بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المعاملات المالية المعاصرة

  

دروس في : 



المعاملات المالية المعاصرة 




من إلقاء الشيخ
خـالــــد بن علي المشيقـح
من دروس الدورة العلمية بمسجد الراجحي ببريدة عام 1424هـ 



بسم اللَّه الرحمن الرحيم
إن الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. 
وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. 
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علماً ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد . 
وبعد : فهذه دروس في بعض المعاملات المالية المعاصرة التي كثر تعامل الناس بها في هذا الزمن، وقد تكون هذه المعاملات من المعاملات المستجدة وقد تكون غير مستجدة بل تكلم عليها العلماء رحمهم اللَّه في الزمن السابق، لكن كثر تعامل الناس بها كما يتعلق ببيع التقسيط ونحوه. 
وقبل الشروع في بيان هذه المعاملات سنذكر تعريفاً مختصراً للمعاملات المعاصرة ثم نذكر الضوابط التي أخذها العلماء للمعاملات المالية، لأن طالب العلم إذا فهم هذه الضوابط فإنه يستطيع أن يعرف حكم هذه المعاملات غالباً.
ة : 
المعاملات في اللغة : جمع معاملة وهي مأخوذة من العمل وهو لفظ عام في كل فعل يقصده المكلف. 
وأما في الاصطلاح : فهي الأحكام الشرعية المتعلقة بأمور الدنيا كالبيع والشراء والإجارة والرهن وغير ذلك. 
فائدة : 
اعلم أن العلماء رحمهم اللَّه يقسمون الفقه إلى أربعة أقسام : 
1 - عبادات .             
3 - أنكحة . 
2 - معاملات .        
 4 - أحكام الجنايات والقضاء . 
هذا ما عليه أكثر العلماء رحمهم اللَّه . 
وبعض العلماء لا يخصون قسم المعاملات بالمعاملات المالية وإنما يدرجون أحكام الأنكحة بالمعاملات فيجعلون الأقسام ثلاثة : 
1 - عبادات . 
2 - معاملات ولا يخصونها بالمعاملات المالية . 
3 - أحكام الحدود والجنايات . 
وهذا ممن ذهب إليه ابن عابدين الحنفي رحمه اللَّه صاحب حاشية رد المحتار. لكن أكثر العلماء رحمهم اللَّه على تقسيم الفقه إلى الأقسام الأربعة.. 
والمراد بالمعاملات : المعاملات المالية وهي تشمل أمرين: 
1 - أحكام المعاوضات : وهي المعاملات التي يقصد بها العوض من الربح والكسب والتجارة وغير ذلك. وتشمل البيع والإجارة والخيارات والشركات.. وما يلحق بذلك من عقود التوثقات. 
2 - أحكام التبرعات : وهي المعاملات التي يقصد بها الإحسان والإرفاق. مثل الهبة والعطية والوقف والعتق والوصايا وغير ذلك. 
    إذا عرفنا أن المراد بالمعاملات ؛ المعاملات المالية ، فالعلماء يطلقون المال على ثلاثة إطلاقات : 
1 - الأعيان العروض : كالسيارة والبيت والأطعمة والأقمشة وغير ذلك. 
2 - المنافع : كمنفعة السكنى في هذا البيت ومنفعة البيع والشراء في هذا الدكان.. 
3 - العين : ويراد به الذهب والفضة وما يقوم مقامه الآن من الأوراق النقدية مع أن المشهور عند الفقهاء رحمهم اللَّه أنهم يجعلون الأوراق النقدية من قبيل العروض. 
والعلماء رحمهم اللَّه عرفوا المال بتعاريف متقاربة فقالوا : هو كل عين مباحة النفع أو كل ما أبيح نفعه فهو مال إلا ما استثناه الشارع. 
    المعاصرة : مأخوذة في اللغة من العصر ، والعصر يطلق في اللغة على ثلاثة إطلاقات : 
1 - الدهر والحين . 
2 - من عَصَر الشيء إذا ضغطه حتى يحتلب. 
3 - الملجأ ، يقال : اعتصر بالمكان أي التجأ به . 
فيتلخص لنا في تعريف المعاملات المعاصرة أنها : الأحكام الشرعية للمسائل المالية التي ظهرت ووجدت في عصرنا . 

الضابط الأول : الأصل في المعاملات الحل : 
وهذا ما عليه جماهير العلماء رحمهم اللَّه تعالى بل حكي الإجماع على ذلك، لكن هذا الإجماع فيه نظر فإن المشهور عند الظاهرية أنهم يخالفون في ذلك. 
والدليل على هذا الضابط قوله تعالى : )يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود( وهذا يتضمن الإيفاء بكل معاملة وبكل عقد سواء وجدت صورته ولفظه في عهد النَّبِيّ r أو لم توجد صورته ولفظه في عهده r . وكذلك قوله تعالى : )
وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً ( . وهذا مطلق يشمل كل عقد، وكذلك من الأدلة: الآيات التي جاءت بحصر المحرمات كقول اللَّه عز وجل: )
قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً او لحم خنزير فإنه رجس ...( الآية . فيؤخذ من هذا أن ما عدا هذه المحرمات الأصل فيه الإباحة. وكذلك قول الله عز وجل: )
إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم(
وقوله: )
وقد فصل لكم ما حرم عليكم ( . 
ومما يدل على ذلك من السنة ؛ حديث سعد مرفوعاً : " إن أعظم الناس جرماً من سئل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته" . متفق عليه. وهو يدل على أن الأصل في المعاملات والعقود الحل والصحة وعدم التحريم. 
أما عند الظاهرية فالأصل في المعاملات التحريم ولا يباح منها إلا ما وجدت صورته في القرآن أو السنة وما عداه فهو محرم لا يجوز التعامل به. 
واستدلوا على ذلك بنحو قول الله عز وجل : )
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً (
. فقالوا: إن الله عزوجل أكمل الدين فما عدا ما وجد في الكتاب والسنة فالأصل فيه التحريم لقول الله عز وجل: )
ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ( . 
واستدلوا أيضاً بقوله r في حديث عائشة : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل". 
والجواب عن مثله هذه الأدلة سهل ؛ فالمراد بما جاء في حديث عائشة كل شرط ليس في حكم الله ولا في شرعه . والمعاملات التي استجدت فنقول: الأصل فيها الحل بحكم الله وشرعه ، كما تقدم في أدلة الجمهور. 
وأما قوله تعالى : )
ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (
، نقول: المراد بتعدي حدود الله هو تحريم الحلال أو إباحة الحرام. 
وعلى هذا نقول في الضابط الأول: الأصل في المعاملات الحل وهذا باتفاق الأئمة الأربعة وكما سلف أن بعض العلماء حكى الإجماع في ذلك. 
الضابط الثاني : الأصل في الشروط في المعاملات الحل : 
والخلاف في هذا الضابط كالخلاف في الذي قبله. 
فجمهور أهل العلم على أن الأصل في الشروط في المعاملات الحل. فما يشترطه أحد المتعاقدين من الشروط سواء كان شرطاً يقتضيه العقد أو كان شرطاً من مصلحة العقد أو كان شرط وصف أو شرط منفعة – كما سيأتي في تقسيم الشروط إن شاء الله – فالأصل في ذلك الحل. ويدل لذلك قول الله عز وجل : )
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود (
، والأمر بإيفاء العقد يتضمن الأمر بإيفاء أصله ووصفه ومن وصفه الشرط فيه . 
وايضاً قول الله عز وجل : ) وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً (
، وهذا يتضمن الإيفاء بالشروط. 
والمراد بالشروط في العقد هو ما يشترطه أحد العاقدين مما له فيه منفعة، ومحل الشرط في العقد أنه يكون قبل العقد يعني إذا اتفق المتعاقدان على هذا الشرط كأن يشترط البائع أن ينتفع بالمبيع لمدة كذا أو أن المشتري يشترط أن يكون الثمن مؤجلاً .. المهم أن محل الشرط في العقد يكون قبل العقد إذا اتفقا عليه ويكون أيضاً في صلب العقد ويكون أيضاً في زمن الخيارين. 
في صلب العقد كأن يقول : بعتك هذه السيارة بشرط أن أستعملها لمدة يوم أو يومين في زمن الخيارين – خيار المجلس أو خيار الشرط – كما لو باعه السيارة ثم في المجلس قال بشرط أن أنتفع بها لمدة يوم أو يومين. وكذلك في زمن خيار الشرط يصح أن يشترط فلو باعه السيارة وقال: لي الخيار لمدة ثلاثة أيام . ثم في أثناء هذه المدة اشترط أن يستعمل هذه السيارة لمدة أسبوع أو أسبوعين . فنقول : بأن هذا صحيح . 
الضابط الثالث : منع الظلم : 
والظلم في اللغة : وضع الشيء في غير موضعه تعدياً . 
وفي الشرع : هو فعل المحظور وترك المأمور . 
وفعل المحظور ، وكذلك ترك المأمور وضع للشيء في غير محله شرعاً فهو ظلم. 
وهذا الضابط مما اتفق عليه بل إن الشرائع اتفقت على وجوب العدل في كل شيء فالله عز وجل أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، والأدلة على منع الظلم كثيرة جداً منها قوله تعالى : ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم(
، ومنها قوله تعالى : )
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( . 
ومنها حديث أبي بكرة أن النبي r قال : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام " ، وهو في الصحيحين. 
ومنها قول النبي r : " كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه". 
ومنها حديث أبي ذر في صحيح مسلم أن النبي r قال : " قال الله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا " . 
ولهذا نهى النبي r عن النجش وعن التصرية وعن أن يبيع المسلم على بيع أخيه المسلم وأن يشتري على شرائه وأن يسوم على سومه لما في ذلك من الظلم والاعتداء. 
الضابط الرابع : منع الغرر : 
الغرر في اللغة يطلق على معان منها : النقصان والخطر والتعرض للتهلكة والجهل. 
وأما في الاصطلاح : فهو مالا يعرف حصوله أو لا يعرف حقيقته ومقداره ، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . 
وهذا الضابط باتفاق الأئمة وأنه لابد من منع الغرر في المعاملات . ويدل لهذا حديث أبي هريرة أن النبي r نهى عن بيع الغرر كما في صحيح مسلم. 
وكذلك أيضاً من الأدلة عليه ما ورد من النهي عن بيع حَبَل الحَبَلة والمراد به بيع ولد ولد الناقة . وكذلك بيع المضامين والمراد بها ما في بطون النوق من الأجنة، وكذلك بيع الملاقيح وهي ما في أصلاب الفحول . فهذه كلها تدل لهذا الضابط وأنه يمنع الغرر في المعاملات . 
وكذلك أيضاً النهي عن بيع الملامسة والمنابذة وبيع المعجوز عن تسليمه ، هذا كله يدل على هذا الضابط . 
اشترط العلماء للغرر المنهي عنه شروطاً ، وهي : 
1 – أن يكون الغرر كثيراً غالباً على العقد ، وعليه إذا كان الغرر يسيراً فإنه لا يمنع من صحة المعاملة والإجماع قائم على ذلك. 
    ومثل العلماء لهذا بدخول الحمام للاغتسال فإنه فيه شيء من الغرر ، لأن الناس يختلفون في طول الإقامة وقصرها وفي استعمال الماء كثرة وقلة . 
    ومن ذلك أيضاً تأجير السيارة لمدة يوم أو يومين فالناس يختلفون في استعمالها قلة وكثرة وكيفية ... إلخ . فهذا فيه شيء من الغرر لكنه معفو عنه شرعاً لما كان يسيراً . 
2 – ألا تدعو الحاجة إلى هذا الغرر حاجة عامة ، وقد ذكر الجويني وغيره قاعدة في ذلك وهي أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر بل يبيح ما يحتاج إليه الناس من ذلك . 
    وقول العلماء : الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة. لابد – إذا سلمت هذه القاعدة – من تحقق الحاجة وألا يكون هناك مخارج شرعية. فلابد من ضبط ذلك بتحقق الحاجة وأنه لا مناص من الوقوع في مثل هذا. فإذا عمت الحاجة فإنه كما ذكر الجويني وغيره من أهل العلم تنزل منزلة الضرورة. 
    ويدل لهذا حديث ابن عمر أن النبي r نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فالنهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها قالوا: هذه حاجة عامة، فإنه يؤخذ من الحديث أنه إذا بدا الصلاح بحيث احمر البسر أو اصفر صح البيع. مع أن بعض أجزاء هذه الثمار لم تخلق وفي هذا شيء من الغرر ومع ذلك أجازة الشارع لعموم الحاجة. 
3 – أن يمكن التحرز من الغرر بلا حرج ولا مشقة، وهذا أيضاً بالإجماع فإن الغرر إذا لم يمكن التحرز منه إلا بوجود الحرج والمشقة فإنه معفو عنه . 
ويمثل العلماء لذلك بأساسات الحيطان وما في بطون الحوامل فالإنسان يشتري البيت وهو لم يطلع على أساساته وقواعده وكيف تم بناؤها.. إلخ، وكذلك يشتري الحيوان الحامل وهو لا يعرف ما في بطن هذا الحيوان هل هو ذكر أو أنثى أو هو متعدد أو غير متعدد وهل هو حي أو ميت .. إلخ ، فمثل هذا لا يمكن معرفته ولو أردنا أن نعرف مثل هذه الأشياء للزم من ذلك الحرج والمشقة. 
    وأيضاً من الأمثلة على ذلك ما تقدم في حديث ابن عمر أن النبي r رخص في شراء الثمار إذا بدا صلاحها مع أن آخر هذه الثمار غير معروف لأنه لم يخلق بعد ولا يعرف كيف يكون نضجها . 
4 – أن يكون الغرر المنهي عنه في عقود المعاوضات ، وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك واختاره شيخ الإسلام. 
وخرج من عقود المعاوضات ما يتعلق بعقود التبرعات فإنها عند الإمام مالك وشيخ الإسلام ابن تيمية لا يشترط فيها السلامة من الغرر . 
الجمهور لا يفرقون بين عقود المعاوضات وعقود التبرعات ، فلابد من السلامة() والإجارة ونحو ذلك هذه يشترط فيها العلم والتحرير والسلامة من الغرر. 
أيضاً يقولون : عقود التبرعات كالهبة والهدية والعطية والوقوف ونحوها في الجملة يقولون يشترط فيها السلامة من الغرر. 
والجمهور يستدلون بحديث أبي هريرة أن النبي r نهى عن بيع الغرر. 
والمالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية يستدلون بحديث عبد الله بن عمرو في قصة الرجل صاحب كبة الشعر فإنه أخذها من المغنم واستوهبها من النبي r فقال النبي r : "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك". أخرجه أحمد وابو داود وغيرهما. 
وعندنا الأصل في ذلك . وأن الأصل في ذلك الصحة كما سلف أن الأصل في المعاملات سواء كانت عقود معاوضات أو عقود تبرعات الصحة. 
وأما الاستدلال بحديث أبي هريرة أن النَّبِيّ نهى عن بيع الغرر فهذا فيه نظر. فهناك فرق بين عقود المعاوضات وعقود التبرعات؛ عقود المعاوضات يدخل فيها الإنسان وهو يريد الكسب والتجارة فاشترط فيها من العلم والتحرير ما لا يشترط في عقد التبرعات. لأن عقود التبرعات لا يريد الإنسان فيها الكسب وإنما يريد الإرفاق والإحسان. 
وعلى هذا تترتب مسائل كثيرة يذكرها العلماء : 
مثلاً : هبة المجهول : لو أن الإنسان وهب سيارة مجهولة أو ما في جيبه قال: وهبت لك ما في جيبـي من الدراهم فهل يشترط أن تكون الهبة معلومة أو لا يشترط: نقول: لا يشترط أن تكون الهبة معلومة على الصحيح. 
كذلك لو أنه وهب شيئاً له مسروقاً أو مغصوباً أو منتهباً نقول: هذه هبة صحيحة ، وعند جمهور أهل العلم أنها ليست صحيحة لأنهم يلحقون عقود التبرعات بعقود المعاوضات وأنه لابد من القدرة على التسليم. 
كذلك أيضاً لو وهب شيئاً ضائعاً له أو رقيقاً آبقاً أو نحو ذلك فالجمهور أن ذلك لا يصح وعند المالكية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه صحيح، وبهذا نعرف أن عقود التبرعات أوسع من عقود المعاوضات، فإنه لا يشترط في عقود التبرعات ما يشترط في عقود المعاوضات من العلم والتحرير ... إلخ. 
فالصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام مالك واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، مع أنه – كما ذكرت – هذا رأي الجمهور في الجملة فهم لا يطردون المسألة فتجد أنهم يفرقون بين باب الوصايا وبين باب الهبة والعطية . فهم يجيزون الوصية المجهولة لكن لا يجيزون الهبة المجهولة . وهذا مما يدل على ترجح ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله وأنه من شروط الغرر المنهي عنه أن يكون في عقود المعاوضات أما عقود التبرعات فإن هذا ليس شرطاً منهياً عنه . 
الضابط الخامس : منع الربا : 
والربا في اللغة يطلق على معانٍ منها الزيادة . 
وأما في الاصطلاح فهو تفاضل في أشياء ونسأ في أشياء مختص بأشياء . وهذا التعريف فيه شيء من الإجمال لكن عند معرفة قسمي الربا يتضح شيء من إجمال هذا التعريف. 
فالربا ينقسم إلى قسمين : 
1 – ربا الفضل . 
2 – ربا النسيئة . 
هذان القسمان هما المشهوران عند العلماء وهناك من يقسم غير هذا التقسيم. 
أولاً : ربا الفضل : 
الفضل في اللغة : الزيادة . 
وأما في الاصطلاح : فهو الزيادة في أحد الربويين المتحدي الجنس الحالين . 
ومثاله : عشرون غرماً من الذهب بخمسة عشر . فالذهب ربوي فإذا بادلت هذا الذهب بمثله مع الزيادة فقد وقعت في ربا الفضل ما دام أنهما حالان. 
وأما عشرون بخمسة عشر مؤجلة فهذا ربا فضل ونسيئة. 
ولابد – هنا – من معرفة ما هو المال الربوي؟ 
هذا موضع خلاف بين أهل العلم يطول ذكره. لكن الخلاصة في ذلك على المشهور من مذهب الإمام أحمد : أن الربوي هو كل مكيل أو موزون ، فإذا عبروا بالربوي ونحوه فالمقصود عندهم : المكيل كالبر والشعير والتمر والأرز والدخن والموزون كالحديد والنحاس والصُفر والشعر والصوف والوبر . فعندما تبادل ربوي بجنسه لابد من شرطين : 
أ – الحلول والتقابض . ب – التماثل . 
هذا ما ذهب إليه الحنابلة وهو أيضاً قول الحنفية. 
الرأي الثاني : أن ضابط الربوي : أنه كل ما كان ثمناً للأشياء وكل مكيل أو موزون مطعوم. وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أقرب. 
فما كان ثمناً للأشياء كالدراهم وهذه النقود فهذه أثمان للأشياء فنقول : هي ربوية وكذلك المطعومات الموزونة والمطعومات المكيلة ربوية وما عدا ذلك فليس ربوياً. كالكتب والأقلام والثياب والأخشاب والسيارات والمعدات ، فهذه ليست ربوية لأنها ليست مطعومة . وعليه فلو بادلت سيارة بسيارتين أو قلماً بقلمين أو ثوباً بثوبين فإن هذا جائز ولا بأس به. 
ثانياً : ربا النسيئة : 
وأما في الاصطلاح () : فهو تأخير القبض في أحد الربويين المتحدين في علة ربا الفضل، فإذا كان عندنا ربويان اتحدا في علة ربا الفضل ولو اختلف جنسهما فإنه لابد عند مبادلة أحدهما بالآخر أن يكون ذلك يداً بيد. فمثلاً عندك ذهب بفضة فالجنس هنا مختلف لكنهما يتفقان في العلة فنقول : لابد أن يكون ذلك يداً بيد. 
أيضاً الريالات والجنيهات المصرية هنا الجنس مختلف لكنهما يتحدان في العلة وهي الثمنية فإنه لابد عند مبادلة أحدهما بالآخر أن يكون يداً بيد. 
أما إذا اختلفت العلة فإننا لا نشترط التقابض فمثلاً ذهب وبر كل منهما ربوي لكنهما لا يتحدان في العلة فعلة الذهب خلاف علة البر. 
وأيضاً الريالات والشعير كل منهما ربوي لكنهما لا يتفقان في العلة فحينئذ لا نشترط التقابض. إنما نشترط التقابض إذا اتحد الربويان في علة ربا الفضل. فإذا اتحدا في علة ربا الفضل وحصل التأخير فإنه ربا نسيئة. 
وأدلة تحريم الربا ظاهرة والإجماع قائم على تحريمه بل إن الربا محرم حتى في الشرائع السابقة . فإن الله عز وجل ذم اليهود بقوله سبحانه : )
وأخذهم الربا وقد نهوا عنه (
، ويقول الله تعالى : )
يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة (
، ويقول سبحانه: ) وأحل الله البيع وحرم الربا (
وفي حديث جابر أن النَّبِيّ r لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. 
الضابط السادس : منع الميسر : 
والميسر في اللغة يطلق على معان منها : السهولة ، والغنى إذا كان مأخوذاً من اليسار ويطلق أيضاً على الوجوب يقال : يسر لي الشيء إذا وجب. 
وأما في الاصطلاح فهو كل معاملة يدخل فيها الإنسان وهو إما غانم أو غارم. 
وتحريم الميسر متفق عليه . والأدلة عليه ظاهرة من القرآن والسنة والإجماع ، أما القرآن فقول الله عز وجل : )
يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه (
ومن السنة ما ثبت في صحيح البخاري أن النَّبِيّ r قال : " من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق " . فكون النَّبِيّ r أمره أن يتصدق كفارة لقوله هذا . هذا يدل على أنه دعا إلى محرم . 
والإجماع قائم على تحريم الميسر . 
ومن الأمثلة الداخلة في الميسر ؛ بيع المجهول وأيضاً داخل في الغرر. فمثلاً إذا بعت سيارة مجهولة بكذا وكذا فالمشتري داخل وهو إما غانم أو غارم، فإذا دفع في قيمة هذه السيارة مثلاً عشرة آلاف ريال فإن كانت هذه القيمة التي دفعها مساوية لقيمة السيارة فهو سالم وإن كانت أقل فهو غانم وإن كانت أكثر فهو غارم. 
ومن الأمثلة الداخلة تحت الميسر إذا كان الثمن مجهولاً يعني باع هذه السلعة بثمن مجهول. فالبائع يدخل في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم. 
الفرق بين الميسر والغرر : 
الميسر أخص من الغرر . فكل ميسر غرر وليس كل غرر ميسرا فبينهما عموم وخصوص، الغرر أعم من الميسر والميسر أخص من الغرر. فقد تكون المعاملة غرراً لكن ليس فيها ميسر، وإذا كانت ميسرا فإنها غرر. 
فمثلاً ما يتعلق بجهالة أساسات الحيطان أو جهالة ما في باطن الجبة من الحشوة ونحو ذلك أو جهالة الثمر الذي لم يخلق . هذه الأشياء من الغرر لكنها ليست من الميسر فالغرر أعم من الميسر والميسر أخص. 
جهالة الثمن هذا ميسر وغرر، بيع المعجوز عن تسليمه هذا ميسر وغرر لأن المشتري يدخل في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم إما أن يحصله وإما ألا يحصله. 
الضابط السابع : الصدق والأمانة : 
والصدق في اللغة يدل على قوة في الشيء وهو مطابقة الحكم للواقع. 
والأمانة في اللغة سكون القلب والوفاء والتصديق . 
والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي . 
فالصدق في المعاملات هو أن يطابق قول العاقد الواقع ولا يخالفه . 
والأمانة في المعاملات في الاصطلاح : إتمام العقد في المعاملة والوفاء به وعدم مخالفته. 
والأدلة على هذا الضابط من القرآن والسنة والإجماع . 
أما القرآن فقول الله عز وجل : )
ولا تبخسوا الناس أشياءهم (
، وقوله: )
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود (
، وقوله : )
فإن أمن بعضكم بعضاً فليود الذي أؤتمن 
أمانته (
، وقوله : )
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها(
وأما السنة فمثل حديث حكيم بن حزام وفيه قول النَّبِيّ r : " البيعان بالخيار"، إلى أن قال : " فإن بينا وصدقا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما " . وفي حديث أبي ذر في الصحيحين أن النَّبِيّ r قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة " وذكر منهم الذي ينفق سلعته بالحلف الكاذب. فدل ذلك على وجوب الصدق والأمانة عند إجراء العقود. وقد ذكر الغزالي الضابط في ذلك فقال: ألا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه فكل ما عومل به شق عليه وثقل على قلبه فلا يعامل به أخاه. وفي الصحيح من حديث أنس أن النَّبِيّ r قال : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " . 
