دراسة في الخطورة الإجرامية





دراسة في الخطورة الإجرامية

 
د.محمد سعيد نمور

 

  
الملخص

 
الخطورة الإجرامية هي حالة في الشخص تتكون من تفاعل عدة عوامل، نفسية واجتماعية وغالبا ما تؤدي إلى بروز ظاهر الجريمة، وتلعب هذه الخطورة دورا مهما في النظم الجنائية الحديثة، ذلك أن الغرض من العقوبة لم يعد قاصرا على توقيع الجزاء على مرتكب الجريمة لردعه، بل يتعداه إلى غرض آخر وهو اعادة إصلاح المجرم وتأهلية .
وبما أن مرتكبي الجرائم يتفاوتون في أحوالهم النفسية وفي الظروف الاجتماعية المحيطة بكل منهم، فإن الخطورة الإجرامية تتفاوت من مجرم إلى آخر، مما يستوجب تبعا لذلك اختيار الجزاء الملائم بالنسبة لكل واحد منهم بغية تحقيق الغرض الحقيقي للجزاء وهو إصلاح المجرم، إذ أن ما يناسب احد المجرمين من الجزاءات وفقا لدرجة خطورته الإجرامية قد لا يكون مناسبا لمجرم آخر إرتكب نفس الجريمة ولديه خطورة إجرامية اقل .

 
أن الكشف عن حالة الخطورة الإجرامية ليس بالأمر السهل لان ذلك يستلزم إتباع اساليب علمية تعتمد على دراسة منهجية لشخص المجرم ومعرفة حالته النفسية وظروفه الاجتماعية التي احاطت به وقت ارتكابه لجريمته .

 
ABSREACT

 
Criminality results from the interaction of many, Psychological and social factors and subsequently leads to the emergence of infraction. Criminality plays an important role in the new punishment system, because the aim of punishment is not only to inflict penalty on the convict, but also to correct and rehabilitate him.

 
Since convicts differ in their Psychological and social circumstances, criminality varies from one to another, and accordingly variation of sanctions should be considered to realize Justice. In other words, a sanction that might be just for one convict might not be fair for another. The revelation of criminality is not an easy task. It has to follow scientific methods depending on a careful study for the psychological, social, and environmental state of the convict. Therefore in order to keep the principal of legality, criminality should be codified by legislative texts which can enable the judge to decide on the convenient sanction or procedure.

 
المقدمة

 
تحتل دراسة ظاهرة الجريمة مركزا مهما في مجال الدراسات الاجتماعية، إذ تحرص المجتمعات الانسانية على بذل اقصى الجهود لمكافحة هذه الظاهرة السلبية التي تهدد كيانها، وذلك بغية إستئصالها أو الحد من اثارها الضارة قدر الامكان .

 
وقد ظهرت منذ قرنين من الزمان، تيارات فكرية ونظريات متعددة تهدف جميعها إلى مقاومة ظاهرة الاجرام، باعتبارها احد أخطر عوامل الشر التي تلحق الاذى بالمجتمع .

 
وتحرص المجتمعات وهي تحارب ظاهرة الاجرام، على مراعاة مبدأ الشرعية واعتبارات العدالة، لكونها من القيم الثابتة التي تقوم عليها السياسة الجنائية في التشريعات المختلفة، إذ يقوم مبدأ الشرعية على فكرة أن على الدولة أن تحدد سلفا الافعال الجرمية التي تعطيها حق التدخل بالعقاب عند ارتكابها، كما أن عليها أن تحدد العقوبة أو الجزاء الذي ينبغي توقيعه على الجاني ارضاء للشعور العام وتحقيقا للعدالة .

 
ويقتضي تحقيق العدالة وجود تناسب دقيق بين درجة جسامة الفعل الجرمي ودرجة جسامة الجزاء الجنائي من حيث نوعه ومقداره وأسلوب تنفيذه من جهة، وان يتناسب هذا الجزاء مع شخصية المجرم وظروفها وبواعثها على الاجرام من جهة اخرى، وهذا يعني ضرورة أن يتناسب الجزاء مع مدى جسامة الجريمة بالدرجة الأولى، مع الاخذ بعين الاعتبار مقدار الخطورة الإجرامية لمرتكب الجريمة، ومدى إستعداده أو ميله للاجرام(1)، لأن الجناة يتباينون في شخصياتهم وفيما يعتمل في نفسية كل منهم، وفي الظروف المحيطة بهم، وبذلك، تتفاوت درجة الخطورة الإجرامية بمقدار التفاوت في مدى الالتزام بالقواعد المنظمة للسلوك الاجتماعي(2) .

 
ومع تطور المجتمعات، فقد تطور النظام العقابي، وتبعا لذلك تطور مفهوم العقوبة، ولكن الغرض منها وهو مكافحة الجريمة بقي كما هو، إلا أن طريقة الوصول لتحقيق هذا الهدف قد تغيرت، وصارت النظرة إلى الجانح تأخذ منحى آخر، فبدلا من اعتبار مرتكب الجريمة عدوا للمجتمع، مما كان يبرر توقيع اقسى العقوبات عليه، اصبح مرتكب الجريمة عبارة عن شخص خضع لتأثير بعض العوامل المفسدة، فانحرف عن جادة الصواب. وبناء على هذه النظرة الجديدة للجريمة وللمجرم، اصبح من الواجب عند توقيع الجزاء على مرتكب الجريمة، أن يوجه هذا الجزاء نحو تحقيق غرض اكثر جدوى من اللوم والتنكيل، وهو إصلاح الجانح وإعادة تأهيلة(3)، وفي هذا السياق، فإن القاضي حين يصدر حكمة بالإدانة، سوف يستند إلى عدة عوامل عند اختياره للجزاء الجنائي، وهذه العوامل تظهر في مجموعها حالة المجرم، مما يسهل على القاضي اختيار الجزاء المناسب الذي يمكن أن يتحقق به صلاح الجانح وإعادة تأهيله، ذلك أن معرفة السوابق القضائية للمجرم واخلاقه وبيئته و حالته النفسية والعصبية تكشف عن مدى الإستعداد الجرمي لديه وعن مدى خطورته الإجرامية، الأمر الذي يتيح للقاضي فرصة اختيار الجزاء الاكثر ملاءمة لحالة هذا المجرم من اجل مواجهة خطورته ووقاية المجتمع منها .

 
وهكذا نشأت فكرة الخطورة الإجرامية، ويرجع الفضل في نشأتها لأبحاث ودراسات المدرسة الوضعية في ايطاليا، والتي نادت بوجوب أن يتحدد رد الفعل القضائي ضد الجريمة وفقا للخطورة الإجرامية للجاني، رافضة بذلك فكرة المدرسة التقليدية التي كانت تنادي بالمقاصة بين الجريمة والعقوبة (4). إذ أن المدرسة الوضعية تنكر مبدأ حرية الاختيار لدى الجاني، وتتجه إلى القول بحتمية الظاهرة الإجرامية Determinism، أي مبدأ الجبرية، ومعناه أن المجرم ينقاد إلى الجريمة تحت تأثير عوامل عدة، منها ما هو داخلي يرجع إلى التكوين العضوي والنفسي للمجرم، ومنها ما هو خارجي يرجع إلى بيئة هذا المجرم وظروفه وما دام الأمر كذلك فليس هناك وجه لمساءلته أو لومه على أساس اخلاقي(5)، ولكنه يسأل اجتماعيا باعتباره مصدر خطر على المجتمع، مما يستوجب وقاية المجتمع منه، وذلك باتخاذ تدابير إحترازية ضده، وتعد مثل هذه التدابير الوسيلة الاكثر ملاءمة للدفاع الاجتماعي، وهي تهدف إلى توقي الخطورة الإجرامية للمجرم وذلك بوضعه في مركز لا يستطيع فيه الاضرار بالمجتمع(6) . وبذلك، ظهر اتجاه فكري هدفه الدفاع الاجتماعي ضد ظاهرة الجريمة، وهو يقضي بوجوب التركيز على مركتب الجريمة وعلى درجة خطورته ووضع التدابير الملائمة لمواجهة هذه الخطورة، وذلك من منطلق أن الغرض من العقوبة يجب أن يكون دائما هو حماية المجتمع من الجريمة، ولكي يتسنى تحقيق هذا الغرض، فلا بد وان يتجه الجزاء الجنائي نحو هدف معين هو إصلاح المجرم من جهة ووقاية المجتمع من أن تقع جريمة اخرى مستقبلا من جهة اخرى(7)، وبناء عليه، فقد نادى الفقه بضرورة تنظيم العقاب على وجه يصلح المجرم أو يبعد اذاه عن المجتمع أن كان هذا المجرم غير قابل للاصلاح فالمجرم يجب أن يكون هو المقصود بالعقاب دون جريمته ما دام أن الغرض من العقاب هو اصلاحه قبل اي شيء آخر(8) .

