العنف، من قبيل الأمية و سيادة بعض العادات و الأعراف التي تحط من قيمة الفرد الذي تعرض لإعتداء من قبيل تهميشه و ممارسة كل أنواع العزلة في حقه، عن طريق لومه و عتابه وفي بعض الأحيان إساءة معاملته.
فمثلا إذا تعرضت فتاة قاصر من أسرة محافظة للإغتصاب من طرف أي كان، فإن هذا الفعل الإجرامي لا ينفي عنها المسؤولية، على إعتبار الثقافة المحافظة لأسرتها التي يغلب عليها طابع التستر [12] في القضايا التي تمس الشرف من قبيل جريمة الاغتصاب، مما قد يجعل هذه الفتاة مذنبة في نظر أفراد أسرتها لأنها حسب إعتقادهم ألحقت بهم العار وبالتالي لا تستحق إلا التهميش أو الطرد، وفي الناذر ما قد ينتصب أحد من أوليائها للمطالبة بالحق المدني من المعتدي على أساس تجنب الفضيحة التي من شأنها أن تؤثر على وحدة الأسرة خاصة إذا كان المغتصب من المحارم، أو نتج عن الاغتصاب حمل ، مما قد يترك هذه الفتاة عرضة للآثار السيكولوجية للاغتصاب و التي تتلخص حسب الأستاذ الباحث عبد الرحيم عمران في "التدمير النفسي لشخصية الضحية، ولكرامتها، لحيائها و حياتها، لشرفها ومشاريعها، ولتوازنها و ثقتها بنفسها و بالآخر"، الأمر الذي يتطلب أن تحاط بما يكفي من العناية و المرافقة و الإنصات السيكولوجي و ليس التهميش و العزل.
أما فيما يتعلق بالاعتبارات السوسيو قانونية التي تؤثر على وضعية الأسرة المعاصرة والتي ينبغي تجاوزها نظرا لما تساهم به من دور في تعميق جراح الطفل المعنف، فإنها تتلخص في مجموعة من الاعتبارات منها على وجه الخصوص :
1. غياب ثقافة المساواة التي خلق الله عليها الإنسانية، حيث تعاني الأسرة واقعيا في أغلب المجتمعات المتخلفة فقدان حقيقي لمفهوم المساواة بين أفراد الأسرة الواحدة، فالغالب ما قد يفضل الذكر على الأنثى أو العكس، أو يفضل الأكبر على الأصغر أو العكس، مما يؤثر سلبا على كل إمكانيات التواصل [13] و الحوار بين نفس أفراد الأسرة الواحدة و قد يجعل كل فرد ضمنها هدف سهل المنال لكل عابث أو معتدي، حيث أنه في هذا السياق قد يتعرض الطفل للإعتداء الجنسي أو أي نوع آخر من الاعتداءات ولا يستطيع البوح بما جرى له، الشيء الذي حفز على ما يبدو بعض المختصين في السيكولوجيا الإجتماعية إلى القول بأنه إذا كان هناك تواصل قبلي بين الطفل وأسرته فإن شخصية الطفل قد تكتسب قدرا معينا من الوقاية الذاتية، و هو ما نعتقد رجاحته على اعتبار تراجع مستوى التواصل داخل الأسرة المغربية بشكل يهدد مستقبل الأجيال القادمة، حيث سجلت دراسة علمية أعدت من طرف مجموعة من الطالبات الباحثات [14] في كلية الحقوق بفاس سنة 2004 أن 60 % من الأطفال المستجوبين عن طريق الاستمارة يبوحون بمشاكلهم لأمهاتهم، في حين لا تتجاوز النسبة 25 % ممن يلجأ إلى الأب، و إذا ما قمنا بعملية جمع النسبتين و قسمتها بالتساوي على الأبوين فإنها لن تتعدى نسبة 42.5 % مما قد يشكل خطرا حقيقيا على حضور الأسرة في هموم أبنائها و مشاغلهم، و يرجع هذا الأمر بالأساس حسب ما يبدو ارتفاع نسبة العنف الأسري بين الزوجين؛
2. ارتفاع نسبة العنف الأسري بين الزوجين أدى بالضرورة إلى تصاعد نسبة الطلاق وبالتالي تشرد الأطفال و تعريضهم لكل أنواع الإساءة والاستغلال، حيث أنه في هذا السياق تقدر الإحصائيات غير الرسمية أن حوالي 62 % من الأطفال ضحايا الطلاق مشردين و أن عددهم الإجمالي يتجاوز 50 ألف طفل سنويا [15] خاصة و أن وتيرة الطلاق في المغرب شهدت صعودا ملحوظا في السنوات التي سبقت التعديل الجوهري لمدونة الأسرة بالمقارنة مع السنتين اللتين تلتا التعديل، حيث رصدت وزارة العدل أن نسبة الطلاق تراجعت شيئا ما بدءا من دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق في الخامس من فبراير 2004 فجاء مجموع حالات الطلاق على الشكل التالي [16]:
السنوات 2000 2001 2002 2003 2004/2005
مجموع حالات الطلاق 38438 37593 41450 44922 26914
و يلاحظ من خلال هذا الجدول أن نزيف التفكك الأسري استشرى بشكل خطير في جسم الأسرة المغربية إلى درجة اتخذ فيه منحى تصاعدي في السنوات التي سبقت تعديل مدونة الأسرة ليس بعد دخول الألفية الثالثة و إنما قبلها على ما يبدو حيث سجلت سنة 1999، 42069 حالة طلاق و في سنة 1998، 50763 حالة [17]، لكن بعد تطبيق مدونة الأسرة عرف هذا المنحى اتجاه تنازلي بنسبة 40.09 % [18] .
لكن ما يهمنا على هذا المستوى ليس العدد بالقدر الذي يهمنا فيه مدى تأثير الطلاق كصورة رسمية من الصور المتعددة للتفكك العائلي على تأزيم وضعية الطفل ضحية العنف؟
جوابا على هذا السؤال، يؤكد الأستاذ أحمد أوزي أنه من الصعب الحديث عن مدى تأثير أو عدم تأثير الطلاق على الأبناء، حيث قد يختلف هذا التأثير من طفل إلى آخر بحسب اختلاف شخصية كل واحد و سنه لحظة الطلاق والطريقة التي تمت بها معالجة وضعيتهم خلال إتمام إجراءاته. لكن بصفة عامة فأطفال الطلاق سواء كانوا ضحايا لاعتداء إجرامي أو لم يكونوا كذلك فإنهم لحظة الطلاق يفتقدون للإهتمام و الرعاية الكافية من أبويهم، فضلا عن كون الطلاق في حد ذاته يعتبر صدمة قوية لهم الشيء الذي يضعف من وضعيتهم و قوة مناعتهم الاجتماعية [19].
و في كل الأحوال، و نظرا لما عايناه من واقع إقتصادي و ثقافي و قانوني تعيشه الأسرة المعاصرة و الاكراهات و الضغوطات الممارسة على الأسرة المغربية التي أدرجناها هنا كنموذج للأسر المعاصرة، فإنه من الراجح أن تتأزم وضعية الطفل ضحية العنف إن لم نقل أن هذه الوضعية قد تكون نتاج الواقع الذي تعيشه أسرته.
لكن بالرغم من ذلك، فإن لكل مجتمع معينه و مصدره الذي يستنبط منه آليات الحماية والعلاج لإصلاح مؤسساته الإجتماعية و استنهاض همتها من أجل أن تقوم بدورها الإجتماعي في التنشئة والإدماج الإجتماعي لأفرادها سواء من كان ضحية للعنف أو لم يكن كذلك.
و في هذا السياق تدخل على ما يبدو مبادرة المشرع المغربي من تعديل مدونة الأسرة التي جاءت بمجموعة من المكتسبات للأسرة المغربية على الخصوص بناء على ما تضمنه أصالتها الإسلامية و القيم الإنسانية الكونية، الشيء الذي من الممكن أن يبوئها دورا رياديا في حماية المصلحة الفضلى للطفل، و بالتالي استعادتها لدورها الإدماجي للأطفال في وضعية صعبة و بالأخص الأطفال ضحايا العنف.
الفقرة الثانية :

 دور الأسرة في عملية الإدماج الاجتماعي للطفل الضحية.

إن تفعيل تدبير إيداع الطفل ضحية العنف لدى شخص جدير بالثقة قبل صدور الحكم النهائي في حق من اعتدى عليه [20]، لا يمكن أن يتجاوز على ما يبدو أقارب هذا الطفل إلا في الحالات التي يكون فيها نفسه القريب مصدر الاعتداء.
و نعلم أن صفة القرابة لا يمكن أن تخرج عن محيط أسرة الطفل ضحية العنف، على اعتبار أنه لا يمكن لأي شخص خارج هذه الصفة أن يكون جدير بالثقة لرعاية و إدماج هذا الطفل، إلا في حالة ما إذا كان كذلك هذا الشخص كافلا له طبقا لمقتضيات الكفالة المنصوص عليها و على شروطها في قانون 13يونيو2002 وأهل لرعاية الطفل و السهر على إعادة إدماجه في بوتقة النسيج المجتمعي.
و بذلك، فإنه بناء على الفقرة الأولى من المادة 510 من (ق.م.ج.م)، فإن دور أسرة الطفل ضحية العنف في عملية الإدماج الاجتماعي دور محوري و أساسي ينهض على أساس ما لها من آليات التنشئة الاجتماعية والإحتواء الاجتماعي لكل أفرادها، على اعتبار أن التنشئة الاجتماعية حسب روشي Guy Rochih "هي الصيرورة التي يكتسب الشخص عن طريقها و يستنبط طوال حياته العناصر الاجتماعية الثقافية السائدة في محيطه و يدخلها في بناء شخصيته، وذلك بتأثير من التجارب و العوامل الاجتماعية ذات الدلالة والمعنى، ليستطيع أن يتكيف مع البيئة الاجتماعية، حيث ينبغي عليه أن يعيش " [21]، وت ضطلع السنوات الأولى من عمر الطفل ب دور مركزي في هذه التنشئة .
إذ كلما نمى الطفل إلا واكتسب أنماطا جديدة من السلوك و القيم، فتنم و شخصيته مع ثقافة المحيط الذي يعيش فيه ، إذ بدمج قيمه ورموزه يساهم في بناء شخصيته ، و بالتالي تحقيق تكيفه مع بنية هذا المحيط بإعتبار الأسرة الإطار الاجتماعي الذي يساعد على التعرف على المحيط الاجتماعي، وهي الوسط الذي يتكفل بتزويد الحدث بعناصر التنشئة و التكوين و الأمان و هي عناصر بعضها وجداني ، وبعضها عقلي ، وبعضها سلوكي ، لا بد من تفاعلها جميعها لتحقيق النضج [22] ، و لهدا الغرض فقد أوكل المجتمع مهمة الإشراف عليها إلى الوالدين، على أساس أنها المهمة التي تبدأ بولادة الطفل في كنف أسرة معينة تكون بمثابة المجتمع الأول الذي يتعين عليه أن يتكيف معه و يكتسب منه أولى المؤثرات التي تتدخل في تشكيل حياته وتهذيب سلوكه و إدماجه في الحياة الاجتماعية [23].
و بدلك يبرز دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية كدور أساسي و محوري في توجيه ومساعدة الحدث ضحية العنف على الاندماج الاجتماعي بناء على ما تتوفر عليه من أساليب التلقين التربوي التي يجب أن تكون متلائمة مع متطلبات هدا الطفل الاجتماعية.
فعلى سبيل المثال الطفل الذي يصير ضحية لاعتداء جنسي يبرز بوضوح جهله لأبرز مباديء التربية الجنسية و طريقة حماية جسده و شرفه من الانتهاك الغريزي غير المشروع، لأجل ذلك يكون من الضروري حسب الأستاذ عبد الرحيم عمران أن يتم التركيز على مبادىء التربية الجنسية في بعدها الاجتماعي وليس في بعدها الحيواني الغريزي [24].
فالتربية الجنسية لا تعني بالضرورة الجنس، و إنما هي تلك التربية التي تجعلنا نستحضر أن هناك جنسين ذكر و أنثى يتواصلان و يتفاعلان داخل العلاقات الأسرية والحياة المدرسية، و الحياة المهنية و المجتمعية بشخصية وبهوية نوعية متميزة و متكاملة. فهي تقتضي أن كلا من الذكر والأنثى يمتلك، وخلال صيرورة حياته الأسرية و التعليمية والمجتمعية ومنذ الطفولة المبكرة، معرفة بالذات و الهوية تمكنه من امتلاك هوية جنسية بمواصفات الثقة والمسؤولية و الاحترام المتبادل.
لأجل ذلك، نعتقد أنه مادامت مبادىء التربية الجنسية تقوم على أساس تفعيل آليات الاحترام الذاتي بالنسبة للطفل عن طريق تمليكه لكفاءة نوعية بمكونات شخصيته البيولوجية و الجسمية و المجتمعية، وليس كما هو عليه الحال في الغرب من تلقين مبادىء الحرية الجنسية و إطلاق العنان للغرائز في كل ما هو جنسي، فإنه يتوافق على ما يبدو مع أسس التربية الجنسية الإسلامية التي يقسمها الفقهاء [25] إلى أربعة مراحل لكل مرحلة محطة من محطات التأدب الجنسي على الشكل التالي:
Ø المرحلة الأولى : تبدأ من 7 إلى 10 سنوات تسمى بسن التمييز يلقن فيها الولد آداب الاستئذان و آداب النظر؛
Ø المرحلة الثانية : تبدأ ما بين 10 إلى 14 سنة، و تسمى بسن المراهقة يجنب فيها الولد كل الإستثارات الجنسية، و يِؤكد أغلب الخبراء العاملون في مجال حماية الطفولة من الإستغلال الجنسي التجاري أن هذه المرحلة تشكل أفضل مناسبة بالنسبة للمتحرشين جنسيا بالأطفال، حيث تقدر الإحصائيات أن ما لايقل عن 60 % من الأطفال ضحايا الإستغلال الجنسي التجاري يتجاوز سنهم 10 سنوات [26] ؛
Ø المرحلة الثالثة : تبدأ هذه المرحلة من 14 إلى 16 سنة و تسمى بالبلوغ يلقن فيها الولد أو البنت آداب الإتصال الجنسي إذا كان مهيئا للزواج، وإلا آداب الاستعفاف؛
Ø المرحلة الرابعة : تنطلق هذه المرحلة بعد البلوغ مباشرة و تسمى بمرحلة سن الشباب، ينصح فيها الشاب بالتمسك بآداب الاستعفاف إذا كان لا يقدر على الزواج، مصداقا لقوله تعالى: " وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله" [27].
و بصفة عامة، يمكن القول بأن السبيل لإعادة إدماج الطفل ضحية العنف في النسيج المجتمعي، هو حتمية قيام الأسرة بدورها الاجتماعي في عملية تصحيح مفاهيم التنشئة الاجتماعية لديها و كذا لطفلها بما يتوافق مع حاجيات ومتطلبات العصر، مما قد يخوله التمكن من آليات الحماية الذاتية و إحترام الآخر.
لذلك، نعتقد أنه لو كان المتهم في قضية تارودانت، المعروف بسفاح تارودانت الذي أقدم على إغتصاب أكثر من سبعة أطفال و قتلهم بهدوء تام، وجد أسرة تعيد له ما افتقده اثر وقوعه ضحية لاغتصاب جماعي من طرف أربعة عشرة شخصا، و هو لا زال لم يتجاوز الرابعة عشر ربيعا [28]، لما تم إعادة نفس السيناريو الاجرامي الذي كان ضحية له بنفس الطريقة والأسلوب، الشيء الذي يؤكد حسب الأخصائية النفسية غيثة الخياط [29] أن عدم الإهتمام الطبي والاجتماعي بالأطفال ضحايا الإستغلال بكافة أشكاله يجعلنا في دوامة تكرر نفسها كل حين بنفس الأسلوب و تهدد مستقبل أطفالنا و من تم تؤدي إلى تفاقم الظواهر الإجتماعية بشكل مخيف.
و في الأخير، يمكن القول بأنه رغم ما قد تعيشه الأسرة المغربية من أزمات داخلية سببها الرئيس الفقر، الأمية، العنف الزوجي، التفكك الأسري، بالإضافة إلى تجاهل المشرع الجنائي المغربي لدورها بشكل بارز حينما نص على التدابير الحمائية لصالح الحدث ضحية الجناية و الجنحة [30]، فإن دورها أساسي في البناء المجتمعي لكونها مؤسسة الأمن الإجتماعي التي بإمكانها أن تسهر على توفير حاجيات أفرادها في الحماية والإدماج في بوثقة النسيج المجتمعي، بناء على ما تتوفر عليه من آليات التنشئة الإجتماعية، على أنه لايمكن على هذا المستوى تفريد دورها في الإدماج عن بعض المؤسسات الاجتماعية بطبيعتها من قبيل المؤسسة المدرسية.
________________________________________
[1] - د.مصطفى حجازي : تقديم كتاب ذ.أحمد أوزي "الطفل والعلاقات الأسرية"، مرجع سابق، ص:4.
[2] - استجاب بعض المشرعين الغربيين لمطالب الشواذ جنسيا، تحت ضغط بعض مجالس التكتلات الإقليمية من قبيل توصية البرلمان الأوربي في اجتماع 8 فبراير 1994، التي طلب فيها من الدول الأعضاء ضمان حقوق المتعاشرين مثليا في الضمان الاجتماعي الميراث، السكن، التبني، و هو ما كانت قد استجابت إليه أغلب الدول الأروبية بالتتابع، بدءا من ألمانيا التي أقرت بالمعاشرة الجنسية المثلية سنة 1989، و تبعتها سنة 1993، ثم السويد سنة 1994، إسلاندا سنة 1996، وهولندا سنة 1997، فبلجيكا سنة 1998،=========== ==== لحقتهم فرنسا في سنة 1998 بمقتضى قانون "الميثاق المدني للتضامن"الذي منذ دخوله حيز التطبيق إلى سنة 2000 تم تسجيل 27944 ميثاقا، أنظر مرجع ذ.محمد الشافعي : "الأسرة في فرنسا : دراسات قانونية و حالات شاذة"، مرجع سابق، ص:131.
[3] - ظهير شريف 1.02.172 صادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو 2002) يتعلق بتنفيذ القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين، الجريدة الرسمية عدد 5031- 10 جمادى الآخر 1423 ( 19 أغسطس 2002)، ص: 2362.
[4] - د أحمد أوزي : "الطفل و العلاقات الأسرية"، مرجع سابق، ص47.
[5] -B.Manier : « Le travail des enfants dans le monde », op cit, p :32.
[6] -B.Manieer : ibid, P28.
[7] - Unicef : « la situation des enfants dans le monde 2005 : l'enfance en péril » 1 er édition, New York, 2005.
[8] - هيومن رايتش ووتش:"خادمات البيوت في المغرب"، برنامج رهانات المجتمع، القناة المغربية الثانية، 16/01/2006.
[9] - Délégation Régionale de la prévision économique et du plan : « Enquete statistique sur les filles-domestiques agées de moins de 18 ans dans la wilaya de casablanca », CASABLANCA, 07/06/2002. p :6.
[10] - ذ.محمد أديب السلاوي:"أطفال الفقر"، مطبعة المعارف الجديدة ، الطبعة الأولى ، الرباط، 2000، ص:104.
[11] - PNUD : « Le Rapport mondial annuel sur le développement humain 2004 », op cit, P :24.
[12] - ذ.عبد الرحيم عمران:" الثقافة الأبيسية السائدة و مواقف غض الطرف عن جرائم الاغتصاب"، مقال غير منشور، سلم لي شخصيا من طرف الأستاذ يوم 06/01/2006.
[13] - للتوسع في هذا الموضوع يرجى الرجوع إلى موضوع "إشكالية التواصل بالنسبة للطفل"، عرض من إنجاز مجموعة من الطالبات في مادة القانون الوطني للطفل للسنة الأولى من السلك الثالث، وحدة الأسرة والطفولة، شعبة القانون الخاص، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2003/2004.
[14] - نبيلة بوشفرة، جميلة بوعسري و أديبة بواضيل: "إشكالية التواصل بالنسبة للطفل"، مرجع سايق،ص11.
[15] - فنن العفاني: "حول ظاهرة طرد الأطفال و النساء من بيت الزوجية"، بيان اليوم، عدد 2347، الثلاثاء 10 مارس 1998، ص:3.
[16] - إحصائيات صادرة عن وزارة العدل، مجلة قضاء الأسرة المتخصصة، العدد الأول يوليوز 2005، ص: 125.
[17] - إحصائيات صادرة عن وزارة العدل، نفس المرجع، ص: 125.
[18] - تقرير وزير العدل حول مرور سنة على تطبيق مدونة الأسرة، مجلة قضاء الأسرة المتخصصة، العدد الأول، يوليوز 2005، ص 126.
[19] - د.أحمد أزي: "الطفل والعلاقات الأسرية"، مرجع سابق، ص:130.
[20] - المادة 510 من (ق.م.ج.م).
[21] - هند البشريوي:" قراءة في كتاب : الطفل المغربي و أساليب التنشئة الإجتماعية بين الحداثة و التقليد لمحمد مصطفى القباج"، كلية علوم التربية،الرباط http://www.geocities.com/imanour_1/makala2.html?%20??? .
[22] - هند البشريوي: :" قراءة في كتاب : الطفل المغربي و أساليب التنشئة الإجتماعية بين الحداثة و التقليد لمحمد مصطفى القباج"، نفس المرجع.
[23] - ألفت حقي : "ثقافة الطفل"، عالم الفكر ، خاص عن الطفولة، مجلد 10، العدد3، دسمبر 1979، مطبعة حكومة الكويت، ص:68.
[24] - ذ. عبد الرحيم عمران:"سيكولوجية جريمة الاغتصاب"، مرجع سابق، ص:3.
[25] - د. عبد الله صالح علوان: "تربية الأولاد في الإسلام "، المجلد الثاني، دار الإسلام للطباعة و النشر و التوزيع، الطبعة الحادية و الثلاثون، مصر 1418ه/1997م، ص:387.
[26] - جون كار: "صور من الإساءات و الإعتداءات الجنسية على الأطفال : استخدام الأطفال في الأعمال الإباحية"، ورقة مرجعية قدمت في الملتقى العربي الإفريقي ضد الاستغلال الجنسي للأطفال، الرباط من 24 إلى 26 أكتوبر2001، ص:4 و 5.
[27] - سورة النور، الآية 33.
[28] - Ahmed Ait Taleb : « L'enfer de Taroudant : Au début, c'etait un homme abusé sexuellement », Police magazine, N°1, Février 2005, P : 37.
[29] - Ghita El Khayat : « La pédophilie et les crimes sur enfants et mineurs : cas de Abdelali HADI », Police magazine, N°1, Février 2005, P : 42.
[30] - المادتين 510 و 511 من قانون المسطرة الجنائية المغربية الجديدة.



المطلب الثاني :

المدرسة و عملية إدماج الطفل ضحية العنف .

أمام تزايد الضغوطات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية و القانونية على الأسرة المعاصرة، يكون من الضروري الحديث عن المدرسة كمؤسسة من المؤسسات الاجتماعية التي بإمكانها أن تساعد الخلية الاجتماعية الأولى على رعاية الطفل ضحية العنف ومرافقته اجتماعيا، حتى يندمج في البنية الاجتماعية بشكل لا يهدد السلم الاجتماعي مرة أخرى.
فالمدرسة تلك المؤسسة الاجتماعية المخصصة قانونا واجتماعيا و تربويا لتلقي العلم والمعرفة و لنقل الثقافة من جيل إلى آخر، تتمم ما تبدؤه الأسرة في مجال التنشئة و التربية، وتشكل حلقة ربط بين الأسرة و المجتمع العام بناء على ما لها من دور هام في تحقيق التدرج التربوي في النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي [1].
لكن رغم ذلك فقد همش دور المدرسة بشكل بارز في تفعيل وظيفة الإدماج الاجتماعي للأطفال ضحايا العنف (الفقرة الأولى)، رغم الإمكانيات التي تتوفر عليها في مجال رعاية الأطفال عموما (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :

 تهميش دور المدرسة في إدماج الطفل ضحية العنف.

رغم الوعي المجتمعي و التشريعي بالدور الأساسي الذي تقوم به المدرسة كمؤسسة اجتماعية تربوية في تلقين الأطفال مختلف مبادىء المعرفة و العلوم، وكآلية مساعدة للأسرة على تنشئة هؤلاء الأطفال تنشئة اجتماعية معاصرة، فإن دورها هذا أصبح مهددا بالزوال إن لم يكن حقيقة مهمش نظرا لمجموعة من العوامل و الأسباب التي ترتبط واقعيا بوضعية الطفولة عموما و الأطفال ضحايا العنف على وجه الخصوص.
فعوض أن تكون المدرسة الوسط التربوي الهادىء للطفل، الذي يمكنه من آليات التفكير الفعال و الفعل السليم، أصبحت تبدو و كأنها قلعة للصراعات والاستغلالات غير المشروعة للأطفال، من قبيل تفشي ظاهرة العنف المدرسي تحت غطاء المفهوم التربوي، وظاهرة الاستغلال الجنسي في حضور باهت للمشرع الجنائي المغربي.
لذلك، فالحديث عن ظاهرة العنف التربوي كالضرب و الشتم والسب وكل أشكال الإهانة رغم أن المشرع الجنائي المغربي قد جرمه و إن كان بصيغة مطلقة و غير مخصصة طبقا لمقتضيات القانون الجنائي المغربي [2] الصادر سنة 1960 و المعدل في بعض فصوله المتعلقة بالمرأة والطفل و بالأخص الفصل 408 [3] الذي ينص على عقوبة من جرح أو ضرب طفلا دون 15 سنة أو حرمه من تغذية أو عناية أو ارتكب ضده نوع آخر من العنف والإيذاء، فإنه لم يستطع أن يثني بعض منتسبي الهيأة التعليمية من اللجوء إلى العنف كأسلوب للتربية والتلقين العلمي.
حيث تقدر الإحصائيات غير الرسمية في هذا الصدد أن ما لا يقل عن 72 % من الأطفال المتمدرسين يتعرضون لكافة أشكال العنف المدرسي و الإهانة أمام الزملاء مما قد يدفعهم في مرحلة مبكرة إلى التسرب و الهروب من الفصول الدراسية ليرافقوا المتشردين والمدمنين لكافة أنواع التخدير والمخدرات، مما قد يجعلهم أولا هدفا سهلا للمتحرشين جنسيا بالأطفال و ثانيا يفقد المدرسة دورها التربوي الإحتوائي للتلاميذ، و مصداقيتها الاجتماعية في التنشئة.
فأغلب أطفال الشوارع على ما يبدو فارين من المدرسة على أساس مجموعة من العوامل تضاف إلى الفقر و التفكك الأسري و هي على وجه الخصوص، العنف المدرسي أو ما صار يعرف بالعنف التربوي الذي يجد ذاته في الصفع و الإهانة والطرد من الفصل و حتى العقوبة المهينة من قبيل الضرب على الأقدام والمؤخرة [4] .
و ليس بخاف ما يتعرض له التلاميذ على هذا المستوى على أغلب أولياء الأمور الذين في الغالب ما يشجعون المدرس على التمادى في العقاب البدني وحتى المعنوي [5] على الرغم من أن هذه السلوكات من جهة لا تخفى على الأطر التربوية و على مجموع الأسرة التعليمية مدى خطورتها وضررها على النمو العقلي و النفسي للأطفال و على الاستقرار الاجتماعي ومردودية المدرسين [6]، و من جهة أخرى لا يخفى تجريمها بمقتضى نصوص قانونية عامة كما مر، وكذا بنصوص خاصة، من قبيل المذكرات الصادرة عن الوزارة الوصية، و خاصة المذكرة رقم 99/06 [7] المتعلقة بمنع العقاب بالمؤسسات التعليمية بناء على ما ألزمت به المادة 19 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الدول الموقعة عليها من اتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية و التعليمية لحماية الطفل من كافة أشكال العنف.
و في نفس الإطار إذا كان العنف التربوي السبيل الوحيد الذي يواجه به الطفل المتمدرس غير المواضب و المنضبط تربويا، فإنه تحت ستار مكافأة التلاميذ المجدون والمجتهدون تمارس أبشع الاعتداءات و الاستغلالات الجنسية لبراعم وأطفال لا يميزون في الغالب بين الفعل المسيء و غير المسيء نظرا لبراءة سريرتهم و عفة مخيلتهم.
ففي قضية عرضت على أنظار المحكمة الابتدائية بالصويرة بتاريخ 06/12/2000 "إعترف فيها المعلم الذي كان متابعا بجريمة هتك عرض قاصر بدون عنف ممن له سلطة عليها بأنه يقوم بتقبيل التلميذات في فمهن عند إجابتهن الصحيحة لأنهن يفرحنه"، و في نفس السياق أصدرت قبل ذلك محكمة الجنايات بالدار البيضاء قرارا بتاريخ 19 نونبر 1999 في حق معلم بتهمة هتك عرض تلميذات قاصرات حينما اعترف "بأنه كان يقوم بتقبيل التلميذات قبلات حارة قصد كسبهن و تشجيعهن في الدراسة" [8].
و لم يقتصر صدور هذه الاعتداءات من طرف المعلمين فقط بل شملت أعلى الهرم التربوي في المدرسة "المدير" و سفح الهرم "الحارس"، ففي قضيتين متفرقتين، تعرف الأولى بقضية فتيات تانزولين استغل مدير مدرسة ابتدائية موقعه الاجتماعي التربوي للعبث بجسد حوالي 117 تلميذة دون أن ينال عقابه الجنائي نظرا لتنازل أولياء الضحايا وتغيير أقوالهم على اعتبار العوامل الثقافية المحافظة في المنطقة [9]. أما في القضية الثانية و التي أسست على إثرها جمعية مدنية تسمى بجمعية "ما تقيش و لدي" تتلخص أهم حيثياتها في أنه بتاريخ 28 مارس 2003 اكتشفت أم الطفل المسمى أيوب بعد عودته من الروض مادة جنسية سائلة بثبانه تبين بعد إجراء تحليل طبي أنها لشخص حارس الروض، حينما صرح الطفل بعد تردد بأن حارس الروض كان يقوم بمداعبته و يهتك عرضه بإستمرار، فقضت محكمة الاستئناف بالرباط سنة 2003 بحبس المتهم لسنتين نافذة و غرامة مالية قدرها 10 آلاف درهم، إلا أن غرفة الجنايات لدى نفس المحكمة رفعت العقوبة لخمسة سنوات سجنا نافذة والغرامة المالية إلى 30 ألف درهم [10].
و علاوة على ما سبق، و لأجل فهم طبيعة الاعتداءات التي يتعرض إليها الأطفال داخل المدرسة و التي أثرت بشكل ملحوظ على دورها الاجتماعي المتمثل في الإدماج الاجتماعي لروادها، فإنه يجب الوقوف على الأسباب التي تدفع ببعض المربين إلى سلوك هذه الاعتداءات بحق تلامذتهم، ففي دراسة أعدت تحت عنوان " العنف التربوي في البيت والمدرسة: أية حماية قانونية للطفل؟" [11] لخصت أسباب ممارسة المعلم لصور العنف داخل المدرسة في عاملين اثنين، أحدهما شخصي و الثاني مهني.
ففيما يتعلق بالعامل الشخصي فإنه ارتكز أولا على مؤشر السن الذي في الغالب ما قد يجعل المعلم في تباعد مستمر عن تلامذته و عن فهم مشاكلهم خاصة إذا كان من كبار السن الميالون للتعالي و السمو و الغلظة في التعامل الأمر الذي ينافي على ما يبدو القول المأثور " علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف ".
كما ارتكز هذا العامل على مؤشر الحالة الاجتماعية هل المعلم متزوج أم عازب على اعتبار أن بعض القضايا الجنائية أثيرت فيها الحالة العائلية و كانت الدافع لقيام الفاعل بفعله الجنائي، حيث أنه في هذا الإطار أصدرت غرفة الجنايات بتطوان قرارا في قضية معلم بتهمة هتك عرض قاصرات بدون عنف بالسجن لثلاث سنوات على أساس أن المتهم كان قد اعترف أنه يعاني من الكبت والحرمان الجنسي بسبب طلاقه من زوجته مما جعله يفرغ مكبوتاته الجنسية في تلميذات القسم وهتك عرضهن، و أنه يشعر بعد ذلك بندم كبير و تأنيب الضمير [12].
أما فيما يتعلق بالإعتبار المهني فإنه لخص في مؤشر متعلق بمؤهلات المعلم ومؤشر ثاني متعلق بشروط العمل الواقعية، و يبدو أن المؤشرين معا مرتبطين ببعضهما البعض بشكل وثيق حيث أن ضعف كفاءة المعلم تدفعه في الغالب إلى التعصب و تفجير غضبه على التلاميذ، وقد يعقد من هذا الوضع ضعف الآليات والتجهيزات المسخرة لمساعدة هذا المعلم في عملية التدريس، لأجل ذلك و انتباها لهذه الوضعية بالذات من طرف الجهة الوصية على مرفق المدرسة بادرت إلى تفعيل برنامج الكفايات بالنسبة للهيأة التعليمية بما يتوافق ومتطلبات التربية النموذجية والتنشئة الاجتماعية الفعالة [13].
و على العموم، فإن ما يجب قوله إذا كانت المدرسة مؤسسة اجتماعية مساعدة للأسرة فإنه من الضروري أن تسهر على تفعيل دورها الاجتماعي في المواقع التي يحتاج فيها أفراد هذه الأسرة لرعاية مزدوجة، من قبيل حاجيات الطفل ضحية العنف للإدماج الاجتماعي، و كذا حاجته للتربية والتكوين، الشيء الذي لا تنهض به كما يرام، نظرا لصيرورتها مصدرا للمشاكل و الاعتداءات البدنية و الجنسية.
لكن أمام هذا الواقع بادرت الجهة الوصية على المؤسسة التعليمية و إيمانا منها على ما يبدو بالإمكانيات الاجتماعية التي تتوفر عليها هذه المؤسسة للقيام بدور طلائعي في الرقي بحقوق الطفل عموما و حق الطفل ضحية العنف في التأهيل الاجتماعي، إلى بدل مجموعة من المجهودات البيداغوجية و كذا السيكولوجية للرفع من أداء الهيأة التعليمية عموما.
الفقرة الثانية:

إمكانيات المدرسة في إدماج الطفل ضحية العنف .

