بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الطـب الشرعـي و دوره في البحث عن الجريمـة

الطـب الشرعـي و دوره في البحث عن الجريمـة
من إعداد الطالـب القاضـي:
طـراد إسماعيــل
الدفعـة السادسـة عشـر

المقدمـــــــــة
الجريمة سلوك متجذر في المجتمع الإنساني منذ نشأته الأولى, و القضاء عليها بصفة كلية أمر مستحيل, و لكن التقليل منها و مكافحتها هو الهدف الذي تتطلع إليه المجتمعات المتطورة من خلال ضبط المجرمين و توقيع العقاب عليهم أو إعادة إدماجهم في المجتمع.
إن ضبط المجرمين و تقديمهم إلى يد العدالة, يبدأ أولا بالبحث عنهم و عن أدلة ضدهم و هذا ما يعرف بالتحقيق الجنائي الذي يهدف إلى حل الألغاز المحيطة بجريمة ما, و لقد استفاد المحققون كثيرا من التطور العلمي في جميع المجالات, ما مكنهم من إيجاد طرق إثبات قادرة على الوصول إلى الحقيقة مهما حاول المجرمون إخفاءها, و هذا يؤدي بطبيعة الحال إلى الوصول إلى العدالة التي تعتبر غاية الغايات.
و من هنا نرى أن تطبيق العلوم المختصة و المعرفة العلمية في حل القضايا الجنائية و الاعتماد عليها في كشف الجرائم, هو أحد السبل المهمة في محاصرة الجريمة و التضييق عليها و خدمة العدالة.
و رغم تعدد الجرائم فإن تلك التي تستهدف النفس البشرية تبقى هي الأبشع, لأن الله سبحانه و تعالى كرّم هذه النفس و أمر بالمحافظة عليها.
و لحل المسائل الجنائية المتعلقة بهذه الجرائم, فإن العلوم القانونية تلتقي بالعلوم الطبية و البيولوجية مولّدة ما يسمى بالطب الشرعي, الذي وجد لتقديم الدلائل و البراهين التي تساعد جهاز العدالة على حل هذه المسائل.
إن الطب الشرعي علم واسع و متشعب الفروع و المجالات, لأنه يلم بكل ما يتعلق بجسم الإنسان و عقله, و لهذا فإن مواضيع الطب الشرعي كثيرة كثرة التعقيد الموجود في الإنسان.
و إذا كان الطب الشرعي من العلوم الطبية المتخصصة إلا أن ضرورات العمل في مجال التحقيق الجنائي و البحث عن حقائق الأعمال الإجرامية تتطلب من رجال الضبطية القضائية و القضاء و القائمين على حسن سير العدالة بصفة عامة معرفة أسس و قواعد هذا العلم و هذا يؤدي إلى وجود الانسجام و التناسق بين أعمال الطبيب الشرعي و أعمال رجال القانون.
و قد تطور هذا العلم بشكل كبير بسبب تطور التشريعات القانونية الطبية و الجزائية, بحيث أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بالقضاء؛ و إحساسا منا بأهمية الطب الشرعي بالنسبة للقاضي, و أهمية الأعمال التي يقوم بها الطبيب الشرعي في الكشف عن الحقيقة ارتأينا أن نتناول بالدراسة هذا الموضوع دون التعمق في المواضيع التي يثيرها لأن كل موضوع يحتاج إلى بحث و دراسة منفردة؛ و لإدراكنا أنه لدراسة أي موضوع يجب على الباحث أن يبين مفهومه و مبادئه و أهميته في الحياة العملية, قررنا أن نخصص هذه المذكرة المتواضعة لإسقاط هذه العناصر على الطب الشرعي و لذا جاءت خطة الدراسة كالآتي:
الفصـل الأول : ماهيـة الطـب الشرعـي و علاقتـه بجهاز العدالة
المبحـث الأول: ماهية الطـب الشرعـي
المطلـب الأول: تـعريف الطـب الشرعـي و مجالاتـه
المطلـب الثانـي: تنظيـم مهنة الطـب الشرعـي في الجزائـر
المبحـث الثانـي: علاقـة الطبيب الشرعـي بجهاز العدالـة
المطلـب الأول: الإطـار القانوني لعمل الطبيب الشرعـي
المطلـب الثانـي: اتصـال الطبيـب الشرعـي بالقضـاء
الفصـل الثاني : دور الطـب الشرعي في البحث عن الجريمة
المبحـث الأول: دور الطب الشرعـي في التكييف القانوني للوقائع
المطلـب الأول: دور الطـبيب الشرعـي في حالة الوفاة و الجروح
المطلـب الثانـي: دور الطبيب الشرعي في الجرائم الجنسية و جريمة الإجهاض
المبحث الثانـي: دور الطب الشرعي في إقامة الدليل
المطلـب الأول: قيمة الدليل الطبي الشرعي في التحقيق الأولي
المطلـب الثاني: قيمة الدليل الطبي الشرعي في مرحلة التحقيق القضائي و المحاكمة.
الفصـل الأول :

ماهيـة الطـب الشرعـي و علاقتـه بجهاز العدالة

نستعـرض في هذا الفصل تعريف الطـب الشرعـي و مجالاته بالإضافـة إلـى تنظيـم هذه المهنة في الجزائـر في المبحـث الأول، ثـم نبين علاقـة الطـب الشرعـي بجهاز العدالة في المبحث الثاني, و هذا علـى النحو الآتـي بيانـه:
المبحـث الأول:

 ماهية الطـب الشرعـي

لقد أدى التقدم العلمي إلى تطور العلاقة بين الطـب و التشريعات الجنائية, و نتج عن هذا التطور اختصاص طبي مستقل بذاته أطلق عليه اسم الطب الشرعي؛ هذا الاختصاص سنتطرق في المبحث الأول إلى تعريفه و مجالاته و تنظيم ممارسته في الجزائر.
المطلـب الأول:

 تـعريف الطـب الشرعـي و مجالاتـه

1. تعريف الطـب الشرعـي:

الطب الشرعي مصطلح يتكون من شقين هما: طب و شرعي, أما الطب فهو العلم الذي يهتم بكل ما له علاقة بجسم الإنسان حيا كان أم ميتا, و أما الشرع فيقصد به القانون الفاصل في النزاعات بين الأفراد.
و لأن الطب الشرعي اختصاص وسيط بين المهنة الطبية و الهيئة الاجتماعية, و باعتباره حلقة وصل بين الطب و القانون، فقد عرفه كل من رجال القانون و الأطباء معا تعريفات اختلفت طريقة صياغتها, و لكنها اجتمعت في مضمونها فقد ذكر بعض الباحثين أن الطب الشرعي هو " العلم الذي يمثل العلاقة بين الطب و القانون, و ترتكز هذه العلاقة على ما يحتاج إليه القانون من الطب و ما يحتاج إليه الطب من القانون "(1).
كما عرفت البروفيسور فتيحة مراح مهنة الطب الشرعي على أنها استعمال المعارف الطبية و البيولوجيـة عند تطبيق القوانين المنظمة لحقـوق و واجبات الأشخاص الذيـن يعيشون في المجتمع(2). و جاء في كتاب " الطب الشرعي و أدلته الفنية و دوره في البحث عن الجريمة " للمستشار عبد الحميد المنشاوي, أن الطب الشرعي فرع من فروع الطب, يختص بإيضاح المسائل الطبية التي تنظر أمام رجال القضاء(3).
فالطب الشرعي إذن, يعمل على دراسة العلاقة التي يمكن أن توجد بين الوقائع الطبية و النصوص القانونية, و يطلق عليه عدة تسميات في اللغة العربية كالطب القضائي و الطب الجنائي و الطب العدلي.
و كذلك في اللغات الأجنبية حيث نجد لهذا التخصص عدة تسميات منها:
Médecine légale – Medical jurisprudence / Médecine forensique – forensic Medicine
و قد جاء في تعريف لمجموعة من الأطباء الشرعيين بمصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي لوهران ما يلي:
« La médecine légale, véritable articulation scientifico-juridique résout les problèmes juridiques sous –tendus de problèmes scientifiques, ou l'inverse »
و عرف أيضا بـ:
« Médecine légale, branche de la médecine qui étudie l'ensemble des aspects juridiques de la pratique médicale et qui, de ce fait, est appelée à apporter son concours aux autorités administratives et judiciaires. Cette spécialité est requise dans tous les cas où un acte médical présente une dimension juridique : cela concerne non seulement les aspects légaux de l'exercice de la médecine, mais également tous les cas où, dans un cadre civil comme dans un cadre pénal, il s'agit de déterminer les causes d'un décès, de permettre l'identification d'un cadavre, d'évaluer le taux d'invalidité attaché à un handicap, à une blessure, à une pathologie, ou encore d'établir la réalité d'abus sexuels ou de sévices, en faisant appel à l'ensemble des connaissances cliniques, biologiques et toxicologiques dont le concours paraît nécessaire »(1) .
و يعرفه الدكتورNIZAM PEERWANI (chef Medical Examiner) من مستشفى تكساس كالآتي :
« Forensic medicine is a specialized field concerned with the relationship between medicine and the law or application of science to law »(2)
برز الطب الشرعي كاختصاص مستقل بداية من القرن 19, و عرف النور في فرنسا بفضل أعمال ماتيو أورفيلا (Mathieu Orfila 1787/1853) و أمبرواز طراديو (Ambroise Tradieu) (1818/1879) و كذلك بول برواردال (Paul Brouardel 1837/1906), و لقد أصبح في هذا
العصر أحد العلوم الأساسية, التي تعتمد عليها السلطات القضائية في الوصول إلى الحقيقة, في العديد من الجرائم و القضايا المختلفة التي تقع على الإنسان و عرضه, حيث يعد الطب الشرعي من العلوم التي تعتمد على التفسير الدقيق و الصحيح للعلامات و التغيرات و المشاهدات الطبية الشرعية, و الاستخدام الأمثل للمعلومات الطبية الشرعية في خدمة العدالة.

