وضع التحكيم في التشريع الاسلامي

وضع التحكيم في التشريع الاسلامي
دراسة مقارنة بين نظامي القضاء والتحكيم
بقلم الأستاذ : مصطفى عطية المحامي 2007
لم يعرف حتي الأن متي بدأ بالفعل نظام تسوية المنازعات بطريق غير قضائي، لكن الوثائق المصرية القديمة تشهد علي وجود مثل هذا النظام في العصر ذاته و كان يستخدم من قبل الكهنة في تعاملاتهم مع العامةز كذلك استخدم التحكيم في اليونان القديمة و روما. في القانون الانجليزي كان أول قانون للتحكيم هو القانون الصادر في 1697 لكن و مع نفاذ هذا القانون كان بالفعل التحكيم يستخدم بكثرة، فكان أول حكم بالتحكيم صدر في عام 1610. و قد وصل الباحث القانوني السير ادوارد كوك الي حكم تحكيم يصل لعصر ادوارد الرابع (و الذي انتهي عام 1483). التحكيمات الأولي في القانون الانجليزي كانت تعاني من الضعف الشديد من ناحية الالزامية ، فكان الطرف الذي يصدر الحكم ضده ينسحب من التحكيم و بالتالي يكون غير ملزم بالحكم الصادر في النزاع، و قد صحح هذا الوضع في عام 1697. في اتفاقية جاي أو لندن 1894 بين بريطانيا و الولايات المتحدة و التي كان الخلاف فيها علي الديون و الحدود تم اللجوء للتحكيم للفصل في النزاع و تم الفصل بعد 7 سنوات. في أوائل القرن العشرين، بعض الدول و بالذات فرنسا و الولايات المتحدة بدأوا في عمل قوانين تشجع علي استخدا القضاء الخاص في المنازعات التي يفتقر القضاء للكفاءة فيها. و كسبب لنو و تطور التجارة الدولية فقد تم استخدام التحكيم في المنازعات بين التجار بعضهم البعض بتطبيق قانون التجار ( و هو قانون للتجار بأوروبا كان يستخدم لتسوية المنازعات التجارية). و الأن وصل التحكيم لتطور كبير حتي انه أصبح يتم عبر الانترنت.
وضع التحكيم في نظام القضاء الإسلامي
مقدمة:(1)
في بعض الأحيان لا يلجأ الخصمان إلى القاضي للفصل بينهما، وإنما يلجآن إلى شخص لا يتولى منصب القضاء ، فيحكّمانه بينهما ، إما لبعدهما عن مكان القاضي أو اختصارا لإجراءات التقاضي أو لأي غرض آخر وهذا هو الحكم أو المحكّم .علما بأنه قد عرف العرب في الجاهلية التحكيم قبل مجيء الإسلام . والمحكم أو الحكم أقل رتبة من القاضي لأسباب نذكر منها: أولا: أن حكم الحكم يقتصر على من يرضى بحكمه عند فريق من العلماء. ثانيا: أن القاضي يقضي في أمور ليس من حق المحكم - بفتح الكاف المشددة - أن يحكم فيها، كالقصاص والحدود عند فريق من العلماء أيضا، فحكم المحكم ليس مطلقا في كل قضية كالقاضي عند بعض العلماء. ثالثا: ثبوت عموم ولاية القاضي، فيتعدى حكمه إلى غير المتخاصمين، كما في القتل الخطأ وما ماثل هذا، بخلاف المحكّم.