تعاني المدرسة المغربية عموما من مجموعة من الإكراهات المادية و البشرية، لكنها مع ذلك تتوفر على بعض القدرات و الامكانيات الاجتماعية و التربوية و التعليمية، فهي كمؤسسة اجتماعية تربوية تملك من الإمكانيات و الطاقات الفكرية والبشرية ما لا تستطيع الأسرة تملكه بمفردها [14]، و من الآليات ما تمكن الطفل المتمدرس من استيعاب واقع و ظروف محيطه الاجتماعي بشكل يحول دون تعرضه لأي اعتداء من جهة، و تمكن الطفل الذي اعتدي عليه من آليات الاندماج الاجتماعي وتجاوز محنة ما تعرض له من جهة أخرى.
و بذلك تبدو المدرسة الشريك الفعال للأسرة عموما بدل اعتبارها المساعد الاجتماعي في عملية الإدماج الاجتماعي للطفل ضحية العنف، على اعتبار أن وقوع الطفل في شراك الجريمة، سواء كان ضحية أو جانحا، قد يبعد عن المدرسة لمدة معينة لذلك يتعين على الإدارة التربوية حسب بعض منتسبي الهيأة التعليمية [15] بدءا من المدير، إداريي المدرسة، مدرسين و أساتذة، مراعاة الوضعية الخاصة لهذا الطفل و تجنب إعطاء النماذج به لزملائه و احترام خصوصياته، خاصة أن مواصلته للدراسة تعتبر من بين الأمور الضرورية لتسهيل إدماجه في المجتمع بشكل سليم.
و لأجل ذلك سهرت الجهة الوصية على المؤسسة التعليمية برمتها منذ صدور الميثاق الوطني للتربية و التكوين في نونبر 1999 على تفعيل برامج بيداغوجية تعتمد على معيار الكفايات و تخليق المؤسسة التربوية و نبذ كل أشكال العنف و الاستغلال الممارسة بحق بعض الأطفال المتمدرسين، ومن أجل إعطاء حضور فعال و نموذج يحتدى للمدرسة في نبذ كل أشكال الإساءة التي يتعرض لها الأطفال على الصعيد الوطني و من تم تفعيل التوصيات الدولية في هذا الباب، و تفادي ما تعانيه المدرسة المغربية عموما من عدم التناسب بين المنتوج الدراسي و المتطلبات المجتمعية [16]، وتجاوز المقاربة الكمية التي تعتمد على إيجاد مقعد للدراسة إلى المقاربة الكيفية التي تقوم على أساس أن حق الطفل في المدرسة هو أن يجد المكان الضروري لبناء عقل فعال و ضمير أخلاقي حي [17] لا أن يحشر في عدد معين ويلقى تربية تقوم على العنف النظري و التطبيقي من قبل أسمى مربيه [18].
و في هذا السياق، قامت وزارة التربية الوطنية بإصدار مجموعة من المذكرات الوزارية لأجل تذكير الهيأة التربوية بمسؤولياتها تجاه ظاهرة العنف الممارس بحق الأطفال المتمدرسين و العمل على التحسيس بخطورته و آثاره السلبية نفسيا و تربويا وأخلاقيا على التلاميذ و المربين على السواء [19].
كما قامت الوزارة بإدماج مجموعة من القيم والمبادىء المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل و مدونة الأسرة في بعض البرامج البيداغوجية و كذا التكوينية، من أجل أولا تحسيس فئة الأطفال عموما بالحقوق المكفولة لهم دوليا و وطنيا من قبيل الحق في التعليم و الحق في التعبير و الحق في الأسرة و الحق في الحماية من سوء المعاملة و الحق في تأهيل الطفل ضحية سوء المعاملة و ما إلى ذلك من الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ، وثانيا بتبسيط المبادىء الإنسانية التي تقوم عليها كل من الوثيقة الدولية و كذا مدونة الأسرة و إدماجها في البرامج البيداغوجية من قبيل مثلا مبدأ المساواة بين الذكر والأنثى داخل نفس الأسرة، ثم مبدأ التضامن بينهما، مبدأ الكرامة والمسؤولية، مبدأ العدل و الإحترام بين الرجل و المرأة و الطفل.
و ثالثا تهدف هذه الإجراءات إلى تأكيد ضرورة الأسرة كخلية أولى في بناء النسيج المجتمعي، و كوسط إنساني يحقق الإشباع الذاتي للأفراد من خلال مساهمتهم في الحفاظ على مقوماتها الأمنية و الحمائية عن طريق ابتكار مواد تربوية جديدة من قبيل مادة التربية الأسرية و كذا مادة التربية على المواطنة و حقوق الإنسان [20]، المادتين اللتين تهدفان إلى :
1. نشر الوعي بالقضايا المتعلقة بالحياة الأسرية و الاجتماعية لدى الطفل المتعلم؛
2. معرفة دور الأسرة في خلق الطمأنينة و الأمن و الرعاية الشاملة مما يسهم في تهيئة جو من الصحة النفسية السليمة للطفل و يخلق منه إنسانا متزنا و مستقرا و شاعرا بالإنتماء الأسري؛
3. الوعي بدور الأسرة كدعامة أساسية في البناء الاجتماعي و كوسط يحقق للفرد الإشباع الطبيعي و الاجتماعي [21].
أما في مجال التكوين فقد قامت وزارة التربية الوطنية بمجموعة من المجهودات لأجل دعم الكفايات التربوية لدى أطر الهيأة التعليمية عن طريق، أولا إيلاء العناية الكاملة للتعبئة الاجتماعية في المحيط المدرسي و تكوين المدرسين في مجال التواصل مع الساكنة، وطريقة تشخيص أوضاع التمدرس و الظروف الاجتماعية المحيطة بالطفل المتمدرس، ووضع خطة عمل للتدخل الاجتماعي إرتباطا مع جمعية آباء و أولياء التلاميذ، أو عن طريق ربط شراكات مع هيئات المجتمع المدني المهتم بوضعية الطفولة [22]. و ثانيا بناء على ما نصت عليه المادة 149 من الميثاق الوطني للتربية و التكوين من ضرورة تكثيف التكوين المستمر والتأهيل في مجال تدبير المؤسسات التعليمية بما يتوافق و حاجيات التلاميذ تم إعداد برنامج تربوي سمي ب"التدبير بالنتائج" مكون من أربع مصوغات من أجل تحسين التدبير في ميدان التربية عن طريق ربط شراكات تربوية مع الأسرة، المجتمع المدني و مع القطاع الخاص و العام [23].
كما تهدف مجهودات وزارة التربية الوطنية ثالثا إلى نشر ثقافة الإنصاف و العدل في الفضاء المدرسي عن طريق تأسيس ما يعرف بمجلس تدبير المؤسسة في حالة ما إذا ثبتت خروقات قانونية أو اعتداءات إجرامية على تلميذ من طرف أحد أعضاء الهيأة التربوية العاملة بنفس المؤسسة، ليتم إبلاغ نيابة التعليم بالواقعة و حيثياتها التي تكون ملزمة بإرسال لجنة تحقيق تتكون من المفتش الإقليمي كرئيس لها، ومفتش المواد كعضو و ممثل عن القسم التربوي في النيابة التعليمية كعضو كذلك [24]، لتقوم بإعداد تقرير شامل عما وقع و ترفعه إلى المندوب الإقليمي لوزارة التربية والتكوين، وهو التقرير الذي يمكن بمقتضاه تحريك المتابعة في حق المتهم بناء على مقتضيات المسؤولية الجنائية [25] و كذا المسؤولية المدنية [26]، بالإضافة إلى المسؤولية الإدارية [27].
و عموما، يلاحظ بشكل بارز مدى المجهودات المبذولة من طرف وزارة التربية الوطنية من أجل الرفع من مردودية المؤسسة التعليمية بشكل أساسي و كذا من أجل تفعيل الإمكانيات الاجتماعية التي تتوفر عليها المدرسة كمؤسسة اجتماعية و شريك أساسي للأسرة في التنشئة الاجتماعية للأطفال عموما و الأطفال ضحايا العنف على وجه الخصوص.
لكن بالرغم ذلك، فالواقع التربوي الذي لازال يعيشه التلميذ يظهر بجلاء أن ثقافة العنف لا زالت سائدة في الأوساط التربوية مما يشكل خطرا حقيقيا على المجهودات المبدولة من طرف الوزارة الوصية، و كذا على حق الطفل في التعليم، خاصة إذا علمنا أن بعض الممارسات و الاعتداءات الصادرة عن بعض منتسبي الهيأة التعليمية دفعت بالعديد من الأطفال إلى الانقطاع عن الدراسة و رفض العودة إلى مقاعد الدراسة من ذلك قضية فتيات تانزولين التي أدت ثمن عبثية مدير المؤسسة بشرف 117 تلميذة إلى إنقطاع حوالي 35 تلميذة جملة واحدة عن الدراسة خلال الموسم الدراسي 97/96 مما يشكل بحق ضربة قاضية لمجهودات المجتمع برمته في تشجيع فتيات المراكز القروية على التمدرس.
و في غضون ذلك يمكن القول أن كلا من الأسرة و المدرسة مؤسستين متكامليتن في للنهوض بدور أساسي في عملية الإدماج الاجتماعي للطفل ضحية العنف إذا ما وفرت لهما كل الإمكانيات المادية و القانونية و المعنوية بجانب المؤسسات العلاجية، التي رغم ما تعانيه من نقص في الموارد المالية و البشرية و التجهيزات الطبية تحاول أن تبلور استراتيجية متكاملة حيال الحاجيات العلاجية للأطفال ضحايا العنف بالموازاة مع التدخل المتصاعد و الفعال لمراكز الاستماع و التوجيه القانوني.
و في الأخير ، فإن ما تجب الإشارة إليه، هو أنه إذا كان المشرع الجنائي المغربي لم يعترف بشكل صريح بحق الطفل ضحية العنف في التأهيل ضمن ترسانته الجنائية، فإنه على العكس من ذلك أقر ببعض التدابير الحمائية الفقرة الأولى من المادة 510 من (ق.م.ج.م)، و كذا التدابير العلاجية الفقرة الثانية من المادة 511 من (ق.م.ج.م)، متناسيا الإقرار بالحقوق التي تخول الاستفادة من هذه التدابير من قبيل حق الطفل ضحية العنف في المساعدة القضائية و المساعدة الطبية، مما أثر على عملية تأهيل الطفل ضحية العنف بشكل جعلها قاصرة عن بلوغ الأهداف المسطرة لها دوليا من طرف المنتظر الدولي، و محليا من طرف المجتمع المدني المحلي.
________________________________________
[1] - ذة. الزهرة أحفيظ:"عناصر التنشئة الاجتماعية"، مجلة الأمن الوطني، عدد 158، السنة 1989، ص 36.
[2] - الفصول 408 ، 409، 410 و 411 من القانون الجنائي المغربي.
[3] - عدلت الفصول المتعلقة بالمرأة و الطفل من أجل تعزيز تدابير الحماية الجنائية المتعلقة بهما معا بمقتضى القانون رقم 24.03.
[4] - B.El Andaloussi : « Punitions et violences à l'école », Etudes et Recherche, UNICEF, 2001, P13.
[5] - فالغالب ما يستشهد الأولياء بالمثل الدارج "أنت ذبح وحنا نسلخو"، "ضربو حتى يطوش دمو و لا ما بغا الزنقة تدبر امرو".
[6] - أحمد اليعقوبي: "حق الطفل في التعليم: أية حماية؟ المغرب نموذجا"، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2003/2002، ص:88.
[7] - صدرت المذكرة رقم 06/99 بتوقيع من الأستاذ مولاي إسماعيل العلوي ,زير التربية الوطنية على عهد حكومة التناوب التوافقي، بتاريخ 23/09/1999.
[8] - منطوق الحكمين منشور بكتاب " المرشد التضامني"، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1999/2000.ص 42.
[9] - زينب معادي و آخرون:"الطفولة المغتصبة:مركز الاستماع و الارشاد القاقنوني للنساء ضحايا العنف"،طبعة سترلنك سنة 1998، ص:15.
[10] - المصطفى صفر: "إنطلاق محاكمة مستغلي الأطفال جنسيا"، جريدة الصباح، العدد 1681، السنة السادسة، الخميس 01/09/2005.
[11] - فوزية اعجاجة: "العنف التربوي في البت و المدرسة: أية حماية قانونية للطفل"، بحث لنيل الإجازة في الحقوق، شعبة القانون الخاص، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية، 1997/1998، ص: 30.
[12] - منطوق الحكم وارد في "المرشد التضامني"، مرجع سابق، ص:15.
[13] - محمد مومن: "تكوين المدرسين المبني على الكفاية"، مجلة علوم التربية، دورية نصف سنوية، المجلد الثالث، العدد 25، أكتوبر 2003، ص:86.
[14] -محمد باداج: "التربية كإقصاء للعنف: مقاربة نظرية"، مجلة علوم التربية، دورية مغربية نصف سنوية، المجلد الثالث، العدد 25، أكتوبر 2003، ص:137.
[15] - حسن بتول: مفتش إقليمي بالنيابة التعليمية فاس الجديد، دار ادبيبغ، حوار أجري معه في 21/02/2006.
[16] - - محمد مومن: "تكوين المدرسين المبني على الكفاية"،مرجع سابق، ص:86.
[17] - جون بياجي:"التوجهاتالجديدة للتربية"، ترجمة محمد الحبيب بلكوش، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، مراكش، 1988، ص:47.
[18] - العودة إلى قضية فتيات تانزلين.
[19] - وزارة التربية الوطنية: "مذكرة حول ظاهرة العنف بالمؤسسات التعليمية: رقم 99/06"، توقيع اسماعيل العلوي، الرباط في 23شتنبر1999.
[20] - "دليل بيداغوجي حول إدماج مبادىء مدونة الأسرة في المناهج التربوية"، من إعداد مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية بتعاون مع منظمة اليونسيف، منشورات الألوان الجميلة، الرباط، يوليوز 2004 ص: 42. ثم "دليل التكوين حول إدماج مبادىء مدونة الأسرة في المناهج التربوية"، من إعداد مديرية المناهج وزارة التربية الوطنية بتعاون مع منظمة اليونسيف، منشورات الألوان الجميلة، الرباط، فبراير 2005، ص:37.
[21] - "دليل بيداغوجي حول إدماج مبادىء مدونة الأسرة في المناهج التربوية"، نفس المرجع، ص:43.
[22] - مديرية العمل التربوي بوزارة التربية الوطنية:"دليل التكوين:التعبئة الاجتماعية"، تم إنتاج هذه الوثيقة بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ( USAID ) في إطار مشروع تربية الفتياة بالمغرب( MEG )، يونيو 2003، ص:8 و 9.
[23] - مركز التوجيه و التخطيط التربوي بوزارة التربية الوطنية:"برنامج التدبير بالنتائج"، تم إنتاج هذه الوثيقة بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ( USAID ) في إطار مشروع تربية الفتياة بالمغرب( MEG )، 2003، الرباط.
[24] - مديرية العمل التربوي الوطنية: "الإنصاف في الفضاء المدرسي"، "، تم إنتاج هذه الوثيقة بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ( USAID ) في إطار مشروع تربية الفتياة بالمغرب( MEG )، مـــــاي 2002، ص 15.
[25] - أنظر الفصول 132، من 400 إلى 403، 432، 433، 608 من القانون الجنائي المغربي.
[26] - أنظر الفصول 77، 78، 79، 80، من قانون الإلتزامات والعقود المغربي.
[27] - ظهير رقم 1.58.060 الصادر بتاريخ 25/06/1958 ، الجريدة الرسمية عدد 2388.

الفصل الثاني :

محدودية عملية تأهيل الطفل ضحية العنف في التشريع الجنائي المغربي وآفاق تجاوزها.

بالرغم من كون حق الطفل ضحية العنف في التأهيل من أبرز الحقوق المكفولة دوليا للطفولة بمقتضى المادتين 19 و 39 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل و المادة 8 من البروتوكول الاختياري الملحق و المتعلق ببيع الأطفال و حضر الاستغلال الجنسي لهم.
فإن أغلب التشريعات الجنائية لدول الجنوب و منها التشريع الجنائي المغربي لم يستجيبوا بعد بشكل صريح لهذا الالتزام الدولي رغم تنصيص هذا الأخير على بعض التدابير الحمائية لصالح الأطفال ضحايا العنف في المادتين 510 و 511 من قانون مسطرة الجنائية، التي يمكن اعتبارها الأساس الضمني لعملية تأهيل هؤلاء الأطفال.
لكن رغم ضمنية هذا الأساس فإنه يعاني من محدودية تساهم بشكل كبير في تأزيم وضعية الأطفال ضحايا العنف على الصعيدين القانوني والقضائي قبل تحريك الدعوى العمومية و بعد تحريكها، مما يتطلب ضرورة البحث عن بدائل أو آفاق لتجاوز مظاهر هذه المحدودية حتى يتسنى إيجاد الإطار التشريعي و الواقعي المتكامل لحق الأطفال ضحايا العنف في التأهيل.
لأجل ذلك، سيتم التعرض بالدرس في هذا الفصل لمظاهر محدودبة عملية تأهيل الطفل ضحية العنف، ثم لآفاق تجاوزها على اامنوال الموالي.
الفرع الاول : مظاهر محدودية عملية تأهيل الطفل ضحية العنف .
الفرع الثاني : آفاق تجاوز محدودية عملية تأهيل الطفل ضحية العنف .
الفرع الاول :

 مظاهر محدودية عملية تأهيل الطفل ضحية العنف. .

تتلخص أبرز مظاهر محدودية عملية تأهيل الطفل ضحية العنف في بطء تدخل الآليات التأهيلية قبل تحريك الدعوى العمومية (المبحث الأول)، ثم في عدم نجاعة تدخل قضاء الأحداث بعد تحريك الدعوى العمومية (المبحث الثاني).
المبحث الاول :

 بطء تدخل الآليات التاهيلية قبل تحريك الدعوى العمومية.

تواجه آليات تأهيل الطفل ضحية العنف و بالأخص الآليات المؤسساتية، المستشفيات، مراكز الاستماع للضحايا بالإضافة إلى الأسرة و المدرسة مجموعة من المثبطات التي تعيق تدخلها السريع قبل تحريك الدعوى العمومية من قبيل مثبطات ذات طابع المادي (المطلب الأول)، و أخرى ذات طابع قانوني (المطلب الثاني).
المطلب الأول :

المثبطات المادية للتدخل السريع.

تكمن أغلب المثبطات المادية التي تعيق التدخل السريع للآليات المؤسساتية المكلفة بتأهيل الطفل ضحية العنف قبل تحريك الدعوى العمومية في الواقع السوسيوقانوني الذي تعيشه الطفولة المعنفة (الفقرة الأولى)، و كذا في ضعف الآليات التأهيلية نفسها التي لم تتوفق لحد الآن في وضع استراتيجية تأهيلية متكاملة تقوم على موارد بشرية مؤهلة (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى :

 وا قع الاطفال ضحايا العنف .

تعتبر وضعية الطفولة عموما من أسوأ الوضعيات الاجتماعية و الاقتصادية على الإطلاق في جميع أنحاء العالم، حيث يتعرض كل يوم ما لا يقل عن نصف أطفال العالم لأسوأ أشكال المعاملة و الإهانة و الضرب و الإغتصاب.
حيث تقدر أغلب الإحصائيات الرسمية و منها على وجه الخصوص إحصائيات الشرطة في منطقة جنوب شرق آسيا أن حوالي 120 مليون طفل تحت سن السادسة عشرة يتم خطفهم لتشغيلهم في تجارة الجنس التي تدر على أصحابها حوالي 5 بلايين دولار في السنة، وهي التجارة التي تحتل المرتبة الثانية بعد تجارة المخدرات و قبل تجارة السلاح [1].
كما تقدر هيئة الأمم المتحدة أن حوالي 20 ألف صبي و فتاة يرغمون على ممارسة الدعارة في مدينة مانيلا، و أن حوالي مليون و نصف إلى مليوني شخص يمارسون الدعارة منهم حوالي 20 % من الأطفال، في حين أن هناك حوالي 3 مليون طفل مشرد في البرازيل تمارس الفتيات منهم الدعارة في سن مبكرة و يتعرض الذكور لكافة أشكال هتك العرض والإستغلال [2].
أما اليونسيف فتقدر أن حوالي 600 مليون طفل في العالم يعيشون في الفقر و أكثر من نصف مليار طفل يعيشون بأقل من دولار في اليوم، و أن أكثر من 100 مليون لا يذهبون إلى المدارس بسبب الفقر أو التمييز أو محدودية الدخل و حتى العنف المدرسي الذي يؤثر على عدم إتمام الأطفال لدراستهم الأساسية، حيث لا يكمل أربع سنوات من التعليم الإبتدائي سوى 55 % من أطفال العالم [3].
و قد دلت دراسة أقيمت بالسعودية تحت عنوان "إيذاء الأطفال: أنواعه و أسبابه وخصائص المتعرضين له" [4] إلى أن أكثر حالات الإيذاء التي يتعرض لها الأطفال في السعودية هي حالات الإيذاء البدني بنسبة قد تصل 91.5 % ، تليها حالات الإيذاء الجنسي والنفسي و الإهمال، على أن أغلب حالات الإساءة كان مصدرها الأبوين بنسبة تتجاوز 46.7 % ، كما أن نسبة الأطفال المتعرضين لإيذاء ترتفع كلما صغرت أعمارهم، إذ بلغت نسبة الإساءة للأطفال أقل من ثلاث سنوات حوالي 57.3 % و الذين تزيد أعمارهم عن ثلاث سنوات حوالي 42.7 % ، تعرض الذكور فيها للإيذاء بنسبة تتجاوز 44 % في حين الإناث بلغت نسبة الإساءة لهم حوالي 55 % ، و قد خلصت هذه الدراسة إلى أن من أبرز أسباب تعريض الأطفال للإساءة الدخل المنخفض للأسرة و العنف الزوجي .
و بناء على كل ما مر يبدو أنه واقع قاس تعيشه الطفولة في كل أنحاء العالم، معاناة من الفقر و العنف والتهميش و الحرمان و الإستغلال بكل أشكاله جنسي و اقتصادي، تحرضهم الحاجة و العوز لأن يلقوا بأنفسهم للشوارع و لأوكار الدعارة دون أن يستفيدوا من أي نوع من أنواع العلاج أو الإدماج و حتى الحماية القانونية الفعالة، مما يشكل خطرا حقيقيا على البنية الاجتماعية و ينبىء من تم بعواقب وخيمة على الأمن الاجتماعي الذي تهدده باستمرار الجريمة و مسبباتها التي تقوم في الغالب على أساس الإنتقام و رد الإساءة بإساءة مثلها.
و الطفولة المغربية في هذا السياق لا تشكل استثناء في الواقع الاجتماعي الذي تحياه الطفولة على الصعيد العالمي، فهي بدورها تعاني من العوز وكافة أشكال سوء المعاملة، حيث تقدر الإحصائيات الرسمية في هذا الإطار أن حوالي 45 % من الأطفال المغاربة لا يستطيعون إنهاء المستوى الأول من التعليم الأساسي لظروف إقتصادية و إجتماعية بالأساس تتلخص في الفقر و سوء المعاملة و في بعض الأحيان للإستغلال الجنسي.
كما أن نسبة الفقر ارتفعت خلال الخمس سنوات الماضية لتسجل سنة 2004 ما نسبته 34.5 % [5] بزيادة تقدر بحوالي 15.5 % ، حيث كانت سنة 1999 لا تتجاوز 19 % [6] ، سجل أطفال الفقر ضمنها نسبة عالية تصل إلى حوالي 44.2 % بلغ نصيب أطفال المجال الحضري حوالي 37.5 % ، بينما استأثر أطفال المجال القروي على ما يفوق 47.7 % ، الشيء الذي يبرز مدى تفاقم ظاهرة الفقر في وسط الطفولة عموما و أطفال العالم القروي على وجه الخصوص، مما من شأنه أن يؤثر على نفسيتهم و يضعف بالتالي من مناعتهم الاجتماعية و يجعلهم عرضة لكافة أشكال العنف، الإهمال، الإساءة النفسية، الجسدية والجنسية.
حيث أنه في هذا الصدد سجل المرصد الوطني لحقوق الطفل من سنة 2003 إلى غاية نهاية شهر أبريل 2005 ارتفاعا نسبيا لعدد الأطفال ضحايا العنف، حيث بلغ العدد الإجمالي لهم حوالي 728 حالة اعتداء فعلية موزعة على الشكل التالي [7] :
******** 2003 2004 النصف الأول من2005
حالات الاعتداءات 195 462 71
و كاستقراء لإحصائيات المرصد الوطني لحقوق الطفل يمكن القول بأنها لا تعكس بالأساس الصورة الحقيقية و الواقع المر الذي تعيشه الطفولة المغربية على اعتبار:
1. مركزية المرصد الوطني لحقوق الطفل و عدم وجود فروع له على الصعيد المحلي،
2. اقتصاره على استقبال الأطفال الضحايا دون أن يبادر إلى القيام باستجوابات للأطفال في المدارس و في أوراش العمل و في الشارع؛
3. تعقد مسطرة الاستفادة من خدمات المرصد رغم أن هناك رقم أخضر تستحوذ عليه المكالمات غير ذات موضوع، حيث قدرت سنة 2004 بحوالي 81209 مكالمة؛
4. اقتصار الشراكات المبرمة من طرفه على الجمعيات ذات الطابع الرسمي في إهمال تام للجمعيات ذات الطابع الشعبي المحلي.
و بهذه الاعتبارات و غيرها يبرز مدى ضعف المعطيات المقدمة من طرف المرصد الوطني لحقوق الطفل خاصة إذا ما تمت مقارنتها مع الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل فيما يتعلق بقضايا العنف ضد الأطفال للفترة الممتدة من سنة 2001 إلى سنة 2004 التي بلغت حوالي 23439 قضية.
على أن عدد هذه القضايا ما هو في حقيقة الأمر إلا تلك القضايا التي تم الكشف عنها بإرادة أحد الأطراف، وهي القضايا التي لم تقتصر فقط على الاعتداء البدني والجنسي بل تعدتها إلى كل مظاهر الإستغلال المعاقب عليها جنائيا فقط في حين غيب كل المظاهر غير المعاقب عليها جنائيا من قبيل العنف التربوي الأسري مثل الشتم و الإهانة والإستهزاء، وحبس الطفل و منعه من اللعب و الترفيه عن نفسه مع العلم أن حق اللعب والترفيه من أبرز حقوق المشاركة والتعبير التي نصت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل [8].
الفقرة الثانية :

 ضعف الاليات التاهيلية .

حينما نتحدث عن الآليات التأهيلية فإننا نقصد بها واقعيا تلك المؤسسات المهتمة بشكل رسمي أو غير رسمي بعملية تأهيل الطفل ضحية العنف، و بالأخص المستشفيات ومراكز الاستماع للضحايا التابعة لبعض هيئات المجتمع المدني ، بالإضافة إلى الأسرة والمدرسة.
لكن رغم تعدد هذه الآليات فإنه يؤاخذ عليها ضعف مردوديتها وبطء تدخلها لصالح الطفل ضحية العنف قبل تحريك الدعوى العمومية، على أساس مجموعة من الاعتبارات تتلخص فيما يلي:
1. عدم قيام نشاط الآليات التأهيلية على أي عمل استراتيجي محدد للتدخل قبل تحريك الدعوى العمومية؛
2. غياب الإطار القانوني لعمل مراكز الاستماع للضحايا عموما مما يفقدها مصداقية عملها تجاه أغلب الضحايا؛
3. ضعف الموارد المالية الكافية للسهر على عملية تأهيل الطفل ضحية العنف و جل الضحايا؛
4. قلة الموارد البشرية المؤهلة للتعامل مع الضحايا عموما و الأطفال ضحايا العنف على وجه الخصوص.
و عليه، ففيما يتعلق بغياب العمل الاستراتيجي، فإن كل نشاط كيفما كان نوعه لا يقوم على أساس مخطط استراتيجي يعتبر عمل غير مهيكل و لن يحقق النتائج المرجوة منه وحتى مبادراته تكون قاصرة و غير فعالة، وفي هذا السياق تدخل أغلب أنشطة المؤسسات العاملة في مجال رعاية الطفولة المعنفة.
حيث أنه من خلال زيارة ميدانية لكل من مستشفى الغساني و كذا مستشفى بن الخطيب بمدينة فاس [1] و بالأخص قسمي المستعجلات، تبين بالوضوح أن كلا المؤسستين لا يقيمان أي نوع من أنواع التفرقة بين الأطفال ضحايا العنف وبالخصوص ضحايا الاعتداءات الجنسية ورواد المستشفى من المرضى أو الجرحى، بل علاوة على ذلك فهؤلاء الأطفال لا يستفيدون من أي نوع من المساعدة الطبية إلا في حالة الإدلاء بشهادة الاحتياج [2] التي تتطلب اتباع اجراءات مسطرية معقدة أمام السلطة المحلية مما قد يفاقم من وضعيتهم البدنية والنفسية.
كما أن طبيعة العلاج الموجه لهؤلاء الأطفال في حالة ما إذا تبث الاعتداء فإنه لا يخرج عن بعض الإسعافات الأولية مع لائحة للأدوية دون أن يتم إعلام الشرطة أو الجهاز القضائي رغم أن المشرع رفع قيد السر المهني بمقتضى قانون 03.24 الذي خول للأجهزة الطبية في حالة ما إذا تبث ارتكاب أفعال إجرامية أو سوء معاملة أو حرمان في حق أطفال دون سن الثامنة عشرة [3] إمكانية التبليغ عنها.
الأمر الذي يؤكد بأنه رغم رفع المشرع المغربي لقيد السر المهني على بعض مهام الأجهزة الطبية المتعلقة بالجرائم التي تستهدف الطفل و المرأة ضحايا العنف فإنه لم يؤثر لحد الآن على طبيعة تدخل أغلب المراكز الإستشفائية بإستثناء المراكز الإستشفائية الكبرى مثل المركز الإستشفائي بن سيناء بالرباط و كذا المركز الاستشفائي بالدار البيضاء اللذين يسهران على استقبال الأطفال ضحايا العنف وفق استراتيجية طبية عالية التنظيم هدفها الأساسي السهر على العملية التأهيلية بناء على المعايير الطبية و النفسية والإجتماعية ذات الصلة بحماية وتأهيل الطفل الضحية باعتباره طفلا بعاني [4].
على أن ما ينبغي ملاحظته هو أن غياب العمل الاستراتيجي المخطط لا يقتصر على بعض الأجهزة الطبية وإنما يمتد كذلك إلى أغلب مراكز الاستماع و التوجيه التي بالإضافة إلى ذلك فعملها تجاه الضحايا عموما ليس له إطار قانونية ينظم علاقة الضحية المستمع إليه بالمركز المستمع، حيث أنه في حالة ما إذا تم إفشاء أسرار هذا الضحية فما مدى مسؤولية مركز الإستماع عن هذا الإفشاء؟ و هل هناك منظومة قانونية تنظم عمل مراكز الاستماع للضحايا باستثناء القوانين التنظيمية للجمعيات الأم التي لا تلزم إلا هذه الجمعيات في علاقتها بالسلطة المحلية؟
حقيقة بالبحث المعمق في كل الترسانة التشريعية المغربية حول الإطار القانوني المنظم لعمل مراكز الاستماع و التوجيه القانوني للضحايا لم نجد أي نص قانوني ينظم العلاقة المباشرة بين الضحية المستمع إليه و المركز المستمع كما هو عليه الحال مثلا في فرنسا حيث نجد المشرع الفرنسي ألزم المراكز العاملة في ميدان الاستماع لضحايا العنف بإحترام مقتضيات مدونة الأخلاقيات المهنية لمراكز الاستماع و التوجيه القانوني [5] التي تخول للضحية المستمع إليه في حالة ما إذا تم افشاء سره إلى العموم عن طريق وسائل الإعلام العمومية أو المحلية الحق في متابعة المركز و الحصول على تعويض جراء ما قام به هذه المركز من تشويه لسمعة الضحية و نشر أسراره الشخصية دون إذن مسبق.
إلا أن ما يمكن قوله بالنسبة لواقع مراكز الاستماع للضحايا في المغرب فيما يتعلق بالعلاقة المباشرة التي تجمعهم بالضحايا هو أنه بالإمكان متابعة المركز الذي يقوم بإفشاء سر أحد الضحايا بناء على مقتضيات الفصل 446 من (م.ق.ج.م) التي لا تقتصر على معاقبة الأجهزة الطبية في حالة افشاء السر المهني في غير الحالات التي يجيز فيها القانون هذا التجاوز بل يعاقب كذلك كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة، و اعتبارا لكون مراكز الاستماع للضحايا أجهزة تابعة لأشخاص معنوية هي الجمعيات المدنية في غالب الأحيان التي تلتزم في قوانينها التنظيمية بإحترام خصوصية الأفراد والجماعات انطلاقا مما يفرضه المشرع المغربي في القانون المنظم لحرية تأسيس الجمعيات [6].
لكن رغم ذلك فإننا نعتقد ضرورة أن يتم إصدار مدونة تنظم أخلاقيات تعامل مراكز الاستماع للضحايا مع الضحايا المفترضين حتى يمنح أكبر قدر من الضمانات القانونية والمصداقية لعمل المراكز، و يشجع من تم الأشخاص الذين تعرضوا لأي نوع من أنواع الاعتداء و بالخصوص الأطفال والنساء على البوح بما تعرضوا له لكي يتم بالفعل رفع الستار على أغلب السلوكات غير المقبولة التي لا زال المجتمع يعاني من عدم تجريمها، وخاصة أن أغلب مراكز الاستماع المغربية و حدت منهجيتها و أساليبها في التعامل مع الضحايا من خلال مركز الاستماع والتوجيه القانوني "أناروز ANAROUZ ".
إلا أنه بالرغم من ذلك، فبالإضافة إلى غياب استراتيجية ل تأهيل الطفل الضحية لدى أغلب المستشفيات، و ضعف الإطار القانوني المنظم لعمل مراكز الاستماع و التوجيه القانوني، فإنها تعاني بصفة عامة من ضعف الموارد المالية و قلة الأطر العاملة، حيث أنه إذا كان نشاط المستشفيات عموما يقوم على أساس مخصصات الميزانية العمومية فإن هذه المخصصات إنخفضت من 6 % إلى حوالي 2 % [7] مما من شأنه أن يؤثر سلبا على أغلب الحاجيات الإستشفائية للطفل ضحية العنف خاصة وأن ما يتجاوز نسبة 34.5 % من الأسر المغربية تعيش في وضعية الفقر ومنها 13.7 % تعيش تحت خط الفقر [8].
أما فيما يخص مراكز الاستماع و التوجيه القانوني فإن مخصصاتها المالية تقوم على أساس التبرعات و الهبات التي يقوم بها بعض المواطنين أو مؤسسات أجنبية في الغالب، إلا أن ما تعانيه هذه المراكز حقيقة بالإضافة إلى ضعف الضمانات القانونية لعملها هو قلة الموارد البشرية التي بإمكانها أن تسهر على الاستماع المهني للأطفال ضحايا العنف و كذا التوجيه القانوني، و هذا ما تم رصده في كل من مركز الاستماع والتوجيه القانوني "الكرامة" التابع لمركز حقوق الناس و كذلك مركز نوال بلحمر التابع لجمعية مبادرات للدفاع عن حقوق النساء.
و بصفة عامة فإن ما ينبغي قوله هو أنه إذا كان حق الطفل ضحية العنف غير معترف به من الناحية التشريعية فإنه من الناحية الواقعية تعرقل صيرورته قبل تحريك الدعوى االعمومية من طرف ولي الضحية أو النيابة العامة مثبطات مادية بالامكان تجاوزها من جهة عن طريق تفعيل المبادرات العلاجية الاستشفائية لصالح الطفل الضحية على صعيد جميع المستشفيات الوطنية و ليس الاقتصار على بعض المستشفيات الكبرى، ومن جهة ثانية عن طريق التنظيم التشريعي لعمل مراكز الاستماع والتوجيه القانوني لكي تنهض بواقع الأطفال ضحايا العنف التي تعاني عملية تأهيلهم بالإضافة لما مر من مثبطات قانونية تساهم بشكل مباشر في تأزيم وضعيتهم النفسية والاجتماعية.
________________________________________
[1] - زيارة ميدانية لكل من المستشفى الغساني و مستشفى إبن الخطيب بفاس يوم 03/02/2006..
[2] - Ministère de la santé : « Circulaire sur le paiement des actes au niveau des hopitaux », N°44/SP, le 19/07/1990.
[3] - المادة 446 من القانون الجنائي المغربي.
[4] - أحمد شوقي بنيوب: "لايمكن أن نتجاهل توفر قرائن جدية حول وجود شبكات منظمة لدعارة الأطفال"، حوار مع يومية الأحداث المغربية، 27/12/2003.
[5] -Gérard LOPEZ : « VICTIMOLOGIE », op cit, P :245.
[6] - الظهير الشريف رقم 376.58.1 المؤرخ ب 3 جمادى الأولى 137ه الموافق ل 1958-11-15، و الظهير الشريف رقم 283-73-1 بتاريخ 6 ربيع الأول 1393 الموافق ل 10/04/1973، المتمم بالقانون رقم 00.75 المؤرخ ب 10/10/2002 المتعلق بحرية تأسيس الجمعيات.
[7] - PNUD : « Rapport mondial sur le développement en 2004 », op cit, P :155 et 168.
[8] - PNUD : ibid, P 246.
________________________________________
[1] - PNUD : « Rapport mondial sur le développement humain 2004 », op cit, P 42.
[2] - د عبد العزيز مخيمر عبد الهادي: "الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل خطوة إلى الأمام أم خطوة إلى الوراء، مجلة الحقوق الكويتية، العدد13، 1993، ص: 121.
[3] - UNICEF : « La situation des enfants dans le monde en 2002 », New York, 2003, P15.
[4] - د.سهام عبد الرحمن الصويغ: "الإساءة إلى الأطفال و إهمالهم: دراسة ميدانية في مدينة الرياض"، مرجع سابق، ص:45.
[5] - PNUD : « « Rapport mondial sur le développement humain 2004 », op cit, P : 246.
[6] - Direction de la statistiques : « Enquete nationale sur les niveaux de vie des ménages », Rabat, 1999/1998, P :86.
[7] - مركز الإستماع و حماية ضحايا سوء المعاملة، إحصائيات وزعت يوم الملتقى الوطني حول دور المجتمع المدني المحلي في تفعيل الإستراتيجية الوطنية لحماية الطفولة 25 و 24 ماي 2005 بأوريكا مراكش .
[8] - تنص المادة 31 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على " 1)- تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الإستجمام المناسبة لسنه و المشاركة بحرية في الحياة الثقافية و في الفنون.
2)- تحترم الدول الأطراف و تعزز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية و الفنية و تشجع على توفير فرص ملائمة و متساوية للنشاط الثاقافي و الفني و الاستجمامي و أنشطة أوقات الفراغ".