الضابط الثامن : ضابط سد الذرائع : 
والسد في اللغة : إغلاق الخلل . 
والذرائعة : جمع ذريعة وهي الوسيلة . 
وأما في الاصطلاح : فهو منع الوسائل التي ظاهرها مباح وتؤدي إلى محرم، واعلم أن ما يتعلق بسد الذرائع ينقسم إلى ثلاثة أقسام : 
1 – ذرائع أجمع العلماء على سدها : وهي الذرائع المؤدية إلى الفساد والخلل في أمور الدين والدنيا مثل : شرب الخمر فإنه ذريعة إلى السكر المؤدي إلى اختلال العقل. وكذلك الزنا فإنه ذريعة إلى اختلاط الأنساب وضياعها. فهذه الذرائع أجمع العلماء على سدها . 
2 – ذرائع أجمع العلماء على عدم سدها ؛ مثل زراعة العنب لئلا يتخذ خمراً فالعلماء مجمعون على أن زراعة العنب جائزة وإن كان شيء من هذا العنب قد يشترى ويتخذ ويعصر لكي يكون خمراً . ومع ذلك أجمع العلماء على أن هذه الذريعة لا تسد. وسيتبين هذا بذكر ضوابط سد الذرائع. 
3 – الوسائل المباحة إذا أفضت إلى محرم غالباً : فهل تسد أو لا تسد ؟ 
هذا فيه خلاف بين الأئمة : 
المشهور عند المالكية والحنابلة : أن هذه الذرائع تسد . 
فائدة : مذهب المالكية هو أحسن المذاهب فيما يتعلق بسد الذرائع ثم بعدهم مذهب الحنابلة . 
وعند الحنفية والشافعية : يقولون : لا يجب سد الذرائع المباحة التي تفضي إلى محرم. وهذا في الجملة وإلا ففي بعض التفاريع يلتزمون بمنع هذه الوسائل لكنهم لا يدخلونها تحت أصل سد الذرائع لأن هذا الأصل لا يقولون به وإنما يدخلونها تحت أصول أخرى تكون لهم. 
والراجح في ذلك ما ذهب إليه المالكية والحنابلة ، وابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين ذكر تسعة وتسعين دليلاً على وجوب سد الذرائع المباحة إذا كانت تؤدي إلى محرم . 
ضوابط سد الذرائع : 
الضابط الأول : أن يكون الفعل المأذون فيه مؤدياً إلى الفساد أو إلى مفسدة غالبة. فإن كانت المفسدة المرتبة عليه نادرة فإنه لا يقال بذلك. فالنادر لا ترتب عليه الأحكام ولا تعلق به . 
الضابط الثاني : أن تكون المفسدة الناتجة عن فعل المأذون مساوية لمصلحته أو أكثر فإن كانت مصلحة فعل المأذون أكثر من المفسدة المترتبة على الفعل فإنه لا تسد الذريعة . 
وعليه فالأقسام ثلاثة : 
الأول : أن تكون المفسدة المترتبة على فعل المأذون مساوية لمصلحته فحينئذ يسد هذا الفعل ويمنع . 
الثاني : أن تكون المفسدة المترتبة على فعل المأذون أكثر من المصلحة المترتبة على سده فإنه يمنع حينئذٍ أيضاً . 
الثالث : أن تكون المفسدة المترتبة على فعله أقل من المصلحة المترتبة عليه فإنه حينئذٍ لا يسد. 
مسألة : ما منع سداً للذريعة فإن الحاجة تبيحه : 
مثلاً : النظر . قال العلماء : تحريم النظر من باب تحريم الوسائل . وعليه تبيحه الحاجة فيجوز للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة للحاجة إلى ذلك ، ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع العورة من المرأة الأجنبية للحاجة . 
هذا ما يتعلق بالضوابط التي تدور عليها هذه المعاملات وقد استخلصها العلماء رحمهم الله من نصوص الكتاب والسنة . 
المعاملات المالية المعاصرة
أولاً : بيع التقسيط : 
1 – تعريفه : هو بيع بثمن مؤجل يدفع إلى البائع على شكل أقساط. 
2 – مثاله : زيد من الناس يبيع سيارته بعشرة آلاف ريال كل شهر ألف ريال. هذا يسمى بيع التقسيط. 
* تنبيه : الأصل في البيوع أن الثمن يكون حالاً ، ولهذا العلماء رحمهم الله يجعلون حلول الثمن من الشروط في البيوع التي يقتضيها العقد، يعني أنت لست بحاجة إذا بعت سلعة أن تقول : بشرط أن يكون الثمن حالاً حتى ولو لم تشترط هذا فالعقد يقتضي أن يكون الثمن حالاً. فلو اشترط أن يكون الثمن حالاً فهذا بيان وتأكيد فقط وإلا فالأصل إذا جرت المعاملة أن الثمن يكون حالاً كما أن المشتري يتسلم السلعة فكذلك أيضاً البائع يتسلم الثمن. لكن لو اختار البائع أن يكون ثمنه مؤجلاً أو أن يكون ثمنه مقسطاً فهذا موضع خلاف وهذا الذي يراد بحثه. 
3 – اختلاف العلماء في حكمه : 
كما أسلفنا أن شرط حلول الثمن يقتضيه العقد والبائع ليس بحاجة إلى أن يشترطه لكن لو حصل ذلك واتفقا على أن يكون الثمن مقسطاً فهذا موضع خلاف بين أهل العلم : 
أ – جماهير أهل العلم أن البيع بالتقسيط جائز ولا بأس به ، فيصح أن يبيع الإنسان سلعته مقسطة كما أنه يصح له أن يبيعها بسعر حال – يعني إذا باعها بثمن مؤجل وهذا الثمن يكون على آجال يتفق عليها المتعاقدان فإن هذا جائز – وسواء كان الثمن مساوياً للسلعة أو أنه زيد في الثمن من أجل الأجل أو أنه نقص من الثمن وهذا نادر. 
واستدلوا على ذلك بما تقدم من الأصول ، فالأصل في المعاملات الحل كما قال تعالى: )
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود (
، والأصل في الشروط في العقود الحل فإذا اتفقا على هذا الشرط وهو أن يكون الثمن مقسطاً فالأصل في ذلك الحل لقوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود (
، والأمر بإيفاء العقد يتضمن الأمر بإيفاء أصله ووصفه ومن وصفه الشرط فيه . 
ومن أدلتهم أيضاً قالوا : هذا مقتضى العدل يعني لو كان هناك زيادة في الثمن فكما أنه تأخر عليه قبض الثمن والإفادة منه فله أن يقابل ضرر التأخير بزيادة الثمن. 
ومن أدلتهم أيضاً : عقد السلم ففي حديث ابن عباس أن النَّبِيّ r قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال النَّبِيّ r : " من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " . والسلم : دفع الثمن وتأخير المثمن وهذا في الغالب يكون في المثمن زيادة لأن المسلم يدفع الثمن ويأخذ سلعاً بعد مدة، الغالب أن هذه السلع تكون أرخص من قيمتها الآن ويكون فيها زيادة. 
هذا ما عليه جماهير أهل العلم رحمهم الله بل حكي الإجماع على ذلك. 
ب – قول بعض أهل العلم كعلي بن الحسين ونقله الشوكاني في نيل الأوطار عن بعض العلماء أن هذا غير جائز يعني أن يكون هناك زيادة في الثمن مقابل التأجيل، يعني لو أنه باعه السيارة بثمن مؤجل وزاد فيه مقابل التأجيل فقالوا: هذا لا يجوز. 
تعليلهم : قالوا : لأن هذا هو الربا ، فالزيادة عوض عن التأجيل وهذا هو الربا إذ إن الربا في الجاهلية أنه إذا لم يسدد من عليه الدين فإنه يؤخره في الأجل ويزيد في الدين . فقالوا : الزيادة هنا الآن حصلت مقابل التأجيل في ربا الجاهلية . فكذلك أيضاً هنا حصلت الزيادة في مقابل التأجيل فقالوا بأنه لا يجوز . 
جـ - الترجيح والجواب عن أدلة القائلين بالمنع : 
والجواب عن دليل القائلين بعدم الجواز سهل ؛ ففرق بين ربا الجاهلية وبين هذه المعاملة، فربا الجاهلية فيه الظلم وأكل أموال الناس بالباطل لأنه الآن لا يجد ما يسدد فيظلم بأن يزاد عليه ، أما هنا فلا ظلم لأنه الآن دخل على بينة واختيار بل هو – كما تقدم – مقتضى العدل فإن البائع يفوته الإفادة من هذا المال فيأخذ على ذلك الزيادة . 
وعليه يكون الأقرب ما ذهب إليه جماهير أهل العلم رحمهم الله . 
4 – صور بيع التقسيط: 
أ – الحلول والأجل : يعني يقول : أبيعك السيارة بعشرة آلاف ريال حالّة أو بعشرين ألف ريال مؤجلة لسنة أو سنتين . 
وهذه المعاملة جائزة لكن يشترط أن يكون ذلك عند المساومة ولابد من الجزم بأحد العقدين قبل التفرق يعني لا يتركه يقول : بعت السيارة عليك بعشرة آلاف حالة أو بعشرين ألفاً مؤجلة إن أتيت بالدراهم وإلا فهي بعشرين ألفاً. فلابد من الجزم بأحد العقدين إما أن تكون بعشرة آلاف حالة أو بعشرين ألفاً مؤجلة. 
ب – الأجلان أو الآجال : يعني يقول : بعتك السيارة مؤجلة لمدة سنة بعشرة آلاف ريال ولمدة سنتين بعشرين ألف ريال ، ولمدة ثلاث سنوات بثلاثين ألف ريال وهكذا. 
وهذا جائز ولا بأس به لكن كما أسلفت هذا إنما يكون عند المساومة أما في غير المساومة فلابد من الجزم بأحد الثمنين. 
جـ – اشتراط الزيادة عند التأخير : يقول : بعتك السيارة بعشرة آلاف ريال فإن تأخرت عن التسديد لمدة شهر زدتك مئة فإن تأخرت شهرين زدتك مئتين وهكذا. 
فهذا محرم ولا يجوز لأن هذا هو ربا الجاهلية . 
تتمة : تكلم ابن القيم رحمه الله في كتابه تهذيب السنن على حديث عبد الله بن عمرو أن النَّبِيّ r قال : " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك فذكر خلاف العلماء في المراد بالشرطين في البيع : 
1 – فقال بعض العلماء : إن المراد بالشرطين في البيع هو الحلول والأجل أو الأجلان يعني يقول: بعتك نقداً بكذا أو مؤجلاً بكذا. أو الأجلان : بعتك السيارة مؤجلة إلى كذا بكذا ومؤجلة إلى كذا بكذا يعني إلى شهر بكذا وإلى شهرين بكذا. 
2 – أن المراد بالشرطين اللذين نهى عنهما النَّبِيّ r هما شرطا المنفعة يعني أن يشترط شرطين من شروط الانتفاع في المبيع أو البائع. فمثلاً يقول : بعتك السيارة بشرط أن أستعملها لمدة شهر وبشرط أن تقوم بغسلها . وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد. 
3 – أن المراد هو اشتراط شرطين مطلقاً سواء كانا شرطي منفعة أو شرطي مصلحة أو شرطي صفة. 
4 – وهو الذي ذهب إليه ابن القيم أن المراد بالشرطين اللذين نهى عنهما النَّبِيّ r هما بيع العينة ، وعليه إذا قال : بعتك السيارة حالة بكذا أو مؤجلة بكذا فهذا جائز أو قال : بعتك السيارة مؤجلة بكذا أو بأجل آخر بكذا فإن هذا جائز، لكن قلنا: إنه لابد أن يقطع بأحد الأجلين قبل التفرق. 
ثانياً : بيع المرابحة للآمر بالشراء : 
ويسميها بعض العلماء ببيع المواعدة لأنها في صورها تعتمد على المواعدة. 
وبيع المرابحة للآمر بالشراء الآن يكثر تعامل الناس به فيكون الإنسان محتاجاً إلى مال لكي يتزوج أو ليبني بيتاً ... فيذهب إلى المصرف ويتفق معه على أن يشتري له سيارة ثم يأخذ السيارة ويبيعها ويستفيد من ثمنها . هذا هو المراد بمسألة بيع المرابحة للآمر بالشراء . 
تنبيه : العلماء رحمهم الله يتكلمون عن بيع المرابحة فيقولون : إذا باعة مرابحة وإذا باعه تولية ، فبيع المرابحة عند الفقهاء رحمهم الله ليس هو مراداً في هذه الصورة. هذه الصورة يبحثونها في مباحث أخرى . 
المراد بالمرابحة في كلام الفقهاء : أن يبيعه برأس المال وربح معلوم فمثلاً يقول: بعتك السيارة برأس مالي ولي ربح مئة ريال أو أربح مئتي ريال. هذا بيع المرابحة . وهذا بالإجماع أنه جائز . وما يتعلق ببيع المرابحة هذا يذكره العلماء في أقسام الخيارات، خيار التخبير بالثمن ويذكرون صور خيار التخبير بالثمن وأنه بيع التولية وبيع المرابحة وبيع الشركة وبيع المواضعة . 
فبيع التولية : أن يبيعه السلعة برأس مالها . 
وبيع المرابحة : أن يبيعه السلعة برأس المال وربح معلوم . 
وبيع المواضعة : أن يبيعه السلعة برأس المال وخسارة معلومة . 
هذا بإجماع العلماء أنه بيع جائز ولا بأس به . 
لكن المرابحة للآمر بالشراء هذا النوع لا يريد به العلماء قول الفقهاء : إذا باعه مرابحة... إلخ ، وإنما يذكرون هذا النوع تحت مباحث بيع العينة لأن بعض صوره كما سيأتي إن شاء الله داخل في بيع العينة . 
ومن العلماء من يبحثه تحت الحيل المحرمة . 
ومن العلماء من يبحثه تحت بيع ما ليس عند الإنسان . 
ومن العلماء من يبحثه تحت بيع الغرر . 
المهم أن نفهم أن بيع المرابحة للآمر بالشراء الذي انتشر الآن ليس هو المراد بقول الفقهاء: إذا باعه مرابحة . 
صور بيع المرابحة للآمر بالشراء : 
بيع المرابحة له صورتان وبعض العلماء يجعل له ثلاث صور لكن يمكن أن نشير إلى الصورة الثالثة إن شاء الله. 
الصورة الأولى : هي أن يكون هناك مواعدة ملزمة بين الطرفين مع ذكر مقدار الربح. 
مثالها : يذهب الشخص إلى المصرف ويتفق معه اتفاقاً ملزماً على أن المصرف يقوم بشراء هذه السلعة من سيارة ونحو ذلك وأن يلتزم العميل – هذا الشخص – بشراء هذه السلعة وعليه من الربح ما قدره كذا وكذا . 
وهذه الصور تنبني على المواعدة الملزمة . 
حكمها : 
أ – جمهور المتأخرين على أن هذه الصورة محرمة ولا تجوز إذا كان هناك إلزام من المصرف على أن العميل يشتري هذه السلعة بعد أن يشتريها المصرف. 
دليلهم : استدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها : 
1 – عموم الأحاديث التي تنهى الإنسان عن بيع ماليس عنده . فإذا كان هناك اتفاق بين المصرف والعميل على أن العميل ملزم بشراء هذه السلعة فهنا يكون هناك بيع من المصرف لهذه السلعة قبل أن يملكها . ومن هذه الأحاديث : حديث حكيم بن حزام أن النَّبِيّ r قال : " ولا تبع ما ليس عندك " ، وكذلك أيضاً حديث ابن عمر أن النَّبِيّ r قال : " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح مالم يضمن ولا بيع ماليس عندك" وهذا في السنن وصححه الترمذي. 
2 – عموم الأحاديث التي نهت الإنسان عن بيع الشيء قبل قبضه ومن ذلك حديث ابن عمر أن النَّبِيّ r قال : " من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه" وهذا في الصحيحين فإذا كان هناك اتفاق ملزم على العميل مع المصرف فإن هذا يكون فيه بيع من المصرف للسلعة قبل أن يقبضها. فيكون داخلاً تحت عمومات هذه الأحاديث التي فيها النهي عن ذلك. 
3 – قالوا : إن حقيقة هذا البيع أنه بيع نقد بنقد أكثر منه إلى أجل بينهما سلعة . وهذا كما قال ابن عباس : دراهم بدراهم بينهما حريرة. 
فهذا الشخص الآن ملزم بثمانين ألف ريال والبنك دفع للسلعة ستين ألف ريال ثم باعها عليه بثمانين ألفاً . فهذا عبارة عن بيع نقد بنقد أكثر منه إلى أجل فيدخل في ذلك ربا النسيئة وربا الفضل فيكون محرماً. 
هذا ما عليه جمهور المتأخرين . 
ب – أن هذه المواعدة التي تنبني على الإلزام جائزة لا بأس بها . 
دليلهم : استدلوا على ذلك بأن قالوا : الحاجة داعية إلى ذلك لاتساع رقعة التعامل وتضخم رؤوس الأموال. وما دامت الحاجة داعية إلى ذلك فإن هذا يجوز كما جاز عقد الاستصناع وعقد السلم وسيأتي – إن شاء الله – الكلام على حقيقة عقد الاستصناع وهل هو عقد مستقل أو عقد سلم ... إلخ . 
الترجيح : 
والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وأن هذه المسألة لا تجوز إذا كان هناك إلزام . 
وأما ما استدل به القائلون بالجواز من أن الحاجة داعية إليه فهذا غير مسلم لوجود المخرج الشرعي كما في الصورة الثانية على القول بجوازها كما سيأتي إن شاء الله . 
الصورة الثانية : وهي ما يبنى على المواعدة غير الملزمة بين الطرفين . 
وهذه الصورة يقسمها العلماء إلى قسمين : 
القسم الأول : أن يكون هناك ذكر مقدم للربح .
القسم الثاني : ألا يكون هناك ذكر مقدم للربح . 
مثالها : أن يأتي العميل إلى المصرف – البنك – ويطلب منه – والغالب أن العميل الذي يأتي إلى البنك إنما يريد قرضاً ولا يريد السلعة – فيأتي إلى المصرف ويتفق معه على أن يبحث العميل عن سلعة والغالب أن هذه السلعة تكون سيارة – ويقوم المصرف بشراء هذه السلعة . والمصرف دائماً يكون واجداً. فيشري هذه السلعة بدراهم حاضرة ثم يقوم ببيعها على العميل بثمن مؤجل. فالمصرف يشتري هذه السيارة مثلاً بخمسين ألف ريال ثم يقوم ببيعها بثمن مؤجل بستين أو ثمانين ألف ريال حسب ما يتفقان عليه . دون أن يكون هناك إلزام من المصرف للعميل بشراء هذه السلعة . 
وهذه الصورة تكلم عليها العلماء قديماً فتكلم عليها الشافعي في كتاب الأم فقال: ما نصه : إذا أرى الرجل السلعة فقال : اشترها وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز والذي قال: أربحك – يعني الآمر بالشراء وهو العميل كما في صورتنا – فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعاً وإن شاء تركها . ثم قال: - وهكذا إن قال : اشتر لي متاعاً ووصفه له فكل هذا سواء . يعني أن الشافعي يرى جواز مثل هذه الصورة ؛ لو قال : اذهب واشتر لي هذه السلعة وأنا أربحك فيها ليس معه دراهم لكن سيشتريها بثمن مؤجل لأنه لو كان معه دراهم لم يقل : اشتر لي هذه السلعة ولا شتراها بنفسه. فيأمر هذا الشخص أن يشتري له هذه السلعة أو يصف له سلعة يشتريها له . ثم بعد ذلك يقوم بشرائها منه بثمن مؤجل ويربحه في ذلك. 
وهذه أيضاً نص عليها الحنفية فابن عابدين رحمه الله في حاشيته على رد المحتار نص عليها وأنها جائزة . 
وكذلك ابن رشد من المالكية نص على جوازها ، ويذكرها المالكية رحمهم الله تحت مباحث بيع العينة . 
وكذلك أيضاً ابن القيم نص عليها في إعلام الموقعين . 
حكمها : 
أ – مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وأكثر المتأخرين حتى أنني قرأت كلاماً لرفيق المصري وهو ممن بحث في هذه المسألة فقال: ليس فيها خلاف معتبر يعني أن أكثر المتأخرين الآن أكثر المجامع الفقهية ذهبت إلى جواز مثل هذه المعاملة ما دام أنه لم يكن هناك إلزام انتفت المحاذير التي ذكرها الجمهور في الصورة الأولى إذا كان هناك إلزام . يعني لا يكون هناك بيع للسلعة قبل قبضها ولا يكون هناك بيع للسلعة قبل أن يملكها المصرف. فالآن المصرف اشترى السلعة ثم بعد ذلك يعقد للعميل . فالمصرف يخاطر بشراء هذه السلعة لنفسه ثم بعد ذلك إن أراد العميل أن يشتريها اشتراها وإن أراد أن يتركها تركها . وكون الإنسان يشتري السلعة لنفسه ويخاطر في ذلك إن اشتراها هذا العميل فله ذلك وإن لم يشتر هذا العميل فلا يلزمه شيء قالوا : الأصل في ذلك أنه جائز . والأصل – كما تقدم – في العقود الحل. 
وممن أفتى بجوازها الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله والشيخ بكر أبو زيد والشيخ عبدالله المنيع وأكثر المتأخرين . 
والشيخ بكر أبو زيد لما مال إلى جواز مثل هذه المعاملة ذكر لها ثلاثة ضوابط : 
الضابط الأول : خلوها من الالتزام الذي يكون في الصورة الأولى . فإذا لم يكن هناك التزام لا من قبيل المكاتبة ولا من قبيل المشافهة فإن هذا جائز. 
الضابط الثاني : خلوها من ضمان العميل للسلعة وإنما يكون ضمان السلعة على المصرف لأنه الذي يقوم بشراء هذه السلعة وتملكها فيكون ضمانها عليه لو حصل عليها تلف أو عيب أو نقص قبل أن يشتريها العميل منه . فلو اشترط المصرف على العميل أن يكون ضامناً لها فإن هذا محرم ولا يجوز . 
الضابط الثالث : أن يقوم المصرف ببيعها على العميل بعد أن يقبضها فإذا اشترى المصرف السلعة وقبضها ثم بعد ذلك باعها على العميل فإن هذا جائز ولا بأس به. 
وهذه الشروط يقول بها الجمهور لأن من قال بجواز هذه المعاملة يشترط ألا يكون هناك إلزام . فإذا كان هناك إلزام للعميل بشرائها فإنها داخلة في الصورة الأولى والصورة الأولى الجمهور على تحريمها . 
وأيضاً لا يكون هناك ضمان إذ لو كان هناك ضمان على العميل لكان العميل ملزماً بها . 
وكذلك أيضاً القبض . 
ب – قول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله وهو تحريم هذه المعاملة حتى ولو لم يكن فيها إلزام . 
وعلته في ذلك يقول بأنها حيلة على الربا . فالأصل أن المصرف يقرض ستين ألفاً بثمانين ألفاً . فبدلاً من ذلك يصار إلى هذه السلعة فيقول المصرف للعميل: اذهب وابحث عن سيارة وأنا أشتريها ثم بعد ذلك أبيعها عليك . العميل لا يريد السيارة وإنما يريد النقود فيشتريها المصرف بستين حاضرة ويأخذها العميل وقد اشترى السيارة بثمانين مؤجلة . فأصبحت دراهم بدراهم بينهما سيارة أو بينهما سلعة. 
ويقول الشيخ : لابد أن يكون المصرف مالكاً للسلعة ، يعني قبل أن يأتيه الناس يشتري سلعاً فإذا اشترى السلعة لا بأس أن يبيع على الناس بثمن مؤجل، أما كونه يتفق مع العميل على أن المصرف يذهب ويشتري له سلعة ثم بعد ذلك يبيعه إياها يقول : إن هذه حيلة على الربا. 
وأيضاً استدل في فتواه بالنهي عن بيع العينة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن التورق الذي أجازه الأئمة الأربعة – وهو ( أي التورق ) أن يشتري الإنسان سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها على غير من اشتراها منه بأقل من ثمنها نقداً، فيشتري السيارة من زيد بثمانين ألف ريال مؤجلة ثم يذهب ويبيعها على عمرو بستين ألف ريال نقداً. هذا التورق يرى شيخ الإسلام ابن تيمية تحريمه وأنه داخل في بيع العينة. 