المبحث الأول:
مشروعية التحكيم
مقدمة:يرى الحنفية والمالكية والحنابلة جواز التحكيم. وأما الشافعية فقد اختلفت الآراء في فقههم ، وأقوى الآراء عندهم جواز التحكيم ، وهذا ما يفهم من كتبهم – أنه قول قوي للشافعي رضي الله تعالى عنه، ونقلوا قولا آخر للشافعي بعدم جواز التحكيم، وعللوا لهذا بأن التحكيم فيه افتئات على رئيس الدولة ونوابه، فلا يجوز لهذا المعنى. وكان الرد على هذا الأخير بأن المحكَّم ليس له سلطة الحبس، ولا استيفاء عقوبة لإنسان ثبت عنده ما يستوجبها، لئلا يخرق أبهة رئيس الدولة ولا نوابه، وعلى هذا فلا يتحقق هذا الافتئات عليهم (أي تجاوز الحدود والتعدي واغتصاب السلطة). ويوجد رأي ثالث لبعض الشافعية، يقول بجواز التحكيم بشرط عدم وجود قاض بالبلد، لأنه في هذه الحال توجد الضرورة المجيزة لذلك، أما إذا كان بالبلد قاض فلا يجوز التحكيم لعدم وجود الضرورة. دليل مشروعية التحكيم استدل القائلون بمشروعية التحكيم بالكتاب والسنّة و الإجماع والمعقول. أولا الكتاب الكريم: قول الله تبارك وتعالى :( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) ثانيا السنة النبوية الشريفة: ما رُوي أن أبا شريح قال:يا رسول الله، إن قومي إذا اختلفوا في شيء فأتوني، فحكمت بينهم فرضي عني الفريقان، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا. رواه النسائي ، و البيهقي. ولو لم يكن التحكيم مشروعا لما استحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرسول الله لا يستحسن شيئا لا يجوز. وقد عمل صلى الله عليه وسلم بحكم سعد بن معاذ في بني قريظة، لما اتفقت اليهود على الرضا بحكمه فيهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حكم سعد بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم، وكان حكم سعد بن معاذ حكما لمحكّم وليس لقاض، لأن اليهود رضوا به حكما. ثالثا الإجماع: إذ ثبت أن التحكيم وقع لجمع من الصحابة، ولم ينكر ذلك أحد مع اشتهاره، فكان إجماعا، والإجماع هو أحد الأدلة الشرعية بعد الكتاب الكريم وسنة رسول الله صلى اله عليه وسلم لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( لا تجتمع أمتي على ضلالة). رابعا المعقول: لأنه مادام الخصمين اللذين يرضيان بالتحكيم لهما ولاية على نفسيهما فيكون التحكيم صحيحا.
المبحث الثاني :
مدى انطباق شروط القاضي على المحكّم
لابد أن تكون الشروط المطلوبة في القاضي متوافرة في المحكّم ،لأن المحكّم عندهم منزل منزلة القاضي ، فلابد أن تكون أهلية القاضي متحققة فيه وقت التحكيم ووقت الحكم جميعا. هذا وإن بعض الفقهاء يخفف في شروط المحكّم فلا يشترط فيه شروط القاضي، لذلك نرى الحنفية مع أنهم يشترطون البلوغ في القاضي كغيرهم من الفقهاء، فإننا نجد بعضهم يرى عدم اشتراط البلوغ في المحكّم. فيرى بعض الحنفية جواز تحكيم الصبي المأذون ، ومع أن الحنفية يرون أنه لا جوز تحكيم الكافر إذا حكمه المسلمون بينهم ، فإنهم يرون جواز تحكيمه بين الذميين أي المواطنين في الدولة الإسلامية غير المسلمين ، لأنه عندهم من أهل الشهادة عليهم، ويرون كذلك جواز تقليد الذمي القضاء ليحكم بين أهل الذمة.وإذا كان من شروط القاضي عند الجمهور أن يكون رجلا ، فإنه لابد ان يكون المحكّم رجلا عند من يرى انه منزّل منزلة القاضي . أمّا الحنفية فلأنهم يرون صحة قضاء المرأة إذا وليت القضاء – مع إثم موليها – في الأمور التي تصح فيها شهادتها، يرون أيضا صحة حكم الحكم إذا كان إمرأة، وحكمت في الأمور التي تصح أن تشهد فيها ، وهي ما عدا قضايا الحدود والدماء. ويرى بعض المالكية عدم صحة تحكيم المرأة، وبعضهم يرى صحة تحكيمها. ومن شروط القاضي الإسلام، والحرية أي لا يكون عبدا، فكذلك يكون من شروط المحكّم عند من ينزل المحكّم منزلة القاضي، وعلى هذا فلا يجوز تحكيم الكافر والعبد، وأجاز الحنفية أن يكون الحكم ذميّا إذا حكّمه ذميّان، لأنه عند الحنفية من أهل الشهادة فيما بين الذميين، فالحنفية يرون قبول شهادة أهل الذمّة بعضهم على بعض، فيكون من أهل الحكم عليهم. ويرجع الخلاف بين العلماء في صفات المحكّم إلى أن من جعل المحكّم من باب الوكالة، لم يشترط فيه صفات تزيد عن صفات الوكيل فالشرط الوحيد أن لا يكون ذاهب العقل ، وأمّا من جعل ذلك من باب الولاية في حكم خاص ، فقد اشترط أن يتحقق فيه شرط القاضي عنده.