المطلب الثاني :

 المثبطات القانونية للتدخل السريع .

يعاني التشريع الجنائي المغربي كغيره من تشريعات دول الجنوب في مجال رعاية حقوق الطفل ضحية العنف من مجموعة من المثبطات التي تعيق تقدم هذه الرعاية وتطورها، مثبطات منها ما هو ذو طابع موضوعي (الفقرة الأولى)، و منها ما هو ذو طابع إجرائي (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى :

 مثبطات موضوعية .

لاشك أن من أهم المثبطات التي تحول دون مرونة التشريعات الجنائية المعاصرة لبعض دول الجنوب بما فيها التشريع الجنائي المغربي، تتجلى في عدم مسايرة هذه التشريعات للواقع الاجتماعي الذي يتحول بإستمرار وبوتيرة سريعة أمام ما يعرفه المشهد الحقوقي العالمي من تطور في جميع المجالات و الفئات.
فلا يكفي في الوقت الراهن القول بأن مشرع دولة معينة قد ملأ الفراغات التي تعاني منها ترسانته القانونية حينما صادق على إتفاقية دولية معينة تكفل حقوقا بعينها لفئة اجتماعية معينة، بل يكون من واجب هذا المشرع أن يسهر على تضمين تلك الحقوق المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بما يتلاءم والحاجيات الاجتماعية لأفراد مجتمعه وكذا بما يتلاءم وخصوصيته الثقافية والعقائدية، و إلا اتهم تشريعه بالتخلف و بإقامة العراقيل و المثبطات التي تحول دون استفادة كل الفئات الاجتماعية من حقوقها.
و المشرع الجنائي المغربي لا يخرج عن صنف هؤلاء المشرعين بالرغم من كونه أظهر في الآونة الأخيرة نشاطا حيويا ملحوظا حينما أدخل تعديلات جوهرية في بعض النصوص القانونية، و أقر بمجموعة من الحقوق ذات الطابع الدولي في ترسانته التشريعية بما يتلاءم مع الخصوصية الوطنية من جهة والتوجه الوقائي لسياسته الجنائية من جهة ثانية، في إغفال تام للحقوق الدولية ذات التوجه العلاجي من قبيل حق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
الحق الذي يتطلب من أجل تفعيله التحديد التشريعي لمفهوم الطفل ضحية العنف وتقوية الضمانات القانونية التي تكفل لهذا الطفل ممارسة حقه في إطار قانوني سليم يساعد الآليات المؤسساتية المكلفة بالسهر على علاج وإدماج الأطفال ضحايا العنف على القيام بمهامها العلاجية على أحسن وجه.
وفي كل الأحوال، فإن أبرز ما يؤاخذ على المشرع الجنائي المغربي في سياق إغفاله للتصريح التشريعي بحق الطفل ضحية العنف في التأهيل هو ضعف الصياغة التي أتت بها المادتان 510 و 511 من (ق.م.ج.م) من خلال ما يلي:
1. عدم مراعاتها لخصائص الطفل الضحية لا من أجل تأهيله إجتماعيا و نفسيا و لا من أجل تشديد العقاب على المجرم، مما يبرز بأن حالة الضحية بعد الجريمة لا تهم المشرع الجنائي المغربي إلا بإعتبار وضعية الضحية أثناء وقوع الفعل الاجرامي، هل الضحية قاصر أم راشد، عذراء أم تم افتضاض بكرتها، و لا يهم بعد ذلك الآثار الجانبية التي تخلفها الجريمة على نفسية الضحية، تلك الآثار التي لاحظنا بأنها لا تظهر أعراضها إلا على المدى البعيد و بالأساس حين بلوغ سن الرشد إذا كان الضحية وقت الفعل الاجرامي قاصرا؛
2. عدم تأسيسها لمفهوم واسع وشامل للطفل ضحية العنف يمكن من تحديد كافة أشكال العنف و الضرر و الانتهاك الجنسي أو الاستغلال في مجال الدعارة والصور الإباحية [1].
كما أنه يؤاخذ على المشرع الجنائي المغربي في نفس السياق :
1. عدم تنصيصه على إلزامية الفحص الطبي البدني و النفسي للطفل ضحية العنف، مع العلم أن أغلب التوصيات الصادرة عن لجنة حقوق الطفل وكذا عن منظمة الصحة العالمية تؤكد على أن جزءا هاما من مرتكبي جرائم الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال سبق و أن تعرضوا لاعتداءات من نفس الطبيعة عندما كانوا أطفال قاصرين ، وأن عدم رعايتهم الواجبة مبكرا دفعتهم إلى ارتكاب تلك الأفعال فيما بعد، و ما يدعم هذا الطرح ما صرح به المتهم عبد العالي الهادي المعروف بسفاح تارودانت من كونه تعرض في صغره لاعتداء جنسي من طرف 14 شخصا و أن فعله الإجرامي المتجلي في الاعتداء على الأطفال السبعة ما هو إلا رد فعل لما تعرض له في الماضي [2]؛
2. عدم تدقيق المشرع الجنائي المغربي في طبيعة المؤسسات التي من شأنها أن تسهر على تفعيل الفحص الطبي ، بحيث أطلق الصياغة دون أن يحدد الأدوار ويوزع المسؤوليات عن عدم تفعيل التدابير الحمائية لصالح الطفل الضحية ؛
3. لم يشر للمؤسسة المكلفة بالاشراف على عملية التأهيل برمتها على منوال ما هو عليه الأمر بالنسبة لمندوب الحرية المحروسة فيما يتعلق بحق الطفل الجانح في إعادة التأهيل، بل أكثر من ذلك فهو وزع المهام على مؤسسات إجتماعية من قبيل المؤسسات المكلفة بتفعيل تدبير الإيداع و المؤسسات المكلفة بتفعيل تدبير التسليم دون أن يحدد المعايير القانونية و حتى الاجتماعية التي من شأنها أن توفر ضمانات قانونية فعالة لحماية الطفل الضحية قبل تحريك الدعوى العمومية وإصدار حكم نهائي في القضية؛
ومن خلال مجموع هذه المؤاخذات يمكن القول بأنه كان على المشرع الجنائي المغربي أن يراعي ضمن مقتضيات المادتين 510 و 511 من (ق.م.ج.م) ما يلي:
1. أن الطفل ضحية العنف طفل يعاني أكثر من غيره، نتيجة تعرضه لضرر مس سلامته البدنية أو النفسية أو العقلية و من شأنه أن يحدث له عجزا بدنيا مؤقتا أو دائما؛
2. أن الطفل ضحية العنف أكثر أنواع الضحايا براءة [3] و قابلية لإعادة إنتاج ما فعل به على المدى القريب و البعيد؛
3. أن الطفل ضحية العنف أكثر الأشخاص حاجة للحماية الجنائية بكافة أنواعها القبلية، المواكبة والبعدية حتى يبلغ سن الرشد؛
4. أن الطفل ضحية العنف أكثر الفئات الاجتماعية حاجة لخدمات المؤسسات الاجتماعية، و بالأساس لخدمات الأسرة و المدرسة؛
5. أن الطفل ضحية العنف أكثر الفئات الاجتماعية تعرضا لمختلف أشكال العنف في آن واحد من قبيل التعرض للاعتداء الجنسي عن طريق الضرب و التهديد أو الاهانة المصحوبة بالضرب....و ما إلى ذلك من مختلف الإهانات والاعتداءات.
وعموما، فأغلب المؤاخذات المسجلة تشكل حاجزا يحول دون استفادة الطفل ضحية العنف من حقه في التأهيل الذي نصت عليه المادة 39 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وكذا المادة 8 من البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية و المتعلق بمنع بيع الأطفال واستغلالهم جنسيا و في المواد الاباحية.
لكن على الرغم من ذلك فإنه يسجل للمشرع الجنائي المغربي محاولاته الجادة لتوفير أكبر قدر من الحماية الجنائية للطفل من خلال معاقبته على كل اعتداء استهدفه بدءا من مرحلته الجنينية إلى حين بلوغه سن الرشد القانوني، فعاقب على الإجهاض وبيع الأطفال وشرائهم، كما عاقب كل اعتداء جنسي أو استغلال لهم في مجال الدعارة أو الفساد، كما جرم استعمال العنف ضدهم بصفة عامة، الشيء الذي يبرز التوجه الوقائي للسياسة الجنائية المغربية الذي لا نعارضه بالقدر الذي نطالب بأن يتم مواكبته بتوجه علاجي يتوخى رعاية مصلحة الطفل الضحية و ييسر من تم إجراءات حصوله على حقوقه المدنية .
الفقرة الثانية :

 مثبطات إجرائية .

إذا كان حق الطفل ضحية العنف في التأهيل يعاني كما سلف من مثبطات موضوعية أساسها تجاهل المشرع الجنائي المغربي للخصوصية البيولوجية والنفسية التي يكون عليها الطفل الضحية عموما، فإن حقه في التأهيل يعاني كذلك من مثبطات إجرائية تؤثر بشكل سلبي كذلك على صيرورة عملية تأهيل الطفل الضحية، حيث أنه إذا كان المشرع بالفعل جرم مجموعة من السلوكات وصور العنف التي من شأنها أن تؤذي الطفل، فإنه بالمقابل لم يتبعها بإجراءات مسطرية فعالة و مرنة تمكن أجهزة البحث والتحري وبالأخص الضابطة القضائية من تفهم وضعية الطفل ضحية العنف أثناء القيام بإجراءات البحث التمهيدي.
حيث أنه في هذا السياق، و على مستوى البحث التمهيدي بالأساس يلاحظ أنه بالرغم من إحداث المشرع الجنائي المغربي لفرقة خاصة من ضباط الشرطة القضائية مكلفة بالأحداث [4] تطبيقا لتوصيات منظمة الشرطة الدولية لسنة 1947، وكذا لتوصيات المؤتمر السابع للأمم المتحدة بشأن منع الجريمة و معاملة الضحايا لسنة 1985، و كذلك لتوصيات مجموعة من الملتقيات [5]، فإنها لم تستطع لحد الآن أن تميز في عملها مع الأحداث بين فئة الجانحين و فئة الضحايا خاصة إذا كانت هذه الأخيرة من أطفال الشارع أو المتشردون، حيث لا زالت الإهانات تمارس على الطرفين جانحين وضحايا، ذلك أن حوالي 50 % من الأحداث نزلاء مركز عبد العزيز بن إدريس المتابعون بقضايا التشرد أكدوا أنهم تعرضوا لسوء معاملة من قبل الشرطة رغم أنهم صرحوا أثناء الاستماع إليهم بتهمة التشرد أن تشردهم ما هو إلا نتيجة لسوء المعاملة و الاعتداءات المتكررة التي تلحقهم من طرف الأقرباء و بعض الجيران، بل أكثر من ذلك صرح 10 % منهم أنهم تعرضوا للضرب والشتم و الإستهزاء عند تصريحهم بأنهم كانوا ضحايا لاعتداءات جنسية [6]، مما بنبغي معه القول أنه لا يكفي إحداث شرطة خاصة بالأحداث تتجول بين الطرقات أو تستقر في المراكز الإدارية للشرطة، بل لابد من أن يكون الساهرون عليها على قدر كبير من الإلمام بفن معاملة الأحداث الذي يتطلب حسب الأستاذ عمر الفاروق الحسني [7] إلمام عميق بعلم النفس الإجتماعي وبأحكام قوانين الأحداث، على أن البعض [8] يطالب كذلك بالإضافة إلى التخصص العلمي أن تمارس وحدة شرطة الأحداث مهامها في مقر عمل مستقل عن مقر عمل أجهزة الشرطة العامة التي تتعامل مع الرشداء، و أن تدعم بالعنصر النسوي مع ارتياد زي مدني عادي من شأنه ألا يرهب الأحداث.
و في نفس السياق، إذا كنا نتفق مع الطرح الذي يطالب بالتخصص العلمي لأفراد وحدة شرطة الأحداث، فإننا مع ذلك لا نؤيد الطرح بكون الزي المدني و المقر المستقل من شأنه ألا يرهب الأحداث، فالغاية الكبرى من إحداث شرطة الأحداث على ما يبدو ليس الشكل وإنما طريقة التعامل التي ينبغي أن تقوم على أساس تفهم الوضعية النفسية و حالة الاضطراب التي يكون عليها الحدث سواء كان ضحية أو جانحا من قبل أفراد الضابطة القضائية من أجل الوصول إلى حقيقة ما يصرح به و ليس تلفيق التصريحات وتجاوز الحقائق.
الأمر الذي يتطلب حسب إعتقادنا دعم شروط الثقة المتبادلة بين الحدث وأسرته من جهة و جهاز الضابطة القضائية من جهة ثانية عن طريق، أولا تيسير إجراءات الإستماع والتبليغ عن الجرائم التي تستهدف الأطفال عن طريق خلق خلايا في الدوائر القضائية والدوائر الأمنية مكونة من موارد بشرية متخصصة في تقنية الاستماع و كشف حقيقة التصريحات المقدمة من الحدث الضحية على وجه الخصوص، ثم ثانيا تدوين جميع تصريحات الأحداث الضحايا و تصريحات أوليائهم حيث سجل المرصد الوطني لحقوق الطفل في هذا الصدد أن الاستياء الكبير الذي يعاني منه الأحداث الضحايا وأسرهم هو عدم تدوين تصريحاتهم من طرف ضباط الشرطة القضائية مما يدفعهم في الغالب لعدم إتمام إجراءات المتابعة في حق المتهم، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب التي قد تدفع ضباط الشرطة القضائية إلى عدم تدوين كل تصريحات ضحايا الجريمة؟ و قبل ذلك ما هي أبرز الضمانات القانونية المخولة لحماية تصريحات الأطراف من التغيير أو النقصان في محاضر ضباط الشرطة القضائية؟
يعتبر جهاز ضباط الشرطة القضائية من بين الأجهزة المكلفة بالتحري عن الجرائم طبقا لمقتضيات الكتاب الأول من قانون المسطرة الجنائية [9]، تنحصر مهامه أساسا في التثبت من وقوع الجرائم و جمع الأدلة عنها، و البحث عن مرتكبيها في إطار حالة التلبس بالجريمة، أو في إطار البحث التمهيدي العادي، أو في نطاق الإنابة القضائية [10]، على أساس تحرير محضر بشأن كل حالة على حدة [11]، يتضمن وصفا لكل ما عاينه ضابط الشرطة القضائية أو تلقاه أو قام به من عمليات ضبطية أو تحريات بناء على الشروط التي تقتضيها المادة 24 من (ق.م.ج.م) التي تتلخص في ما يلي :
1. وجوب تحرير المحضر كتابة من طرف ضابط للشرطة القضائية وليس من طرف أعوان الشرطة القضائية حيث لا تكتسب الوثائق المحررة من قبل هؤلاء صفة المحضر؛
2. أن يتم إنجاز المحضر أثناء مزاولة ضابط الشرطة لمهامه و أن يكون مضمون المحضر من إختصاصات الضابط؛
3. أن يتضمن المحضر كل ما عاينه الضابط أو تلقاه من تصريحات أو أقوال، مع وصف لكل العمليات التي قام بها مثل التفتيش أو الحجز أو الإيقاف أو غيرها من العمليات التقنية أو القانونية التي يسمح بها القانون للضباط؛
4. وجوب الإشارة إلى هوية المستمع إليه ورقم بطاقته عند الإقتضاء؛
5. تدوين أقوال المستمع إليه كما يرويها هو نفسه سواء على شكل رواية للأحداث أو على شكل ملاحظات أو على شكل طلبات؛
6. وجوب قراءة المصرح لتصريحاته بنفسه قبل التوقيع عليها، و إلا قرأت عليه عند الإقتضاء و يوقع عليها المستمع إليه و في حالة التعذر يشار إلى طبيعته هل هو رفض أو عدم إستطاعة ؛
7. و من أجل حسن التخاطب بين الضابط و المستمع إليه خولت المادة 21 من (ق.م.ج.م) للضابط إمكانية الإستعانة بمترجم يحسن لغة المستمع إليه؛
8. كما ينبغي أن يتضمن المحضر الإجراءات الشكلية التالية:
Ø إسم الضابط محرر المحضر و صفته؛
Ø مكان عمل محرر المحضر و مكان تلقي مضمون المحضر؛
Ø توقيع الضابط محرر المحضر؛
Ø وجوب الإشارة إلى تاريخ و ساعة إنجاز الإجراء موضوع المحضر، وتاريخ وساعة إنجاز المحضر؛
و عليه، فمن خلال إستعراض شروط تحرير المحضر من قبل ضابط الشرطة القضائية يمكن القول بأن المشرع الجنائي المغربي قد كفل للمحضر عموما شروط الوثيقة الرسمية [12] و من تم حماية قانونية لتصريحات وأقوال الضحايا بما فيهم تصريحات الأطفال ضحايا العنف من كل تغيير أو تحريف.
لكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن واقع تحرير المحاضر من طرف ضباط الشرطة القضائية ليس كما نصت عليه المادة 24 من (ق.م.ج.م)، و إنما هو واقع يعج بالخروقات القانونية و اللامبالاة بالإجراءات الموضوعية و الشكلية في تحرير المحاضر، تارة لجهل بالمقتضيات المنظمة لطريقة تلقي التصريحات، و تارة أخرى لعدم الاهتمام بتدوين كل التصريحات المدلى بها من طرف المستمع إليه، و تارة ثالثة لضعف الإمكانيات المادية وقلة الموارد البشرية مما يدفع إلى تكليف أعوان الشرطة أو مقتشين لم يتموا مدة الثلاث سنوات القانونية للحصول على الصفة القانونية التي تمكنهم من الإنتصاب لتحرير محاضر، مما من شأنه بالضرورة أن يؤثر من جهة على صيرورة العدالة الجنائية التي تطمح إليها السياسة الجنائية المغربية عموما [13]، ومن جهة ثانية على الوضعية الاجتماعية و النفسية للطفل ضحية العنف.
و على العموم، توخيا للواقع الذي تعرفه إجراءات تحرير المحاضر على مستوى البحث التمهيدي، و من أجل توفير ضمانات قانونية لتصريحات الضحايا و لأقوال المتهمين على السواء، لم يعترف المشرع الجنائي المغربي مطلقا بحجية المحاضر المحررة من قبل ضباط الشرطة القضائية في الجنايات [14]، و كذلك المحاضر التي لم تلتزم بالشكل القانوني المنصوص عليه في المادة 24 من ق.م.ج [15]، في حين خول حجية نسبية للمحاضر المحررة في الجنح و المخالفات بناء على امكانية إثبات عكس مضمونها بأي وسيلة من وسائل الإثبات أو الدفع بزوريتها [16] أثناء تحريك الدعوى العمومية.
________________________________________
[1] - مذكرة المرصد الوطني لحقوق الطفل بخصوص القواعد الخاصة بالأحداث و الأطفال ضحايا سوء المعاملة في مشروع القانون رقم 01/22 المتعلق بمدونة المسطرة الجنائية: مجلة للطفل حقوق، عدد مزدوج 5/6 ، يونيو 2002، ص: 46.
[2] - Ahmed Ait TALEB : « L'enfer de TAROUDANT », op cit, P :37.
[3] - على قول عالم الضحية المصري عزت عبد الفتاح الذي يحدد في مقاله المحرر بالفرنسية "من هي الضحية و ما هو مصيرها" أصناف الضحايا و يعبر الطفل الضحية من صنف الضحية البريئة، EZZATE Abdel Fatah : « La victimologie qu'est elle, quel est son avenir », Revue internationale de criminologieet de police technique 1967, p :116-117.
[4] - المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية المغربية.
[5] - مؤتمر القاهرة الذي نظمته الأمم المتحدة حول ظاهرة الجنوح في الشرق الأوسط سنة 1959، وكذلك المادة 12 من قواعدبكين حول جنوح الأحداث التي نصت على أن "ضباط الشرطة الذين يتعاملون كثيرا مع الأحداث أو الذين يخصصون للتعامل معهم أو الذين يتناولون بالدرجة الأولى مهمة منع جرائم الأحداث، يجب أن يتلقوا تعليما و تدريبا خاصين لكي يتسنى لهم إدذاء مهامهم على أفضل وجه".
[6] - "الأطفال في وضعية صعبة:أطفال الشوارع نموذجا"، عرض أنجزه مجموعة من طلبة السلك الثالث قانون خاص، وحدة الأسرة والطفولة، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2001/2002، ص 91 و92.
[7] - عمر الفاروق الحسني: "إنحراف الأحداث المشكلة والمواجهة، منشورات جامعة المنصورة، مصر، 1995،ص 235.
[8] -مراد دودوش: "حماية الطفل في التشريع الجنائي المغربي: جانحا و ضحية"، مرجع سابق، ص: 73.
[9] - المواد من 16 إلى 35 من قانون المسطرة الجنائية المغربية. على أن السلطات المكلفة بالتحري و التحقيق في المسطرة الجنائية المغربية وردت على الشكل التالي :
*النيابة العامة؛
*قاضي التحقيق؛
*الشرطة القضائية
[10] -المواد 18 ، 21 و 78 من قانون المسطرة الجنائية.
[11] -تنص المادة 23 من (ق.م.ج.م) على أنه "يجب على ضباط الشرطة القضائية أن يحرروا محاضر بما أنجزوه من عمليات........."
[12] - الورقة الرسمية حسب ما نص عليه الفصل 418 من ق.ل.ع.م هي كل وثيقة يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، و ذلك في الشكل الذي يحدده القانون.
وتكون رسمية أيضا:
1. الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم.
2. الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية و الأجنبية بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على التي تثبتها.
[13] - محمد مرزوكي: "السياسة الجنائية الإجتماعية في مجال الأسرة و الأحداث و مساعدة الضحايا"، مرجع سابق، ص: 338.
[14] - المادة 291 من قانون المسطرة الجنائية المغربية.
[15] - المادة 289 من ق.م.ج
[16] - المادة 290 من ق.م.ج.


المبحث الثاني :

عدم نجاعة تدخل قضاء الأحداث بعد تحريك الدعوى العمومية .

بالرغم من بطء تدخل آليات تأهيل الطفل ضحية العنف قبل تحريك الدعوى العمومية، فإنه مع ذلك يعتبر تدخلها فعالا بالمقارنة مع تدخل الجهاز القضائي وبالأخص قضاء الأحداث الذي تتسم تدخلاته رغم رسميتها بعدم النجاعة و عدم الفعالية في التشريع الجنائي المغربي، على مستوى تدخل قضاء الموضوع المكلف بالأحداث (المطلب الأول)، و كذا على مستوى تدخل النيابة العامة في تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف (المطلب الثاني).
المطلب الأول :

 محدودية تدخل قضاء الموضوع المكلف بالأحداث في عملية تأهيل الطفل الضحية.