فيقول الشيخ رحمه الله : إذا كان الشارع نهى عن بيع العينة وجعله محرماً فإن بيع العينة مفاده دراهم بدراهم بينهما سلعة ، ونظير هذا هذه المعاملة دراهم بدراهم بينهما سلعة . 
س : ما رأي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الصورة غير الملزمة إذا كان العميل يريد السلعة لذاتها ولا يقصد بيعها ؟ ()
ج: الشيخ يرى التحريم مطلقاً ، الشيخ يقول : سواء أراد الزبون العميل السلعة لكي يبيعها ويأخذ الثمن أو لكي يستعملها ، فالشيخ يرى أن ذلك محرم مطلقاً . 
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كأنه يشير إلى التفريق ، وكلامه يحتاج إلى إعادة قراءة مرة أخرى ، فكأنه يفرق بين المسألتين يفرق بين مسألة العميل إذا أراد السلعة لأجل الدراهم وإذا أرادها لكي يستعملها . 
الترجيح : 
يظهر والله أعلم أن الأحوط للإنسان والأبرأ أن يترك التعامل إلا إذا كان المصرف مالكاً للسلعة . 
وما ذكره الشيخ محمد رحمه الله من أنها تحيل على الربا هذا قوي. ولهذا بعض البنوك يقول لك : هل تريد معاملة شرعية أو معاملة غير شرعية 
كيف المعاملة الشرعية والمعاملة غير الشرعية ؟ 
يقول لك : المعاملة الشرعية نشتري لك السلعة ، وغير الشرعية نعطيك مباشرة ستين بثمانين. فظاهر أن المسألة تحيل على الربا. 
ثالثاً : جمعية الموظفين : 
وهذه من المسائل التي يكثر الآن وقوعها والسؤال عنها وإن كان الأكثر على جوازها لكن كون طالب العلم يفهم دليل القول الآخر وما يجاب عنه ، ودليل من قال بالجواز وما اعتمد عليه . هذا مهم جداً . 
1 – تعريفها : 
الجمعية مأخوذة من الاجتماع . 
والموظفون جمع موظف وهو من يعمل لدى الدولة أو في مؤسسة أو شركة وأضيفت الجمعية للموظفين لأن الغالب أن من يتعامل فيها موظفون وإلا فإنها قد تكون بين التجار أو المزارعين أو الصناع ونحو ذلك . فإن الموظف يتحصل على مرتب شهري مطرد فإذا كان كذلك فإنه يتمكن من الدخول في هذه الجمعية. 
أما بالنسبة للتاجر أو الفلاح أو الصانع ونحوهم فقد يتحصل له ذلك المرتب أو الغلة في آخر الشهر وقد لا يتحصل له ذلك . 
2 – صورها : 
جمعية الموظفين لها ثلاث صور : 
الصورة الأولى : أن يتفق عدد من الأشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مبلغا من المال متساويا عند نهاية كل شهر أو كل شهرين أو كل سنة حسب ما يتفقون عليه . 
الصورة الثانية : أن يتفق عدد من الأشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال متساوياً عند نهاية كل شهر أو شهرين مع اشتراط ألا ينسحب أحد منهم حتى تنتهي الدورة – يعني حتى يدور عليهم الأخذ. 
الصورة الثالثة: كالصورة الثانية أن يتفق عدد من الأشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال متساوياً يأخذه أحدهم عند نهاية كل شهر أو شهرين حتى تنتهي أكثر من دورة؛ دورتان أو ثلاث ... إلخ . 
حكم الصورة الأولى : 
هذه الصورة أشار إليها العلماء رحمهم الله ، وممن أشار إليها أبو زرعة الرازي وهو من أئمة المحدثين وأشار إلى جوازها . 
لما وجدت هذه الصورة الآن وكثر تعامل الناس بها اختلف فيها المتأخرون في جوازها هل هي جائزة أو ليست جائزة على قولين : 
القول الأول : أنها معاملة جائزة ولا بأس بها . وهذا قال به أكثر المتأخرين وممن قال به من المتأخرين : الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله . وكان الشيخ رحمه الله – أذكر أن الشيخ محمد ابن عثيمين يقول : كان الشيخ – يرى التحريم ثم راجعته فيها ثم رجع إلى الجواز. 
وكذلك ممن قال به : الشيخ محمد بن عثيمين وقد انتصر لها كثيراً وفي بعض كلامه أنها من الأعمال المندوبة لما سيأتي من أنها تفك حاجات المحتاجين وأنها تغني كثيراً من الناس عن الالتجاء إلى البنوك الربوية وغير ذلك ولما فيها من التعاون على البر والتقوى. 
وكذلك الشيخ عبد الله بن جبرين وغالب أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة يرون أن هذه المعاملة جائزة ولا بأس بها . 
القول الثاني : أنها محرمة ولا تجوز ، ومن أشهر من قال بهذا الشيخ صالح الفوزان ، وكذلك الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة الآن . 
أدلة القول الأول : وهو الجواز : 
1 – قالوا : إن هذا العقد من العقود التي جاءت الشريعة بجوازه لأن حقيقة هذا العقد هو قرض فيه إرفاق بالمقترض حيث أن المقترض يأخذ القرض ويرد مثله ولا زيادة عليه . يعني هو يأخذ –مثلاً – ألفاً أو ألفين أو خمسة آلاف ثم يردها وليس هناك زيادة عليه . فهذا قرض لا يخرج عن القرض المعتاد إلا أن الفرق بينه وبين القرض المعتاد أن الإقراض في الجمعية يشترك فيه أكثر من شخص والقرض المعتاد يكون بين شخص وآخر . 
2 – كذلك أيضاً استدلوا بالأصل وأن الأصل في مثل هذه الأشياء الحل، الأصل في المعاملات الحل وقد ذكرنا هذا في الضابط الأول من الضوابط التي تدور عليها المعاملات . 
3 – وكذلك أيضاً قالوا : في هذا تعاون على البر والتقوى فمثلاً هذه الجمعية طريق لسد حاجة المحتاجين وإعانة لهم على البعد عن البنوك الربوية والمعاملات المحرمة كالربا ونحو ذلك . 
4 – كذلك أيضا استدلوا بأن المنفعة التي تحصل للمقرض في هذه الجمعية لا تنقص المقترض يعني قد يقال : بأن المقرض قد انتفع لكنهم يقولون : إن المقرض وإن حصل له شيء من الانتفاع إلا أن هذه المنفعة لا تنقص المقترض ولا يحصل له ضرر بل الانتفاع متبادل بين المقرض والمقترض كل منهم ينفع الآخر، مع أنه سيأتي – إن شاء الله – ما المراد بالمنفعة التي نص الصحابة على أنها ربا؟ يعني ما المراد بكل قرض جر نفعاً فهو ربا . ما المراد بهذه المنفعة التي إذا كانت في القرض فهي من الربا كما ورد عن الصحابة هذا سيأتي بيانه إن شاء الله . وأن ما قد يحصل للمقرض مقابل قرضه من الانتفاع أنه ليس داخلاً في هذه المنفعة التي حكم عليها الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنها ربا. 
أدلة القول الثاني : وهو التحريم : 
1 – قالوا : القرض في هذه الجمعية قرض مشروط فيه القرض من الآخر فهو قرض جر نفعاً . وكل قرض جر نفعاً فهو ربا . هذا خلاصة الدليل ، فهذا يزيد يقرض عمراً لم يقرضه إلا بشرط أن يقرضه هو . فهذا قرض جر نفعاً. 
يبقى ما هو الدليل على أن القرض الذي جر نفعاً محرم ولا يجوز : 
أما من السنة فقد ورد في ذلك أحاديث حديثان أو ثلاثة وكلها لا تثبت من ذلك ما يروى عن النَّبِيّ r أنه قال : " كل قرض جر نفعاً فهو ربا " ، هذا لا يثبت عن النَّبِيّ r ، وكذلك أيضاً استدلوا بما يروى عن النَّبِيّ r أنه قال : " إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى له أو حمله على دابة فلا يركبها ولا يقبلها إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك " ، هذا أيضاً أخرجه ابن ماجه وهو ضعيف لا يثبت. 
لكن القرض الذي جر نفعاً ورد تحريمه عن الصحابة رضي الله عنهم جماهير الصحابة : 
فمن ذلك ما ورد عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه أنه قال : كل قرض جر منفعة فهو ربا . أخرجه البيهقي في سننه . 
وكذلك أيضاً في صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام قال لأبي بردة رضي الله عنهما : إنك في أرض الربا فيها فاش إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو شعير أو قَتٍّ فلا تقبل . 
وكذلك أيضا ورد نحو هذا عن عمر رضي الله عنه وعن ابن عمر وأبي هريرة وابن مسعود وأنس وابن عباس رضي الله عنهم فجماهير الصحابة يرون أن المنفعة التي يفيد منها المقرض أنها محرمة وأنها من الربا . وقد ورد عن ابن عمر أنه قال: من أسلف سلفاً فلا يشترط إلا قضاءه أخرجه مالك في الموطأ وإسناده صحيح . 
فتلخص أن تحريم المنفعة للمقرض وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم. 
لكن ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم إجازة بعض المنافع للمقرض وحينئذ يحتاج إلى ضبط المنفعة التي تكون محرمة . 
فالصحابة رضي الله تعالى عنهم أجازوا السفتجة كما ورد عن الحسن وعلى بن أبي طالب والزبير وغيرهم من الصحابة . والسفتجة هي أن تقرض شخاص مالاً في بلد فيعطيك إياه في بلد آخر. فهنا المقرض استفاد أمن الطريق فالخطر الذي قد يحصل له أثناء السفر قد زال . فقد يكون المكان بعيداً فهو بحاجة أن يحفظ المال وقد يضيع عليه فمنفعة الحفظ والسلامة مما قد يحصل له من خطر إلى آخره هذا قد زال. 
وكذلك أيضاً أجاز العلماء بعض المنافع للمقرض فقالوا : لا بأس أن يقرض الشخص فلاحه دراهم لكي يقوم الفلاح بشراء الآلات والبذور ويعمل في أرض المقرض فأنت مثلاً ساقيت زيداً من الناس أو زارعته على أن يعمل في أرضك ولم يكن معه دراهم فلا بأس أن تقرضه ويقوم بالعمل في أرضك مع أنك تستفيد الآن أو مثلاً تقرضه ويقوم بالعمل في بيتك فأنت الآن تستفيد . فهذا القرض أجازه العلماء رحمهم الله .
وأيضاً قال شيخ الإسلام : لا بأس أن يقول للفلاح اعمل معي وأعمل معك . اعمل معي اليوم في حصاد الزرع أو جذاذ النخل وأنا أعمل معك غداً في حصاد الزرع أو جذاذ النخل. 
ضبط المنفعة المحرمة بسبب القرض : 
بناء على ما سبق فالمنفعة التي تكون محرمة إذا أفادها المقرض هي ما شمل أمرين: 
الامر الأول : ما يشترطه المقرض على المقترض وليس له مقابل سوى القرض. 
مثلاً يقول : أقرضك ألفا بشرط أن تعطيني سيارتك أستعملها لمدة يوم أو يومين هنا الآن منفعة محرمة . فالمقرض استفاد أنه ينتفع بهذه السيارة ، والمقترض لم يستفد شيئاً ، استفاد القرض والقرض سيرده . 
في الجمعية لا يوجد هذا ، فالمقرض ينتفع والمقترض ينتفع فكل منهما ينتفع. 
أما هنا إذا قال : بشرط أن تبيع عليّ دارك أو بشرط أن تعطيني زيادة مئة ريال أو بشرط أن تعطيني هدية .. إلخ هذا داخل في المنفعة المحرمة في القرض. 
ويدل لهذا أيضاً قول النَّبِيّ r : " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع"، هنا سلف وبيع ، يقول: أقرضك بشرط أن تبيعني ، فهنا الانتفاع حصل للمقرض وأما المقترض لم يحصل له إلا القرض والقرض سيرده . 
الأمر الثاني : ما يقدمه المقترض للمقرض بسبب القرض . وهذا يدل له أثر عبدالله بن سلام رضي الله عنه . 
مثلاً : أعطيت زيداً من الناس ألف ريال قرضاً وبعد يوم أو يومين جاء لك بهدية. فلا يجوز لك أن تقبل هذه الهدية فإنه إنما أعطاك هذه الهدية لأجل قرضك. ولهذا يقول العلماء: إذا كان بينهما مهاداة كأن تسلف قريبك مئة ألف ريال أو صديقك وبينكما مهاداة تعطيه ويعطيك هذا ليس داخلاً في النهي لكن إذا عرفنا أن هذه الهدية إنما أعطاك إياها المقترض من أجل القرض فهذه المنفعة المحرمة في القرض. 
فكونك تقرضه ألفاً ثم يعطيك كتاباً هدية هذا لا يجوز لك أن تقبله كما ورد عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه لا يجوز إلا إذا أردت أن تكافئه أو تخصم ذلك من القرض. يعني تقبل الكتاب ثم تخصم قيمته من القرض. 
فائدة : في الهدية بسبب القرض : 
الهدية في القرض قسمها العلماء رحمهم الله إلى : 
1 – أن يكون ذلك بعد الوفاء فهذا لا بأس به بل استحبه بعض العلماء. فزيد أقرضك ألف ريال وعند الوفاء أعطيته ألف ومئة ريال أو ألفاً وثوباً هدية له ، مقابل لمعروفة وإحسانه، فإن هذا لا بأس به لأن العقد انتهى الآن والنبي r يقول: "خيركم أحسنكم قضاء" . واستقرض النَّبِيّ r بكراً ورد خيراً منه رباعياً . 
والصواب : أيضاً أنه لا فرق سواء كانت الزيادة في الكيفية أو كانت الزيادة في الكمية. لأن بعض العلماء يجوز الكيفية ولا يجوز الكمية. يعني أقرضك براً متوسطاً فتعطيه براً جيداً يقول : هذا جائز . لكن في الكمية ؛ أعطاك ألف ريال ما تعطيه ألفاً ومئة . 
والصواب أن هذا كله جائز ما دام أنه بعد الوفاء . 
فالهدية ما دامت بعد الوفاء فإنها جائزة ما دام أنها ليست مشروطة . 
2 – أن تكون قبل الوفاء ، يعني أعطاك كتاباً .. إلخ ، فإذا كان ذلك بسبب القرض فلابد أن تمتنع أو تحسب ذلك من القرض أو تكافئه . 
أما إذا كانت الهدية بغير سبب القرض كأن تكون بينكما مهاداة لقرابة أو صداقة ونحو ذلك فإن هذا لا بأس به . 
وأيضاً أدخل بعض العلماء الدعوات العامة كدعوات الزواج أو مناسبة عامة فهذه الدعوة ليست بسبب القرض وإنما حصلت هذه المناسبة فدعاك، لم يعمل لك طعاما خاصا بسبب القرض. 
الخلاصة : 
المهم أنه يتلخص لنا أن المنفعة المحرمة بسبب القرض هي ما اشتملت على هذين الضابطين وحينئذ نعرف أن المنفعة التي تحصل للمقرض في مسألة الجمعية هذه ليست داخلة فكل منهما ينتفع ولهذا العلماء رحمهم الله – كما ذكرت – يقولون: إنه إذا أهداه يقابله بالهدية ، فيكون الانتفاع لكل منهما. 
2 – قالوا : هذا من قبيل بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النَّبِيّ r . 
واختلف شراح الحديث كثيراً في بيان ما المراد بالبيعتين في بيعة الذي نهى عنه النَّبِيّ r على أقوال ، وذكر بعض شراح الحديث ما يقرب من ثمانية أقوال وأبرز هذه الأقوال كما تقدم لنا في بيوع التقسيط: 
أ – الحلول والأجل ، يعني أن يقول : بعتك السلعة حالة بكذا وكذا أو مؤجلة بكذا. 
ب – الأجلان : بأن يقول: بعتك السلعة بكذا مؤجلة إلى شهر مثلاً أو بكذا مؤجلة إلى شهرين. 
جـ - اشتراط عقد في عقد ؛ وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد، بأن يقول: بعتك السيارة بشرط أن تؤجرني بيتك أو بشرط أن تبيعني بيتك ونحو ذلك. وهذا سيأتي بحثه عند عقد الإجراة المنتهي بالتمليك. 
د – ما ذهب إليه ابن القيم أنه بيع العينة وأن السنة يفسر بعضها بعضاً ، فقول النَّبِيّ 
r : " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع " ، المراد بذلك بيع العينة. 
وكذلك أيضاً قول النَّبِيّ r كما في حديث أبي هريرة أن النَّبِيّ r : "نهى عن بيعتين في بيعة" المراد بذلك بيع العينة، وهو أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها بأقل من ثمنها نقداً ، فيبيع السيارة مثلا بمئة ألف ريال مؤجلة ثم بعد ذلك يشتريها بأقل من ثمنها نقداً . فقالوا بأن هذا هو بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النَّبِيّ r وقد أطال ابن القيم رحمه الله في تقريره وقال بأن السنة يفسر بعضها بعضاً. فهذه هي التي يوجد فيها المحذور وأنها دراهم بدراهم بينهما حريرة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ، فالشرطان اللذان نهى عنهما النَّبِيّ r هما الشرطان في بيع العينة . والبيعتان اللتان نهي عنهما النَّبِيّ r هما البيعتان في بيع العينة . لأنه في بيع العينة يبيع السيارة مؤجلة ثم يشتريها نقداً فهاتان بيعتان؛ بيعة التأجيل وبيعة النقد. وهذا القول هو الأقرب وعلى هذا فالتفاسير السابقة لا تكون داخلة تحت حديث : "ولا شرطان في بيع"، وكذلك أيضاً لا تكون داخلة تحت حديث: "ولا بيعتان في بيعة". 
3 – قالوا : هذه الجمعية فيها شيء من المخاطر فقد يموت أحد أعضاء هذه الجمعية وقد يفصل من عمله وقد ينقل إلى بلد آخر فيضيع على أصحاب الحقوق حقوقهم فينهى عنها من أجل هذه المخاطر. 
والجواب عن هذا سهل؛ فيقال : إن المصالح المترتبة على هذه الجمعية أكثر من المخاطر المترتبة عليها . وقد تقدم لنا بيان شيء من ذلك في ضابط سد الذرائع. 
وكذلك أيضاً مثل هذه المخاطر توجد حتى في المعاملات المباحة فما من معاملة من المعاملات المباحة إلا وفيها شيء من المخاطر. فحتى القرض المعتاد فيه شيء من المخاطر، فكون زيد يقرض عمراً فيه شيء من المخاطرة فعمرو المقترض قد يموت وقد يعسر ولا يتمكن زيد من حقه، فهذه المخاطر المنغمرة في المصالح الأخرى المرتبة على المعاملة هذه لا تعلق عليها الأحكام ولا ينظر إليها الشارع. 
حكم الصورة الثانية : 
وهي – كما تقدم – أن يشرط ألا ينسحب أحد حتى تدور الدورة. فالذين يجوزون الصورة الأولى مثل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والشيخ عبدالله بن جبرين يجوزون أيضاً الصورة الثانية لأن المحذور كما أنه منتف في الصورة الأولى أيضاً منتف في الصورة الثانية فالمنفعة التي يستفيدها المقرض أيضاً يستفيدها المقترض في هذه الدورة فهي منفعة متبادلة كما سبق. 
حكم الصوة الثالثة : 
وهي أن يشترط أن يكون هناك أكثر من دورة يعني تدور الجمعية لمدة سنتين أو ثلاث سنوات ... إلخ. أيضاً الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله يرى جواز مثل هذه الصورة. 
وذهب بعض الباحثين إلى التفريق بين الصورة الأولى والثانية ، ففي الصورة الأولى والثانية تجوز وأما الصورة الثالثة إذا اشترطوا أن تكون دورة ثانية وثالثة فلا تجوز ، مع أنه أجاز الصورة الأولى والثانية لما في ذلك من المنفعة التي تكون داخلة في نفع المقرض الذي نهي عنه . 
وتقدم أن أشرنا إلى المنفعة التي تكون محرمة في باب القرض وأنها تشتمل على أمرين: 
1 – ما يشترطه المقرض على المقترض وليس له مقابل سوى القرض. قالوا: هذا داخل في هذا الضابط. فكونه يشترط عليه أن يكون هناك دورة ثانية أو ثالثة... إلخ، داخل في هذا الضابط. 
والذين أجازوها مثل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله يقول: حتى لو شرط دورتين أو ثلاثة ونحو ذلك أن هذا جائز ولا بأس به. 
3 – زكاة جمعية الموظفين : 
وهذه المسألة يسأل عنها كثير من الناس . 
نقول : الداخل في هذه الجمعية لا يخلو من ثلاث حالات : 
الأولى : أن يكون في أول القائمة ، يعني يأخذ الجمعية في أول القائمة، فهذا لا زكاة عليه، إلا إذا ترك هذه الدراهم حتى حال عليها الحول. فلو فرضنا أن زيداً هو الأول ثم أخذ هذه الدراهم وتركها عنده حتى حال عليها الحول فنقول: يجب عليه أن يخرج الزكاة عند حولان الحول. لكن لو استهلكها – وهذا هو الغالب، فالغالب أن من يلجأ إلى مثل هذه الجمعية أنه يستهلكها في بناء البيت أو الزواج أو شراء سيارة أو نحو ذلك – فإذا استهلكها فإنه لا شيء عليه . 
الثانية : أن يكون في آخر الجمعية ، وهذا لا يخلو من أمرين : 
1 – أن يأخذ الجمعية بعد تمام الحول بحيث يكون عددهم اثني عشر. فهذا يجب عليه أن يخرج عن الشهر الأول الذي دفعه ، فإذا كانت الجمعية من ألفي ريال فيجب عليه أن يخرج عن ألفي ريال إذا قبض الجمعية بعد اثني عشر شهراً. ثم بعد ذلك إن استهلكها لا شيء عليه لكن إن بقيت عنده يخرج عن زكاة الشهر الثاني لأن الشهر الثاني أيضاً حال عليه الحول فإذا مر عليه شهر آخر أخرج عن زكاة الشهر الثالث وهكذا .. فإذا مر الشهر الأول أخرج عن زكاة الشهر الثاني وإذا مر الشهر الثاني أخرج عن زكاة الشهر الثالث وهكذا... 
الثالثة : أن يكون في وسط الجمعية ، كما لو كان ترتيبه السابع وقبض هذه الجمعية فهذا لا شيء عليه إذا استهلكها لكن لو بقيت عنده حتى مضى حول من الشهر الذي دفعه ، يعني الآن مضى سبعة أشهر فإذا مضى خمسة أشهر والدراهم عنده أخرج عن الشهر الأول. فإذا مضى ستة أشهر أخرج عن الشهر الثاني. 

رابعاً : الجوائز التي يبذلها اصحاب المحلات التجارية : 
1 – تعريفها : 
الجوائز في اللغة جمع جائزة وهي العطية . 
وأما في الاصطلاح فهي العطايا التي يهبها أصحاب السلع للمشترين . 
2 – حكمها : 
الأصل فيها أنها جائزة . يعني كونك تشتري من صاحب المحل فيعطيك هدية فالاصل في مثل هذه الجوائز والهبات من أصحاب المحلات أنها جائزة والإجماع منعقد على ذلك. 
وتقدم لنا أن الأصل في المعاملات الحل وذكرنا دليل ذلك . 
3 – أقسامها : 
المستقرئ لأحوال هذه الجوائز والهبات التي تكون من أصحاب السلع ومن غيرهم يتبين له أن هذه الجوائز تنقسم إلى أقسام : 
القسم الأول : الجوائز التي تكون عن طريق المسابقات . 
وتحت هذا القسم أنواع : 
الأول : أن تكون الجائزة عن طريق دفع رسوم للدخول في المسابقة ، يعني لا يدخل الإنسان في المسابقة لكي يأخذ الجائزة حتى يدفع رسماً . 
مثالها : أن تكون هنا بطاقات يشتريها الناس ثم بعد ذلك يدخلون في المسابقة ومن الأمثلة الموجودة الآن ما تقيمه بعض وسائل الإعلام الآن من المسابقات بحيث تتصل على الهيئة المنظمة للمسابقة ثم بعد ذلك تقوم بالإجابة ، وقد تحصل على الجائزة وقد لا تحصل على الجائزة . 
وهذه الاتصالات يستفيد منها أصحاب الهيئة الذين قاموا بتنظيم هذه المسابقات ومثل ذلك ما يسمى بالمسابقة عن طريق هاتف (700) ونحو ذلك. 
فهذا لكي يدخل في هذه المسابقة اتصل على هذه الهيئة عن طريق الهاتف وهذه اللجنة المنظمة لهذه المسابقة تفيد من هذا الاتصال ولها نسبة من رسوم هذا الاتصال. وإدارة الاتصال لها نسبة أخرى. 
