تعديل العقد أثناء تنفيذه


مقدمة :
العقد : لغة " كلمة تفيد الربط بين أطراف الشيء و جمعها و أما بين الكلامين يراد به العهد " . و العقد كمصطلح قانوني هو أهم مصدر من مصادر الالتزام ، و هو توافق إرادتين على إنشاء التزام أو على نقله (1) .
كما يعرف العقد كذلك بأنه : " اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص آخرين ، بمنح أو فعل ، أو عدم فعل شيء ما " (2).
فلكي يكون هناك عقد لا بد من توافق إرادتين لإنشائه ، و لإحداث أثر من الآثار القانونية .
فللشخص المميز إرادة ، و للإرادة أن تبرم ما ترضاه من العقود ، و أن تحدد شكل العقد و مضمونه بما تتفق عليه من شروط ، و هي حرة في تعديله أو إنهائه و هو المقصود بمبدأ "سلطان الإرادة في العقد " (3) .
و قد ازدهر هذا المبدأ في القرنين 17 و 18 حيث أعطي للإرادة الحرية في التعاقد أو الامتناع عن التعاقد، و جعل لإرادة المتعاقدين الحرية في تحديد شكل العقد و مضمونه و في تعديل العقد بعد إبرامه.
إلا أن هذا المبدأ تقلص بظهور التشريعات الاجتماعية التي تحد من هذا المبدأ (4) و حاليا يمكن القول أن الإرادة كافية لإنشاء العقد و أنها حرة في تحديد أثاره و في إنهائه.
و لقد اعترفت الشريعة الإسلامية بدور الإرادة في إنشاء العقد و ترتيب أثاره، إذ أن غالبية العقود تتم فيها بالإيجاب و القبول دون حاجة إلى إجراء أخر، و كل المطلوب في العقد أن تبرز الإرادة في مظهر خارجي كاف لإنتاج أثره (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، مصادر الإلتزام ، المجلد الأول ، منشورات الحلبي الحقوقية ص 149 .
(2) المادة 54 من القانون المدني الجزائري .
(3) عبد الناصر توفبق العطار ، مصادر الإلتزام دار الكتاب الحديث ص 05 .
(4) عبد الناصر توفيق العطار ، المرجع السابق ص 15 .
(5) عادل بسيوني ، مبدأ سلطان الإرادة في الشريعة الإسلامية ، مجلة جامعة القاهرة بالخرطوم ، جامعة القاهرة 1976 ص 189
و قد عبر المشرع الجزائري عن مبدأ سلطان الإرادة بنصه على أن: " العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز نقضه ، و لا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون " (1) .
فقد تعترض العقد أثناء مرحلة التنفيذ صعوبات لم يتوقعها الأطراف تفرض عليهم إعادة النظر فيه للحفاظ على التوازن العقدي.
و أمام هذه الصعوبات و انتشارها في مختلف مجالات القانون الخاص ، و التطور الحاصل في المبادئ القانونية ، لا سيما عدم أخذ مبدأ " العقد شريعة المتعاقدين " على إطلاقه ، مما دفع بالأطراف و المشرع و القاضي إلى البحث عن وسيلة لإعادة تنظيم العقد و ضمان التوازن الاقتصادي له ، و تتمثل هذه الوسيلة في التعديل أثناء مرحلة تنفيذ العقد .
فماذا يقصد بتعديل العقد أثناء تنفيذه ؟ و ما هي الآثار القانونية المترتبة على هذا التعديل ؟ .
و هذا ما سنتناوله في هذه الدراسة وفق الخطة التالية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة 106 من القانون المدني الجزائري .

الفصل الأول : ماهية تعديل العقد

يعتبر تعديل العقد أثناء مرحلة تنفيذه وسيلة من الوسائل الممنوحة للأطراف أصلا و للمشرع استثناء لإعادة تنظيم العقد و ضمان التوازن الإقتصادي له .
و لتعديل العقد سواء كان بإتفاق الأطراف أو بنص القانون آليات و ميكانيزمات يجب مراعاتها .
و لهذا فسنتناول في هذا الفصل مفهوم التعديل في المبحث الأول و صور التعديل في المبحث الثاني .

المبحث الأول : مفهوم التعديل

حتى يتضح مفهوم التعديل لا بد من تعريفه و تحديد شروطه و مبرراته و لهذا فسنتناول في هذا المبحث تعريف التعديل في المطلب الأول و شروط التعديل و مبرراته في المطلب الثاني

المطلب الأول : تعريف التعديل

التعديل لغة ، مصدر عدل و معناه التسوية و التقويم و هو إجراء تغييرات في جوهر الشيء .
أما التعديل كمفهوم قانوني، فهو " إجراء قانوني يتم بمقتضاه تغيير عنصر أو عناصر من العقد، و ذلك بالإنقاص، أو بالإضافة بغية المحافظة على العقد " .
و هو إجراء تغيير جزئي ، و ينصب هذا التغيير على عنصر من عناصر العقد أو بند من بنوده بالحذف أو بالإضافة أو غير ذلك ، دون إزالة العقد أو نقضه (1) .
كما يمكن تعريف التعديل بأنه: " استبدال بعض الشروط في العقد الأصلي بشروط أخرى أكثر مرونة، بغرض مواجهة الصعوبات التي قد تعترض الأطراف، بغية تحقيق الهدف من العقد، و مراعاة مصالح الأطراف " .
و هو استثناء من مبدأ " العقد شريعة التعاقدين " ، و قد أقره المشرع الجزائري في المادة 106 من القانون المدني بنصه : " العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز نقضه ، و لا تعديله إلا باتفاق الطرفين ، أو للأسباب التي يقررها القانون " .
و التعديل كمفهوم قانوني يسعى إلى إبقاء و ديمومة العلاقة التعاقدية، و المحافظة عليها، عكس الفسخ و البطلان اللذان يهدفان إلى إنهاء هذه العلاقة.
و يقتصر التعديل على زيادة، أو إنقاص، أو حذف بعض الشروط في العقد الأصلي، لجعله أكثر مرونة و ملاءمة مع مصالح الأطراف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : أسامة الحموي الشرط الجزائي و سلطة القاضي في تعديله دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي و القانون الطبعة الأولى مطبعة الزرعي دمشق 1997 ص 345 .
و المشرع الجزائري بإقراره لتعديل العقد في المادة 106 من القانون المدني السالفة الذكر ميز بين نوعين من التعديل ، فقد يكون التعديل بإتفاق الأطراف و هو ما يعرف بالتعديل الإتفاقي و قد يكون التعديل من طرف المشرع .
و يهدف التعديل إلى مواجهة الصعوبات الاقتصادية و الاجتماعية الغير متوقعة ، و التي تطرأ أثناء مرحلة تنفيذ العقد ، فتهدد مصالح أحد الأطراف ، كوقوع ظروف استثنائية تؤدي إلى الإخلال بالالتزامات التعاقدية الأصلية . و الحل الوحيد لمواجهة هذه الظروف و المحافظة على العقد من خطر الفسخ هو تعديل العقد و هذا بتعديل أحد عناصره أو شروطه لخلق التوازن فيه من جديد .

المطلب الثاني : شروط التعديل و مبرراته

تختلف شروط و مبررات التعديل باختلاف نوع التعديل و لذلك فسنتناول شروط و مبررات كل من التعديل باتفاق الأطراف و تدخل المشرع لتعديل العقد كما يلي :

الفرع الأول : شروط ومبررات التعديل الإتفاقي

أولا : شروط التعديل الإتفاقي
يقوم تعديل العقد باتفاق الأطراف على أساس أنه ما دام العقد قد انعقد بالتراضي ، فإنه يمكن تعديله بالتراضي (1) ، أي أنه كما ينشأ العقد بالإرادة المشتركة لأطرافه فيمكن تعديله بهذه الإرادة (2) .
و لما كان هذا الاتفاق لا يعدو أن يكون عقدا جديدا ، تطبق عليه القواعد العامة للعقود ، فإن الشروط التي يجب مراعاتها فيه هي نفس الشروط المطلوبة لإبرام عقد جديد (3) ، من رضا ،و محل و سبب ، و احترام قواعد الشكلية في بعض العقود ، فقد ذهبت المحكمة العليا إلى إلزامية ورود التعديل في شكل معين إذا كان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : الدكتور جلال علي العدوي , مصادر الإلتزام , دراسة مقارنة في القانونين المصري و اللبناني ص 238 .
(2) : الدكتور : محمد علي البدوي ، النظرية العامة للإلتزام ، مصادر الإلتزام – الجزء الأول – الطبعة الثانية الجامعة المفتوحة طرابلس 1993 .
(3) : الد سمير عبد السيد تناغو , الد محمد حسين منصور , القانون و الإلتزام ' دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية ص 153 .
العقد الأصلي يتطلبه ، إذ قضت بنقض و إبطال القرار الصادر عن مجلس قضاء الجزائر بتاريخ 7 نوفمبر 1994 ، و الذي يؤيد الحكم الابتدائي الصادر عن محكمة حسين داي في 14 أفريل 1993 ، و القاضي بدفع مبلغ إضافي نظرا لتوسيع الأشغال المتفق عليها في العقد الأصلي ، في حين كان لزاما على المقاول عند توسيع تلك الأشغال في وقت لاحق أن يدرجها كتابة حسب العقد الأصلي ، و من ثم فإن قضاة الموضوع بقضائهم قد خالفوا حكم القانون المنصوص عليه في المادة 561 من القانون المدني الجزائري " إذا أبرم عقد بأجر جزافي على أساس تصميم اتفق عليه مع رب العمل ، فليس للمقاول أن يطالب بأية زيادة في الأجر ،و لو حدث في هذا التصميم تعديلا أو إضافة ... و يجب أن يحصل هذا الاتفاق كتابة إلا إذا كان العقد الأصلي قد اتفق عليه مشافهة... " .
ثانيا : مبرر التعديل الإتفاقي
تتجسد حرية التعديل الإتفاقي في احترام الأطراف لشروطه القانونية باعتباره تصرفا قانونيا ، و ذلك بأن يكون الدافع من التعديل هو المحافظة على العلاقات العقدية و إيجاد التوازن الاقتصادي فيها ، و حماية مصالح الأطراف المشتركة .
و التعديل هو حق مقرر للأطراف (1) ، لا سيما إذا لم تتحقق مصالحهم من إبرام العقد الأصلي .
إذن فمبرر التعديل باتفاق الأطراف هو المصلحة المشتركة للأطراف و المحافظة على العلاقة العقدية، و إيجاد التوازن الاقتصادي فيها. و لهذا فيجب أن تكون هذه المصلحة المراد تحقيقها مشروعة و مشتركة للأطراف.