المبحث الثالث
الرجوع عن التحكيم
وتثور المسألة في حال رجوع أحد الخصمين أو كليهما عن التحكيم: ونميّز في هذا الشأن بين الرجوع قبل الحكم من ناحية وبين الرجوع بعد شروع المحكّم في الحكم من ناحية أخرى. وقد بيّن العلماء أن من حق كل من المتخاصمين أن يرجع عن تحكيمه قبل شروع المحكّم في الحكم. لأن الحكم لا يثبت إلا برضاه، فكان هذا كما لو وكّل إنسان إنسانا آخر في التصرف في بعض الأمور، ولكن الموكّل رجع عن التوكيل قبل أن يتصرّف الوكيل بمقتضى الوكالة، فإن له ذلك، فلا بدّ من استمرار الرضا حتى يحكم. وأمّا إذا كان رجوع أحد الخصمين بعد شروع المحكّم في الحكم، ففيه رأيان: أحدهما: له ذلك، لأن الحكم لم يتم، فأشبه ما إذا رجع عن التحكيم قبل الشروع في الحكم. والثاني: ليس له ذلك، لأن ذلك يؤدي إلى أنه إذا رأى أي من المتخاصمين أن المحكّم سيحكم لغير صالحه رجع عن التحكيم، فيبطل المقصود بالتحكيم. وتدق المسألة في الفهم فيثور السؤال: إذا حكم الحكم أو المحكّم في المسألة التي ينظرها، هل يكون المتخاصمان ملزمان بهذا الحكم، أم أن لكل منهما أن يرفضه أو يقبله.؟ فكان للفقهاء فيها اختلاف على رأيين : أولهما: انه ينفذ حكمه عليهما وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه ، والقول الراجح للشافعي رضي الله عنه ، ويراه أيضا فقهاء الحنابلة ، وفقهاء الشيعة الإماميّة، وفقهاء الإباضِيََّة. وقد استندوا إلى ما استدلّوا به من دليلين هما: الحديث والقياس، فالحديث ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حكم بين اثنيْن تراضيا به فلم يعْدِل بينهما فهو ملعون). وأمّا القياس فهو على الذي تولى الحكم من جهة رئيس الدولة ، فكما أن المولى من جهة رئيس الدولة – وهو القاضي – إذا حكم في قضية ينفذ حكمه من غير وقف على رضا أي من الخصمين، فالمحكّم أيضا يجب أن ينفذ حكمه ولا يشترط رضا أي من الطرفين بهذا الحكم قياسا على القاضي. وثانيهما: أنه لا يلزمهما ما حكم به إلَّا بتراضيهما، وهو قول للشافعي رضي الله عنه مقابلٌ لقوله السابق. وقد عُلِّلَ بأن رضاهما معتبر في الحَكَم، فكذا في لزومه. المبحث الرابع ما يجوز التحكيم فيه وما لايجوز 0 تنقسم المسائل التي يجوز فيها التحكيم والتي لا يجوز فيها إلى قسمين:
القسم الأول:
وهو القسم الذي اتفق عليه وبلا اختلاف وهو عبارة عن المسائل التي يجوز فيها التحكيم باتفاق العلماء، ويشمل الحقوق المالية وعقود المعاوضات، وما يصح فيه العفو والإبراء.