اعتبارا لكون قضاء الأحداث مؤسسة قضائية مكلفة بالسهر على تفعيل الحماية القضائية للأحداث، سواء الجانحين أو غير الجانحين، وفقا لقواعد شكلية و مادية ذات طبيعة خاصة، يستثنيها المشرع من القواعد العامة لتميزها بما تستحقه مرحلة الطفولة بخصوصياتها الكثيرة من عناية، فإن تعريفها يتجاذبه أكثر من إتجاه، حيث أن هناك اتجاه يضيق من مفهومها، وآخر يوسع منه بحسب طبيعة الاختصاصات المخولة له من طرف المشرع الوطني في غياب تام لإتجاه ثالث قد ينهض بدور الموفق بين الاتجاهين.
ذلك أنه قبل التعرض لمعالم كل اتجاه على حدة، تجب الإشارة إلى أن أول اهتمام سجل بعدالة الأحداث أو قضاء الأحداث كان على المستوى الدولي قبل نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 [1]، وبالأخص مع إنعقاد أول مؤتمر حول الأطفال ببروكسيل سنة 1913، مرورا بإعلان جنيف لسنة 1924 الذي تبنته عصبة الأمم، و كذا بالإعلان العالمي لحقوق الطفل سنة 1959.
و قد تطور الإهتمام الدولي بقضاء الأحداث إلى الحد الذي صارت تعقد له مؤتمرات دولية خاصة تلتئم تحت رعاية الأمم المتحدة وبتنظيم في غالب الأحيان من أحد أجهزتها المتخصصة، فكان أن أوصى مؤتمر الأمم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في كاراكاس سنة 1980 [2]، في المادة الرابعة من تقريره الختامي على ضرورة وضع قواعد نموذجية لإدارة شؤون الأحداث ورعايتهم.
و بعد خمس سنوات من مؤتمر كاراكاس، انعقد مؤتمر الأمم المتحدة في 29 نونبر 1985 ببكين الصين لأجل تقعيد قواعد و معايير نموذجية لقضاء الأحداث عرفت بالقواعد النموذجية الدنيا لإدارة شؤون الأحداث قواعد بكين، لكن مع ذلك لم تحظى بالإهتمام التشريعي الواجب نظرا لعدم إلزاميتها الدولية، الأمر الذي تنبهت له الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في مادتها 40 [3] التي نصت على إلزامية إحداث قضاء للأحداث في التشريعات الوطنية التي صادق مشرعها على الاتفاقية الأممية.
أما على المستوى الداخلي سجل أول ظهور لقضاء الأحداث في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتشر تصورها كجهاز من شأنه أن يجنب الأحداث هول الخضوع لقواعد القانون الجنائي التقليدي الصارمة في أغلب بقاع العالم، و على وجه الخصوص في التشريعات الجنائية الغربية و بعض التشريعات العربية.
حيث أصدر المشرع الجنائي الفرنسي في هذا الإطار سنة 1945 قانونا أحدث بموجبه أول مؤسسة خاصة بقضاء الأحداث في التنظيم القضائي الفرنسي، أتبعه سنة 1958 بقانون نص على وجوب توفير الحماية المدنية القضائية للأحداث عن طريق تكوين قضاة متخصصين في مجال الأحداث، مشبعين بمختلف المعارف العلمية من علوم اجتماعية سيكولوجية و قانونية [4].
أما المشرع الجنائي المصري فيعتبر من أبرز المشرعين العرب الذين تبنوا نظام قضاء الأحداث، حيث نصت المادة 120 من قانون الطفل رقم 12 الصادر سنة 1996 على أنه " تتشكل في مقر كل محافظة محكمة أو أكثر للأحداث، ويجوز بقرار من وزير العدل إنشاء محاكم للأحداث في غير ذلك من الأماكن وتحدد دوائر اختصاصاتها في قرار إنشائها. و تتولى أعمال النيابة العامة أمام تلك المحاكم نيابات متخصصة للأحداث يصدر بإنشائها قرار من وزير العدل" [5].
أما المشرع الجنائي المغربي فبعد أن كان يتبنى في ظل قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 ما يعرف بغرفة قضاء الأحداث، تخلى عنها بموجب ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974، و كنتيجة للتطور الذي عرف مجال حقوق الأطفال على المستوى الدولي و ضغوط المجتمع المدني التي مورست على هذا المشرع، استجاب سنة 2002 لمطلب إحداث غرفة قضائية خاصة بالأحداث بمختلف المحاكم العادية الإبتدائية والاستئنافية بموجب قانون المسطرة الجنائية الجديد [6].
و في ضوء الاهتمام التشريعي الدولي و كذا الوطني، يثار التساؤل حول طبيعة الإختصاصات المخولة لقضاء الأحداث و مداها القانوني و الواقعي، ومن تم محددات مفهوم هذه المؤسسة القضائية ذات الطابع الاجتماعي التي تختلف بإختلاف المرجعية التي ينهض عليها النظام القانوني المتبع، وقوة السياسة الاجتماعية و الاقتصادية الموجهة لصالح الأحداث، الأمر الذي أثر على ما يبدو في إعتقاد البعض [7] بأن مفهوم مؤسسة قضاء الأحداث يتجاذبه مفهومان أحدهما ضيق، و الآخر متسع في غياب مفهوم ثالث أو أي طرح ثالث من شأنه أن يوسع أكثر من مفهوم المؤسسة و يجعلها تبث في قضايا أكثر من تلك التي حصرها فيها أغلب المشرعين الجنائيين.
و هكذا، ففيما يخص المفهوم الضيق لمؤسسة قضاء الأحداث، فإنه كاتجاه متشدد يقوم على أساس، أولا استبعاد تكليف أي هيئة قضائية متخصصة للنظر في القضايا الجنائية المتعلقة بالأحداث؛ ثانيا تطبيق نفس القواعد الجنائية الإجرائية المطبقة على الرشداء في حق الأحداث مع تخويل إمكانية بسيطة في تعيين قاض للأحداث على مستوى الدرجة الثانية للتقاضي، بمعنى آخر أنه اتجاه يستبعد تمتيع الحدث بمقتضيات الحماية الجنائية الاجتماعية القبلية التي بإمكان القضاء المتخصص أن يفعلها لصالح الحدث، ومن تم حماية مصالحه الاجتماعية و مصالح أسرته، و تجنيبه هول الإجراءات الرسمية أمام القضاء الجنائي العادي.
و في هذا الإطار كان يصنف المشرع الجنائي المغربي بعد تبنيه لظهير الاجراءات الانتقالية سنة 1974 الذي استبدل بمقتضاه اختصاص غرفة الأحداث التي كان منصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 [8] بغرفة المشورة في المحكمة الابتدائية، حيث نص في الفصل 16 من ظهير الإجراءات الانتقالية على أنه "تنظر المحكمة الابتدائية و هي تبث في غرفة المشورة في الجنح والمخالفات المرتكبة من طرف الأحداث ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".
و ألحق بهذا المقتضى فصلين آخرين اعتبرا تخفيفا لتشدده في تغييب اختصاص قاض الأحداث عن المحكمة الابتدائية، أقر بموجبيهما إمكانية تعيين قاض للأحداث في مقار محاكم الاستئناف بمقتضى قرار يجب أن يصدر عن لوزير العدل [9]، كما اشترط تحت طائلة البطلان أن يكون احد أعضاء غرفة الجنايات و الغرفة الجنحية عند البث في قضايا الأحداث قاضيا للأحداث [10].
إلا أنه على الرغم من المرونة التي أبداها أنذاك المشرع الجنائي المغربي في مجال قضاء الأحداث على مستوى محاكم الاستئناف، فإنه لم يلحق بتلك المرونة التي كان يتبناها المشرع الجنائي الأردني [11]، الذي و إن كان لم يخصص للأحداث محاكم معينة فهو اعتبر كل محكمة تنظر في التهم المنسوبة للحدث أنها محكمة للأحداث، و لا تكون كذلك إذا كان الحدث متهما بالإشتراك مع شخص بالغ و إنما تعتبر محكمة عادية، على أن تراعى بحق الحدث الأصول المقررة لدى محاكم الأحداث.
و كذلك ما ذهب إليه المشرع الليبي في المادة 317 من قانون إجراءاته الجنائية التي تقضي بأنه " إذا كان مع المتهم الصغير من تزيد سنه عن 18 سنة بصفة فاعل أو شريك في نفس الجريمة وكانت سن الصغير تتجاوز 14 عاما جاز للمحقق تقديم الصغير وحده إلى محكمة الأحداث أو إحالة القضية إلى غرفة الإتهام بالنسبة إلى جميع المتهمين لتأمر بإحالتهم على محكمة الجنايات، أما في مواد الجنح و المخالفات فتكون محكمة الأحداث هي المختصة بنظر الدعوى بالنسبة إلى جميع المتهمين" [12].
أما فيما يخص المفهوم الموسع لمؤسسة قضاء الأحداث، فهو المفهوم الذي يقوم على أساس، أولا إيجاد محاكم مختصة تتوفر على قضاة متخصصين في قضايا الأحداث، و ثانيا البت في قضايا الأحداث الجانحين و أولئك الذين يوجدون في وضعية صعبة في تجاهل تام لوضعية الأحداث ضحايا العنف التي ستجعلنا نقدم رأيا ثالثا نستقرء من خلاله إمكانية الحديث عن مفهوم أكثر اتساعا لمؤسسة قضاء الأحداث تتسع إختصاصاتها للبت حتى في القضايا التي قد يكون فيها الحدث ضحية لاعتداء صادر عن شخص راشد رعاية للمصلحة الفضلى للطفل الضحية من جهة [13]، و من جهة أخرى تطبيقا للغاية من إنشاء قضاء للأحداث التي تكمن في أن انفراد قضاء خاص بالأحداث من شأنه أن يدعم اختصاص هؤلاء القضاة و يساهم من تم في تمرسهم الجيد على المشاكل الخاصة التي تطرحها قضايا من هذا النوع [14].
و بالفعل، قد يكون من الممكن الحديث عن إيجاد قضاء متخصص للأحداث من شأنه أن ييسر إجراءات التقاضي على أولئك الأحداث الذين قد يقعون فريسة للإجرام دون استيعاب خطورة ما قاموا به، الشيء الذي تنبه إليه المجتمع الدولي فأقر مجموعة من الوثائق الدولية التي ركزت بالأساس على ضرورة الإهتمام بإدارة شؤون الأحداث من قبيل قواعد بكين [15]، وقواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حرياتهم [16]، على أن المادة 44 من وثيقة نيويورك عالم جدير بأطفاله رغم عدم إلزاميتها الدولية فهي تجعل من بين شروط بناء العالم الجدير بأطفاله "تشجيع إقامة خدمات للوقاية و الدعم والرعاية و كذلك نظم عدالة تختص بالأطفال بالذات، مع مراعاة مبادئ العدالة الإصلاحية و تأمين حقوق الأطفال بشكل كامل، وتوفير موظفين مدربين تدريبا خاصا بما يعزز إعادة إندماج الأطفال في المجتمع".
و في إطار نفس الفلسفة القانونية التي نصت عليها مختلف الوثائق الدولية المتعلقة بضرورة توسيع اختصاصات قضاء الأحداث لتشمل كذلك البت في قضايا الأحداث الذين قد يوجدون في وضعية صعبة أو في خطر بالإضافة إلى قضايا الأحداث الجانحين، أقر المشرع الجنائي الفرنسي بمقتضى قانون 1958 ما يعرف بمبدأ الحماية القضائية المدنية للأطفال في كل القضايا بما فيها الإدارية [17]، و أتبعه المشرع الجنائي البلجيكي سنة 1965 بإقراره لضرورة توسيع إختصاصات قضاء الأحداث البلجيكية إلى الحد الذي يصير بإمكانها أن توفر حماية جنائية لكل الأحداث بما فيهم أولئك الذين قد يوجدون في خطر [18].
في حين أنه سنة 1996 وسع المشرع الجنائي المصري إقتداء على ما يبدو بالمشرعين الفرنسي و البلجيكي من اختصاص محاكم الأحداث بمقتضى قانون رقم 12 لسنة 1996 لتبث في القضايا التي قد يتعرض فيها الحدث للانحراف أو الخطر، حيث نصت المادة 122 من هذا القانون على أنه "تختص محكمة الأحداث دون غيرها بالنظر في أمر الطفل عند اتهامه في إحدى الجرائم أو تعرضه للانحراف أو الخطر، كما تختص بالفصل في الجرائم المتعلقة بجرائم الاهمال في مراقبة الحدث بعد إنذار ولي أمره، جريمة إهمال متسلم الحدث في مراقبة و اخفاء الحدث، جريمة تعريض الحدث للانحراف أو للخطر" [19].
و لم يقتصر التوجه نحو توسيع إختصاصات قضاء الأحداث على بعض التشريعات الجنائية المقارنة بل استجاب المشرع الجنائي المغربي بدوره لهذا التوجه ومدد اختصاص قضاء الأحداث ليشمل أيضا النظر في قضايا الأحداث في وضعية صعبة بناء على المواد من 512 إلى 517 من (ق.م.ج.م)، و كذا تفعيل تدابير حماية الأحداث ضحايا الجنايات و الجنح بناء على المادتين 510 و511 من (ق.م.ج.م)، الشيء الذي يبرز التوجه المعاصر و المرن للمشرع الجنائي المغربي نحو التخصص القضائي في كل القضايا ذات الطابع الاجتماعي بما فيها قضاء الأحداث.
الأمر الذي يكون معه القول بأن الحديث عن المفهوم الموسع لقضاء الأحداث يقتضي التطرق لكل القضايا التي تهم الأحداث بما فيها قضايا الأحداث ضحايا العنف، والتي من شأن منح الاختصاص فيها لقضاء متخصص يتشكل من قضاة مؤهلون أن يحقق المبتغى من وجود قاض يهمه الحدث و مستقبله أكثر مما يهمه توقيع العقاب وتطبيق مقتضيات القانون الجنائي، بذلك يمكن تعريف قضاء الأحداث بأنه " مختلف الأجهزة القضائية المتخصصة في عدالة الأحداث الجانحين أو الضحايا أو أولئك الذين يوجدون في وضعية صعبة أو الذين قد يتم الاعتداء على مصالحهم الفضلى [20] في النزاعات ذات الطابع المدني أو الجنائي".
و على العموم، فإن ما ينبغي قوله هو أنه بالرغم من أن المشرع الجنائي المغربي انتهج مرونة تشريعية ناذرة من طرفه في مجال الأحداث، فإنه لم يولي للاعتبارين المادي و البشري لتفعيل قواعد حماية الأحداث من خلال قضاء الأحداث أي اهتمام، حيث سجل عليه في هذا الصدد أنه لم يفعل لحد الآن ما يعرف بقضاء الأحداث ذو البناية والتجهيزات المستقلة عن المحاكم العادية التي بإمكانها أن تجنب الحدث هول و رسمية الإجراءات المتبعة أمامها، الأمر الذي أثر على ضعف مردودية هذا القضاء منذ إقراره سنة 2002 و العمل به في أكتوبر 2003 تاريخ دخول المسطرة الجنائية حيز التطبيق.
كما سجل على المشرع الجنائي المغربي كذلك تغييبه لدور قضاء الأحداث كمؤسسة من شأنها أن تسهر على حماية الحدث و بالأخص الضحية الذي من الممكن أن يصير جانحا إن لم توفر له العناية الصحية والمواكبة النفسية و القضائية.
حيث أنه في هذا الإطار و بالعودة إلى مقتضيات المادتين 510 و 511 من (ق.م.ج.م)، يلاحظ بأنها قد خولت لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث إمكانية إصدار أمر قضائي بتفعيل أحد تدابير الحماية أو العلاج بناء على ملتمس من النيابة العامة أو بعد أخذ رأيها في الموضوع. الأمر الذي يبرز بأن الانتقاد السالف لا يمكن الأخذ به على اعتبار أن المقتضى جاء صريحا في هذا الإطار، لكن ما تنبغي الإشارة إليه على هذا المستوى هو متى يحق لقاضي الأحداث أن يصدر أمرا قضائيا باستفادة الحدث الضحية من أحد تدابير الحماية أو العلاج المنصوص عليها في المادتين 510 و 511 من (ق.م.ج.م.)؟ ثم ما هي الطبيعة القانونية للأوامر القضائية الخاصة بتفعيل تدابير حماية وعلاج الحدث الضحية؟
و هكذا، فبالنسبة للسؤال الأول و المتعلق بالوقت الذي يحق فيه لقاضي الأحداث أن يصدر أمرا قضائيا باستفادة الحدث من أحد تدابير الحماية أو العلاج، فإنه بالعودة إلى المقتضيات الخاصة بتدابير الحماية و العلاج [21] يلاحظ بأن وقته قد يكون قبل أو بعد صدور الحكم في القضية المعروضة على أنظار هيئة المحكمة، لكن السؤال الذي يجب طرحه على هذا المستوى يدور حول طبيعة المحكمة المختصة بالبث في قضية الحدث الضحية؟ هل القضاء العادي أم قضاء الأحداث؟
باستقراء مختلف المقتضيات المتعلقة بقضاء الأحداث في قانون المسطرة الجنائية المغربية وبالخصوص المقتضى الخاص بالأساس القانوني المنشئ لقضاء الأحداث [22]، يلاحظ بأنه يشترط لكي ينعقد الإختصاص لهذا القضاء وجوب أن يكون الحدث جانحا، لا أن يكون الحدث ضحية إلا في حالة ما إذا كان المعتدي على هذا الأخير حدث مثله عند إذن يمكن أن ينعقد الإختصاص لقضاء الأحداث، بمعنى آخر أن الإختصاص القضائي في قضايا الحدث الضحية تقتسمه هيئتين مختلفتي الغايات والتوجهات حيال الجناة، قضاء الأحداث في حالة ما إذا كان المعتدي على الحدث حدث مثله، القضاء العادي – الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية أو غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف- في حالة ما إذا كان المعتدي على الحدث راشد.
الشيء الذي نعتقد معه أنه تمييز جائر في حق الحدث ضحية العنف إن لم يمكن اعتباره عنفا قانونيا في حق المصلحة الفضلى للحدث الضحية التي لم تراعى بتاتا أثناء سن الإطار القانوني المنظم لقضاء الأحداث، و كأن الغايات الأساسية من إحداث هذا القضاء لا تقتصر إلا على مراعاة مصالح الحدث الجانح، مثل تجنيبه هول الإجراءات الرسمية أمام القضاء العادي، مع العلم أن الحدث الضحية يكون أكثر الأشخاص معاناة أثناء عرض قضيته على هيئة المحكمة العادية.
و في هذا الإطار الأخير فقد دلت أغلب الأبحاث التي أجريت في هذا الصدد على أن الحدث ضحية العنف يكون أكثر الأشخاص معاناة أمام هيئة المحكمة من خلال الصور التالية :
1. أن شروط الجلسة أمام القضاء العادي لا تسمح للحدث الضحية بعرض كل ما لديه من حقائق نتيجة لضغط الملفات و القضايا؛
2. أن حالة الحدث الضحية حالة غير مدروسة من قبل قضاء الموضوع العادي لعدم تخصصه المهني في مجال الطفولة؛
3. أن الذهاب المتكرر إلى المحاكم العادية و ولوج ردهاتها يخلق نوعا من الاضطراب بالنسبة للأطفال و يفاقم من معاناتهم [23]؛
و هذه الاعتبارات جملة لا تختلف عن تلك التي دفعت إلى إقرار قضاء الأحداث للبت في قضايا الحدث الجانح، و التي تقوم كذلك على وجوب حماية مصالح الحدث الجانح الاجتماعية و مصالح أسرته؛ بالإضافة إلى أن تدعيم اختصاص قضاة الأحداث من خلال حصر مهامهم في البت في قضايا الأحداث قد يساهم في تمرسهم الجيد على المشاكل الخاصة التي تطرحها قضايا من هذا النوع [24].
و علاوة على هذه الاعتبارات التي تؤكد صحة الطرح الذي تبنيناه، يمكن القول بأن تفعيل الأمر القضائي الصادر عن قاضي الأحداث كاستجابة منه لملتمس النيابة العامة بشأن الحدث الضحية المعروضة قضيته على المحكمة العادية، قد يكون قاصرا عن تحقيق الغاية المنتظرة منه خاصة و أن هذا القاضي قد لا يكون اطلع على حيثيات القضية و لم يستجوب أطرافها و لا حتى عاين الحدث الضحية.
و مما قد يزيد الطين بلة على هذا المستوى هو عدم إمكانية الطعن في القرار القضائي الصادر قبل صدور الحكم في القضية برمتها، في حين أنه بالإمكان الطعن في القرارت القضائية المتضمنة أوامر بتفعيل التدابير الحمائية لصالح الحدث الضحية بعد صدور الحكم، مما يجب معه القول أن الإجابة على السؤال الثاني تقتضي القول بأن المشرع على ما يبدو قد راعى الحالة النفسية والصحية التي قد يكون عليها الحدث الضحية قبل صدور الحكم في قضيته، لذلك ألزمه بتنفيذ قرار قاض الأحداث دون أن يطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن [25] ليكون قراره في هذه المحطة قرار مبرم، في حين أنه في حالة ما إذا أصدر قاض الأحداث أمر بتمتيع الحدث الضحية بأحد تدابير الحماية بعد صدور الحكم في قضية هذا الحدث فإنه يجوز لكل من النيابة العامة أو أبوي الحدث أو الوصي أو المقدم أو الحاضن أو الكافل أو المكلف برعايته أو الحدث نفسه أن يستأنف قرار القاضي خلال عشرة أيام من صدوره أمام الغرفة الجنحية للأحداث بمحكمة الاستئناف [26].
الشيء الذي قد يبرز الإمكانية التي خولها المشرع للاعتراض على قرار قاض الأحداث الذي قد يصدر بعد صدور الحكم في قضية الحدث الضحية، لكل من يعنيه أمر الحدث الضحية بما فيه الحدث نفسه، لكن رغم ذلك فالمقتضى (م511 من ق.م.ج.م) برمته شابه نوع من القصور من خلال استبعاده لإمكانية الأمر بتمتيع الحدث الضحية بعد صدور الحكم في قضيتة بأحد تدابير العلاج خاصة وأن حالته الصحية والنفسية قد تتفاقم.
و على العموم فإن ما يجب قوله هو أنه في الوقت الذي كان على المشرع أن يقوم بإبراز دور حقيقي لقضاء الأحداث في عملية تأهيل الحدث ضحية العنف، نجده يقوم بتغييب هذا القضاء في حالة ما إذا كان المعتدي على الحدث راشد و يستدعيه في حالة ما إذا كان المعتدي حدث، الشيء الذي نعتقد أن من شأنه أن يؤثر على دور النيابة العامة أثناء سهرها على تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف.
________________________________________
[1] - ذ.لحسن بيهي : "مؤسسة قضاء الأحداث وفق قانون المسطرة الجنائية الجديدة كما وافق عليه مجلس النواب في 12 ربيع الثاني 1423 موافق 24 يونيو 2002"، مجلة القانون المغربي، محور الدراسات و الأبحاث القانونية، العدد الرابع، السنة 2003، ص: 132.
[2] - انعقد مؤتمر كاراكاس لمنع الجريمة و معاملة المجرمين بمبادرة من الأمم المتحدة ما بين 25 غشت و 5 شتنبر 1980 أنظر مقال الأستاذ Vleone : « Perspective en matières de recherhce operationnelle jeunesse criminalité et justice juvénile », Revue Internationale de criminologie et de police technique, N° 1/86- 1 JANVIER – MARS 1986, P :107.
[3] - تنص الفقرة الثانية من المادة 40/ب من الاتفاقية لدولية لحقوق لطفل على ما يلي : "(ب)- يكون لكل طفل يدعى بأنه انتهك قانون العقوبات أو يتهم بذلك الضمانات التالية على الأقل:
1. .......
2. .....
3. قيام سلطة أو هيئة قضائية مختصة و مستقلة و نزيهة بالفصل في دعواه دون تأخير في محاكمة عادلة وفقا للقانون، بحضور مستشار قانوني أو بمساعدة مناسبة أخرى و بحضور والديه أو الأوصياء القانونيين عليه، ما لم يعتبر أن ذلك في غير ملحة الطفل الفضلى، ولا سيما إذا أخذ في الحسبان سنه أو حالته."
[4] - Nicolas Queloz et Frederique Butikofer : « Evolution de la justice des mineurs en suisse », La Revue de déviance et société, N° spéciale sur la justice pénale es mineurs en Europe vol 26 N° 3 Septembre 2001, P :3.
[5] - ذ. محمد شتا أبو سعد : "الوجيز في قانون الطفل و جرائم الأحداث"، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، مصر، 1997، ص: 149.
[6] - قانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية الصادر الأمر بتنفيذه الظهير رقم 225-02-1 المؤرخ في 25 رجب 1423 الموافق ل3 أكتوبر 2002، دخل حيز التنفيذ في فاتح أكتوبر 2003، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 30 يناير 2003، ص: 315.
[7] - إدريس ختا : "محاكم الأطفال بالمغرب :واقع و استشراف"، مرجع سابق، ص:10.
[8] - الفصول من 519 إلى 549 من قانون المسطرة الجنائية القديمة لسنة 1959.
[9] - كان ينص الفصل 19 من ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974 على أنه " يعين قاض أو عدة قضاة للأحداث بقرا لوزير العدل في مقار محاكم الاستئناف من بين قضاة هه المحاكم".
[10] - كان ينص الفصل 23 من ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1974 على أنه " يجب تحت طائلة البطلان أن يكون أحد أعضاء غرفة الجنايات و الغرفة الجنحية المشار إليها في الفصلين العاشر و الحادي عشر عند البت في قضايا الأحداث قاضيا للأحداث".
[11] - المادة 8 من قانون الأحداث الأردني.
[12] - د. عبد الرحمان مصلح الشرادي : "إنحراف الأحداث في التشريع المغربي و القانون المقارن"، مرجع سابق، ص 176.
[13] Renée JOYAL : « La notion d'intérêt supérieur de l'enfant, sa place dans la convention des Nations-Unies sur les droits de l'enfant », Revue Internationale e droit pénal, N° 62 e année- nouvelle série, 3 et 4 trimestres 1991, P : 785.
[14] -إدريس ختا: " محاكم الأطفال بالمغرب: واقع و استشراف"، مرجع سابق، ص13.
[15] - وبالأخص القواعد النموذجية المسماة بقواعد إدارة شؤون الأحداث قواعد بكين الصادرة في نونبر 1985 بمقتضى القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة رقم 40/33،.
[16] - قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم، القواعد التي اعتمدت و نشرت على الملأ بقرار للجمعية العامة رقم 45/113 المؤرخ في 14 دجنبر 1990.
[17] - Frencis Bailleau : « La justice pénale des mineurs en France au l'émergence d'un nouveau modèle de gestion des illégalisme », La Revue de Déviance et Société, N° Spécial sur la justice pénale des mineurs en europe, Vol 26, N°3, 3 Septembre 2002, P : 406.
[18] - Yves Cartuvels : « Les histoires de la justice des mineurs en Bélgique : Vers un retour –SOFT- du pénal », La Revue de Déviance et Société, N° Spécial sur la justice pénale des mineurs en europe, Vol 26, N°3, 3 Septembre 2002, P : 283.
[19] - ذ. محمد شتا أبو سعد : "الوجيز في قانون الطفل و جرائم الأحداث"، مرجع سابق، ص: 155 و 156.
[20] - من أبرز القضايا التي قد تعيق مصالح الحدث بالإضافة إلى الجنوح و العنف و التواجد في وضعية صعبة، نجد قضايا شؤون القاصرين و قضايا الحضانة و الإهمال و النسب، و العديد الآخر من القضايا.
[21] - المادتين 510 و 511 من (ق.م.ج.م).
[22] - تنص الفقرة الأولى من المادة 461 من (ق.م.ج.م) على : "تحيل النيابة العامة الحدث الذي يرتكب جريمة إلى قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث.
إذا وجد مع الحدث مساهمون أو مشاركون رشداء، وجب فصل قضيتهم عن القضية المتعلقة بالحدث، و تكون النيابة العامة ملفا خاصا للحدث تحيله إلى قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث.........".
[23] - د.مصطفى دانيال/ ذ.أحمد شوقي بنيوب: "حماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة و الاستغلال: تطور مقاربة..."، مرجع سابق، ص:18.
[24] -إدريس ختا: " محاكم الأطفال بالمغرب: واقع و استشراف"، مرجع سابق، ص13.
[25] - الفقرة الثانية من المادة 510 من (ق.م.ج.م).
[26] - المادة 511 من (ق.م.ج.م).


المطلب الثاني :

قصور دور النيابة العامة في تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف .

تعتبر النيابة العامة الجهاز أو الهيئة التي يعهد إليها المشرع بتحريك الدعوى العمومية و مراقبة سيرها إلى غاية صدور الحكم ثم تنفيذه، و هي قضاء خاص قائم لدى كل محكمة يسعى إلى تمثيل المجتمع و الدفاع عن السياسة التشريعية في مختلف الميادين القضائية بما فيها الجنائية. فهي خصم شريف يباشر الدعوى العمومية ويحركها و يسهر على التطبيق و التنفيذ السليم للقانون على اعتبار أنه نائب عن المجتمع في حماية كيانه و نائب عن المشرع في تطبيق القانون أمام القضاء [1].
و قد ارتبط ظهور النيابة العامة محليا [2] بظهور أول قانون للتنظيم القضائي و المسطرة المدنية للمملكة الشريفة في 12 غشت 1913 بمبادرة من المستعمر الفرنسي أنذاك، و تطور التنظيم الإداري لهذه الهيئة إلى المستوى الذي سارت معه المخاطب الوحيد و المشرف على تفعيل محددات السياسة الجنائية الوطنية باعتبارها جهاز تابع لوزير العدل الرئيس الإداري لها [3].
حيث أنه في هذا الإطار و بالأخص في جانبه المتعلق بحماية و علاج الطفل ضحية العنف، واعتبارا لما للنيابة العامة من دور أساسي في الحفاظ على النظام العام [4] و أمن الأشخاص و ممتلكاتهم عن طريق التزامها بتحريك الدعوى العمومية في حق الجناة وممارسة مختلف الصلاحيات و المهام التصالحية بين الجناة و الضحايا [5]، فقد خولها المشرع المغربي في سبيل تفعيل هذا الدور وكذا في سبيل توفير حماية جنائية للحدث ضحية العنف المجرم الإشراف أولا على تحريك تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف قبل وبعد صدور الحكم بحق المعتدي من جهة (الفقرة الأولى)، وثانيا الإشراف على إجراءات الصلح أو السدد بين الحدث الضحية والمعتدي في حالة ما إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة لا تتجاوز سنتين حبسا و الغرامة لا تفوق 5000 درهم [6] (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :

 إشراف النيابة العامة على تحريك تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف.

خول المشرع الجنائي المغربي كما سلف للنيابة العامة إمكانية أن تقوم بالإشراف على تحريك تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف من خلال ما نصت عليه المادتان 510 و 511 من (ق.م.ج.م) على التوالي من كون قاض الأحداث لا يمكنه أن يصدر أمرا قضائيا قبل أو بعد صدور الحكم على المعتدي بشأن استفادة الحدث الضحية من التدابير الحمائية و العلاجية إلا بعد أخذ رأي النيابة العامة في حالة ما إذا لم تبادر هذه الأخيرة بإصدار ملتمس في الموضوع.
لذلك فقبل صدور الحكم في حق المعتدي على الحدث و رعاية من المشرع المغربي على ما يبدو للوضعية النفسية و الصحية التي قد يوجد عليها هذا الأخير، خول للنيابة العامة إمكانية أن تسهر على حماية الطفل ضحية العنف من التهديدات التي من الممكن أن يتعرض لها سواء من المعتدي أو عائلته أو من أي شخص قد يؤثر على مجريات التحقيق في الدعوى بناء على ملتمس يقدم إلى قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث من أجل أن يصدر أمر قضائي بإيداع أو تسليم الحدث الضحية لأحد الأشخاص أو المؤسسات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 510 من (ق.م.ج.م) التي تنص على أنه :
" إذا ارتكبت جناية أو جنحة و كان ضحيتها حدثا لا يتجاوز عمره 18 سنة، فلقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث إما استنادا لملتمسات النيابة العامة و إما تلقائيا، بعد أخذ رأي النيابة العامة أن يصدر أمرا قضائيا بإيداع الحدث المجني عليه لدى شخص جدير بالثقة، أو مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة مؤهلة لذلك أو بتسليمه لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة. و ينفذ هذا الأمر رغم كل طعن".
كما خول المشرع الجنائي المغربي للنيابة العامة إمكانية إصدار أمر بعرض الحدث الضحية على خبرة طبية أو نفسية أو عقلية لتحديد نوع و أهمية الأضرار اللاحقة به و بيان ما إذا كان يحتاج إلى علاج ملائم لحالته حالا و مستقبلا،الأمر الذي نعتقد بأنه جزء من التوجه العلاجي للسياسة الجنائية المغربية حيال الأطفال ضحايا العنف الذي لا زال قاصرا على المستويين التشريع والواقعي.
ففي الجانب التشريعي يعاب على مشرع الفقرة الثانية من المادة 510 من (ق.م.ج.م) أنه لم يلزم مؤسسة النيابة العامة بضرورة عرض الحدث الضحية على خبرة طبية أو نفسية أو عقلية لتحديد أنواع الأضرار اللاحقة به و إنما جعله في إطار الإمكانية التي لا ترقى لإنتظارات الضحايا الذين يتحملون في الغالب تكاليف الخبرة الطبية وإجراءاتها، مما أثر على مردودية المقتضى برمته على الجانب الواقعي و على دور النيابة العامة في تفعيل تدابير علاج الطفل ضحية العنف [7].
الشيء الذي دفع البعض [8] إلى المطالبة بضرورة تعديل مضمون الفقرة الثانية من المادة 510 من (ق.م.ج.م) بما يتوافق و الإلتزامات الدولية للمشرع المغربي في مجال تأهيل الطفل ضحية العنف، و بما يتوافق كذلك مع انتظارات هذا الأخير قبل صدور الحكم على المعتدي، خاصة و أن أغلب الأنظمة القانونية الغربية المقارنة تؤكد على حتمية عرض الحدث الضحية على خبرة طبية قبل البت في مطالبه، من قبيل القانون الفرنسي لحماية و مساعدة الأطفال ضحايا سوء المعاملة ل 10/07/1989 و بالضبط الفصلين 66 و 67 منه، و كذا القانون البلجيكي ل 12/05/2004 [9].
على أنه بعد صدور الحكم على من اعتدى على الحدث، يمكن للنيابة العامة بناء على المادة 511/1 من (ق.م.ج.م) أن تحيل قضية الحدث الضحية على قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث، إن ارتأت مصلحة الحدث ذلك من أجل أن يتخذ هذا الأخير ما يراه مناسبا من تدابير الحماية.
وما تجب الإشارة إليه على هذا المستوى، ليس مضمون التدبير الذي قد يتخذ من طرف قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث و إنما الإجراء الصادر من طرف النيابة العامة بإحالة قضية الحدث الضحية على قاض الأحداث، و حدود السلطة التي خولت للنيابة العامة في هذه الإحالة؟
و بناء عليه، فبالإطلاع على ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 511 من (ق.م.ج.م) التي أكدت على أنه " يمكن للنيابة العامة في حالة صدور حكم من أجل جناية أو جنحة ارتكبت ضد حدث، أن تحيل القضية عل قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث المختص، إن ارتأت أن مصلحة الحدث تبرر ذلك من أجل أن يتخذ ما يراه مناسبا من تدابير الحماية.....".
يجب القول أن المشرع المغربي رغم عدم تنصيصه على إلزامية عرض الحدث الضحية على خبرة طبية أو حمايته من طرف النيابة العامة قبل صدور الحكم في حق المعتدي، فإنه مع ذلك قد خول للنيابة العامة إمكانية أن تتدارك الموقف في حالة ما إذا صدر الحكم و تبين لها بناء على سلطتها التقديرية أن مصلحة الحدث تقتضي أن يستفيذ من تدابير الحماية أن تحيل قضيته على قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث.
و هو التدارك الذي كان بالإمكان أن يجنب المشرع المغربي الإنتقاد، لكن مع ذلك يمكن القول بأنه تدارك قاصر عن تحقيق الغاية المرجوة في تأهيل الطفل ضحية العنف، التي لا تقتصر على تدابير الحماية فقط، بل من أهم أركانها وجوب التنصيص على تدابير العلاج التي بالإمكان أن لا تبرز حاجتها قبل صدور الحكم خاصة إذا كانت آثار الاعتداء لم تطفو على جسم الحدث الضحية إلا بعد أن تفاقمت الوضعية الصحية بعد صدور الحكم.
لذلك نعتقد أنه كان من الواجب على المشرع المغربي أن يتفادى القصور التشريعي و الواقعي الملاحظ في دور النيابة العامة في تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف قبل صدور الحكم من خلال التدارك الذي سجله على هذا المستوى بعد صدور الحكم، خاصة وأنه خول للنيابة العامة سلطة مطلقة في تقدير مصلحة الحدث من جهة، كما خول لقاضي الأحداث المختص أن يأمر بالتنفيذ المعجل لقراره من جهة ثانية، و من جهة ثالثة خول إمكانية الطعن في قرار قاض الأحداث بالاستئناف داخل أجل عشرة أيام من صدوره أمام الغرفة الجنحية للأحداث بمحكمة الاستئناف لكل من النيابة العامة وللحدث أو أبويه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو حاضنه أو كافله أو المكلف برعايته [10].
و على العموم يمكن القول، بأن إدماج النيابة العامة في عملية تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف قد يوفر نوعا من الجدية في الحماية الجنائية المفترضة لصالح الطفل الضحية رغم القصور التشريعي المسجل الذي حاول أن يتجاوزه من خلال إقرار دور بارز للنيابة العامة في الإشراف على إجراءات الصلح أو السدد بين الحدث الضحية و المعتدي.
الفقرة الثانية :

 إشراف النيابة العامة على الصلح بين الحدث الضحية و المعتدي.