الفرع الثاني: شروط تدخل المشرع لتعديل العقد و مبرراته

أولا : شروط تدخل المشرع لتعديل العقد
إن تدخل المشرع لتعديل العقد أثناء تنفيذه، و سواء تدخل بطريقة مباشرة و ذلك بنصه صراحة على ذلك، أو بطريقة غير مباشرة عن طريق منحه للقاضي سلطة تقديرية لتعديل العقد، يجب أن يكون بنص صريح.
و من الأمثلة نص المشرع الجزائري في المواد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : المادة 106 من القانون المدني الجزائري
158/1 من ق م ( حالة بيع عقار بغبن يزيد عن الخمس ) ، م 732 /1 ق م ( حالة غبن الشريك في القسمة ) ، م 90 ق م ( الغبن ) ، م 110 ق م ( عقود الإذعان )، م 184 ، 185 ق م ( تعديل الشرط الجزائي ) ، م 107 ق م ( الظروف الطارئة) ، م 119 ، 210 ، 280 ، 281 ، 411 ق م ( الأجل القضائي ) . على جواز تعديل العقد من طرف القاضي إذا توفرت حالة من الحالات المنصوص عليها في هذه المواد ، و للقاضي في هذه الحالة سلطة تقديرية لتعديل العقد إذا طلب منه أحد المتعاقدين أو بصفة أحرى المتعاقد المتضرر ذلك .
أما في حالة نص المشرع صراحة على وجوب التعديل إذا توافرت حالة من الحالات المنصوص عليها قانونا مثل نص المشرع الجزائري في المواد:
439 ق م ( انقضاء شركة التضامن بوفاة أحد الشركاء ) ، م 548 ق م ( إنهاء العارية بموت أحد طرفيها ) ، م 586 ق م ( إنهاء الوكالة بموت أحد طرفيها ) ، م 471 ، 474 ، 509 ق م ( تدخل المشرع في عقد الإيجار ) .... إلخ .
ففي هذه الحالة القاضي ملزم بتعديل العقد إذا رفع الأمر إليه، و ليس له في ذلك سلطة تقديرية.
إذن فالشرط الوحيد لتدخل المشرع لتعديل العقد أثناء مرحلة تنفيذه، هو وجود نص قانوني صريح ينص على جواز التعديل.
ثانيا : مبرر تدخل المشرع لتعديل العقد
تختلف مبررات تدخل المشرع لتعديل العقد بين تدخله للتعديل بنص صريح ، و منحه للقاضي سلطة لتعديل العقد . و لهذا فسوف نتناول أولا مبررات التعديل القانوني، ثم نتناول مبررات التعديل القضائي:
1/ مبررات التعديل القانوني :
تنص المادة 106 من القانون المدني الجزائري على أن العقد شريعة المتعاقدين، و لا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الأطراف، أو للأسباب التي يقررها القانون.
فقد وضع المشرع الجزائري في هذه المادة مبدأ عدم جواز تعديل العقد و أورد عليه استثناءات من بينها تعديل العقد لأسباب يقررها القانون ، و هذا بنصه على تعديل العقد في حالات معينة حفاظا على النظام العام نتيجة للتقلبات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية ، و مهما اختلف النظام العام و سواء كان اقتصاديا أو اجتماعيا ، فإنه يكرس المصلحة العامة على حساب المصلحة الخاصة و ذلك بالسماح للمشرع بإلزام الأطراف عن طريق النظام العام على إدراج اتفاقهم في الإطار الذي حدده ، و في هذا الشأن لا يمكن للأطراف الاتفاق على ما يخالف المصالح العامة للدولة و إلا كانت تصرفاتهم باطلة بطلانا مطلقا .
كما أورد المشرع حماية خاصة لبعض فئات المجتمع لأن حمايتهم تعني بالضرورة تحقيق المصلحة العامة للدولة ، كحماية من شاب رضاه عيبا من عيوب الإرادة ، أو كان قاصرا ، كما أورد المشرع حماية خاصة للعمال ، و هذا من خلال عدة ضمانات منحها لهم ، كتحديد الحد الوطني الأدنى المضمون للأجور ، تحديد المدة القانونية للعمل ، تحديد أوقات الراحة ... ،(1) و قد جاءت هذه الحماية لتحقيق العدالة الاجتماعية أي حماية الطرف الضعيف في مختلف العقود ، كحماية العامل بموجب قانون العمل ، و حماية المستهلك بموجب القانون رقم 02/89 المتعلق بحماية المستهلك (2) ، حيث حدد كيفيات ضمان البضاعة المعروضة للاستهلاك و شروطها .
كما تدخل المشرع لتحديد الأسعار في بعض عقود الخدمات المتعلقة بالأعمال الطبية و المنتجات الصيدلانية (3) ، كما حدد أسعار السلع و المواد و الخدمات ذات الطابع الإستراتيجي ( الضرورية ) . و هذا استثناء للمادة 40/1 من قانون المنافسة التي تركت للأطراف الحرية في تحديد أسعار الخدمات.
و بهذا فإن المشرع بوضعه لمجموعة من الواجبات و الحقوق يكون قد كرس المصلحة العامة و المصالح الخاصة لبعض فئات المجتمع، حتى و إن اقتضى الأمر المساس بقدسية العقد.
2/ مبررات التعديل القضائي
إذا كان العقد شريعة المتعاقدين ، فإنه لا يجوز للقاضي التدخل في تحديد شروطه ما دامت هذه الشروط واضحة و محددة ، إلا أن المشرع قد يرخص له – كلما توفرت الشروط القانونية – بالتدخل لإعادة التوازن الاقتصادي للعقد و القضاء على التجاوزات المرتكبة من أحد طرفيه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : أنظر الملحق
(2) : أنظر الملحق
(3) : أنظر الملحق .
فالقاضي إذن عليه أن يجتهد في حدود سلطاته دون الخروج عن أحكام القانون في أن يحقق في نطاق الممكن العدالة العقدية (1) ، و التي مفادها الإنصاف و العدل كما يتصوره الفرد ، بغض النظر عن أحكام القانون الوضعي .
و للعدالة تأثير في تدخل القاضي لتعديل العقد ، إذ أن توازن المصالح و تعادلها في العقود يقتضي الرجوع إلى مبادئها للإبقاء على كفتي الميزان في حالة التعادل و المساواة حتى مع غموضها و إبهامها ، إلا أن هذا لا يمنع من اتخاذها كمبرر لتدخل القاضي (2) لا سيما و أن العدالة تجد مصدرها في أحكام الفقرة لثانية من المادة الأولى من القانون المدني الجزائري و التي تنص على أنه : " .... إذا لم يوجد نص تشريعي، حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة "
إن العقد في وظيفته الأساسية هو أداة تبادل الأموال و الخدمات، و هو كالالتزامات عموما خاضع لمبدأ العدالة التبادلية (3) ، و لا بد من الحفاظ عليه و توزيع عبء الظرف الطارئ على كلا المتعاقدين ، و ذلك بمنح القاضي سلطة إعادة التوازنات المختلة في العقد بتعديل بعض شروطه أو حتى إلغائها ، و هو في ذلك غير مقيد بحد معين سوى ما تقضي به العدالة ، كما يمكن التأكيد على أن تدخل القاضي وجد لمنع وقوع ضرر لأحد المتعاقدين و العمل على تحقيق العدل فيما بينهما .
فالعدالة بما تمتاز به من مرونة في إعادة التناسب في الالتزامات، تصلح إذن كمبرر لتدخل القاضي لتعديل العقد و رفع الظلم عن الطرف المتضرر.
و عليه فبإمكان القاضي تعديل العقد وفق الشروط القانونية لكل حالة ، و في حالة عدم تحقق تلك الشروط لا يجوز له التدخل و إلا اعتبر متجاوزا لسلطته ، و يكون مبرر القاضي في التدخل غالبا العدالة العقدية بما تفرضه من إعادة التوازن في الالتزامات المتقابلة للمتعاقدين ، وكذا ضمان استقرار المعاملات و تحقيق مصالح الأطراف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:(1) JACK GHUSTEIN mtraité de droit civil, les obligations, les contrats, L.G.D.J : Paris, 1980.
(1) : فاضل خديجة ، تعديل العقد أثناء التنفيذ ، رسالة ماجيستار كلية الحقوق بن عكنون .
(2) : جاك غستان المرجع السابق ص 258 .

المبحث الثاني: صور تعديل العقد

يأخذ تعديل العقد عدة صور تختلف باختلاف نوع التعديل سواء كان باتفاق الأطراف أو بتدخل المشرع ، و لهذا فسوف ندرس صور التعديل بالنسبة لكل نوع من أنواع التعديل ، و سنتناول صور التعديل الإتفاقي في المطلب الأول ، و صور تدخل المشرع لتعديل العقد في المطلب الثاني .

المطلب الأول : صور التعديل الإتفاقي

قد تعترض الأطراف أثناء تنفيذ العقد عدة صعوبات تؤدي إلى اختلال التوازن العقدي ، و تؤثر على استمرارية العقد ، و لهذا فللأطراف طبقا لمبدأ سلطان الإرادة مطلق الحرية لوضع الحلول المناسبة ، التي تسمح بإعادة التوازن للعقد و بقاء العقد و إستمراريته ، و تتمثل هذه الحلول إما في إدراج بنود أثناء إبرام العقد و يطلق عليها البنود التلقائية ، أو إدراج بنود أثناء تنفيذ العقد و يطلق عليها في هذه الحالة البنود الغير تلقائية ، و هذا ما سنتناوله فيما يلي :

الفرع الأول: البنود التلقائية

و هي بنود يلجأ الأطراف إلى إدراجها أثناء إبرام العقد ، إذا توقعوا أنه قد تواجههم صعوبات أثناء مرحلة تنفيذ العقد قد تؤدي إلى اختلال التوازن العقدي أو تهدد استمرارية الرابطة العقدية و بقائها .
و بعبارة أخرى فإن الأطراف قد يدرجون أثناء إبرام العقد بنودا أكثر فعالية لمواجهة الظروف الاقتصادية بصورة عامة، و محاربة انهيار العملة النقدية على وجه الخصوص.
و أهم هذه البنود " بند التقييس " و هو بند يسعى في الغالب إلى حماية العملة النقدية ، و ذلك بتوفير الثقة بين الأطراف ، كما له دور فعال في حماية الاقتصاد الوطني الذي أساسه الثقة ، و الابتعاد عن عدم التوازن العقدي .
و تنصب هذه البنود أساسا على العقود المستمرة أو المؤجلة التنفيذ.
و يعرف بند التقييس بأنه : " البند الذي يغير سعر الدفع بدلالة سعر مرجعي . هذا الرقم الذي يشكل قيمة سلعة أو خدمة " (1) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : Fransois Térré , philippe simler . Yves Lequette droit vivil les obligation p 346
كما يعرف بأنه: " بند لتحديد مبلغ أو ثمن وفق مؤشر متحرك " .
فالتقييس هو مجرد آلية تسمح بالتغيير التلقائي للخدمات أو البضائع بدلالة رقم مرجعي يتم الاتفاق عليه من قبل الأطراف مراعين في ذلك التقلبات الاقتصادية ، و هو الوسيلة الناجعة و الكافية لحماية الأطراف من تدهور القيمة النقدية .
أما إذا أغفل الأطراف إدراج مثل هذه البنود أثناء إبرام العقد ، و طرأت صعوبات أثناء تنفيذه ، فبإمكانهم إدراج بنود أثناء هذه المرحلة يطلق عليها البنود الغير تلقائية ، محاولة منهم الحفاظ على استمرارية العقد ، و هذا ما سنتناوله فيما يلي :

الفرع الثاني: البنود الغير تلقائية

تنصب هذه البنود على العقود المستمرة أو الدورية التي قد تعترضها ظروف غير متوقعة ، و التي غالبا ما تأخذ بعين الاعتبار القوة الملزمة للعقد ، و تغير الظروف (1) .
وتقتصر هذه البنود على تبادل المناقشات و الاقتراحات للوصول إلى اتفاق يخدم مصالح الأطراف، و أهم هذه البنود بنود إعادة التفاوض.
و بنود إعادة التفاوض هي إلزام الأطراف بمناقشة و تبادل الاقتراحات في ظروف حسنة نتيجة لتغيرات خارجية عن إرادتهم و التي اعترضت العقد أثناء تنفيذه ، مما يؤدي إلى إعادة تنظيمه مثل ما يحدث في الاتفاقات الجماعية للعمل (2)
و تفرض بنود إعادة التفاوض على الأطراف الالتزام بالتعاون و ذلك بتقديم كل طرف ما في وسعه لتسهيل التنفيذ للطرف الآخر (3) ، و بالجدية في المناقشات للوصول إلى اتفاق يتماشى و مصالح جميع الأطراف .
و الهدف من بنود إعادة التفاوض هو المحافظة و الإبقاء على العقد دون إلحاق ضرر بأحد المتعاقدين.
و عليه فتبقى البنود التي يدرجها الأطراف في العقد سواء أثناء إبرامه ( البنود التلقائية ) ، أو أثناء تنفيذه ( البنود الغير تلقائية ) ، وسيلة لحماية مصالح الأطراف ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) francois ameli. Droit civil . les obligation . mantchrestien : paris 1997 . p 138
(2) Philippe malaurie . laurent aynes Cours de droit civil, les obligations p 350
(3) Cass soc . 30 mars 1982 .bull civ . 3.1 . n 232
و الحفاظ على استمرارية العقد و تنفيذه .

المطلب الثاني : صور تدخل المشرع لتعديل العقد

إذا كانت وظيفة القاضي في الأصل تقتصر على تفسير العقود و تطبيق أحكامها دون تعديل بنودها ، فإن المشرع يتدخل أحيانا في بعض الحالات لإحداث التوازن في العقود و ذلك نتيجة للتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية التي لم يتوقعها الأطراف و التي قد تؤدي إلى الإخلال بالتوازن العقدي ، و ذلك إما بمنح القاضي سلطة تقديرية لتعديل العقود و هو ما يسمى بالتعديل القضائي أو بالنص صراحة على التعديل في حالات معينة و هو ما يسمى بالتعديل القانوني للعقد.
لهذا فسنتطرق في هذا المطلب إلى التعديل القانوني في الفرع الأول و التعديل القضائي في الفرع الثاني .