القسم الثاني:
وقد اختلف العلماء فيه، هل يجوز التحكيم فيه أم لا، وهو ما عدا ما ذكرناه كالزواج، واللِّعان، والقذف، وبقية الحدود والقصاص، ونبيّنُها تفصيلا فيما يلي: اتفقت الروايات في الفقه الحنفي على أنه لا يجوز التحكيم في الحدود الواجبة حقا لله تعالى "مثل حد السرقة" وحد الزنا وحد شرب الخمر وذلك لأن رئيس الدولة أو من ينيبه هو المتعين لاستيفائها. وهذا الرأي باتفاق الروايات في المذهب الحنفي، وهو رأي فقهاء المالكية ، وفقهاء الشافعية ، وصريح ما لدى الشافعية بأن التعزير أيضا – وهو العقوبة غير المقدرة- إذا كان حقا لله تبارك و تعالى لا يجوز التحكيم فيه. وتكون عقوبة التعزير واجبة حقًّا لله تعالى في الجرائم التي تتعلق بالاعتداء على الدين أو حياة الناس العامة ، كما في سبّ الأديان غير الإسلام، أو إلقاء القاذورات في الطريق العام، أو إغراء الناس بالفساد كراقصة في الشارع العام ،أو محلات لبيع أو تأجير أشرطة الفيديو التي تشيع الانحلال الأخلاقي فهذه من حقوق الله تبارك وتعالى التي يجب تعزير فاعليها. ويرى الرملي من فقهاء الشافعية أن حق الله تعالى المالي الذي لا طالب له معين كالكفَّارات والزكاة لا يجوز فيه أيضا، لأنه يشترك مع حد الله تعالى والتعزير إذا كان حقا له سبحانه وتعالى بأن لا طالب معين لهما ، وقد صرَّحَ بعض فقهاء الحنابلة بأنه لايجوز التحكيم في الحدود وغيرها. التحكيم في حد القذف والقصاص: عند الحنفية: آراء فقهاء المذهب الحنفي مختلفة في حد القذف ( وهو عقوبة اتهام الغير بجريمة الزنا بلا بيّنة) والقصاص، فيرى بعضهم جواز التحكيم فيهما، ويرى البعض الآخر عدم جواز التحكيم. وقد عُلل للرأي القائل بجواز التحكيم في القصاص بأن استيفاء حد القذف والقصاص يرجع للمتخاصمين وليس الحاكم هو المتعيّن للاستيفاء كما في الحدود الخالصة لله عز وجل، والقصاص من حقوق الإنسان فيجوز فيه التحكيم قياسا على التحكيم في الأموال. وأمّا الرأي الثاني القائل بأن التحكيم لايجوز في الحدود والقصاص، فقد عُلل له بأن حكم المحكّم حجة فقط في حق اللذين حكماه، وليس حجة في حق غير المحكمين، فيكون في هذا شبهة والقصاص والحدود تُدْرَأ بالشبهات. وأيضا فلأنه لا ولاية لهما على دمهما، ولهذا لا يملكان الإباحة، فلو قال شخص لشخص : اقتلني، فانه لا يصح هذا الأمر الصادر منه، فلا يحل للآخر أن يقتله بناء على هذا الأمر. عند المالكيّة يرى المالكية أن التحكيم لايجوز إلا في قضايا الأموال والجراح، سواء أكانت عمدا أم خطئًا،ولو كانت الجراح عظمًا كقطع اليد أو الرجل،ويرون أن كل الحدود لا يجوز التحكيم فيها، وبناء على هذا فإن حد القذف لا يجوز التحكيم فيه، وقد عللوا لعدم جواز التحكيم في الحدود مطلقا بأنه إذا تعلق بها حق لغير الخصمين، فالحدود حق لله تعالى شرعت للزجر عن اقتراف الجرائم التي تستوجبها. كما يرى المالكيّة أن التحكيم لا يجوز في القصاص، وعللوا لهذا بنفس التعليل الذي عللوا به في جانب الحدود، وهو أن الحق في القصاص لله تعالى، لأن القصاص إنما شرع للزجر عن الاعتداء على حياة الإنسان. الأمور التي لايجوز التحكيم فيها عند المالكية: عدّها بعض فقهاء المالكيّة سبعة أمور لايجوز التحكيم فيها، معللين ذلك بأن هذه الأمور لها قدر عظيم، فوجب أن يحتاط في شأنها، فلا يحكم فيها إلا من ولته الدولة ولاية عامة، والذي تُوليه الدولة ولاية عامة لا يكون ذلك إلا بعد التعرُّف على صفاته وقدراته التي تقتضي ذلك، ويكون في الأغلب مأمونا أمره، أو يكون الحاكم قدمه لمعنى يختص به في ضرورة داعية إليه. وأيضا فلأن هذه الأمور تعلق بها حق لغير الخصمين إمّا لله تعالى، أو للإنسان، فوجب أن يحكم فيها القضاة لا المحكمون، وهذه الأمور السبعة هي:- 1- الحدود:كالجلد والرجم وقطع يد السارق، وغيرها. 