 
وبظهور حركة الدفاع الاجتماعي، كثر الجدل الفقهي حول مفهوم الخطورة الإجرامية والتدابير التي تتخذ لمواجهتها، وقد اختلفت الاراء تبعا لتأثر كل منها بالنظريات الفلسفية والعقابية الحديثة(9). ولعل اهم الاراء التي برزت في هذا المجال ما نادى به المستشار مارك انسل لمجابهة خطورة المجرم بارساء قواعد جديدة لسياسة جنائية جديدة لا تحل كثيرا بالمناقشات والجدل الفقهي وتتسم بنزعة انسانية تحرص على كرامة الفرد ولو كان مرتكبا لجريمة كما تحرص في الوقت نفسه على حماية القيم الراسخة في المجتمع، فهي تعترف بالمسؤولية الاخلاقية كأساس للمسؤولية الجزائية، وهي حريصة ايضا على الطابع القانوني للنظام الجنائي وتعترف للقضاء بدوره الأساسي فيه(10) وينادي مارك آنسل بموقف إيجابي فعال لمواجهة الخطرة الإجرامية وذلك بتحديد الجزاء الجنائي بما يتلاءم مع مدى إستعداد المجرم للتأهيل والاصلاح مما يتعين معه الاعتداد بشخصية المجرم بما تنطوي عليه من خطورة، وعلى ذلك فإن حركة الدفاع الاجتماعي الجديد تجعل من فكرة الخطورة الإجرامية معيارا لتحديد مضمون الجزاء الجنائي، ولا تجعل منها بديلا لفكرة المسؤولية الاخلاقية لتحديد مضمون الجزاء الجنائي، الذي لا يجوز توقيعه إلا على مجرم توافرت لديه حرية الاختيار(11) .

 
وقد ذاعت تعاليم هذه المدرسة بعد أن حظيت باهتمام الباحثين في ظاهرة الجريمة من شتى انحاء العالم ومن مختلف الجنسيات(12). كما تأثرت تشريعات عديدة بهذه الاتجاهات الحديثة، واخذت بقدر من هذه الافكار، وتمسك بعضها بفكرة الخطورة الإجرامية، فأصبحت هذه الفكرة ظاهرة تشريعية منذ اوائل القرن العشرين(13)، وقد اشترطت معظم هذه التشريعات أن يكون الشخص قد إرتكب جريمة تظهر طبيعتها والظروف المحيطة بها خطورة مرتكبها وإحتمال ارتكابه لجرائم جديدة في المستقبل حتى يمكن الاعتداد بالحالة الخطرة لديه(14). ونذكر من هذه التشريعات قانون العقوبات الإسباني الصادر في عام 1928، وقانون العقوبات الايطالي لسنة 1930، وقانون العقوبات البرازيلي لسنة 1940، وكذلك قانون الاوروجواي لسنة 1941، وقد اتجهت طائفة من التشريعات، ومنها قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1958، إلى الاعتداد ببعض حالات الخطورة السابقة على ارتكاب الجريمة وذلك من اجل وقاية المجتمع من إحتمال وقوع الجريمة مستقبلا .

 
وبالنسبة للمشرع الاردني، فإنه لم يأخذ بفكرة الخطورة الإجرامية بصورة صريحة إذ نجد أن قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، ينص في المادة 28 على بعض التدابير الاحترازية التي قد تطبق على مرتكب الجريمة بالاضافة إلى العقوبات التي فرضها هذا القانون، ومثال على ذلك الاخذ بالتدابير الاحترازية المانعة للحرية بالنسبة لكل من قضى عليه بالحجز في مأوى احترازي، إذ يودع في مستشفى خاص حيث يعنى به العناية التي تدعو اليها حالته ( المادة /92 من قانون العقوبات ).

 
كما أن المشرع الاردني – كالمشرع الفرنسي – يتجه إلى الاعتداد ببعض حالات الخطورة السابقة على ارتكاب الجريمة كحالة الحدث المتشرد التي وردت في قانون الاحداث لسنة 1968 وحالة الإشتباه التي وردت في قانون منع الجرائم الصادر عام 1954.

 
أهمية البحث :

 
تدعو السياسة الجنائية الحديثة إلى العناية بأشخاص المجرمين الذين يظهرون خطورة تهدد سلامة وامن المجتمع، ولمواجهة هؤلاء الاشخاص الخطرين، فان الدراسات تتركز على محأولة معرفة الاسباب والدوافع التي دفعتهم للاجرام من اجل معالجتها والحد من الخطورة الإجرامية لمرتكبي الجريمة، وفي سبيل ذلك تفرض بعض التدابير عليهم من اجل حماية المجتمع من ظاهرة الجريمة، وقد كثر الجدل حول مفهوم الخطورة الإجرامية بعد أن اصبحت تحتل مكان الصدارة في مجال العلوم الجنائية، ولا شك أن البحث في هذا الموضوع سوف يثير الكثير من الصعوبات، نظرا لانه يتعلق بشخصية الفرد وما يبطنه من ميول وعواطف وانفعالات تنعكس على سلوكه الظاهر، مما يستلزم وضع ضوابط أو معايير لتقدير مدى الخطورة الإجرامية للفرد لكي يتمكن القاضي من تقييمها لاختيار الاجراء أو الجزاء الذي يناسبه عقابيا كان ام علاجيا (15). لذا فقد دعتنا هذه الاعتبارات إلى القيام بهذه الدراسة من اجل القاء المزيد من الضوء على هذا الموضوع الحيوي، بعد أن اصبح القانون الجنائي يعتمد على الحقائق العلمية المستمدة من علم الاجرام وعلم النفس، لتطبيق المبادء الأساسية لفكرة اعادة إصلاح المجرم وتأهيلة .

 
خطة البحث :

 
سوف نقسم هذا البحث إلى خمسة فصول يسبقها فصل تمهيدي نتنأول فيه ماهية الخطورة الإجرامية (تعريفها وطبيعتها) وفي الفصل الأول ندرس خصائص الخطورة الإجرامية، اما الفصل الثاني فيخصص لمعرفة عناصر الخطورة الإجرامية والعوامل المنبهة لها، ونتعرض في فصل ثالث لانواع الخطورة الإجرامية، وفي الفصل الرابع اثار الخطورة الإجرامية، اما الفصل الخامس والاخير فسوف يخصص لموضع اثبات الخطورة الإجرامية ثم نتبع هذه الدراسة بخاتمة نستعرض فيها اهم ما توصلنا اليه في دراستنا لهذا الموضوع من نتائج .؟

 
فصل تمهيدي

ما هية الخطورة الإجرامية



 
تقوم فكرة الخطورة الإجرامية على أساس انها إستعداد لدى شخص يتصف بصفات نفسية معينة ووجد في ظروف معينة تدفعه لان يرتكب جريمة في المستقبل. ومعنى هذا أن الخطورة الإجرامية ما هي إلا وصف لشخصية الفرد، وهذا الوصف يعطي مؤشرات أو دلائل تنذر بإحتمال ارتكابه لجريمة مستقبلا .