الفرع الأول: التعديل القانوني

هناك حالات يتدخل فيها المشرع لينهي العقد أو يعدله رغم إرادة المتعاقدين، و لا يملك القاضي فيها سلطة تقديرية، فلا يحق له إبقاء العقد أو إنهائه.
فقد نص المشرع على إنهاء العقد بوفاة أحد المتعاقدين و من ذلك انقضاء عقد شركة التضامن بوفاة أحد الشركاء ( م 439 من ق م ) ، و إنهاء عقد العارية بموت أحد طرفيها ( 548 من ق م ) ، و انتهاء الوكالة بموت الوكيل أو الموكل ( م 586 من ق م ) ، و نلاحظ أنه بالنظر الدقيق في هذه الحالات فإنها لا تعتبر خروجا في الحقيقة على قاعدة القوة الملزمة للعقد لأن هذه العقود يراعى فيها الاعتبار الشخصي للمتعاقدين .
و في الإيجار كثيرا ما يتدخل المشرع لتحديد الأجرة، كما يتدخل أيضا في تحديد مدة الإيجار ( م 471 ، 474 ، 509 من ق م ) .
و قد أورد المشرع الجزائري مبادئ خاصة لحماية المتعاقدين من تدخله في تنفيذ العقد و أقر في نفس الوقت استثناءات على هذه الحماية :
1/ حماية المتعاقدين من تدخل المشرع
أولا : مبدأ عدم رجعية القوانين
يقصد به أن القانون لا يسري على الوقائع و التصرفات التي تمت في الماضي و التي يحكمها القانون القديم الذي تمت في ظله .
و يعد مبدأ رجعية القوانين من المبادئ التي تقضي بها العدالة ، و التي تلزم لتحقيق الثقة في القانون و الإستقرار في الجماعة ، قفد يتصرف الأطراف تصرفات يعتبرها القانون القائم صحيحة ، و يصدر بعد ذلك قانون جديد يجعل هذه التصرفات باطلة ، فليس من العدل و المنطق أن نؤاخذ الأطراف بما عملوا في الماضي من أعمال مباحة أو أن نبطل تصرفاتهم التي كان يقرها القانون (1) .
و في كثير من الحالات يسكت المشرع عن تنظيم كيفية تطبيق القانون الجديد بالنسبة للأحداث التي بدأت قبل أن يصير نافذا ، و هنا تثور الصعوبة و يتعين على القضاء العمل على حلها ، و بهذا الصدد ظهرت نظريتان :
1 – النظرية التقليدية :
تقوم على أساس التفرقة بين ما سمته بالحق المكتسب و مجرد الأمل، فإذا تعلق الأمر بالمساس بحق مكتسب فإن القانون الجديد يعتبر أنه قد سرى على الماضي إذا مس به ، و بالتالي يمتنع تطبيقه و يظل القانون القديم مطبقا .
أما إذا لم يترتب على تطبيق القانون الجديد سوى الإخلال بمجرد الأمل فإنه يطبق، و لا يعد بذلك قد سرى على الماضي.
و قد وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات ظهرت على أساسها النظرية الحديثة :
2 – النظرية الحديثة :
قامت على أساس التفرقة بين مبدأين ، مبدأ عدم رجعية القانون الجديد من جهة و مبدأ سريانه سريانا مباشرا من جهة أخرى .
و حسب هذه النظرية يقصد بمبدأ عدم الرجعية أن القانون الجديد لا يمس ما تم في ظل القانون القديم من المراكز القانونية التي تكونت أو انقضت ، كما لا يمس ما توفر من عناصر خاصة بتكوين أو انقضاء تلك المراكز ، أو ما رتبته المراكز القانونية من آثار .
و إذا ما انقضى مركز قانوني في ظل القانون القديم فلا يسري عليه القانون الجديد، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : توفيق حسن فرج ، المدخل للعلوم القانونية ( موجز النظرية العامة للقانون و النظرية العامة للعقد )
و إذا توافرت بعض عناصر تكوين أو انقضاء المراكز القانونية دون البعض الآخر فإن القانون الجديد لا يمس ما تم منها فعلا، أما بالنسبة للآثار المترتبة على المراكز القانونية فإن القانون الجديد لا يسري على ما ترتب منها فعلا قبل نفاذه، أما إذا كانت الآثار تستمر وقتا طويلا، فإن القانون الجديد لا يسري على ما تم منها و لكنه يسري على ما لم يتم منها تطبيقا للأثر المباشر (1) .
و قد أوردت النظرية الحديثة استثناءات عديدة على مبدأ عدم رجعية القوانين أهمها:
النص الصريح على الرجعية: فللمشرع أن يضمن القانون نصا يقضي صراحة بسريانه على الماضي.
القوانين التفسيرية: و هذا باعتبار أن هذا النوع من القوانين ما هو إلا تفسير لقوانين سابقة و يعتبر جزء منها، و لهذا فإنها تسري على الأفعال التي تمت قبل صدورها طالما أنه لم يفصل فيها بحكم نهائي.
إلا أن مبدأ عدم رجعية القوانين غير كاف لحماية العقود من القانون الجديد لأن القانون القديم ينتهي بإلغائه، و لهذا فإن مبدأ امتداد سريان القانون القديم هو المبدأ الذي يشكل حماية للمتعاقدين من تدخل المشرع .
ثانيا : مبدأ امتداد سريان القانون القديم
يعتبر هذا المبدأ استثناء من الأثر المباشر أو الفوري للقانون الجديد ، و مفاد هذا المبدأ هو خضوع آثار العقود الجارية لسلطان القانون الذي تم إبرامها في ظله رغم دخول القانون الجديد حيز التنفيذ ، و يهدف هذا المبدأ إلى حماية العقود من القانون الجديد ، فلا يجوز للقانون الجديد أن يعدل أو يضيف أو ينقص من هذه الآثار(2) ،
لأن قانون إبرام العقد هو الذي يحكمه و ذلك احتراما لإرادة الأطراف .
و يكون مجال هذا المبدأ أساسا المراكز العقدية الجارية، و يشترط لذلك أن يتعلق الأمر بعلاقة تعاقدية حقيقية ، و لذلك يخرج عن هذا المبدأ التعاقد الذي يستهدف الدخول في نظام قانوني مثل نظام الزواج (3) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : توفيق حسن فرج ، المرجع السابق ص 139 .
(2) : paul roubier , op cit p 361 , 383 Le droit transitoire, conflits des lois dans le temps
(3) : الدكتور : عبد المجيد زعلاني ، المدخل القانون – النظرية العامة للقانون - لدراسة
أما في إطار العقود الحقيقية فيسيطر هذا المبدأ بشكل مطلق ، بحيث لا تستطيع أن تقف أمامه أحكام القانون الجديد ، و تتمثل الحكمة من المبدأ في تخلف الحكمة من تقرير الأثر المباشر ، فالتماثل في العلاقات التعاقدية غير ممكن في ظل مبدأ حرية
التعاقد مما يسمح بتعدد المراكز و اختلافها .
و فضلا عن ذلك فإن الحفاظ على التوازن العقدي و تحقيق الثقة التي يضعها المتعاقد في العقد تقتضي استمرار سريان القانون القديم .
و يرى الأستاذ روبييه (1) أن أساس امتداد سريان القانون القديم على الآثار الجارية للعقود السابق إبرامها هو مبدأ التنوع و الاختلاف ، و يبقى العقد وسيلة تحقيق التنوع و الاختلاف في العلاقات بين الأفراد ، فالأطراف يتوقعون من إبرام العقد في ظل قانون معين ، و كذا تطبيق الأحكام القانونية على تصرفاتهم تحقيقا لمصالحهم ، لأنه إذا ترتب على القانون الجديد تعديل آثار العقود التي تم تحديدها على أساس الاختيار و التوقع لإختلت الثقة في الوسيلة التي أعطاها القانون للأفراد لتحقيق الاختلاف و التباين في مراكزهم الفردية (2) ، و لأجل هذا وجب على التشريعات الحديثة ألا تمس بحق الاختيار الممنوح للأطراف بغية تحقيق مصالحهم من جهة و استقرار المعاملات من جهة أخرى .
و بالنسبة لعقود القانون الخاص ، يجب التفرقة بين المدة الأصلية لهذه العقود و بين المدة التالية لتجديد هذه العقود تجديدا ضمنيا , و على سبيل المثال فإن عقد الإيجار إذا انقضت مدته و استمر المستأجر مع ذلك ينتفع بالعين المؤجرة دون اعتراض المؤجر ، فإن الإيجار يعتبر قد انعقد بينهما من جديد بطريقة ضمنية بنفس الشروط السابقة ، و يطلق على هذا اصطلاح التجديد الضمني لعقد الإيجار ، و مع ذلك فإن التجديد هو عقد إيجار جديد ، و لذلك فهو يخضع للقانون الذي تم في ظله سواء من حيث شروط انعقاده أو من حيث الآثار التي تترتب عليه ، أما استمرار شروط عقد
الإيجار السابق فهو مقيد بألا تتعارض هذه الشروط مع القواعد الآمرة المقررة في القانون المعمول به وقت حدوث التجديد (3) ، و هذا ما كرسه المشرع الجزائري في المرسوم التشريعي 93/03 المؤرخ في 1 مارس 1993 ، و المتعلق بالنشاط العقاري طبقا لأحكام المادة 20/02 منه . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) :Francois dekeuwes – juris classeur civil art 2 fasc p 18
(2) : سمير عبد السيد تناغو – النظرية العامة للقانون – المرجع السابق ص 968 .
(3) : p roubier – le droit transistoire-op cit p 400
و يبدو أن الأساس الفني لمبدأ امتداد سريان القانون القديم على المراكز العقدية هو أن تطبيق القانون الجديد بأثر مباشر يؤدي إلى نوع من تعديل العقود تعديلا تشريعيا ، و هو ما يعني انقضاء الالتزامات الناشئة عن هذه العقود و ظهور التزامات جديدة (1) .
و إذا كان مبدأ إمتداد سريان القانون القديم يعتبر من المبادئ المؤدية إلى احترام إرادة الأطراف الخاصة أي المؤدية إلى تأكيد مبدأ سلطان الإرادة ، فقد تدعو الحاجة إلى تطبيق مبدأ آخر أسمى من مبدأ سلطان الإرادة و هو العدل ، و قد سبق أن رأينا أن العدل يسمو على الحرية و يعلو على الإرادة .
2/ الاستثناءات الواردة على حماية الأطراف من تدخل المشرع
أولا: مبدأ الأثر المباشر أو الفوري للقانون الجديد
يقصد بمبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد انطباقه على آثار كل الوقائع و المراكز القانونية التي تتحقق في ظله، فضلا عن انطباقه على هذه الوقائع و المراكز ذاتها التي تحدث في ظله، و من مبرراته الأساسية منع ازدواج القانون الذي يحكم المراكز القانونية المتماثلة (2) . و تظهر أهمية تطبيق هذا المبدأ خاصة بالنسبة للمراكز التي هي في طريق التكوين كما تظهر أيضا بالنسبة للمراكز الجارية .
إن تطبيق مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد في مجال العقود لا يمكن الأخذ به على الإطلاق لأن تنظيم العقود يقتضي التنوع و الاختلاف طبقا لمبدأ سلطان الإرادة ، إلا أن تدخل المشرع لتعديل العقد بتطبيق الأثر الفوري أدى إلى اختلاف فقهي حول إمكانية تطبيقه على العقود ، فهناك من يرى تطبيق القانون الجديد بأثر مباشر إذا كان يحتوي على قاعدة آمرة ، فإذا لم يحتو عليها كان هناك مجال لاستمرار القانون القديم (3) ، و هناك من يتمسك بالتفرقة بين القوانين المتعلقة بالنظام القانوني و القوانين المتعلقة بالمراكز العقدية و على رأسهم الفقيه الفرنسي روبييه الذي يؤكد أن التشريعات المتعلقة بنظام العقود لا يكون لها أثر على العقود الجارية (4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : سمير عبد السيد تناعو _النظرية العامة للقانون –المرجع السابق ص 699
(2) : الدكتور : عبد المجيد زعلاني – المدخل لدراسة القانون – النظرية العامة للقانونالمرجع السابق ص 103 .
(3) : الدكتور: توفيق حسن فرج ، المرجع السابق ص 142 .
(4) : paul roubier op cit p 361
فبالنسبة للتشريعات المتعلقة بنظام العقود يسري القانون الجديد بأثر مباشر على العقود الجارية ، أما بالنسبة للمراكز العقدية فيستمر القانون الذي أبرم العقد في ظله في السريان ، و ذلك حفاظا على استقرار المعاملات بين الأفراد مما يؤدي إلى رفض الأثر الفوري على المراكز العقدية .
ثانيا : الأثر الرجعي للنص الجديد لتعديل العقد
بالرجوع إلى مبدأ عدم رجعية القوانين باعتباره مبدأ قانونيا عاديا فإنه يقيد القاضي و لا يقيد إرادة المشرع في التدخل لتعديل العقود، و ذلك بالنص صراحة على سريان القانون الجديد بأثر رجعي على العقود القائمة في ظل قانون معين.
حيث يمكن لضرورات معينة أن ينص المشرع صراحة في قانون جديد بأن هذا القانون يطبق بصفة رجعية (1) , و هذا هو الشأن مثلا بالنسبة للقانون المدني الذي صدر في سبتمبر 1975 ، و امتد تطبيقه على الماضي ابتداء من 5 جويلية 1975 محاولة من المشرع لتغطية الفراغ التشريعي الذي تركه إلغاء القانون الذي مدد بمقتضاه العمل بالقانون الفرنسي في الجزائر و هو قانون 31 ديسمبر 1962 .
و قد الأستاذ بن شنب (2) " بأن تدخل المشرع لتعديل العقد يأتي لتقدير بند غير مكتوب بأثر رجعي " ، و يراد من ذلك أن المشرع لما يتدخل لتعديل عقد فهو بالضرورة يلجأ إلى إعادة كتابة شروط غير مكتوبة و إدراجها في العقد و ذلك بالنص صراحة على رجعيتها فيما يتعلق بآثارها بمقتضى القانون الجديد ، و هذا ما كرسته المحكمة العليا في قرارها (3) حيث اعتبرت أن قرار إلغاء تأميم أرض مشاعة صادر في 3/5/1977 يكون له أثر رجعي مؤداه إبطال كل التصرفات الواردة على الأرض المؤممة أثناء فترة التأميم ، و يترتب عنه رجوع الأطراف إلى حالة الشيوع التي كانوا عليها من قبل .
و يرى الأستاذ روبييه أنه إذا لم ينص المشرع صراحة على رجعية القوانين فلا يجوز للقاضي تطبيقه على الماضي و بالتالي المساس بالمراكز القانونية و الحقوق المكتسبة (4) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : الدكتور : عبد المجيد زعلاني المرجع السابق ص 102 .
(2) : alt ben cheneb theorie generale du contrat o.p.u alger 1982 p 83
(3) : المحكمة العليا – الغرفة المدنية – قرار صادر بتاريخ 30/03/1983 ملف رقم 27927 المجلة القضائية العدد2 ص 42
(4) : paul roubier op cit p 224 .
و إن إقرار الأثر الرجعي تقتضيه ضرورة تفوق ضرورة الاستقرار في المعاملات عندما يتطلب الصالح العام الرجوع إلى الماضي (1) ، و عليه فإذا كان القانون الجديد يسري بأثر رجعي في تعديل العقود التي تم إبرامها و ترتيب آثارها في ظل القانون القديم بما يتماشى و توقعات و مصالح الأطراف الخاصة ، فإن حلول إرادة المشرع محل إرادة الأطراف مهما تنوعت الدوافع ، اعتبر انتهاكا صارخا للقوة الملزمة للعقد و ظلما للأطراف بإبعاد تصرفاتهم .
و لهذا فيجب على المشرع التقيد بمبدأ عدم رجعية القوانين و لا يتدخل إلا عند الضرورة القصوى و اتخاذ الحيطة و العدل معايير لتدخله .