حكمها : هذا النوع من الميسر المحرم الذي لا يجوز إذا كانت الجائزة أو المسابقة عن طريق دفع رسوم للدخول في المسابقة ، سواء كانت هذه الرسوم عن طريق دفع بطاقات يشتريها الناس أو عن طريق اتصالات ونحو ذلك تكلفهم أموالاً ، فهذا من قبيل الميسر. 
التعليل : لأن الإنسان يدخل فيها وهو إما غانم أو غارم . وقد تقدم لنا أن من الضوابط التي تنبني عليها المعاملة : منع الميسر ، وذكر أيضاً ضابط الميسر وأنه أن يدخل الإنسان المعاملة وهو إما غانم أو غارم. وهكذا الآن تجد أنه قد يتكلف الآن يتكلف مئتي ريال أو أكثر من طريق شراء البطاقة أو عن طريق الاتصال ثم بعد ذلك قد يحصل له شيء من الجائزة وقد لا يحصل له شيء منها . 
الثاني : أن تكون الجائزة عن طريق الشراء . 
صورتها : أن يضع التاجر جائزة على مسابقة لا يشترك فيها إلا من يشتري سلعة يبيعها التاجر وما عداه فلا يدخل في المسابقة . 
مثالها : تأتي إلى محل تجاري قد وضع سيارة أو ثلاجة .. إلخ ، ومن اشترى منه أعطاه ورقة فيها مسابقة ، بعض الأسئلة تقوم بحلها ثم بعد ذلك تفرز الإجابات وقد يحل الأسئلة جمع من الناس تكون إجاباتهم صحيحة ثم بعد ذلك تفرز عن طريق الحظ. 
أقسامها : هذا النوع تحته قسمان : 
أ – أن تكون الجائزة مؤثرة في السعر بحيث إن التاجر رفع السعر مقابل الجائزة. 
حكمها : محرمة ولا تجوز وهي من الميسر . 
التعليل : لأن العميل أو المستهلك لما اشترى هذه السلعة زاد في الثمن وقد يحصل على الجائزة وقد لا يحصل على الجائزة ، فهو إما غانم أو غارم. 
ب – ألا يكون للجائزة أثر في السعر ، فالسعر كما هو لكنه وضع هذه الجائزة؛ السيارة أو الثلاجة ونحو ذلك لكي يرغب في الشراء منه ، وإلا فالأسعار كما هي. 
حكمها : هذه موضع خلاف بين المتأخرين : 
القول الأول : التفصيل : قالوا : إن كان قصد المستهلك السلعة لحاجته إليها فهذا جائز، المهم عنده السلعة وليس قصده الجائز هو يريد أن يشتري حليباً أو لبناً أو نحو ذلك سواء وجد عليه جائزة أو لم تكن عليه جائزة ، فكونه يدخل في المسابقة ويحل الأسئلة هذا جائز ولا بأس به. 
وإن كان ليس قصده السلعة وإنما قصده الجائزة فهو لا يحتاج إلى السلعة وإنما أراد من هذا الشراء أن يحوز على الجائزة . فقالوا بأن هذا محرم ولا يجوز لأنه لا يخلو عن القمار فهو داخل إما غانم أو غارم. وما دام أنه لا يحتاج إلى السلعة فغالباً أنه لا ينتفع بها . وهذا القول بالتفصيل هو ما يذهب إليه الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله.
التعليل : قالوا : إذا كان الإنسان يريد هذه السلعة وينتفع بها فقد انتفى المحذور، وليس هناك شائبة قمار أو ميسر فالسلعة بثمنها والمستهلك أو العميل يحتاج إليها والأصل في المعاملات الحل . 
القول الثاني : التحريم مطلقاً . 
التعليل : 1 – قالوا : حتى وإن كانت السلعة بسعر المثل والعميل يحتاجها فإن اشتراط عدم الزيادة في السعر مما يصعب ضبطه . 
2 – قالوا أيضاً : قصد العميل للسلعة أمر خفي يصعب التحقق منه لأن العميل قد يأخذ في اعتباره الجائزة. فإذا قصد الجائزة دخل في مسألة القمار. 
3 – قالوا أيضاً : مثل هذه المعاملات مدعاة لأن يشتري الإنسان ما لا يحتاجه وهذا فيه شيء من الإسراف . 
4 – قالوا أيضاً : القمار موجود من جهة البائع فقد يفوز أحد المشترين بهذه الجائزة وسلع البائع لم تنته . فيكون البائع داخلاً في القمار إما غانم أو غارم. 
الترجيح : 
والأقرب في مثل هذا هو الرأي الأول وأن مثل هذا أمر جائز ولا بأس به إن شاء الله لما ذكرنا من أن الأصل في المعاملات الحل. 
والعلل التي ذكرها أصحاب القول الثاني فإنها تنتفي بما ذكره أصحاب القول الأول من الضوابط ، وذلك: 
أ – بأن تكون بسعر المثل . 
ب – أن يشتري ما يحتاجه . 
فإذا توفر ذلك انتفت تلك العلل . 
الثالث : أن تكون الجائزة عن طريق المسابقات التي يظهر منها تعليم الناس وإرشادهم . 
مثالها : كما تصنعه بعض المؤسسات التربوية أو بعض المؤسسات التعليمية بحيث تضع مسابقة على شريط هادف أو كتاب من كتب أهل العلم أو أسئلة شرعية تقصد من وراء ذلك تعليم الناس وإرشادهم مثل هذه الأحكام. 
حكمه : هذا القسم حكمه ينبني على خلاف أهل العلم رحمهم الله ، هل يجوز أخذ العوض عن المسائل العلمية أو لا ؟ وهذه المسألة فيها قولان : 
الحنفية وهو اختيار شيخ الإسلام يقولون : هذا جائز ولا بأس به يعني يقولون: يجوز أخذ الرهان على المسائل العلمية الشرعية، بحيث يتسابق اثنان على مسألة علمية هل هي من الحلال أو الحرام ؟ وكل منهم يدفع مئة ريال فمن كان القول قوله أخذ العوض وخسر الآخر. فكل منهم الآن يدخل وهو غانم أو غارم وهذا من الرهان الذي أباحه الشارع. 
تعليلهم : قالوا : كما أن الدين قام بالسيف والسنان أيضاً قام بالعلم والبيان. 
2 – الجمهور : أنه محرم ولا يجوز . 
دليلهم : أن النَّبِيّ r حصر الرهان في ثلاثة أشياء : الخف والنصل والحافر . يعني في آلات الجهاد . فقال r : " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر". 
وإن شاء الله سنتعرض لهذه المسألة لاحقاً وسنذكر ضابطاً لها . 
الترجيح : 
الراجح في هذه المسألة ما ذهب إليه الحنفية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . 
القسم الثاني : الجوائز التابعة للسلع : 
وهذا القسم أيضاً تحته أنواع : 
النوع الأول : أن تكون الجائزة من قبل البائع بلا شرط ولا قيد ، وقد تكون هذه الجائزة عيناً وقد تكون منفعة . 
مثالها : أ – الجائزة العينية : أن يشتري من صاحب المحل فيعطيه كذا وكذا من الهدايا أو ما يوجد الآن في محطات البنزين ؛ يعبئ كذا وكذا من البنزين فيعطيه صاحب المحطة وكذا وكذا. 
ب – الجائزة المنفعة : مثلاً من أصلح السيارة عنده فالإصلاح الثاني يكون مجاناً أو من غسل عنده السيارة يكون الغسيل الثاني عنده مجاناً.
حكمها : جائزة لا بأس بها . 
التعليل : لأن الأصل فيها الحل لعدم المحذور الشرعي . 
النوع الثاني : أن تكون الجائزة هدية معلومة للمشتري : 
صورتها : أن تشتري السلعة وقد بين لك البائع أن مع هذه السلعة هدية. 
حكمها : جائزة ولا بأس بها . 
التعليل : لأن هذه الهدية بمثابة التخفيض أو الخصم ولا يوجد شيء من الغرر للعلم بهذه الهدية . 
النوع الثالث : أن تكون الهدية مجهولة لكونها داخل السلعة . 
حكمها : فيها تفصيل : 
إن كانت هذه الجائزة لها أثر في السعر يعني رفع السعر من أجل هذه الجائزة فهذا لا يجوز لأن الإنسان يدخل في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم. فقد تكون هذه الزيادة في السعر مساوية لهذه الهدية وقد تكون هذه الزيادة أكثر وقد تكون أقل . فيدخل وهو إما غانم أو غارم فإذا كان كذلك فإنه لا يجوز . 
أما إن كانت الجائزة – الهدية – ليس لها أثر في السعر فإن هذا جائز ولا بأس به لما تقدم من أن هذا بمثابة التخفيض والخصم والأصل في المعاملات الحل. 
النوع الرابع : أن تكون الجائزة في بعض السلع دون بعض، فيشتري هذه السلعة وقد يكون فيها جائزة وقد لا يكون فيها جائزة. 
حكمها : جائزة لكن تقيد بقيدين : 
القيد الأول : ألا يكون للجائزة أثر في السعر . 
القيد الثاني : أن يشتري الإنسان ما يحتاجه من هذه السلع . 
النوع الخامس : أن تكون الجائزة من النقود ، يعني يكون في دخل هذه السلعة شيء من النقود . 
حكمها : اختلف فيها المتأخرون . 
القول الأول : أنها محرمة ولا تجوز . 
التعليل : لأنها داخلة في مسألة مد عجوة ودرهم . ومد عجوة ودرهم هو بيع ربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسهما . 
مثال ذلك : بر ببر ومع الأول شيء من الدراهم، فبر ببر ربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسهما هذه هي مسألة مد عجوة ودرهم . 
دليلها : حديث فضالة بن عبيد لما اشترى قلادة فيها خرز بدنانير، الدنانير ذهب والقلادة من ذهب فيها شيء من الخرز . فقال النَّبِيّ r : " لا ، حتى تفصل بينهما"، يعني عندما تبيع ذهباً بذهب لابد من التساوي ولا يجوز أن يكون مع أحد العوضين شيء زائد حتى ولو كان من غير الجنس ، فإن كان من الجنس فقد دخلت في ربا الفضل ، وإن كان من غير الجنس أيضاً محرم لأنه وسيلة إلى ربا الفضل. 
فإذا كانت من النقود فهذه محرمة لأنه سيبادل دراهم بدراهم ومع أحدهما من غير جنسهما فالريالات هذه ربوية والريالات التي في السلعة أيضاً ربوية فهو الآن يبادل دراهم بدراهم ومع أحدهما من غير جنسهما . 
القول الثاني : التفصيل في المسألة فقالوا : ينظر إلى هذه الدراهم : 1 - إن كانت شيئاً يسيراً فهذا لا بأس به. 
مثال ذلك : اشترى ما قيمته خمسون ريالاً وفي السلعة ريال واحد فالدراهم هنا ليست مقصودة ، فأصبح الآن دراهم بسلعة وهذا الريال تابع وليس مقصوداً. 
التعليل : العلماء يقولون : حتى في مسألة مد عجوة ودرهم ، التابع اليسير لا أثر له. 
2 - وإن كانت الدراهم كثيرة فإن هذا لا يجوز . 
التعليل : لوجود القصد فأصبحت دراهم بدراهم ومع أحدهما من غير جنسهما. 
الترجيح : وهذا القول الثاني – القول بالتفصيل – هو الصواب . 
القسم الثالث : قسائم السحب على الجوائز : 
صورته : بعض المحلات أو الشركات التجارية عند شراء المستهلك شيئاً من السلع فإنه يحصل على بطاقة ثم بعد انتهاء مدة معينة يقومون بالسحب على هذا البطاقات. يعني عندما تشتري سلعة تعطى بطاقة فيها رقم، ورقم آخر تضعه عند تلك الشركة أو المحل التجاري . ثم بعد مضي فترة يقام بالسحب على هذه الأرقام فمن خرج نصيبه استحق هذه الجائزة. 
حكمه : هذا القسم موضع خلاف بين المتأخرين : 
القول الأول: الجواز ، قال به : الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله واللجنة الشرعية في بيت التمويل الكويتي، واشترطوا لذلك شرطين : 
الأول: عدم رفع قيمة السلع، يعني لا يكون للجائزة أثر في رفع قيمة السلع. فتكون السلعة بمثل الثمن . 
الثاني : أن يكون شراؤه لهذه السلعة من أجل حاجته إليها ولا يقصد الشراء من أجل الجائزة . 
التعليل : أ – أن الأصل في مثل هذه الأشياء الحل . 
ب – أن شائبة الميسر أو القمار قد انتفت إذا لم يكن للجائزة أثر في السعر. 
القول الثاني : أن هذا محرم ولا يجوز ، وهذا ما ذهب إليه الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وكذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة. 
التعليل : أ – قالوا : مثل هذه الصورة فيها شائبة القمار . وكونه يتخلص منه بالقيود السابقة فهذا قد يصعب . 
ب – وأيضاً قالوا : هناك إضرار بالآخرين – المحلات الأخرى - . 
جـ - وأيضاً قالوا : هذا مدعاة لأن يشتري الإنسان مالا يحتاجه من السلع . 
الترجيح : 
الأقرب في مثل هذا كما تقدم والله أعلم القول بالجواز إذا ضبطت بالقيود التي ذكرها أصحاب القول الأول. 

خامساً : البطاقات التخفيضية : 
صورها : 
بحسب الاستقراء تنقسم إلى ثلاثة صور : 
1 – البطاقات التخفيضية العامة . 
2 – البطاقات التخفيضية الخاصة . 
3 – البطاقات المجانية . 
وهذه البطاقات استجدت في هذه الأزمان وتكلم عليها العلماء وكتب فيها الباحثون . 
الصورة الأولى : البطاقات التخفيضية العامة : 
تعريفها : هي البطاقات التي يستفيد منها المستهلك أو العميل في الخصم من الأسعار أو الخدمات لدى جهات تجارية عديدة . 
والغالب أن الذي يقوم بإصدار هذا النوع من البطاقات شركات السياحة والدعاية والإعلان . 
الفرق بين البطاقات العامة والبطاقات الخاصة . 
الفرق بين البطاقات العامة والبطاقات الخاصة من وجهين : 
الوجه الأول : أن البطاقات التخفيضية العامة أطرافها ثلاثة : 
1 – المصدر للبطاقة ، الغالب أن المصدر للبطاقة هي شركات السياحة والدعاية والإعلان . 
2 – الجهات التجارية المشتركة في هذه البطاقة والمانحة للتخفيض . 
3 – العميل أو المستهلك . 
وأما البطاقات التخفيضية الخاصة فإن أطرافها طرفان فقط : 
1 – العميل . 2 – وجهة الإصدار . 
فالعميل يشترك في هذه البطاقة من جهة الإصدار مباشرة من المستشفى أو الفندق أو المحل التجاري أو المطعم أو غير ذلك يشترك اشتراك مباشر وليس هناك طرف ثالث بين العميل وجهة التخفيض. 
الوجه الثاني : أن البطاقات التخفيضية العامة يستفيد المستهلك بها من جهات تجارية عديدة وليس جهة تجارية واحدة فتجد أنه يستفيد من مجموعة من الفنادق أو من مجموعة من شركات الطيران أو من المطاعم أو المحلات التجارية أو من هذه كلها فيستفيد من المحلات التجارية والمطاعم والفنادق وشركات الطيران وغير ذلك. 
أما بالنسبة للبطاقات التخفيضية الخاصة فالعميل إنما يستفيد من جهة واحدة فقط لا يستفيد من غيرها. 
حكمها : أكثر أهل العلم على أنها محرمة ولا تجوز ، وبهذا صدرت الفتوى عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة، فذهبوا إلى تحريم هذه البطاقة. 
التعليل : قالوا : 1 – جهة التخفيض وهي الجهات التجارية تقوم باستجئار جهة الإصدار، فالعلاقة بينهما علاقة عقد إجارة فجهة التخفيض تبذل لجهة الإصدار رسماً إما أن يكون مقطوعاً وإما أن يكون نسبة من المبيعات التي حصل عليها المحل من التخفيض بسبب البطاقة . والمنفعة التي تستفيدها جهة التخفيض هي منفعة الدعاية ومنفعة جمع كثير من الناس للشراء أو الاستئجار . 
فإذا كان الأمر كذلك فالإجارة هنا فيها غرر ، وجه الغرر أن المنفعة التي تستفيد جهة التخفيض وهي الشراء وهي غير متحققة فقد يحصل الشراء وقد لا يحصل. فإذا كان كذلك فإنه يكون محرماً.
2 – إذا كانت الأجرة هي نسبة من المبيعات فإن هذه الأجرة مجهولة . فهنا حصل عقد إجارة والأجرة فيه مجهولة فلا ندري قد تكون قليلة وقد تكون كثيرة. 
3 – إن العلاقة بين جهة الإصدار وبين العميل علاقة إجارة فإن العميل يقوم بدفع رسم سنوي أو شهري مقابل أخذ هذه البطاقة لكي يستفيد من التخفيضات. فهذه منفعة مجهولة فيها غرر . فقد يستفيد وقد لا يستفيد. 
4 – وهو أقواها أن منفعة الاستفادة عند غير المؤجر – عند جهة التخفيض – فالمؤجر الآن ليست عنده المنفعة ، فهذه منفعة غير مقدور على تسليمها بالنسبة لجهة الإصدار وهي الشركة السياحية ، وحينئذ جهة الإصدار عقدت على منفعة لا تملكها. 
نعم ، العميل يستفيد كتيبات تصدرها جهة الإصدار فيها الفنادق والمحلات التجارية... إلخ ، لكن هذه ليست هي المقصود له ، المقصود له هو التخفيض وهذا التخفيض لا يملكه جهة الإصدار التي استأجرها هذا العميل ودفع لها هذه النسبة، فحينئذٍ تكون جهة الإصدار عقدت على منافع لا تملكها . وهي منافع التخفيض التي تكون عند المحلات التجارية. 
وعلى هذا كان الراجح في هذه البطاقات التخفيضية أنها محرمة لما ذكرناه من هذه الوجوه الأربعة . وقلنا : إن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد أفتت بتحريم مثل هذه البطاقات . 
مع أن اللجنة الدائمة – أيضاً – أشارت إلى أن كثيراً من هذه البطاقات بطاقات وهمية. يقصد منها استغلال الناس وأكل أموالهم بالباطل. 
وأما ما قد يتوهمه المستهلك من أنه سيحصل له تخفيض في هذه المحلات التجارية أو الشركات فإن هذا لا وجود له. 
الصورة الثانية : البطاقات التخفيضية الخاصة : 
وقد تقدم بينانها عند ذكر الفرق بين البطاقات التخفيضية العامة والبطاقات التخفيضية الخاصة. 
تعريفها : هي التي لا يستعملها المستهلك إلا في جهة تخفيضية واحدة والأطراف فيها طرفان : 
الطرف الأول : العميل المستهلك . 
الطرف الثاني : جهة الإصدار وهي جهة التخفيض . 
مثالها : كما لو قام فندق من الفنادق بإصدار بطاقات يدخل فيها الراغبون عن طريق رسوم يدفعونها مثلاً مئة ريال فتستفيد من هذا الفندق إذا أردت أن تسكن فيه بالخصم عشرين أو ثلاثين بالمئة. 
أو مثلاً مستشفى من المستشفيات التجارية أو مستوصف من المستوصفات التجارية أو شركة طيران .. إلخ تقوم بإصدار بطاقة يشتريها الراغبون يستفيدون من التخفيضات التي تقدمها هذه الجهة المصدرة مقابل هذه البطاقة . 
حكمها : اختلف فيها المتأخرون ، ولا شك أنها أخف من البطاقة التخفيضية العامة لأننا ذكرنا أن أقوى الأدلة ؛ أن جهة الإصدار – المؤجر – في البطاقات التخفيضية العامة لا تملك المنفعة فهي غير مقدور عليها . أما هنا فجهة الإصدار هي جهة التخفيض فهي الآن تملك المنفعة فزال هذا المحذور ولهذا الخلاف في هذه المسألة أخف من الخلاف في المسألة السابقة ، على كل حال العلماء لهم فيها قولان : 
القول الأول : إلحاق هذه البطاقات التخفيضية الخاصة بالبطاقات التخفيضية العامة وأنها محرمة ولا تجوز، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة . 
التعليل : قالوا : إن العلاقة بين المستهلك وجهة الإصدار علاقة إجارة، فالعميل يدفع رسماً من المال مقابل المنفعة التي يستفيدها من المستوصف أو الفندق أو من المحل التجاري... إلخ. قالوا : إن المنفعة في هذه الإجارة وهي التخفيض هذه مجهولة وإذا كانت مجهولة فإنه لا تجوز، فقد يستفيد العميل من هذا الفندق وقد لا يستفيد وأيضاً إذا استفاد ما هو قدر الاستفادة ؟! فقد يحتاج إلى هذا المستوصف في كل أسبوع وقد لا يحتاج إليه إلا مرة واحدة في الشهر وقد لا يحتاج إليه طوال السنة. 
فقالوا : المنفعة التي تتعلق بالتخفيض مجهولة ويترتب على ذلك الغرر للعميل وكذلك أيضا مصدر البطاقة . 
ولهذا ذهبت اللجنة الدائمة – كما أسلفت – إلى أن هذه البطاقة بطاقة محرمة ولا تجوز. 
القول الثاني : ذهب بعض الباحثين إلى جوازها وقيدها بقيدين : 
أ – معرفة نسبة التخفيضات : مثلاً هذا المشتري لهذه البطاقة يدفع مئة ريال. كم يحصل من التخفيض؟ يحصل على عشرين بالمئة من أسعار هذا المستوصف. 
ب – معرفة ما يكون فيه التخفيضات : مثلاً المستوصف تستفيد من العلاج الفلاني كذا وكذا وكذا. 
أما على القول الأول حتى مع هذين القيدين لا يزال الغرر موجوداً. 
الصورة الثالثة : البطاقات التخفيضية المجانية : 
تعريفها : هي البطاقات التي تمنحها الجهات التجارية للمستهلكين مكافأة على تعاملهم معها أو تشجيعاً عليه. 
مثالها : زيد من الناس تعامل مع هذا المحل التجاري فأعطاه المحل بطاقة تخفيضية على أن يخصم له من الأسعار كذا وكذا. 
حكمها : أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية بجواز مثل هذه البطاقة وأنه لا بأس بها. 
التعليل : 1 – لعدم المحذور الشرعي في ذلك . 
2 – لأن الأصل في المعاملات الحل . 

سادساً : المسابقات والألعاب : 
تعريفها : 
المسابقات في اللغة مأخوذة من السبق وهو التقدم والغلبة . 
وأما في الاصطلاح فهو عقد يكون بين فردين أو فريقين في مجال علمي أو عسكري أو رياضي من أجل معرفة السابق من المسبوق. 
أقسامها : 
تنقسم المسابقات في الشريعة إلى ثلاثة أقسام : 
القسم الأول : المسابقات المشروعة : 
تعريفها : هي التي نص عليها النَّبِيّ r في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر " . الخف : الإبل ، والنصل ، السهام ، والحافر: الخيل. 
فالمسابقات على هذه الأشياء : الإبل والخيل والسهام هذه المسابقات مشروعة يعني أن الإنسان إذا فعلها يؤجر عليها تكون سنة ويلحق بها كل ما كان من آلات الجهاد، فكل آلات الجهاد المسابقة عليها من المسابقة المشروعة التي يؤجر الإنسان عليها. لما في ذلك من تعليم آلات الجهاد والاستعداد لقتال الكفار ولهذا رخص الشرع فيها بالرهان كما سيأتي إن شاء الله . 
حكم أخذ العوض عليها : 
أخذ العوض على المسابقة على آلات الجهاد له أربعة أقسام : 
1 – أن يكون العوض من الإمام ؛ يعني السلطان الأعظم يجري المسابقة في آلة من آلات الجهاد كالخيل أو الإبل أو الرمي . 
حكمه : جائز بالاتفاق . 
دليله : حديث ابن عمر أن النَّبِيّ r " سابق بين الخيل وأعطى السابق" أخرجه الإمام أحمد والبيهقي وغيرهما . 
2 – أن يكون العوض من كل منهما ؛ يعني زيد يدفع مئة ريال وعمرو يدفع مئة ريال ثم يتسابقان في الرمي مثلاً فمن أصاب الهدف يأخذ المئتين. 
حكمه : أ – جمهور أهل العلم قالوا بالجواز لكن بشرط المحلل. والمحلل متسابق ثالث يدخل مع المتسابقين ويغنم ولا يغرم. 