 
ولتحديد ما هية الخطورة الإجرامية، فلا بد من وضع تعريف لها ثم بيان لخصائصها وعناصرها والعوامل المنبهة لها، الأمر الذي يتطلب منا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين، نخصص الأول منهما لتعريف الخطورة الإجرامية بينما نتنأول في المبحث الثاني طبيعة الخطورة الإجرامية .

 
المبحث الأول

تعريف الخطورة الإجرامية


 

 
اختلف الفقه الجنائي في تعريف الخطورة الإجرامية، وكان السبب وراء هذا الاختلاف هو تباين وجهات النظر حول تحديد مفهوم الخطورة، فمن الفقهاء من يتجه اتجاها اجتماعيا عند تعريفه لها، ومنهم من يتجه اتجاها نفسيا على اعتبار أن الخطورة الإجرامية حالة نفسية يمر بها الشخص فتؤثر على سلوكه (16).

 
وقد عرف جاروفالو R. Garofalo الخطورة الإجرامية في كتابه "علم الاجرام" الذي صدرت طبعته الأولى في عام 1885، بأنها الامارات التي تبين ما يبدو على المجرم من فساد وتحدد كمية الشر التي يجب أن يتوقع صدورها عنه فهي تعني اهلية المجرم الجنائية temibilite (17). وفي مرحلة لاحقة، وبعد أن لاحظ جاروفالو أن هذا التعريف يعطي لفكرة الخطورة الإجرامية مفهوما في غاية الضيق والسلبية، فقد اضاف اليه عنصرا آخر مفاده أن تقدير الخطورة الإجرامية يجب أن يراعى فيه مدى قابلية المجرم للتجاوب مع المجتمع، وهو ما يعرف بالتكيف الاجتماعي L,adaptation social(18). وبناء على هذا التعريف، فإن تقدير درجة الخطورة الإجرامية – وفقا لرأي جاروفالو – يقتضي البحث في مدى الاهلية الجنائية للمجرم، أي ما يتوقع أن يصدر عنه من جرائم، والبحث ايضا في مدى إمكانية تجاوبه مع المجتمع، أي البحث في الأحوال الاجتماعية التي تحيط بالمجرم والتي يفترض أن توقف من خطورته، وكأن هناك تلازم بين الاهلية الجنائية ومدى التجاوب الاجتماعي للمجرم، وقد انتقد الاستاذ بيناتل Pinatel هذا التوجه، وذهب إلى القول بأنه لا يشترط التلازم الدائم بين العنصرين المذكورين، لأن كلا من هذين العنصرين له مجاله المستقل عن الاخر(19). إذ أن هناك (أشخاص) لديهم قدر كبير من الاهلية الجنائية، ويتمتعون بقدرة كافية على التجاوب الاجتماعي، كما أن من الاشخاص من لديهم قدر قليل من الاهلية الجنائية مع قدر ضئيل من الاهلية الجنائية ولديهم في نفس الوقت قدر كبير من التجاوب الاجتماعي، كما يوجد من الاشخاص من لديهم قدر كبير من الاهلية الجنائية مع قدر ضئيل من القدرة على التجاوب الاجتماعي(20) .

 
واتبع الفقيه دي أسوا De Asua نفس النهج الذي سار عليه جاروفالو، إذ عرف دي اسوا الخطورة الإجرامية بأنها الإحتمال الاكثر وضوحا في أن يصبح الشخص مرتكبا للجرائم أو أن يعود إلى ارتكاب جرائم جديدة. وأضاف لهذا التعريف أن الخطورة الإجرامية – بمعنى الكلمة – تنطوي على إحتمال أن يرتكب الشخص اعمالا غير إجتماعية، إلا انه وعند الكلام عن القانون الوضعي، يجب تقييد هذه الفكرة بإحتمال ارتكاب الجريمة(21).

 
وقد لوحظ على هذا التعريف أنه جاء خلوا من بيان طبيعة (الإحتمال)، وما إذا كان هذا الإحتمال يرجع إلى حالة داخلية كامنة في شخصية المجرم، وما هي طبيعة هذه الحالة، وهل هي نفسية ام بيولوجية، أم يرجع إلى ظروف خارجية، كما لوحظ بأن دي أسوا كان قد تأثر بالتعريف الاجتماعي للجريمة في علم الاجرام، وهذا التعريف لا يتلاقى مع التعريف القانوني للجريمة، حيث ذهب دي أسوا إلى القول بأن الخطورة في نظر القانون الوضعي هي التي تفيد الإحتمال نحو ارتكاب الجريمة، وانها في نظر علم الاجرام تفيد الإحتمال نحو ارتكاب عمل غير اجتماعي(22) .

 
وقد ذهب فريق آخر من الفقه إلى القول بتحديد مفهوم الخطورة الإجرامية على أنها حالة نفسية، وعرفوها على هذا الأساس، ومن هؤلاء الفقهاء جرسبيني F. Grispigni الذي عرف الخطورة الإجرامية على أنها "اهلية الشخص في أن يصبح مصدرا محتملا لارتكاب جرائم مستقبلية" (23). ومن هذا التعريف يتضح أن الخطورة الإجرامية تتمثل (من الناحية النفسية) في حالة الشخص وصفته وظروفه الطبيعية في أن يصبح مرتكبا للجريمة، كما تتمثل هذه الخطورة (من الناحية القانونية) في حالة يرتكب فيها الشخص فعلا مخالفا للقانون مما يترتب عليه – قانونا – توقيع جزاء جنائي عليه(24). ومجمل القول، فإن الخطورة الإجرامية حسب هذا التعريف، هي تكييف شخصي وقانوني يتكون من عوامل متعددة اخلاقية واجتماعية(25) .

 
وقد اخذ جرسبيني بعين الاعتبار – عند تعريفه للخطورة – الحالة النفسية للشخص والتي يمكن أن تدفعه إلى ارتكاب الجريمة، كما انه ربط بين الخطورة الإجرامية، وبين الجزاء الجنائي، فجعل الخطورة صفة تلحق بصاحبها وتعرضه من الوجهة القانونية للجزاء الجنائي(26). وقد اتبع الاستاذ لوديه Loudet نهج جرسبيني حين عرف الشخص ذا الخطورة الإجرامية بأنه ذلك الشخص الذي تعتريه حالة نفسية، بسبب ما لديه من عدم توازن دائم أو مؤقت لان يرتكب عملا غير اجتماعي حال. وعلى ذلك، فإن لوديه يعتبر أن الخطورة الإجرامية حالة نفسية، وحرص مع ذلك على القول بأن هذه الحالة قد تنشأ عن اسباب إجتماعية(27) .

 
وقد اتجهت طائفة من الفقهاء إلى القول بأن الخطورة الإجرامية هي عبارة عن حالة أو صفة تنشأ نتيجة عوامل شخصية وموضوعية اذا ما اقترنت بسلوك الشخص، يصبح ارتكابه لجرائم مستقبله أمرا محتملا، ومن هؤلاء الفقهاء الايطالي بتروشيلي Petrocelli، الذي لفت الانتباه إلى وجوب الاعتداد بجميع العوامل المؤثرة في نشأة حالة الخطورة الإجرامية، إلا أن هذا الرأي يؤخذ عليه انه يخلط بين مفهوم الخطورة وبين العوامل التي تؤدي – متى اجتمعت وتفاعلت معا – إلى نشأة حالة الخطورة، فهذه العوامل ليست هي في حد ذاتها جوهر الخطورة إنما هي اسباب تسهم في خلق حالة شخصية تسمى الخطورة الإجرامية (28) .

 
أما بالنسبة للفقهاء العرب، فقد ذهب البعض منهم، في تعريفه للخطورة الإجرامية، إلى تبني الاتجاه النفسي، فيعرفها البعض منهم بأنها حالة تتوافر لدى الشخص تفيد أن لديه إحتمال واضح نحو ارتكاب الجريمة أو العود اليها(29). بينما لم يصرح البعض الاخر من هؤلاء الفقهاء بتبني اي من الاتجاه النفسي أو الاجتماعي عند تعريف الخطورة الإجرامية، فعرفها بأنها إحتمال المجرم جريمة تالية(30) .