الفرع الثاني : التعديل القضائي

إن الأصل هو احترام القاضي لقانون العقد ، فلا يمكن له أن يحل محل إرادة الأطراف في تعديله لما في ذلك من مساس بمبدأ القوة الملزمة للعقد ، فوظيفة القاضي في الأصل تقتصر على تفسير العقود و تطبيق أحكامها دون تعديل بنودها (2) ، إلا أنه استثناء من هذا المبدأ رخص المشرع الجزائري للقاضي تعديل العقد نتيجة لوجود ظروف قد تؤدي إلى إلحاق خسارة بأحد المتعاقدين أو ضرر فاحش ، و كذا من أجل ضمان مرونة العلاقة التعاقدية و بقائها .
إذن فتدخل القاضي لتعديل العقد يكون في حالات خاصة ، كتعديله للعقد في حالتي الغبن و الاستغلال ، كما يتدخل لتعديل الشروط التعاقدية كتعديل الشرط الجزائي و تعديل عقد الإذعان ، كما يتدخل لإعادة التوازن نتيجة ظرف طارئ لاحق على تكوين العقد وفقا لنظرية الظروف الطارئة و هذا ما سنتناوله بالتفصيل فيما يلي :
أولا : تدخل القاضي لتعديل العقد نتيجة الغبن و الاستغلال
الغبن هو عدم التعادل المادي بين ما يأخذه المتعاقد و ما يعطيه ، أما الاستغلال فإنه لا يكفيه أن يختل التوازن بين الالتزامات المتبادلة وإنما يلزم فضلا عن ذلك أن يستغل أحد الطرفين حالة ضعف يوجد فيها المتعاقد المغبون (3) ، و قد أخذ المشرع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : حسن كيرة المدخل إلى القانون، الطبعة الخامسة، منشأة المعارف: الإسكندرية،1974.ص 346 .
(2) : عبد الحكم فودة ، آثار الظروف الطارئة و القوة القاهرة على الأعمال القانونية ، منشأة المعارف الإسكندرية 1999 ص 110
(3) : توفيق حسن فرج المرجع السابق ص 164 .
الجزائري بفكرة الاستغلال في المادة 91 من القانون المدني مع الإبقاء على بعض الحالات في الغبن بنصوص متفرقة .
ثانيا : تدخل القاضي لتعديل الشروط التعاقدية :
1/ تعديل القاضي للشرط الجزائي :
الشرط الجزائي هو تقدير إتفاقي للتعويض سواء من عدم التنفيذ أو عن التأخير فيه، و يحصل مقدما قبل وقوع الضرر (1) ، و قد نظم المشرع الجزائري أحكامه في المواد 183، 184، 185 من القانون المدني ، و يشترط لاستحقاق الدائن مقدار التعويض المتفق عليه توافر مجموعة من الشروط و هي : الخطأ ، الضرر ، العلاقة السببية ، إعذار المدين بعد فحص القاضي كل شرط على حدى و تأكده من توافر كل الشروط وجب عليه التدخل لتعديل مضمون الشرط الجزائي عن طريق التخفيض إذا كان مبالغا فيه طبقا للمادة 184/2 من القانون المدني ، أو الزيادة فيه إذا ثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما طبقا لأحكام المادة 185 من القانون المدني .
2/ تعديل القاضي لعقود الإذعان :
الأصل أن المتعاقد يملك حرية مناقشة شروط العقد ، حيث تخضع العملية التعاقدية لمبدأ المساومة بين أطراف العقد ، و هذا هو الشأن في جميع العقود ، إلا أنه بعد اتساع دائرة النشاط الإقتصادي و ظهور المشاريع و الشركات الإحتكارية ، أصبح أحد المتعاقدين يستقل غالبا بوضع شروط التعاقد مقدما و بشكل لا يسمح بقبول المناقشة فيها من الطرف الآخر ، حيث يقتصر دور هذا الأخير إما على قبول الصفقة كلها أو رفضها دون أن يكون له الحق في تعديلها ، كما قد يضطر المتعاقد الضعيف إلى هذا القبول لتعلق موضوع التعاقد بمرفق أساسي لا غنى عنه ، و تعرف هذه العقود بعقود الإذعان (2).
يعرف الدكتور : عبد المنعم فرج الصدة عقد الإذعان بأنه : " العقد الذي يسلم فيه مقابل بشروط مفرزة يضعها الموجب و لا يقبل المناقشة فيها و ذلك فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري يكون محل احتكار قانوني أو فعلي ، أو تكون المنافسة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : عبد السلام الترمانيني ص 179 .
(2) : لعشب محفوظ بن حامد ، عقد الإذعان في القانون المدني الجزائري و المقارن ص 26 .
محدودة النطاق في شأنها " (1).
و لما كان أحد طرفي عقد الإذعان يستقل بوضع شروط العقد، فإن هذا النوع من العقود غالبا ما يخضع لتنظيم و رقابة سابقة من جانب المشرع لحماية الطرف الضعيف ، و من أهم مظاهر هذه الحماية تدخل القاضي في تعديل الشروط التعسفية التي قد يشتمل عليها هذا العقد .
ثالثا : تدخل القاضي لتعديل العقد في حالة الظروف الطارئة
تنص المادة 107/3 من القانون المدني على نظرية الظروف الطارئة بقولها : " غير أنه إذا طرأت ظروف استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها و ترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي ، و إن لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف و بعد مراعاة مصلحة الطرفين ، ان يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ، و يقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك " .
فالأصل أن العقد شريعة المتعاقدين و يجب على كل منهما أن ينفذ التزاماته الناشئة منه بأمانة و حسن نية ، غير أنه قد تجد خلال تنفيذ العقد ظروف استثنائية عامة لم تكن متوقعة عند انعقاد العقد ، تجعل تنفيذ التزامات أحد المتعاقدين مرهقا ، يهدده بخسارة فادحة ، فتقتضي العدالة التوازن في التزامات المتعاقدين ، و من هنا نشأت نظرية الظروف الطارئة المستمدة من القانون البولوني و القانون المدني الإيطالي الجديد ، و لم يأخذ بها القانون المدني الفرنسي و لا القضاء العادي هناك ، بينما أخذ بها القضاء الإداري ، و قد نصت عليها القوانين العربية و منها القانون الجزائري .
و يرجع أصل هذه النظرية إلى القانون الكنسي حيث كان الفقهاء الكنسيون يجرمون الغبن في العقود (2)، و لقد عرفت الشريعة الإسلامية من قبل نظرية شبيهة بها سموها نظرية العذر ، و أجازوا فسخ العقد للعذر ، و هكذا أخذ الفقه الإسلامي بنظرية الظروف الطارئة من قبل أن تعرف في الفقه الغربي بأربعة عشر قرنا .
و لكن حتى يتمكن القاضي من تطبيق هذه النظرية طبقا لأحكام المادة 107/3 من القانون المدني يجب توفر مجموعة من الشروط و هي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : عبد المنعم فرج الصدة نظرية العقد في قوانين البلاد العربية ص 120 .
(2) : الدكتور نبيل ابراهيم سعد ، النظرية العامة للإلتزام – الجزء الأول – مصادر الإلتزام في القانون اللبناني و التشريعات العربية ص 263 .
أولا : الشروط التي يجب توفرها في العقد :
الشرط الأول : أن يكون العقد متراخي التنفيذ
حتى يمكن أن تكون الظروف الطارئة سببا لتعديل العقد يجب أن يكون هذا العقد
متراخي التنفيذ ، و مفاد العقد المتراخي التنفيذ أن تكون هناك مدة زمنية بين تاريخ انعقاد العقد و تاريخ نفاذه ، ذلك أنه إذا كان تنفيذ العقد قد تم فور انعقاده فإن الالتزامات التي نشأت عنه تكون قد انقضت بالوفاء ، و بالتالي لا تكون هناك التزامات قائمة يمكن تعديلها ن و ما دام العقد متراخي التنفيذ ، فإنه يستوي بعد ذلك أن يكون من العقود الزمنية التي تمتد بحسب طبيعتها مدة من الزمن ،أو من العقود الفورية التي لا يكون الزمن عنصرا جوهريا فيها و لكن يمكن أن يتدخل لمجرد تأجيل تنفيذها إلى آجال متعاقبة ، بشرط ألا يكون الـتأخير راجعا إلى خطأ المدين .
الشرط الثاني : أن يكون العقد غير احتمالي
لما كانت العقود الاحتمالية تنطوي بطبيعتها على مخاطرة تهدد المتعاقد بخسارة فادحة ، فإن الرأي يتجه إلى عدم جواز تعديلها بسبب الظروف الطارئة (1)، و لكن الواقع أن هذا الرأي محل نظر ، ذلك أنه يشترط لتعديل العقد بسبب الظروف الطارئة أن تكون هذه الظروف غير متوقعة ، مما يؤدي إلى الخسارة الفادحة التي تهدد المدين بسبب هذه الظروف تختلف تماما عن الخسارة التي تترتب على تحقق أحد الاحتمالات المتوقعة التي يتعرض لها من يبرم العقد الاحتمالي ، فإحدى هاتين الخسارتين خسارة غير متوقعة ، بينما الخسارة الأولى خسارة متوقعة ، و إذا كان يجب أن نحمل المتعاقد الخسارة الغير متوقعة لأنه قد قبل تحملها ، فإنه لا يجب أن نحمله الخسارة الغير متوقعة التي لا يمكن القول بأنه قد قبل تحملها .
ثانيا : الشروط التي يجب توافرها في الحادث الطارئ
الشرط الأول : أن يكون الحادث الطارئ عاما ، استثنائيا ، و غير متوقع
حتى يمكن أن يكون الحادث الطارئ سببا لتعديل العقد يجب أن تتوافر فيه الصفات التالية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : الدكتور جلال على العدوي ، مصادر الإلتزام – دراسة مقارنة في القانونين المصري و اللبناني -
1/ يجب أن يكون الحادث الطارئ حادثا عاما : غير قاصر على المدين كالحروب و الزلازل ، و لهذا لا يكون للمدين أن يطالب بتعديل العقد بسبب مرضه أو حريق أمواله ، و لكن لا يلزم لاعتبار الحادث عاما أن يتعرض له كافة أفراد المجتمع ، و إنما يكفي أن يصيب أفراد المجتمع الذين ينتمون إلى طائفة أو إقليم أو مدينة أو حي من الأحياء كما هو الشأن إذا أصاب الزلزال مدينة واحدة من مدن الدولة .
2/ يجب أن يكون الحادث الطارئ حادثا استثنائيا : و يقصد بذلك أن يكون الحادث الطارئ غير عادي أو غير مألوف ، فالزلزال مثلا يعد حادثا استثنائيا إذا وقع في منطقة لا تتعرض له عادة ، بينما لا يعد حادثا استثنائيا إذا وقع في منطقة اعتادت أن تتعرض له ، و لكن لا يلزم أن يكون مجرد وقوع الحادث غير مألوف و إنما يكفي أن تكون الجسامة التي وقع بها غير مألوفة .
3/ يجب أن يكون الحادث الطارئ غير متوقع : فلا يكفي أن يكون المتعاقد نفسه لم يتوقع أن يطرأ الحادث ، و إنما يجب ألا يكون بوسع الرجل العادي أن يتوقع حدوثه ، فمعيار التوقع ليس معيارا شخصيا و إنما معيارا موضوعيا ، و لهذا فإنه لا يجوز للمتعاقد أن يطالب بتعديل العقد بسبب حادث لم يتوقع وقت التعاقد وقوعه ما دام الرجل العادي كان يمكنه توقعه .
الشرط الثاني : أن يلحق الحادث الطارئ خسارة فادحة بالمدين
و هنا يكمن الفرق الأساسي بين القوة القاهرة و نظرية الظروف الطارئة ، فهما و إن كانتا تشتركان في أن الحادث في كل منهما غير متوقع و لا يمكن دفعه ، إلا أنهما تختلفان في أن القوة القاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا فينقضي و ينفسخ العقد بقوة القانون ، أما الحادث الطارئ فيجعل تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين فحسب فلا ينقضي و لكن يتدخل القاضي لتعديله .
و يشترط في الخسارة التي تلحق المدين أن تكون فادحة ، أما الخسارة المألوفة فلا تكفي (1) ، و المعيار في ذلك ليس معيارا شخصيا ينظر فيه إلى شخص المدين ، بل هو معيار موضوعي ينظر فيه إلى الصفقة ذاتها مقيسة بظروف المدين العادي (2) .أما المشرع الجزائري و طبقا للمادة 107/3 من القانون المدني فإنه لم يحدد مقدار الإرهاق ، بل اكتفى بأن تكون الخسارة فادحة أي غير مألوفة و فيها نوع من الظلم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : محمد علي البدوي ، النظرية العامة للإلتزام . المرجع السابق .
(2) : الدكتور نبيل إبراهيم سعد ، النظرية العامة للإلتزام – الجزء الأول . المرجع السابق
للمدين ، و ترك للقاضي سلطة واسعة في تقدير ذلك حسب الظروف المحيطة بالعقد .