في إطار التوجه نحو البحث عن طرق بديلة لحل النزاعات و تفادي العقوبات السالبة للحرية التي قد لا تؤتي المرجو منها، سواء لصالح الجاني أو حتى لانتظارات الضحية.
و في إطار التوجه كذلك نحو القضاء الفوري على آثار الجريمة و الحفاظ على الوضعيات التي كانت قائمة قبل ارتكابها، فقد أقر المشرع الجنائي المغربي آليات جديدة تهدف إلى رأب الصدع الذي يمكن أن يطال العلاقات الاجتماعية، مستهدفا تحقيق الصلح بين الخصوم، بناء على ما أشارت إليه أغلب التوصيات الدولية في هذا السياق، و بالأساس توصية مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة و معاملة المجرمين التي كانت قد تضمنت وجوب استحداث خطط عمل وطنية و إقليمية ودولية لدعم ضحايا الجريمة عن طريق آليات للوساطة و العدالة التصالحية [11].
على اعتبار أن من بين أبرز أسباب الإطمئنان إلى العدالة الجنائية تمكين الضحايا من الوصول إلى حقوقهم عبر تسوية حبية دون اللجوء إلى حكم قضائي، علما أن من أسباب استقرار الأمن واستتباب الطمأنينة بالمجتمع تحقيق تصالح بين طرفي الخصومة المباشرين، وهو ما يؤدي إلى رأب الصدع و جبر الضرر و القضاء على الفتن و الاضطرابات و الحد من النزاعات الانتقامية لدى الضحايا و التخفيف عن كاهل الهيئة القضائية من التراكم المفرط للقضايا البسيطة، وكذا إيجاد حل ثالث بين قراري الحفظ و المتابعة [12].
و في هذا الاتجاه نعتقد أن المشرع الجنائي المغربي سائر خاصة إذا علمنا أن مسطرة الصلح ما هي إلا حل وسط بين قراري الحفظ و المتابعة اللذين تملكهما النيابة العامة، إذ سيمكن هذا الحل الثالث كما يحولوا تسميته من قبل البعض [13] في تجنيب متابعة المتهم و في نفس الوقت يقدم حلا للضحية بالحفاظ على حقوقه و يصون حقوق المجتمع برمته.
و من هذا المنطلق فبالرغم من الإقرار بمسطرة الصلح كطريق لجبر الضرر فالمشرع لم يعترف بها إلا في حالات إجرامية معينة و بالأخص في الجرائم البسيطة التي يقتصر أثرها على أطرافها فقط الذين يعتبر رضاهم ضروريا لتحقيق المصالحة، و لا ترقى إلى مستوى إثارة اشمئزاز الرأي العام و سخطه، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 41 من (ق.م.ج.م) على أنه :
"يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية و كلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا تتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر".
كما تنص الفقرة الثانية من المادة 461 من (ق.م.ج.م) على أنه : "يمكن للنيابة العامة في حالة ارتكاب جنحة، إذا وافق الحدث و وليه و كذلك ضحية الفعل الجرمي، تطبيق مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 41 من هذا القانون".
و من خلال هذين المقتضيين يبرز الدور الأساسي الذي خوله المشرع للنيابة العامة، حيث جعلها المخاطب الوحيد في مواجهة الأطراف الذين اتفقوا على الصلح، و دعمه بضرورة أن يوافق وكيل الملك على مضمون الصلح رعاية على ما يبدو من المشرع لوضعية الطرف الضعيف في الاتفاق، وتدعيما لرسميته اشترط ضرورة مصادقة رئيس المحكمة الابتدائية أو نائبه على محضر الصلح بحضور ممثل النيابة العامة و الطرفين أو دفاعهما بغرفة المشورة بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن على شرط أن يتضمن ما يلي :
1. مضمون ما اتفق عليه الأطراف؛
2. وجوب أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا؛
3. تحديد أجل لتنفيذ الصلح [14].
كما راعى المشرع المغربي من خلال المادة 41 من (ق.م.ج.م) مجموعة من الحالات التي قد تعيق إتمام محضر الصلح من قبيل عدم حضور المتضرر أو عدم وجود مشتك، أو في حالة ظهور عناصر جديدة في الدعوى العمومية تشدد من طبيعة الجرم، حيث خول لوكيل الملك بمناسبة بروز أية حالة من الحالات السالفة هامش نسبي لإتمام محضر الصلح ، حيث نصت المادة 41 من (ق.م.ج.م) في قفراتها 6، 7، 8 و9 على ما يلي :
".........
إذا لم يحضر المتضرر أمام وكيل الملك، و تبين من وثائق الملف وجود تنازل مكتوب صادر عنه، أو في حالة عدم وجود مشتك، يمكن لوكيل الملك أن يقترح على المشتكى به أو المشتبه فيه صلحا يتمثل في أداء نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو إصلاح الضرر الناتج عن أفعاله، و في حالة موافقته يحرر وكيل الملك محضرا يتضمن ما تم الاتفاق عليه و إشعار المعني بالأمر أو دفاعه بتاريخ جلسة غرفة المشورة، ويوقع وكيل الملك و المعني بالأمر على المحضر.
يحيل وكيل الملك المحضر على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه بحضور ممثل النيابة العامة و المعني بالمر أو دفاعه، بمقتضى أمر قضائي لا يقبل طعن.
توقف مسطرة الصلح و الأمر الذي يتخذه رئيس المحكمة أو من ينوب عنه، في الحالتين المشار إليهما في هذه المادة إقامة الدعوى العمومية. و يمكن لوكيل الملك إقامتها في حالة عدم المصادقة على محضر الصلح أو في حالة عدم تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها رئيس المحكمة أو من ينوب عنه داخل الأجل المحدد أو إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية، ما لم تكن هذه الأخيرة قد تقادمت.
يشعر رئيس المحكمة أو من ينوب عنه وكيل الملك فورا بالأمر الصادر عنه.
يتأكد وكيل الملك من تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها الرئيس."
و بذلك، ومن خلال هذا المقتضي يلاحظ بأن دور النيابة العامة في إنجاح مسطرة الصلح بين الطفل الضحية و المعتدي المفترض، يعتبر دورا مؤثرا في إعادة اعتبار الضحية و جبر ضرره وخاطره، وكذلك في إعادة الألفة بين أفراد المجتمع و رأب الصدع الذي قد يحدث بين أفراده لأسباب بسيطة [15]، لكن مع ذلك يسجل على المشرع المغربي أنه قيد السلطة الممنوحة لوكيل الملك في تضمين محضر الصلح بين الطرفين بضرورة مصادقة رئيس المحكمة أو من ينوب عنه على المحضر حتى يكتسب صفة الرسمية في مواجهة الأطراف، الأمر الذي نعتقد أن من شأنه أن يؤثر على سرعة البث في طلبات الصلح و بالتالي سيفقد المقتضى مصداقيته عندما تتراكم طلبات الصلح بين الأطراف، لذلك نطالب على هذا المستوى بتوسيع الهامش الممنوح للنيابة العامة في إقرار اتفاق الصلح بين الطرفين وتمديد مقتضياته إلى الجنح المعاقب عليها بالحبس و الغرامة في نفس الوقت و التي لا تزيد عن 5000 درهم.
و على العموم يمكن القول بأن نجاح النيابة العامة في تفعيل مسطرة الصلح رهين باستجابة الأطراف من جهة لهذا المقتضى و كذا بالقدرة على التسامح و العفو من جهة أخرى، على أساس أن مسطرة الصلح بإمكانها أن تكون وسيلة بديلة للعقوبات الحبسية بالنسبة للجناة و طريق لجبر ضرر وخاطر الضحية، لذلك و وعيا من المشرع الجنائي المقارن و من المنتظم الدولي بأهمية هذه المسطرة، فقد أصبح الميل لها في السنوات الأخيرة أكثر طلبا لأجل حل النزاعات الجنائية بشكل يستبعد أسلوب الردع العقابي التقليدي، ويستهدف إصلاح الضرر في إطار تحقيق نوع من التكافل الاجتماعي المبني على إحياء فضيلة الخير التي تختزنها النفس البشرية.
و في الأخير يمكن القول بأنه بالرغم من الإشراف البارز للنيابة العامة على تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف، و كذا تفعيل إجراءات الصلح بين الحدث الضحية و المعتدي بناء على ما تخوله المادة 41 من (ق.م.ج.م)، فإنه لا يجب أن يحجب عن بالنا حقيقة أن المقتضيات التشريعية قد تكون طموحة في توفير أكبر قدر من الحماية للفئات الاجتماعية لكنها أثناء الاصطدام بأرض الواقع تتقلص حدودها و تنهار مبادئها و أسسها كما هو الحال عليه مع تدابير حماية و علاج الطفل الضحية أو ما يمكن اعتباره عملية تأهيل الطفل ضحية العنف، التي تتطلب كمنظومة تتكون من آليات علاجية وأخرى حمائية ضرورة الإهتمام ببنيتها التحتية وانفتاحها على كل مكونات محيطها الاجتماعي وعلى وجه الخصوص الطفل في وضعية صعبة ومبادرات المجتمع المدني التي من شأنها أن تشكل آفاق موضوعية لعملية تأهيل الطفل ضحية العنف
________________________________________
[1] - ذ.محمد صالح السرغيني: "قضاء النيابة العامة "، منشورات جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية، المعهد الوطني للدراسات القضائية، الرباط، 1983، ص:10.
[2] - و تاريخيا، يرجع بروز النيابة العامة كمفهوم إلى القرن الرابع عشر الميلادي، حيث كان ينتصب بعض رجال القضاء للدفاع عن مصالح التاج الفرنسي و السهر على حماية الأملاك الملكية، حيث كانوا يعرفون حينذاك باسم رجال الملك إلى أن شاعت تسميتهم إلى عهد قريب بالنيابة العامة من خلال طريقة مخاطبتهم لهيئة المحكمة التي كانت تتم من خلال، الوقوف على بلاط خشبية ( Parquet ) منفصلين عن الخصوم الآخرين و عن هيئة المحكمة.
و كمؤسسة ترتبط بالتشكيلة الأساسية للمحكمة لم تبرز إلا بعد الثورة الفرنسية وعهد الأنوار حين برزت معايير التمييز بين الحقوق الخاصة و الحقوق العامة التي انتصبت للدفاع عنها النيابة العامة كلما شكل اعتداء أو فعل خرقا للنظام العام.
[3] - تنص المادة 51 من (ق.م.ج.م) على أنه يشرف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية، ويبلغها إلى وكلاء الملك العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقها. وله أن يبلغ إلى الوكيل العام للملك ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي، وأن يأمره كتابة بمتابعة مرتكبيها أو يكلف من يقوم بذلك، أو أن يرفع إلى المحكمة المختصة ما يراه الوزير ملائما من ملتمسات كتابية"
[4] -F. Aubert : « Histoire du parlement de Paris de l'origine à François », Tome 1, 1 er édition, Dalloz, Paris 1894, P 147.
[5] - تنص المادة 36 من (ق.م.ج.م) على أنه "تتولى النيابة العامة إقامة الدعوى العمومية و مراقبتها و تطالب بتطبيق القانو، ولها إثناء ممارسة مهامها الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة"
[6] - المادة 41 من (ق.م.ج.م).
[7] - أغلب القضايا التي إطلعت عليها شخصيا في أرشيف كل من المحكمة الابتدائية و محكمة الاستئناف بفاس و التي كان الضحية فيها حدثا قام أغلب أولياء الضحايا بكل إجراءات عرض أبنائهم على خبرة طبية دون أن تصدر النيابة العامة أي أمر بعرض الحدث الضحية على خبرة طبية، و من بين هذه القضايا مايلي : قضية ملف عدد 202/04 و القضية ملف عدد 257/04 و القضية ملف عدد 584/04 محكمة الاستئناف فاس، و هي قضايا غير منشورة، بالإضافة إلى بعض القضايا في المحكمة الابتدائية. و السبب على ما يبدو الأستاذ النائب الأول لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بفاس الأستاذ العلوي أن المقتضى لازال مستجد و لم يتعود عليه بعد أغلب النواب.
[8] - المرصد الوطني لحقوق الطفل: "مذكرة المرصد الوطني لحقوق الطفل بخصوص القواعد الخاصة بالأحداث و الأطفال ضحايا سوء المعاملة في مشروع القانون رقم 01/22 المتعلق بمدونة المسطرة الجنائية"، مرجع سابق، ص:62.
[9] - Martine Nisse : « L'enfant victime : Comment faire face aux violences », Op cit, P : 99.
[10] - الفقرة الثانية من المادة 511 من (ق.م.ج.م).
[11] - إعلان فيينا بشأن الجريمة و العدالة الجنائية، مواجهة تحديات القرن العشرين، صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المنعقد في فيينا من 10 إلى 17 أبريل 2000، D:/1/www1.umn.edu/humanrts/arab :vi2000.html .
[12] - ديباجة قانون رقم 01.22 المتعلق بالمسطرة الجنائية، سلسلة نصوص و وثائق، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية، العدد 87، الطبعة الثانية 2003، ص29.
[13] - [13] - مصطفى حلمي: "السياسة الجنائية الاجتماعية و العدالة التصالحية و الطرق البديلة لحل النزاعات"، ندوة وزارة العدل بمكناس حول "السياسة الجنائية بالمغرب: واقع وآفاق"، أيام 9-10 و 11 دجنبر 2004 مكناس، ص10 .
[14] - الفقرات 2، 3، 4 و 5 من المادة 41 من (ق.م.ج.م).
[15] - وزارة العدل: "شرح قانون المسطرة الجنائية"، الجزء الأول، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد2، الطبعة الأولى، الرباط، ص: 191.

المطلب الثاني :

 قصور دور النيابة العامة في تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف .

تعتبر النيابة العامة الجهاز أو الهيئة التي يعهد إليها المشرع بتحريك الدعوى العمومية و مراقبة سيرها إلى غاية صدور الحكم ثم تنفيذه، و هي قضاء خاص قائم لدى كل محكمة يسعى إلى تمثيل المجتمع و الدفاع عن السياسة التشريعية في مختلف الميادين القضائية بما فيها الجنائية. فهي خصم شريف يباشر الدعوى العمومية ويحركها و يسهر على التطبيق و التنفيذ السليم للقانون على اعتبار أنه نائب عن المجتمع في حماية كيانه و نائب عن المشرع في تطبيق القانون أمام القضاء [1].
و قد ارتبط ظهور النيابة العامة محليا [2] بظهور أول قانون للتنظيم القضائي و المسطرة المدنية للمملكة الشريفة في 12 غشت 1913 بمبادرة من المستعمر الفرنسي أنذاك، و تطور التنظيم الإداري لهذه الهيئة إلى المستوى الذي سارت معه المخاطب الوحيد و المشرف على تفعيل محددات السياسة الجنائية الوطنية باعتبارها جهاز تابع لوزير العدل الرئيس الإداري لها [3].
حيث أنه في هذا الإطار و بالأخص في جانبه المتعلق بحماية و علاج الطفل ضحية العنف، واعتبارا لما للنيابة العامة من دور أساسي في الحفاظ على النظام العام [4] و أمن الأشخاص و ممتلكاتهم عن طريق التزامها بتحريك الدعوى العمومية في حق الجناة وممارسة مختلف الصلاحيات و المهام التصالحية بين الجناة و الضحايا [5]، فقد خولها المشرع المغربي في سبيل تفعيل هذا الدور وكذا في سبيل توفير حماية جنائية للحدث ضحية العنف المجرم الإشراف أولا على تحريك تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف قبل وبعد صدور الحكم بحق المعتدي من جهة (الفقرة الأولى)، وثانيا الإشراف على إجراءات الصلح أو السدد بين الحدث الضحية والمعتدي في حالة ما إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة لا تتجاوز سنتين حبسا و الغرامة لا تفوق 5000 درهم [6] (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :

 إشراف النيابة العامة على تحريك تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف.

خول المشرع الجنائي المغربي كما سلف للنيابة العامة إمكانية أن تقوم بالإشراف على تحريك تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف من خلال ما نصت عليه المادتان 510 و 511 من (ق.م.ج.م) على التوالي من كون قاض الأحداث لا يمكنه أن يصدر أمرا قضائيا قبل أو بعد صدور الحكم على المعتدي بشأن استفادة الحدث الضحية من التدابير الحمائية و العلاجية إلا بعد أخذ رأي النيابة العامة في حالة ما إذا لم تبادر هذه الأخيرة بإصدار ملتمس في الموضوع.
لذلك فقبل صدور الحكم في حق المعتدي على الحدث و رعاية من المشرع المغربي على ما يبدو للوضعية النفسية و الصحية التي قد يوجد عليها هذا الأخير، خول للنيابة العامة إمكانية أن تسهر على حماية الطفل ضحية العنف من التهديدات التي من الممكن أن يتعرض لها سواء من المعتدي أو عائلته أو من أي شخص قد يؤثر على مجريات التحقيق في الدعوى بناء على ملتمس يقدم إلى قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث من أجل أن يصدر أمر قضائي بإيداع أو تسليم الحدث الضحية لأحد الأشخاص أو المؤسسات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 510 من (ق.م.ج.م) التي تنص على أنه :
" إذا ارتكبت جناية أو جنحة و كان ضحيتها حدثا لا يتجاوز عمره 18 سنة، فلقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث إما استنادا لملتمسات النيابة العامة و إما تلقائيا، بعد أخذ رأي النيابة العامة أن يصدر أمرا قضائيا بإيداع الحدث المجني عليه لدى شخص جدير بالثقة، أو مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة مؤهلة لذلك أو بتسليمه لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة. و ينفذ هذا الأمر رغم كل طعن".
كما خول المشرع الجنائي المغربي للنيابة العامة إمكانية إصدار أمر بعرض الحدث الضحية على خبرة طبية أو نفسية أو عقلية لتحديد نوع و أهمية الأضرار اللاحقة به و بيان ما إذا كان يحتاج إلى علاج ملائم لحالته حالا و مستقبلا،الأمر الذي نعتقد بأنه جزء من التوجه العلاجي للسياسة الجنائية المغربية حيال الأطفال ضحايا العنف الذي لا زال قاصرا على المستويين التشريع والواقعي.
ففي الجانب التشريعي يعاب على مشرع الفقرة الثانية من المادة 510 من (ق.م.ج.م) أنه لم يلزم مؤسسة النيابة العامة بضرورة عرض الحدث الضحية على خبرة طبية أو نفسية أو عقلية لتحديد أنواع الأضرار اللاحقة به و إنما جعله في إطار الإمكانية التي لا ترقى لإنتظارات الضحايا الذين يتحملون في الغالب تكاليف الخبرة الطبية وإجراءاتها، مما أثر على مردودية المقتضى برمته على الجانب الواقعي و على دور النيابة العامة في تفعيل تدابير علاج الطفل ضحية العنف [7].
الشيء الذي دفع البعض [8] إلى المطالبة بضرورة تعديل مضمون الفقرة الثانية من المادة 510 من (ق.م.ج.م) بما يتوافق و الإلتزامات الدولية للمشرع المغربي في مجال تأهيل الطفل ضحية العنف، و بما يتوافق كذلك مع انتظارات هذا الأخير قبل صدور الحكم على المعتدي، خاصة و أن أغلب الأنظمة القانونية الغربية المقارنة تؤكد على حتمية عرض الحدث الضحية على خبرة طبية قبل البت في مطالبه، من قبيل القانون الفرنسي لحماية و مساعدة الأطفال ضحايا سوء المعاملة ل 10/07/1989 و بالضبط الفصلين 66 و 67 منه، و كذا القانون البلجيكي ل 12/05/2004 [9].
على أنه بعد صدور الحكم على من اعتدى على الحدث، يمكن للنيابة العامة بناء على المادة 511/1 من (ق.م.ج.م) أن تحيل قضية الحدث الضحية على قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث، إن ارتأت مصلحة الحدث ذلك من أجل أن يتخذ هذا الأخير ما يراه مناسبا من تدابير الحماية.
وما تجب الإشارة إليه على هذا المستوى، ليس مضمون التدبير الذي قد يتخذ من طرف قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث و إنما الإجراء الصادر من طرف النيابة العامة بإحالة قضية الحدث الضحية على قاض الأحداث، و حدود السلطة التي خولت للنيابة العامة في هذه الإحالة؟
و بناء عليه، فبالإطلاع على ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 511 من (ق.م.ج.م) التي أكدت على أنه " يمكن للنيابة العامة في حالة صدور حكم من أجل جناية أو جنحة ارتكبت ضد حدث، أن تحيل القضية عل قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث المختص، إن ارتأت أن مصلحة الحدث تبرر ذلك من أجل أن يتخذ ما يراه مناسبا من تدابير الحماية.....".
يجب القول أن المشرع المغربي رغم عدم تنصيصه على إلزامية عرض الحدث الضحية على خبرة طبية أو حمايته من طرف النيابة العامة قبل صدور الحكم في حق المعتدي، فإنه مع ذلك قد خول للنيابة العامة إمكانية أن تتدارك الموقف في حالة ما إذا صدر الحكم و تبين لها بناء على سلطتها التقديرية أن مصلحة الحدث تقتضي أن يستفيذ من تدابير الحماية أن تحيل قضيته على قاض الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث.
و هو التدارك الذي كان بالإمكان أن يجنب المشرع المغربي الإنتقاد، لكن مع ذلك يمكن القول بأنه تدارك قاصر عن تحقيق الغاية المرجوة في تأهيل الطفل ضحية العنف، التي لا تقتصر على تدابير الحماية فقط، بل من أهم أركانها وجوب التنصيص على تدابير العلاج التي بالإمكان أن لا تبرز حاجتها قبل صدور الحكم خاصة إذا كانت آثار الاعتداء لم تطفو على جسم الحدث الضحية إلا بعد أن تفاقمت الوضعية الصحية بعد صدور الحكم.
لذلك نعتقد أنه كان من الواجب على المشرع المغربي أن يتفادى القصور التشريعي و الواقعي الملاحظ في دور النيابة العامة في تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف قبل صدور الحكم من خلال التدارك الذي سجله على هذا المستوى بعد صدور الحكم، خاصة وأنه خول للنيابة العامة سلطة مطلقة في تقدير مصلحة الحدث من جهة، كما خول لقاضي الأحداث المختص أن يأمر بالتنفيذ المعجل لقراره من جهة ثانية، و من جهة ثالثة خول إمكانية الطعن في قرار قاض الأحداث بالاستئناف داخل أجل عشرة أيام من صدوره أمام الغرفة الجنحية للأحداث بمحكمة الاستئناف لكل من النيابة العامة وللحدث أو أبويه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو حاضنه أو كافله أو المكلف برعايته [10].
و على العموم يمكن القول، بأن إدماج النيابة العامة في عملية تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف قد يوفر نوعا من الجدية في الحماية الجنائية المفترضة لصالح الطفل الضحية رغم القصور التشريعي المسجل الذي حاول أن يتجاوزه من خلال إقرار دور بارز للنيابة العامة في الإشراف على إجراءات الصلح أو السدد بين الحدث الضحية و المعتدي.
الفقرة الثانية :

 إشراف النيابة العامة على الصلح بين الحدث الضحية و المعتدي.

في إطار التوجه نحو البحث عن طرق بديلة لحل النزاعات و تفادي العقوبات السالبة للحرية التي قد لا تؤتي المرجو منها، سواء لصالح الجاني أو حتى لانتظارات الضحية.
و في إطار التوجه كذلك نحو القضاء الفوري على آثار الجريمة و الحفاظ على الوضعيات التي كانت قائمة قبل ارتكابها، فقد أقر المشرع الجنائي المغربي آليات جديدة تهدف إلى رأب الصدع الذي يمكن أن يطال العلاقات الاجتماعية، مستهدفا تحقيق الصلح بين الخصوم، بناء على ما أشارت إليه أغلب التوصيات الدولية في هذا السياق، و بالأساس توصية مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة و معاملة المجرمين التي كانت قد تضمنت وجوب استحداث خطط عمل وطنية و إقليمية ودولية لدعم ضحايا الجريمة عن طريق آليات للوساطة و العدالة التصالحية [11].
على اعتبار أن من بين أبرز أسباب الإطمئنان إلى العدالة الجنائية تمكين الضحايا من الوصول إلى حقوقهم عبر تسوية حبية دون اللجوء إلى حكم قضائي، علما أن من أسباب استقرار الأمن واستتباب الطمأنينة بالمجتمع تحقيق تصالح بين طرفي الخصومة المباشرين، وهو ما يؤدي إلى رأب الصدع و جبر الضرر و القضاء على الفتن و الاضطرابات و الحد من النزاعات الانتقامية لدى الضحايا و التخفيف عن كاهل الهيئة القضائية من التراكم المفرط للقضايا البسيطة، وكذا إيجاد حل ثالث بين قراري الحفظ و المتابعة [12].
و في هذا الاتجاه نعتقد أن المشرع الجنائي المغربي سائر خاصة إذا علمنا أن مسطرة الصلح ما هي إلا حل وسط بين قراري الحفظ و المتابعة اللذين تملكهما النيابة العامة، إذ سيمكن هذا الحل الثالث كما يحولوا تسميته من قبل البعض [13] في تجنيب متابعة المتهم و في نفس الوقت يقدم حلا للضحية بالحفاظ على حقوقه و يصون حقوق المجتمع برمته.
و من هذا المنطلق فبالرغم من الإقرار بمسطرة الصلح كطريق لجبر الضرر فالمشرع لم يعترف بها إلا في حالات إجرامية معينة و بالأخص في الجرائم البسيطة التي يقتصر أثرها على أطرافها فقط الذين يعتبر رضاهم ضروريا لتحقيق المصالحة، و لا ترقى إلى مستوى إثارة اشمئزاز الرأي العام و سخطه، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 41 من (ق.م.ج.م) على أنه :
"يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية و كلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا تتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر".
كما تنص الفقرة الثانية من المادة 461 من (ق.م.ج.م) على أنه : "يمكن للنيابة العامة في حالة ارتكاب جنحة، إذا وافق الحدث و وليه و كذلك ضحية الفعل الجرمي، تطبيق مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 41 من هذا القانون".
و من خلال هذين المقتضيين يبرز الدور الأساسي الذي خوله المشرع للنيابة العامة، حيث جعلها المخاطب الوحيد في مواجهة الأطراف الذين اتفقوا على الصلح، و دعمه بضرورة أن يوافق وكيل الملك على مضمون الصلح رعاية على ما يبدو من المشرع لوضعية الطرف الضعيف في الاتفاق، وتدعيما لرسميته اشترط ضرورة مصادقة رئيس المحكمة الابتدائية أو نائبه على محضر الصلح بحضور ممثل النيابة العامة و الطرفين أو دفاعهما بغرفة المشورة بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن على شرط أن يتضمن ما يلي :
1. مضمون ما اتفق عليه الأطراف؛
2. وجوب أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا؛
3. تحديد أجل لتنفيذ الصلح [14].
كما راعى المشرع المغربي من خلال المادة 41 من (ق.م.ج.م) مجموعة من الحالات التي قد تعيق إتمام محضر الصلح من قبيل عدم حضور المتضرر أو عدم وجود مشتك، أو في حالة ظهور عناصر جديدة في الدعوى العمومية تشدد من طبيعة الجرم، حيث خول لوكيل الملك بمناسبة بروز أية حالة من الحالات السالفة هامش نسبي لإتمام محضر الصلح ، حيث نصت المادة 41 من (ق.م.ج.م) في قفراتها 6، 7، 8 و9 على ما يلي :
".........
إذا لم يحضر المتضرر أمام وكيل الملك، و تبين من وثائق الملف وجود تنازل مكتوب صادر عنه، أو في حالة عدم وجود مشتك، يمكن لوكيل الملك أن يقترح على المشتكى به أو المشتبه فيه صلحا يتمثل في أداء نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو إصلاح الضرر الناتج عن أفعاله، و في حالة موافقته يحرر وكيل الملك محضرا يتضمن ما تم الاتفاق عليه و إشعار المعني بالأمر أو دفاعه بتاريخ جلسة غرفة المشورة، ويوقع وكيل الملك و المعني بالأمر على المحضر.
يحيل وكيل الملك المحضر على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه بحضور ممثل النيابة العامة و المعني بالمر أو دفاعه، بمقتضى أمر قضائي لا يقبل طعن.
توقف مسطرة الصلح و الأمر الذي يتخذه رئيس المحكمة أو من ينوب عنه، في الحالتين المشار إليهما في هذه المادة إقامة الدعوى العمومية. و يمكن لوكيل الملك إقامتها في حالة عدم المصادقة على محضر الصلح أو في حالة عدم تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها رئيس المحكمة أو من ينوب عنه داخل الأجل المحدد أو إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية، ما لم تكن هذه الأخيرة قد تقادمت.
يشعر رئيس المحكمة أو من ينوب عنه وكيل الملك فورا بالأمر الصادر عنه.
يتأكد وكيل الملك من تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها الرئيس."
و بذلك، ومن خلال هذا المقتضي يلاحظ بأن دور النيابة العامة في إنجاح مسطرة الصلح بين الطفل الضحية و المعتدي المفترض، يعتبر دورا مؤثرا في إعادة اعتبار الضحية و جبر ضرره وخاطره، وكذلك في إعادة الألفة بين أفراد المجتمع و رأب الصدع الذي قد يحدث بين أفراده لأسباب بسيطة [15]، لكن مع ذلك يسجل على المشرع المغربي أنه قيد السلطة الممنوحة لوكيل الملك في تضمين محضر الصلح بين الطرفين بضرورة مصادقة رئيس المحكمة أو من ينوب عنه على المحضر حتى يكتسب صفة الرسمية في مواجهة الأطراف، الأمر الذي نعتقد أن من شأنه أن يؤثر على سرعة البث في طلبات الصلح و بالتالي سيفقد المقتضى مصداقيته عندما تتراكم طلبات الصلح بين الأطراف، لذلك نطالب على هذا المستوى بتوسيع الهامش الممنوح للنيابة العامة في إقرار اتفاق الصلح بين الطرفين وتمديد مقتضياته إلى الجنح المعاقب عليها بالحبس و الغرامة في نفس الوقت و التي لا تزيد عن 5000 درهم.
و على العموم يمكن القول بأن نجاح النيابة العامة في تفعيل مسطرة الصلح رهين باستجابة الأطراف من جهة لهذا المقتضى و كذا بالقدرة على التسامح و العفو من جهة أخرى، على أساس أن مسطرة الصلح بإمكانها أن تكون وسيلة بديلة للعقوبات الحبسية بالنسبة للجناة و طريق لجبر ضرر وخاطر الضحية، لذلك و وعيا من المشرع الجنائي المقارن و من المنتظم الدولي بأهمية هذه المسطرة، فقد أصبح الميل لها في السنوات الأخيرة أكثر طلبا لأجل حل النزاعات الجنائية بشكل يستبعد أسلوب الردع العقابي التقليدي، ويستهدف إصلاح الضرر في إطار تحقيق نوع من التكافل الاجتماعي المبني على إحياء فضيلة الخير التي تختزنها النفس البشرية.
و في الأخير يمكن القول بأنه بالرغم من الإشراف البارز للنيابة العامة على تفعيل تدابير تأهيل الطفل ضحية العنف، و كذا تفعيل إجراءات الصلح بين الحدث الضحية و المعتدي بناء على ما تخوله المادة 41 من (ق.م.ج.م)، فإنه لا يجب أن يحجب عن بالنا حقيقة أن المقتضيات التشريعية قد تكون طموحة في توفير أكبر قدر من الحماية للفئات الاجتماعية لكنها أثناء الاصطدام بأرض الواقع تتقلص حدودها و تنهار مبادئها و أسسها كما هو الحال عليه مع تدابير حماية و علاج الطفل الضحية أو ما يمكن اعتباره عملية تأهيل الطفل ضحية العنف، التي تتطلب كمنظومة تتكون من آليات علاجية وأخرى حمائية ضرورة الإهتمام ببنيتها التحتية وانفتاحها على كل مكونات محيطها الاجتماعي وعلى وجه الخصوص الطفل في وضعية صعبة ومبادرات المجتمع المدني التي من شأنها أن تشكل آفاق موضوعية لعملية تأهيل الطفل ضحية العنف
________________________________________
[1] - ذ.محمد صالح السرغيني: "قضاء النيابة العامة "، منشورات جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية، المعهد الوطني للدراسات القضائية، الرباط، 1983، ص:10.
[2] - و تاريخيا، يرجع بروز النيابة العامة كمفهوم إلى القرن الرابع عشر الميلادي، حيث كان ينتصب بعض رجال القضاء للدفاع عن مصالح التاج الفرنسي و السهر على حماية الأملاك الملكية، حيث كانوا يعرفون حينذاك باسم رجال الملك إلى أن شاعت تسميتهم إلى عهد قريب بالنيابة العامة من خلال طريقة مخاطبتهم لهيئة المحكمة التي كانت تتم من خلال، الوقوف على بلاط خشبية ( Parquet ) منفصلين عن الخصوم الآخرين و عن هيئة المحكمة.
و كمؤسسة ترتبط بالتشكيلة الأساسية للمحكمة لم تبرز إلا بعد الثورة الفرنسية وعهد الأنوار حين برزت معايير التمييز بين الحقوق الخاصة و الحقوق العامة التي انتصبت للدفاع عنها النيابة العامة كلما شكل اعتداء أو فعل خرقا للنظام العام.
[3] - تنص المادة 51 من (ق.م.ج.م) على أنه يشرف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية، ويبلغها إلى وكلاء الملك العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقها. وله أن يبلغ إلى الوكيل العام للملك ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي، وأن يأمره كتابة بمتابعة مرتكبيها أو يكلف من يقوم بذلك، أو أن يرفع إلى المحكمة المختصة ما يراه الوزير ملائما من ملتمسات كتابية"
[4] -F. Aubert : « Histoire du parlement de Paris de l'origine à François », Tome 1, 1 er édition, Dalloz, Paris 1894, P 147.
[5] - تنص المادة 36 من (ق.م.ج.م) على أنه "تتولى النيابة العامة إقامة الدعوى العمومية و مراقبتها و تطالب بتطبيق القانو، ولها إثناء ممارسة مهامها الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة"
[6] - المادة 41 من (ق.م.ج.م).
[7] - أغلب القضايا التي إطلعت عليها شخصيا في أرشيف كل من المحكمة الابتدائية و محكمة الاستئناف بفاس و التي كان الضحية فيها حدثا قام أغلب أولياء الضحايا بكل إجراءات عرض أبنائهم على خبرة طبية دون أن تصدر النيابة العامة أي أمر بعرض الحدث الضحية على خبرة طبية، و من بين هذه القضايا مايلي : قضية ملف عدد 202/04 و القضية ملف عدد 257/04 و القضية ملف عدد 584/04 محكمة الاستئناف فاس، و هي قضايا غير منشورة، بالإضافة إلى بعض القضايا في المحكمة الابتدائية. و السبب على ما يبدو الأستاذ النائب الأول لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بفاس الأستاذ العلوي أن المقتضى لازال مستجد و لم يتعود عليه بعد أغلب النواب.
[8] - المرصد الوطني لحقوق الطفل: "مذكرة المرصد الوطني لحقوق الطفل بخصوص القواعد الخاصة بالأحداث و الأطفال ضحايا سوء المعاملة في مشروع القانون رقم 01/22 المتعلق بمدونة المسطرة الجنائية"، مرجع سابق، ص:62.
[9] - Martine Nisse : « L'enfant victime : Comment faire face aux violences », Op cit, P : 99.
[10] - الفقرة الثانية من المادة 511 من (ق.م.ج.م).
[11] - إعلان فيينا بشأن الجريمة و العدالة الجنائية، مواجهة تحديات القرن العشرين، صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المنعقد في فيينا من 10 إلى 17 أبريل 2000، D:/1/www1.umn.edu/humanrts/arab :vi2000.html .
[12] - ديباجة قانون رقم 01.22 المتعلق بالمسطرة الجنائية، سلسلة نصوص و وثائق، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية، العدد 87، الطبعة الثانية 2003، ص29.
[13] - [13] - مصطفى حلمي: "السياسة الجنائية الاجتماعية و العدالة التصالحية و الطرق البديلة لحل النزاعات"، ندوة وزارة العدل بمكناس حول "السياسة الجنائية بالمغرب: واقع وآفاق"، أيام 9-10 و 11 دجنبر 2004 مكناس، ص10 .
[14] - الفقرات 2، 3، 4 و 5 من المادة 41 من (ق.م.ج.م).
[15] - وزارة العدل: "شرح قانون المسطرة الجنائية"، الجزء الأول، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد2، الطبعة الأولى، الرباط، ص: 191.

المبحث الاول

 ضرورة توفير بنية تحتية مؤهلة لتأهيل الطفل الضحية .

تنهض البنية التحتية الواجب توفيرها لتأهيل الطفل ضحية العنف على أساس الاهتمام التشريعي في المقام الأول بالمتدخلين الجدد في العملية التأهيلية برمتها من قبيل الطب الشرعي(المطلب الأول)، و كذا من خلال الضمان التشريعي للحقوق التبعية لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل، من قبيل ضمان الحق في المساعدة الطبية والمساعدة القضائية و كذا الحق في حصول الطفل الضحية على تعويض مناسب (المطلب الثاني).
المطلب الاول :

 الاهتمام بالطب الشرعي كفاعل أساسي في العملية التاهيلية .

من أبرز المتدخلين الجدد في عملية تأهيل الطفل ضحية العنف و الذين يتوجب توجيه الاهتمام القانوني لمبادراتهم، نجد الطب الشرعي كأهم جنين للعدالة الجنائية في التشريع الجنائي المغربي (الفقرة الأولى)، حيث أنه من شأن الإعتراف و الإهتمام التشريعي به أن ييسر إجراءات إثبات الوقائع الإجرامية التي يكون ضحيتها الطفل على وجه الخصوص (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى :

 الطب الشرعي جنين العدالة الجنائية في المغرب .