 

 
ونحن نميل إلى الأخذ بالراي القائل بأن الخطورة الإجرامية هي حالة نفسية تتكون لدى الشخص نتيجة تضافر عوامل شخصية وموضوعية تجعله في وضع ينبئ بوضوح عن إحتمال ارتكابه للجريمة مستقبلا(31). فالخطورة الإجرامية هي وصف لحالة المجرم النفسية، التي يتم الكشف عنها من خلال سلوكه وتصرفاته وبخاصة عند ارتكابه لجريمته .

 
المبحث الثاني

طبيعة الخطورة الإجرامية


 
يرى بعض الفقهاء أن الخطورة الإجرامية هي حالة نفسية، أي مرتبطة بالجانب النفسي للفرد، ويذهب جرسبيني Grispigni إلى القول بأن الخطورة عبارة عن شذوذ نفسي، ويكون الشخص خطرا بقدر ما يتوافر لديه من الشذوذ في حالته النفسية .

 
ويطلق على هذا النوع من الشذوذ تسمية " الشذوذ النفسي الخطر " تمييزا له عن الشذوذ الذي لا يفضي إلى تكوين الشخصية الإجرامية، إذ قد يتوافر لدى الشخص نوع من الشذوذ النفسي الذي لا يؤدي إلى تكوين ميل أو إستعداد إجرامي عنده، مما لا يجعل هناك مجال للقول بتوافر خطورة إجرامية لديه(32). وعلى ذلك، فإن الحالة النفسية التي تتصف بشذوذ ما لا تعتبر دائما مرادفة لحالة الخطورة، إلا انها يمكن أن تعد كواحدة من العوامل التي قد تسبب الخطورة الإجرامية(33) .

 
ويذهب فريق آخر من الفقه إلى القول بأن الخطورة الإجرامية عبارة عن مجموعة من العوامل اذا ما اجتمعت معا فسوف تؤدي إلى نشوء حالة الخطورة، وهذه العوامل (الشخصية والموضوعية). هي عوامل مؤثرة، وان كانت ليست هي في حد ذاتها جوهر الخطورة الإجرامية، إلا أنها تساهم في خلق هذه الحالة لدى الشخص(34).

 
وبناء على ما سبق بيانه، فإنه يمكن القول بأن الخطورة الإجرامية ما هي إلا حالة أو صفة تتعلق بالفرد الذي تتوافر لديه جوانبها، وهي تنشأ نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الشخصية مع عوامل اخرى موضوعية، تسهم معا في خلق هذه الحالة أو الصفة الشخصية التي تسمى بـ " الخطورة الإجرامية" (36) .

 
وعليه، فإن جوهر الخطورة الإجرامية يرجع إلى تغلب الدوافع التي تجعل لدى الفرد ميلا إلى ارتكاب الجريمة على الموانع التي ترده عنها، أو هي نقص في المانع و افراط في الدفع(37)، والذي يقوي الدافع ويضعف المانع، هو مجموعة العوامل النفسية والبيئية المحيطة بالفرد والتي من شأنها ابراز فكرة الخطورة الإجرامية لديه .

 
ونتيجة لذلك، فقد يظهر لدى الفرد ميل عام لارتكاب الجريمة أيا كان نوعها، فتكون الخطورة عندئذ هي خطورة إجرامية عامة، كما قد يظهر لدى الفرد ميل نحو ارتكاب جرائم معينة، أو نوع معين من الجرائم، فتوصف الخطورة الإجرامية عندئذ بأنها خطورة خاصة (38) .

 
واذا ما ظهر لدى الفرد خطورة إجرامية من اي نوع، فلا يشترط – لتوافر هذه الخطورة – أن تكون الجريمة أو الجرائم التي يحتمل ارتكابها مستقبلا على درجة معينة من الجسامة. ومع ذلك، فإن درجة جسامة الجريمة يمكن أن تدلل على درجة الخطورة لدى الفرد .

 
والخطورة الإجرامية، كحالة أو صفة يوصف بها الشخص، تختلف عن الجريمة كواقعة أو كفعل إرادي يدخل تحت طائلة التجريم، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود رابطة بينهما، فمما لا شك فيه أن وقوع الجريمة يعد إمارة قوية تدل على توافر الخطورة، وهو بمثابة دليل قوي على وجود الإستعداد الجرمي عند مرتكب هذه الجريمة مما يدل على وجود خطورة لديه، إلا أن مثل هذا الربط بين الخطورة الإجرامية والجريمة ليس حتميا فارتكاب الجريمة ليس دليلا مطلقا على توافر الخطورة، كما أن عدم ارتكاب الجريمة ليس دليلا مطلقا على عدم وجود الخطورة، وعليه، فإنه لا يلزم أن ينحصر وجود الخطورة الإجرامية فيمن سبق لهم بالفعل أن اقترفوا الجريمة دون سواهم، إذ أن هذه الخطورة قد تتوافر حتى فيمن لم يرتكب الجريمة بعد، ما دام أن وقوعها كان أمرا محتملا وفقا لما تدل عليه بعض المؤشرات والمعطيات والظروف القائمة(39). كالحالة النفسية للشخص، وظروفه وبيئته الاجتماعية(40) .

 
وينبغي التأكيد على أن توافر الخطورة الإجرامية يرتبط بإحتمال ارتكاب الشخص لجريمة مستقبلا، فإذا كان موضوع الإحتمال هو اقدام هذا الشخص على سلوك ضار، أو على سلوك لاحق مناف للاخلاق ولكنه لا يشكل جريمة من الجرائم، فالخطورة الإجرامية لا تقوم، لأن الخطورة هي إحتمال ينصرف إلى شخص باعتباره سيرتكب جريمة مستقبلية، أكثر من كونها إحتمال ينصرف إلى اتيان سلوك سيء أو غير اخلاقي مما لا يعد جريمة(41).

 
وفي كل الأحوال، فإن شخصية المجرم هي دائما المحور الأساسي الذي يعتمد عليه العلم الجنائي لتحديد توافر الخطورة الإجرامية، فموطن الخطورة هو شخص المجرم وليس مجرد واقعة أو وقائع مادية معينة(42) .

 
ويجب أن نميز بين الجريمة السابقة التي صدرت عن المجرم والجريمة التالية التي يحتمل اقدامه على ارتكابها، فالأولى قرينة على توافر الخطورة ويستمد القاضي منها ومن ظروفها جانبا من الأدلة على الإحتمال الذي تقوم به الخطورة، أما الثانية فهي موضوع الإحتمال، أي هي الموضوع الذي تنصرف اليه الادلة المستخلصة من الجريمة السابقة. كما أن الجريمتين بينهما فارق جوهري آخر، فالجريمة الأولى معينة لانها قد ارتكبت بالفعل اما الثانية فهي غير معينة لانها لم ترتكب بعد، والاقدام على اقترافها هو مجرد إحتمال(43). وتتفق الخطورة الإجرامية مع النزعة الإجرامية في وجوب الاعتداد بالجريمة المرتكبة، فهما تعبران عن مضمون واحد وهو الحالة النفسية للجاني، واذا كانت النزعة الإجرامية هي إستعداد الشخص لمخالفة القواعد التجريمية، فإن الخطورة الإجرامية تكمن في هذا الإستعداد(44) .

 
ولأن الخطورة الإجرامية حالة أو صفة تنشأ نتيجة تفاعل عوامل معينة، فلا بد من تحديد معنى " الحالة " وبيان طبيعتها القانونية، فالحالة هي نظام قانوني institution juridique ينظم أحوال طائفة من الأشخاص في المجتمع، وحين يخص قانون العقوبات طوائف معينة من الاشخاص في المجتمع مثل الجانحين بمعاملة جزائية خاصة تنفيذا لسياسة جنائية هدفها حماية المجتمع من ظاهرة الجريمة واصلاح المجرم، فإن مثل هذا التنظيم القانوني يعد حالة قانونية جنائية(45) وهي في ذات الوقت بمثابة حالة نفسية تمر بالشخص، إذ هي نوع من الشذوذ أو الانحراف عن الحالة العادية.