2. مجالات الطـب الشرعـي:

أطلق على الطب الشرعي في القديم اسم " طب الأموات ", لكون جزء من نشاطاته يتمثل في معاينة الوفاة و تشريح الجثث, و ربما هذا هو ما يميزه عن التخصصات الطبية الأخرى و التي يبقى هدفها الأول و الأخير هو العلاج أو الوقاية من الأمراض.
و لكن وصف الطب الشرعي بطب الأموات, لا يعبر لا عن القيمة الحقيقية و لا عن مكانة الطب الشرعي في المنظومة الصحية من جهة, و في حياة الأفراد من جهة أخرى, لأن معاينة الوفاة و تشريح الجثث لا يمثلان سوى نسبة 10% إلى 20% من نشاطات الطبيب الشرعي, الذي توسعت مجالات تدخله بسبب التطورات العلمية و ما كان لها من أثر على الدليل العلمي, بالإضافة إلى ما عرفته الساحة القانونية من تطور لمفهوم حقوق الإنسان و حماية حقوق الضحية.
يمارس الطبيب الشرعي مهنته فيقوم بعدة نشاطات في أطر قانونية محددة, و هذا حسب المجالات التي تتنوع بتنوع المشاكل المتعلقة بالطب الشرعي, فيتدخل الطبيب الشرعي في إطار اجتماعي, مهني أو قضائي.

‌أ. الطـب الشرعـي الاجتماعـي: Médecine légale sociale

يتدخل الطبيب الشرعي في إطار اجتماعي بدراسة العلاقة الموجودة بين وقائع طبية و نصوص قانون العمل أو الضمان الاجتماعي, فهذه القوانين تحتاج في تطبيقها إلى آراء طبية و مثال ذلك حل النزاعات بين هيئة الضمان الاجتماعي و المؤمنين اجتماعيا, كما أن كل من الأطباء المستشارين من طرف هيئة الضمان الاجتماعي أو شركات التأمين يقومون بأعمال لها علاقة بالطب الشرعي خلال القيام بأعمالهم لدى هذه الهيئات.

‌ب. الطـب الشرعـي المهنـي: Médecine légale professionnelle

يتعلق بمهنة الطبيب ذاتها من حيث تنظيمها, الممارسة غير القانونية لهذه المهنة, و كذا أخلاقيات المهنة (La déontologie médicale) السر الطبي... .

‌ج. الطـب الشرعـي القضائـي: Médecine légale judiciaire

إن الأشخاص الساهرين على تطبيق القانون, هم أشد الناس حاجة إلى آراء الطبيب الشرعي, فالجزء الكبير من أعمال هذا الأخير يتم في إطار مساعدته لجهاز العدالة, و كلما تدخل الطبيب الشرعي في هذا الإطار يكون بصدد ممارسة الطب الشرعي القضائي الذي يتفرع إلى:

 الطـب الشرعـي الجنائـي (M.L. Criminalistique)

يهتم بدراسة و تشخيص الآثار التي يتركها الجاني في مسرح الجريمة (بقع دم أو سائل منوي, شعر...) كما يساهم في الكشف عن هوية جثة l'identification de cadavre.
 الطـب الشرعـي الخاص بدراسة مختلف الجوانب البيولوجية و الاجتماعية للوفاة, و كذلك تشريح الجثة (M.L. Thanatologique)

 الطـب الشرعـي الخاص بالرضوض و الكدمات (M.L. Traumatologique)

يقوم بدراسة الجروح, الاختناقات الميكانيكية, خبرة الأضرار الجسمانية و الحروق.

 الطـب الشرعـي الجنسـي (M.L. Sexuelle)

مواضيعه الاعتداءات و الجرائم الجنسية, عمليات الإجهاض الإجرامي, قتل الأطفال حديثي الولادة.

 الطـب الشرعـي العقلـي (M.L. psychiatrique)

يدرس علاقة الأمراض العقلية بالمسؤولية الجزائية, و مدى تأثير الحالة العقلية للمجرم على الركن المعنوي للجريمة.

 الطـب الشرعـي التسممي (M.L. toxicologique)

مواضيعه هي حالات التسمم, سواء بالمواد الكيميائية كأكسيد الكربون أو التسممات الغذائية.
من خلال استقرائنا لأهم مواضيع الطب الشرعي, تبرز لنا جلية أهمية هذا الاختصاص و يبرز لنا جليا دور الطبيب الشرعي, و يمكن القول أن لرأي الطبيب الشرعي أثر كبير في سير العدالة, و بالتالي له أثره في إصدار الأحكام التي قد تبرئ أو تدين المتهم, أو قد توصله إلى حبل المشنقة(1).
المطلـب الثانـي:

 تنظيـم مهنة الطـب الشرعـي في الجزائـر

1. مـن هو الطبيب الشرعـي؟

هو طبيب متحصل على شهادة طبيب مختص في الطب الشرعي, بعد دراسة الطب العام لمدة 07 سنوات ثم 04 سنوات تخصص في الطب الشرعي؛ و قد أصبح التخصص في الطب الشرعي في الجزائر بهذا الشكل منذ سنة 1996, و هذا بعدما كان مندمجا في طب العمل.
و يتحصل الطبيب الشرعي على شهادة الدراسات الطبية المتخصصة « DEMS » بعد إجراء امتحان على المستوى الوطني, أما برنامج الدراسة فيحتوي على المواد التالية:
 الطب الشرعي القضائي و العلوم الجنائية لمدة سنة.
 تعويض الأضرار الجسمانية 06 أشهر.
 قانون الطب و أخلاقيات مهنة الطب 06 أشهر.
 الطب العقلي 06 أشهر.
 الطب الشرعي التسممي 06 أشهر.
 علم الأمراض 06 أشهر.
 طب السجون أو الطب داخل المؤسسات العقابية 06 أشهر.
يوزع الأطباء الشرعيون بعد نيلهم لشهادة الدراسات المتخصصة على المستشفيات أو المراكز الإستشفائية الجامعية حسب ترتيبهم.

2. ما هو دور الطبيب الشرعي؟

الطبيب الشرعي في نظر العدالة, هو خبير مكلف بإعطائها رأيه حول مسائل ذات طابع طبي تخص الفرد الضحية سواء كان حيا أو ميتا, و كذلك الفرد المتهم من حيث نفسيته و سلامة عقله.
أما في نظر الهيئة الطبية فالطبيب الشرعي هو المستشار القانوني, الذي يفيدها من خلال معرفته للقانون الطبي و تجربته بمعلومات حول التطبيقات القانونية في الممارسة الطبية اليومية, كما يمدها برأيه حول الجوانب القانونية لمشكل طبي(1).
يقوم الطبيب الشرعي إذن بوظيفة مزدوجة فهو:
 المستشار الطبي للسلطات الإدارية و القضائية.
 المستشار القانوني للهيئة الطبية.
بالإضافة إلى المعارف الطبية التي يكتسبها الطبيب الشرعي أثناء التكوين, يجب عليه أثناء ممارسة أعماله التحلي بالروح العلمية و إتباع الطرق المنهجية التحليلية, و هذا اعتمادا على المبادئ الآتية:
 التدقيق و الشك في أبسط الأمور المعروضة عليه, فالحالات التي تبدو بسيطة يمكن أن تكون أكثر تعقيدا.
 تجنب التسرع في اتخاذ القرار و عدم الدخول في فرضيات معقدة.
 الإتقان والدقة أثناء تشريح جثة, لأن الخطأ في التشريح لا يمكن تداركه.
 مراعاة الوضوح و الاختصار و الدقة في النتائج المقدمة إلى القضاء أو باقي الهيئات الإدارية.
تختلف مهمة الطبيب الشرعي عن مهمة الطبيب الممارس لعمله في العيادة أو المستشفى(1) و من أهم ما يقوم به الطبيب الشرعي:
 معاينة ضحايا الضرب و الجرح العمديين, ضحايا الجروح الخطأ و تقدير نسبة العجز.
 معاينة ضحايا الاعتداءات الجنسية.
 معاينة الإصابات التي تحدث أثناء النشاطات الرياضية و حوادث العمل.
 معاينة أعمال العنف اتجاه الأطفال و المسنين.
 رفع الجثة و معاينة علامات الموت, بالإضافة إلى التشريح القضائي.
 كشف حالات التسمم.
 فحص البقع الحيوية (دم, مني, بول, بقايا طعام...).
 كشف هوية شخص انطلاقا من جثته.

3. هيكــلة الطـب الشرعـي:

‌أ. اللجنة الطبية الوطنية للطب الشرعي:
نصبت هذه اللجنة في 01 جويلية 1996 بموجب قرار وزاري, و هي تقوم بمهمة استشارية لدى وزارة الصحة و ذلك بتقديم توضيحات حول تطور الطب الشرعي و تنظيمه.
‌ب. مصلحة الطب الشرعي:
و تكون موجودة سواء على مستوى المراكز الإستشفائية الجامعية(Services hospitalo- universitaires) أو داخل المستشفيات العمومية (Services de santé publique).
تقوم مصلحة الطب الشرعي داخل المراكز الإستشفائية الجامعية, بضمان تكوين طلبة كلية الطب من جهة و الأطباء الذين هم بصدد دراسة التخصص في الطب الشرعي من جهة أخرى, و تفتح هذه المصلحة بموجب قرار وزاري مشترك ما بين وزارة الصحة و وزارة التعليم العالي.
أما مصلحة الطب الشرعي الموجودة داخل المستشفيات العمومية, فتفتح بقرار من وزير الصحة؛ إلى غاية سنة 2005 تم فتح 13 مصلحة طب شرعي بموجب قرار وزاري مشترك ما
بين وزارة الصحة و وزارة التعليم العالي, و29 مصلحة طب شرعي بموجب قرار من وزير الصحة, و قد وصل عدد الأطباء الممارسين لمهنة الطب الشرعي بهذه المصالح إلى 90 طبيبا شرعيا.
أما من حيث هيكلة المصالح, فنجد تلك التي تفتح على مستوى المراكز الإستشفائية الجامعية داخل المدن الجامعية هي الأفضل, بحيث تحتوي على خمس 05 وحدات تفتح هي الأخرى بقرار وزاري مشترك بين وزارة الصحة و وزارة التعليم العالي, و هذا باقتراح من المجلس العلمي للمركز الإستشفائي الجامعي CHU و تماشيا مع طلبات اللجنة البيداغوجية الوطنية للطب الشرعي.
هذه الوحدات هي:
 وحدة الأبحاث و الاستكشافات الطبية القضائية.
 وحدة التشريح القضائي.
 وحدة قانون و أخلاقيات مهنة الطب.
 وحدة التسممات.
 وحدة إسعاف المساجين.
و هناك بعض المصالح التي تحتوي على وحدات للتكفل بالأشخاص المدمنين على المخدرات بصفة عامة.
المبحـث الثانـي:

علاقـة الطبيب الشرعـي بجهاز العدالـة

سبق و أن وضحنا في المبحث الأول مدى حاجة رجال القانون إلى مساعدة و رأي الطبيب الشرعي سواء في المجال المدني أو الجزائي كما سبق و أن قلنا بأن الطب الشرعي يمثل العلاقة بين الطب و القانون, هذه العلاقة يجب أن تتم في إطار قانوني محدد يعرف فيه الطبيب الشرعي حقوقه و واجباته (المطلب الأول), كما أن اتصال الطبيب الشرعي بالقضاء يتم بواسطة أدوات قانونية من أجل الوصول إلى أهداف معينة (المطلب الثاني).
المطلـب الأول:

 الإطـار القانوني لعمل الطبيب الشرعـي

يمارس الطبيب الشرعي نشاطاته في إطار قانوني محدد(1) و يتدخل طبقا للقواعد المذكورة في القانون رقم 85ـ05 المؤرخ في 16 فيفري 1985 و المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها, المعدل و المتمم بالقانون رقم 90ـ17 المؤرخ في 31 جويلية 1990, و كذلك القواعد المذكورة في مدونة أخلاقيات الطب التي تضمنها المرسوم التنفيذي رقم 92ـ276 المؤرخ في 06 جويلية 1992, و أهم هذه القواعد:
 مهنة الطب الشرعي يمارسها أطباء أخصائيون في هذا المجال بعد حصولهم على رخصة من وزير الصحة. المادة 179 قانون رقم 85ـ05 .
 يقوم الطبيب الشرعي بالأعمال " الطبية القانونية " « Actes Médico- Légaux » بعد تسخيرة من السلطة القضائية, و لكن يجب ملاحظة أنه و في غياب الطبيب الشرعي فإن كل طبيب يمكن أن يسخر في حدود اختصاصه للقيام بعمل (طبي - قانوني). المادة 207ـ1 قانون رقم 90ـ17 .
 الطبيب الشرعي المسخر من طرف القضاء غير مقيد بالسر المهني عند تقديم معلومات للقاضي بخصوص موضوع الخبرة المطلوب منه إنجازها و لكنه لا يقدم سوى معلومات متعلقة بالأسئلة المطروحة عليه, و يجب عليه الحفاظ على سرية المعلومات التي قد
يكتشفها بمناسبة القيام بعمله و التي لا تكون موضوع لسؤال القاضي, فهو ملزم بالسر المهني في هذه الحالة. المادة 99 قانون أخلاقيات الطب, والمادة 206 قانون رقم 85ـ05.
 و على الطبيب أن يتنحى عن إجراء خبرة موضوعها شخص من أقربائه أو كان هو طبيبه المعالج طبقا للمادة 97 من قانون أخلاقيات الطب التي نصت على أنه: " لا يمكن أحد أن يكون في ذات الوقت طبيبا خبيرا و طبيبا معالجا أو جراح أسنان خبيرا و جراح أسنان معالجا لنفس المريض و لا يجوز للطبيب أو جراح الأسنان أن يقبل مهمة تعرض للخطر مصالح أحد زبائنه أو أحد أصدقائه أو أحد أقربائه أو مجموعة تطلب خدماته, و كذلك الحال عندما تكون مصالحه هو نفسه معرضة للخطر ".
 و تعرف المادة الأولى من المرسوم رقم 92ـ276 أخلاقيات الطب بأنها مجموع المبادئ و القواعد و الأعراف التي يتعين على كل طبيب أو جراح أسنان أو صيدلي أن يراعيها و أن يستلهمها في ممارسة مهنته.
من جهة أخرى و في مجال التعاون بين مصالح وزارة العدل و مصالح وزارة الصحة, فإن هناك اتفاقية موقعة في 03 ماي 1989 متعلقة بالحماية الصحية للمحبوسين, هذه الاتفاقية عوضت باتفاقية أخرى ملحقة بالقرار الوزاري المشترك المؤرخ في 13 ماي 1997 بين وزارة العدل و وزارة الصحة و الذي ينظم وفق مخطط مزدوج وقائي- علاجي, الحماية الصحية للمحبوسين.
فالأشخاص المحبوسين الذين يحتاجون إلى عناية صحية داخل المستشفى يتم نقلهم إلى المستشفيات العمومية طبقا للقرار الصادر عن وزير العدل في 23 فيفري 1992 و التعليمة المؤرخة في 22 ماي 1993 و الصادرة عن وزارة الصحة حيث خصص لكل مجموعة من المؤسسات العقابية حوالي 12 سرير داخل المستشفى للتكفل بالمحبوسين المرضي.
و قد دخلت هذه العملية حيز التنفيذ بصدور القرار الوزاري المشترك في 16 مارس 2004 و الذي حدد قائمة المؤسسات الإستشفائية التي تستقبل المحبوسين المرضى و القطاعات الصحية التي تنظم الأجنحة و الغرف من أجل استقبالهم.
القرار المؤرخ في 16 مارس 2004 الصادر عن وزير الصحة و السكان و إصلاح المستشفيات حدد عدد الأسرة المخصصة في كل مستشفى معني باستقبال المحبوسين المرضى.
التعليمة رقم 265 مؤرخة في 03 أفريل 2004 صادرة عن الأمانة العامة لوزير الصحة و السكان و إصلاح المستشفيات جاء فيها إسناد مهمة تهيئة الجناح الخاص بإسعاف المحبوسين و علاجهم لمصالح الطب الشرعي, كما جاء في التعليمة طلب إعادة بعث وحدات إسعاف المحبوسين الموجودة من قبل داخل مصالح الطب الشرعي.
ملاحظــة: لا توجد اتفاقيات أخرى بين وزارة العدل و وزارة الصحة فيما يخص النشاطات الأخرى للطب الشرعي.
يمكن القول أن الإجراءات التي يمارس حسبها الطبيب الشرعي نشاطاته تختلف باختلاف المشكل المتعلق بالطب الشرعي و المثار أمام القضاء المدني و الجزائي.
أمام القضاء المدني: فإنه تسري على الطبيب الشرعي الذي تعينه المحكمة كخبير لإبداء رأيه في مسألة تقنية ذات طابع طبي المواد من 47 إلى 55 من قانون الإجراءات المدنية و المتعلقة بالخبرة؛ و يختار الأطباء لإجراء الخبرة من بين الخبراء المسجلين في قوائم الخبراء القضائيين طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 95ـ310 المؤرخ في 10 أكتوبر 1995 و الذي حدد شروط التسجيل ب:
 شهادة جامعية في الاختصاص و كفاءة مهنية بالممارسة لمدة 07 سنوات على الأقل.
 اعتماد من السلطة الوصية أو التسجيل في قائمة معتمدة من طرف هذه السلطة.
 بالنسبة للأطباء الشرعيين فالخبراء مذكورين في الجدول الموضوع سنويا من طرف المجلس الوطني لأخلاقيات الطب.
أمام القضاء الجزائي: لا يوجد أثر للأطباء الشرعيين في قانون الإجراءات الجزائية رغم دورهم البارز في مجال التحقيق الجنائي غير أنه بالرجوع إلى نصي المادتين 49 و 62 من قانون الإجراءات الجزائية نجد تلميحا للطبيب الشرعي(1).
و قد نصت المادة 49 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه: " إذا اقتضى الأمر إجراء معاينات لا يمكن تأخيرها فلضابط الشرطة القضائية أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك, و على هؤلاء الأشخاص الذين يستدعيهم لهذا الإجراء أن يحلفوا اليمين كتابة على إبداء رأيهم بما يمليه عليهم الشرف و الضمير ".
و يمكن اعتبار الطبيب الشرعي من الأشخاص المؤهلين لإجراء معاينات في المجال الطبي و قد نصت المادة 82 من القانون رقم 70ـ20 المؤرخ في 19 فيفري 1970 و المتعلق بالحالة المدنية أنه " إذا لوحظت علامات أو آثار تدل على الموت بطرق العنف أو طرق أخرى تثير الشك فلا يمكن إجراء الدفن إلا بعدما يقوم ضابط الشرطة بمساعدة طبيب بتحرير محضر عن حالة الجثة و الظروف المتعلقة بالوفاة و كذا المعلومات التي استطاع جمعها حول أسماء و لقب الشخص المتوفى و عمره و مهنته و مكان ولادته و مسكنه ".
و جاء في المادة 62 من قانون الإجراءات الجزائية: " ...كما ينتقل وكيل الجمهورية إلى المكان إذا رأى لذلك ضرورة و يصطحب معه أشخاصا قادرين على تقدير ظروف الوفاة..." فالشخص القادر على تقدير ظروف الوفاة هو الطبيب الشرعي و يجب الإشارة إلى أن هذا الأخير ينتدب في هذه الحالة كشخص مؤهل و ليس كخبير فهو يؤدي اليمين من جهة و من جهة أخرى فإن تعيين الخبراء هو من اختصاص جهات الحكم أو التحقيق؛ وفي هذه الحالة فإن الطبيب الشرعي يلتزم بالأحكام المنصوص عليها في المادة 143 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية و هي:
 أن يؤدي اليمين إذا لم يكن مقيدا في جدول الخبراء.
 أن يؤدي مهمته تحت رقابة القاضي الآمر.
 أن يلتزم بالمدة المحددة له لإجراء الخبرة.
 أن يكون على اتصال بالقاضي الآمر و يحيطه علما بتطورات أعماله.
 يمكن له أن يستعين بفنيين يعينون بأسمائهم و يؤدون اليمين.
 أن ينوه في تقريره على كل فض أو إعادة فض للأحراز التي استلمها.
 يجوز له تلقي أقوال أشخاص غير المتهم.
 له أن يستجوب المتهم بحضور القاضي الآمر.
 يودع تقرير خبرته و الأحراز لدى كاتب الجهة القضائية التي أمرت بالخبرة.
 يعرض في الجلسة عند طلب مثوله نتيجة أعماله بعد حلف اليمين.
المطلـب الثانـي:

اتصـال الطبيـب الشرعـي بالقضـاء

 التسخيـــرة: LA REQUISITION
إن الوسيلة القانونية لاتصال الطبيب الشرعي بالقضاء هي "التسخيرة" la réquisition , و هي أمر يصدر للطبيب قصد القيام بأعمال " طبية قانونية " ضرورية على إنسان حي أو ميت, و في بعض الأحيان تكون قصد إسعاف شخص مريض كالأشخاص الموقوفين للنظر (une personne gardée à vue) و المقصود هنا هو التسخيرة القضائية و ليس الإدارية التي قد تصدر عن الجهات الإدارية كالولاة.
و قد سبق أن ذكرنا أن أي طبيب يمكن أن يسخر في حدود اختصاصه بغض النظر إن كان طبيبا شرعيا أم لا, إلا في بعض الحالات التي يكون فيها تدخل الطبيب الشرعي ضروريا, كتشريح جثة مثلا لمعرفة سبب الوفاة.
و التسخيرة المقصود بها هنا هي تلك الصادرة عن ضباط الشرطة القضائية أثناء التحريات الأولية أو عن قضاة النيابة طبقا للمواد 42 و 62 من قانون الإجراءات الجزائية؛ أما قضاة التحقيق و غرفة الاتهام و جهات الحكم الجزائرية فتصدر أوامر أو قرارات بتعيين الطبيب الشرعي كخبير للقيام بأعمال طبية قانونية.
تكون التسخيرة كتابية في معظم الأحيان و قد تكون شفوية في حالة الاستعجال على أن يتم تأكيدها كتابيا بعد ذلك.
إن الطبيب المسخر ملزم بالامتثال للتسخيرة الصادرة عن السلطة القضائية, فحسب المادة 210 من قانون أخلاقيات الطب فإنه: " يتعين على الأطباء و جراحي الأسنان و الصيادلة أن يمتثلوا أوامر التسخير التي تصدرها السلطة العمومية, مع مراعاة أحكام المادة 206 ".
و قبل تعديل 2001 لقانون العقوبات الجزائري الذي ألغى المادة 422 مكرر 2 التي كانت تنص على أنه " يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر و بغرامة مالية من 50 إلى 5000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من لا يمتثل لأمر تسخير صادر و مبلغ وفقا للأشكال التنظيمية " و رغم هذا التعديل فالمادة 236 مازالت موجودة في قانون حماية الصحة و ترقيتها رقم 85_05 و التي تنص على أنه " يعاقب, طبقا لأحكام المادة 422 مكرر 2 من قانون العقوبات, من لم يمتثل أوامر تسخير السلطة العمومية المعدة و المبلغة حسب الأشكال التنظيمية كما نصت على ذلك المادة 210 من هذا القانون ".
يجوز للطبيب المسخر أن يمتنع عن القيام بالمهمة المسندة إليه في الحالات الآتية:
 حالة القوة القاهرة التي تحول بينه و بين القيام بعمله كالمرض مثلا.
 عدم الاختصاص التقني.
 عدم التأهيل المعنوي كأن تكون علاقة قرابة بالضحية أو كان هو الطبيب المعالج لهذه الضحية.
و احتراما للطابع الإنساني لمهنة الطب بصفة عامة, يجب على الطبيب الخبير قبل الشروع في أية عملية خبرة أن يخطر الشخص المعني بمهمته,المادة 96 من قانون أخلاقيات الطب.
يكون موضوع التسخيرة في غالب الأحيان:
 فحص جثة شخص ما و تحديد سبب الوفاة, و القيام بعملية التشريح (autopsie) إذا تطلب الأمر ذلك.
 فحص ضحايا أعمال العنف و تحديد نسبة العجز.
 فحص ضحايا الاعتداءات الجنسية.
 فحص الحالة العقلية لشخص معين.
 إجراء تحاليل مخبرية للبقع الحيوية أو بعض المواد السامة.
 تحديد نسبة الكحول في الدم.
عادة ما تسلم التسخيرة في شكل ورقة وحيدة غير مرفقة بأي شيء يمكن توجيه الطبيب الشرعي لذلك نرى ضرورة إرفاقها على الأقل ب:
 شهادة معاينة الوفاة
 نسخة من التقرير الأولي.
بعد إجراء الفحص و المعاينات يعد الطبيب شهادة طبية يسلمها للضحية أو تقرير طبي شرعي يسلمه للسلطة التي طلبت تسخيرة.
 الشهـادة الطبيــة: CERTIFICAT MEDICAL
يسلمها الطبيب الشرعي غالبا لضحايا الضرب و الجرح العمديين أو ضحايا الجروح الخطأ و تتضمن تحديد مدة العجز الكلي المؤقت عن العمل (ITTP) و لهذه الشهادة أهمية كبيرة في تسيير الملف القضائي و قد جاء في مجموعة Med-Line و هي مجلة طبية في أهمية هذه الشهادة:
« …s'agissant des coups et blessures(…) volontaires ou involontaires, le certificat médical est une pièce maîtresse du dossier de justice »(1)
و نظرا لخطورة المعلومات الموجودة في الشهادات الطبية المحررة من طرف الطبيب الشرعي في تقرير مصير الأشخاص وجب عليه أن يتبع القواعد الآتية في تحريرها:
 فحص الضحية جيدا قبل تحرير أي وثيقة و مهما تكن الظروف لا ينبغي للطبيب الشرعي تحرير الشهادة الطبية دون إجراء فحص على الضحية المستفيد منها. و إذا كانت نتيجة الفحص تعتمد على كوشوفات أو أشعة أو تحاليل فعلى الطبيب الشرعي انتظار النتائج قبل إعطاء النتيجة و كتابتها في الشهادة الطبية.
 يجب أن تحرر الشهادة الطبية بطريقة حيادية و لا يجب على الطبيب الشرعي التأثر بمحتواها بما يؤثر على نتائج الفحص و لا يصف الطبيب إلا الوقائع التي يلاحظها أمامه, أما أقوال الضحية فتأخذ بشروط.
« Les faits sont décrit sans omission, ni dénaturation »(1)
 يجب إعطاء الشهادة الطبية إلى الضحية نفسها, إلا في حالة ما إذا كانت الضحية قاصر أو في حالة لا وعي, و مع ذلك فإن الشهادة نفسها تحتوي على هوية المستفيد منها.
 يجب على الطبيب الشرعي أن لا يخرق السر المهني فيما يخص المعلومات التي عرفها بمناسبة القيام بعمله إلا في حالة الضرورة القصوى.
 التقريـر الطبـي الشرعـي: RAPPORT MEDICO-LEGAL
هو شرح و تفسير مكتوب بخبرة الطبيب الفنية, التي يقوم بها الخبير بناءا لطلب القضاء أو من يمثله, و تتعلق بأسباب حادث ما فتبين ظروفه و نتائجه(2).
و يبدأ التقرير الطبي بالمقدمة التي تشمل على تاريخ المعاينة و مكان إجرائها, و على اسم طالب المعاينة و الأفضل تدوين الطلب حرفيا, و بعد المقدمة نعرض المشاهدات على الوجه التالي:
المشـــاهدات:
 وضعية الجثة و المحيط الذي وجدت فيه و ملابسها و البقع الموجودة عليها, و ما بها من تمزق أو تغير.
 ما حل بالجثة من تغيرات: زرقة جيفية, تيبس رمي... أو تفسخ و تحلل.
 علامات مميزة للتعرف: الجنس, العمر, و القامة.
 علامات اختناق.
 الإصابات الرضية: الكدمات, الخدوش, و الجروح و دائما بدءا من الرأس نزولا حتى أخامص القدمين.
التشـريــح:
 التشريح حسب الأصول: العنق, الصدر, البطن, و الرأس و نسجل مشاهداتنا.
 الفحوص المخبرية و هي التي تجرى على البقع و السوائل و الأنسجة.
 مناقشة التقرير و تفسير النتائج و ربط بعضها ببعض.
النتيجـــة:
يجب أن تكون موجزة واضحة خالية من أي تساؤل, فغالبا ما يتجه القضاة مباشرة لقراءة النتائج دون التركيز على متن التقرير.
الجمهوريـة الجزائريـة الديمقراطيـة الشعبيـة
وزارة العــــدل
مجلس قضــــاء
محكمـــــــة
نيابة الجمهوريــة
تسخيــرة طبيـب
نحن / وكيـل الجمهوريـة لـدى محكمـة ...........
بعد الإطلاع على التقرير الإخباري المؤرخ في ........
تحت رقـم ........ محـرر من طـرف ............
نسخر السيد / ........ طبيب شرعي بالمستشفى المدنـي ........
للقيام بالـمهمة التالية: إجراء عملية تشريح جثة المرحوم ........
لتحديد أسباب الوفـاة.
مع موافقتنا بالتقريـر الطبـي.
فـي:
وكيـل الجمهوريـة
الفصـل الثاني :

دور الطـب الشرعي في البحث عن الجريمة

نتطرق في هذا الفصل إلى دور الطـب الشرعـي في تشخيص الجريمة و نبين دوره في التكييف القانوني للوقائع في المبحـث الأول، ثـم دوره في إقامة الدليل في المبحث الثاني.
المبحـث الأول:

 دور الطب الشرعـي في التكييف القانوني للوقائع

ننطلق في توضيح دور الطب الشرعي في التكييف القانوني للوقائع من العبارة الشهيرة " إذا كان القاضي خبير قانون فإن الخبير قاضي وقائع " و بصفته خبيرا فإن الطبيب الشرعي و من خلال التقرير الطبي الشرعي الذي ينجزه هو الذي يظهر الركنيين المادي و المعنوي للجرائم التي تمس السلامة البدنية للإنسان و بذلك يصبح التقرير الطبي أداة تنير للقاضي الطريق إلى التكييف السليم للوقائع المشكلة للجريمة.
و لكي نبين دور الطب الشرعي في إبراز أركان الجرائم المتعلقة بسلامة جسم الإنسان, قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين, الأول خصصناه للاعتداءات المفضية إلى وفاة أو جروح, و الثاني خصصناه للاعتداءات الجنسية و الإجهاض.
المطلـب الأول:

دور الطـبيب الشرعـي في حالة الوفاة و الجروح

1. في حالة الوفــــــاة:
الموت هو توقف الأعمال الحيوية للجسم المتمثلة في التنفس و دقات القلب (دوران الدم) و عمل الجهاز العصبي, و قد جاء في علامات وقوعها ما يلي:
« La détermination du décès est en règle générale simple et se fait sur la constatation des signes d'absence de vie et d'arrêt irréversible des fonctions vitales. C'est bien sur le trépied " corps inanimé, sans pouls ni tension artérielle et respiration" qui signe la mort » (1)
و لا يمكن تعريف الوفاة على أنها توقف عنيف للحياة فإن الأمر يتعلق بعملية معقدة لتوقف الوظائف الحيوية(2)؛ و هكذا فإنه يجب التأكد من حصول الوفاة بواسطة الطبيب قبل إصدار أي وثيقة وفاة.
بعد تأكيد الطبيب لوقوع الوفاة, يقوم بتحديد سببها, و غالبا ما تكون الوفاة طبيعية نتيجة مرض أو سكتة قلبية مفاجئة, و أحيانا تكون الوفاة نتيجة " لحادث أو بالانتحار و قد تكون الوفاة نتيجة لعمل إجرامي و هو القتل بشتى أنواعه ".
 في القتـــل العمــد:
عرفت المادة 254 من قانون العقوبات القتل العمد كما يلي: " القتل هو إزهاق روح الإنسان عمدا " و الأصل أن يكون المجني عليه إنسانا حيا وقت ارتكاب الجريمة و إلا اعتبر الفعل تشويها لجثة(1), و يقع على عاتق الطبيب الشرعي تحديد ما إذا كان المجني عليه حيا وقت ارتكاب جريمة القتل أم لا. كما يفترض أن ترتكب الجريمة على شخص الغير, فالقانون لا يعاقب على الانتحار(2), و يمكن للطبيب الشرعي الجزم ما إذا كانت الوفاة ناتجة عن عمل إجرامي أو انتحاري.
من جهة أخرى يمكن للطبيب الشرعي تحديد طريقة القتل و الوسيلة المستعملة من طرف الجاني و بهذا يساعد القاضي في معرفة السلوك الإجرامي الذي انتهجه الجاني, إضافة إلى تأكيد نتيجة هذا السلوك و هي وقوع الوفاة ثم إثبات أن هذه النتيجة حصلت بسبب هذا السلوك, و هو ما يعني توفر الركن المادي لجريمة القتل العمد التي قد تكون بالخنق أو الإحراق أو الإغراق أو بأي وسيلة أخرى؛ ما بالنسبة للركن المعنوي لهذه الجريمة فيمكن للتقرير الطبي الشرعي أن يحتوي ما يدل عن توافر النية الإجرامية, و قد استقر القضاء الفرنسي على أنه يمكن استخلاص توافر النية الإجرامية من:
 طبيعة السلاح المستعمل و قوة الضربة, كما هو الشأن بالنسبة لطلقة نارية بسلاح.
 مكان وقوع الضربة, كما هو الشأن بالنسبة لضربات عنيفة بمطرقة على رأس الضحية(3).
و إن الشخص القادر على تقدير هذين العنصرين هو بالطبع الطبيب الشرعي, و لأن كلمة الحسم هي في قبضة العلوم الطبية الشرعية(4), فإنه يتبين جليا دور الطبيب الشرعي في إبراز
عناصر الركن المعنوي لجريمة القتل العمد.
 في أعمال العنف المفضية إلى الوفـاة دون قصد إحداثهـا:
نصت المادة 264 من قانون العقوبات في الفقرة 04 على أنه " إذا أفضى الضرب و الجرح الذي ارتكب عمدا إلى الوفاة دون قصد إحداثها فيعاقب الجاني بالسجن المؤقت من عشر إلى عشرين سنة ".
و يقضى بقيام جريمة الضرب و الجرح المفضيان إلى الوفاة دون قصد إحداثها متى ثبت أن الضرب الذي وقع من المتهم هو السبب الأول المحرك لعوامل أخرى متنوعة تعاونت على إحداث وفاة الضحية, و للخبرة الطبية في هذه الحالة دور أساسي, و لهذا ينبغي اختيار الطبيب الأخصائي مع تحديد دقيق للمهمة(1), أي أن الطبيب الشرعي هو الذي يبين أن سبب الوفاة المباشر و الفوري هو الضرب الذي تعرض إليه المجني عليه.
 في التسميـــم:
نصت المادة 260 من قانون العقوبات على أن التسميم " هو الاعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجلا أو آجلا أيا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد و مهما كانت النتائج التي تؤدي إليها ".
من خلال نص المادة نلاحظ أنه يشترط لقيام جريمة التسميم توفر وسيلة معينة و هي مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة, و ليس في عبارة القانون وصف للمواد السامة فالقاضي أن يستعين في ذلك بالخبراء(2), هؤلاء الخبراء هم الأطباء الشرعيون بما فيهم الأشخاص العاملين في المخابر العلمية و الذين يقومون بإجراء التحاليل البيولوجية و الكشف عن وجود مواد سامة بجسم الضحية.
السم هو عامل كيميائي أو نباتي يستطيع إحداث الأذية و الدمار في الأنسجة الحيوية(3), و يعرف أيضا أنه جوهر قد ينشأ عنه الموت إن عاجلا أو آجلا؛ أو الإضرار بصحة إذا ادخل بالجسم أو من جراء تأثيره على الأنسجة(4).
و رغم أن العمل الجنائي بواسطة السموم أصبح نادرا بسبب سهولة الكشف و التشخيص إلا أن تدخل الطبيب الشرعي يبقى ضروريا للكشف عن الحالات الموجودة و هو الذي يحدد نوع
المادة السامة و شكلها و الكمية التي أخذت و طريقة دخولها إلى الجسم و مدى ارتباط تناول السم مع النتائج المترتبة.
إن أول واجب على الطبيب الذي تصادفه حالة تسمم هو علاج المصاب, ثم أخذ العينات و تحديدها مع أخذ بيانات المصاب بالتسمم و تحويلها إلى رجال الضبطية القضائية.
يعاقب على التسميم بالإعدام (المادة 261 من قانون العقوبات) و هذا إذا توفرت نية القتل لدى الجاني, و إذا لم تتوفر هذه النية فإن الفعل يكيف على أنه إعطاء مواد ضارة أفضت إلى الموت (المادة 275 من قانون العقوبات الجزائية) و يبرز دور الطبيب الشرعي في تطبيق أحكام هذه المادة, في تقديره لنتيجة إعطاء هذه المواد للضحية فالطبيب الشرعي يحدد نسبة العجز الذي سببته هذه المواد و إذا ما كان العجز دائم (عاهة مستديمة) و يجب الإشارة إلى أن عقوبة إعطاء مواد ضارة بالجسم تختلف باختلاف النتيجة التي يقدرها الطبيب الشرعي.
يمكن أن تتم جريمة التسميم عن طريق الاتصال الجنسي, إذا كان الشخص يعلم أنه يحمل فيروس السيدا, و توفرت لديه نية القتل و يمكننا تصور دور الطبيب الشرعي في هذه الحالة و هو فحص المتهم و تأكيد إصابته وكذلك الضحية و تأكيد انتقال فيروس السيدا إليه.
 في قتـل الطفـل الحديث العهـد بالولادة:
إن قتل الأطفال كما تعرفه المادة 259 من قانون العقوبات هو " إزهاق روح طفل حديث العهد بالولادة ", يتعلق الأمر بجريمة من نوع خاص تعتمد على صفة الضحية, و لا تشكل الطريقة الإجرامية سوى عنصر مرجعي(1).
و تعرف جريمة قتل الأطفال الحديثي الولادة بأنها إزهاق روح الطفل المولود حديثا إما عن طريق العنف بأي صورة أو تعمد إهمال الجنين و عدم العناية به, بحيث يؤدي ذلك إلى حدوث وفاته في المدة بين ولادته و بين إلتآم السّرة(2) .
و تتمثل مهمة الطبيب الشرعي في البحث عن العناصر المكونة للجريمة محاولا الإجابة عن الأسئلة المطروحة من طرف القاضي المكلف بالتحقيق:
 هل الجثة جثة مولود جديد؟
 هل عاش بعد الولادة؟ ما هي المدة التي عاشها لحين وفاته؟
 ما هو سبب وفاة المولود, هل هو عمل جنائي نتيجة اعتداء أو نتيجة إهمال, أم أن الوفاة طبيعية أو نتيجة حادث؟
 هل توفي قبل أو بعد الولادة؟
 كم مضى على الوفاة؟
 هل الجنين قابل للحياة؟
بالنسبة للحظة الزمنية التي ينتهي عندها وصف " حداثة العهد بالولادة " هي مسألة تقديرية متروك للقاضي تحديدها(1), و يرى القضاء الفرنسي أن حداثة العهد بالولادة تنتهي بانقضاء أجل تسجيل المولود في سجلات الحالة المدنية(2), أي أن التسجيل في الحالة المدنية يشكل الناحية القانونية لمنح صفة لحالة المولود الجديد(3), و أجل التسجيل في سجلات الحالة المدنية هو 05 أيام حسب القانون الجزائري.
من جهة أخرى فإن ارتكاب جريمة قتل الأطفال يشترط أن يكون الطفل قد ولد حيا, و لمعرفة ذلك فإن تشريح الجثة سيحاول تحديد فيما إذا تمت عملية التنفس و بالتالي تحديد الحياة خارج الرحم.
يسمح فحص الرئتين الذي يتم عن طريق التجارب المائية أو ما يعرف بتعويم الرئتين Hydrostatic test و الوزنية Frohder's test و المجهرية (لمعرفة إذا تمت عملية التنفس), و يعد الفحص المجهري للأنسجة الرئوية هو الأهم(4), كما أن هناك فحوصات أخرى كالتأكد من وجود اللعاب في المعدة, أو وجود الهواء في الأنبوبة الهضمية.
بالإضافة إلى تأكيد الطبيب إلى خروج المولود حيا من رحم أمه فهو الذي يبحث عن أسباب وفاة هذا المولود أهي طبيعية أم نتيجة عمل إجرامي.