الفصل الثاني : آثار تعديل العقد

ينتج عن تعديل العقد سواء كان باتفاق الأطراف أو بتدخل المشرع آثار تختلف باختلاف نوع التعديل فقد يؤدي التعديل الإتفاقي إلى ظهور عقد جديد و انقضاء العقد الأصلي كما قد يبقي على العقد الأصلي رغم تعديل بعض عناصره .
أما في حالة تدخل المشرع لتعديل العقد فتختلف آثار التعديل بين التعديل القانوني و التعديل القضائي .
و لهذا فسنتناول في هذا الفصل دراسة آثار التعديل الإتفاقي في المبحث الأول ثم آثار تدخل المشرع لتعديل العقد في المبحث الثاني

المبحث الأول : آثار التعديل الإتفاقي

إذا كان التعديل إجراء وقائي يحمي العقد من مخاطر الفسخ و عدم التنفيذ ، فإن حرية الأطراف في تغيير عناصر العقد الأصلي سواء بالزيادة أو الإنقاص أو الحذف يترتب عليها تغيير في مضمون العقد ، و من ثم في فئته القانونية مما يدفعنا إلى التساؤل عن مصير العقد الأصلي ، فهل تستمر الرابطة العقدية الأصلية أو تنقضي و يظهر عقد جديد ؟ و هذا ما سنتناوله فيما يلي :

المطلب الأول : استمرارية الرابطة العقدية الأصلية

قد ترد على عناصر العقد تغييرات إلا أنها لا تؤثر في جوهره و ذلك في حالة عدم المساس بعناصره الجوهرية ، و يقصد بالعناصر الجوهرية للعقد ، الشروط العامة التي يجب توافرها لصحة العقد ، و التي لا يتم العقد بدونها ، و مثال ذلك الثمن في عقد البيع .
فإذا طرأ تعديل على العقد و لم يمس هذا التعديل أحد هذه العناصر أو الشروط ، فتبقى الرابطة العقدية قائمة و مستمرة ، و مثال ذلك إبرام عقد بيع يحدد فيه الشيء المبيع ، و بعدها يتفق الأطراف على تغيير الشيء المبيع و لكن دون تعديل الثمن المتفق عليه من قبل ، ففي هذه الحالة يبقى العقد الأصلي قائما بين الأطراف لأن مضمون العقد لم يعدل ، و لم تتغير بذلك طبيعة العقد الأصلي .
و عليه فإن عدم تعرض مضمون العقد للتغيير أو التعديل يترتب عليه بقاء العقد الأصلي كما تم اشتراطه من قبل ، أما إذا أحدث أحد الأطراف تغييرا في مضمون العقد فنكون أمام انقضاء العقد الأصلي و ظهور عقد جديد ، و هذا ما سنتناوله فيما بلي :

المطلب الثاني: ظهور عقد جديد

إذا أحدث الأطراف تغييرا في مضمون العقد كأن يعدلوا في محل وسب العقد ، و أدى هذا التعديل إلى التغيير في الطبيعة القانونية للعقد ، كإلغاء بدلات الإيجار في عقد الإيجار ، فيؤدي هذا إلى ظهور عقد جديد و هو قرض في المثال السابق (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : Cass , soc 7 juillet 1988 , bull civ , 7 , 2 , n 435 .
و عليه فإن التعديلات التي تؤدي إلى تغيير التكييف القانوني للعقد ينشأ عنها عقد جديد ، أما الحالات الأخرى فغالبا ما يكيفها القضاء الفرنسي بالتجديد .
أما المشرع الجزائري فإنه يشترط لقيام التجديد توافر الشروط التالية: وجود التزام قديم، نشوء التزام جديد ، نية التجديد .
و هذا طبقا لأحكام المادتين 278 ، 289 / 1 من القانون المدني .
فالتكييف القانوني يؤدي إلى تحديد طبيعة العقد و الفئة القانونية التي يخضع لها و النظام القانوني الذي يطبق عليه (1) .
و عليه فإن النظام القانوني للعقد المعدل يشمل العناصر المتفق عليها في العقد الأصلي ، إضافة إلى العناصر الجديدة التي تم إدخالها بموجب التعديل (2) .
إذن فالتغيير في عناصر العقد الأصلي إذا كان يؤدي إلى تغيير التكييف القانوني للعقد فإنه يؤدي إلى ظهور فئة جديدة من العقود و انقضاء العقد الأصلي ، أما التغيير الذي لا يمس الطبيعة القانونية للعقد فإنه يؤدي إلى استمرار العقد الأصلي كما سبق بيانه .

المبحث الثاني: آثار تدخل المشرع لتعديل العقد

سنتناول في هذا المبحث دراسة آثار كل من التعديل القانوني و التعديل القضائي كما يلي :

المطلب الأول : آثار التعديل القانوني

اتخذ المشرع عدة طرق لتعديل العقد حماية للمصلحة العامة و لإعادة التوازن العقدي ،و ينتج عن هذا التعديل عدة آثار أهمها تعديل مدة العقد و تعديل قيمة الأداءات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : Gabril Mary , Pierre Raynaud , droit civil , les obligations , tom 2 1er volum , sirey :paris 1962 pp 197 , 198 .
(2) : Alavi Ghozi La modification de l'obligation par la volonté des parties, étude de droit civil français p 241 .