 
فالحالة العادية هي التي تجعل الشخص متجاوبا مع الحياة الاجتماعية، واذا ما طرأ على هذه الحالة احد العوامل التي تلعب دورا في تكوين شخصية المجرم وتؤثر في حالته النفسية، يصبح غير متجاوب مع الحياة الاجتماعية، وحين يصبح الشخص كذلك يمكن أن تظهر خطورته الإجرامية، فالحالة الاجتماعية ليست سوى عامل يلعب دوره في تكوين شخصية المجرم ويؤثر في حالته النفسية، وفي مثل هذا الوضع، تكون الخطورة الإجرامية مجرد فكرة نسبية متغيرة من شخص لاخر ومن بيئة لاخرى(46). وعلى ذلك، فإنه لا يجوز الخلط بين الخطورة كحالة نفسية وبين العوامل الاخرى التي تتفاعل معها وتساهم في تكوينها .

 
والقول بأن للخطورة صفة غير إجتماعية، يدفعنا لبيان إلى أي مدى التلازم بين فكرة الخطورة الإجرامية وفكرة عدم المشروعية، وقد ذهب بعض الفقه أن حالة الخطورة ترتب اثارا قانونية، إذ يضع المشرع نصوصا تعالج هذه الخطورة، وتكون هذه النصوص آمرة بحيث لا يجوز مخالفتها، بل أن مخالفتها توصف بعدم المشروعية (47) .

 
بينما يذهب جانب آخر من الفقه إلى نفي صفة عدم المشروعية عن الخطورة الإجرامية، على أساس انها لا تعتبر واقعة مخالفة للقانون، إذ انها مجرد " حالة " ووصف عدم المشروعية لا يجوز أن يطلق إلا على سلوك انساني، فلا يتصور مخالفة النصوص القانونية إلا عن طريق سلوك إرادي يأتية الفرد، اما الخطورة الإجرامية فهي مجرد حالة أو صفة قانونية مجردة من اعتبارات المشروعية أو عدم المشروعية، ومعنى هذا أن لا تلازم بين فكرة الخطورة وفكرة عدم المشروعية(48) .

 
بعد أن بينا ما هية الخطورة الإجرامية، نرى انه لا بد من توضيح خصائص هذه الخطورة، لكونها وصف يلحق بمرتكب الجريمة، كما اسلفنا ما سنتنأوله في الفصل الأول من هذه الدراسة .

 

 

 

 
الفصل الأول

خصائص الخطورة الإجرامية


 
تنطوي كلمة الخطورة على معنى الخطر الذي هو حالة تنذر بوقوع ضرر يصيب شخصا، أو تنذر بوقوع أمر غير مشروع، وقد يصدر هذا الخطر عن سلوك معين يحدث اثرا أو تغييرا في العالم الخارجي، ومن شأنه أن ينتج ضررا أو أمرا معينا غير مشروع كما قد يصدر هذا الخطر عن شخص يعيش في حالة يصبح معها وقوع جريمة مستقبلية من الشخص ذاته أمرا محتملا، وهو ما يسمى بالخطورة الإجرامية، وعلى ذلك فإن الخطر المنبعث من سلوك شخص يدخل عنصرا في عناصر الجريمة، اما الخطر المنبعث من شخص اي الخطورة الإجرامية فإنها لا تدخل في تكوين الجريمة، وانما هي صفة تتميز بها شخصية الفرد وتنذر بإحتمال ارتكابه لجريمة مستقبلة(49) .

 
ونخلص بذلك إلى القول بأن الخطر يتميز بطابع مادي، اما الخطورة الإجرامية فتتصف بطابع شخصي، وهي لا تعدو أن تكون حالة إجرامية، إذ هي وصف يلحق بالفاعل، في حين أن الخطر هو وصف يلحق بالنتيجة(50). وهو بذلك فكرة قانونية في الجريمة في حين أن الخطورة ليست سوى فكرة إجرامية لا تستلزم بالضرورة، وقوع الجريمة، وان كانت هذه الخطورة مفترضا ضروريا لتحديد العقوبة أو التدبير الملائم على من تثبت لديه مثل هذه الخطورة(51) .

 
وتتشابه فكرة الخطر مع فكرة الخطورة الإجرامية في معنى واحد هو " إحتمال العدوان "، والإحتمال هو نوع من التوقيع ينصرف إلى المستقبل، وموضوعه جريمة قد تصدر عن الشخص الذي تتصف شخصيته بالخطورة الإجرامية(52) .

 
وتتميز هذه الخطورة بأنها تقوم على فكرة إحتمال ارتكاب الجريمة، والإحتمال هو معيار الكشف عن الخطورة الإجرامية، ومدلوله حكم يحدد العلاقة بين مجموعة من العوامل التي تتوافر في الحاضر وواقعه مستقبلية من حيث مدى مساهمة تلك العوامل في احداث هذه الواقعة(53). وبمعنى آخر، فإن قانون السببية هو الذي يحدد العلاقة بين النتيجة والعوامل التي تؤدي إلى احداثها(54). وعلى ذلك فإن الإحتمال ليس علاقة السببية ذاتها، ولكنه تصور يدور في الذهن إذ ليس له كيان مادي، وموضوعه الربط بين العوامل الإجرامية والجريمة باعتبار أن هذه العوامل الإجرامية " قائمة موجودة، في حين أن الجريمة هي واقعة مستقبلية اي محتملة الوجود(55) .

 
وقد يحدث أن تكون العوامل الإجرامية غير معلومة على وجه التحديد أو أن تكون غير معلومة كلياً من قبل الأفراد، إلا أن مثل هذا الإبهام لا يؤثر على حقيقة وجود مثل هذه العوامل ولا يؤثر بالتالي على فاعليتها(56) .

 
والإحتمال هو درجة وسط بين الحتمية والامكان، وهو وحده الذي يصلح لتعريف الخطورة الإجرامية، وهذا يعني أن الخطورة تقوم بالإحتمال دون الحتمية ودون الامكان، فالحتمية تعني اللزوم والضرورة، ولا تقاس الخطورة الإجرامية بها وذلك نظرا إلى أن الجاني سوف يقدم حتما على ارتكاب الجريمة، كما لا تقاس هذه الخطورة بالامكان، لان الامكان يتوافر بالنسبة للغالبية العظمى من الناس، وهذا يرجع إلى أن التكوين النفسي للفرد يشتمل على عناصر تتواجد معها امكانية ارتكابه لافعال غير مشروعة، اما إحتمال ارتكاب الجريمة اي الخطورة الإجرامية فلا تتوافر إلا لدى بعض الاشخاص دون البعض الاخر .

 
ويرى جانب من الفقه أن من كان لديه إحتمال لارتكاب جريمة مستقبلا تكون لديه خطورة إجرامية، أما من كان لديه امكان ارتكاب الجريمة فتكون لديه نزعة إجرامية، ومن هنا نجد أن الخطورة الإجرامية والنزعة الإجرامية تعبران عن مضمون واحد، إلا أن الخطورة هي حكم بالإحتمال بينما النزعة الإجرامية هي حكم بالامكان .

 
وعلى هذا فإن الاختلاف بينهما ليس نوعيا وانما هو اختلاف كمي، والقانون لا يهتم إلا بقدر الامكان الذي يشكل خطورة على المجتمع على أن يبلغ هذا الامكان درجة من القانون بحيث يصبح إحتمالا(57) .

 
والإحتمال ذو طابع علمي، فهو لا يقوم على محض الظن أو التصور، وهو بذلك ليس مجرد تحكم من القاضي بأن الشخص سوف يقدم على ارتكاب جريمة مستقبلا وانما يفترض دراسة للعوامل الإجرامية وتحديدها وبيان مدى قوتها السببية التي تجعل من شأن هذه العوامل توجيه الفرد إلى ارتكاب الجريمة مستقبلا(58) .