مثال ذلك : يتسابقان على الخيل زيد دفع مئة ريال وعمرو دفع مئة ريال لكي تصح هذه المسابقة يدخل معهما ثالث لا يدفع شيئاً إن فاز أخذ العوض كله – غنم – وإن خسر – سبق – لم يدفع شيئاً . فهو يغنم ولا يغرم . هذا هو المحلل. 
الدليل : حديث أبي هريرة أن النَّبِيّ r قال : " من أدخل فرساً بين فرسين فإن كان يأمن أن يسبق فهو قمار وإن كان لا يأمن أن يسبق فليس بقمار" . يعني إذا كان المتسابقان يعرفان أن هذا الفرس الثالث سيُسبق فهذا قمار لا يجوز، وإن كان يمكن أن يسبق ويمكن أن يُسبق قال: هذا ليس بقمار. 
لكن هذا الحديث غير ثابت عن النَّبِيّ r ولهذا : 
2 – رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام وابن القيم ؛ قالوا : إن المحلل ليس شرطاً. ويصح أن يتسابق اثنان وإذا سبق أحدهما فله العوض والآخر يخسر. 
التعليل : هذا من الرهان والميسر الذي جاء به الشارع لما يترتب عليه من المصلحة العظيمة إذ إن هذا إنما يكون على آلات الجهاد خاصة. 
الدليل : قول النَّبِيّ r كما في حديث أبي هريرة : " لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر " . 
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : والقول بالمحلل تلقاه الناس عن سعيد بن المسيب وأما الصحابة فلم يحفظ عن أحد منهم أنه قد اشترطه. 
الترجيح : 
وعليه نقول : القسم الثاني : إذا كان العوض من كل منهما فإن هذا جائز ولا بأس به ويكون من الميسر والرهان الذي رخص فيه الشارع لما يترتب عليه من المصلحة. 
3 – أن يكون العوض من أجنبي . 
حكمه : هذا من باب أولى بالجواز . 
مثاله : لو قال : تسابقا والسابق أعطيه كذا وكذا . أو اضربا هذا الهدف والذي يصيبه فله كذا وكذا. 
4 – أن يكون العوض من أحدهما . 
حكمه : أيضاً هذا جائز ولا بأس به . 
التعليل : لأننا إذا أجزنا أن يكون العوض من كل منهما فكون العوض من أحدهما هذا من باب أولى. 
الخلاصة : تلخص أن ما يتعلق بالمسابقات المشروعة أنه يجوز أخذ العوض فيها مطلقاً؛ سواء كان من الحاكم أو من أحدهما أو من أجنبي أو من كل منهما ويكون هذا من الرهان والميسر الذي جاءت الشريعة بالرخصة فيه . 
القسم الثاني : المسابقات المحرمة : 
ضابطها : كل مسابقة ترتب عليه ضرر في الدين إما بترك واجب أو فعل محرم أو ضرر في الدنيا سواء كان في الأبدان أو الأموال والأعراض. 
مثالها : 1 – ما يوجد اليوم من سباق السيارات فهذه ضررها ظاهر كما يكون فيها من الحوادث وغير ذلك. 
2 – اللعب بالملاكمة لما يترتب عليها من أضرار . 
3 – المسابقات والألعاب التي تولد الحزازية والتحزبات وتوجد الفرقة بين الناس فهذه كلها محرمة ولا تجوز فاللعب بالكرة إذا كان يولد الحزازية والفرقة بين المسلمين وغير ذلك فهذا نقول بأنه محرم ولا يجوز . لكن إذا انتفى ذلك فإن اللعب بالكرة – كما سيأتي – يدخل في المسابقات المباحة. 
4 – المسابقات التي يترتب فيها كشف العورات. 
5 – المسابقات التي فيها صور مقصودة . 
6 – أو التي فيها إيذاء للحيوان ... ونحو ذلك . 
حكم أخذ العوض عليها : 
أخذ العوض على هذا القسم محرم ولا يجوز مطلقاً . سواء كان من كل منهما أو كان من أحدهما أو كان من أجنبي ... إلخ. 
القسم الثالث : المسابقات المباحة : 
وهي ما عدا القسمين السابقين :
ضابطها : كل مسابقة ترتبت عليها مصلحة وانتفت عنها مضرة . 
مثالها : 1 – المسابقة على الأقدام فهذه من المسابقات المباحة ولا نقول إنها من المشروعة وإن كان فيها نوع من الاستعانة على الجهاد ؛ لأن النَّبِيّ r حصر فقال: "لا ..... إلا في خف أو نصل أو حافر" . فحصر ذلك في آلات الجهاد التي تستخدم في الجهاد غالباً. 
2 – السباحة .             3 – السبق على الدراجات . 
4 – رفع الأثقال .             5 – المصارعة . 
6 – لعب الكرة إذا انتفى من المحاذير الشرعية . 
7 – ما يوجد الآن من الألعاب التي يستخدمها الأطفال، الأصل فيها أنها من المباح لأنه يترتب عليه مصلحة وينتفي عنها المضرة . 
ضوابط الحل في هذا القسم : 
الضابط الأول : ألا يترتب عليها مضرة في الدين بترك واجب أو فعل محرم. 
ترك واجب : مثل تأخير الصلاة عن وقتها . 
فعل منهي عنه : مثل ما قد تولده من البغضاء أو الفحش أو السباب أو غير ذلك. 
الضابط الثاني : ألا يترتب عليها مضرة في الدنيا سواء كانت للأموال أو الأعراض والأبدان . 
الضابط الثالث : ألا يكثر منها المكلف . 
وقولنا : المكلف ، يخرج غير المكلف . ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يرخص للصغير ما لا يرخص للكبير. قالت عائشة رضي الله عنها كما في البخاري: اقدروا للجارية حديثة السن قدرها. 
فالكبير يرخص له أن يلعب ويتلهى لما في ذلك من إجمام القلب والاستعانة على طاعة الله عز وجل لكن لا يكون هذا ديدناً له كالصغير فإنه يرخص للصغير ما لا يرخص للكبير. 
وعلى هذا تجد العلماء رحمهم الله اختلفوا في اللعب بالورقة هل هو جائز أو ليس بجائز؟ فتجد بعض العلماء يقول بأنه جائز وبعض العلماء يقول بأنه غير جائز. لكن إذا ضبطت بمثل هذه الضوابط التي ذكرنا (فلا بأس بها). 
حكم أخذ العوض على هذا القسم : 
أخذ العوض – كما في القسم الأول – ينقسم إلى أربعة أقسام : 
الأول : أن يكون العوض من الإمام ، كما لو كان هناك مسابقة على الأقدام أو الدرجات وأعطى الإمام فيها عوضاً . 
حكمه : جائز ولا بأس به . 
الثاني : أن يكون العوض من كل منهما ؛ يعني يتسابقان على الأقدام أو سباحة أو مصارعة وكل منهما يدفع عوضاً ، هذا يدفع مئة ريال وهذا يدفع مئة يأخذها الغانم. 
حكمه : هذا محرم ولا يجوز . 
الدليل : قول النَّبِيّ r : " لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر " . 
الثالث : أن يكون العوض من أجنبي ؛ يعني يقول : يلعب هؤلاء والذي يفوز أعطيه كذا وكذا . 
حكمه : اختلفوا فيه : 
أ – كثير من أهل العلم منع من ذلك وقال: إن العوض الذي جاء الشرع بإباحته بينه النَّبِيّ r في قوله : " لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" . 
وممن ذهب إلى المنع ابن القيم رحمه الله وقال : مثل هذه المسابقات كالخمر قليلها يدعو إلى كثيرها ، وكثيرها يصد عما يحبه الله ورسوله ، وذكر : أنها تخرج عن مقصودها وهو ما يتعلق بتقوية البدن والاستعانة على طاعة الله وإجمام القلب إلى أن يكون القصد بها التجارة والكسب . 
ب – والأقرب – والله أعلم – أن هذا القسم يلحق بالقسم الأول وهو ما إذا كان العوض من الإمام . هذا الذي يظهر فإذا كان العوض من الإمام جائزاً فيظهر إذا كان العوض من أجنبي خارج عن المتسابقين أن هذا جائز . 
التعليل : لأن الأصل هو إباحة مثل هذه الأشياء . 
وأما القول بأن قليلها يدعو إلى كثيرها كما ذكر ابن القيم رحمه الله ضبطناها بضوابط. 
والقول بأن هذا يدعو إلى أن تكون مصدراً للكسب ... إلخ ، فإن هذا بعيد وإذا تضمنت محاذير شرعية منعت. 
الرابع : أن يكون العوض من أحدهما . 
حكمها : الذين منعوا في القسم الثالث يمنعون في القسم الرابع من باب أولى ، والمنع في القسم الرابع أقرب من الإجازة. 
وعلى هذا تكون المسابقات المباحة في قسمين يجوز أخذ العوض وفي قسمين لا يجوز أخذ العوض . 
والمشروعة : يجوز أخذ العوض مطلقاً . 
والمحرمة : لا يجوز أخذ العوض مطلقاً . 

سابعاً : المسابقات العلمية : 
قد سبق أن ذكرنا عندما تحدثنا عن الجوائز ذكرنا أن من أقسام الجوائز التي تكون عن طريق المسابقات الجوائز التي تكون عن طريق المسابقات ويقصد منها تعليم الناس وإرشادهم أمور دينهم. مثل أن تقوم مؤسسة تربوية أو تعليمية بإقامة مسابقة على شريط من الأشرطة الهادفة التي تربي الناس أو تعلمهم أو على كتاب علمي أو على أسئلة شرعية علمية يقصد منها تبيين هذا الحكم للناس. وأشرنا أن هذه المسابقة تبنى على خلاف أهل العلم في أخذ العوض على المسابقات العلمية. 
حكم أخذ العوض في المسابقات على المسائل العلمية : 
اختلف فيه العلماء على رأيين : 
أ – الجمهور : أنه لا يجوز الرهان على المسائل العلمية وأن هذه المسائل حكمها حكم المسابقات المباحة . يعني إذا كان العوض من كل منهما أو من أحدهما فإنه لا يجوز . فلا يلحقونها بالمسابقات الشرعية . 
دليلهم : حديث ابي هريرة أن النَّبِيّ r قال : " لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" . فقالوا : إن النَّبِيّ r حصر العوض " لا سبق " ، بالتحريك يعني لا عوض إلا في هذه الأشياء الثلاثة . 
ب – أبي حنيفة ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم : أنه يجوز بذل العوض في مثل هذه المسابقات ويجوز أخذ الرهان عليها وتلحق بالمسابقات الشرعية. 
دليلهم : استدلوا على ذلك بأدلة منها : 
1 – أن أبا بكر راهن كفار مكة على غلبة الروم للفرس وقد بذل كل منهم جعلاً، ابو بكر يذهب إلى غلبة الروم وكفار مكة يذهبون إلى غلبة الفرس بذل كل منهم جعلاً ولم يقم دليل على نسخ ذلك . وهذه المراهنة ليست من الأصناف الثلاثة التي حصرها النَّبِيّ r . وأقره النَّبِيّ r على ذلك . وهذا أخرجه الترمذي وقال ابن حجر في الإصابة : رجاله ثقات .
2 - قالوا : الدين كما أنه قام بالسيف والسنان أيضاً قام بالعلم والبيان والنبي r في المرحلة المكية ظل ثلاث عشرة سنة وهو يعلم الناس ويبين لهم ولم يؤذن له بالجهاد ولم يفرض عليه الجهاد حتى انتقل إلى المدينة . 
3 – قالوا : إن تعلم العلم من الجهاد في سبيل الله ولهذا في الترمذي أن النَّبِيّ r قال : " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع " . 
الترجيح : 
وهذا القول هو الصواب وأنه يجوز بذل العوض في المسابقات العلمية وعلى هذا نقول: إن المسابقات العلمية تلحق بالمسابقات الشرعية فيجوز بذل العوض من كل من المتسابقين وإذا كان بذل العوض من الإمام جاز ذلك وإذا كان من أحدهما جاز ذلك وإذا كان من أجنبي جاز ذلك . 
شروط أخذ العوض على المسابقات العلمية . 
لكن نشترط لهذا القسم ثلاثة شروط : 
الأول: أن تكون المسابقات في المسائل العلمية الشرعية كمسائل الفقه والعقيدة والحديث وأصول الفقه والتفسير وغير ذلك ، ولا تكون في المسائل العلمية المباحة، فلا يصح بذل العوض في المسائل العلمية المباحة . 
الثاني : ألا يقصد من أقام هذه المسابقة الكسب والتجارة وإنما يقصد تعليم الناس وإرشادهم، وعلى هذا فما تفعله بعض الجهات التجارية أو المؤسسات التجارية من إقامة مسابقات شرعية قصدها بذلك الكسب والتجارة ولا تقصد بذلك إرشاد الناس وتعليمهم ، ولهذا تجد أن هذه المسابقات سهلة جداً لا تحتاج إلى بحث قد تكون صح وخطأ أو تكون الإجابة عليها في متناول الناس. فيقصدون من هذا الكسب والتجارة . فهذا لا يصح ولا يجوز لأنه إنما رخص الشارع في مثل هذه الأمور رخص في الميسر وأخذ الرهان فيها إذا كان في ذلك نصرة للدين وتعلم لأحكامه وتبيين لها وإرشاد الناس إليها . 
أما إذا قصد من وراء ذلك الكسب والتجارة كما قد تفعله بعض المؤسسات التجارية وليس قصدها الأول تعليم الناس وإنما قصدها الأول بيع سلعها ونحو ذلك فيدخل الناس فيها عن طريق رسوم بطاقات أو عن طريق دفع أو نحو ذلك وقصدهم الكسب والتجارة . أو عن طريق شراء السلع وهذه الجوائز أثرت في أثمان السلع بزيادتها. 
الثالث : أن يحذر من الميسر بعد إقامة المسابقة ، لأن هذه المسابقات التي تقام يدخل فيها الناس وهم غانمون أو غارمون ويبذلون العوض. هذا جوزه الشارع . لكن بعد انتهاء المسابقة القائمون على مثل هذه المسابقات يقومون بإجراء القرعة بين الفائزين أو السحب . وكونهم يقومون بالسحب ولا يعطون كل من فاز جائزة هذا من الميسر لأن هذا إما يغنم أو يغرم ؛ يعني أقيمت المسابقة على كتاب علمي، شارك في المسابقة مئتا شخص، فإن مئة شخص هؤلاء المئة الذين فازوا ، تجد أن القائمين على المسابقة لا يعطونهم كلهم جوائز مع أنهم كلهم استحقوا الجائزة. لكن يجرون بينهم القرعة وإجراء القرعة – كما ذكر العلماء رحمهم الله – مع الاستحقاق من الميسر فكونهم بعدما يفرزون الفائزين يقومون بإجراء القرعة على من فاز فمن خرجت له القرعة أخذ ومن لم تخرج له القرعة لم يأخذ هذا لا يجوز ومحرم وهو من الميسر. 
وقد ذكر العلماء هذا في أحكام القرعة عندما تكلموا على القرعة وأن القرعة يصار إليها عند اشتباه الحقوق وتساويها أما إذا استحق كل منهم فإنه لا يجوز إجراء القرعة. 
فمثلاً في قول النَّبِيّ r : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " ، إذا وجد عندنا قارئان اجتمعت فيهما الصفات الشرعية للإمامة من القراءة والسنة والسبق بالهجرة والإسلام والسن وغير ذلك حينئذٍ نجري القرعة . أما إذا كان كل واحد منهما مستحق ويمكن القسمة بين هذين المستحقين ولا تزاحم بينهما ، فلا تجرى القرعة. 
الخلاصة : 
فتلخص أن هذه المسابقات العلمية أن الأصل فيها الجواز كما دل على ذلك رهان أبي بكر رضي الله عنه مع المشركين وذكرنا لذلك ثلاثة شروط. 
ثامناًً : عقد التأجير المنتهي بالتمليك :
التأجير المنتهي بالتمليك أو الإجارة المنتهية بالتمليك هذا المصطلح ، اصطلاح معاصر لم يكن عند الفقهاء السابقين . 
تعريفه : 
هذا المصطلح مركب من كلمتين : 
أ – التأجير أو الإجارة .             ب – التمليك . 
وسنعرف هاتين الكلمتين ثم نقوم بتعريف هذا العقد مركباً . 
أولاً : التأجير في اللغة : مشتق من الأجر ، وهو الجزاء على العمل ويطلق أيضاً على الثواب . 
والإجارة : اسم للأجرة ، وهي ما يعطى من الأجر على العمل . 
وأما الإجارة في اصطلاح العلماء : هي عقد على منفعة معلومة مباحة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو على عمل معلوم بعوض معلوم مدة معلومة . 
فتلخص لنا أن الإجارة تنقسم إلى قسمين : 
1 – إجارة أعيان .             2 – إجارة أعمال . 
ثانياً : التمليك ، وهو في اللغة : جعل الغير مالكاً للشيء . 
وأما في الاصطلاح فإنه لا يخرج عن المعنى اللغوي . 
والتمليك قد يكون تمليكاً للعين ، وقد يكون تمليكاً للمنفعة ، وقد يكون بعوض ، وقد يكون بغير عوض . 
فإذا كان تمليكاً للعين بعوض فهذا بيع . 
وإذا كان تمليكاً للمنفعة بعوض فهذه هي الإجارة . 
وإذا كان تمليكاً للعين بلا عوض فهذه هي الهبة . 
وإذا كان تمليكاً للمنفعة بلا عوض فهذه عارية . 
ثالثاً : تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك على أنها مركبة من كلمتين : هي تمليك منفعة من عين معلومة مدة معلومة ، يتبعه تمليك العين على صفة مخصوصة بعوض معلوم . 
فقولهم : تمليك منفعة ، هذا هو الإجارة . 
وقولهم : يتبعه تمليك العين ، هذا هو البيع . 
فهي إجارة منتهية بالتمليك . 
نشأة عقد الإجارة المنتهية بالتمليك:
هذا العقد وجد أول ما وجد عام 1846 م في إنجلترا ، وأول من تعامل بهذا العقد ، أحد تجار الآلات الموسيقية في إنجلترا ، فكان يؤجر آلاته الموسيقية إجارة يتبعها تمليك العين ، وقصد من ذلك ضمان حقه . 
ثم بعد ذلك انتشر مثل هذا العقد وانتقل من الأفراد إلى المصانع ، وكان أول هذه المصانع تطبيقاً لهذا العقد مصنع سنجر لآلات الخياطة في إنجلترا . 
ثم بعد ذلك تطور ، وانتشر بصفة خاصة في شركات السكك الحديدية ، التي تشتري المركبات ، وتؤجرها لمناجم الفحم تأجيراً ينتهي بالتمليك . 
ثم بعد ذلك انتشر هذا العقد ، وانتقل إلى بقية دول العالم ، فانتقل إلى الولايات المتحدة عام 1953م . 
ثم بعد ذلك انتقل إلى فرنسا عام 1962م . 
ثم بعد ذلك انتقل إلى البلاد العربية والإسلامية عام 1397 هـ . 
بعض المسائل الفقهية التي يبنى عليها هذا العقد : 
قبل الدخول في عقد الإجارة المنتهية بالتمليك لابد من بحث بعض المسائل الفقهية التي يبنى عليها هذا العقد . 
فإن الذين منعوا هذا العقد كما سيأتينا في أقسام هذا العقد مطلقاً قالوا : بأنه اشتراط عقد في عقد ، وهذا لا يجوز عند جمهور أهل العلم . 
وقالوا أيضاً : يتضمن تعليق عقد البيع على شرط مستقبل ، وهذا لا يجوز . 
وقالوا أيضاً : تعليق الهبة ، وهذا لا يجوز . 
وقالوا : هذا مبني على الوعد والالزام به ، والوعد غير لازم عند الجمهور . 
فمثل هذه المسائل سنشير إلى كلام العلماء فيها عن طريق الإجمال ، لأنه كما أسلفت هذا العقد – عقد الإجارة المنتهي بالتمليك – يبنى على هذه المسائل ، فإذا عرفنا الحكم في هذه المسائل يتبين لنا الإجابة عن قول من منع مثل هذا العقد مطلقاً بكل أقسامه وصوره . 
وسوف يأتينا أن هذا العقد له ثلاثة أقسام : 
1 – قسم محرم . 2 – قسم جائز . 3 – قسم ضبطه العلماء بضوابط . 
الذين منعوا هذه الأقسام كلها ، ومنعوا صور الإجارة المنتهية بالتمليك كلها تمسكوا بالمسائل الفقهية التي ذكرت ... ونحن سنتعرض لهذه المسائل بإجمال ، قبل أن نذكر أقسام الإجارة المنتهية بالتمليك . 
المسألة الأولى : شرط المنفعة : 
تقدم لنا في الضوابط أن الأصل في الشروط في عقد البيع الصحة ، ودليل ذلك قول الله عز وجل : ] يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ ، والإيفاء بالعقد يتضمن الإيفاء بأصله ووصفه ، ومن وصفه الشرط فيه ، وأيضاً حديث أبي هريرة أن النبي r قال : " المسلمون على شروطهم " . 
تعريف الشرط في البيع : الشرط في عقد البيع هو ما يشترطه أحد المتعاقدين مما له فيه مصلحة . 
محله : تقدم أن ذكر أن محل هذه الشروط يصح أن تكون قبل العقد ، ويصح أن تكون في صلب العقد، ويصح أن تكون في زمن الخيارين ، زمن خيار الشرط ، وزمن خيار المجلس. 
أقسام الشروط في العقد : الشروط في البيع تنقسم إلى أربعة أقسام : 
الأول : شرط يقتضيه العقد ، فهذا صحيح بالاتفاق ، ولهذا العلماء لا يذكرونه في المختصرات ، وإنما يذكرونه في المطولات ، وذكر مثل هذا الشرط إنما هو من قبيل البيان والتوكيد . 
مثاله : اشتراط أن يكون الثمن حالاً ، فلو قال البائع : أنا أبيع عليك البيت لكن بشرط أن يكون الثمن حالاً ، فهذا الشرط لا حاجة له لأن العقد يقتضي أن يكون الثمن حالاً ، وليس مؤجلاً ، إذا أراد أن يؤجل فله أن يشترط عدم التأجيل . 
أيضاً لو قال المشتري : أشتري منك السيارة بشرط أن أقبضها الآن ، هذا أيضاً شرط يقتضيه العقد ، فالأصل أن البائع يقبض السلعة الآن ، فإذا أراد أن يؤخر فله أن يشترط . 
الثاني : شرط مصلحة ، سواء كانت هذه المصلحة راجعة للعقد أو راجعة على أحد المتعاقدين ، فهذا الشرط أيضاً صحيح باتفاق الأئمة . 
مثل : شرط الرهن أو الضمين أو الكفيل ، فهذه شروط صحيحة ، وكما لو قال المشتري : اشترط أن يكون الثمن مؤجلاً ، فقال البائع : أشترط أن تعطيني رهناً. 
الثالث : شرط وصف في المبيع أو في الثمن ، أيضاً هذا صحيح باتفاق الأئمة ، فلو قال : أنا أشتري السيارة لكن بشرط أن تكون سرعتها كذا وكذا ، وأن تكون إطاراتها كذا وكذا ، وان تكون قوة المكينة كذا وكذا ... الخ ، فهذا شرط ، وصف جائز حتى ولو اشترط المشتري مئة شرط ، هذه كلها شروط صحيحة ، والأئمة يتفقون على ذلك . 
الرابع : شرط المنفعة ، وهذا هو الذي اختلف فيه العلماء ، مثاله : أن يقول : أبيعك السيارة بشرط أن أستعملها لمدة يوم أو يومين ، أو تكون المنفعة في البائع ، قال : أشتري منك السيارة بشرط ، أن تغسلها أو تصلح الخلل الموجود فيها ... 
حكمه : اختلف فيه العلماء : 
1 – أضيق المذاهب فيه مذهب الشافعية ، لا يجوزون أي شرط . 
2 – الحنابلة لا يجيزون إلا شرطاً واحداً ، يعني يصح أن تشترط شرطاً واحداً ، سواء كان هذا الشرط في المبيع أو في البائع ، ولا يجوز أن تجمع شرطين . 
دليلهم : لأن النبي r قال : " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع " ، فقالوا : تجمع شرطين من شروط المنافع لا يجوز . 
3 – المالكية قالوا : يجوز الشرط اليسير ، وإذا كان كثيراً لا يجوز . 
4 – الحنفية : إذا جرى تعامل الناس به جاز ، وإذا لم يجر لا يجوز . 
5 – وأوسع الناس في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، وهو رواية عند الحنابلة : أنه تجوز شروط المنفعة ، وإن كثرت شرطين ثلاثة أربعة ... 