الفرع الأول : تعديل مدة العقد

يتّخذ هذا المظهر من التّعديل القانوني عدّة أشكال : فقد يكون بتمديد مركز تعاقدي وصل إلى الانتهاء، أو بإنقاص مدّة العقد.
أولاً : الامتداد القانوني للعقود
و بمقتضاه يتدخل المشرع في تنفيذ العقد بإلزام الأطراف بالاستمرار في العلاقة التعاقدية إلى ما بعد المدّة المتّفق عليها في العقد الأصلي، أي أنّ المشرع يمدّد المركز التعاقدي، و بمقتضاه يبقى الأطراف ملتزمين بالتزاماتهم بقوة القانون(1)، إلاّ أنّ هذا الامتداد يتّسع كثيرًا في عقود الإيجار.
1/ الإيجارات ذات الاستعمال السكني
و يتدخّل المشرع في هذه الحالة لحماية المستأجرين (الشاغلين) و أسرهم، باعتبار حماية العائلة من النّظام العام، ومراعاة اعتبارات اجتماعية منها أزمة السّكن و الانفجار الديمغرافي (2).
و ذلك بإقراره حق البقاء في الأمكنة طبقا لأحكام المّادة 514 من القانون المدني الجزائري، إلاّ أنّنا بالرّجـوع إلى المرسـوم التّـشريعي 93/03 المؤرخ في 01 مارس 1993 و المتعلّق بالنشاط العقاري(3)، حيث نصّت المادّة 20 منه على إلغاء حق البقاء في الأمكنة في عقود الإيجار ذات الاستعمال السكني المبرمة بعد تاريخ صدور هذا المرسوم التشريعي.
إلا أن نصي المادتين 509، 514 من التقنين المدني الجزائري يبقيان ساريا المفعول على العقود التّي تمّ إبرامها قبل صدور المرسوم التشريعي 93/03، و لتطبيق أحكام المادة 514 من التقنين المدني الجزائري وجب توفر مجموعة من الشروط أهمها :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ALFRED RIEG ( Effet obligatoire des conventions , contrats et obligations ) juris classeur civil art 1025 – 1135 p 18 .
(2) farouk tidjani , le maintien dans les lieus dans le contrat de bail en droit vivil algerien mèmoir de magistère universitè d'alger 1988
(3) : مرسوم ملحق .
- أن يكون الشّاغلون للأمكنة حسني النيّة مهما كان تاريخ إنشاء العقـار.
- أن يكون عقد الإيجار الأصلي صحيحًا.
و حيث لا يمكن التمسّك بحق البقاء، إلاّ إذا تم انقضاء عقد الإيجار، و هذا ما كرّسته المحكمة العليا في قرارها(1)، « بأنّ للشاغل بحسن النيّة للأمكنة المعدّة للسكن أو المهن و المنتفع بها عن طريق الإيجار، أن يتمسّك بحق البقاء في الأمكنة دون اللّجوء إلى أيّ إجراءٍ حسب مقتضيات شروط العقد الأصلي، ما لم تكن مخالفة لنصوص القانون، فإنّ للمستأجر المنتهية مدّة عقد إيجاره صفة الشّاغل بحسن النيّة للأمكنة و يستفيد من حقّ المكوث و البقاء فيها دون اللّجوء إلى أيّ إجراءٍ آخر »، أي أنّ العلاقة الايجارية تبقى مستقلّة عن عقد الإيجــار بعد انقضائه، و تستمرّ بقوّة القانون و هذا ما يُعرف بالامتداد القانوني للعقود، دون حاجة إلى موافقة المؤجر، و لكي يضع الـمؤجر نهاية لعقد الإيجار، وجب عليه أن يقوم بتنبيه المستأجر، و بالتّالي الابتعاد عن التجديد الضمني.
و رغم التشابه بين التجديد الضّمني و الامتداد القانوني، إلاّ أنّ وجه الاختلاف يكمن في أنّ المشرع قد تكفل ببيان شروط العقد الجديد، في الإيجار الضمني، فهو يعتبر معقودًا بشروط العقد الأصلي، و لكن لمدّة غير معيّنة طبقا لأحكام المادة 1509/1 من التقنين المدني الجزائري.
أمّا في الامتداد القانوني (حق البقاء) فتختفي إرادة المتعاقدين، لتحلّ محلّها إرادة المشرع و ينجم عنه استمرار العلاقة العقدية الأصلية، أي بمقتضاه يفرض المشرع استمرار العقد الأصلي رغم انقضائه بانتهاء أجله و رغم غياب إرادة الأطراف و ذلك حماية لفئة المستأجرين، فينشأ عن الامتداد القانوني لعقد الإيجار علاقة مادّية مصدرها القانون و تخضع للقواعد التّي تنظم عقد الإيجار الأصلي. فلا يمكن الاستناد على العقد كمصدر للامتداد القانوني لعقد الإيجار، لأنه لا وجود له بانتهاء أجله، و لأجل ذلك لا يمكن التمسّك بحق البقاء في الأمكنة كمستأجر، و إنما كشاغل، لأنّ مصطلح مستأجر ينتهي بانتهاء العلاقة العقدية لأنّ مصدر حق البقاء هو القانون (2)، فالمستأجر يستمد صفته كمستأجر من عقد الإيجار، و بالتالي لا يمكن له التمسك بها للبقاء في الأمكنة لانتهاء عقد الإيجار، و بالتالي تنتقل صفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : المجلة القضائية العدد 2 سنة 1989 قرار صادر بتاريخ 22/11/1986 ملف رقم 41671 ص 165 قرار ملحق
(2) : فاضل حبشي المرجع السابق ص 131 .
المستأجر إلى صفة شاغل الأمكنة و ذلك على أساس أن مصدر حق البقاء هو القانون.
إلاّ أنّ المشرع الجزائري بموجب المرسوم التشريعي 03-93 قد ألغى المواد 271،472، 509، و كذلك المواد من 514 إلى 537 من الأمر رقم 58-75 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 على العقود المبرمة بعد صدور المرسوم التشريعي المذكور أعلاه، حيث أصبح لا يضمن حق البقاء للمستأجر، الذي غالبا ما سعى إلى حمايته اجتماعيا كطرف ضعيف من جشع المؤجر، و ذلك للتغير في توجه السياسة التشريعية للدولة بما تقتضيه من تشجيع للاستثمار في النشاط العقاري و ما اقتضته التحولات الاقتصادية بالانتقال إلى اقتصاد السوق.
كما أن تراجع المشرع في تدخله في حياة العقد، وترك المبادرة لإرادة الأطراف، بغية الوصول إلى أهداف معينة في المرحلة الانتقالية، أدى إلى جلب المستثمرين، و إنعاش الاقتصاد الوطني، لأن حماية المشرع في مرحلة معينة لفئة الشاغلين للأمكنة كان يشكل عائقا لفئة المؤجرين، و أدى أيضاً بهم إلى الإحجام عن الإيجار، و بالتالي التقليص في النشاط العقاري. الذي دفع بالمشرع الجزائري إلى التفطن، و ترك الحرية الكاملة للأطراف في إدراج الشروط التي تتناسب مع مصالحهم، و تؤدي إلى التقليص من مبادرات تدخل المشرع لحماية مصالح الفئات الخاصة.
2/ الإيجارات ذات الاستعمال التجاري
لم يكتف المشرع بتمديد عقود الإيجار ذات الاستعمال السّكني، بل تدخّل أيضا بتمديد عقود الإيجار ذات الاستعمال التّجاري، و ذلك من أجل تكريس استقرار المعاملات التجارية، و المحافظة على دعمها لا سيما و أنها أداة لمراقبة الاقتصاد الوطني و حمايته.
لقد خول المشرع الجزائري للمستأجرين في المواد التّجارية حقّ التمسك بالتجديد، إلا أن المشرع الجزائري و بموجب التعديلات التي جاء بها في القانون رقم 05/02 المؤرخ في 06/02/2005 المعدل و المتمم للأمر رقم 75/59 المؤرخ في 26/09/1975 المتضمن القانون التجاري قد ألغى حق التمسك بالتجديد إلا أن أحكام القانون رقم 75/59 تبقى سارية المفعول على عقود الإيجار المبرمة قبل صدور القانون رقم 05/02 الذي كرس حق المؤجرين في التمسك بالتجديد بشرط أن يكونوا قد استغلوا ذلك المتجر مدّة سنتين متتابعتين وفقا لإيجار واحد أو إيجارات متتالية شفاهية كانت أو كتابية، و هذا طبقا لأحكام المادة 1/172 من التقنين التجاري ، كما أنّه يجب على المستأجر في حالة رغبته في تجديد إيجاره أن يتقدّم بطلبه إمّا في مدّة ستّة أشهر، تكون سابقة عند انتهاء الإيجار، أو عند الاقتضاء في كل وقت أثناء تجديده، و يكون تبليغ التّجديد المؤجر بعقد غير قضائي طبقا لأحكام المادة 174 من التقنين التجاري.
كما أنّ للمؤجر الحق في رفض تجديد الإيجار دون أن يلزم بسداد أيّ تعويض إذا ما كان هناك سبب خطير و مشروع تجاه المستأجر المخلي، كأن يثبت وجود هدم كامل أو جزئي للعمارة لعدم صلاحيتها للسّكن المعترف به من السلطة الإدارية طبقا لأحكام المادة 177 من التقنين التجاري الجزائري و هذا ما كرّسته المحكمة العليـا في قرارهـا (1) ، » حيث أن النزاع نشأ بين طرفيه إثر قيام المطعون ضدها باعتبارها مالكة لعمارة كائن بها الأصل التجاري المتنازع عليه بتوجيه تنبيه بالإخلاء، رفضت بمقتضاه تجديــد الإيجــار و التمست طرد الطعن الذي كان اشترى الأصل التجاري من المستفيدين به، وهذا بعد قيامهما بتغيير نشاطه من حانة إلى محل تجاري لبيع الأحذية، و قد حكم لها بذلك من قضاة الموضوع الذين أسسوا قرارهم على تغيير تخصيص الأماكن متجاهلين بذلك أن بيع الأصل التجاري وهو معد لبيع الأحذية و الملابس كان قد أعلن في الجرائد وفي المركز الوطني للسجل التجاري ودون أن تعترض المالكة- المطعون ضدها- على هذا البيع مما يدل أنه لم يلحقها أي ضرر، فإن إنشاء تجارة من قبل المستأجر و الحالة هذه لا يعد تغيير في التخصيص و لا يمكن أن تتضرر منه مالكة العمارة، ولذلك فإنه كان على المجلس القضائي أن يأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات، ثم يقرر هل أنها تكون سبباً خطيراً، يبرر رفض تجديد العقد بدون تعويض، و متى أهمل ذلك استوجب نقض و إبطال القرار المطعون فيه تأسيساً على الوجه المثار من الطاعن بمخالفة أحكام هذا المبدأ ..« .
إلاّ أنه و استثناءً على الحالات المنصوص عليها في المّادة 177 من التقنين التجاري، فإنّه في حالة رفض المؤجر تجديد الإيجار فإنّه يجب عليه أن يسدد للمستأجر المخلي التعويض الاستحقاقي و الذي يجب أن يكون مساويًا للضّرر المسبّب نتيجة عدم التجديد.
و يتضمّن هذا التعويضّ طبقًا لأحكام المّادة 176 من التقنين التجاري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : المجلة القضائية العدد 3 لسنة 1989 قرار صادر بتاريخ 13 جويلية 1985.
الجزائري القيمة التجارية للمحل التّجاري الّتي تحدد وفقا لعرف المهنة مع ما قد يضاف إليه من مصاريف عادية للنّقل، و إعادة التّركيب، و كذلك مصاريف و حقوق التحويل الواجب تسديدها لمحل تجاري من نفس القيمة. و هذا ما كرّسته المحكمة العليا في قراريها(1)، » حيث أنه من المقرر قانوناً لمؤجر المحل التجاري أن يرفض تجديد العقد مقابل تعويض بالاستحقاق يعرضه على المستأجر، فإنه ليس لقضاء الموضوع سوى الاستجابة هذا الطلب و القضاء له بذلك إذا ما تأكدوا من صحة انتهاء مدة العقد و صحة التنبيه بالإخلاء و إلا تعرض قرارهم للنقض « و من أجل حماية حقّ التجديد، و حتّى لا يتعسّف المؤجر فإنّ المشرع قيد رفض التجديد بمجموعة من الشروط أهمّها التّعويض الاستحقاقي، بما يناسب القيمة التجارية.
إلاّ أنّه يعفى من هذا القيد إذا ما تحقّقت الشّروط القانونية المنصوص عليها في أحكام المادّة 177 من التقنين التجاري.
إلا أن المادة 187 مكرر من قانون 05/02 قد أنهت العمل بأحكام المادة 176 من القانون التجاري بالنسبة لعقود الإيجار التجاري الرسمية المبرمة بعد نشر هذا القانون و لا سيما فيما يتعلق بحصول المستأجر على تعويض استحقاقي مقابل إخلاء المحل التجاري و أصبح بالتالي من حق المؤجر استرجاع محله دون الإلتزام بدفع مبلغ التعويض الإستحقاقي إلى المستأجر بإنتهاء الأجل المحدد للعقد إلا إذا اشترط الأطراف في عقد الإيجار خلاف ذلك فهنا تطبق قاعدة العقد شريعة المتعاقدين .
و عليه يبقى الامتداد القانوني مجرّد تقنيّة يستخدمها المشرع لتعديل العقد، و ذلك من أجل تنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم، و استقرارها، و حماية الطرف الضعيف في العقد. كما لاحظنا تراجع دور المشرع في هذا المجال بإلغاء حق البقاء في الإيجارات ذات الاستعمال السكني.و إلغاء حق المستأجر في التمسك بالتجديد و التعويض الإستحقاقي في الإيجارات ذات الإستعمال التجاري .
ثانيًا : إنقاص المدة
مفاد إنقاص المدة هو أن يتدخّل المشرع بوضع حدّ أو نهاية للعقد قبل انتهاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : المجلة القضائية العدد 1 لسنة 1989 قرارصادر بتاريخ 2 نوفمبر 1985 ملف رقم 37887.
المدّة المحدّدة في العقـد، و هذا ما يطلق عليه بالإنهاء المسبق للمركز التعاقدي.
و قد لجأ المشرع الفرنسي إلى اتّخاذ مثل هذه التدابير لمواجهة صعوبات قد تعترض العقود أثناء تنفيذها، و أهمّ هذه القوانين قانون 06 جويلية 1989 ،الّذي يسمح طبقا لأحكام المادة 11 منه للأطراف بإبرام عقد لمدّة دنيا تقدر بثلاث سنوات، لكن على الأقل مدّة سنة كلّما تعلّق بحادث معيّن يبرر بأنّ المؤجر شخص طبيعي يستردّ العين المؤجرة لأسباب مهنيّة أو عائلية .
كما لاحظنا أنّ المشرع الجزائري قد يلتجئ إلى إنقاص مدّة العمل في عقد العمل، كما فعل بإنقاصها من 44 ساعة إلى 40 ساعة، طبقا لأحـكام المادة 02 من الأمر 03-97 المؤرخ في 11 يناير 1997، و المتعلق بالمدة القانونية للعمل، ذلك من أجل السّهر على حماية وصحة و سلامة العامل بما يتماشى و حق الإنسان في الراحة.
و عليه فإنّ تعديل مدّة العقد مهما اختلفت الطرق التي يلجأ إليها المشرع سواء بتمديد العقد، أو انقاصه، فإنّها تسعى كلها إلى تجسيد بقاء و استمرار العلاقة العقدية، رغم الابتعاد عن إرادة الأطراف، و حلول إرادة المشرع محلها فهو يعمل بالضرورة على حماية فئة من المجتمع و استقرار المعاملات، و لكن هل التعديل القانوني للعقد يقتصر فقط على مدة العقد، أم يشمل أمورًا أخرى ؟ و هذا ما سوف نجيب عليه في الفرع الثاني.

الفرع الثاني : تعديل قيمة الإلتزامات

يتدخل المشرع في هذه الحالة عن طريق تحديد قيمة الالتزامات، و الّتي يسعى من خلالها إلى إيجاد التوازن العقدي كلّما كان إخلال اقتصادي بالعقد، نتيجة لظروف خارجة عن إرادة الأطراف، و بما أنّ المشرع الحديث أصبح يهتم كثيرًا بضمان العدالة العقدية بين الأطراف، و ذلك بوضعه حدودًا قصوى أو حدودًا دنيا للأسعـــار و الأجور، بقصد حماية الاقتصاد الوطني من جهة، و مصالح الفئات الخاصّة من جهة أخرى، و يستند المشرع في مختلف العقود على آليات منها الحد الأدنى للأجر المضمون في عقد العمل،و كذا الحد الأقصى بالنّسبة لأجرة الإيجار، و هذا ما سوف نعالجه في النقاط الآتية :
1/ الحد الأدنى للأجر المضمون
فإذا كان الحدّ الأدنى للأجر المضمون يشكل ضمانًا للعامل، فإنّه في الوقت نفسه يشكل وسيلة في يد المشرع ليتدخّل بمقتضاها كلّما اقتضت تقلّبات اقتصادية و اجتماعية ذلك.
فالمشرع لما يتدخّل بتحديد الحد الأدنى يهدف من وراء ذلك إلى ضمان أجر يكفل للعامل و لأسرته معيشة لائقة، مراعيا في ذلك التغيّرات التي تطرأ على تكاليف المعيشة أي مراعاة الحاجة الحقيقية للعامل و حاجات أفراد عائلته، في الحدّ الأدنى للأجر المضمون، كما أن دورية تعديل الحد الأدنى للأجـور تعمل على الاحتـفاظ بالمستوى الحقـيقي للأجور، و ضمان الحفاظ على الحد الاجتماعي المناسب. و بدأ يتجسد تدخل المشرع بوضع حدّ أدنى للأجور في مختلف الدول، و بصورة واضحة في أعقاب الحرب العالمية الثانية(1) .
أي أن تدخّل المشرع لتعديل الحد الأدنى للأجور يكون بصفة دورية و مستمرّة، كلّما اقتضت القدرة الشرائية للعامل ذلك، و كذا نتيجة لتقلبات المستوى العام للأسعار، و ذلك بغية المحافظة على الدخل الاجتماعي للأسر، كما أنّه لا يجوز لأرباب العمل، الاتفاق على أجر أقل من الحد الأدنى للأجر المضمون، لأنّه يعتبر غير مشروع، و لكن ليس هناك ما يمنع من زيادة في الحد الأدنى للأجر.
قد عمل المشرع الجزائري على تحديد الحد الأدنى للأجر المضمون بـ 12000 دج بموجب المرسوم الرئاسي 06/394 المؤرخ في 12نوفمبر2006 ، مراعيا في ذلك القدرة الشرائية للعامل، و كذا ارتفاع المستوى العام للأسعار، و الّذي يؤثر تأثيرًا غير مباشر على الدّخل الفردي.
2/ الحد الأقصى للأجرة.
بالرجوع إلى القواعد العامة فإن المشرع الجزائري، ترك للمؤجر و المستأجر الحريّة الكاملة في تعيين بدلات الإيجار (ثمن الإيجار)، و في حالة النّزاع بين الطرفين فقد خول المشرع للقاضي سلطة التعديل، مراعيا في ذلك أثناء تقديره سعر الإيجار، التّعريفات الرّسمية و الأسعار الجارية في المحلاّت المماثلة في تاريخ البناء، و وضعيته، و حالة العمارة، طبقًا لأحكام المادّة 471 من التقنين المدني الجزائري الفقرة الأخيرة منها، هذا فيما يتعلق بالعقود المبرمة قبل صدور المرسوم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): محمد سالم عطية ، الحد الأدنى للأجور كتاب العمل العدد130 ديسمبر 1974 ص 6 ,11 .
التشريعي، و هي تلزم القاضي أثناء تقديره لسعر الإيجار بمراعاة أسس التعديل، و المتمثلة غالبًا في التعريفات الرّسميّة، و الأسعار الجارية في المحلات المماثلة في تاريخ البناء و وضعية و حالة العمارة. و لكن العقود المبرمة بعد صدور المرسوم التشريعي تخضع لحريّة الأطراف .
بالرجوع إلى المرسوم التنفيذي رقم 507-97 المؤرخ في 29 ديسمبر 1997(1) و الذي يتعلق بإيجار الـمساكن التّابـعة لأملاك دواوين التّـرقية و التسيير العقاري، و المستعملة لأغراض تجارية أو مهنية، حيث تترك المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 35-96 المؤرخ في 15 يناير1996(2)حريّة التفاوض بين الأطراف طبقا لأحكام التقنين المدني و التّجاري الجزائريين، إذ هناك معايير واضحة لتحديد بدلات الإيجار المنصوص عليها في المادة 190 من التقنين التجاري.
و الحرية التي منحها المشرع الجزائري للأطراف لتحديد مقدار الأجرة، قد تمّ تقييدها في بعض التشريعات لعدة اعتبارات.
فالمشرع الكويتي يحدّ من السّلطة الكاملة للملاك في زيادة الأجرة، إذْ لا يجوز للملاّك أن يُطالبوا بزيادة الأجرة إلاّ بعد مضي 5 سنوات على العقد، و من دون أن تتعدّى تلك الزّيادة نسبة المائة في المائة من الأجرة السائدة، (المواد 4 و 11 من القانون رقم 35 لسنة 1978 ) ، مما يترتب عليه أن حرية الملاّك مقيّدة في زيادة الأجرة، و بالتالي الحد من الارتفاع في بدلات الأجرة .
أمّا القيد الثاني يتمثل في أنّ المشرع الكويتي عمل على عدم إطلاق يد المؤجرين في الإخلاء،أي منع الإخلاّء التعسفي، و عمل على توفير نوع من الحماية للمستأجرين، و ذلك بتحديد الحالات التي يجوز فيها للمــلاّك طلب الإخلاء، و ذلك بتقرير المهــل و التعويضات المستحقة للمستأجرين في بعض الحالات، (المادة 20 من القانون رقم 35 لسنة 1978)، أي أنّها تؤدّي إلى حدّ لجوء الملاّك إلى طلب ذلك بسبب تعقيد الإجراءات و حصر الأسباب المبرّرة للإخلاء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : مرسوم ملحق .
(2) : مرسوم ملحق .
أما المشرع المصري فقد اكتفى بتحديد الحد الأقصى لأجرة الأماكن على أساس تاريخ إنشاء المكان. أمّا الشّرط الثاني فيتمثل في قيمة أجرة الوحدة في المكان المؤجر، كما وضع جزاء مدنيا و جنائيا لمخالفة الحد الأقصى للأجرة .
و يريد المشرع من وضع حد أقصى للأجرة حماية فئة المستأجرين، رغم تخليه عن هذه السياسة التشريعية، و ترك المبادرات للأطراف، و ذلك باتخاذ جميع التدابير اللازمة للاتفاق وتبيان كيفيات تعديل سعر الإيجار.
و عليه فإن المشرع يتدخل لتعديل العقد كلما اقتضت ذلك اعتبارات الصالح العام، عن طريق تشريعات حديثة تتماشى و مقتضيات المجتمعات، و ذلك لتفادي الاضطرابات الاجتماعية و الاقتصادية الناجمة عن ظروف غير متوقعة، و يتخذ تدخل المشرع عدة صور، سواء تعلق الأمر بتعديل مدة العقد، أو تعديل قيمة الأداءات ،فكلها تسعى إلى إيجاد التوازن الاقتصادي للعقد و هذا ما يهدف إليه التعديل.