 
ولا يكفي للقول بتوافر الخطورة الإجرامية بأن هناك إحتمال بأن يصدر عن الشخص مجرد شر تنذر به حالته أو سلوكه غير الاجتماعي، إذ لا بد وان يكون هناك إحتمال ارتكاب الشخص لجريمة ما في المستقبل، ويرجع في تحديد معنى الجريمة المحتملة التي تتوافر معها الخطورة الإجرامية في ضوء حالة الشخص وظروفه، ويرى البعض انه ليس هناك ما يدعو إلى التقيد بنوع معين من الجرائم عند تقدير الخطورة الإجرامية، واستبعاد فئة منها طالما أن المشرع قد تدخل بنص قانوني يعاقب بموجبه على ارتكاب بعض الافعال تحقيقا للمصلحة الاجتماعية، وذلك على اعتبار أن المشرع قد ارتأى أن السلوك المعاقب عليه هو سلوك مخالف للقواعد الاجتماعية الواجب احترامها ومراعاتها، وبالتالي، فإن إحتمال ارتكاب الشخص لسلوك من هذا القبيل يمثل خطرا اجتماعيا تتوافر معه حالة الخطورة الإجرامية (59) .

 
والذي يجسد الخطورة الإجرامية هو الامارات المادية والدلائل التي تتمثل في افعال أو وقائع ملموسة يمكن ملاحظتها وتنبئ عن وجود هذه الخطورة، وعلى ذلك، فإنه لا يكفي للقول بتوافر الخطورة الاستناد إلى مجرد افتراضات من غير أن يكون هناك وقائع مادية تكون بمثابة اشارات واضحة تدل على هذه الخطورة، ويكون من شأن ما ظهر من دلائل مادية ايجاد إحتمال جدي في أن جريمة ما قد تقع في المستقبل من قبل الشخص الذي احاطت به مثل هذه الدلائل(60). على أنه يجب دائما أن تكون الخطورة الإجرامية حالة أو حاضرة لدى الشخص، فلا يكفي للقول بتوافرها أن الشخص كان لديه خطورة سابقة، على اعتبار أن مثل هذه الخطورة هي حالة قد مضت، والعبرة دائما بالحاضر، وبما يتصف به حالة الشخص في هذا الحاضر، كذلك، فإن الخطورة المستقبلية لا يعول عليها، ولا يكفي لتوافر الخطورة الإجرامية لدى شخص ما أن يقال بأنه يحتمل أن تكون لديه في المستقبل أهلية جنائية ترشحه للاجرام(61) .

 
وأهم ما يميز الخطورة الإجرامية بإعتبارها حالة خاصة بالفرد، هو أنها غير إرادية، وذلك يرجع إلى أن العوامل المؤدية لها منقطعة الصلة تماما بارادة الفرد، مثل الظروف البيئية غير المناسبة التي تحيط بهذا الفرد، فالقانون يعتد دائما بحالة الخطورة في ذاتها بغض النظر عن الاسباب التي ادت إليها، حتى ولو كانت هذه الأسباب تعتمد أساسا في نشأتها على سلوك الفرد ذاته كالادمان على المسكرات أو الادمان على تعاطي المخدرات. والقول باستقلال الخطورة الإجرامية عن الارادة، يستبعد وصفها بأنها غير اخلاقية وعليه، فإن الاثم والخطورة أمران مختلفان من حيث أن الاثم يتم تقديره اعتمادا على ما حدث في الماضي، أما الخطورة الإجرامية فيتم تقديرها اعتمادا على ما يحتمل حدوثه مستقبلا من خطر أو ضرر(62). وبما أن الخطورة الإجرامية حالة غير إرادية فإن ذلك يؤكد انفصالها عن الجريمة التي قد تنجم عنها، والتي تتمثل في سلوك إرادي غير مشروع .

 
ومما يميز الخطورة الإجرامية ايضا هو انها فكرة نسبية تعتمد على الحالة الاجتماعية السائدة والعلاقات بين الناس، وقد قرر المؤتمر الدولي الثاني لعلم الاجرام الذي عقد في باريس عام 1950 أن الخطورة الإجرامية تعد أساسا فكرة نسبية للنظام الاجتماعي، وتقدر وفقا للحالة الاجتماعية السائدة والعلاقات بين الاشخاص(63). وعليه، فإن ما يعد خطرا في مجتمع ما، قد لا يكون ذلك في مجتمع آخر، كذلك فإنه بالنسبة للظروف المحيطة بشخص، فمنها ما تتوافر به الخطورة الإجرامية بالنسبة لهذا الشخص، في حين انها ليست كذلك بالنسبة لشخص آخر .

 
وتتكون الخطورة الإجرامية من مجموعة من العناصر، كما أن هناك بعض العوامل التي تساهم في إبراز هذه الخطورة، وهذا ما سوف نتنأوله في الفصل التالي .

 
الفصل الثاني

عناصر الخطورة الإجرامية والعوامل المنبهة لها


 
أن السلوك الانساني عامة والسلوك الإجرامي خاصة، لا يمكن تفسيره بارجاعه إلى سبب محدد أو إلى مجموعة اسباب محددة، ومن يحأول من الباحثين في علم الاجرام أن يعطي لعامل محدد أو مجموعة عوامل محددة دور السبب في مجال الجريمة، فسوف يصل إلى نتائج قاصرة وغير دقيقة، إذ ليس للجريمة سبب بذاته .

 
ويرجع ذلك إلى أن الجريمة ظاهرة انسانية تصدر عن انسان له شخصيته التي تميزه عن غيره، وله تكوينه الذي يؤثر على تصرفاته، كما أن مدى التأثر بالعوامل الخارجية المحيطة بالرد يختلف من شخص إلى آخر، ومن هنا، فإن من الصعب ارجاع ظاهرة الجريمة لعامل معين أو اعتباره سببا لها، ولان الجريمة هي ظاهرة إجتماعية لها جوانب متعددة، فلا يمكن القول بأن عملا اجتماعيا بذاته أو مجموعة محددة من هذه العوامل، سيؤدي حتما إلى وقوع الجريمة(64). ولكن يمكن القول بأنه اذا اقترنت مجموعة من الظروف المتعلقة بشخص ما مع مجموعة من الظروف المحيطة بهذا الشخص، فإنها قد تساهم في تكوين ما يسمى بالدافع نحو السلوك الإجرامي لديه(65)، وبنفس الوقت، فإن هناك بعض العوامل الشخصية، والاجتماعية التي تساهم في تكوين ما يسمى بالمقاومة التي تواجه السلوك الإجرامي نفسه، وذلك لان الانسان الكامل من كافة الوجوه يكاد لا يوجد. إذ لا يخلو كل فرد من العيوب التي قد تدفعه للاجرام، وبالرغم من ذلك فالناس كلهم لا يرتكبون الجرائم، بل يقتصر ارتكاب الجريمة على مجموعة من الناس، وهؤلاء قله بالنسبة لعدد أفراد المجتمع، فغالبية الناس لا يجرمون(66).

 
ويثور تساؤل عن سبب اجرام تلك الفئة من أفراد المجتمع التي ترتكب الجريمة وعن المصدر الذي حفزها على الاجرام، ونجد الجواب على هذا التساؤل عند دي توليو di Tullio.B أحد ابرز علماء الجريمة الايطاليين، وذلك من خلال نظريته في تفسير الظاهرة الإجرامية والتي تعرف بنظرية التكوين الإجرامي(67) .وهو يقسم الإستعداد الجرمي لدى الفرد إلى نوعين، فيسند الأول منهما إلى عوامل إجتماعية وشخصية تكون اقوى من قدرة الجاني على ضبط مشاعره، مما يخلق لديه إستعداد عارض يحرك عوامل الجريمة لديه، واما النوع الثاني فيسنده إلى التكوين الفطري للإنسان من الناحيتين الجسمية والنفسية، وهذا هو الإستعداد الاصيل الذي يمثل مصدر الجرائم الخطيرة واحتراف الاجرام(68) .