بالرغم من التعديل الذي تبناه المشرع الجنائي المغربي في الفصل 446 من مجموعة ق.ج بمقتضى القانون رقم 03/24 المتعلق برفع قيد السر المهني على الأطباء و مختلف العاملين في الميدان الصحي في مجال العنف الممارس ضد الأطفال لأجل تيسير إجراءات التبليغ و إعلام الأجهزة القضائية، فإن واقع الأطفال ضحايا العنف لا زال يعاني من مجموعة من المثبطات و العوائق التي تحول دون علم المؤسسة القضائية بالاعتداءات التي تستهدفهم نتيجة لأسباب مرتبطة بالأساس بالجهاز الطبي.
حيث أنه في الغالب الأعم ما يهمل الأطباء مسألة التبليغ عن الجرائم و الاعتداءات التي تستهدف الأطفال و النساء لمجموعة من الدواعي منها، داعي ضيق الوقت أو عدم الإهتمام بخطورة الفعل الإجرامي، أو لداعي سيكولوجي بالأساس يتجلى في الخوف من الظهور في المحاكم كشهود إثبات لهذه الجرائم، أو لداعي الجهل بالإجراءات أو الخطوات التي يجب إتخادها للتبليغ عن مثل هذه الحالات [1].
لذلك نعتقد أنه من الواجب على المشرع الجنائي المغربي، ورعيا منه لهذه الدواعي، كذلك للاحترام الواجب للتخصصات العلمية الجنائية التي من شأنها أن تساعد على بناء سياسة جنائية معاصرة هدفها الأساسي تحقيق العدالة الجنائية لكل الفئات الاجتماعية بما فيها فئة الأطفال ضحايا العنف، أن يقوم بفتح المجال القانوني لتدخل الطب الشرعي كجهاز علاج و ضبط لكل الاعتداءات غير القانونية التي قد تستهدف الحرمات الجسدية والنفسية للأطفال خاصة أمام الضعف القانوني الذي تعرفه تقارير الطب العادي وتعقد وسائل الإثبات في بعض الجرائم التي تقع على الأطفال و تكتسي طابع السرية كما هو الحال عليه في جرائم زنى المحارم.
على اعتبارا أن الطب الشرعي "علم عملي جنائي يعتمد على التفسير الدقيق للعلامات والاعتداءات التي تنصب على جسم الضحية عن طريق الاعتماد على المعلومات الطبية خدمة للعدالة الجنائية و تطبيقا للقانون تحت اعتبار المسؤولية المهنية" [2].
و تاريخيا، يعد الطب الشرعي من أقدم العلوم الجنائية التي كان يلجأ إليها لمعرفة أسباب الوفاة أو الاعتداء و جمع أدلة إدانة المعتدي، و كان و لا يزال يرتبط ارتباطا أصليا بالعلوم الطبية التي تعتبر من أقدم العلوم. و هو يدخل كذلك ضمن المهام الأساسية للطبيب، لكن اعتبارا لما يتطلبه التحري عن الجرائم من وقت و جهد قد لا يسعف أغلب الأطباء في المزاوجة بين المهام العلاجية و الضبطية، تم تخصيص مهام قارة للطبيب الذي يرغب في ممارسة الضبطية الجنائية عن طريق تكوينه قانونيا بالإضافة إلى تكوينه الطبي.
و تعتبر إيطاليا من بين الدول الغربية الرائدة في هذا المجال من العلوم الجنائية، حيث انطلقت منها بداياته الأولى بصفة رسمية قبل نهاية القرن 12 الميلادي، على يد "باولو زاكياس" المستشار الطبي لمحكمة الاستئناف [3] الإكليركية العليا في عصري البابا أنوسنت العاشر والبابا الكسندر السابع، و كان هذا المستشار أول من استخدم كلمة "طبي-شرعي أو قانوني" (Médico-Légal) و إعتبره حين ذاك بالعلم الجنائي المتعدد الشعب [4].
و في فرنسا مهد قانون 1260 للإستعانة بالخبرة الطبية عن طريق إقراره لشاهدة الشهود ذوي التكوين الطبي، ومع فليب العادل سنة 1311 تم استدعاء الأطباء والقابلات أمام المحاكم لأول مرة كخبراء في المسائل الطبية الشرعية، مثل فحص الإصابات وتحديد سلاح الجريمة و التسمم و إثبات الحمل و الجرائم الجنسية.
أما في ألمانيا فقد حث قانون كارولينا الذي أصدره الإمبراطور شارل الخامس سنة 1532 على وجوب استعانة المحاكم بالدليل الطبي في حالات الاعتداء على النفس بالقتل، واستحداث الإجهاض، والحمل، و الحمل الكاذب، وكل الاعتداءات التي تستهدف الجسم الإنساني، مما شكل في حينه فاتحة أمام تطور الطب الشرعي كنظام منفصل أدى إلى إرساء التعاليم الطبية الشرعية في أغلب التشريعات الجنائية الغربية و بعض التشريعات الجنائية العربية منها على وجه الخصوص التشريع الجنائي المصري [5].
حيث أنشأ المشرع الجنائي المصري سنة 1890 أول مكتب للطب الشرعي ملحق بالنيابة العامة، وكانت تقتصر مهامه في البداية على مراقبة التقارير الطبية العادية ومدى إستفائها للشروط التشخيصية للحالات التي تعرضت للاعتداء، لكن مع تطور أساليب الإجرام و سعيا وراء تحقيق العدالة و تطبيق القانون، تم إنشاء إدارة للطب الشرعي سنة 1928، و في سنة 1932 ألحقت بوزارة العدل، الأمر الذي يبرز مدى الاهتمام بالطب الشرعي من قبل العديد من التشريعات الجنائية المقارنة بما فيها بعض التشريعات الجنائية العربية.
الشيء الذي يضع على كاهل المشرع الجنائي المغربي على ما يبدو تحديا حقيقا لإخراج إجراءات الطب الشرعي من المقتضيات العامة للخبرة التي تقيده إلى مؤسسة قائمة الذات مستقلة المهام و المسؤوليات تحت نظام قانوني خاص، بدل تشت المهام في مجموع القواعد ذات الطبيعة الإجرائية مما يضعف من مردوديته و يؤثر على إستقلاليته و قوة تقاريره في الإثبات.
حيث أنه بإطلاعنا على مجموع القواعد المنظمة لأعمال الطب الشرعي في التشريع الجنائي المغربي، يلاحظ بأن المشرع المغربي يعتبر عمل الطبيب الشرعي يدخل ضمن الإطار القانوني المنظم للخبرة بصفة عامة بناء على القواعد التالية:
1. المواد من 194 إلى 209 من قانون المسطرة الجنائية المغربية؛
2. المادة 77 من قانون المسطرة الجنائية المغربية؛
3. المواد من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية المغربية؛
4. الظهير رقم 1-59-37 المؤرخ في 2 شوال 1379 الموافق 30 مارس 1960 و المعدل في 2 نونبر 2002، المتعلق بلوائح الخبراء و التراجمة الملحقين المقبولين لدى محاكم الاستئناف.
على أن هذه المواد مجتمعة لا تعبر عن وجوب تبني هيئة المحكمة لمضمون تقرير الخبير في الطب، على اعتبار أن الخبرة بصفة عامة ما هي إلا إجراء مساعد للقاضي من حقه استبعاده كلما لم يطمئن إلى هذا الإجراء [6]، وهو أمر وجيه على ما يبدو بالرغم من أن البعض [7] يعتبر أن جودة الأحكام رهينة بجودة الخبرة الطبية التي تعتمد على دراية الطب الشرعي و ليس الخبرة التي تعتمد في التشريع الجنائي المغربي على تقارير الطب العام المتواجد في أغلب المراكز والمستشفيات المتآكلة الأجهزة و البنايات.
الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن الحالات التي لا يستطيع فيها مثلا ضحية يتعرض باستمرار لاعتداء جنسي من طرف أحد أقاربه الذي له عليه سلطة أو وصي أو ما شابه ذلك [8] لإثبات هذا الإعتداء نتيجة لطابع الحيطة والحذر و كذا للموروت الشعبي المتجلي في التستر عن الفضيحة، إلى جانب الضعف القانوني الذي تعرفه التقارير المعدة من طرف الطب العادي لصالح المجني عليهم، عن أهم الإمكانات المخولة لهذا الطفل أو الطفلة، أولا في القصاص من المعتدي؟ ثانيا في الحصول على العلاج الفعال لآثار ما تعرض له أمام ضعف إمكانية إثبات الاعتداء أمام هيئة المحكمة وبالتالي عدم الحصول على تعويض مادي يمكنه من الإستفادة من علاج مناسب لوضعيته الصحية والنفسية؟ إلا الإهتمام بمؤسسة الطب الشرعي التي من شأنها أن تقوم بدور بارز في إثبات الاعتداءات و قد تصل إلى الجاني الفعلي كما قامت بذلك في قضية عبد العالي هادي المعروف بسفاح الأطفال السبع في مدينة تارودانت [9].
الفقرة الثانية : ضرورة الإهتمام بدور الطب الشرعي في إثبات إداعاءات الطفل ضحية العنف .
بديهيا، قد لا يكون في وسع هيأة المحكمة بمفردها في أي مكان من العالم أن تثبث أي جريمة في حق الجاني لولا توفر وسائل الإثبات الملائمة للتطور الحاصل في صيرورة الجرائم، حيث قد تبرز جرائم و تخبو أخرى مما قد يؤثر على الوسائل التي يعتمدها القاضي في التحقق من وقوع الجريمة ونسبتها للجاني المفترض.
ومن أبرز الجرائم التي تصاعد صيتها في العالم رغم أنها تتخذ طابع السرية كشرط أساسي للوقوع، نجد زنى المحارم، سوء معاملة الأطفال، إغتصاب خادمات البيوت، الإكراه على الإدمان، الإستقطاب الجنسي للأطفال عبر الأنترنت، ... والعديد الآخر من الجرائم التي لا تصل إلى علم جهاز العدالة، و حتى إذا ما وصلت فإن الضحية في الغالب ما لا ينصف نتيجة لضعف وسائل الإثبات التي تلقى على عاتقه و هو لا يستطيع أمامها إلا التخلي عن شكواه و مطالبه بالحق المدني.
الأمر الذي دعا كما مر بنا أغلب التشريعات الجنائية المقارنة إلى محاولة السيطرة على الواقع الإجرامي المستتر و كشفه ومتابعة الجناة فيه، بإقرار دور فعال للطب الشرعي في عملية البحث، و حيز واسع لإثبات الجرائم و كل مظاهر العنف التي تستهدف الفرد بما فيه الطفل، عن طريق الإهتمام التشريعي و المادي بهذه المؤسسة الضبطية.
فالغالب على قول الأستاذ عبد الإلاه المعزوزي [1] أن الطب الشرعي هو أكثر المجالات الطبية التي يلجأ إليها القضاء لتحقيق عدالة أفضل، و أن الطبيب الشرعي لم يعد يتعامل فحسب مع الجثث بل كثيرا ما يستعان بخبرته لتحديد الأضرار التي يتعرض لها الأشخاص، على اعتبار أولا السرعة في إنجاز الخبرة الطبية، حيث أنه كلما تم الإستعانة بالطبيب الشرعي في أقرب وقت كلما كانت نتائج التحقيق أفضل، ثانيا أن خبرة الطبيب الشرعي كثيرا ما تساعد النيابة العامة على تكييف الفعل الجنائي تكييفا صحيحا، إنطلاقا من الأضرار التي يتعرض لها الضحية، ثالثا أن تقرير الطبيب الشرعي يقوم على أسس علمية دقيقة لا تتوفر في الغالب لدى القاضي و يكون لها الدور المؤثر في مجريات الدعوى كما هو الحال عليه في الحامض النووي (ADN) .
و اعتبارا للمميزات التي حصرناها لصالح الطب الشرعي فإنه من الواجب القول بأن واقع هذا العلم الجنائي في المغرب يعاني من عوائق قانونية وأخرى مادية تجعله قاصرا في القيام بدوره الضبطي في أغلب الجرائم و منها على وجه الخصوص الجرائم التي تستهدف الأطفال.
حيث أنه، فيما يتعلق بالمعيقات القانونية فإنه يلاحظ:
1. أن المشرع الجنائي المغربي يعتبر تقارير الطب الشرعي من أعمال الخبرة التي لا تتجاوز كونها إجراء مساعد للقضاء من حقه استبعادها متى لم يطمئن لمضمونها ، وهو ما نتفق معه لكن شريطة توفر قرائن قطعية تضحد الخلاصات التي توصل إليها التقرير و ليس توفر مجرد مؤشرات لا ترقى للوسيلة العلمية التي اعتمدها الطبيب الشرعي في الوصول إلى نتيجته، و في هذا السياق ندعم ما جاءت به المسطرة الجنائية الجديدة من إبراز دور القاضي في مراقبة وسائل الإثبات و تقدير قيمتها، حيث صار القاضي ملزما بتبرير اقتناعه بوسيلة الإثبات أو عدم اقتناعه ضمن حيثيات الحكم [2].
2. أن المشرع الجنائي المغربي يتغافل عن القوة القانونية لتقارير الطب الشرعي كمحاضر من شأن الاعتماد عليها في مرحلة البحث التمهيدي أن تخفف العبء عن مؤسسة الضابطة القضائية و كذا أن تعفي من اللجوء إلى تقارير الطب العادي التي لا تقبل بتاتا أمام القضاء إلا كقرينة بسيطة على وقوع الفعل الإجرامي وليس كدليل إتهام في مواجهة المعتدي المفترض؛
3. أن المشرع الجنائي المغربي لم ينتبه إلى اليوم إلى تعارض اللغة الفرنسية التي يحرر بها التقرير من طرف الطبيب الشرعي مع ظهير 1965 المتعلق بتعريب ومغربة القضاء، و كذا مقتضيات الدستور المغربي الذي يعتبر لغة المملكة المغربية الرسمية اللغة العربية، الأمر الذي قد يشكل عائقا أمام أولياء الطفل الضحية لفهم ما تضمنه تقرير الطبيب الشرعي و مدى توافقه مع تصريحات طفلهم، و مع الحقوق القانونية المكفولة له،
أما فيما يخص المعيقات المادية فهناك [3] من يقسمها إلى معيقات بنيوية و أخرى ذات ارتباط بالتكوين في مجال الطب الشرعي، إلا أننا سنحاول استعراضها في سياق المعيقات المادية على العموم، حيث يسجل على الواقع المادي للطب الشرعي في المغرب ما يلي:
1. عدم وجود أي مكتب للطب الشرعي بدوائر محاكم الإستئناف المغربية أو أي ارتباط لها ولو جزئيا بأقسام النيابة العامة، مع العلم أن المشرع الجنائي المصري عندما أقر في القانون الصادر سنة 1890 أول مكتب للطب الشرعي ألحقه بالنيابة العامة في مختلف المحاكم المصرية قبل أن يلحقه بوزارة العدل [4]، أما في فرنسا فمصلحة الطب الشرعي تتبع للوزارة الأولى؛
2. إرتباط أغلب العاملين في مجال الطب الشرعي رغم قلتهم مهنيا بالجماعات الحضرية، و هو ما يعتبره الأستاذ سعيد الواهلية لا يستجيب بتاتا لتطلعات العاملين و حتى لشروط إنجاز الخبرة الطبية [5] خاصة إذا علمنا الظروف التي يعمل بها هؤلاء الخبراء بمصالح إيداع الموتى (ثلاجات الموتى)، لا تستجيب لشروط العمل الصحي، عدم توفرها على الآليات و التجهيزات المناسبة، تهالك الأبنية و المقرات؛
3. قلة مراكز التكوين في مجال الطب الشرعي بالرغم من وجود أربع كليات للطب في كل من الرباط مراكش فاس و الدار البيضاء، فإن كلية الدار البيضاء هي الوحيدة التي تسهر على تكوين أغلب الأطباء الشرعيين على الصعيد الوطني، حيث كونت منذ تشكيل الوحدة الخاصة بالطب الشرعي سنة 1995 ثمانية أطر إرتفعت سنة 2004 إلى حوالي 20 إطار في السنة [6]؛
و على العموم، فإن الإهتمام بالطب الشرعي قد لا يكون من بين المطالب الحقوقية، لكن قد يكون من الضروريات الإجرائية التي قد تساعد القضاء على كشف الستار عما يعانيه الأطفال من سوء معاملة و عنف يومي يتكرس في غياب وسائل إثبات واقعية من شأنها أن تحقق العدل في حق الجاني، وتنصف الطفل الضحية في الحصول على تعويض مادي يجبر ضرره، رغم أن هذا الأخير قد لا يفي بالغرض أثناء تفعيل حق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
الأمر الذي يقتضي في نظرنا بالإضافة إلى الإهتمام التشريعي بالطب الشرعي كفاعل أساسي في عملية تأهيل الطفل ضحية العنف ضرورة ضمان الحق في المساعدة القضائية و كذا الحق في التعويض، كحقوق تابعة لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل حتى تتحقق الحماية الجنائية البعدية للطفل الضحية بالمفهوم الذي وردت عليه في كل من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل و البرتوكولين الملحقين بها.
________________________________________
[1] - عبد الإلاه المعزوزي: "الطب الشرعي و دوره في التحقيق و المحاكمة"، مداخلة قدمت في اليوم الدراسي المنظم من المعهد الملكي للشرطة في 28 ماي 2001 تحت عنوان "الطب الشرعي واقعا و قانونا"، مجلة الأمن الوطني، شتنبر 2001، ص: 9.
[2] - ديباجة قانون رقم 01.22 المتعلق بالمسطرة الجنائية:، مرجع سابق ص29..
[3] - Said Louhlia : « La médecine legale au Maroc : Etat actuel et perspectives d'avenir », colloque de Meknes, « La politique criminelle au Maroc : Réalité et perspectives », Meknes 9-10-11/09/2004, P : 15.
[4] -د. رمزي أحمد محمد: "تاريخ الطب الشرعي"، مرجع سابق، ص:59.
[5] - د. سعيد الواهلية :" الطب الشرعي و دوره في تحقيق العدالة الجنائية"، مداخلة قدمت في اليوم الدراسي المنظم من المعهد الملكي للشرطة في 28 ماي 2001 تحت عنوان "الطب الشرعي واقعا و قانونا"، مجلة الأمن الوطني، شتنبر 2001، ص: 11.
[6] - Said Louhlia : « La médecine legale au Maroc : Etat actuel et perspectives d'avenir », Op cit, P :16.
________________________________________
[1] - دة. سنية عبد الحليم: "تعذيب الأطفال"، مرجع سابق، ص:673.
[2] د.رمزي أحمد محمد:" تاريخ الطب الشرعي"، موسوعة الطب الشرعي بين الادعاء و الدفاع، الجزء الأول، منشورات نقابة المحامين المصرية، لجنة المكتبة و الفكر القانوني، مصر، 1992، ص: 11
[3] - يرجع الفضل في تقنين استخدام الخبراء الطبيين أمام المحاكم إلى الإغريق رغم ما كانوا يوصفون به من قبل الرومان بالهمج و البربر، فقد تجاوزوا بذلك مرحلة القصاص الشخصي إلى المرحلة التي يتحمل فيها المجتمع بعض مسؤولياته، وتم ذلك بإستحداث نظام الدية الذي كان يتطلب تقييم الإصابات و بالتالي الاستعانة بالخبرة الطبية ووصفت الإصابات و رتبت بتفصيلات دقيقة.
[4] لأجل التوسع أكثر في تاريخ الطب الشرعي أنظر مقال د.رمزي أحمد محمد:" تاريخ الطب الشرعي"، مرجع سابق، ص: 13 و 27.
[5] -د. علي حسن:"التقرير الطبي الإبتدائي"، موسوعة الطب الشرعي بين الإدعاء و الدفاع"، الجزء الأول، منشورات نقابة المحامين المصرية، لجنة المكتبة و الفكر القانوني، مصر، 1992،ص: 91.
[6] - يدور نقاش فقهي حول مدى اعتبار الخبرة إجراء مساعد للقضاء يحق له استبعاده كلما لم يطمئن إليه، أم وسيلة من وسائل الإثبات تلزم القاض بالأخذ بها، حيث ينقسم الفقهاء إلى ثلاث تيارات:
Ø التيار الأول يرى أن الخبرة وسيلة قررها المشرع لمساعدة القضاء في تقدير مسائل علمية أو فنية غالبا ما تحتاج إلى اختصاص ودراية في الميادين الخاصة، لذلك فإنها وسيلة إثبات تعرف بها وقائع مجهولة من خلال الواقع المعلوم، فهي وسيلة إثبات مباشرة تضيف إلى حيز الدعوى دليلا تطلب هذا الدليل معرفة أو دراية لا تتوفر في عضو السلطة القضائية المختص، لأن القاضي بطبيعة تكوينه يصل إلى الوقائع بإستعمال حواسه مباشرة إما شخصيا عن طريق المعاينة أو بالإستعانة بشخص آخر يكمل معلوماته عن طريق الخبرة.
Ø التيار الثاني جمهور الفقه لا يرى أن الخبرة وسيلة إثبات مباشرة و إنما هي وسيلة لتقدير عنصر الإثبات في الدعوى لكون عنصر الإثبات يخلق الدليل أما الخبرة فتتعلق بواقعة أو حالة رآها القاضي غامضة لما يتطلب تقديرها من معرفة فنية أو علمية لذلك أجاز له المشرع الإستعانة بالخبراء للإستفادة بآرائهم لتوفيرهم على أهلية وكفاءة فنية لتوضيحها .
Ø التيار الثالث يرى أن الخبرة إجراء مساعد للقاضي يقوم به فني متخصص في مسألة لا تتوفر للقاضي المعرفة الخاصة بها، فهي تساعده على تكملة معلوماته في النزاع المعروض عليه و المقصود منها تنوير القاضي عن حقيقة أمر معين.
كمال الودغيري: "الخبرة في القانون المغربي"، دراسة تأصيلية و تطبيقية، مطبعة أبي فاس، الطيعة الأولى، 2001، ص: 11.
[7] - د. أدولف ريبولت: "الخبرة في ميدان الطب الشرعي"، ترجمة الأستاذ إدريس ملين، منشورات المعهد الوطني للدراسات القضائية، الرباط بدون تاريخ، ص:3.
[8] - المواد من 229 إلى 276 من مدونة الأسرة قانون 03/70، الصادر بظهير رقم 1.04.22 في 3 فبراير 2004 .
[9] - Ahmed Ait Taleb : « L 'enfer de Taroudant », op cit, P :36



المطلب الثاني :

 ضمان الحقوق التبعية لحق الطفل ضحية العنف في التأهيل .

أكدت المادة 8/ د من البروتوكول الإختياري الملحق بإتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء و في المواد الإباحية، على ضرورة أن توفر الدول الأطراف فيها كل خدمات المساندة الملائمة للأطفال الضحايا طيلة سير الإجراءات القانونية بما فيها الحق في المساعدة القضائية (الفقرة الأولى)، وكذا الحق في الحصول على تعويض يناسب الحاجيات العلاجية للطفل الضحية (الفقرة الثانية).
الفقرة الاول ى :

 ضمان الحق في المساعدة القضائية .

يقصد بالمساعدة القضائية عموما إعفاء المتقاضي، مدعيا كان أو مدعى عليه، من أداء الرسوم التي يوجبها القانون لإقامة دعوى، أو ممارسة طعن أو مباشرة إجراء، وكذا تعيين محام ينوب عن المعني بالأمر في مباشرة تلك الإجراءات من غير اقتضاء أتعاب منه عن ذلك [1].
و بذلك تعتبر المساعدة القضائية من أبرز الحقوق التي تمنح للمتقاضي إمكانية اللجوء إلى مختلف درجات التقاضي بكل حرية و على قدم المساواة بين من يستطيع التقاضي دون الاستفادة من إمتيازاتها، و من لا يستطيع ذلك إلا بالحصول على هذه الامتيازات.
و المساعدة القضائية كحق لكل من لا يستطيع تحمل مصاريف التقاضي، برزت إرهاصاتها الأولى في الشريعة الإسلامية، حيث كان يتم الترافع أمام القاضي دون دفع أي رسم و بصفة شخصية تخول للمتقاضين نفس المسافة و الحقوق في المطالبة والدفاع، على أساس القاعدة الفقهية التي تنص على أن " العدالة تمنح بدون مقابل "، و كذا على أساس أن القضاء هو ولاية شرعية، وأن القاضي ما هو إلا موقع عن رب العالمين في أمر لم يجد العامة سبيلا له [2].
لكن مع تقدم السنوات و ضعف الوازع الديني لدى البعض، أدى إلى بروز ما يعرف بالدعاوى الكيدية الأمر الذي دفع أغلبية المشرعيين إلى تقنين اللجوء إلى القضاء عبر فرض رسوم تكون حائلا أمام هذا النوع من الدعاوى. .. .. ..
.... .. و إذا كان نظام القضاء الإسلامي بني على المجانية و المساعدة القضائية منذ البداية، فإن نظام القضاء الغربي كان من بدايته مكلفا لا يخول حق التقاضي إلا لمن يدفع أكثر، الأمر الذي ألغته الثورة الفرنسية عام 1798، و خولت الحق في الحصول على المساعدة القضائية بناء على المبادئ الدولية السبع التي يقوم عليها الحق في التقاضي [3].
و أما على مستوى التشريعات الحديثة و بالضبط التشريع المغربي، فإن أول نص تشريعي قنن مسألة المساعدة القضائية، نجد قانون 12 غشت 1913 الذي اقتبس من القانون الفرنسي لسنة 1851، و هو القانون الذي عدل بمقتضى المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 65 – 514 بتاريخ 17 رجب 1386 موافق فاتح نونبر 1966، و الذي يشتمل على 19 فصلا تنظم الحصول على مقرر الإعفاء من أداء صوائر التقاضي وتعيين محام أو هما معا.
كما وزع المشرع المغربي مجموعة من المقتضيات المتعلقة بالمساعدة القضائية في العديد من النصوص القانونية، من قبيل المسطرة المدنية، المسطرة الجنائية، قانون حوادث الشغل، قانون محكمة العدل العسكري، قانون المحاماة، الشيء الذي يبرز مدى أهمية المساعدة القضائية، و مدى تعدد المجالات التي تخول فيها.
و استقراءا لما جاء به المرسوم الملكي الخاص بإجراءات المساعدة القضائية، وبالأخص الفصل 12 الذي ينص على أنه "يعفى مؤقتا المنتفع بالمساعدة القضائية من إيداع أي مبلغ برسم الصوائر و من دفع أي أداء"، يمكن التساؤل عن طبيعة المنتفع الذي بالإمكان أن يعفى من أداء الصوائر و من دفع أي أداء؟ و هل يعتبر الطفل ضحية العنف منتفعا قانونيا من إمتيازات المساعدة القضائية بناء على ما جاء به مرسوم فاتح نونبر 1966؟
حدد المرسوم الملكي المتعلق بالمساعدة القضائية في فصله الأول الأشخاص الذين بإمكانهم الإستفادة من الإمتيازات التي تخولها المساعدة القضائية في الأشخاص الطبيعيين، و المؤسسات العمومية أو ذات المصلحة العمومية و الجمعيات الخصوصية القائمة بعمل إسعافي، المتمتعة بالشخصية المدنية و الجنسية المغربية، إذا كانوا غير قادرين على ممارسة حقوقه أو الدفاع عنها أمام القضاء بسبب عدم كفاية مواردهم المالية.
بمعنى آخر فإن المرسوم الملكي لم يقم بتحديد الفئات التي بإمكانها أن تستفيذ من إجراءات المساعدة القضائية، و إنما حدد شروط إستفادة الشخص من المساعدة القضائية التي يمكن تلخيصها في ما يلي:
1. أن يكون الشخص ذكرا أو أنثى بالغا سن الرشد القانوني؛
2. أن يكون مؤسسة عمومية أو مؤسسة ذات مصلحة عمومية؛
3. أن يكون جمعية خصوصية شريطة :
Ø أن تقوم بعمل إسعافي؛
Ø أن تكون متمتعة بالشخصية القانونية؛
Ø أن تكون لها جنسية مغربية؛
Ø أن تثبت أن مواردها لا تسمح لها بأداء الرسوم القضائية أو أداء أتعاب المحامي؛
4. كما يمكن أن يكون المستفيد أجنبيا عملا بالمعاهدت المبرمة بين دولته والمغرب؛
5. كما يجب الإدلاء بشهادة الإحتياج تثبت حالة العسر من أجل تدعيم الطلب؛
6. كما يجب على طالب المساعدة القضائية أن يحدد في طلبه غايته من المساعدة القضائية، هل هي للإعفاء من أداء الرسوم القضائية فقط، أم تعيين المحام فقط، أم هما معا.
و بناء على هذه الشروط يمكن القول بأن الطفل ضحية العنف ليس بإمكانه الاستفادة من إمتيازات المساعدة القضائية، على اعتبار أن المشرع قيد إمكانية منحها ببلوغ طالبها سن الرشد القانوني، الشيء الذي بإمكانه أن يحرمه من حقه في الحصول على تعويض مادي، وبالتالي يمكن القول بأنه لا يمكن الحديث في التشريع الجنائي المغربي على ما يسمى بحق الطفل الضحية في الترافع [4] أو في اللجوء إلى القضاء و لو كان المعتدي وليه الشرعي.
بالفعل ليس هناك في التشريع الجنائي المغربي ما قد يستشف منه أن المشرع المغربي يخول للطفل ضحية العنف إمكانية اللجوء إلى القضاء و الحصول على مساعدة قضائية، مما قد يشكل عائقا أمام تفعيل المادة 8 / د من البروتوكول الاختياري الملحق بإتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الطفل و استغلاله في البغاء و في المواد الاباحية.
لكن ما تجب الإشارة إليه هو أن المشرع الأسري المغربي خول للقاصر الذي تزوج دون سن الرشد المدني 18 سنة، إمكانية ممارسة الحق في التقاضي بناء على المادة 22 من قانون مدونة الأسرة المغربية [5]، الشيء الذي من الممكن القول معه أن هناك نوع من الحضور لحق الطفل القاصر في التقاضي و من تم في الحصول على مساعدة قضائية، خاصة و أن المجلس الأعلى المغربي منح في أحد قراراته للطفل القاصر أهلية إقامة الدعوى ضد وليه بالنفقة على أساس أنها من باب جلب المنفعة التي له الحق في إكتسابها بدون مساعدة الأب أو الوصي أو المقدم" [6].
و على العموم يمكن القول أن تخويل الحق في التقاضي يكون من مشتملاته بالضرورة الحق في المساعدة القضائية على أساس العجز المالي الغالب الذي يكون فيه الطفل خاصة إذا كان وليه هو المعتدى، لذلك نتمنى من المشرع الجنائي المغربي أن يتفهم حساسية الوضع الذي قد يوجد عليه الطفل الضحية، و يستجيب لحق هذا الأخير في التقاضي و كذا في الحصول على مساعدة قضائية تمكنه من الإستفادة من إمتيازاتها التي تتلخص في الإعفاء من أداء الرسوم القضائية [7]، و كذا الحق في المحامي من أجل ضمان الحق في الحصول على تعويض مادي مناسب لجبر ضرر ما تعرض له هذا الطفل [8].
الفقرة الثانية :

 ضمان الحق في التعويض .