المطلب الثاني : آثار التعديل القضائي

تختلف آثار تعديل القاضي للعقد حسب الحالة التي دفعت القاضي لهذا التعديل وقد سبق أن أشرنا في الفصل السابق إلى الحالات التي يتدخل فيها القاضي لتعديل العقد و سنتناول في هذا المطلب آثار التعديل بالنسبة لكل حالة :

الفرع الأول : في حالة الغبن و الإستغلال

إن التزامات المتعاقدين و إن لم تكن متساوية تماما في كل الأحوال ، إلا أنه لابد أن يكون هناك تناسب بينها ، فإذا ما اختل التوازن بالشكل الذي يجعل العلاقة التعاقدية غير متوازنة، و كان هذا الاختلال ناتجا عن استغلال أحد المتعاقدين للآخر لما غلب عليه من طيش أو هوى جاز للقاضي أن يتدخل بطلب من المتعاقد المستغل في العقد بإبطاله أو إنقاص التزاماته (1) .
فإذا اختار المتعاقد المغبون دعوى الإبطال و تأكد لدى القاضي تحقق الاستغلال ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : المادة 9/1 من القانون المدني الجزائري .
له أن يقضي بالبطلان دون الزيادة في الالتزامات لأن مبادئ التقاضي تقيده بأن لا يحكم بأكثر مما يطلبه الخصوم ، و لكن يجوز له أن يقضي بأقل منها ، و يعتبر إنقاص التزام المتعاقد المغبون أقل درجة من إبطال العقد ، لذا فالاختيار في هذه الحالة بين إبطال العقد أو إنقاص الالتزام أمر يدخل ضمن السلطة التقديرية للقاضي حسب ما تقتضيه ظروف و ملابسات القضية ، فقد يحكم بالإبطال إذا كان أحسن وسيلة لرفع الغبن و قد يكتفي بإنقاص التزامات المتعاقد المغبون و بقاء العقد إذا كان ذلك كافيا لرفع لغبن و لا رقابة عليه من المحكمة العليا لأن الأمر يتعلق بمسألة وقائع لا مسألة قانون (1) .
كما أنه طبقا للمادة 90/3 من القانون المدني يجوز للطرف الآخر أن يتوقى دعوى الإبطال و ذلك بالزيادة في مقدار التزامات الطرف المستغل عوض الإنقاص من التزامات المتعاقد المغبون أو إبطال العقد ، و تعد الزيادة في هذه الحالة أمرا إراديا يتم برضا المتعاقد و إرادته ، و يلزم القاضي بهذا الطلب إذا كانت الزيادة التي يعرضها كافية لرفع الغبن ، إلا أنه يتمتع فيما يخص تقديرها بسلطة واسعة معتمدا في ذلك على العدالة العقدية فقط (2) ، و عليه فسواء قام القاضي بإنقاص التزامات المتعاقد المغبون أو قام بزيادة التزامات الطرف المستغل فإن الهدف من ذلك هو رفع التفاوت الفاحش بين الالتزامات و تحقيق المساواة بين الأطراف .