الترجيح : 
هذا القول هو الصواب لما ذكرنا من الضابط أن الأصل في الشروط في البيع الحل ، فإذا قال : أشتري منك السيارة بشرط أنك تصلحها ، وتغسلها وتقوم بفحصها ... الخ ، قالوا : هذا جائز ولا بأس به لما تقدم من الضابط وقد ذكرنا الدليل عليه ، وفي حديث جابر أن النبي r اشترط عليه حملان ظهر الجمل الذي باعه عليه إلى المدينة . 
فالصحيح أن الشروط في البيع كلها جائزة . 
المسألة الثانية : اشتراط عقد في عقد : 
ولابد أن نفهم مسألتين ، الأولى : مسألة اشتراط عقد في عقد . 
والثاني : جمع عقدين في صفقة واحدة ، فتجمع عقدين هذه لا بأس بها ، يعني تقول مثلاً : بعتك السيارة ، وأجرتك البيت بمائة ألف ريال ، الآن جمعت بين البيع والتجارة بثمن واحد ، هذا جائز يجوزه الحنابلة والمالكية . 
لكن هذا ليس منه التأجير المنتهي بالتمليك كما سيأتي . 
التأجير المنتهي بالتمليك ؛ توارد عقدين على عين واحدة ، هنا ورد عقدان على عينين . لكن جمعت بينهما في صفقة واحدة بثمن واحد. لكن في الإجارة المنتهية بالتمليك التي منعها مجمع الفقه الإسلامي وهيئة كبار العلماء بالمملكة هو توارد عقدين على عين واحدة؛ عقد البيع وعقد الإجارة . وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك كيف ورد عقد البيع؟ وكيف ورد عقد الإجارة؟ فأصبحت هذه المعاملة لا تجوز.
فجمع عقدين في صفقة واحدة هذا جائز ولا بأس به وإذا أردنا التفريق بينهما نقسط الثمن. 
لكن اشتراط عقد في عقد ؛ المذهب أن هذا ممنوع . 
مثاله : أن تقول : بعتك البيت بشرط أن تؤجرني سيارتك أو أجرتك السيارة بشرط أن تبيعني بيتك. 
حكمه : كما أن الحنابلة يمنعونه أيضاً هو قول أكثر أهل العلم وأنه لا يصح . 
الدليل : 1 – قول النَّبِيّ r : " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع". 
2 – وقالوا أيضاً : إن هذا هو بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النَّبِيّ r . 
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو اختيار السعدي وقول عند المالكية وعند الحنابلة : أن هذا جائز ولا بأس به إلا إذا تضمن محظوراً شرعياً. 
تضمن محظوراً شرعياً كما لو قال: أقرضتك بشرط أن تبيع لي . فهذا كما تقدم أنه داخل في منافع القروض المحرمة أن يشترط الدائن على المدين منفعة لا يقابلها سوى القرض. وأيضاً قال النَّبِيّ r : " لا يحل سلف وبيع" فهذا شرط عقد في عقد تضمن محظوراً شرعياً فلا يجوز ، وهو أيضاً إخراج القرض عن موضوعه ، فإن المراد بالقرض؛ الإرفاق ووجه الله عز وجل إلى الكسب والتجارة. 
وأيضاً كما لو قال : بعتك بشرط أن تزوجني ، فنظير هذا النهي عن الشغار وهو أن يقول: زوجتك بشرط أن تزوجني أو تزوج ابني. لأن الإنسان إذا قال: زوجتك بشرط أن تبيعني فإنه لا ينظر إلى مصلحة موليته وإنما ينظر لمصلحته هو، فمن باعه أو حابه زوجه. 
الترجيح : 
هذا القول هو الصواب وأن اشتراط عقد في عقد جائز ولا بأس به مالم يتضمن محظوراً شرعياً . 
ونستدل على هذا بما ذكر من الضوابط السابقة : أن الأصل في المعاملات والشروط فيها الحل. 
وأما الشرطان اللذان نهى عنهما النَّبِيّ r أو البيعتان في بيعة فهذا ابن القيم وشيخ الإسلام يحملانه على بيع العينة . فإن بيع العينة تضمن بيع مؤجل وبيع حاضر. وتضمن أيضاً الشرطين ؛ شرط التأجيل وشرط الحلول . 
المسألة الثالثة : تعليق عقد البيع على شرط مستقبل . 
مثالها : أن يقول : بعتك السيارة إذا دخل شهر رمضان ونحو ذلك . 
حكمه : فيه خلاف على قولين : 
أ – الجمهور : على أنه غير جائز . 
التعليل : قالوا : هذا يخالف مقتضى العقد إذ إن مقتضى العقد الفورية وألا يكون معلقاً . 
ب - شيخ الإسلام : يصح تعليق عقد البيع على شرط مستقبل . 
الدليل : 1 – قول النَّبِيّ r في سرية مؤتة : " أميركم زيد فإن أصيب فجعفر فإن أصيب فعبد الله بن رواحة " فالنبي r علق عقد الولاية . 
2 – أن الأصل في الشروط في العقود الصحة . 
الترجيح : 
تلخص أن تعليق عقد البيع على شرط مستقبل جائز ولا بأس به. 
المسألة الرابعة : تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل : 
الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة . 
أ – فالجمهور على أنه يمنع من ذلك . فالحنفية والشافعية والحنابلة يمنعون من ذلك مثال ذلك : لو قال : وهبتك السيارة إذا دخل شهر رمضان . 
وتقدم أنهم يقولون : الأصل في العقود أن تكون منجزة . 
ب – قول المالكية وقال به الحارثي من الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم: أن هذا جائز ولا بأس به . 
وإذا جاز ذلك في عقد البيع فجوازه في الهبة من باب أولى لأن عقود التبرعات – كما سلف لنا – أوسع من عقود المعاوضات. 
المسألة الخامسة : حكم الوعد والإلزام به : 
فإن عقد الإجارة المنتهي بالتمليك مبني على وعد وهو التمليك . فهل يجب الوفاء بالوعد أو لا يجب الوفاء به ؟ 
العلماء رحمهم الله لهم في ذلك خمسة أقوال لكن نذكر ثلاثة منها : 
1 – جمهور أهل العلم : أن الوفاء بالوعد غير واجب . 
الدليل : قالوا : لم يرو عن أحد من السلف الإلزام به ، فابن بطال وغيره يقولون: عموم السلف لا يقولون بلزوم الوفاء به .
2 – طائفة من السلف وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم : أنه يجب الوفاء بالوعد ولا يجوز إخلافه . وقال به إسحاق بن راهويه وعمر بن عبدالعزيز وابن شبرمة من الحنابلة . 
الدليل : 
أ – قول الله عز وجل : )
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ( . 
ب – قول الله عز وجل : )
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (
جـ - قول الله عز وجل : )
يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( . 
د – حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النَّبِيّ r قال : " آية المنافق ثلاث" ، وذكر منها : " وإذا وعد أخلف" . وهذا يدل على تحريم إخلاف الوعد . 
3 – قول عند المالكية : أنه يجب الوفاء به إذا أدخل الموعود في ورطة وأما إذا لم يدخل الموعود في ورطة فإنه لا يجب على الواعد الوفاء به . 
الدليل : يستدلون بقاعدة : لا ضرر ولا ضرار . 
الترجيح : 
الأقرب في هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم من أنه يجب الوفاء بالوعد. 
الخلاصة : 
تلخصت هذه المسائل : أن الوفاء بالوعد واجب ، وأن اشتراط عقد في عقد وتعليق عقد البيع على شرط مستقبل وتعليق عقد الهبة على شرط المستقبل والشروط في البيع أن هذه كلها صحيحة . 
وبهذا يتبين أن من منع عقد الإجارة المنتهية بالتمليك حتى مع وجود الضوابط التي يذكرها بعض العلماء والباحثين لنفي المحذورات الشرعية في هذا العقد. أنه غير متوجه . يعني من سد الباب كله وقال: إن هذا اشتراط عقد في عقد وأن الوعد لا يجب الوفاء به وأن فيه تعليق عقد البيع على شرط مستقبل أو تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل ... إلخ ، أن هذا لا يتوجه . 
فسد الباب بناء على الخلاف في هذه المسائل وأن بعض أهل العلم منع منها. فقد تبين في هذه المسائل أن الشروط كلها صحيحة والوعد يجب الوفاء به . فحينئذٍ سد الباب بالكلية هذا غير متوجه . 
أقسام الإجارة المنتهية بالتمليك وحكم كل قسم:
تنقسم الإجارة المنتهية بالتمليك إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يبرم عقد إجارة خلال مدة معينة يتبعه وعد بتمليك العين وهذا الوعد غير ملزم.
حكمه : جائز . 
التعليل : لأنه في حقيقته عقد إجارة ، فالمؤجر أجر المستأجر هذه العين ووعده وعداً غير ملزم أن يهبه هذه العين في نهاية مدة الإجارة أو أن يبيعها عليه. فحقيقته أنه عقد إجارة فقط والأصل في عقود الإجارة الحل والجواز. 
مثاله : أن يكون هناك اتفاق بين مؤجر ومستأجر على استئجار مولدات كهربائية لمدة عشر سنوات كل سنة بكذا وكذا – فهذا عقد إجارة – مع وعد من المؤجر للمستأجر أن يملكه هذه العين بعد انتهاء مدة الإجارة ، إما لأن العمر الافتراضي لهذه الآلة قد انتهى أو أن نقل هذه الآلات سيترتب عليه كلفة مالية قد تكون مساوية لهذه الآلات أو تكون أكثر من قيمة هذه الآلات . فيقوم بهبة هذه الآلات أوبيعها للمستأجر. 
القسم الثاني : أن يبرم عقد إجارة على عين من الأعيان خلال مدة معينة بأقسام معلومة يتخلل هذا العقد أمور:
1 – زيادة القسط على أجرة المثل . 
2 – أن يتحمل المستأجر جميع تبعات التلف والهلاك لهذه العين سواء تعدى أو لم يتعد فرط أو لم يفرط . وسواء فيما يتعلق بنفقات الصيانة أو نفقات الأمور التشغيلية لهذه العين. 
3 – أن المستأجر إذا قصر في دفع الأجرة – القسط الواجب عليه – فإن المؤجر يستحق سحب العين منه باعتبار أن هذه العين ملكاً له. ولا يعوض المستأجر عن المبالغ الزائدة على أجرة المثل. 
4 – إذا تم سداد الأقساط من قبل المستأجر فإن العين المؤجرة تنقلب إلى ملك المستأجر . 
حكمه : ممنوع . 
التعليل : لأنه توارد فيه عقدان على عين واحدة ، عقد إجارة وعقد بيع ؛ كيف عقد إجارة ؟ 
عقد إجارة لأن المؤجر يستحق سحب هذه العين من المستأجر إذا قصر في دفع الأقساط فدل على أن المستأجر الآن لم يملك وإنما هو عقد إجارة. 
وكذلك أيضاً يدل على أنه عقد إجارة ؛ أن المؤجر يستحق الأجرة كاملة وهي الأقساط التي يدفعها المستأجر. 
وأيضاً هو في الوقت نفسه عقد بيع. كيف عقد بيع ؟ 
لأن المستأجر يتحمل ضمان تلف هذه العين وهلاكها، فكل تبعات التلف والهلاك التي تحصل لهذه العين يتحملها المستأجر. 
فاجتمع على المستأجر عقد إجارة لأنه لم يملك العين وعقد بيع لأن الضمان عليه ولو كان عقد إجارة لكانت تبعات التلف والهلاك من ضمان البائع . فالأصل أن المستأجر لا يضمن وإنما يضمن إذا تعدى أو فرط - تعدى ؛ فعل شيئاً لا يجوز له، فرط؛ ترك شيئاً يجب عليه – ما عدا ذلك فإنه لا يضمن. 
فلما توارد على هذه العين عقدان مختلفان ؛ عقد البيع وعقد إجارة وأحكامهما مختلفة وآثارهما متباينة لم يصح هذا العقد. 
فعقد البيع يختلف عن عقد الإجارة. 
فالضمان والملك في عقد البيع للمشتري وعليه وأما عقد الإجارة فالملك للمؤجر والضمان عليه ما لم يتعد المستأجر أو يفرط. 
فكيف نجمع على هذا الشخص الذي استأجر الضمان – الذي هو تبعات عقد البيع – ونجمع عليه أيضاً تبعات عقد الإجارة وذلك بحيث إنه إذا قصر تسحب منه هذه السلعة. فهو يضمن هذه السلعة باعتبار أنه مالك وهو ليس مالكاً وإذا قصر سحبناها منه. 
فلما توارد هذان العقدان على هذه العين أصبح هذا العقد ممنوعاً لأن هذا فيه ظلم وإجحاف لهذا المستأجر وغرر عليه، وتقدم لنا من الضوابط منع الظلم ومنع الغرر. 
ولهذا جاءت الفتاوى بتحريم مثل هذه الصورة ومن ذلك فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة رقم 198، حيث أفتت بتحريم هذه الصورة. 
وكذلك أيضاً مجمع الفقه الإسلامي في جلسته الثانية عشرة أفتى بتحريم هذه الصورة. 
تخريج بعض الباحثين لهذا القسم :
وقال بعض الباحثين بأن حقيقة هذه الصورة بيع بالتقسيط لكن طمع المؤجر على أن يستغل مزايا عقد الإجارة ومزايا عقد البيع جميعاً لنفسه وذلك بتحميل تبعات عقد الإجارة وعقد البيع على المستأجر فيكون في هذا ظلم وغرر فيكون ممنوعاً منه. 
القسم الثالث : أن يبرم عقد إجارة على عين معينة معلومة بأقساط معلومة ويضبط هذا العقد بضوابط: 
الضابط الأول : أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك المؤجر لا على المستأجر، ونستثني من ذلك شيئين :
أ – إذا تعدى أ وفرط المستأجر فالضمان عليه . 
ب – ما يتعلق بالنفقات التشغيلية فضمانها على المستأجر مثل الزيت والبنزين ... وما عدا ذلك من تلف العين أو هلاكها أو تلف بعضها أو ما تحتاجه من صيانة..إلخ. فالأصل أن يكون ذلك على المالك المؤجر . لأن العين المستأجرة – كما يقول العلماء : أمانة في يد المستأجر فلا ضمان عليه إلا إذا تعدى أو فرط. 
الضابط الثاني : أن المستأجر إذا قصر في دفع الأقساط المتفق عليها بينه وبين المؤجر فإنه يرد له ما زاد على أجرة المثل إذا سحبت منه العين. 
فقد تكون أجرة المثل لهذه السيارة في الشهر خمسمائة ريال، والمؤجر يأخذ من المستأجر ألفاً ومائتي ريال كل شهر. فإذا قصر المستأجر في دفع هذه الأقساط فللمؤجر بناء على أنه عقد إجارة أن يسحب منه هذه العين لكن يجب على المؤجر أن يرد على المستأجر ما زاد على أجرة المثل. 
الضابط الثالث : ما يتعلق بالشرط الجزائي يعني للمؤجر أن يشترط على المستأجر شرطاً جزائياً يعوضه عن الضرر الذي يلحقه مقابل عدم إتمام العقد. ويكون هذا الشرط الجزائي بقدر ما حصل له من الضرر . فينظر كم حصل له من الضرر مقابل عدم إتمام هذا العقد؟ فيدفع له وما زاد على ذلك فإنه لا يدفع له.
وهذا هو الصواب فيما يتعلق بالشرط الجزائي أنه يصح اشتراطه مقابل الضرر الذي يلحق المشترط وأما ما زاد على ذلك فليس له أن يأخذه. وبهذا أفتت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية .
إذا توفرت هذه الشروط الثلاثة أصبح عقد إجارة تخللته هذه الضوابط الثلاثة . 
حكمه : اختلف فيه أهل العلم رحمه الله . 
أ – فذهب بعض أهل العلم إلى منع هذا العقد مطلقاً ولو ضبط بهذه الضوابط. 
التعليل: بناء على أن جمهور أهل العلم يمنعون اشتراط عقد في عقد ويمنعون تعليق عقد البيع وكذلك عقد الهبة على شرط مستقبل ، وأن الوفاء بالوعد غير لازم وإذا كان غير لازم وأنه لن يوفي به لم يحصل المقصود من هذا العقد. 
ب – أنه جائز ولا بأس به ما دام أنه يضبط بهذه الضوابط التي ذكرنا. 
وأما اشتراط عقد في عقد أو تعليق البيع أو الهبة على شرط مستقبل... إلخ، فقد تقدم أن الصواب أن هذا جائز ولا بأس به. 
فلا بأس للإنسان أن يشترط عقداً في عقد آخر فعقد الإجارة يشترط فيه عقد البيع هذا لا بأس به. 
وأيضاً لا بأس أن يقول المؤجر : إذا سددت الأقساط أبيعك السيارة، فعقد البيع هنا معلق على شرط مستقبل وهو تسديد الأقساط. 
وأيضاً لا بأس أن يقول : إذا سددت الأقساط وهبتك السيارة، هذا عقد هبة مبني على شرط مستقبل. 
وأيضاً تقدم أن الوعد يجب الوفاء به، فالمؤجر إذا وعد المستأجر وقال: إذا أتممت الأقساط بعتك السيارة أو وهبتك السيارة فإن هذا واجب ويجب عليه أن يلتزم به ديانة وقضاء. وأن هذا القول هو الصواب. 
فإذا توفرت هذه الضوابط وتبين لنا المسائل السابقة التي رتبت على هذه المسألة وأنها كلها جائزة ولا بأس بها أصبح هذا العقد صحيح. 
فائدة : 
صدر من المجمع الفقهي صور لإجازة هذا العقد حيث ذكروا ما يقرب من تسع صور نذكر بعضاً منها : 
1 – عقد إجارة مع وعد بالبيع في نهاية المدة. يعني : يعقد عقد الإجارة ويعد المؤجر المستأجر الذي أخذ هذه السيارة بالأقساط أن يملكه إياها في نهاية المدة بدفعة قدرها كذا وكذا . فأفتى المجمع بجواز هذه الصورة ما دامت توفرت الضوابط الثلاثة السابقة. 
2 – عقد إجارة مع وعد بالبيع في نهاية المدة بسعر السوق ؛ يعني يتفقان على الأقساط ويتفقان أيضاً على أنه في نهاية هذه المدة يقوم المؤجر بعقد البيع للمستأجر لكن بسعر السوق فينظر كما تساوي هذه السيارة الآن فيبيعه إياها. 
أيضاً أجازها المجمع الفقهي . 
تنبيه : 
البيع بسعر السوق موضع خلاف : 
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى جوازه يعني لو قال: أبيعك السلعة بما يتبايع به الناس أو بما ينتهي إليه السوم . 
3 – عقد إجارة مقرون بوعد الهبة ، يعني يعقد له على هذه السيارة بهذه الأقساط... إلخ. ويعد المستأجر على أنه إذا أتم سداد الأقساط فإنه يهبه هذه السيارة. أيضاً هذه الصورة أجازها مجمع الفقه الإسلامي . 
4 – عقد إجارة مقترن بهبة معلقة على شرط وهو سداد الأقساط ، في الصورة السابقة وعده بأن يملكه. وفي هذه الصورة جعل التمليك بالهبة مبنياً على سداد الأقساط، يعني يقول : إذا قمت بتسديد الأقساط في مواعيدها فإنني أملكك هذه السيارة. 
أيضاً هذه الصورة أجازها مجمع الفقه الإسلامي . 
5 – عقد إجارة وللمستأجر في نهاية المدة ثلاثة خيارات : 
الأول : أن يقوم برد السلعة إلى المؤجر . 
الثاني : أن يتملك هذه السلعة بثمن يتفقان عليه . 
الثالث : الاستمرار في عقد الإجارة . 
وهذه الصورة أيضاً أجازها مجمع الفقه الإسلامي . 
هذا ما يتعلق بهذه المسألة وهي مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك. 
تاسعاً : الودائع المصرفية ( البنكية ) : 
تعريفها : 
1 – الودائع جمع وديعة . وهي في اللغة مأخوذة من الودع وهو السكون . وأما في الاصطلاح فهي : التبرع بحفظ مال الغير بلا عوض. 
2 – والمصرف اسم مكان مشتق من الصرف والصرف : هو مبادلة نقد بنقد وهو نوع من أنواع البيع لكنه يختص بالنقود. 
فالمصرف هو المكان الذي يتم فيه الصرف . يعني مبادلة نقد بنقد. 
وأما في اصطلاح الاقتصاديين فهو عبارة عن مؤسسة تنشأ لغرض اقتراض النقود وإقراضها. 
3 – البنك : هي اصطلاح أوروبي أعجمي وليس عربياً مأخوذ من كلمة بانكو (Banko) الإيطالية. وهذه الكلمة في الأصل تعني الطاولة أو المنضدة ، فإن التجار في القرون الوسطى كانوا يجلسون في الموانئ والأماكن العامة ومعهم النقود على مثل هذه الطاولات التي تسمى بانكو. وذلك لكي يقوموا بصرف هذه النقود والبيع والشراء فيها. 
فسميت هذه المؤسسة الآن التي تعني باقتراض الأموال وإقراضها ؛ بنك ، وإذا تبين هذا وتبين أن كلمة بنك ليست عربية وإنما هي كلمة أعجمية فالأولى عدم استخدامها ويستخدم بدلاً من ذلك كلمة مصرف. 
أقسام الودائع المصرفية : 
تنقسم الودائع المصرفية إلى قسمين : 
القسم الأول : الودائع المصرفية غير الاستثمارية :
وهي التي لا يقصد بها الاستثمار وإنما تودع في هذه المصارف لأغراض كما سيأتي بيانه إن شاء الله . 
وهذه الودائع المصرفية غير الاستثمارية تتنوع إلى ثلاثة أنواع : 
النوع الأول : ودائع الصكوك والأوراق المالية ؛ وتسمى بالوديعة المستندية. 
الأوراق المالية : تشمل الأسهم والسندات . 
صورتها : أن يقوم المستفيد أو العميل بدفع صكوكه وأوراقه المالية إلى المصرف ليقوم بحفظها ، وأحياناً يقوم المصرف ببعض العمليات لإدارة هذه الأوراق كتحصيل أرباح الأسهم ونحو ذلك. 
تخريجها : على مذهب الحنابلة هذه من قبيل الأجير المشترك. 
فائدة : الأجير ينقسم إلى قسمين : 
أ – أجير خاص : وهو الذي قدر نفعه بالزمن بمعنى أنه الذي يستأجره شخص لكي يعمل من الساعة السابعة إلى الثامنة ظهراً مثلاً . 
ب – أجير مشترك : وهو الذي قدر نفعه بالعمل ، فهو يتقبل أعمالاً من الناس كلهم مثل الخياط والغسال والطباخ ... إلخ، ونظير ذلك الآن المصرف إذا أخذ هذه الأوراق المالية والصكوك .. إلخ، وقام بحفظها للعميل أو قام بإجراء بعض العمليات المالية على هذه الأوراق فإن هذا من قبيل الإجارة المشتركة. 
حكمها : جائزة ولا بأس بها . 
التعليل : لأن ما يقوم به المصرف من إدارة هذه الأوراق المالية التي لا تتضمن محذوراً شرعياً هذا من باب الوكالة بأجر . والوكالة بالأجر تصح، فيصح أن توكل شخصاً لكي يبيع لك ويشتري بأجرة . 
النوع الثاني : الودائع المخصصة لعمل معين : 
صورتها : أن يقوم العميل بدفع مبلغ معين للمصرف بغرض تسديد الفواتير أو سداد قيمة الكمبيالة أو شراء أوراق مالية كالأسهم بحيث لا يتضمن هذا الشراء محذوراً شرعياً. 
حكمها : جائزة ولا بأس بها . 
التعليل : لأنها وكالة بأجرة فإنك توكل المصرف على أن يقوم بهذا العمل ويأخذ عليك عمولة مقابل أنه يشتري لك هذه الأوراق النقدية أو أنه يقوم بسداد هذه الكمبيالة . فهذه وكالة بأجر والوكالة يجوز أخذ الأجرة عليها. 
فائدة : في تعريف الكمبيالة : 
الكمبيالة يعرفونها بأنها : وثيقة أو صك محرر يتضمن الأمر من شخص بدفع مال معين في وقت معين لآخر من طرف ثالث . 
والكمبيالات غالباً تستخدم في تسديد أقساط البيوع، والآن حل محلها كثيراً ما يسمى بالشيك. 
النوع الثالث : وديعة الخزائن الحديدية. 
صورتها : تقوم بعض المصارف بتأجير خزينة مقابل أجرة معلومة بحيث يستفيد العميل من هذه الخزينة في حفظ نقوده أو أوراقه الثمينة أو غير ذلك . ويكون لدى العميل مفتاح ولدى المصرف مفتاح آخر. 