في إطار ضمان الحق في التعويض بالنسبة لضحايا العنف و بالأخص الأطفال الضحايا، نص المشرع الجنائي المغربي على مجموعة من الضمانات القانونية التي بإمكانها أن تضمن حصول الطفل ضحية العنف على تعويض مناسب لجبر ضرره ومساعدته من تم على الحصول على علاج فعال لآثار ما تعرض له من قبيل:
1. تخويل الحق للضحية في تقديم مطالبه المدنية لهيأة المحكمة سواء في إطار الدعوى المدنية التابعة أمام القضاء الزجري [9]، أو في إطار دعوى مدنية مستقلة أمام القضاء المدني [10]؛
2. خول المشرع الجنائي المغربي للقاضي الزجري إمكانية التنفيذ المؤقت للإدانة المدنية، كما جعل من شروط التمتع بنظام الإفراج الشرطي سداد الإلتزامات المالية و منها التعويض المقضي به للمدعي بالحقوق المدنية [11]؛
3. كما اشترط المشرع على طالب رد الاعتبار الإدلاء بما يفيد أداء التعويض المحكوم به مدنيا [12]؛
4. كما خول للمحكمة أن تحكم على الجاني بالإكراه البدني بعد أن تنبهه يتنفيذ الحكم الصادر لفائدة الطفل الضحية، و ذلك إذا ثبت أنه قادر على الدفع و أمرته بذلك ولم يمتثل، و يجب ألا يخصم شيء من التعويض نظير الإكراه في هذه الحالة وذلك تقريرا لمبدأ أولوية التعويض على الغرامة في التنفيذ على أموال المحكوم عليه بل و على التعويض المقضي به للدولة [13]؛
5. كما خول المشرع الجنائي المغربي من خلال الفقرة الثانية من المادة السابعة من (ق.م.ج.م) للجمعيات ذات المنفعة العامة أن تنتصب كمطالب بالحق المدني إلى جانب الضحية ، وهو ما من شأنه أن يشكل دعما معنويا للطفل الضحية ومن تم مساندة واسعة من طرف هيئات المجتمع المدني؛
6. في إطار التوجه المبتغى من طرف المشرع الجنائي المغربي نحو إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية التي في الغالب ما لا تؤتي المرجو منها، و كذا في إطار إيجاد نوع من الإنصاف للضحايا و تطبيقا لتوصيات مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المعروف بمؤتمر فيينا الذي إنعقد خلال شهر أبريل سنة 2000، و الذي نص على "ضرورة إستحداث خطط عمل وطنية وإقليمية و دولية لدعم ضحايا الجريمة عن طريق إيجاد آليات للوساطة و العدالة التصالحية، و أن تكون سنة 2002 بداية مراجعة الدول لتشريعاتها في هذا الجانب" [14]، تبنى المشرع الجنائي المغربي في قانون مسطرته الجنائية ق: 22.01 و بالأخص المادة 41 منها التي أكدت على أنه فبل تحريك الدعوى العمومية وفي حالة ما إذا لم يتعدى تكييف الفعل الإجرامي الواقع على الطفل الضحية جنحة تأديبية لا تتعدى العقوبة المخصصة له السنتين أو أقل أو الغرامة لا تتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، أن يطلب الضحية أو المشتكى به من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر، وهو ما قد يبدو إذكاء من طرف المشرع لروح الصفح و التسامح بين الضحية و الجاني و المحافظة على الروابط الاجتماعية [15] ، خاصة إذا علمنا أن المادة 372 من (ق.م.ج.م) خولت للطرف المتضرر أو الضحية إمكانية التنازل عن الشكاية و بالتالي خولت للنيابة العامة تقديم ملتمس لهيأة المحكمة بتوقيف سير إجراءات الدعوى العمومية، ما لم تكن قد بتت فيها بحكم نهائي أو ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى ما لم تكن قد سقطت بالتقادم أو بسبب آخر.
و على العموم، فإنه بالرغم من هذه الضمانات التي نص عليها المشرع الجنائي المغربي بالنسبة للطفل ضحية العنف في الحصول عل تعويض أو الصفح عمن كان سبب في الضرر الذي لحقه قد تشكل فاتحة على تقدم السياسة الجنائية المغربية خطوة في مسار تفعيل الحماية الاجتماعية الواجبة للفئات المستضعفة، فإن الواقع يتطلب مع ذلك الحديث عن أبرز المعيقات تحول دون استفاذة الطفل ضحية العنف من هذه الضمانات وبالتالي الحؤول دون الحصول على تعويض مناسب و ملائم لآثار ما تعرض له، ولا حتى تحقيق الغاية المثلى من الصفح و التنازل في توخي الحفاظ على الأمن الاجتماعي وتجنيب تفاقم الأضرار المادية و المعنوية التي تلحق بالطفل الضحية.
و هكذا يسجل على المشرع الجنائي المغربي تقييد لجوء المتضرر إلى القضاء الزجري بشرط تقديم المطالبة بالحق المدني لهيأة المحكمة التي تنظر في الدعوى العمومية المثارة من طرف النيابة العامة [16]، وهو إجراء اقتبسه المشرع المغربي على ما يبدو من نظيره الفرنسي، الذي ينص [17] على " أن المحكمة لا يمكن أن تحكم بالتعويض ضد المتهم المدان إلا إذا طلب ذلك المتضرر، فلا يمكن الحكم بذلك ولو كان المتضرر قاصرا" [18]، الشيء الذي يشكل في اعتقادنا قصورا واضحا في حماية الطفل الضحية، وبالتالي حرمانه من حقه في التعويض عما تعرض له من طرف الغير أما من طرف الأولياء فإن المشرع المغربي خول للطفل الضحية القاصر في حالة تعرضه لاعتداء جرمي ارتكبه في حقه أحد أصوله أو من له عليه رعاية أو كفالة أو سلطة، أن يتقدم بمطالبه المدنية عند بلوغه سن الرشد المدني [19]، و لم يخول للمحكمة سلطة الحكم بالتعويض من تلقاء نفسها، الأمر الذي يصرح في ضوئه الأستاذ عمر أبو الطيب ب: "إن تخويل المحكمة الجنائية سلطة الحكم بالتعويض لفائدة المتضرر حتى ولو لم يطالب بذلك و إنما اكتفاء بطلب النيابة العامة، أو إلزام المحكمة الجنائية بالتعويض لفائدة المتضرر من الجريمة حتى ولو لم يدع مدنيا، يعطي بلا شك للتعويض صبغة زجرية إذ ينظر إليه كوظيفة من وظائف الدولة، تمارسها كما تمارس وظيفة المعاقبة و الزجر، بصرف النظر عن موقف الضحية، فيكون التعويض ليس جبرا للضرر و لكنه تتمة للعقاب و الزجر بتعليل أن في ذلك مكافحة للجريمة و إزالة آثارها المختلفة التي خلفتها في العالم الخارجي من أضرار عامة أو خاصة" [20].
كما تعتبر من أبرز المعيقات التي تحول دون استفادة الطفل ضحية العنف من التعويض المناسب لآثار ما تعرض له، ضعف قيمته المادية الذي تتحكم فيه السلطة التقديرية لقاضي الموضوع، حيث أنه في هذا الصدد صدر قرار عن محكمة الاستئناف بمدينة فاس رافضا الحكم بقيمة التعويض الذي تقدم به المطالب بالحق المدني على أساس أن الطلب كان مبالغ فيه، و أنه بناء على ما للمحكمة من سلطة تقديرية في تحديد قدر التعويض فقد حصرته في عشرة آلاف درهم [21].
و يعتبر الأستاذ أحمد الخمليشي أنه "حتى في الحالات التي لا تكون فيها القيمة النقدية للضرر محددة من طرف المطالب بالحق المدني يتولى القاضي بعد تحديده لعناصر الضرر استنادا إلى خبرته المهنية، تقدير التعويض و لا يكون خاضعا في هذه الحالة لمراقبة قاضي النقض في هذا التقدير، بل إنه لا يكون ملزما بتعليل المبلغ الذي حكم به و لو كان مخالفا لما طلبه المتضرر أو عرضه عليه" [22]، في حين أن الأستاذ إدريس الكريني يرى أن " قاضي الموضوع يكون ملزما بإعطاء تبرير لحكمه بالتعويض في حالة ما إذا كان المطالب بالحق المدني قد قدم مستنتجات و جيهة لأنها تعتبر مطالب جدية و يجب على القاضي أن يجيب عليها لكي لا يمس بحقوق الدفاع" [23].
إلا أنه على هذا المستوى فإن ما يجب التنبيه إليه، هو أن السلطة التقديرية المخولة للمحكمة في مسألة تقدير التعويض لا يمكن أن تتجاوز حدود الطلب المقدم، بمعنى آخر هو أن سلطة المحكمة تقف في حدود المبلغ المطلوب الحكم به لصالح المطالب بالحق المدني، حيث أنه في هذا الصدد نقض المجلس الأعلى قرارا قضى بثمانين ألف درهم بدل ستين ألف درهم كان قد حكم بها ابتدائيا، على أساس أنه "إذا كان لقضاة الزجر مطلق السلطة في تقدير التعويض الواجب لكل طالب في حدود طلبه من غير أن يكون ملزمين ببيان الأسباب التي اعتمدوها في ذلك، ولا أن يبرروا بأسباب خاصة مبلغ التعويض الذي يحكمون به" [24].
و أمام هذه السلطة المخولة للقاضي في تحديد قدر التعويض يبرز معيق ثالث يحول دون منح التعويض المناسب للضحية على أساس انعدام معايير موضوعية لتقديره، خاصة المعايير التي قد تتعلق بالحالة النفسية التي يكون عليها الضحية والأضرار التي تلحقه، الشيء الذي دفع البعض [25] إلى القول بأن "الحقيقة أن تقدير التعويض بمقدار الضرر الناتج عن الجريمة مسألة دقيقة و تتطلب القيام بمعادلة مضبوطة يصعب في غالب الأحيان على القاضي الإحاطة بها، و في هذه الحالة إن كان من أنصار العناية بالمجرم فإنه يحكم بتعويض بسيط لا محالة، و إن كان ممن يفضلون مصلحة الضحية و المجتمع على مصلحة المجرم، ويقف إلى جانب الضعيف في مواجهة القوي فإنه يحكم بتعويض مرتفع، إلا أن من واجب القاضي أن يضبط المعادلة، ويحقق روح المشرع : التعويض يساوي الضرر".
و في كل الأحوال، و بناء على كل المعيقات التي تحول دون الاستفادة الكاملة للطفل ضحية العنف من الضمانات التي منحها المشرع للضحية عموما في الحصول على تعويض، فإنه لا زالت هناك امكانية لم يتبناها المشرع الجنائي المغربي في سبيل ضمان حق الضحايا في التعويض، و هي إيجاد صندوق خاص بضمان حق الضحايا في التعويض و بالأخص الطفل ضحية العنف الذي قد لا يستفيد من التعويض نتيجة إما لضعف الوضعية المادية للمحكوم عليه مما يكون معه التعويض ضئيلا لا يفي للطفل حتى بمصاريف الدعوى والتنقل، إن لم يدفع المحكوم عليه بالعسر و من تم عدم أداء أي نوع من التعويض.
و إمكانية إيجاد صندوق خاص بتعويض الضحايا من أبرز الامكانيات التي تبنتها أغلب الأنظمة الجنائية الغربية في الستينات من القرن الماضي، حيث أوجدت صناديق عمومية تتكلف بتعويض ضحايا الجرائم، و تمول عن طريق المساهمات العمومية من طرف الوزارت و الحماعات و السلطات المحلية، وكان السبق في هذا الإطار لكل من إنجلترا سنة 1964، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية بقانون 1965 الصادر في ولاية كاليفورنيا و الذي عمم على سائر الولايات الأمريكية الخمسون، كما تبنى المشرع الكندي نفس التوجه سنة 1965، في حين أن مشرعين أوربا الغربية لم يتبنوا هذا التوجه إلا في أواخر السبعينات، حيث أقر المشرع الفرنسي بمقتضى قانون 3 يناير 1977 الذي عدل بقانون 8 يوليوز 1983 [26] إمكانية تدخل الدولة في أداء التعويضات للمتضررين من الجرائم في حالة ما إذا تبث عسر المدان عن طريق صندوق خاص لدعم ضحايا الجرائم بما فيهم الأطفال الضحايا [27].
و قد تم إقرار هذه الامكانية على أساس أنه إذا فشلت أجهزة الدولة الرقابية في منع وقوع جريمة معينة على أحد مواطنيها، فإنه تكون الدولة قد قصرت في اتخاذها لكافة الإجراءات التي من شأنها توفير الحماية الكافية للمواطنين للوقاية من أخطار الجريمة، فالدولة ملزمة قانونا بتعويض كل الأضرار التي تلحق بالأفراد من جراء الجريمة، حيث أن وقوع الجريمة في حد ذاته يدل على عدم كفاية الإجراءات الوقائية لمكافحة الإجرام من جانب الدولة و دليل على فشلها في منع حدوثها بسبب الإهمال في حماية المواطنين من خطر الإجرام، الأمر الذي يحق معه للمجني عليه المضرور في توجيه الدعوى المدنية ضد الدولة لمطالبتها بالتعويض بسبب إخفاقها في منع وقوع الفعل الإجرامي عليه [28].
و بصفة عامة، فإذا كنا نقبل بتدخل الدولة عن طريق صندوق خاص لأداء التعويض إلى الطفل ضحية العنف في حالة ما إذا تعذر على هذا الأخير الحصول عليه لأسباب تتعلق بالجاني إما لعسره أو تهربه من أداء هذا التعويض، فإن هذا لا يعني أننا نحمل المسؤولية المطلقة للجهاز الوقائي من الجرائم، على اعتبار أنه قد يتعذر عليه في بعض الأحيان تفعيل الوظيفة الوقائية في حالات الجرائم التي تأخذ طابع السرية و التستر كشرط أساسي للوقوع مثل زنى المحارم، و كذا الاستقطاب الجنسي للمراهقين عبر شبكة الأنترنت، على أساس أن المسؤولية يجب أن تلقى على عاتق مرتكب الجريمة، وما تدخل الدولة إلا لضمان حق الطفل ضحية العنف في استخلاص حقه في التعويض بما يتناسب و الأضرار التي لحقته من جراء الاعتداء.
و في الأخير فإن ما يجب قوله هو أن حق الطفل ضحية العنف في التأهيل لن يستقيم إلا بضمان الحقوق التي تتبعه و قد تشكل في بعض الأحيان أساسه، الحق في المساعدة القضائية و الحق في التعويض، حتى يمكن الحديث على عملية تأهيلية قائمة بذاتها بالإمكان أن تنفتح على محيطها الاجتماعي.
________________________________________
[1] - محمد القدوري : "المساعدة القضائية"، رسالة المحاماة، العدد الثاني، فبراير 1985، ص: 38.
[2] - ذ.عبد العزيز حضري: "القانون القضائي الخاص"، دار النشر الجسور ، الطبعة الثانية، وجدة، 2000، ص:48.
[3] - المبادئ التي يقوم عليها الحق في التقاضي تجد ذاتها في المبادئ السبع التالية: "مبدأ استقلال القضاء – مبدأ حياد القاضي- مبدأ المساواة أمام القضاء- مبدأ تعد درجات التقاضي- مبدأ القضاء الفردي و الجماعي – مبدأ علانية الجلسات – مبدأ مجانية التقاضي و الحق في المساعدة القضائية. عبد العزيز توفيق: "شرح قانون المسطرة المدنية و التنظيم القضائي"، الجزء الأول ، الطبعة الثانية، مطبعة النجاح الجديدة، 1998، ص:28.
[4] - حق الطفل في الترافع من الحقوق التي يدور النقاش حول امكانية إعمالها في الغرب، وبالأساس في فرنسا و بلجيكا و كندا، و تحمل مجموعة من الأسماء من بينها كذلك حق الطفل في المحامي، للمزيد من التوسع في الموضوع أنظر Fonds Houtman : « Plaidoyer pour l'enfant : Vers une culture de l'enfance », Edition De Boeck Université, 1 er édition, Bruxelles, 2000, P :55.
[5] - تنص الفقرة الأولى من المادة 22 من قانون مدونة الأسرة، قانون رقم 03/70 ، الصادر بشأنه الظهير الشريف رقم 22.04.1 المؤرخ في 21 من ذي الحجة 1424 الموافق 3 فبراير 2004، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 14 ذي الحجة 1424 الموافق 5 فبراير 2004. على ما يلي : " يكتسب الزوجان طبقا للمادة 20 أعلاه، الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات".
[6] - قرار عدد 394 صادر في 26 شتنبر 1979 في الملف الإجتماعي 73741 ، مشار إليه عند أستاذنا عبد الحميد أخريف "محاضرات في القانون القضائي الخاص: دراسة في ضوء قانون القضاء المدني و التجاري لتهييء الإجازة في القانون الخاص و مباريات التأهيل المهنية"، مطبوع بدون إيراد إسم المطبعة، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2001/2002/، صك 196.
[7] - الفصل 12 من المرسوم الملكي الصادر في فاتح نونبر 1966.
[8] -تنص المادة 40 من قانون المحاماة على ما يلي: " يعين النقيب لكل متقاض يتمتع بالمساعدة القضائية محاميا مقيدا في الجدول أو في قائمة التمرين ليقوم لفائدةه بكافة الاجراءات التي تدخل في توكيل الخصام، لا يجوز للمحامي المعين أن يمتنع من تقديم مساعدته ما لم يتم قبول الاعذار أو الموانع التي تحول بينه و بين ذلك.....".
[9] - المادة الثانية من (ق.م.ج.م) تنص على أنه "يترتب عن كل جريمة الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات و الحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسبت فيه الجريمة".
[10] - المادة السابعة من (ق.م.ج.م) تنص على أنه "يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة، لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة.
يمكن للجمعيات المعلن أنها ذات منفعة عامة أن تنتصب طرفا مدنيا، إذا كانت ٌد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي، وذلك في حالة إقامة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المدني بشأن جريمة تمس جريمة مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي.
يمكن للدولة و للجماعات المحلية أن تتقدم بصفتها طرفا مدنيا، لمطالبة مرتكب الجريمة بأن يرد لها المبالغ التي طلب منها دفعها لموظفين أو لذوي حقوقهم طبقا للقانون الجاري به العمل."
[11] - المادة 627 من ( ق.م.ج.م ).
[12] - المادة 694 من ( ق.م.ج.م ).
[13] - المادتين 634 و 635 من ( ق.م.ج.م ).
[14] - إعلان فيينا بشأن الجريمة والعدالة مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين ، مرجع سابق.
[15] - مصطفى حلمي: "السياسة الجنائية الاجتماعية و العدالة التصالحية و الطرق البديلة لحل النزاعات"، مرجع سابق، ص11.
[16] - المادتين 2 و 7 من (ق.م.ج.م).
[17] - الفصل 53 من القانون الجنائي الفرنسي.
[18] - Françoise LOMBARD : « Les différents systèmes d'indemnisation des victimes d'actes de violence et leurs enjeux », OP Cit, P : 290.
[19] - المادة 5 من ( ق.م.ج.م).
[20] عمر أبو الطيب : "الضرر القابل للتعويض أمام القضاء الجنائي"، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق الرباط، السنة الجامعية 1982ن ص: 378.
[21] - قرار عدد 188/03 صادر عن محكمة الاستئناف بمدينة فاس في القضية الجنائية عدد 678/02 بتاريخ 28 فبراير 2002، قرار غير منشور.
[22] - أحمد الخمليشي: شرح قانون المسطرة الجنائية"، مرجع سابق، ص: 180
[23] - إدريس الكريني: السلطة التقديرية للقاضي الزجري"، أطروحة دكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق فاسن السنة الجامعية 2000/2001، ص: 243.
[24] - قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 747 بتاريخ 27 ماي 1976 أشار إليه الأستاذ أحمد الخمليشي، مرجع سابق، ص: 181.
[25] - د.إريس الكريني: " السلطة التقديرية للقاضي الزجري"، مرجع سابق، ص 95.
[26] - - Françoise LOMBARD : « Les différents systèmes d'indemnisation des victimes d'actes de violence et leurs enjeux », OP Cit, P 277.
[27] - Anne d'HAUTEVILLE : « Le nouveau droit des victimes », Revue internationale de criminologie et de police technique, N° 4, Année 1984, P : 437.
[28] - محسن العبودي: " أساس مسؤولية الولة عن تعويض المجني عليه في القانون الجنائي و الإداري و الشريعة الإسلامية"، مداخلة قدمت للمؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي حول حقوق المجني عليه في الإجراءات، انعقد أيام 12-13-14 مارس 1989، دار النهضة العربية، مصر، ص: 517.



المبحث الثاني :

 وجوب انفتاح العملية التاهيلية على محيطها .

من أبرز المشاكل التي تعاني منها عملية تأهيل الطفل ضحية العنف، انغلاقها على ذاتها وحصرها في فئة معينة من الأطفال من جهة، و من جهة ثانية تجاهلها للدور المتصاعد للمجتمع المدني في الاهتمام بالطفولة عموما، الشيء الذي يدعوا إلى ضرورة تنبيه المشرع إلى خطر هذا التغافل، خاصة وأنه اعترف لأول مرة ضمن ترسانته الجنائية بحالة الأطفال في وضعية صعبة من خلال المادة 512 و ما يليها من (ق.م.ج.م) (المطلب الأول)، ثم منحه حق الانتصاب كمطالب بالحق المدني للمجتمع المدني، الأمر الذي يمكن اعتباره مبادرة تشريعية نحو منح حق الإشراف على عملية تأهيل الطفل ضحية العنف للمجتمع المدني (المطلب الثاني).
المطلب الأول :

 تمديد مقتضيات العملية التاهيلية للطفل في وضعية صعبة .

إن الحديث عن تمديد مقتضيات العملية التأهيلية للطفل في وضعية صعبة يتطلب منا تحديد طبيعة هذه الوضعية بناء على التحديد المفاهيمي (الفقرة الأولى)، ثم الوقوف عند أبرز مظاهر ملاءمة العملية التأهيلية لوضعية الطفل في وضعية صعبة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :

 مؤشرات حول وضعية الطفل في وضعية صعبة .

أقرت المسطرة الجنائية المغربية لأول مرة بمجموعة من الأوضاع الاجتماعية غير المستقرة التي تمس الحياة العادية و الهادئة للأطفال، حيث أشارت للوضعية الصعبة التي تعيشها بعض الفئات الاجتماعية للأطفال، متوخية على ما يبدو توفير أكبر قدر من الحماية القبلية و تقوية المناعة الاجتماعية و القيمية لكل الأطفال الذين من شأنهم التعرض لمخاطر الجنوح أو الإستغلال.
و هكذا، صرحت المادة 513 من (ق.م.ج.م) على أن الطفل في وضعية صعبة هو كل حدث يقل عمره عن 16 سنة إذا تعرضت سلامته البدنية أو النفسية أو الذهنية أو الأخلاقية أو تربيته للخطر جراء إختلاطه بالمنحرفين أو المعرضين للإنحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق الإجرامية.
كما إعتبرت نفس المادة أن الطفل يكون في وضعية صعبة إذا تمرد على سلطة أبويه أو حاضنه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو كافله أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته.
كما قد يعتبر الطفل في وضعية صعبة إذا اعتاد الهروب من المؤسسة الدراسية أو المهنية، أو قام بهجر مقر إقامته، أو لعدم توفره على مكان صالح يستقر به.
و كاستقراء لمضمون ما جاءت به المادة 513 من (ق.م.ج.م) يلاحظ بداية بأنه رغم استعراض المادة لأغلب الصور التي من شأن الطفل أن يصير في حالة تحقق أي منها في وضعية صعبة، فإنها لم تحدد بِدِقّةِ الصياغة القانونية مفهوم الطفل في وضعية صعبة، ثم ثانيا أن مشرعها قام بعملية تعداد عشوائي في فقرة واحدة لكل الصور التي من شأنها أن تجعل الطفل في وضعية صعبة رغم اختلاف مصدر حدوثها و نتائجها الأمر الذي قد يلبس المفهوم رداءة الغموض أثناء التطبيق العملي على أساس عدم التحديد التشريعي لمفهوم و معايير تقدير الخطر وكذا التمرد واعتياد الهروب.
و عليه، ففيما يخص الملاحظة الأولى بالأساس يمكن القول أن مرجعية التعديلات التي أدخلت على المسطرة الجنائية فيما يتعلق بقضايا الأحداث، كانت جلها مستمدة من أغلب الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل و التي صادق عليها المشرع المغربي [1]، وبالأخص الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تنص في مادتها الأولى على أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة سنة، مما يبرز بأن المشرع المغربي حاول من خلال المقتضى الخاص بتحديد صفة الطفل في وضعية صعبة أن يعطي مفهوما للطفل أقل من ذلك الذي منحته إياه الاتفاقية الدولية.
الأمر الذي من شأنه أن يترك فئة من الأطفال في وضعية صعبة دون حماية مع العلم أن الفترة التي تتجاوز سن 16 إلى سن 18 تكون فترة حساسة بالنسبة للطفل الذي يعيش حينها فترة المراهقة [2] ، الفترة التي تتطلب حماية مزدوجة تربوية وقانونية، خاصة إذا كان هذا المراهق قد تعرض في صباه لأي نوع من أنواع سوء المعاملة أو العنف، مما قد يجعله في وضعية صعبة في الاندماج الاجتماعي والعطاء التربوي، الشيء الذي يدفع إلى التساؤل عن السبب الحقيقي وراء عدم تمديد المشرع المغربي لمقتضيات الحماية الجنائية للأطفال في وضعية صعبة الذين تجاوزوا سن 16 دون 18 سنة، هل يمكن اعتبار السبب تناقضا في توجهات المشرع المغربي الذي اعتبر سن الرشد الجنائي 18 سنة [3] ؟ أم إغفال من طرف هذا المشرع و من تم تجاهله لوضعيات اجتماعية لفئة معينة من الأطفال و جعلها ضحية تمييز تشريعي على أساس السن وبالتالي تجاوز حقيها في عدم التمييز و الاستفادة من الحماية المكفولة للأطفال في وضعية صعبة؟
بالفعل هناك [4] من يعتبر بأن السبب الرئيس في عدم تنصيص المشرع على شمولية الحماية الجنائية المتوجبة لصالح الطفل في وضعية صعبة الذي تجاوز سن 16 هو تناقض تشريعي بين مقتضى عام يتعلق بسن الرشد الجنائي الذي حدده المشرع في 18 سنة و مقتضى خاص يتعلق بالطفل في وضعية صعبة و المشمول بحماية جنائية إلى غاية 16 سنة [5] ، و من شأن هذا التناقض التشريعي أن يقصي فئة واسعة من الأطفال الموجودين في وضعية صعبة، الشيء الذي دفع البعض [6] إلى المطالبة بتمديد الحماية المتوجبة للطفل في وضعية صعبة لكل الأطفال بما فيهم فئة الأطفال الذين يتجاوز سنهم 16 سنة إلتزاما بمقتضيات المادة الأولى من الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل.
و هو الطرح الذي لا نتعارض معه، لكن ليس على إطلاقه على اعتبار أن تجاهل المشرع المغربي لفئة عمرية من الأطفال في وضعية صعبة لا يقتصر في نظرنا على إغفال المشرع لالتزامه الدولي المتعلق بمفهوم الطفل، و إنما يتجاوزه إلى كون هذا التجاهل هو عبارة عن تمييز تشريعي [7] على أساس السن يقيمه المشرع المغربي في حق الأطفال المتواجدين في وضعية صعبة و الذين يتجاوز سنهم 16 سنة دون 18 سنة، الشيء الذي من شأنه أن يعرقل قبول جواب المشرع المغربي على إستبيان الأمين العام للأمم المتحدة المتعلق بمسألة العنف ضد الأطفال الموجه إلى الحكومات الموقعة على جل الوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الطفل [8]، الأمر الذي ندعو معه المشرع المغربي إلى تجاوز هذا التمييز التشريعي بتمديده لمقتضيات الحماية الجنائية للأطفال في وضعية صعبة إلى غاية بلوغهم سن الرشد الجنائي المحدد في 18 سنة.
أما فيما يخص الملاحظة الثانية، و التي هي أن المشرع قام بتعداد عشوائي لصور الوضعية الصعبة التي قد تواجه الطفل، و من تم عدم تحديده لمعيار محدد لاستخلاص هذه الصور يدفع إلى التساؤل هل المشرع المغربي أورد صور الوضعية الصعبة التي قد تواجه الطفل على سبيل المثال أم على سبيل الحصر؟
يتضح بجلاء من خلال منطوق المادة 513 من (ق.م.ج.م) أن المشرع المغربي حاول على ما يبدو أن يستعرض أغلب الصور التي يعتقد أن من شأن وقوعها أن تؤثر على وضعية الطفل و تجعله في وضعية صعبة تجاه القانون، سواء تلك الوضعية التي يكون فيها في حالة تصادم مع القانون أو الوضعية التي يكون فيها مطالبا بالحماية القانونية من طرف القانون.
إلا أنه بالرغم من ذلك، يسجل على هذا المشرع أنه قام بتعداد عشوائي للحالات التي قد تشكل خطرا على الطفل أو تنبيء بخطورته، الأمر الذي اعتبره البعض رغم عشوائية التحديد أنه جاء على سبيل الحصر [9].
الطرح الذي يمكن مبدئيا التسليم به، لكن ما يجب قوله هو أنه إذا كانت السلامة البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو التربوية ستتعرض للخطر فقط من جراء الإختلاط بأشخاص منحرفين أو معرضين للإنحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من السوابق في الإجرام، فإن ذلك قد يجعل المقتضى برمته قاصر في بعض الأحيان عن توفير الحماية المرجوة من الاعتراف التشريعي لأول مرة بوضعية الأطفال في وضعية صعبة في التشريع الجنائي المغربي، الأمر الذي قد يكون معه الطفل معرضا للخطر من أشخاص ليسو بالمنحرفين و لا حتى ممن لهم سوابق في الإجرام من قبيل مثلا الأبوين أو المدرس عن طريق ما صار يعرف بالعنف التربوي الذي لازال المشرع لم ينتبه لخطورته على صيرورة النمو النفسي لدى الطفل، حيث سجلت وزارة التربية الوطنية المغربية في آخر إحصاء لها أن نسبة الأطفال الذين يتعرضون للعنف التربوي في جميع المدارس المغربية يصل إلى حوالي 87 % من مجموع التلاميذ الممدرسين في السلكين الإبتدائي و الأساسي وأن حوالي 73 % من المدرسين يلجؤون إلى العنف [10] ، الشيء الذي من شأنه أن يثير التساؤل حول طبيعة الخانة القانونية التي بامكانها أن تستوعب حالة الإعتداء النفسي و البدني الذي يتعرض له الأطفال في المدارس بإعتراف رسمي من طرف الوزارة الوصية على قطاع التربية، الإعتداء الذي من المستبعد بل أنه في بعض الحالات من المستحيل أن يتم إثباته إلا إدخاله في خانة الصعوبات التي قد تشكل خطرا على شخصية الطفل و من تم تتطلب توفير الحماية الجنائية له.
الأمر الذي نعتقد معه أنه يتطلب إدخال نوع من المرونة على مقتضيات المادة 513 من (ق.م.ج.م) بما ينوافق و تمديد مقتضيات الحماية الجنائية لجميع الأطفال المهددين بخطر عن طريق أولا تجاوز الصياغة الشرطية [11] التي تبنى عليها هذه المادة إلى الصياغة التشبيهية التي بامكانها أن تمدد مقتضيات الحماية الجنائية لكل الحالات التي قد تجعل الطفل في خطر.
ثم ثانيا تدقيق مفهوم الخطر الذي قد يتعرض له الأطفال، حيث أن هناك [12] من يعتبر الخطر المشار إليه في المادة 513 من (ق.م.ج.م)، بأنه "كل فعل أو امتناع من شأنه أن يلحق بالطفل أذى أو ضرر في سلامته الجسمانية أو العقلية أو المعنوية،أو يؤثر سلبا على تربيته" الأمر الذي لا نعتقد أنه على صواب على أساس أنه من المستبعد أن يكون الخطر فعل أو امتناع، و إنما "الخطر هو النتيجة غير المتوقعة المدى و الحدود التي من الممكن أن تلحق بالشخص إثر تعرضه لأي نوع من أنواع الاعتداء الإيجابي أو السلبي، بمعنى فعل أو إمتناع".
و بهذا يمكن القول، أن الطفل في وضعية صعبة هو "كل حدث يقل سنه عن 18 سنة يكون معرض لكل فعل أو استغلال من شأنه أن يجعله في خطر جراء إختلاطه أو معاشرته لأشخاص من شأنهم أن يهددو سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو التربوية، أو يدفعه للتمرد على السلطة الأبوية أو اعتياد الفرار من المؤسسة التربوية أو الدراسية".
وعموما يمكن القول أن الطفل في وضعية صعبة حسب التعريف المقدم هو طفل ضحية اعتداءات لا ترقى إلى الاعتداءات المجرمة قانونا و لكن من شأنها أن تلحق ضررا بليغا بهذا الطفل سواء على المستوى النفسي أو على المستوى البدني و قد تدفعه إلى التمرد و الهروب مما قد يصير معها جانحا، وهو ما ينبغي تجاوزه عن طريق تمديد مقتضيات عملية تأهيل الطفل ضحية العنف للطفل في وضعية صعبة.
الفقرة الثانية :

 ملاءمة العملية التاهيلية لوضعية الطفل في وضعية صعبة.

خول المشرع الجنائي المغربي لقاضي الأحداث لدى المحكمة الابتدائية بناء على ملتمس صادر من طرف النيابة العامة أن يتخذ لفائدة الحدث الموجود في وضعية صعبة أي تدبير يراه كفيلا بحمايته، من بين التدابير المنصوص عليها في البند 1 و 3 و 4 و 5 و 6 من المادة 471 من هذا القانون [13].
و تتضمن البنود المذكورة المشار إليها في المادة 471 من (ق.م.ج.م) ما يلي:
1. تسليم الحدث إلى أبويه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو كافله أو حاضنه أو إلى شخص جدير بالثقة؛
2. تسليم الحدث إلى قسم الإيواء بمؤسسة عمومية أو خصوصية معدة لهذه الغاية؛
3. تسليم الحدث إلى مصلحة عمومية أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة أو إلى مؤسسة صحية بالأخص في حالة ضرورة معالجة الحدث من التسمم؛
4. تسليم الحدث إلى إحدى المؤسسات أو المعاهد المعدة للتربية أو الدراسة أو التكوين المهني أو المعالجة التابعة للدولة أو لإدارة عمومية مؤهلة لهذه الغاية أو إلى مؤسسة خصوصية مقبولة للقيام بهذه المهمة؛
5. تسليم الحدث إلى جمعية ذات منفعة عامة مؤهلة لهذه الغاية؛
و كاستقراء لهذه البنود يلاحظ بأن المشرع الجنائي المغربي يعتبر الحدث في وضعية صعبة كحدث على وشك الجنوح إن لم يكن بالفعل قد اعتبره كذلك على أساس ما تتضمنه أغلب بنود المادة 471 من مقتضيات خاصة بإعادة التربية و الإصلاح في غياب تام لكل تدبير من شأنه أن يوفر العلاج أو الإدماج الاجتماعي على أساس المساندة و ليس العقاب، و كأن هذا الطفل الذي يعاني من أوضاع إجتماعية مزرية جعلته في وضعية صعبة كان مصدرها الوحيد مع العلم أن أغلب الأطفال المتواجدين في وضعية صعبة و بالأخص في حالات التشرد تجدهم ضحايا سوء معاملة أسرية أو مدرسية مما يدفعهم للتمرد على السلطة الأبوية أو الهروب من المؤسسات التربوية إلى الشارع ، ذلك أن حوالي 50 % من الأحداث نزلاء مركز عبد العزيز بن إدريس المتابعون بقضايا التشرد أكدوا أثناء الاستماع إليهم من طرف الضابطة القضائية بتهمة التشرد أن تشردهم ما هو إلا نتيجة لسوء المعاملة و الاعتداءات المتكررة التي تلحقهم من طرف الأقرباء وبعض الجيران [14].
على نفس الصعيد نجد المشرع الفرنسي عند تقنينه للحماية الجنائية للأحداث في خطر، راعى على ما يبدو الوضعية النفسية و الاجتماعية التي قد يكون عليها أحد هؤلاء الأحداث، حيث أنه ميز بين الحدث الجانح و الحدث الضحية ثم الحدث في خطر، حينما أقر في الفصل 375/1 من القانون المدني الفرنسي على أن "الحدث يكون في خطر في حالة ما إذا كانت صحته أو أمنه أو معنوياته في خطر، أو كانت ظروف تربيته قد مست بش ك ل خطير فإن تدابير التربية يمكن أن تتخذ من قبل القضاء" [15].
و علاوة على ذلك فالمشرع الفرنسي يعتبر أن الحدث الذي يكون في خطر هو أكثر الأحداث حاجة لمساعدة تربوية تقوم على أساس عدم إخراجه أو سحبه من وسطه الاجتماعي، حيث نص الفصل 375/2 من القانون المدني الفرنسي على أنه " يجب أن يبقى الطفل في وسطه الطبيعي كلما أمكن ذلك، وفي حالة الخطر يعين القاضي شخصا مؤهلا أو مصلحة للمراقبة أو التربية في الوسط الطبيعي للحدث، و تكلف المصلحة أو الشخص المؤهل بمتابعة تطور الحدث و خروجه من حالة الخطر عن طريق تقارير دورية تقدم للقاضي، على أن يبقى للقاضي أن يقرر بقاء الطفل في وسطه الطبيعي أو إحالته على مؤسسة أو مصلحة لحمايته".
و ما تجب الإشارة إليه على هذا المستوى هو أن قرار القاضي بإحالة الحدث على مؤسسة أو مصلحة لحمايته لا تتعدى حسب الفقرة الثالثة من المادة 375 من القانون المدني الفرنسي محيطه الاجتماعي أو المصالح المعنية بتوجيه المساعدة الاجتماعية بمعنى تفعيل تدابير الادماج الاجتماعي، حيث تضمنت الفقرة الثالثة ما يلي :
1. يسلم الحدث إلى أبيه أو أمه الذي لا يمارس عليه السلطة الأبوية، أو الذي لم يكن مقيما عنده وقت تعرضه للخطر، الأمر الذي يعني بأن الغاية من هذا التسليم هو حماية الحدث من سوء المعاملة التي قد يتعرض لها تحت غطاء السلطة الأبوية؛
2. إلى عضو آخر في الأسرة أو إلى شخص جدير بالثقة؛
3. إلى مصلحة أو مؤسسة صحية أو تربوية عامة أو خاصة، الشيء الذي يبرز التوجه العلاجي للمشرع الفرنسي حيال الأحداث في خطر و ليس التوجه العقابي الذي نهجه المشرع المغربي حين نص على وجوب تسليم الطفل إلى مؤسسة مكلفة برعاية الطفولة و نحن نعلم وضعية المؤسسات المكلفة برعاية الطفولة في المغرب و كذا التوجه الذي تنهجه حيال الأحداث الجانحين فبالأحرى الحدث الذي يكون في وضعية صعبة؛
4. يضيف الفصل 11 من قانون رقم 88/487 الصادر في 10/07/1989، أن يتم تسليم الحدث الذي يكون في خطر إلى مصلحة للمساعدة الاجتماعية للطفولة في حالة ممارسة مسطرة الطلاق من طرف الأبوين أو في حالة الحكم بالطلاق [16].
و على العموم، إذا كان توجه المشرع الفرنسي ينحو كما هو بارز نحو الحفاظ على علاقة الحدث الذي يكون في خطر بوسطه الاجتماعي و من تم عدم ترك أي فرصة له للجنوح أو للاعتداء عليه من أي كان، فإن القضاء الفرنسي بدوره يسهر على تفعيل هذه الغاية، حيث تبنت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صادر في 16 فبراير 1977 أنه " لا يمكن بواسطة تدبير المساعدة الاجتماعية سحب الحدث من وسطه الطبيعي إلا في حالات محددة طبقا للفصل 375 من القانون المدني، وخاصة عندما تكون ظروف تربيته قد مست بخطر" [17].
و بالعودة إلى واقع الأطفال في وضعية صعبة في التشريع الجنائي المغربي، يلاحظ بأنه كان من الأنسب على المشرع الجنائي المغربي في مسألة حماية الحدث في وضعية صعبة عوض أن يحيل على التدابير المخصصة لحماية و إعادة تربية الحدث الجانح المنصوص عليها في المادة 471 من (ق.م.ج.م)، كان بامكانه أن يحيل على التدابير الخاصة بحماية الحدث ضحية الجنحة أو الجناية، المنصوص عليها في المادتين 510 و 511 من (ق.م.ج.م)، رغم ما يسجل على هذين المقتضيين معا من قصور يتجلى في غياب آليات واقعية من شأنها أن تسهر على التفعيل الحقيقي لعملية تأهيل الطفل الضحية.
لكن بالرغم من ذلك، هناك بعض المبادرات التي تستحق التشجيع في سبيل تأهيل الحدث ضحية العنف، و لما لا حماية الحدث الذي قد يوجد في وضعية صعبة بمفهوم المادة 513 من (ق.م.ج.م)، خاصة أمام تزايد دور المجتمع المدني في الإشراف على العملية التأهيلية.
________________________________________
[1] - للتوسع أكثر في المقتضيات الدولية التي تم إدماجها في الترسانة القانونية المغربية أنظر مقال أستادنا الدكتور محمد ناص متيوي مشكوري:"ملاءمة النصوص الوطنية مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل:منهجية عمل-أولويات-اختيارات"، مرجع سابق، ص: 7 على 14.
[2] - ذ أحمد أوزي : "الطفل و المراهقة"، منشورات مجلة علوم التربية ،الطبعة الأولى، 1998، ص:145 و ما بعدها .
[3] - المادة 458 من قانون المسطرة الجنائية المغربية الجديدة.
[4] -ذ. علي حذروني: "المواثيق الدولية و مشروع قانون المسطرة الجنائية"، مقال غير منشور، معد سنة 2002 من طرف الأستاذ، بدون ترقيم.
[5] - المواد من 512 إلى 517 من قانون المسطرة الجنائية المغربية الجديدة.
[6] -إدريس ختا : "محاكم الأطفال بالمغرب: واقع و استشراف"، مرجع سابق، ص:24.
[7] - المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
[8] - الأمين العام للأمم المتحدة: "استبيان موجه إلى الحكومات يتعلق بمسألة العنف ضد الأطفال"، htp://www.ohchr.org/nglish/bodies/crc/docs/study-quest- A.doc.10/11/200 .
[9] - إدريس ختا : ": "محاكم الأطفال بالمغرب: واقع و استشراف"، مرجع سابق، ص: 25.
[10] -Rida Benjalloune : « Emission : Grand Angle », TV 2M, émission de 23/02/2005, a 22h30mn.
[11] - تبرز مظاهر الصياغة الشرطية في المادة 513 من (ق.م.ج.م) في إستعمال مشرعها لأداة الشرط – إذا- في استعراضه لأبرز حالات الوضعية الصعبة، مثل (إذا كانت سلامته .....) أو (إذا تمرد على سلطة.....) أو (إذا اعتاد الهروب...)، الشيء الذي يدعم طرح أن المشرع المغربي تناول صور الوضعية الصعبة التي قد تواجه الطفل على سبيل الحصر.
[12] - موحى و لحسن ميموني: "نظام الحرية المحروسة و أثره في حماية الطفولة: دراسة في ضوء قانون المسطرة الجنائية الجديدة"، مرجع سابق، ص:164.
[13] - المادة 512 من قانون المسطرة الجنائية المغربية الجديدة.
[14] - عرض معد من طرف مجموعة من طلبة السلك الثالث : "الأطفال في وضعية صعبة : أطفال الشارع نموذجا"، مرجع سابق، ص:91.
[15] - Jean Chazal : « La notion du danger couru par l'enfant dans l'institution française d'assistance éducatif », Aspect Nouveaux de la pensé juridique, Recueil d'études en hommage à Marc Ancek T2, édition A ? PEDON 1975 ? p : 329.
[16] -Violette GORNY : « Le nouveau Divorce », édition HACHETTE , PARIS, 2000 , P :89.
[17] Cass.civ / 16/02/1977, Revue péitentaire et de droit pénal, N2, 1978, P : 271


المطلب الثاني :

 تخويل حق الإشراف على العملية التاهيلية للمجتمع المدني .