الفرع الثاني : في حالة الشروط التعاقدية

أولا : الشرط الجزائي :
يمكن للقاضي تعديل الشرط الجزائي بوسيلتين إما تخفيضه إذا كان مبالغا فيه أو الزيادة فيه إذا ثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما .
1 – تخفيض الشرط الجزائي :
يمارس القاضي سلطته في تخفيض الشرط الجزائي في حالتين : أولاهما إذا نفذ المدين الإلتزام الأصلي في جزء منه و الثانية إذا أثبت المدين أن تقدير التعويض في الشرط الجزائي كان مبالغا فيه إلى درجة كبيرة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : بلحاج العربي ، النظرية العامة للإلتزام في القانون المدني الجزائري - الجزء الأول - بدون طبعة ، ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون الجزائر 1999 ص 45 .
(2) : علي فيلالي الإلتزامات ، النظرية العامة للعقد ، طبعة 2005 ص 163 .
1/ تنفيذ الإلتزام الأصلي في جزء منه :
يوضع الشرط الجزائي عادة لحالة عدم قيام المدين بتنفيذ إلتزامه أصلا ، فإذا كان المدين قد قام بتنفيذ جزء من التزامه فإن القاضي يكون قد احترم إرادة المتعاقدين إذا خفض الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ المدين من التزامه ، و يعتبر الأساس هو المبلغ المقدر في الشرط الجزائي ، فيخفض هذا المبلغ إلى النسبة التي تتفق مع الجزء الباقي دون تنفيذ من الإلتزام الأصلي ، و يقع عبء إثبات التنفيذ الجزئي على المدين .
و قد يتفق الطرفان على استحقاق الشرط الجزائي إذا لم ينفذ المدين الإلتزام الأصلي تنفبذا سليما ، سواء كان ذلك بأن لم ينفذه أصلا أو نفذه تنفيذا معيبا ، و في هذه الحالة يستحق الشرط الجزائي كله إذا كان هناك عيب في التنفيذ نزولا على اتفاق الطرفين ، و لكن إذا كان هذا العيب غير جسيم بحيث يكون الشرط الجزائي كتعويض عنه مبالغا فيه إلى درجة كبيرة ، جاز للقاضي تخفيض الشرط الجزائي إلى الحد المناسب كما سنرى (1) .
2/ تخفيض الشرط الجزائي بسبب المبالغة الكبيرة في تقديره :
يتضح من خلال المادة 184/2 من القانون المدني الجزائري أنه في حالة ما إذا تبين للقاضي أن قيمة التعويض المتفق عليه فيها مبالغة كبيرة تتجاوز الضرر الذي يمكن أن يقع ، فللقاضي سلطة في تخفيض قيمة التعويض إلى الحد المعقول بالرغم من إن الأصل أن الشرط الجزائي إتفاق و القانون يحترم إرادة المتعاقدين فيما اتفقا عليه ، و لا يمكن للقاضي أن يتدخل لتعديل الشرط الجزائي المتفق عليه إلا إذا كان مبالغا فيه أو مفرطا كما يسميه القانون الجزائري ، و يلاحظ على النص الجزائري بصدد هذه الحالة أنه اكتفى بتحديد حالات تدخل القاضي دون أن يرشده بكيفية تقدير المبالغة و طرق تخفيضها .
و نظرا لعدم وضع المشرع ضابطا و نسبة يمكن على ضوئها تحديد المقدار المبالغ فقد أدى ذلك إلى اختلاف الفقه في تحديد المبالغة ، و بصفة عامة يمكن تعريفها بعدم التناسب الكبير بين المبلغ المتفق عليه و الضرر الذي وقع بسبب عدم التنفيذ بحيث يترتب على ذلك نوع من المضاربة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : الدكتور : عبد الرزاق السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني – الجزء الثاني -
و ينبغي أن يمارس القاضي سلطته في تعديل الشرط الجزائي بحذر و بطريقة استثنائية في حالة ما إذا كان الشرط الجزائي مجحفا بالمدين ، و عبء الإثبات يقع على عاتق المدين إذ يتعين عليه أن يثبت أن تقدير التعويض كان مبالغا فيه إلى درجة مفرطة ، فإذا ما أثبت المدين ذلك يقوم القاضي بتخفيض التعويض إلى الحد المعقول أي إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر .
و للقاضي في هذا الصدد سلطة تقديرية واسعة فيما يقرره أو ينفيه من المبالغة في التعويض المشروط أو فيما يراه حدا مناسبا لتخفيضه ، و لا رقابة عليه في ذلك من طرف المحكمة العليا .
يتضح مما تقدم أنه إذا كانت للقاضي سلطة في تعديل مبلغ التعويض الإتفاقي فإنه لا يجوز له أن يزيد في هذا المبلغ المحدد بالشرط أو أن يخفض منه إلا في حدود الضرر الذي أصاب الدائن من جراء عدم تنفيذ الإلتزام (1) ، لأن المشرع الجزائري قد ربط بين الشرط الجزائي و الضرر و أجاز للمدين نفي وقوع الضرر ليتخلص من الشرط الجزائي كلية (2) ، كما أجاز تخفيض مبلغ التعويض إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر (3) ، و الهدف في الحالتين هو حماية المدين لذلك جعل هذين الحكمين من النظام العام و لا يجوز الإتفاق على مخالفتهما .
2 ـ زيادة الشرط الجزائي :
تنصّ المادّة 185 من التقنين المدني الجزائري « إذا جاوز الضّرر قيمة التعويض المحدّد في الاتفاق، فلا يجوز للدّائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة، إلاّ إذا أثبت أنّ المدين قد ارتكب غشًا أو خطأ جسيمًا ».
فالمشرع الجزائري قد حرم على القاضي التدخّل من أجل الزّيادة في الشّرط الجزائي بصفة مبدئية، إلاّ أنّه و استثناء على ذلك، قد خوّل له رخصة الزّيادة في حالة ما إذا توفرت العناصر التالية : أن يلحق بالدّائن ضرر أكبر من التعويض المتفق عليه، و أنّ يكون هذا الضرر ناتجا عن الخطأ الجسيم للمدين، أو عن غشّه.
لكي يستفيد الدائن من أحكام الزّيادة المنصوص عليها في المادّة 185 من التقنين المدني الجزائري، وجب عليه أن يثبت أنّ المدين قد ارتكب غشًّا أو خطأ جسيما، و ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : علي علي سليمانالنظرية العامة للإلتزام ، مصادر الإلتزام في القانون المدني الجزائري ص 184 .
(2) : المادة 184/1 من القانون المدني .
(3) : المادة 184/2 من القانون المدني .
أنّ الضّرر اللاّحق بالدّائن أكبر بكثير من قيمة مقدار التعويض المتّفق عليه.
ففي هذه الحالة يجوز للقاضي التدخّل لتعديل الشّرط الجزائي عن طريق الزيـــادة، و يسعى القاضي إلى زيادة مقدار التّعويض حتّى يتساوى مع الضّرر الوّاقع(1)، فالقاضي في هذه الحالة يبحث عن النيّة الحسنة أو سوئها، و سوء النيّة واجب الإثبات و يقع عبؤها على الدّائن، لأنّه ملزم بإثبات أنّ المدين قد تعمد عدم تنفيذ التزامه، ففي هذه الحالة جاز للقاضي زيادة مقدار التّعويض حتى يتساوى مع الضرر اللاحق بالدّائن من جهة، و تطبيق القواعد العامّة المتعلقة بالتعويض من جهة أخرى.
و بالتّالي فالحكم للدّائن بالتّعويض الإضافي أساسه الغش و الخطأ الجسيم، لأنّ الطّرفان لم يتوقّعا ذلك في الاتفاق، و لهذا فالدّائن يطالب بالتّعويض غير المتوقّع، و مصدره الضّرر النّاجم عن غش المدين، و خطئــه الجسيم، و كذا التّعويض المتوقّع ومصدره الشرط الجزائي. وعليه للدائن الحق في المطالبة بالتعويض و يكون أساسه غش المدين و خطؤه الجسيم و كذا الشرط الجزائي، ففي الأوّلى نكون أمام تعويض غير متوقع، أما الحالة الثانية فأمام تعويض متوقع.
وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى اعتبار" أن المدين الذي يرتكب غش وخطأ جسيم عن قصد وذلك بأن يرفض تنفيذ التزاماته العقدية حتى وإن كان هذا الرفض لا يتعلق بقصد الإضرار بالمتعاقد الآخر وعليه يحكم بزيادة مقدار التعويض عن التعويض المتفق عليه في الشرط الجزائي" .
كما أنّه لا يجوز للمدين اشتراط الإعفاء، أو التّخفيف من مسؤوليّته بالتّعويض في حالتي ارتكاب غش أو خطأ جسيمًا، لأنّ هذا الاشتراط لو وضع لكان مشجّعا على ارتكاب الغش و دون خشية من الجزاء و هذا ما يخالف النّظام العام، لأنّ السماح بهذا الاشتراط يشكل في حد ذاته خرقا للقانون، و بالتالي لا تصبح للشرط الجزائي أي قيمة قانونية و لا فعالية و بالتالي لا جدوى من إدراجه في العقد.
أمّا إذا كان الشّرط الجزائي أقلّ من الضّرر الواقع، ففي هذه الحالة لا يقوم القاضي بزيّادة مقدار التّعويض لمساواته مع الضّرر اللاّحق، بل يحكم به كما هو، و يكون الشّرط الجزائي في هذه الحالة بمثابة تخفيف أو إعفاء من مسؤوليّته، و الإعفاء جائز في المسؤولية العقدية طبقًا لأحكام المادّة 2/178 من التقنين المدني الجزائري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : عبدالمنعم البدراوي النظرية العامة للالتزامات ،دراسة مقارنة في قانون الموجبــات و العقود القانون اللبناني و القانون المدني المصري ، أحكام الالتزام ص 97 ، 98 .
كما أنّه لا يمكن للقاضي زيادة مقدار التّعويض ليتساوى مع الضّرر اللاّحق بالدّائن، لأنّ تخفيف المسؤولية الناتج عن الغشّ أو الخطأ الجسيم من الأشخاص الذين يستخدمهم المدين جائز طبقًا للمادّة 2/178 من التقنين المدني الجزائري.
و عليه فللقاضي سلطة تقديرية واسعة في البحث عن حسن النيّة و سوئها، و له الحريّة الكاملة في رفض طلب الدّائن الرّامي إلى الزّيادة في مقدار التعويض، إذا ما تبيّن له أنّ المدين كان على حسن نيّة، و نكون أمام حالة الزيادة إذا ما تبيّن للقاضي أن المدين سيئ النيّة.
و يظهر تدخل القاضي لتعديل العقد بمناسبة نظرية الظروف الطارئة عن طريق إنقاص الالتزام المرهق إلى الحد المعقول بصفة مبدئية طبقا لأحكام المادة 3/107 من التقنين المدني الجزائري، إلاّ أنه و استثناءً نص على زيادة قدر الالتزام المقابل، و فسخ العقد طبقا لأحكام المادة 561 من التقنين المدني على الرغم من تعارض الفسخ مع الهدف الأساسي للتعديل.
إلاّ أننا نفضل استخدام وسيلة وقف التنفيذ بما قد توفره من حماية للطرفين، أما إذا لم تحقق لهم ضمانات فلا جدوى من اللجوء إليها، أي جعلها وسيلة اختيارية للأطراف و لهم حق التمسك بها أمام القاضي.
أما بالنسبة للوسائل التي يستخدمها القاضي لتعديل الشرط الجزائي، فهو يلجأ إما إلى تخفيضه إذا كان مفرطًا أي أن يكون التعويض المتفق عليه مبالغًا فيه طبقا لأحكـام المادة 2/184 من التقنين المدني الجزائري، و للقاضي سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال بالاعتماد على عدة عناصر، و نكون أمام وسيلة التخفيض إذا تم تنفيذ الالتزام جزئيا، و كذا في حالة اتفاق الأطراف على التنفيذ الجزئي. كما يمكن له اللجوء إلى زيادة الشرط الجزائي إذا ما تبين له أن المدين قد ارتكب غشًا أو خطأ جسيمًا طبقا لأحكام المادة 185 من التقنين المدني، إلاّ أننا لاحظنا أن المشرع الجزائري قصر سلطة زيادة الشرط الجزائي على حالة غش المدين و خطئه الجسيم، فيكون بذلك قد قصر الحماية على المدين دون الدائن، ففي حالة ارتكاب المدين مثلا لخطأ يسير و نجم عنه ضرر فادح، فلا تعويض للدائن عن هذا الضرر، و نكون أمام اللاعدالة، عكس ما تهدف إليه دراستنا من القيمة العملية للتعديل، و لهذا وجب على المشرع الجزائري إعادة النظر في المادة 185 من التقنين المدني ، فيكون القاضي أحيانا ملزمًا بإعادة التوازن العقدي، كلما توفرت الشروط القانونية لتدخله، و كلما اقتضت العدالة من إنصاف الطرف المتضرر بما يحقق استقرار المعاملات بين الأفراد.
ثانيا : عقود الإذعان
و لما كان أحد طرفي عقد الإذعان يستقل بوضع شروط العقد، فإن هذا النوع من العقود غالبا ما يخضع لتنظيم و رقابة سابقة من جانب المشرع لحماية الطرف الضعيف ، و من أهم مظاهر هذه الحماية تدخل القاضي في تعديل الشروط التعسفية التي قد يشتمل عليها هذا العقد .
لقد منح المشرع الجزائري للقاضي سلطة تعديل عقد الإذعان طبقا لنص المادة 110 من القانون المدني و التي تنص على أنه :" إذا تم العقد بطريقة الإذعان ، و كان قد تضمن شروطا تعسفية ، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها ، و ذلك وفقا لما تقتضي به العدالة ... " ، فهذا النص أعطى للقاضي سلطة لتعديل عقد الإذعان إذا تبين له أنه يشتمل على شرط تعسفي و ذلك بإزالة هذا الشرط ، بل و له أيضا أن يعفي الطرف المذعن منه في حدود ما تقتضيه العدالة ، و بذلك يصبح هذا النص أداة فعالة يستطيع القاضي من خلالها أن يحمي الطرف المذعن من الشروط التعسفية التي يفرضها عليه المحتكر القانوني أو الفعلي للسلعة أو الخدمة ، و تقدير ما إذا كان الشرط تعسفيا أو مسألة وقائع يتبين منها القاضي في ضوء الظروف ، مدى ما في الشرط من جور و شدة ، و لا يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على سلب القاضي هذه السلطة ، لأن مثل هذا الإتفاق يكون باطلا لمخالفته للنظام العام .
ثانيا : سلطة القاضي في تعديل العقد في حالة الظروف الطارئة
متى توافرت الشروط السابق جاز للقاضي تبعا للظروف و بعد مراعاة مصلحة الطرفين أن يرد الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول ، و يقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك (1) ، و بذلك أعطى القانون للقاضي سلطات تجاوز مهمته التقليدية و هي تفسير العقد و سمح له أن يعدل فيه.
فقد يكتفي بوقف تنفيذ العقد إذا توقع زوال الظرف الطارئ بعد مدة معقولة، و أن الوقف لا بسبب ضررا جسيما للدائن (2) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : المادة 107/3 من القانون المدني الجزائري .
(2) : المادة 281/2 من القانون المدني الجزائري .
و قد يحكم بتعديل العقد، و ذلك بتوزيع الخسارة غير المألوفة بين الطرفين ن فللقاضي أن يزيد في الالتزام المقابل للالتزام المرهق مثل رفع الثمن الذي يدفعه المشتري إذا زادت الأسعار بصورة غير مألوفة ، أما الزيادة المألوفة فيتحملها المدين .
و قد يرى القاضي إنقاص الالتزام المرهق إما من حيث الكم ب،قاص ما يورده المدين أو من حيث الكيف بأن يلزمه بتوريد صنف أقل جودة ، و قد يجمع القاضي بين هذه الحلول جميعا تبعا لتقديره .
إن سلطة القاضي في تعديل العقد بسبب الظروف الطارئة ليست مطلقة بل مقيدة بالظروف المحيطة بالقضية ، فالقاضي مثلا ملزم باللجوء إلى وسيلة وقف تنفيذ العقد بدلا من الزيادة في الالتزامات المتقابلة أو الإنقاص فيها إذا تبين له من الظروف أن الحادث الاستثنائي مؤقت و قريب الزوال ، كما يتقيد أيضا بضرورة الموازنة بين مصلحة المتعاقدين ، إذ يجب عليه أثناء قيامه بتوزيع عبء الظرف الطارئ بين التعاقدين توقي الدقة بهدف تحقيق العدالة العقدية ، و هذا ما تضمنته المادة 107/3 من القانون المدني الجزائري السالفة الذكر ، فعلى القاضي إذن الابتعاد عن كل ظلم يسببه لأحد المتعاقدين ، لأن وظيفته طبقا لهذه النظرية تقتصر على تحقيق التوازن العادل لطرفي العقد .
الخاتمة
لقيام العقد يجب توافر إرادتين أو أكثر قصد إحداث أثر قانوني معين ، فالإرادة إذن هي جوهره و أساسه ، إذ يمكنها أن تنشئ ما تشاء من العقود .
إن الإرادة باعتبارها مصدرا منشئا للالتزامات التعاقدية يظهر دورها بوضوح في إبرام العقد و تحديد أثاره.
إلا أنه لا يمكن اعتبار القوة الملزمة للعقد استنادا لمبدأ العقد شريعة التعاقدين قاعدة مطلقة، لأنها تكون في بعض الحالات عرضة لإعادة النظر فيها أثناء تنفيذ العقد حماية للطرف الضعيف في العقد.
إذ أن مسألة حماية إرادة الطرف الضعيف في العقد ، و التي شكلت موضع اهتمام كل التشريعات جعلت المشرع الجزائري يتدخل بنصوص آمرة في مضمون العقد قصد إعادة التوازن ، و لم يكتف في هذا المجال بالقواعد العامة للقانون المدني التي أصبحت قاصرة عن تحقيق هذا التوازن ، بل تدخل بإصدار قوانين خاصة كما هو الحال في إصداره لقانون 89/02 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك ، و مجموعة المراسيم و الأوامر التي تخدم هذا الأخير .
إضافة إلى ذلك فقد أقر المشرع الجزائري مبدأ القوة الملزمة للعقد في نص المادة 106 من القانون المدني ، بما يوحي أنه أطلق دور الإرادة في تنفيذ العقود التي تبرمها ، إلا أنه أورد على ذلك قيودا مختلفة و ذلك بمنح القاضي السلطة التقديرية في تعديله حسب الحالة المعروضة عليه كلما توفرت شروطها القانونية ، و جعل اتفاق الأطراف على خلاف ذلك من النظام العام .
كما منح للأطراف مطلق الحرية في تعديل ما اتفقوا عليه إذا توافقت إرادتاهما على ذلك .
إن ما تم التوصل إليه من نتائج على ضوء هذا البحث هو :
أن الإرادة هي جوهر و أساس العلاقات التعاقدية لما لها من دور في إنشاء العقد و تحديد الالتزامات المترتبة عنه، و كذا القيام بالتعديلات المناسبة لتغيير مضمونه.
أن مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ليس مبدأ مطلقا بل له استثناءات تتمثل في تعديل العقد باتفاق الأطراف و تعديل العقد بنص القانون .
بالنسبة لتعديل العقد باتفاق الأطراف فكما ينشأ العقد بإرادة الأطراف يمكن تعديله بهذه الإرادة ، إلا أن هناك حالات يمكن فيها تعديل العقد بإرادة منفردة و هي الحالات المحددة على سبيل الحصر قانونا .
بالنسبة لتعديل العقد بنص القانون، فقد يكون وجوبي و هذا في حالة التعديل القانوني و قد يكون جوازي و هذا في التعديل القضائي، أي أنه يجوز للقاضي تعديل العقد في الحالات المحددة قانونا إذا توفرت شروطها.
يشترط في التعديل بنص القانون أن يكون هناك نص صريح على ذلك، أما التعديل القانوني فيشترط فيه توفر الشروط العامة لإبرام العقد: الرضا ، المحل ، السبب ، و الشكلية في بعض العقود .
ينتج عن التعديل عدة آثار فقد يؤدي التعديل الإتفاقي إلى استمرار العقد الأصلي و قد يؤدي إلى انقضاءه و ظهور عقد جديد . أما التعديل القانوني فيكون بعدة طرق أهمها تعديل مدة العقد و تعديل قيمة الإلتزامات ، أما التعديل القضائي فقد يؤدي إلى إنقاص الإلتزام المرهق أو توزيع الخسارة على الطرفين ، أو وقف تنفيذ العقد مؤقتا ...
إن أخطأنا فبأخطائنا تستهدون
كما استهدينا بأخطاء غيرنا
و إن وفقنا فما توفيقنا إلا
بالله .

ابحث عن موضوع