حكمها : جائزة ولا بأس بها . 
التعليل : لأنها إجارة بعوض حيث يقوم المصرف بتأجير هذه الخزائن الحديدية. 
القسم الثاني : الودائع المصرفية الاستثمارية :
وهي التي يقصد بها الكسب والتجارة والربح سواء كان ذلك من قبل المصرف أو من قبل العميل . 
وهذه الودائع تتنوع إلى أربعة أنواع : 
النوع الأول: الودائع الجارية التي تكون تحت الطلب . 
صورتها : أن يقوم العميل بإيداع مبالغ نقدية لدى المصرف بقصد أن تكون قابلة للتداول والسحب عند الطلب، يعني إذا أراد أن يأخذ هذه الدراهم فإنه يقوم بأخذها في أي وقت شاء. 
وهذا ما عليه عمل كثير من الناس اليوم في مثل هذه البلاد أنهم يقومون بإيداع أموالهم ودائع جارية عند الطلب عند هذه المصارف بحيث أن العميل يتمكن من سحب هذه المبالغ في أي وقت شاء . 
كيفيتها (تخريجها) : اختلاف المتأخرون في تخريجها على رأيين : 
أ – أنها تعتبر إقراض من العميل للمصرف ؛ يعني أنك إذا دفعت هذه الودائع إلى المصرف فإنك تكون أقرضت هذا المصرف. وهذا ما عليه أكثر العلماء الآن. 
التعليل: 1 – أن العلماء السابقون يقولون: إن المودع إذا أذن للمودَع لديه أن يتصرف في الوديعة فإنها تتحول إلى كونها قرضاً. 
المثال: أنت أعطيت زيداً من الناس ألف ريال وأذنت له أن يتصرف فيها فتصرف فيها ببيع أو شراء.. إلخ، فإنها تتحول من كونها وديعة إلى كونها قرضاً.
وهذا ينص عليه العلماء رحمهم الله وهو الجاري الآن فإنه وإن لم يأذن لفظاً فإنه آذن عرفاً فالعميل يضع دراهمه في المصرف ويأذن له بالتصرف في هذه الدراهم، فيقوم المصرف باستغلال هذه الدراهم بالبيع والشراء. فأصبحت هذه قروض يقرضها العملاء للمصرف. 
2 – أنه لو تلفت هذه الدراهم فإنه المصرف ضامن لها وهذا هو القرض. 
المثال : لو أعطيت زيداً من الناس ألف ريال قرضاً ثم ضاعت منه أو حفظها في الصندوق وكسر الصندوق وسرقت فهو الضامن لها لأنها الآن دخلت في ملكه بخلاف الوديعة فإنك لو أعطيت زيداً من الناس دراهم ليحفظها فحفظها في حرز مثلها في الصندوق ثم جاء سارق فكسر الصندوق وأخذ الدراهم فإن المودع هنا لا يضمن ما دام أنه لم يتعد ولم يفرط. 
فقالوا : بالاتفاق يقوم المصرف بضمان هذه الدراهم مطلقاً تعدى أو لم يتعد فرط أو لم يفرط. وهذا أخرجها من كونها وديعة في الأصل إلى كونها قرضاً. 
3 – لو أفلس المصرف فإن العميل يدخل على أنه دائن عادي ولا يدخل على أنه صاحب وديعة. وهناك فرق إذا قلنا: إنه صاحب وديعة، أو قلنا: إنه دائن، فقد قال النَّبِيّ r عند قسمة مال المفلس: "من وجد متاعه عند رجل أفلس فهو أحق به". 
فلو قلنا : بأن هذه الودائع التي يضعها العملاء عند المصارف إنها ودائع ، فإن العميل يكون أحق بهذا المال – عند إفلاس المصرف – بحكم النَّبِيّ r . ما دام أنه وجد متاعه بعينه فإنه يكون أحق به. 
أما إذا قلنا بأنه قرض فإنه يكون دائناً عادياً ويخضع للقسمة على سائر الغرماء. 
يعني لو اقترض هذا المصرف من أناس وأناس آخرون أودعوه، لو قلنا بأن هذه ودائع لكان أصحاب هذه الودائع أحق بأموالهم لأنها أموال لهم فلا يدخلون تحت أسوة الغرماء فتكون أمانة عند المصرف فقط. 
لكن الآن لو أسلف المصرف فإن أصحاب هذه الودائع وكذلك الغرماء يدخلون جميعاً في المحاصة كل هؤلاء يقتسمون المال الذي يوجد بالمصرف ولا نفرز أموال المودعين باعتبار أنها أمانات ، وإنما نعاملهم كلهم على أنهم مقرضون. 
مثال آخر: زيد من الناس أعطاه عمرو ألف ريال وأعطاه بكر وصالح وإبراهيم ومحمد قروضاً عندما يفلِّس ويريد القاضي أن يقسم أموال هذا المفلس على الغرماء فإن أصحاب الأمانات لا تدخل أموالهم في القسمة يجب أن تفرز ، هذه ألف ريال معروفة لفلان ويأخذها، أما بالنسبة للمقرضين فإنهم يتحاصون المال. 
في المصرف ليس كذلك، الكل يأخذون المال بالمحاصة ولا يفرز أحدهم عن أحد فدل ذلك على أن هذه الأموال التي تدفع للمصرف أنها ليست ودائع وإنما هي قروض، كما لو أن شخصاً أقرض هذا المصرف بدليل أنهم كلهم يدخلون في المحاصة ويخضع هذا الذي أودع لقسمة الغرماء. 
ب – أن هذه ودائع كاسمها وهذا ذهب إليه بعض الباحثين . 
التعليل: لأنها مبالغ توضع عند المصرف وتسحب عند الحاجة هذه هي الوديعة.
الترجيح : 
والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وأن هذه الودائع التي تودع في المصارف إنما هي إقراض وليست ودائع. 
وكون الشخص يسحبها عند الحاجة فنقول: هذا قرض غير مشروط بأجل فله أن يطالبه في أي وقت. 
واستمرت هذه الودائع بهذا الاسم وإن كانت في الحقيقة على القول الراجح قروضاً بناء على الاسم الأول وأن الناس تعارفوا على هذا الاسم. 
حكمها : والمراد حكم الإيداع في المصارف التي تتعامل بالربا . 
لا شك أن وضع النقود فيها من باب التعاون على الإثم والعدوان والله عز وجل يقول : )
وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ( . ولما ظهرت مثل هذه المصارف اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله على أقوال ومن أشهرها ثلاثة أقوال: 
1 – التفصيل ؛ وهو أن المصرف لا يخلو من أمرين : 
أ – أن تكون جميع معاملات المصرف محرمة فهذا لا يجوز وضع النقود فيه لما في ذلك من الإعانة على الربا والله عز وجل يقول : ) وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ( . 
ب – أن يكون لهذا المصرف موارد أخرى مالية مشروعة غير ربوية فهذا يجوز وضع النقود فيه ما دام أن معاملاته ليست ربوية محضة ولأن الإنسان إذا أودع في مثل هذه المصارف لا يتحقق أن ماله صار في المعاملات الربوية وإذا لم يتحقق أن ماله صار في المعاملات الربوية فالأصل في ذلك الحل. والبعد عن هذا أولى ولكن ليس بواجب. 
2 – التفصيل بين الحاجة وعدم الحاجة ، فإذا كان هناك حاجة أو ضرورة فلا بأس، وإذا لم يكن هناك حاجة أو ضرورة فإنه لا يجوز. 
الحاجة مثل ألا يتمكن من حفظ ماله إلا في هذه المصارف أو يخشى على دراهمه الضياع أو تكون أموال كثيرة بحيث أنه لا يتمكن من حفظها في مكان آخر. 
3 – التفصيل : فإن أمكن وضع هذه الأموال في المصرف الذي يستعملها في المعاملات المالية المشروعة فهذا هو الواجب. 
وإذا لم يمكن واحتاج إلى وضعها في هذا المصرف الربوي فهذا لا بأس به . 
الاختيار : 
ويظهر أنه ما دام أن الناس ربطوا بهذه المصارف يظهر أن الحاجة الآن عمت فلا تكاد تجد أحداً يبيع أو يشتري إلا عن طريق هذه المصارف لحاجته إلى التوثقة لأن كثيراً من المعاملات ربطت بها، لكن إذا كان الإنسان يستغني ولا يحتاج إليها فهذا هو الأبرأ. 
فالرأي الثالث فيما يظهر أنه أقرب الأقوال لما فيه من البعد عن المحرم وخصوصاً الربا الذي هو من كبائر الذنوب. 
النوع الثاني : الودائع الائتمانية : 
تعريفها : عبارة عن عقد يكون بين العميل والمصرف يضع فيه المصرف مبلغاً من المال تحت تصرف العميل خلال مدة معينة وقد يكون ذلك حقيقة وقد يكون حكماً. ويكون من حق العميل سحب هذا المبلغ. 
والغالب في المصارف أنها لا تضع هذه المبالغ للعملاء إلا بفوائد. 
حكمها : محرمة ولا تجوز . 
التعليل : 1 – لأنها إقراض من المصرف للعميل يأخذ المصرف فوائد على هذا الإقراض وتقدم في مسألة جمعية الموظفين ذكر أن الوارد عن الصحابة أن المنافع التي يستفيدها المقرض من وراء قرضه أنها من الربا، وذكرنا ضوابط ذلك. 
2 – لأن القرض يراد به الإرفاق والإحسان وإرادة وجه الله عز وجل، فكون المقرض يشترط فيه منفعة فقد أخرجه عن موضوعه. 
فهذا محرم ولا يجوز حتى ولو قال العميل: أنا أعرف من نفسي التسديد، فمثلاً لو اشترط المصرف على العميل أنك إذا لم تسدد في وقت كذا وكذا عليك فائدة ، فيقول: أعرف أنني سأسدد في وقت كذا وكذا وأنه سيأتيني المرتب. فنقول: أصلاً الدخول في هذا العقد محرم حتى ولو يعرف الإنسان أنه سيسدد فكونك توقع على عقد محرم أصلاً لا يجوز. فالدخول في العقود المحرمة هذا باطل ومحرم ولا يجوز وهو من أكل أموال الناس بالباطل. 
النوع الثالث : الوديعة لأجل : 
تعريفها : هي عبارة عن المبالغ النقدية التي يودعها أصحابها في المصارف لأجل معين ولا يستحق لهم سحبها إلا بعد مضي فترة محددة يتفق عليها العميل مع المصرف. 
مثالها : أن يضع مئة ألف ريال في هذا المصرف بحيث إنه لا يتمكن من سحبه إلا بعد مضي شهر أو شهرين. 
مقابل هذا : تقوم المصارف بدفع فوائد ربوية لهذا العميل، وتكثر الفائدة كلما كثر الأجل وتقل كلما قل الأجل. 
حكمها : لا إشكال أن الإيداع بهذا الغرض محرم ولا يجوز ، وهذا هو قول جماهير المتأخرين. 
محرم الدخول في عقد الربا لأن الربا محرم بالإجماع ، وأيضاً يحرم أخذ هذه الفوائد. 
التعليل: لأن هذه من القروض التي جرت منفعة وتقدم عن الصحابة أن كل قرض جر منفعة فهو ربا. فكون العميل يضع دراهمه في هذا المصرف هذا إقراض للمصرف بشرط أن يقوم المصرف بإعطائه هذه الفائدة. 
شبه بعض المتأخرين في هذه المسألة والرد عليه : 
ذهب بعض المتأخرين إلى أنه لا بأس من أخذ الفوائد الربوية وذكروا لذلك شبه أهمها شبهتان: 
الشبهة الأولى : قالوا : إن الربا المحرم في القرض إنما هو في القروض الاستهلاكية دون القروض الاستثمارية. وهذه القروض الآن قروض استثمارية فلا يكون الربا داخلاً فيها. 
فائدة : الفرق بين القرض الاستهلاكي والقرض الاستثماري. 
القرض الاستهلاكي يقترض منك لكي يشتري طعاماً أو شراباً أو يسكن أو يشتري لباس. فكونك تأخذ عليه فوائد هذا هو المحرم. 
أما القرض الاستثماري فهو أن تقرضه لكي يبيع ويشتري لا لأجل أن يستهلك فكونك تأخذ عليه فائدة فهذا جائز. 
قالوا : وقروض المصارف الآن قروض استثمارية وليست استهلاكية فالمصرف يأخذ هذه الدراهم ولا يصرفها للعميل إلا بعد مضي مدة في خلال هذه المدة يقوم المصرف بالتجارة بها أو يقوم بإيداعها في بنوك أخرى ويأخذ عليها فوائد ويعطي العميل بعضاً من هذه الفوائد التي أخذها. 
الجواب عن هذه الشبه : 
قال الجمهور : هذا باطل وأجابوا عن هذه الشبهة من أربعة أوجه: 
1 – أن عمومات الادلة لم تفرق بين القروض الاستهلاكية والقروض الاستثمارية. وأيضاً الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم عدم التفريق بين القروض الاستثمارية والقروض الاستهلاكية. 
2 – أن العلماء في السابق لم يفرقوا هذا التفريق فهذا تفريق حادث، وإنما حرموا المنافع التي يكتسبها المقرض ولم يفرقوا بين القروض. فمثل هذا التفريق مخالف لإجماع العلماء السابقين. 
3 – أن العباس رضي الله عنه كان يرابى في الجاهلية وهو رجل كريم، ولا يعقل أن العباس كان يرابي مع شخص يريد أن يأكل ويشرب يمنعه من هذا كرمه وسخاؤه وإنما يأخذ الربا على من يريد أن يكسب ويتاجر ونحو ذلك. 
4 – قالوا : إن ديون بني المغيرة المخزوميين التي كانت لثقيف كانوا يأخذون الربا وهم أهل جاه وشرف ويمتنع عليهم أن يأخذوا الربا ممن يريد القوت وإنما يأخون الربا ممن يريد الكسب. 
الشبهة الثانية : قالوا : إن المحرم هو الربا أضعافاً مضاعفة حملاً للمطلق على المقيد كما قال الله عز وجل : ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة(
، ومثل هذه الفوائد ليست أضعافاً مضاعفة. 
الجواب عن هذه الشبهة : 
أجيب عن هذه الشبهة بأجوبة : 
1 – أن قول الله عز وجل : ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة (
. هذا القيد غير مراد بل هو لبيان الغالب كما في قول الله عزوجل: )وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم(، فقوله عز وجل: )
وربائبكم اللاتي في حجوركم(
قوله )اللاتي في حجوركم( هذا قيد أغلبي. وعند الأصوليين أن ما كان قيداً أغلبياً فإنه لا مفهوم له. فيحرم الربا سواء كان أضعافاً مضاعفة أو لم يكن كذلك. 
2 – قالوا : إن قوله تعالى : )أضعافاً مضاعفة( بعض من أفراد العام في قول الله عزوجل: )وحرم الربا( ، وأيضاً عند الأصوليين ، أنه إذا ذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق العام فإنه لا يقتضي التخصيص. 
3 – أن المسلمين مجمعون على تحريم الربا قليله وكثيرة.
4 – أن قول الله عز وجل : ) وذروا ما بقي من الربا (
، هذا يشمل قليل الربا وكثيره. وهذه الآية هي آخر ما نزل. 
فتبين أن أخذ هذه الفوائد محرم ولا يجوز ، وعلى هذا يجب على الإنسان أن يتوب من هذا. 
مسألة : إذا تاب الإنسان من الربا فإنه لا يخلو من حالتين : 
الحالة الأولى: ألا يكون قد قبض الربا وحينئذ لا يجوز له أن يأخذها لقول الله عز وجل: )
وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم (
، فإذا تاب الإنسان يأخذ رأس ماله ولا يأخذ الربا. 
الحالة الثانية : أن يكون قد قبض الربا وتجمعت عنده هذه الفوائد وهي موجودة الآن عنده فهذا أيضاً ينقسم إلى قسمين: 
الأول : بالنسبة للدافع الذي قام بدفع هذا الربا كالمصرف وغيره فإنه لا يرد إليه الربا. 
التعليل : لئلا يجمع له بين العوض والمعوض. 
الثاني : بالنسبة للقابض الذي تجمعت عنده هذه الأموال الربوية فلا يخلو من أمرين : 
1 – أن يكون جاهلاً بهذه المعاملة المحرمة من ربا أو غيره . 
الحكم : لا شيء عليه . 
الدليل : لقول الله عز وجل : ) فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ( . 
مثاله : إنسان يجهل أن هذه المعاملة محرمة أو كان حديث عهد بإسلام أو كان ناشئاً ببادية بعيدة عن حواضر الإسلام ، فنقول هذه الأموال التي تجمعت عنده وهو يجهل التحريم فإنها له ولا شيء عليه . 
2 – أن يكون عالماً بأن هذه المعاملة محرمة وأن أخذ هذه الفوائد لا يجوز ثم تاب. 
الحكم : فيه خلاف بين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم : 
أ – شيخ الإسلام يقول : أيضاً إذا تاب فإنها تكون له . 
دليله : قول الله تعالى : )
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف( فالله عز وجل لم يأمر برد الربا وإنما أمر بعدم أخذه فكون الإنسان يرد الربا ويخرجه هذا لم يأمر الله به . 
وأيضاً هذا مما يسهل على الذي فعل المحرم التوبة . 
ب – ابن القيم يقول : إذا كان عالماً أن هذه محرمة فهذا مال محرم أصله خبيث فإنه يخرجه في وجوه البر من الصدقة والإحسان وغير ذلك. 
النوع الرابع : الودائع الادخارية : 
وهي تشبه النوعين السابقين أخيراً – الودائع الجارية تحت الطلب والودائع التي لأجل معين - . 
تعريفها : هي المبالغ التي يقتطعها العملاء من دخلهم وتدفع إلى المصرف ليفتح لهم حساباً ادخارياً يحق لهم سحبه في أي وقت . 
ولما كان الغالب على هذه الودائع الادخارية أن أصحابها لا يسحبونها لأنهم قصدوا بذلك الادخار – تكوين شيء من الأموال – كانت المصارف تدفع على هذه الودائع الادخارية نسبة ضئيلة من الفوائد الربوية. 
فهذه الودائع الادخارية تشبه الودائع الجارية التي تحت الطلب ، ووجه ذلك أن صاحبها يملك أن يسحبها في أي وقت . 
ومن جهة أن أصحابها غالباً لا يسحبونها وإنما يتركونها لفترة وكذلك أيضاً المصارف تقوم بإعطاء فوائد ربوية وإن كانت ضئيلة على هذه الودائع الادخارية فهي تشبه الودائع التي لأجل معين . 
حكمها : أنها من الربا المحرم . 
التعليل : لأنها قروض بفوائد . 

عاشراً : خطاب الضمان ( الكفالات المصرفية ) : 
تعريف الضمان :
الضمان في اللغة مأخوذ من الضمن وهو الضم.
وأما في اصطلاح الفقهاء فإنه التزام ما وجب أو ما قد يجب على غيره مع بقائه. 
مثال "ما وجب": زيد أقرض عمراً ألف ريال أو باع عليه سيارة بثمن مؤجل فالآن وجب عليه الألف ووجب عليه ثمن السيارة ثم بعد ذلك طالبه المقرض بضمين أو البائع طالبه بمن يضمنه فجاء شخص وضمنه. 
مثال "قد يجب" : كأن يقول: بع عليه السيارة وأنا أضمنه فحتى الآن لم يجب. 
وقولهم في التعريف "مع بقائه" : يعني كون الضامن يضمن المضمون للمضمون له ذمة المضمون لا تزال مشغولة. يعني كونه يشاركه في إشغال ذمته هذا لا يلزم ولا يترتب عليه براءة ذمة المضمون عنه. 
والضمان من عقود الإرفاق والإحسان وقد دل عليه القرآن والسنة وإجماع العلماء. 
أما القرآن فقول الله تعالى : ) ولمن جاء به حمل بعير وأنابه زعيم ( . 
وأما السنة فقول النَّبِيّ r في سنن أبي داود وغيره: "الزعيم غارم" . 
والإجماع قائم على ذلك . 
تعريف خطاب الضمان : 
خطاب الضمان الذي تصدره المصارف أو ما يسمى بالكفالات المصرفية: هو عبارة عن تعهد كتابي بناء على طلب العميل يلتزم فيه المصرف لصالح العميل في مواجهة شخص ثالث بدفع مبلغ معين في وقت معين.
أقسام خطابات الضمان : 
أولاً : من حيث الغطاء : 
المراد بالغطاء : هو ما يدفعه العميل للمصرف عندما يطلب خطاب الضمان من نقود أو أوراق مالية أو غير ذلك على وجه التوثيق. 
خطاب الضمان من حيث الغطاء ينقسم إلى قسمين : 
1 –أن يكون الغطاء كاملاً : وذلك أن يمثل الغطاء مئة بالمئة من قيمة الضمان. 
مثاله: أن يطلب العميل خطاب ضمان بمليون ريال ويكون قد دفع للمصرف غطاء مليون ريال. فهذا غطاء كامل، وقد يدفع أسهماً أو وثائق عقارات ونحو ذلك المهم أن يكون الغطاء مساوياً لما طلبه العميل من المصرف أو يكون أكثر. 
2 – أن يكون الغطاء جزئياً : وهو غطاء لبعض قيمة الضمان . 
مثاله : أن يطلب العميل من المصرف مئة ألف ريال ويعطي المصرف خمسين ألف ريال أو أسهماً بقيمة خمسين ألف ريال... إلخ.
ثانياً : من حيث الشكل : 
وينقسم إلى قسمين :
1 – خطاب ضمان ابتدائي : وهو تعهد من المتقدم للمناقصة مثلاً يدل على جديته واستمراريته وعدم انسحابه. 
2 – خطاب ضمان نهائي : وهو تعهد يقدمه المتقدم لقيامه بتنفيذ العملية وفق الشروط المتفق عليها . 
فائدة خطاب الضمان : 
أصحاب الشركات يلجأون إلى المصارف لأخذ خطابات الضمان وتقديمها : 
أ – عند طرح المناقصات الحكومية حيث يتقدم أصحاب رؤوس الأموال والشركات عند طرح مناقصات أو مزايدات حكومية للدخول فيها ولكي تضمن الحكومة استمرار العميل في هذه المناقصة تطالبه بأموال ضماناً. وبدلاً من أن يضع نقوداً تحجز عليه ولا يستفيد منها لمدة معينة بحيث إنه إذا لم يتمكن من هذه المناقصة يأخذ فترة طويلة لكي يخلص هذه النقود. فبدلاً من أن يدفع هذه النقود وتحجز عليه ولا يستفيد منها فترة طويلة يتقدم بخطاب الضمان فيذهب إلى المصرف والمصرف يعطيه خطاب ضمان بأنه ضامن لهذا الشخص بمبلغ كذا وكذا – المبلغ الذي تطالبه به الحكومة - . 
ب – في عقود التوريد حيث يحتاج التاجر أن يورد كذا وكذا من البضائع فأصحاب المصانع والشركات يطالبونه بخطابات الضمان هذه لكي يرجعوا بالثمن على البنوك. فيذهب هذا التاجر إلى المصرف ويأخذ منهم خطاب ضمان يقدمه لمن طلبه من أصحاب المصانع أو الشركات. 
تكييف خطابات الضمان وما ينبني على ذلك : 
اختلف المتأخرون في تكييف خطابات الضمان على ثلاثة آراء وهي على سبيل الإجمالي: 
الرأي الأول : أنه عقد كفالة وذهب إلى ذلك كثير من الباحثين . 
التعليل : لأن الكفالة هي التزام دين للغير وهذا موجود في خطابات الضمان، فالمصرف يلتزم الدين الذي يكون على التاجر أو من يريد أن يدخل في المناقصة للغير إما للحكومة أو لصاحب المصنع أو الشركة ... إلخ . 
حكمه : بناء على تخريجه بأنه عقد كفالة فإنه لا يجوز . 
التعليل : 1 – لأن المصارف ستأخذ عمولة على هذه الكفالة وأخذ الأجرة على الكفالة لا يجوز . قال بعض العلماء : لأن الكفالة من الأمور التعبدية، وقال بعضهم: لأن الكفالة مما يراد بها الإرفاق والإحسان وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز أخذ الأجرة على خطاب الضمان . 
2 – لأن حقيقة الكفالة أنها دين على المكفول المدين فإذا رده مع الزيادة فهذا هو الربا، حيث إن المصرف سيدفع إلى صاحب المصنع ... إلخ، وسيأخذ على ذلك زيادة . 
الرأي الثاني : أنه عقد وكالة . 
التعليل : لأن الوكالة هي إقامة الغير مقام النفس في تصرف جائز معلوم وهذا موجود في خطاب الضمان، فالعميل يوكل المصرف في تصرف معلوم جائز وهو أن يسدد عنه إذا لم يسدد هذه الضمانات أو لم يقم بهذه العملية ونحو ذلك. 