إن إثبات قتل الأطفال يكمن في إبراز الوسائل المستعملة لقتل مولود جديد و هناك حالتين؛
الحالة الأولى:
قتل الطفل الناتج عن اعتداءات تؤدي إلى هلاكه و يكون الاعتداء بعدة طرق من أهمها: الخنق بالأيدي أو برباط, كسر الجمجمة, الإغراق أو الحرق, إحداث جروح بأدوات حادة, التسميم.
الحالة الثانية:
قتل الطفل الناتج عن الإهمال في تقديم العناية اللازمة لضمان عيش المولود الجديد و ذلك عمدا, كعدم ربط الحبل السري أو عدم تقديم الغذاء.
يمكن للطبيب الشرعي أيضا أن يعرف المدة الزمنية التي عاشها الطفل بعد ولادته من خلال إجراء معاينات تسمح له بتقديم جواب حول هذه المدة لكن بتحفظ(1), و يجب الإشارة أنه لا يمكن التكلم عن قتل الطفل الحديث العهد بالولادة بالنسبة للجنين الذي لم يكمل 180 يوم.
و حسب المادة 262 الفقرة 02 من قانون العقوبات فإن قتل الطفل الحديث العهد بالولادة من طرف الأم يعد ظرف تخفيف تستفيد منه وحدها؛ و في هذه الحالة يقع على الطبيب عبئ فحص الأم المتهمة و البحث في ما إذا كانت تتمتع بكل قواها العقلية أو هل هي مصابة باضطرابات, و يكون ذلك في شكل خبرة عقلية.
و ترى الأستاذة فتيحة مراح أن قتل الطفل الحديث العهد بالولادة مشكل خطير له أبعاد إجتماعية و ثقافية يتطلب دراسة شاملة لجميع معطياته في الإطارين القمعي و الوقائي معا.
2. في حالـة الجـروح:
يعرف الجرح من الناحية الطبية الشرعية بأنه تمزق أو تفريق اتصال في أي من أنسجة الجسم نتيجة استعمال الشدة أو العنف, و يكون التمزق خارجيا كما في الجلد و ما تحته من الأنسجة, أو داخليا كما في إصابات الأحشاء و العضلات و العظام و غالبا ما يكون عامل التفريق عنفا خارجيا يقع على الجزء المصاب من الجسم, و يشمل العنف الخارجي الضرب و اللكم و
الدهس و الطعن, و القطع و السقوط و الارتطام, و غيرها من وسائل العنف و الشدة(1).
أما من الناحية القانونية فقانون العقوبات الجزائري لم يعرف الجرح, و يفهم من ذلك أن الجرح هو " أي ضرر مهما كان خفيفا, يكون من نتائجه المساس بجسم أو بصحة فرد ما "(2) .
و من جهة أخرى فإن خطورة الجروح ليست مرتبطة بطبيعة العنف فقط و إنما بالنتائج الحالية و المستقبلية له, و لعل نتيجة العنف هي أهم عامل في تحديد الوصف القانوني للاعتداء و العقوبة المقررة له و من هنا يمكن استنتاج الدور الفعال للطبيب الشرعي في التكييف القانوني للوقائع, باعتباره الشخص الوحيد المؤهل لمعرفة نتيجة الاعتداء و مقدار العجز و كذلك الوسيلة المستعملة و ظروف الاعتداء اللذان يغيّران كذلك في الوصف القانوني لأعمال العنف.
حسب قانون العقوبات الجزائري فإنه تشكل أعمال العنف التي ينتج عنها عجز كلي مؤقت عن العمل لمدة لا تتجاوز 15 يوما مخالفة, و إذا تجاوزت مدة العجز 15 يوم فيصبح الوصف القانوني جنحة, أما إذا نتج عن أعمال العنف عاهة مستديمة أو وفاة دون قصد إحداثها فيسأل المتهم عن ارتكابه لجناية, و تختلف العقوبة من وصف إلى آخر.
صحيح أن مهمة الطبيب هي فحص ضحايا العنف و تقدير مدة العجز أو نسبته و لكن إذا نظرنا إلى هذا التقدير فإننا نجده الأساس الذي يستند إليه القاضي في تكييف الواقعة المادية و ربطها بالنصوص القانونية.
أما من الناحية الطبية الشرعية فإن الجروح تقسم إلى:
 السحجات égratignures تحدث نتيجة احتكاك الجلد بسطح خشن مما يؤدي إلى تلف الطبقة الخارجية, و تختلف السحجات بحسب مسبباتها (أظافر, حبل, اصطدام).
 الكدمات echymose و تتمثل في تمزق الأوعية الدموية على مستوى طبقات الجلد, و تظهر في شكل بقع زرقاء نتيجة لإنسكاب الدم و تسربه إلى الأنسجة, و تمكن الكدمة من معرفة مكان العنف و تاريخ وقوعه بواسطة اللون و الأداة المستعملة و شكلها.
 الرضوض plaies contuses يصاحب هذا النوع من الجروح انكسار في العظام و تمزق في الأحشاء و تنتج الرضوض عند الاصطدام بجسم صلب كحوادث السيارات أو بسبب التمدد المفرط.
 الجروح بأداة قاطعة plaie par instruments tranchants و تسببها أداة قاطعة (سكاكين, قطع زجاج,...).
 الجروح الطعنية أو وخزية plaie par instruments tranchants – piquants و تسببها آلة ذات رأس مدبب قاطع.
 الجروح الناتجة عن الأسلحة النارية: إن الأسلحة النارية تسبب جروحا كدمية أو جروحا دائرية ذات أطراف غير متناسقة, و تطلق هذه الأسلحة مواد احتراق (البارود) هذه الأخيرة تترك بصماتها على جسم الإنسان بسبب خصائصها.
 الكسور fractures و تعتبر من الناحية القانونية جروح, و هي من الرضوض العظمية سواء على العظام الطويلة (الأطراف العليا و السفلى) أو على العظام المسطحة كالجمجمة.
إن أهم عمل يقوم به الطبيب الشرعي في حالة الجروح هو تحرير الشهادات الطبية المثبتة للعجز, و بالتحديد تقدير مدة العجز الكلي المؤقت عن العمل ITTP) ( و الملاحظ أن معظم هذه الشهادات الطبية يحرر باليد و بخط كثيرا ما يكون غير مقروء, إضافة إلى أنه لا يوجد معيار معتمد لتحديد مدة العجز.
 في أعمال العنف التي ينتـج عنها عاهـة مستديمـة:
حسب المشرع الجزائري فإنه نتيجة أعمال العنف تغير من وصف الجريمة و العقوبة المقررة لها, و من بين ما ينتج عن أعمال العنف " العاهة المستديمة ".
لم يعرف قانون العقوبات العاهة المستديمة و إنما ذكر بعض أمثلتها على سبيل الحصر بدليل قوله في المادة 264 الفقرة 03 " ... أو أي عاهة مستديمة أخرى " و المقصود بالعاهة المستديمة هو فقدان منفعة عضو من أعضاء الجسم مدى الحياة, و تقدير متروك لقاضي الموضوع يبت فيه
بناء على حالة المصاب وما يستخلصه من تقرير الطبيب(1), و حتى الأمثلة التي ذكرها المشرع في المادة 264 عن العاهة المستديمة و هي فقد أو بتر إحدى الأعضاء أو الحرمان من استعماله أو فقد البصر, فلا يمكن للقاضي التأكد منها إلا بناءا على التقرير الطبي الشرعي.
و لهذا فإن دور الطبيب الشرعي في تحديد معالم هذه الجريمة يبرز جليا من خلال تأكيد أن سبب العاهة المستديمة هي أعمال العنف التي تعرض لها الضحية, كما أن الطبيب الشرعي هو الشخص الوحيد المؤهل للقول بأن العاهة أصابت عضوا بالمفهوم الطبي.
المطلـب الثانـي: دور الطبيب الشرعي في الجرائم الجنسية و جريمة الإجهاض
كثيرا ما يطلب من الطبيب الشرعي فحص ضحية الاعتداءات الجنسية لبيان صحة وقوع الاعتداء و بالتالي قيام الجريمة, و هكذا في جريمة هتك العرض (الاغتصاب) فإن تمزق غشاء البكارة عند وجوده و ما يرفق ذلك من نزيف دموي هو العلامة الرئيسية التي تساعد على تشخيص هتك العرض و لو أن غشاء البكارة لا يتمزق دائما عند الإيلاج كما قد يترافق هتك العرض أو الفعل المخل بالحياء بدفق منوي سواء في مهبل المرأة أو على ثياب و جلد الضحية, و يبحث الطبيب الشرعي كذلك على علامات عامة ناتجة عن مقاومة الضحية للفاعل, و نستدل على عدم رضا الضحية بظهور هذه العلامات على شكل كدمات أو سحجات أو خدوش, كما أن الوطء الشرجي يترك علامات تدل على إيلاج القضيب في الشرج.
إن فحص الطبيب الشرعي للضحية و بحثه عن العلامات المذكورة أعلاه يساعد في إثبات الركن المادي للجريمة بإقامة الدليل العلمي و قد يطلب من الطبيب تشخيص الحمل الذي يدل على وقوع الفعل الجنسي, و في حالات أخرى فإن تشخيص الوضع و تقدير المدة التي مضت على الولادة قد يهم القضاء.
أما الإجهاض فهو الفعل المنصوص المعاقب عليه في المواد من 304 إلى 313 من قانون العقوبات الجزائية, و تأخذ هذه الجريمة ثلاث صور(1) و هي:
 اجهاض المرأة نفسها.
 اجهاض المرأة من قبل الغير.
 التحريض على الإجهاض.
و يكون الإجهاض في هذه الحالات إجرامي, كما قد يكون في ظروف أخرى إجهاضا علاجيا أو إجهاضا ثقليا(مخاض كاذب) و يمكن وصف الإجهاض بالإجرامي إذا توفرت ثلاث عناصر:
حالة حمل أو شك في الحمل. المادة 304 من قانون العقوبات: "... امرأة حامل أو يعتقد أنها حامل ..." .
استخدام وسائل اجهاضية مهما كانت طبيعتها.
النية الإجرامية أو الإرادة المتعمدة لإحداث الإجهاض.
أما عن الأسئلة التي تطرح على الطبيب الخبير في حالة معاينته للإجهاض فهي:
هل هناك اجهاض؟ في أي مرحلة من الحمل؟ هل كان الإجهاض متعمدا؟ هل كانت الوفاة نتيجة مناورات إجهاضية إجرامية؟ هل يمكن للمرأة أن تمارس على نفسها مناورات اجهاضية؟
فالطبيب الشرعي إذن يكلف بإيجاد الدليل الطبي في محاولة الإجهاض أو إحداثه(2)
أما بالنسبة للإجهاض العلاجي فقد أجازته المادة 308 من قانون العقوبات و اعتبرته المادة 72 من قانون رقم 85_05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها واجبا طبيا, و نصت على إجراءات القيام به: "..يتم الإجهاض في هيكل متخصص بعد فحص طبي يجرى بمعية طبيب اختصاصي ".
و خلاصة القول هي أن دور الطبيب الشرعي في التكييف القانوني للوقائع مهم جدا و يكون تدخل الطبيب الشرعي لازما في أغلب الجرائم التي تمس بسلامة الإنسان و جسمه.
المبحث الثانـي:

 دور الطب الشرعي في إقامة الدليل

يكتسب الدليل في المادة الجزائية طابعا في منتهى الأهمية, و تتوقف عليه أحيانا إدانة المتهم أو تبرئته, و الأدلة متعددة الأصناف فمنها أدلة الاتهام و منها أدلة النفي و هذا حسب وظيفتها و منها الأدلة الكاملة و الأدلة المكمّلة من حيث قيمتها في الإثبات و رغم هذا التعدد فالمتفق عليه أن للأدلة هدف مشترك, بحيث تؤدي جميعها إلى حقيقة واحدة و هي التعرف على الجاني و إثبات الواقعة بالحجة و البرهان, و يعرف الدليل بصفة عامة بأنه الوسيلة المبحوث عنها في التحقيقات بغرض إثبات واقعة تهم الجريمة, و الدليل هو الوسيلة التي يستعين بها القاضي للوصول إلى الحقيقة التي ينشدها.
و نظرا لما يقدمه الطب الشرعي في مجال الدليل العلمي, سنتعرض في هذا المبحث إلى القيمة القانونية للدليل الطبي الشرعي عبر كامل مراحل الإجراءات الجزائية.
المطلـب الأول:

 قيمة الدليل الطبي الشرعي في التحقيق الأولي

يكتسي الدليل الطبي الشرعي في هذه المرحلة أهمية بالغة لأنه يجمع فيها, فهو الذي يساعد على إثبات وقوع الجريمة و ظروفها, بالإضافة إلى دوره في إثبات نسبتها إلى شخص معين من جهة ومن جهة أخرى التعرف على الضحية.
و سواء انطلقنا من الشكاوي و البلاغات عن وقوع جريمة, المقدمة لرجال الضبطية القضائية أو ما يعرف بحالة التلبس, فإن دور الطبيب الشرعي بما يقدمه من دليل يبقى أساسيا, و لكن الاختلاف يكمن في أن المشروع لم ينص على استعانة رجال الضبطية القضائية بالأدلة الطبية في الحالة الأولى, و لكن ليس هناك ما يمنعه من ذلك, أما في حالة التلبس فمن صلاحيات ضابط الشرطة القضائية تسخير الخبراء في المجال الطبي الشرعي كما سبق أن بيناه حسب المادة 49 من قانون الإجراءات الجزائية؛ و يتميز الدليل الطبي الشرعي في هذه الحالة بالدقة و الموضوعية مما يعطيه قيمة قانونية تسمو عن باقي الأدلة الأخرى من شهادة شهود و اعتراف.
إن وجود الطبيب الشرعي بمسرح الجريمة ضروري لمعاينة الموجودات التي قد تساعد في حل ألغازها, و أهم ما يقوم به في هذه الحالة هو:
 الفحص الظاهري للجثة.
 التقرير بثبوت الوفاة و تعيين الزمن التقريبي على حدوثها مبدئيا من خلال التغيرات الرمية, كالرسوب الدموي و التيبس الرمي.
 توضيح أي آثار مضللة مترتبة على إجراءات الإسعاف الطبي.
 تحديد طبيعة الوفاة أهي جنائية أو انتحارية.
 و بعد إتمام عملية الفحص يعطي الطبيب الشرعي توجيهات لنقل الجثة إلى المشرحة بطريقة سليمة بغية المحافظة على الدليل و يتم ذلك بوضع اليدين و الرأس داخل أكياس بلاستيكية أما الجثة فتوضع على فرش بلاستيكي نظيف تلف أطرافه حولها.
 معاينة ملابس الضحية أو الملابس التي قد يجدها في مسرح الجريمة لما لها من أهمية في كشف أسرار هذه الأخيرة.
من خلال استعراضنا لبعض ما يقوم به الطبيب الشرعي في مسرح الجريمة الذي يعد نقطة البداية للتحقيق في أي جريمة يتبين لنا دوره الفعال في إقامة الدليل و المحافظة عليه أثناء التحقيق الأولي, و رغم كل هذا فإن المشرع الجزائري لم يحدد إجراءات البحث عن الدليل الطبي الشرعي و لم يحطه بضمانات كما أنه لم يجعل له قيمة قانونية تفضله عن باقي الأدلة الأخرى.
المطلـب الثاني:

 قيمة الدليل الطبي الشرعي في مرحلة التحقيق القضائي و المحاكمة

تتولى جهات التحقيق القضائي استغلال الأدلة التي يتم جمعها من قبل رجال الضبطية القضائية على مستوى التحقيقات الأولية و التي يتم التكييف القانوني و المتابعة القضائية على أساسها, و لا تكتفي جهات التحقيق القضائية بهذه الأدلة بل تعززها بأدلة قضائية أخرى.
و حسب المادة 68 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم فإنه: " يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون, باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة, بالتحري عن أدلة الاتهام و أدلة النفي... .
و أمام المبدأ الذي قرره الدستور الجزائري و هو " قرينة البراءة " فإن الدليل الطبي الشرعي يلعب دورا كبيرا في نفي الجرائم المنسوبة لأشخاص اشتبه فيهم في القيام بها أو تم اتهامهم بها بناءا على معطيات أخرى.
يخضع الدليل الطبي الشرعي في مرحلة التحقيق القضائي إلى مبدأ الوجاهية فيتم مواجهة الأطراف بالأدلة و تلقي أوجه دفاعهم و ملاحظاتهم بخصوصها؛ كما أن قاضي التحقيق غير مقيد بهذا الدليل أما بالنسبة لمرحلة المحاكمة فقد نصت المادة 212 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه: " يجوز إثبات الجرائم بأي طريق من طرق الإثبات ما عدا الأحوال التي ينص فيها القانون على غير ذلك, و للقاضي أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الخاص "؛ و يستخلص من استقراء هذه المادة أن الدليل الطبي الشرعي يخضع لمبدأ حرية الإثبات, و هي تساوي بينه و بين باقي الأدلة من شهادة شهود و اعتراف و غيرهما, فالقوة الثبوتية للدليل الطبي الشرعي تخضع إلى تقدير القاضي و هذا حسب قناعته على أساس ما يدور في جلسة المحكمة.
و يجب التمييز بين جهات الحكم المكونة من قضاة محترفين فقط (جنح و مخالفات) و تلك المكونة من قضاة محترفين و قضاة شعبيين محلفين (محكمة الجنايات), ففي محكمة الجنايات تتم مناقشة الأدلة في الجلسة بما فيها الدليل الطبي الشرعي و هذا حسب المادة 302 من قانون الإجراءات الجزائية التي نصت على أنه : " يعرض الرئيس على المتهم, إن لزم الأمر أثناء استجوابه أو أثناء سماع أقوال الشهود أو بعد ذلك مباشرة أو بطلب منه أو من محاميه, أدلة الإثبات أو محضر الحجز أو الاعتراف بهذه الأدلة, كما يعرضها على الشهود أو الخبراء أو المحلفين إن كان ثمة محل ذلك ", و ليس على القاضي التقيد بما جاء به الدليل فهذا الأخير يخضع
في تقديره إلى مطلق الاقتناع الشخصي للقاضي l'intime conviction و هذا حسب المادة 307 من قانون الإجراءات الجزائية؛ و قد أكد الاجتهاد القضائي هذا المبدأ في كثير من القضايا فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى صادر في 04 فيفري 1986 تحت رقم 36 (غير منشور) أنه: " ليس من اللازم على قضاة الموضوع الأخذ بما جاء في الشهادة الطبية لأن العبارة في الإثبات في المواد الجنائية بلإقتناع الشخصي "(1).
و جاء في قرار آخر منشور بنشرة القضاة سنة 1983 العدد الثاني ص 93 صادر عن المجلس الأعلى في 18 جانفي 1983 ما يلي: " إن العبرة في مواد الجنايات باقتناع أعضاء المحكمة, فما دام قد ثبت لقضاة الموضوع أن الطفل ولد حيا و أن أمه تعمدت عدم ربط حبله السري, فإن ما انتهت إليه محكمة الجنايات في حدود اقتناعها لا يجوز مناقشته أمام المجلس الأعلى "(1), من جهة أخرى فإن قضاة محكمة الجنايات غير ملزمين بتسبيب قراراتهم, كما أن مشاركة القضاة الغير شعبيين يطرح تساؤلا حول قدرتهم على تقدير الدليل الطبي الشرعي.
أما فيما يخص الجنح و المخالفات فرغم وجود نص المادة 34 من قانون الإجراءات الجزائية التي تكرس خضوع الأدلة للمناقشة أثناء الجلسة و المادة 212 التي تكرس الاقتناع الشخصي للقاضي, فإن القضاة في هذه الحالة هم قضاة محترفين مقيدين بضرورة تسبيب أحكامهم التي يصدرونها و هذا يغطي الدليل الطبي الشرعي قوة ثبوتية أكبر باعتباره دليل على قيام الركن المعنوي لها.
و في قرار صادر عن المحكمة العليا مؤرخ في 19 فيفري 1981 و منشور بنشرة القضاة عدد44 جاء أن الخبرة ضرورية لإثبات جنحة القيادة في حالة سكر و لو اعترف المتهم.
و في رأي آخر قضت المحكمة العليا في قرار بتاريخ 11 جويلية 1995 بأن القضاة غير ملزمين بمناقشة نسبة الكحول في الدم لإثبات جنحة القيادة في حالة سكر و إنما يكفي فقط معاينتها و وجودها بالدم.
في الأخير و بالنظر إلى التطور العلمي و التقني في مجال الطب الشرعي وجب على المشرع إعادة النظر في القيمة القانونية للدليل الطبي الشرعي و إعطاءه قوة ثبوتية مطلقة نوعا ما, و عدم إخضاعه بصفة مطلقة لسلطان الإقتناع الشخصي للقاضي.
الخـــاتمــة
من خلال هذه المذكرة, والتي تطرقنا فيها إلى الطب الشرعي ودوره في البحث عن الجريمة, حاولنا أن نوضح مفهوم هذا الاختصاص الطبي وأن نبين أهميته في المجتمع بصفة عامة من خلال مساعدته لرجال القانون من جهة, ومحاولته لحل مشاكل الأفراد من جهة أخرى, فوجدنا أن للطبيب الشرعي دور فعال كمساعد للقضاء من خلال ما يقدمه من خبرة فنية كلما تعلق الأمر بمشكل طبي- قانوني, وما أكثر هذه المشاكل خاصة في المادة الجزائية, فالطبيب الشرعي إذن من بين الخبراء الأكثر تعاملا مع رجل القضاء وهذا ما يتطلب التنسيق الكامل بينهما, لأن عمل كل منهما مكمل لعمل الآخر فالطبيب الخبير يبحث عن الركن المادي للجرائم الماسة بالسلامة الجسمية للإنسان ويحاول إثباته من خلال معاينته لمسرح الجريمة أو فحصه لجسم الضحية.
كما يقوم الطبيب الشرعي بتقدير السلامة العقلية للمتهم في جريمة ما, إذا طلب منه ذلك, والنتيجة التي يستخلصها في هذه الحالة تؤثر في الركن المعنوي للجريمة,و من جهته يقوم رجل القضاء بتجسيد هذه النتائج في الواقع من خلال إخضاعها للنصوص القانونية من اجل القيام بالمتابعة أو الحفظ أو إجراء تحقيق قضائي أو في إصدار الأحكام قضائية.
وحتى في مسالة الخطأ الطبي فان الطبيب الشرعي هو الذي ينتدب من اجل معاينته, رغم الإشكال الذي يطرحه هذا النوع من الخبرة والذي يصطدم بحدة مع عامل التضامن بين الزملاء" l esprit de Corps ", فهذا العامل يؤثر لا محالة على موضوعية الطبيب خاصة وأن تضامنه مع زميله واجب منصوص عليه في مدونة أخلاقيات الطب, ومحاولة لحل هذه المشكلة هناك اقتراح بتدخل مجلس الأطباء لإبداء ملاحظاته وهذا بعد إخطاره من طرف الطبيب المنتدب لإجراء الخبرة, ومن جهة أخرى يمكن للطبيب الشرعي أن يمثل أمام المحكمة كمتهم, إذا قام بإفشاء سر طبي خارج الإطار المطلوب منه.
بالإضافة إلى ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق الطبيب الشرعي, فان هذا الأخير معرض لجملة من الأخطار سواء أثناء إجراء الفحوصات الطبية, أو أثناء تشريح جثة وكذلك أثناء عمله داخل المؤسسات العقابية, فعملية التشريح مثلا, تقتضي التعامل المباشر مع الجثة, وبهذا الاحتكاك يكون الطبيب معرضا لخطر العدوى سواء عن طريق فيروسيHIV hépatite C et B, أو عن طريق بكتيري, وفي بعض الأحيان تكون من النوع المقاوم للمضادات الحيوية, خاصة إذا تعلق الأمر بما يسمى: les bacilles tuberculo-résistants أما إذا كانت الجثة في حالة تحلل cadavre en décomposition, فالخطر يكون اكبر لما ينتج عن عملية التحلل من غازات آزوتية وأملاح الأمونياك المتحولة إلى نترات هذه الأخيرة معروفة أنها من أسباب الإصابة بمرض السرطان(des effets cancérigènes) , ويواجه الطبيب الشرعي أيضا أثناء قيامه بفحص ضحايا الضرب و الجرح, عدم احترام هؤلاء الاشخاص له, ورد فعلهم الذي يكون في بعض الأحيان عنيفا, لأنهم يحاولون دائما الحصول على نسبة عجز كبيرة عكس الطبيب الشرعي الذي يعمل في العلن, وفوقه سلطة الضمير وسلطة القضاء.
من جهة أخرى يعاني الأطباء الشرعيون من الأشخاص الذين يقومون بجرح أنفسهم ويحاولون نسب هذه الجروح إلى أشخاص أبرياء, وأمام هذه الظاهرة automutilation على الطبيب توخي الحذر ومحاولة كشف الحقيقة, وعلينا أن نتصور رد فعل هؤلاء الأشخاص عندما يفاجئهم الطبيب بالنتائج ؟
وكذلك الحال بالنسبة للأشخاص الموجودين داخل المؤسسات العقابية, الذين يحاولون إظهار الإصابة بأمراض تمكنهم من الاستفادة من نظام وقف العقوبة, وعلى الطبيب الشرعي تقع مسؤولية كشف هذه الطرق الاحتيالية.
إن كل هذه الضغوطات التي يمارس الطبيب الشرعي فيها عمله تعكس خطورة مهنة الطب الشرعي والتضحيات التي يقدمها الأطباء في سبيل مساعدة رجال القانون من أجل تحقيق العدل.
لقد انطلقت وزارة العدل منذ 1999 في مباشرة إصلاح العدالة, الذي يعتمد في أساسه على تكوين القضاة ومستخدمي ومساعدي هذا الجهاز ومن بينهم الأطباء الشرعيون, ولو أننا لا نشك في مستوى الأطباء بالنظر لتكوينهم الجيد على مستوى معاهد الطب والمستشفيات الجامعية إلا أن المطلوب هو التنسيق والتعاون بين القاضي والطبيب الشرعي من خلال تكثيف الملتقيات والأيام الدراسية المرتبطة بالطب الشرعي, مع ضرورة توفير الإمكانيات المادية التي تسهل كثيرا من مهمة الطبيب في الوصول إلى النتائج بسرعة وبدقة مما يسهل على القاضي عمله, هذا الأخير عليه أن يكون هو أيضا دقيقا في تحديد مهمة الطبيب الشرعي وألا يلجأ إلى طلب تشريح الجثة مثلا إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
ولكي يكون هذا التنسيق بين الطبيب الشرعي والقاضي يجب على هذا الأخير الإلمام ولو بعموميات في الطب الشرعي, ولهذا تم إدراج هذه المادة ضمن البرنامج الدراسي المعتمد في تكوين القضاة, والذي نتمنى أن يعمم على مستوى كليات الحقوق أيضا, ومن جهة أخرى فإن ترقية الطب الشرعي لجعله في مستوى حاجات المنظومة القضائية يقتضي الاهتمام به من خلال توفير الوسائل المادية و رفع عدد الأطباء الشرعيين و توزيعهم بطريقة تسمح لهم بتأدية عملهم على أكمل وجه, كما تسمح لهم بتقديم نتائج دقيقة و واضحة على الأقل, فقد لاحظنا أن بعض التقارير الطبية الشرعية يكتب باليد و بخط غير مقروء فتصعب قراءته على القاضي, رغم أن هذا العنصر يعتمد على مهارة القاضي و دقته في تحديد المهمة المطلوبة من الطبيب الشرعي.
طب شرعي فعال = تقرير طبي شرعي واضح و مجدي = تحكم في الملف الجزائي = ترقية الحقوق = عامل إيجابي في إصلاح العدالة.
قائمة المراجع
أولا: الكتــب
1) د. منصور عمر المعايطة: الطب الشرعي في خدمة الأمن والقضاء، طبعة 2007.
2) المستشار عبد الحميد المنشاوي: الطب الشرعي وأدلته الفنية و دوره في البحث عن الجريمة، طبعة 2005.
3) د. حسين علي شحرور: الطب الشرعي مبادئ و حقائق.
4) د. حسين علي شحرور: الأسلحة النارية في الطب الشرعي، طبعة 2004.
5) د. احسن بوسقيعة: الوجيز في القانون الجزائي الخاص, الطبعة الخامسة 2006.
ثانيا: المحاضرات
1) البروفيسور فتيحة مـراح (مصلحة الطب الشرعي CHUبني مسوس): دروس في الطب الشرعي ملقاة بالمدرسة العليا للقضاء 2005.
2) السيد بن مختار أحمد عبد اللطيف, محاضرة بعنوان: تشريح واقع الطب الشرعي في الجزائر(الملتقى الوطني حول الطب الشرعي القضائي 25 و 26 مايو 2005).
ثالثا: المجلات
Collection Med-Line, Santé Publique Médecine légale Médecine du travail. Edition 1996.
Microsoft ® Encarta ® 2007. © 1993-2006 Microsoft Corporation
Francis Levy et Bertrand Ludes, La mort subite par arrêt cardiaque, aspect médicaux légaux, ARTICLE

0 تعليق:

إرسال تعليق