 
وبناء على ذلك، فإن المجرم من أفراد المجتمع اما أن يكون مجنونا وإما أن يكون ذا تكوين إجرامي واما ذو إستعداد داخلي لاجرام الصفة (69). فالمجنون شخص انعدمت لديه حرية الاختيار، وذو التكوين الإجرامي هو شخص تكون قوة المانع لديه ضعيفة ولا تقوى على الوقوف في وجه القوة الدافعة للاجرام، اما الشخص ذو الإستعداد الداخلي للاجرام، فتكون قوة المانع لديه قائمة إلى جانب قوة الدافع، غير أن التوازن بين قوة الدافع وقوة المانع قابل لان يختل بسبب عيب نفسي عنده(70)، مما يؤدي إلى تغليب الدافع على المانع اذا ما طرأ مؤثر خارجي استثنائي، وفي ضوء المؤثرات الخارجية وما يطرأ عليها من تغيير يمكن القول بأن الخطورة الإجرامية تتوافر لدى الشخص اذا زادت لديه قوة الدافع بفعل العوامل الخارجية أو نقصت لديه قوة المانع بفعل هذه العوامل نفسها، فيترتب على ذلك إحتمال ارتكابه للجريمة(71) .

 
وقد توصل دي توليو من خلال نظريته إلى تصنيف المجرمين على أساس أن الجريمة هي نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل البيولوجية (عوامل داخلية) مع بعض الظروف التي يقابلها الانسان في العالم الخارجي وهي العوامل الاجتماعية (عوامل خارجية). وتبين له من خلال تجاربه أن هناك أفراد لديهم ميل أو إستعداد جرمي لا يتوافر لدى بقية الناس الاخرين بدليل أن الظروف الخارجية التي تثير فيهم النزعة الإجرامية وتدفعهم إلى ارتكاب الجريمة لا تحدث نفس الاثر بالنسبة للاشخاص العاديين، فهذه الظروف تكون بمثابة الجريمة لا تحدث نفس الاثر بالنسبة للاشخاص العاديين، فهذه الظروف تكون بمثابة " مثيرات كاشفة " لنزعاتهم الإجرامية، وترتبط هذه النزعة لديهم بتكوين خاص فيهم جسمي ونفسي على السواء مما يميزهم عن أي رجل عادي، ويختلف هذا التكوين الإجرامي في أولئك المجرمين باختلاف انواعهم(72). ولذا فقد جرى تقسيم المجرمين من حيث مدى تأثير الاسباب التي تدفعهم إلى ارتكاب الجريمة إلى قسمين رئيسين هما: المجرمون بالصدفة والمجرمون بالعادة، فالمجرم بالصدفة هو ذلك الشخص الذي يقع في الجريمة تحت تأثير ظرف استثنائي خارجي،إذ يصدر الفعل الجرمي عنه عرضا نتيجة لظرف خارجي طارئ يخل بتوازن المانع من الجريمة مع الدافع اليها، ويؤدي إلى تغليب الدافع على قوة المانع لديه(73). وهكذا، فإن الاجرام بالصدفة يرجع أساسا إلى عوامل خارجية تحيط بالمجرم، كالأزمات الإقتصادية، والاغتراب والهجرة وتغيير وسائل الحياة، والبطالة وغيرها من الظروف الاجتماعي، على أن العوامل الخارجية هذه لا تقلل من اهمية العوامل الداخلية لدى المجرم، إذ ليس كل من يمر بأزمات إقتصادية أو بظروف إجتماعية معينة يرتكب الجريمة، وانما يرتكبها بعض من الناس الذين لديهم عوامل داخلية معينة " نفسية وبيولوجية " تضاف اليها بعض العوامل الخارجية فيؤدي ذلك إلى الاختلال في التوازن بين قوة الدافع وقوة المانع، فتغلب قوة الدافع وتنقص من قوة المانع، وذلك يؤدي إلى ارتكاب الجريمة (74) .

 
أما المجرم بالعادة أو بالتكوين، فإنه يتميز بتوافر ميل داخلي أو تكويني في شخصيته يدفعه إلى الاجرام، وذلك تبعا لانعدام أو ضعف القوة المانعة من الجريمة، أي تبعا للاختلال الدائم للتوازن بين قوة الدافع وقوة المقاومة، ففي حالة المجرم بالعادة تتضاءل المقاومة أو قوة المانع تضاؤلا جسيما امام قوة الدافع مما يؤدي إلى توافر ميل دائم لديه إلى الاجرام. ويرجع الاجرام بالعادة لظروف تكوينيه تتعلق بشخص المجرم وعيوبه التكوينية كنقص النمو، أو خلل في الجهاز العصبي أو اضطراب في ملكاته العقلية(75). ويصاحب هذه الظروف ظروف أخرى إجتماعية أو إقتصادية على أن الظروف التكوينية تلعب الدور الأهم في هذا النوع من المجرمين وبصورة اكبر بكثير مما تقوم به الظروف الاجتماعية(76) .

 
وقد اتجه بعض العلماء إلى البحث عن العوامل الإجرامية في الوسط الاجتماعي المحيط بالإنسان، ومن هؤلاء فيري E. Ferri وتارد Tarde وسوذرلاند (77). Sutherland الذين بينوا في كتاباتهم أن الظاهرة الإجرامية تفسر من خلال العوامل الاجتماعية وحدها، وان عوامل التكوين الشخصي لا تؤدي غير دور سلبي، وان الظروف الخارجية وحدها تكفي لقيام حالة عدم التجاوب الاجتماعي الذي تقع به الجريمة، على أن مثل هذا الرأي محل انتقاد، إذ لا يمكن القول بأن الوسط الاجتماعي المحيط بالفرد هو السبب الوحيد في نشأة الظاهرة الإجرامية، والواقع من الأمر أن هناك نوعين من الظروف الخارجية أو الاجتماعية، حيث يؤثر النوع الأول منها في بناء الشخصية الإجرامية للم جرم ويلعب دورا في تكوين خطورته، اما النوع الثاني من هذه الظروف فيلعب دورا اقل اهمية، لانه يتصف بكونه من الظروف الخارجية العارضة، وهو ليس سببا مكونا للخطورة الإجرامية ولا يدخل عنصرا فيها، وانما هو مجرد مناسبة لنقل هذه الخطورة من حالة السكون إلى حالة الحركة. ومثال على ذلك انه اذا مر شخصان بظروف يمكن للواحد منهما من خلالها أن تمتد يده للاستيلاء على بعض مال الغير دون خشية افتضاح أمره، وكان احد هذين الشخصين يتحلى بالأمانة بخلاف الآخر، فإن الأول لا يتأثر بهذه الظروف ولا يرتكب السرقة، بينما يستغل الشخص الثاني هذه الظروف، فيمد يده للسرقة، ويظهر في هذا المثال أن الفعل الذي ولدته ظروف واحدة قد اختلف باختلاف شخصية من وجد في مثل هذه الظروف، وعليه، فإنه لا يمكن القول بأن هذه الظروف وحدها هي التي تخلق الجريمة، وانما تظهر الجريمة نتيجة تفاعل ظروف إجتماعية (التي هي بمثابة مؤثرات خارجية) مع الظروف النفسية والبيولوجية للشخص، ومثل هذا التفاعل لا يؤدي إلى وقوع الجريمة مباشرة، وانما ينشأ عنه بادئ الأمر تأثير هام في الحالة النفسية للفرد على نحو يؤهله مستقبلا للاجرام إذ يصبح غير قابل للتجاوب مع وسطه الاجتماعي فيتحقق في شأنه ما يسمى بالخطورة الإجرامية(78) .

 
والخطورة الإجرامية، بوصفها خطر صادر عن شخص، توجد على درجات إذ أن هناك خطورة أشد، كما أن هناك خطورة أخف، وهي بذلك تتفاوت من شخص إلى شخص آخر، كما انها تتفاوت في درجة جسامتها بالنسبة للشخص ذاته (79). وإذا كانت الخطورة الإجرامية تظهر بوقوع الجريمة، فإنها – أي الخطورة – يمكن أن تتوافر حتى قبل ارتكاب المجرم لجريمته، اي أن الخطورة على أنواع وهو ما سيكون موضوع الفصل الثالث من هذه الدراسة .