حكمه : جائز . 
التعليل : لأن أخذ الأجرة على الوكالة جائز ، فالزيادة التي يأخذها المصرف من العميل بعد تسديد ما وجب عليه أجرة على الوكالة. 
وهذا فيه نظر ظاهر . 
الرأي الثالث : وهو ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي فقالوا: خطاب الضمان ينقسم إلى قسمين : 
1 – أن يكون مغطى تغطية كاملة : يعني أن العميل أخذ خطاب بمئة ألف ريال ووضع مئة ألف ريال . 
تخريجه : فقالوا : هذا من قبيل الوكالة . 
حكمه : أنه جائز لما سبق في الرأي الثاني . 
2 – ألا يكون هناك غطاء أو أن يكون مغطى تغطية غير كاملة. 
تخريجه : قالوا : هذا من قبيل الكفالة . 
حكمه : لا يجوز لما تقدم في الرأي الأول. 
وأما اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد فمنعوا منه مطلقاً. حتى ولو غطي تغطية كاملة. 
تعليلهم : لأن هذا الغطاء الذي دفعه العميل للمصرف رهن، والمصرف سيقوم باستعمال هذا الرهن وهو ليس مركوباً ولا محلوباً. والذي يجوز للمرتهن أن يستخدمه هو ما يتعلق بالظهر إذا كان مركوباً فيركبه بنفقته والحيوان إذا كان يشرب لبنه فإنه يشرب لبنه بالنفقة. 
فقالوا : هذا من قبيل استعمال الرهن من قبل المرتهن ولا يجوز له ذلك خصوصاً إذا كان سبب الرهن القرض لأنه يكون داخلاً في منافع القروض المحرمة وهذا ليس مما جاء الشرع بإباحته. 
الترجيح : 
لعل ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي أقرب لوجود الحاجة فإنه كما ذكرت قد يصعب على المناقص أن يدفع أمواله ثم بعد ذلك يحتاج إلى تخليصها وهذا يستمر إلى فترة طويلة وذلك يمنعه من الإفادة من هذه الأموال. 
حادي عشر : الأسهم والسندات : 
قبل الدخول في أحكام الأسهم والسندات لابد من تعريف شركة المساهمة وبيان حالها بالنسبة لما ذكره العلماء من أقسام الشركات في الزمن السابق. 
تعريف شركة المساهمة : 
الشركة في اللغة : هي الاجتماع في شيء . 
وأما في اصطلاح الفقهاء فهي الاجتماع في استحقاق أو تصرف. 
قولهم " في استحقاق " : هذا ليس مناط البحث، يعني زيد وعمرو ورثا هذا البيت من أبيهما فهما الآن يستحقان عين هذا البيت ومنفعته. وكذا لو اشترياه أو وُقِّف عليهما ، هذا اشتراك في استحقاق. وهذا لا يبحثه العلماء رحمهم الله في قولهم باب الشركة أو كتاب الشركة . 
وإنما يبحثون الجزء الثاني وهو التصرف يعني شركة العقود. 
أقسام شركة العقود وحكمها : 
العلماء رحمهم الله يقسمون شركة العقود إلى خمسة أقسام. ويختلفون فيها من حيث الجواز وعدمه ، لكن الصواب أن هذه الأقسام الخمسة كلها جائزة وهي على سبيل الإجمال. 
1 – شركة العنان : وهي أن يجتمعا بالمال والبدن ، فهذا زيد يدفع مئة ألف ريال وهذا يدفع مئة ألف ريال أو أقل أو أكثر ويعملا في هذا المال؛ يفتحا محلاً تجارياً... إلخ. 
2 – شركة مضاربة : وهي أن يدفع ماله لمن يقوم عليه بجزء مشاع معلوم من الربح، يعني تعطيه مئة ألف ريال يعمل بها في البيع والشراء بجزء معلوم مشاع من الربح له النصف أو الربع ولك الباقي . 
3 – شركة الوجوه : هي أن يشتري اثنان فأكثر سلعاً في ذمتيهما بجاهيهما والربح حسب ما يشترطان . يعني زيد وعمرو ليس عندهما أموال لكن لهما جاه وقدر عند الناس فيذهبا إلى الناس ويأخذا منهم سلعاً يقترضاها في ذمتيهما ثم بعد ذلك يقوما بالعمل والبيع في هذه السلع. 
4 – شركة الأبدان : وهي ما يكون بين أهل الحرف والصنائع سواء اتفقت الصنائع أو اختلفت على الصحيح، يعني هذان الرجلان كل منهما نجار أو كل منهما حداد... إلخ ، فيعملان وما تحصل فهو بينهما حسب ما يتفقان ، على النصف أو هذا له الثلث وهذا له الثلثان ... إلخ، وسواء اتفقت الصنائع أو اختلفت. 
5 – شركة المفاوضة : وهي ما يجمع الأقسام السابقة فيشترك اثنان شركة مفاوضة؛ يدفعان أموالاً ، يعملان بأبدانهما ، يأخذان بذممهما ، يضارب أحدهما بالمال... إلخ. 
فشركة المفاوضة أن يفوض كل واحد منهما للآخر كل عمل مالي من أعمال الشركة. 
هذه الأقسام هي التي يذكرها العلماء في الزمن السابق. 
شركة المساهمة التي توجد الآن مثلاً : شركة الاتصالات شركة مساهمة شركة سابك شركة مساهمة .. إلخ. 
شركة المساهمة : هي شركة ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية وهذه الأسهم يمكن تداولها حسب النصوص المتفق عليها. فهي عبارة عن شركة بين اثنين فأكثر في رأس المال والربح. 
وهذه كما يتضح من تعريفها لا تخرج عن أقسام الشركات السابقة التي ينص عليها العلماء رحمهم الله . لكنها تتميز أن أسهمها تكون متساوية مثلاً السهم بألف ريال أو بألفي ريال ... إلخ. والربح يقسم على المساهمين حسب ما يكون متفقاً عليه... إلخ . 
الاكتتاب في شركة المساهمة : 
الاكتتاب هو عبارة عن دعوة موجهة إلى أشخاص غير محددين للإسهام في رأس المال. 
فتطرح الأسهم ويعلن عنها في الصحف أن هذه الشركة تفتح باب المساهمة والاكتتاب فيتقدم الناس ويدخلون في هذه الشركة ويدفعون قيم هذه الأسهم ويكونون شركاء في شركة المساهمة. 
ذكرنا أن شركة المساهمة لا تخرج عن أنواع الشركة التي سبق أن بيناها ويتضح هذا أن مجلس الإدارة في الشركة لا يخرج عن ثلاث حالات: 
1 – أن يكون المجلس مساهماً وعاملاً ؛ وهذا هو الغالب فهنا بذلا مالان وبدن. 
البدن : من مجلس الإدارة . والمال الأول ؛ من مجلس الإدارة ، والمال الثاني من بقية المساهمين. 
فهي تجمع بين العنان والمضاربة ؛ شركة العنان : أن يشتركا في المال والبدن، وشركة المضاربة؛ أن يدفع إليه المال ويقوم بالعمل . فمن حيث أنه من كل منهما مال فهذه عنان ومن حيث أن أحدهما عمل والآخر لم يعمل هذه مضاربة. وتقدم أن كلا من شركة العنان والمضاربة جائز. 
2 – أن يكون مجلس الإدارة عاملاً دون مساهمة ، فهذه شركة عنان لأن المال والعمل من جميع الشركاء ، فالشركاء دفعوا المال والعمل أيضاً منهم لأنهم استأجروا مجلس الإدارة. 
3 – أن يكون لمجلس الإدارة نسبة من الربح من المساهمين ومن مجلس الإدارة العمل، فمجلس الإدارة لم يساهم لكن منه العمل فهذه شركة مضاربة. 
فتلخص أن شركة المساهمة لا تخرج عن أنواع الشركات التي ذكرها العلماء رحمهم الله. 
تعريف السهم : 
السهم في اللغة : النصيب . 
وأما في الاصطلاح : فهو وثيقة يمثل حقاً عينياً أو نقدياً في رأس مال الشركة قابل للتداول – يعني للبيع والشراء – ويعطي صاحبه حقوقاً خاصة. 
أنواع الأسهم : 
تتنوع الاسهم إلى عدة أنواع من ثلاث حيثيات : 
أولاً : من حيث الحصة ؛ وتنقسم إلى قسمين : 
1 – أسهم نقدية : وذلك أن يكون رأس مال الشركة أسهماً نقدية بحيث يدفع المساهمون نقوداً من الذهب أو الفضة أو ما يقوم مقام النقود من الأوراق النقدية. 
حكمها : العلماء متفقون على أنه إذا كان رأس مال الشركة أسهماً نقدية أنها شركة صحيحة. 
2 – أسهم عينية : وذلك أن يكون رأس مال الشركة عروض تجارة كأن يساهم الناس بأقمشة أو بآلات أو مواد غذائية ... إلخ. 
حكمها : فيها خلاف بين العلماء : 
أ – أكثر العلماء على أنه إذا كان رأس مال الشركة عروضاً فهذا لا يصح. 
ب – ما ذهب إليه الإمام مالك وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم؛ أن هذا صحيح ولا بأس به. فلو تشارك اثنان أو أكثر وجعلوا رأس مال الشركة من السيارات أو من الأطعمة أو الألبسة أو غير ذلك مما يتفقان عليه فإن هذا جائز ولا بأس به. ويعرف نصيب كل واحد منهم من رأس مال الشركة. 
التعليل : لأن الأصل في المعاملات الحل كما تقدم . 
ثانياً : من حيث الشكل ؛ وتتنوع إلى نوعين : 
1 – أسهم اسمية : وهي الأسهم التي تحمل اسم صاحبها مدوناً عليها. 
حكمها : جائزة بالاتفاق . 
التعليل : لعدم الغرر فيها ، فهذا زيد له هذا السهم واسمه مدون على هذه الوثيقة . 
2 – أسهم لحاملها : وهي الأسهم التي يكتب عليها أن السهم لحامله بدون ذكر اسم المالك. 
حكمها : لا تجوز . 
التعليل : لما فيها من الغرر والجهالة ، فإن المالك غير معروف وهذا يؤدي إلى التنازع. 
ومثل هذه الأسهم الآن – كما ذكر بعض الباحثين – الغالب أنها غير موجودة. 
ثالثاً : من حيث الحقوق ؛ وتنقسم إلى أقسام : 
1 – أسهم امتياز تعطي صاحبها أولوية الحصول على شيء من الأرباح دون بقية الشركاء. 
مثلاً : يخصص خمس بالمئة من الربح لهذه الأسهم والباقي يوزع بالتساوي على الشركاء بما فيهم أصحاب الأسهم الممتازة. 
الحكم : محرمة ولا تجوز . 
التعليل : لأنه لا يجوز أن يأخذ بعض الشركاء زيادة في الربح بلا مقابل من زيادة عمل أو مال . 
2 – أسهم امتياز تخول أصحابها الحصول على فائدة سنوية ولو لم تربح الشركة. 
حكمها : محرمة ولا تجوز . 
التعليل : لأن حقيقة هذه الأسهم أنها قرض بفائدة وهذا من الربا. 
3 – أسهم امتياز تعطي أصحابها الحق في استعادة قيمة السهم بكامله عند تصفية الشركة قبل المساهمين ولو خسرت الشركة 
حكمها : محرمة ولا تجوز . 
التعليل : لأن العلماء يذكرون إذا كان هناك خسارة فإن الوضيعة تكون على قدر المال. وعلى هذا يشترك جميع الشركاء في الوضيعة والخسارة، أما كونه يخصص لبعض الشركاء أن له أن يسحب أسهمه ، ولا يدخل في الخسارة فهذا شرط باطل. 
الشركة مبناها على العدل وذلك بأن يشترك الجميع في المغنم والمغرم كما أنهم يشتركون في الربح أيضاً يشتركون في الخسارة وهذا هو أهم شروط الشركة. أن تقوم على العدل وذلك بأن يشترك الجميع في المغنم والمغرم. 
وأما كونه يوضع أسهم امتياز لبعض الشركاء بحيث إنه لا يدخل في الخسارة يستحق أن يسحب أسهمه عند تصفية الشركة قبل الآخرين ولا يدخل في الخسارة فهذا لا يجوز . لأن العلماء يقولون : الشركة مبناها على العدل والوضيعة على قدر المال. 
4 – أسهم امتياز تعطي المساهمين القدامى الحق في الاكتتاب قبل غيرهم .
حكمها : جائزة ولا بأس بها . 
التعليل : 1 – لأنها تشمل الجميع . 
2 – لأن المساهمين لهم الحق في ألا يدخلوا أحداً معهم في الشركة . 
5 – الأسهم التي تعطي أصحابهاأكثر من صوت .
حكمها : لا تجوز . 
التعليل : لما فيها من التفاوت في الحقوق بدون مبرر شرعي . 
مسألة : في حكم المشاركة في أسهم الشركات ذات الأعمال المشروعة في الأصل إلا أنها تتعامل بالحرام أحياناً . 
مثالها : شركة مساهمة تدعو إلى الاكتتاب وهذه الشركة أعمالها مباحة إلا أن لها أعمالاً محرمة في بعض الأحيان أو دائماً لكن هذه الأعمال يسيرة. ومن ذلك ما حصل قبل أشهر فيا يتعلق بشركة الاتصالات؛ فهذه الشركة قائمة على أعمال مباحة من المنافع المعروفة في الاتصال وخدمة الهاتف وغير ذلك من الخدمات إلا أن لها أعمالاً محرمة أحياناً ، فهل الدخول في مثل هذه الشركة وغيرها من الشركات التي قامت على أعمال مباحة إلا أنها تتعامل أحياناً بالحرام فهل الاكتتاب في مثل هذه الشركة جائز أو غير جائز ؟ 
أشهر الأقوال في هذه المسألة ثلاثة أقوال : 
القول الأول : أن الاشتراك في مثل هذه الشركات لا يجوز . وذهب إلى هذا القول جمع من الباحثين الذين بحثوا في هذه المسألة . 
دليلهم : 1 – عموم أدلة تحريم الربا كقول الله عز وجل : ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة (
، وقوله تعالى : ) وأحل الله البيع وحرم الربا(
، وحديث جابر أن النَّبِيّ r لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال: "هم سواء". 
وجه الدلالة : أن المساهم في مثل هذه الشركات التي ترابي هو مراب سواء كان الربا قليلاً أو كثيراً. ولا يجوز للمسلم ذلك أو أن يستمر فيه ولو كان قليلاً. 
2 – ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبِيّ r قال: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" ، فقال: " عن شيء" . وهذا يعم كل شيء سواء كان قليلاً أو كثيراً. 
وجه الدلالة : أن هذه نكرة في سياق الشرط فتعم القليل والكثير . 
3 – أنه ينظر إلى المصالح المترتبة على القول بالمنع فهناك مصالح كثيرة تترتب على القول بالمنع من ذلك : التخلص من مفاسد الربا. 
ومنها : منع المسلمين من المشاركة في الشركات التي تقع في الربا مما يشجع المؤسسات الربوية إلى ترك الربا. 
ومنها : أن ذلك يؤدي إلى فتح الأبواب للأعمال المشروعة لكي يستثمر فيها المسلمون أموالهم . 
4 – قاعدة أنه : إذا اجتمع الحلال والحرام فإنه يغلب الحرام ولو كان قليلاً. إلا إذا كان الحرام غير منحصر فإنه يكون معفواً عنه، كما لو اختلط في هذا البلد حرام فهذا غير منحصر. 
القول الثاني : أن الاشتراك في هذه الشركات جائز بشرط ألا ينص نظامها الأساسي على التعامل بالربا مع تقدير عنصر الحرام واستبعاد نسبته من عائدات الأسهم ويصرف في وجوه الخير. 
دليلهم : 1 – قاعدة : يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً ، وأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. 
فمثل هذا الحرام جاء تبعاً ولم يأت استقلالاً وإذا كان تابعاً فإنه يكون مغتفراً. 
وهذه القاعدة لها أمثلة في الشريعة ؛ منها : أن النَّبِيّ r حرق نخل بني النضير، هذا التحريق يؤدي إلى قتل شيء من الحشرات والطيور وغير ذلك بالنار، وهذا لا يجوز لقوله r : " ولا يعذب بالنار إلا رب النار" ، لكن هذا القتل بالنار إنما جاء تبعاً فلما كان تابعاً ولم يكن مقصوداً لذاته كان جائزاً ولا بأس به. 
ومنها : الدود في التمر فكون الإنسان يأخذ التمرة ويأكلها وفيها شيء من الدود فهذا جائز ولا بأس به لأنه تابع ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً. لكن لو أخرج هذا الدود ثم أكله قالوا: هذا لا يجوز لأنه لم يكن تابعاً وإنما أكله استقلالاً. 
فقالوا : هذا نظير هذا فهذه شركة أعمالها تسعين بالمئة حلال وأما الربا فيها فتابع ولم يكن مقصوداً لذاته . ولهذا اشترط أصحاب هذا القول ألا ينص نظامها الأساسي على التعامل بالربا. 
الجواب عن هذا الدليل : 
أجاب أصحاب القول الأول عن هذا الاستدلال فقالوا : إن الاستدلال بهذه القاعدة في مثل هذا خطأ ، لأن هذه القاعدة ذكرها العلماء في الأمور التي تنتهي فلا يستدل بها على أن الإنسان يستمر في فعل المحرم ، لكن في أمور تنتهي عقود أو أفعال .. إلخ ، فهنا يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع . 
أما هذه الشركات التي تتعامل بالحرام فإنها تستمر فلا نقول : للمسلم يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً واستمر في فعل المحرم . 
2 – قاعدة : الحاجة إذا عمت تنزل منزلة الضرورة ، والضرورات تبيح المحظورات. 
الجواب عن هذا الدليل : 
أجاب أصحاب القول الأول عن هذه القاعدة بجوابين : 
أ – أن أكثر العلماء على خلاف هذه القاعدة . ولهذا جاء في شرح الفرائد: الأكثر على أن الحاجة لا تقوم مقام الضرورة . 
ب – أن هذه القاعدة ذكر لها العلماء قيوداً وشروطاً فليست على إطلاقها ومن هذه القيود ؛ ألا يأتي نص من الشريعة بالمنع، فإذا جاء نص من الشريعة بالمنع فإن الحاجة لا تنزل منزلة الضرورة، وهنا جاء النص من الشريعة بمنع الربا. 
ومن القيود ايضاً أن هذه الحاجة إنما تكون في الأشياء التي ورد بها نص من الشريعة من جواز عقد السلم والإجارة وجواز تضبيب الإناء ولبس الحرير لدفع القمل والحكة. 
3 – قاعدة : ما لا يمكن التحرز منه فهو عفو. ومثل هذه الأشياء المحرمة لا يمكن التحرز منها . 
الجواب عن هذا الدليل : 
قالوا : إن الذي لا يمكن التحرز منه ويكون عفواً هو ما يترتب عليه حرج ومشقة وكون الإنسان لا يدخل في مثل هذه الشركات لا يترتب عليه حرج ومشقة ، فالآن أناس دخلوا وأناس لم يدخلوا فالذين لم يدخلوا لم يصبهم حرج ومشقة وبإمكانهم أن يستثمروا أموالهم في أشياء أخرى مباحة . 
القول الثالث : التفصيل؛ حيث قسموا الشركات إلى ثلاثة أقسام : 
أ – شركات أصل نشاطها محرم كأن تقوم على بيع الخمر أو تصنيعه أو بيع الخنزير... إلخ . 
فهذه لا يجوز الدخول فيها ولا تداول أسهمها بيعاً ولا شراءً. 
ب – شركات أصل نشاطها مباح لكن تتعامل بالمحرم أحياناً وهي صغيرة فهذه أيضاً لا يجوز الدخول فيها . 
جـ - شركات أصل نشاطها مباح لكن تتعامل بالمحرم أحياناً وهي شركات كبيرة ذات خدمات عامة ضرورية للمجتمع قد تعجز عنها الدول فهذه لا بأس بالدخول فيها . 
التعليل : وجود المصلحة الكبيرة في قيام هذه الشركات التي تعنى بالخدمة العامة. 
الجواب عن هذا التعليل : 
أجاب المانعون عن هذا التعليل بجوابين : 
1 – أن المصلحة لكي تكون معتبرة لابد أن تتوفر فيها شروط منها : ألا تخالف النص فإذا كان فيها مخالفة للنص فإنها لا تجوز . 
2 – المنازعة في المصلحة فقد يقال : إن المصلحة تكون بعدم الاشتراك لما يترتب على ذلك من مصالح وهي فتح الأبواب لشركات مباحة مشروعة. وأيضاً إلزام مثل هذه الشركات بالمعاملات المباحة المشروعة ، حيث إن أصحاب هؤلاء الشركات يهمهم دخول الناس ومشاركتهم فكون الناس يحجمون عن الدخول معهم هذا يدفعهم إلى تحسين أوضاعهم. 
تعريف السندات : 
السندات جمع سند وهو في اللغة : انضمام الشيء إلى الشيء. 
وأما في الاصطلاح فهو : صك قابل للتداول تصدره الشركة أو الدولة. يمثل قرضاً طويل الأجل يعقد عادة عن طريق الاكتتاب العام . 
الفائدة من السندات : 
السندات عبارة عن قروض ، فبعض الشركات – خصوصاً الكبيرة – تلجأ إلى السندات لحاجتها إلى الأموال إما لأن توسع أعمالها التجارية أو لكي تفي ببعض ديونها أو غير ذلك من الأغراض فتقوم بطرح سندات للجمهور في الأسواق. فهم لا يريدون أن يدخلوا معهم شريكاً بل يريدون أن تكون الشركة خاصة بشركائها المساهمين فيها أولاً، فبدل أن يطرحوا أسهماً للشركة فيدخل الناس معهم شركاء في الشركة ويزاحمونهم في الأرباح يقومون بطرح السندات حيث يأخذون من الناس دراهم على شكل قروض ويعطون على هذه القروض فوائد. 
حكمها : جماهير المتأخرين على أن هذه السندات محرمة ولا تجوز. 
التعليل : لأنها قروض بفائدة . 
وقد ذكر بعض الباحثين أن القول بإباحة السندات قول قديم، يعني أن الناس الآن يكادون يتفقون على أنها محرمة لأنها قروض بفائدة. ولهذا صدرت بتحريمها عدة فتاوى .
فالأزهر أصدر فتوى بتاريخ 1988م بأنها محرمة . 
وكذلك ندوة الأسواق المالية بالمغرب بالرباط أصدرت فتوى بتحريمها وذلك عام 1410هـ. 
وأيضاً مجمع الفقه الإسلامي بجدة أصدر فتوى عام 1410هـ بأنها محرمة ولا تجوز . 
فتبين أن السندات محرمة ولا تجوز وأنها عبارة عن قروض بفائدة . وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله : أن الإجماع منعقد على تحريم اشتراط الزيادة في القرض. وذكر ذلك أيضاً ابن قدامة وابن حزم . 
الفروق بين الأسهم والسندات : 
ذكر الباحثون فروقاً كثيرة بين الأسهم والسندات منها : 
أولاً : أن حامل السند دائن للشركة وأما حامل السهم فهو شريك في الشركة. 
ثانياً: أن حامل السند له فائدة ثابتة في موعد محدد سواء ربحت الشركة أو لم تربح بخلاف حامل السهم فإنه يستحق الأرباح إذا ربحت الشركة أما إذا خسرت الشركة فإنه لا يستحق شيئاً. 
ثالثاً : أن حامل السهم له الحق في أن يحضر جمعيات المساهمين وأن يقوم بالتصويت والرقابة على أعمال مجلس الإدارة ، بخلاف حامل السند فليس له حق في ذلك فلا يتمكن من حضور جمعيات المساهمين أو أن يراقب الإدارة أو أن يقوم بالتصويت لأنه دائن للشركة. 
رابعاً: كل شركة فهي مساهمة وليس كل شركة لها سندات. فبعض الشركات قد لا تحتاج إلى الأموال وبعضها قد تحتاج. 
خامساً: حامل السهم ليس له أن يطالب بالقيمة ما دامت الشركة قائمة لم تفض، وأما بالنسبة لحامل السند فله أن يطالب بالقيمة لأن هذا قرض لأجل معين فإذا جاء الموعد المحدد فله أن يطالب الشركة بقيمة السند. 
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم الفراغ من تفريغه وترتيبه يوم الثلاثاء الموافق 15 /5/1424هـ بريدة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أبو عبد الرزاق محمد بن آدم الهوساوي

0 تعليق:

إرسال تعليق