2- اللّعان. 3- القتل، وسواء أكان عقوبة للارتداد عن الإسلام أو عن لجريمة قطع الطريق(الحرابة)أو قصاصا في النفس. 4- الولاء. 5- النسب. 6- الطلاق. 7- العتق. وقالوا إنّ هذه الأمور التي تعلق بها حق الله تعالى هي: الحدود والقتل والعتق والطلاق. فالحدود حق لله تعالى لأنها وجبت زجرا عن ارتكاب ما يوجبها والقتل قد يكون عقوبة لردة، أو لجريمة قطع الطريق، وكل هذا حق لله تعالى للتعدي على حرماته. وقالوا إنّ الذي يدلّ على أن الحق في الطلاق لله تعالى أن المطلقة طلاقا بائنا لايجوز إبقاؤها في عصمة مطلقها ولو رضيت بذلك. والذي يدلُّ على أن الحق في العتق لله تعالى أنه لايجوز رد العبد للرق مرة ثانية بعد ما عتق ولو رضي هو بذلك. أمَّا الأمور التي تعلق بها حق الإنسان فهي: اللعان، والولاء، والنسب، فإن الحق في اللعان للولد، لأنه يترتب على اللعان قطع نسبه، والولد غير الخصمين اللذين هما الزوج والزوجة. والحق في الولاء قد يكون لإنسان ٍ غير الخصمين إذا كان النزاع بين المعتق وشخص آخر غير الشخص المعتوق، بأن ادّعى كل منهما أنه أعتقه. والحق في النسب قد يكون لإنسان ٍ غير الخصمين إذا كان النزاع بين الأب ورجل آخر، فالأب ينفي نسب الابن ويقول إن هذا ليس ابني، والرجل الآخر يقول إنه ابنك. ومع أن بعض المالكية عدّ سبعة أمور لايجوز التحكيم فيها، فإن البعض الآخر منهم زاد عدة أمور أخرى هي أيضا عنده من اختصاص القاضي لا الحكم، فلا يجوز عند هذا البعض التحكيم في فسخ الزواج، ولا في إثبات الرشد، أو ضده، وهو السفه (أي عدم إحسان التصرف في الأموال) لشخص من الأشخاص ، ولا يجوز في أمر الغائب مما يتعلق بماله ، وزوجته، وحياته، وموته،ولا يجوز في الحبس، ولا في عقدٍ مما يتعلق بصحته وفساده. وقرر المالكيّة أن كل الأمور التي لا يجوز التحكيم فيها، إذا حدث فيها تحكيم، وكان حكم المحكم صوابا فإنه يمضي، وليس لأحد الخصمين، ولا للقاضي حق نقضه، لأن حكم الحكم عندهم يرفع الخلاف كحكم القاضي، ولكن إذا نفذ الحكم، فإن الحاكم يؤدب المحكَّم، لأنه افتئات على رئيس الدولة- إذا كان حكمه شرعيا – وعلى نوابه، وأمّا إذا حكم ولم ينفذ ما حكم به فلا أدب عليه، كما لو كان قد حكم بقتل، فعُفِيَ عن المحكوم عليه. وبيّن المالكيّة أن الأمور التي تختص برئيس الدولة كالإقطاعات إذا حكم فيها المحكَّم لا ينفذ حكمه. عند الشافعية فالرأي القوي عند الشافعية أنه يجوز التحكيم في القصاص، ويوجد رأي غير قوي عندهم يقول بأن التحكيم لا يجوز إلا فيما دون القصاص، والزواج، ونحوهما كاللعان وحد القذف. عند الحنابلة يرى بعض فقهاء الحنابلة أنه ينفذ حكم المحكَّم في جميع الأحكام إلا في أربعة أشياء: الزواج واللعان والقذف والقصاص، وقال أبوالخطّاب من فقهاء الحنابلة:ظاهر كلام أحمد أنه ينفذ حكمه في هذه الأربعة. وصرّح البهوتي من فقهاء الحنابلة بأن حكمه ينفذ في كل الأمور من مال أو قصاص، أو حدٍّ، أو زواج، أو لعان ٍ ، وغيرها. عند الشيعة الإماميّة يرى الشيعة الإماميّة أن حكم المحكَّم ينفذ في كل الأمور.
بقلم / مصطفى عطية المحامى 2007
http://www.alassy.net/news/?news=187

ابحث عن موضوع