إعتبارا للدور المتصاعد للمجتمع المدني [1] في أغلب القضايا المرتبطة بالحريات والحقوق الفئوية على الخصوص، أضحى دوره في المغرب ينتعش يوما بعد يوم بناءا على ما يبدو ارتفاع ملحوظ في درجة الوعي الشعبي بأهمية العمل الجمعوي مقابل تراجع دور الدولة في القيام بكافة الأدوار التقليدية في الجانب الاجتماعي نتيجة لضعف امكانياتها البشرية من جهة و المادية المخصصة لتلبية كل الحاجيات الاجتماعية من جهة ثانية.
الشيء الذي برزت معه دعوات و مطالب لمنح المجتمع المدني المحلي [2] إمكانية الإشراف على أغلب القضايا الإجتماعية التي لم تستطع الدولة النهوض بها كما يرام نتيجة لكثرة التزاماتها من جهة و لضعف مواردها من جهة ثانية.
و من بين هذه القضايا الاجتماعية نجد حق الطفل ضحية العنف في التأهيل، حيث لعبت بعض هيئات المجتمع المدني المغربي دورا فاعلا في رعاية الطفل ضحية العنف نتيجة لما تتوفر عليه من إمكانيات إجتماعية من شأنها أن تساهم عموما في إدماج الطفولة المعنفة في بوثقة النسيج المجتمعي (الفقرة الأولى)، لكن بالرغم من ذلك فهذه الهيئات في حاجة ماسة إلى دعم مزدوج قانوني و مادي لأغلب مبادراتها (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى :

 إمكانيات المجتمع المدني المغربي في رعاية الطفل الضحية.

نظرا لكون المجتمع المدني هو ذلك التعبير الاجتماعي عن مختلف العلاقات الفردية والبنيات الأسرية والاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و الدينية التي تربط مجتمعا معينا في فترة زمنية ومكان محدد عند تخلي الدولة عن بعض مهامها الاجتماعية بالأساس للمؤسسات المدنية ذات الأهداف الاجتماعية.
و قد طفا في الآونة الأخير دور المجتمع المدني المغربي كأبرز المؤسسات الاجتماعية التي من شأنها أن تحل محل الدولة في الإشراف على بعض القضايا الاجتماعية من قبيل حق الطفل ضحية العنف في التأهيل.
حيث أنه، في هذا الإطار يسجل لبعض هيئات المجتمع المدني المغربي ريادتها لأغلب المبادرات الإنسانية تجاه الأطفال ضحايا العنف، من قبيل الاستماع النفسي والتوجيه القانوني، و كذا الرعاية الاجتماعية المواكبة و البعدية في بعض الأحيان.
و في هذا الإطار تدخل مبادرات المرصد الوطني لحقوق الطفل الذي يعتبر من أبرز هيئات المجتمع المدني العاملة في مجال حماية الطفولة المعنفة ، ورغم رسميته فهو يسهر منذ تأسيسه خلال الدورة الأولى لمؤتمر الطفل في 25 ماي 1994 على عقد مجموعة من اللقاءات للتفكير و التحليل المستمر لوضعية الطفل المعنف من خلال مركز الاستماع و حماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة الذي رأى النور في 25 نونبر 1999 عن طريق الرقم الأخضر الذي دشنته صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم.
و قد توجت مجهودات المرصد الوطني لحقوق الطفل بتوقيعه على اتفاقية ثنائية مع وزارة العدل في 25 ماي 2004 كآلية قانونية من شأنها أن تدعم إمكانياته في مجال رعاية الطفولة المعنفة، حيث أكدت الاتفاقية على مجموعة من المكاسب لصالح الأطفال ضحايا العنف ومن ضمنها إلتزام الطرفين بالتدخل لفائدة الأطفال ضحايا الجريمة خاصة الأطفال ضحايا سوء المعاملة و الاستغلال المعروضة حالاتهم على العدالة أو المثارة أمامها [3].
و قد ألزمت المادة الثالثة من الاتفاقية وزارة العدل بضرورة حث النيابات العامة على إيلاء عناية خاصة بملفات و حالات الأطفال الضحايا و الجانحين منهم، وتأمين الدعم القانوني و الطبي لهم، قبل وأثناء و بعد البت في الملفات المتعلقة بهم [4].
و بالرغم مما جاءت به الاتفاقية الثنائية بين المرصد الوطني لحقوق الطفل ووزارة العدل من إيجابيات، فإنه مع ذلك جاءت قاصرة عن احتواء جميع هيئات المجتمع المدني التي تتوفر على إمكانيات محترمة وعلى سمعة طيبة من قبل الرأي العام الوطني تجاه قضية رعاية الطفولة المعنفة و من ضمنها جمعية بيتي وبعض الجمعيات الأخرى.
و تعتبر جمعية بيتي على وجه الخصوص من بين أبرز الجمعيات المدنية النشيطة في مجال الرعاية الاجتماعية للأطفال ضحايا العنف والإدماج الاجتماعي، حيث أنها من الجمعيات القلائل في مجال رعاية الطفولة المعنفة التي استطاعت الحصول في ظرف وجيز على صفة المنفعة العامة [5] بناء على برنامجها الموضوعي ومبادراتها الاجتماعية الخلاقة.
حيث تعمل في الوقت الراهن على إعادة الإدماج الأسري و المدرسي والتربوي والمهني للأطفال ضحايا العنف عن طريق فريقها المتجانس، الذي يتكون من مجموعة من المتخصصين في الطب العام و الطب النفسي، مربين و مساعدات إجتماعيات ومتطوعين يقومون يوميا بأبحاث ميدانية لكل الظواهر الاجتماعية التي تجعل الطفل يتشرد و يفر من البيت والمدرسة أو تجعله فريسة سهلة للعنف، بناء على منهجية منضبطة للإمكانيات والموارد المالية والبشرية التي تتوفر عليها الجمعية.
وفي سبيل إعادة الإدماج الاجتماعي للأطفال ضحايا العنف تعتمد الجمعية على منهجية علمية تقوم على أساس نظام الأوراش الذي يتكون مما يلي:
1. الورش الأول: ورش خاص بالعناية والحماية يتكلف بالاستقبال الأولي للأطفال ضحايا العنف في مأوى خاص [6]؛
2. الورش الثاني: هو ورش مخصص للفن يسهر على العلاج النفسي الجماعي للأطفال وهو مجال للتعبير عن ما تعرضوا له ليتم إحالتهم على الورش الموالي؛
3. الورش الثالث : ورش بيداغوجي يعنى بتصنيف الأطفال الذين يستقبلهم مركز الإيواء من حيث طبيعة العنف الذي تعرضوا له أو طبيعة المشكل الذي جعلهم أطفال شارع وهل هم أطفال متمدرسون أم غير ذلك؛
4. الورش الرابع : ورش خاص بالدعم و التربية المدرسية أو المهنية، يستوعب هذا الورش الأطفال المحالين عليه من طرف الورش السابق حسب التصنيف الذي صنفوا إليه، ليتم إخضاعهم إما لخلية التربية المدرسية التي تحدد طبيعة المشكل الدراسي المطروح وتحاول معالجته ليتم إعادة إدماج الطفل في الحياة المدرسية بشكل عادي، وفي هذا السياق فقد تمكنت الجمعية من إعادة إدماج 850 طفل إلى الحياة المدرسية العمومية منهم 450 تم تسجيلهم في الموسم الدراسي 2000/2001. أو يتم إخضاعهم لخلية التربية المهنية التي تحاول أن تمنح للطفل ضحية العنف إمكانيات مهنية بديلة عن الدراسة تمكنه من بناء علاقات اجتماعية مع وسطه وأسرته على وجه الخصوص.
5. الورش الخامس: ورش خاص بالتربية الأسرية على وجه العموم هدفه الأساسي زرع مبادىء التكافل الاجتماعي من خلال ربط اتصال مع أسرة الطفل المعني عن طريق المساعدة الاجتماعية والمساعدة في تسوية الوضعية القانونية، أو البحث عن أسرة بديلة تقوم باستقبال الطفل بناء على عقد شراكة بين هذه الأسرة والجمعية، على أن هذا البرنامج يستهدف الأطفال ضحايا العنف الذين يقل سنهم عن 15 سنة؛ أما بالنسبة لمن يفوق هذا السن إلى 18 سنة فيكون الهدف الأول بالنسبة لهم الإدماج الاجتماعي في الشغل عن طريق ما يعرف بمشروع الحياة الذي يعده الشاب الذي لم يتجاوز 18 سنة بمساعدة إطار من الجمعية باعتباره مشرفا على عملية إعداد هذا المشروع وتتبع مدى جديته و احتمالات نجاحه حتى يناقش أمام لجنة من الجمعية التي تبحث للمشروع عن تمويل ذاتي و تراقب مدى صيرورته وتقدمه الواقعي من المراقبة المواكبة و البعدبة [7].
على أن الجمعية لا تكتفي بالأوراش الموجهة لصالح الأطفال الذين تستقبلهم يوميا، وإنما تحاول كذلك أن تقيم علاقات اجتماعية مع أسرهم عن طريق أوراش خاصة بتقديم ارشادات للوالدين عن طريقة التربية المثالية و آثار بعض السلوكات الاجتماعية على نفسية طفلهم.
حيث أنه في هذا الاطار تنظم الجمعية حلقات موضوعية للنقاش يؤطرها أحد الأخصائيين في علم التربية و السلوك السلبي تحضرها أسر الأطفال ضحايا العنف، كما تقوم ببرامج محو الأمية و التربية الدينية وتبسيط المفاهيم القانونية كنوع من إعادة التربية للآباء وخلق أرضية سليمة للإنطلاق من خلال بعث روح الجماعة و التضامن داخل الأسرة و نبذ روح الإتكال و الفردانية [8].
و تدخل في نفس النهج الذي تعتمده جمعية بيتي بعض الجمعيات من قبيل جمعية أهلي بفاس وكذا جمعية "شمس" أو "الجمعية المغربية لحماية الأطفال في وضعية غير مستقرة"، التي تسعى بدورها لإخراج الأطفال ضحايا العنف و التشرد من وضعية اللآثقة و عدم الإستقرار النفسي التي تكون طاغية على نفسية أغلب الأطفال ضحايا التشرد و العنف الجنسي على الخصوص إلى وضعية البناء و الإدماج الاجتماعي [9].
و عموما فإن ما يمكن قوله هو أن أغلب الجمعيات المارة، ما هي إلا نموذج موضوعي للحيوية التي يعرفها النسيج الجمعوي المغربي العامل في مجال الطفل ضحية العنف، و الذي إتجه مؤخرا نحو توحيد مناهج الاستماع و التوجيه القانوني عن طريق الشبكة الوطنية للاستماع و التوجيه القانوني للمواطنين ضحايا العنف [10]، الشيء الذي نعتقد أنه يتطلب دعما ضروريا من طرف المشرع الجنائي المغربي حتى تفعل مبادرات المجتمع المدني التفعيل السليم حيال الطفل ضحية العنف.
الفقرة الثانية :

 ضرورة دعم مبادرات المجتمع المدني في رعاية الطفل الضحية. .

اعترف المشرع الجنائي المغربي لأول مرة في قانون مسطرته الجنائية بمجموعة من الحقوق و المهام لهيئات المجتمع المدني المغربي كاعتراف تشريعي بالدور البارز لها في مجال رعاية حقوق الفئات الاجتماعية المستضعفة و بالأخص ضحايا الجرائم، كمحاولة منه على ما يبدو لتقديم دعم تشريعي لأغلب مبادرات هذا المجتمع.
حيث خولت المسطرة الجنائية الحالية للمجتمع المدني المغربي مجموعة من الإمكانيات للتدخل في تفعيل أداء العدالة الجنائية بعد وقوع الفعل الإجرامي، حينما نصت مادتها السابعة لأول مرة على إمكانية انتصاب الجمعيات المدنية كطرف مدني على شرط أن تكون الجريمة المرتكبة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي، ثم أن تكون للجمعية صفة المنفعة العامة، و أن تكون قد أسست بصفة قانونية لمدة لا تقل عن أربع سنوات قبل وقوع الفعل الإجرامي.
كما نصت المواد 471 و 510 و 512 من (ق.م.ج.م) على التوالي أن بإمكان قاض الأحداث أن يأمر بتسليم الحدث الجانح أو الضحية أو الذي قد يوجد في وضعية صعبة إلى جمعية ذات منفعة عامة مؤهلة للرعاية.
لكن، أمام هذا التحول التشريعي الذي يسجل للمشرع المغربي لصالح هيئات المجتمع المدني، فإنه مع ذلك لا يرقى لطموحات أغلب ضحايا الجريمة بما فيهم الأطفال الضحايا، على اعتبار فوضوية العمل الجمعوي في المغرب الذي لا يحكمه أي ميثاق أخلاقي يغني عن صفة المنفعة العامة التي تمارس في منحها مجموعة من العراقيل الإدارية التي تحول دون تعميمها على جميع الجمعيات العاملة في مجال رعاية الطفولة المعنفة.
حيث أنه بالعودة إلى أحكام الظهير المنظم لحرية تأسيس الجمعيات في المغرب [11]، يلاحظ أن فصله التاسع ينص على أنه "يعترف للجمعية بصفة المنفعة العامة بمقتضى مرسوم بعدما تجري السلطة الإدارية بحثا في شأن غايتها و وسائل عملها، للتأكد من أن الجمعية تهدف بالفعل إلى خدمة المصلحة العمومية".
و كاستقراء لهذا المقتضى يلاحظ بأن المشرع المغربي منح للإدارة سلطة تقديرية واسعة لمنح صفة المنفعة العامة للجمعيات دون أن يقيدها بمعايير موضوعية [12] من شأنها أن تدعم عمل الجمعيات، على أساس أن صفة المنفعة العامة تمنح مجموعة من الإمتيازات التي تمكن الجمعية من التحرك بفعالية تجاه القضايا التي تتبناها كأهداف أساسية لعملها، و من بين أبرز الامتيازات التي تخولها صفة المنفعة العامة ما يلي :
1. بمجرد حصول الجمعية على صفة المنفعة العامة تستفيد من أهلية قانونية أوسع من الأهلية القانونية التي تتمتع بها الجمعيات العادية؛
2. تستفيذ الجمعية التي تحمل صفة المنفعة العامة بالإضافة إلى الحقوق التي تتمتع بها الجمعيات العادية، من قبيل حق الترافع أمام المحاكم ، حق الإقتناء بعوض، حق الحصول على واجب إنخراط الأعضاء الذي لا يجب أن يتجاوز 240 درهم [13]، و حق التصرف في الأماكن و الأدوات المخصصة لإدارة الجمعية واجتماع أعضائها، الحق فيما يلي:
Ø تملك الأموال و المنقولات و العقارات اللازمة لتحقيق هدفها الاجتماعي على أن لا تتجاوز قيمة ذلك الحدود المبينة في مرسوم الاعتراف بصفة المنفعة العامة.
Ø حق الاقتناء بدون عوض أي تلقي الهبات و الوصايا بموجب عقود بين الأحياء أو بوصية؛
Ø حق الحصول على الإعانات العمومية عن طريق الوزارات أو السلطات المحلية.
و من خلال الوقوف على الامتيازات التي تخولها صفة المنفعة العامة يلاحظ مدى النفع المادي الذي قد تلحقه هذه الصفة بميزانية الجمعية و من تم قد تخولها هامش واسع للتحرك و الدفاع عن أكبر عدد من الضحايا، إن لم تشكل دعما معنويا للجمعية وأعضائها في سبيل توسيع نشاط الجمعية.
لكن بالرغم من ذلك فعدم تنصيص المشرع على معايير موضوعية لعمل السلطة المحلية أثناء إجرائها للبحث الميداني عن طبيعة نشاط الجمعية قد أثر بشكل سلبي على نشاط أغلب الجمعيات، خاصة إذا علمنا الأسباب الحقيقية التي ينهض عليها منح صفة المنفعة العامة للجمعيات التي تتلخص حسب الأستاذ عبد الحليم العربي [14]، في محاولة المشرع المغربي على ما يبدو، أولا التفريق بين الجمعيات التي تعمل للصالح العمومي و تلك التي تعمل للصالح الخاص أو التي تعمل بشكل انتهازي، حيث أن أغلب الجمعيات التي تتمتع بصفة المنفعة العامة يحق لها الحصول على إعانات من مختلف المؤسسات العمومية والوزارات شريطة أن تقوم بضبط دفاتر حساباتها المالية التي تخضع إلى مراقبة مفتش وزارة المالية [15]، وهو ما قد يشكل دعما ماليا لكل الجمعيات التي تتمتع بصفة المنفعة العامة على حساب تلك التي لم تستطع الحصول على هذه الصفة.
ثانيا قد تمنح صفة المنفعة العامة للجمعية على أساس محاولة المشرع ضبط عدد الجمعيات التي بالامكان التعامل معها بشكل مباشر من قبل القضاء المختص، و بالتالي تحديد تلك التي ستسهر على تفعيل مقتضيات العدالة الجنائية، و هو سبب قد يبدو منطقي لكن بمقاربته من وجهة نظر بعض منتسبي [16] الهيأة القضائية المغربية يمكن القول بأن ليس هناك أي نوع من الإرتباط بينها و بين الجمعيات المدنية التي تحمل صفة المنفعة، بل أكثر من ذلك عدم وجود لائحة خاصة بهذه الجمعيات، و حتى الإحصائيات الرسمية المتعلقة بعدد الجمعيات التي تحمل صفة المنفعة العامة هي مجرد تقديرات، حيث قدرت في هذا الصدد كاتبة الدولة المكلفة بالأسرة و الطفولة و الأشخاص المعاقين السيدة ياسمينة بادو أن عدد الجمعيات العاملة في مجال الدفاع و حماية حقوق الأطفال و النساء في المغرب قد يصل إلى حوالي 30000 جمعية، القليل منها يعترف له بصفة المنفعة العامة [17].
الأمر الذي يناقض على ما يبدو مع ما هو معمول به في فرنسا، فالمشرع الجنائي الفرنسي يقوم بضبط عدد جمعيات هيئات المجتمع المدني من خلال خلية مركزية تنصهر فبها جل الجمعيات الوطنية، و تسهر هذه الخلية على إعطاء آخر الإحصائيات فيما يتعلق بعدد الجمعيات و كذا طبيعة الأنشطة التي تقوم بها كل جمعية، حيث وصل عدد الجمعيات في فرنسا سنة 2002 إلى حوالي 800000 جمعية تعمل في مختلف المجالات بما فيها مجال مساعدة ضحايا الجرائم التي بلغ فيها العدد إلى حوالي 100000 جمعية موزعة على كل التراب الفرنسي، و تبلغ ميزانيتها السنوية حوالي 200 مليار أورو، وتشغل ما يفوق 1.3 مليون مستخدم و متطوع وكل ذلك بدعم تشريعي وآخر مادي من طرف المشرع الفرنسي.
حيث يعتبر هذا الأخير من بين أبرز المشرعين الغربيين الذين بادروا إلى دعم العمل الجمعوي في مجال رعاية الطفولة المعنفة تشريعيا من خلال تبنيه سنة 1990 لميثاق ينظم أخلاقيات عمل و تعامل الجمعيات المختصة في استقبال الضحايا [18] فيما بينها، وكذا تجاه الضحايا المستفيدون من خدماتها [19].
و هو الميثاق الذي يقوم على مجموعة من المبادئ و المقتضيات التي تؤكد على أن دور مصالح وهيئات المجتمع المدني المكلفة بمساعدة الضحايا يقتصر على تعريف الضحايا بحقوقهم، و محاولة تهدئة و تسكين خواطرهم، و تحريك آليات التضامن الاجتماعي مع معاناتهم عن طريق السهر على إعادة إدماجهم الاجتماعي [20]، كما يجب أن تسهر هذه الجمعيات على محاولة تخفيف حالات الشعور باللأمن و الإضطراب النفسي التي قد يخالج نفسية الضحية، وكل ذلك على أساس مجانية الاستماع و الدعم النفسي والسيكولوجي، سرية وفعالية الخدمات التي تقدم بناء على اللجوء الإرادي للضحية [21] .
كما ينص ميثاق أخلاقيات تعامل الجمعيات الفرنسية مع ضحايا الجرائم على مجموعة من الواجبات التي تتحملها الجمعيات و مراكز استقبال الضحايا، من قبيل واجب المواكبة والتوجيه والدعم النفسي و الطبي و القانوني للضحايا، بالإضافة إلى سهر هذه المراكز على مهام الوساطة بين الضحية و الجاني [22].
و على العموم، فإن ما يجب التأكيد عليه هو أن أساس كل عمل ليست قاعدته التشريعية العامة و إنما الخاصة التي تصدر عن مهنييه و تنظم حقوقه و واجباته في علاقته بالغير، حتى يتم ضبط كل وارد و صادر من أسرار الأفراد، لذلك نعتقد يقينا صادقا أن ما ينقص عمل بعض هيئات المجتمع المدني المغربي ليس العدد الهائل من الجمعيات التي تؤسس يوميا و إنما الفعالية في أداء المهام التطوعية عن طريق ما يلي:
1. ضرورة تدخل المشرع بتعاون مع أغلب الجمعيات العاملة في مجال الطفولة المعنفة لاستصدار مدونة تعنى بتنظيم أخلاقيات تعامل مراكز الاستماع للضحايا؛
2. ضرورة الدعم المادي لخلق شبكة وطنية للجمعيات و مراكز الاستماع للضحايا لتوحيد الرؤى و الاستراتيجيات لإنجاز مشاريع مشتركة حول قضايا الطفولة المعنفة؛
3. ضرورة مد جسور التعاون و الشراكة بين المجتمع المدني و الهيئات الحكومية العاملة في المجال من قبيل وزارة التربية الوطنية، وكذا وزارة الصحة، بالإضافة إلى كتابة الدولة المكلفة بالأسرة و الطفولة و الأشخاص المعاقين، وهو أمر إنتهج في فرنسا سنة 1983 بمبادرة من طرف وزارة العدل الفرنسية ونظيرتها وزارة الشؤون الاجتماعية الفرنسية و كذا بعض الهيئات المحلية من قبيل المجالس البلدية و مجالس عمداء المدن الفرنسية [23]؛
4. ضرورة التركيز على التكوين و التكوين المستمر للعاملين و كوادر الجمعيات ومراكز الاستماع للضحايا، مع ضرورة الانتباه للطبيعة المزدوجة للمهام المستمع للضحية؛
5. ضرورة ضبط معيار منح صفة المنفعة العامة للجمعيات على أساس واقعية البرنامج و الأهداف المسطرة فيه و الملاءة المعنوية للكوادر العاملة فيها.
و في الأخير فإن ما ينبغي قوله هو أن سياسة العقاب لحماية الضحية لم تعد مجدية يتاتا، على أساس أن المشرع لا يمكنه أن يوقف دركيا أو شرطيا على كل زقاق أو حي أو حتى على غرفة نوم الزوجين لمراقبة من يعنف من، ومن يستغل الطفل ويهتك عرضه، وإنما المهمة كلها ملقاة على عاتق الأسرة وما تستطيع أن تبلغه من رسالات إجتماعية أساسها الرحمة في التعامل و المحبة في التربية.
________________________________________
[1] - "المجتمع المدني هو مختلف الجمعيات و المنظمات المدنية التي تعمل بإستقلالية عن النشاط السياسي و تدافع عن مبادىء شمولية ذات صبغة انسانية تهم كل المواطنين، دون أن تكون لدى المنخرطين فيها رغبة ملحة في الوصول إلى الحكم عن طريق العمل الجمعوي".
و يعرف الأستاذ طيب محمد عمر المجتمع المدني بأنه "مختلف العلاقات الفردية و البنيات الأسرية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و الدينية التي تربط مجتمعا معنيا في غياب تدخل الدولة"، تصورات حول دور المجتمع المدني و المتقاضين في تفعيل أداء العدالة الجنائية"، مداخلة قدمت في إطار الندوة التي نظمتها وزارة العدل حول "السياسة الجنائية المغربية: واقع و آفاق"مكناس في 9/10/11-دجنبر 2004، ص:4.
[2] - - المرصد الوطني لحقوق الطفل : "تقرير تركيبي لأشغال الورشات للقاء حول دور المجتمع المدني المحلي في تتبع و تفعيل الخطة الوطنية للطفل للعشرية 2005-2015، أوريكة، مرجع سابق، ص: 11.
[3] - المادة الثانية من الاتفاقية الثنائية بين وزارة العدل و المرصد الوطني لحقوق الطفل، الموقعة في في 25 ماي 2004.
[4] - « Signatur d'une convention de coopération et de partenariat entre le ministère de la justice et l'ONDE », http://www.onde.org.ma/10émeCongrès/signature.htm.
[5] جمعية بيتي من الجمعيات المدنية المغربية النشيطة في مجال الدفاع عن حقوق الأطفال ضحايا العنف بكل صوره، حصلت على صفة المنفعة العامة بمقتضى المرسوم رقم 29938 الصادر بتاريخ 21/01/1999.
[6] - و على سبيل الإشارة و الإشادة فقط تعتبر جمعية بيتي من بين الجمعيات القلائل في النسيج الجمعوي المغربي التي تتوفر على مأوى للأطفال ضحايا التشرد و سوء المعاملة.
[7] - ورقة حصلت عليها من طرف الجمعية تحت عنوان "بيتي:منارة لقوارب الشارع"، مقاربة جديدة لأشكالية أطفال الشارع، أبريل 2004.
[8] - "بيتي:منارة لقوارب الشارع"، مرجع سابق.
[9] - تأسست جمعية شمس في 06/12/1996 و بعد سنتين من تأسيسها حصلت على صفة المنفعة العامة.
[10] - Pour plus d'information il faut consulter le site Internet www.anarouz.org.
[11] - الظهير الشريف رقم 376.58.1 المؤرخ ب 3 جمادى الأولى 137ه الموافق ل 1958-11-15، و الظهير الشريف رقم 283-73-1 بتاريخ 6 ربيع الأول 1393 الموافق ل 10/04/1973، المتمم بالقانون رقم 00.75 المؤرخ ب 10/10/2002 المتعلق بحرية تأسيس الجمعيات.
[12] -د. عبد الحليم العربي: "الحريات العامة و حقوق الإنسان في القانون المغربي"، مطبوع محاضرات ألقي على طلبة السنة الرابعة حقوق "قانون خاص"، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2001/2002، ص56.
[13] - المواد 6-11-12-13-34 من القانون المنظم لحرية تأسيس الجمعيات.
[14] - ذ عبد الحليم العربي" الحريات العامة و حقوق الإنسان في القانون المغربي "، "، مطبوع محاضرات ألقي على طلبة السنة الرابعة حقوق "قانون خاص"، كلية الحقوق فاس، السنة الجامعية 2004-2005، ص: 58.
[15] - المادة 39 من القانون المنظم لحرية تأسيس الجمعيات
[16] - ذ. الحميد الوالي: قاضي التحقيق بمحكمة إستئناف فاس ، لقاء 04/01/2006.
[17] - Entretien avec Mme YASMINA Baddou : « Un plan d'action national en faveur des enfants doit voir le jour d'ici la fin de l'année », article publie sur le site wezb de l'ONDE 25et 26/05/2004, http://www.onde.org.ma/10émeongrés/dossierdepresse.htm.
[18] -Code Déontologie de l'institut national d'aide aux victimes et de médiation (INAVEM) du 1990.
[19] -Gérard Lopez : « Victimologie », OP Cit, P : 62.
[20] - article 2 de Code Déontologie de l'INAVEM France.
[21] - Articles 6- 9-11 de code déontologie
[22] - Devoirs envers les victimes, les articles de 10 à 14 de code déontologie.
[23] - François Lombard : « Les différents systèmes des victimes d'acts de violence et leurs enjeux », OP Cit, P :294.


خــاتــــــمة .
يبدو أن حق الطفل ضحية العنف في التأهيل، تصور ذو أبعاد اجتماعية علاجية، لم يستطع أغلب المشرعين الجنائيين في الأنظمة المحسوبة على الدول المتخلفة استيعاب واحتواء أبعاده، على اعتبار ارتكاز محددات السياسة الجنائية المتبناة من طرفهم على النهج الوقائي ذو الأبعاد العقابية الزجرية التي تتغافل عن الاهتمام العلاجي و الاجتماعي الواجب للضحية تحت مسمى الحق العام المخول لممثل الادعاء العام النيابة العامة.
و المشرع الجنائي المغربي لا يشكل استثناءا مطلقا من هذا التوجه، حيث بدوره يتغافل عن المنظور الشمولي للاهتمام الواجب للضحية، وخاصة الطفل ضحية العنف، من خلال تجاهله لحق هذا الأخير في التأهيل، بالرغم من إلتزامه العلني بإدماج كل حقوق الطفل المضمنة في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي لم يبدي بشأنها أي تحفظ، من قبيل حق الطفل ضحية العنف في التأهيل [1].
لكن على الرغم من ذلك، فقد ضمن في ترسانته الجنائية، و بالأخص المسطرة الجنائية، بعض التدابير العلاجية و الاجتماعية لصالح الطفل ضحية الجناية أو الجنحة، التي يمكن اعتبارها بمثابة إرهاصات أولية نحو التوجه العلاجي للسياسة الجنائية المغربية [2].
التوجه الذي لن يكتمل إلا بإيجاد مؤسسات مؤهلة من شأنها أن تسهر من جهة على علاج الطفل ضحية العنف، بناء على استراتيجية علاجية تراعي التأهيل الجسمي و التأهيل النفسي على أساس تمتيع الطفل بكل حقوقه في المساعدة الطبية. و من جهة ثانية أن تسهر على إعادة إدماج الطفل ضحية العنف في بوثقة النسيج المجتمعي بما يضمن له الحق في الرعاية اللاحقة، و الضمان القانوني للحق في التعويض المناسب لآثار ما تعرض له عبر إنشاء صندوق لدعم ضحايا العنف و بالأخص الأطفال ضحايا العنف، كما هو الحال عليه في التشريع الفرنسي.
و كل هذا في اعتقادنا يمر عبر إيجاد بنية تحتية عالية للتكوين، تنهض على أساس الاعتناء بالطب الشرعي كمؤسسة ضبطية تتكلف بالتحقق من صحة إدعاءات الطفل الضحية، و تخوله إمكانية إثباتها في حالة صحتها بما تتوفر عليه تقاريرها في بعض الأنظمة المقارنة من حجية قانونية تضاهي حجية المحاضر المحررة من طرف ضباط الشرطة القضائية كما هو الحال في التشريع الجنائي المصري [3].
على أنه لا يجب حصر مقتضيات العملية التأهيلية برمتها في علاج و ضعية الطفل ضحية العنف، بل من الواجب تمديدها لصالح الطفل في وضعية صعبة من أجل تجنيبه تدابير حماية الطفل الجانح ذات الأساس العقابي إلى تدابير حماية الطفل الضحية ذات الأساس العلاجي الإدماجي، التي هو أكثر الأشخاص حاجة إليها مما هو في حاجة لتدابير تربوية.
و في الأخير، فإن ما يجب قوله هو أن حق الطفل ضحية العنف في التأهيل، قد يبدو أنه حق كمالي، لكن بالوقوف على أغلب الدراسات العلمية المتخصصة في مجال علم الضحية [4]، يمكن القول بأنه آلية من آليات علاج الظاهرة الإجرامية التي لا يقتصر علاجها على الاهتمام الفريد بالجاني أو الجانح، و إنما يمتد إلى الاهتمام بطرفي الدراما الإجرامية، بشكل متساوي و متوازي، لذلك نتساءل على هذا المستوى و نحن نحاول قفل باب هذا البحث في خضم علم الضحية، إلى أي مدى قد يستطيع الاهتمام بالضحية عموما أن يقلل من فرص وقوع الفعل الإجرامي؟ إن لم نقل علاج الظاهرة الإجرامية بشكل كامل؟.
________________________________________
[1] - المادة 39 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل 20 نونبر 1989.
[2] - المادتين 510 و 511 من (ق.م.ج.م).
[3] --د. علي حسن:"التقرير الطبي الإبتدائي"، موسوعة الطب الشرعي بين الإدعاء و الدفاع"، مرجع سابق، ص 91.
[4] - Reynald OTTENHOF : « Jeunes auteurs et jeunes victimes : unité ou dualité ? », Revue internationale de criminologie et de police technique , N° 4 , Octobre- Décembre 1989, P : 58
فاس في 31 مارس 2006.

0 تعليق:

إرسال تعليق