 
الفصل الثالث

أنواع الخطورة الإجرامية


 
مع أن الخطورة الإجرامية هي إحتمال لأن يكون الشخص مصدرا لجريمة في المستقبل، إلا أن هذه الخطورة يجب أن تكون فعلية وليست مفترضة حتى يمكن للقاضي أن يستعمل سلطته التقديرية ويكون عقيدته لاختيار الجزاء المناسب الذي سيوقعه على من تثبت مسؤوليته عن ارتكاب الجريمة. وذلك في ضوء درجة خطورته الإجرامية. فالمجرمون يتفاوتون في درجة الخطورة لدى كل منهم .

 
والتفاوت في شدة العقوبة مرهون بتفاوت اهمية الحق الفردي أو الاجتماعي الذي يحتمل أن يكون محلا للاعتداء من جانب الشخص الذي تتوافر فيه حالة الخطورة الإجرامية، وعلى ذلك. فإن هناك خطورة تنذر بإحتمال وقوع جرائم جسيمة، وأخرى تنذر بإحتمال وقوع جرائم أقل جسامة. ومن جهة ثانية، فإن درجة جسامة الخطورة الإجرامية تتمثل في درجة إحتمال وقوع جرائم مستقبلية من جانب الجاني، إذ كلما كان إحتمال وقوع مثل هذه الجرائم كبيرا، كلما كانت الخطورة اكثر جسامة(80). علما بأن درجة جسامة إحتمال الاجرام تتوقف على نوع الخلل النفسي للشخص وعلى مدى حدة هذا الخلل، وعلى طول أو قصر الوقت الذي مضى على نشوئه وعما اذا كان الخلل النفسي دائما ام عرضيا، وطبيعيا أم مكتسبا، وعلى ما اذا كانت العوامل التي ادت إلى وجود هذا الخلل عضوية ام بيئية(81) .

 
وتتكشف الخطورة عادة بوقوع الجريمة، أي بارتكاب الشخص لجريمة تنبئ عن خطورته، إلا أن هذا لا يعني دائما أن ارتكاب الجريمة هو شرط لتوافر الخطورة في الجاني، فهذه الخطورة قد تتوافر حتى قبل إرتكاب صاحبها لاي فعل مخالف للقانون، وتسمى عندئذ بالخطورة الإجرامية السابقة لوقوع الجريمة، وعلى ذلك فإنه يمكننا تقسيم الخطورة إلى نوعين الأول منها هو الخطورة الإجرامية التي تظهر بوقوع الجريمة والنوع الثاني هو الخطورة الإجرامية السابقة لوقوع الجريمة .

 

أولا : الخطورة الإجرامية التي تظهر بوقوع الجريمة :


 
يتجه الرأي الغالب في الفقه إلى القول بأن اهم شرط لتوافر الخطورة الإجرامية هو أن يرتكب الشخص الذي تنطوي شخصيته على خطورة جريمة جنائية، وتتحدد وسيلة علاج هذا النوع من الخطورة بالجزاء الجنائي، وعلى ذلك، فإن مفهوم الخطورة الإجرامية في صورتها هذه، يفترض تأثيم الجاني أي اسناد الجريمة اليه معنويا، وهو ما يسمى بنظرية إذناب الفاعل التي صاغها الفقه الألماني، وهذه الفكرة تتضمن لوما قانونيا للفرد على أسلوب حياته الذي يعبر عن إستعداده الجرمي والذي يرجع إلى ارادته على اعتبار انه كان يستطيع العيش بما يتفق واحكام القانون اي باتخاذ وسيلة مشروعة لحياته (82) .

 
على أن اشترط ارتكاب الشخص لجريمة لا يكفي وحده للقول بتوافر الخطورة الإجرامية، بل لا بد وأن تتوافر دلائل أخرى، إلى جانب ارتكاب الجريمة، بحيث تظهر هذه الدلائل إحتمالا جديا لارتكاب المجرم لجرائم اخرى مستقبلا. ويتم تقدير مثل هذا الإحتمال بناء على دراسة على وقائع فعلية ومحددة، وليس على مجرد الافتراض أو مجرد التخمين(83). ومن هذه العوامل حالة المجرم النفسية والبيولوجية وظروفه الشخصية والاجتماعية، إلى غير ذلك من الصفات والعلامات التي تنبيء بجريمة مستقبلية، وعلى ذلك، فإن القاضي في لحظة نطقة بالحكم، لا بد وأن يثبت لديه أن المجرم قد إرتكب الجريمة وان يثبت ايضا توافر الخطورة الإجرامية لديه ومعنى ذلك، أن القاضي لا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار جسامة الواقعة المرتكبة دون الاعتداد بتوافر الخطورة الإجرامية، لأن حق الدولة في العقاب لا يستند إلى فكرة الانتقام أو العدالة المطلقة، وإنما يراعى في العقاب حماية المجتمع والحفاظ عليه من اخطار ارتكاب جرائم مستقبلية، ولذلك، فإن التلازم بين الجريمة والعقوبة ليس مطلقا، وإنما التلازم هو بين العقوبة والخطورة التي يجب أن تكون قائمة وقت توقيعها(84) فإذا ثبت أن الشخص ليس لديه خطورة، إجرامية فيكفي التهديد بالعقوبة، كما هو الحال عند الحكم بالادانة في وقف تنفيذ العقوبة .

 

ثانيا : الخطورة الإجرامية السابقة لوقوع الجريمة :


 
قد تتوافر الخطورة الإجرامية لدى شخص ما بالرغم من عدم ارتكابه لأي جريمة سابقة طالما أن وقوعها محتمل من جانبه، وتكون وسيله علاج هذه الخطورة هي فرض تدابير إحترازية على شخص صاحبها، ويتم الكشف على هذا النوع من الخطورة من خلال ما يتميز به الشخص من صفات و إمارات معينة كأن يكون مصابا بجنون أو باختلال عقلي أو نفسي جسيم ومعيار الخطورة لدى مثل هؤلاء الاشخاص هو فقدان القدرة على التحكم في تصرفاتهم، بحيث يخشى منه على سلامتهم وسلامة غيرهم. كما أن هناك طائفة أخرى من ذوي الخطورة، وهم أولئك الذين يسلكون سلوكا منحرفا كالمتشردين والمشتبه بهم، والمدمنين على الكحول أو المخدرات(85). ومما ينبغي الاشارة اليه والتأكيد عليه هو أن معرفة الخطورة السابقة على وقوع جريمة يقتضي إجراء فحص علمي مبني على وقائع فعلية، إذ لا يمكن الاعماد على مجرد الافتراض أو التكهن للقول بتوافر هذا النوع من الخطورة الإجرامية .

 
وتثير معرفة الخطورة الإجرامية السابقة على ارتكاب الجريمة اشكالا يتعلق بالامارات الكاشفة عنها، لان المعايير التي تستخدم في ذلك لا يمكن أن يكون لها حجية مطلقة مهما بلغت دقتها، ولأن العوامل والظروف التي تحيط بسلوك الفرد كثيرة ومتشعبة، مما يجعل من الاحاطة بها جميعا أمرا يكاد يكون متعذرا مهما كانت الجهود المبذولة، وكثيرا ما يتم تحديد ذاتية هذه العوامل واختيارها بطريقة تحكمية وبطريقة لا تخلو من التخمين، مما يجعل من العسير الاعتماد عليها كمعايير – ذات قيمة – للقول بتوافر حالة الخطورة الإجرامية قبل أن تقع جريمة(86) .

 
لذا، فقد ظهر اتجاه يعارض فكرة الخطورة الإجرامية السابقة على ارتكاب الجريمة. ويقود هذا الاتجاه المستشار مارك انسل M. Ancel صاحب حركة الدفاع الاجتماعي الحديث، إذ يرفض الاخذ بفكرة تطبيق اي تدابير إجتماعية سابقة على وقوع الجريمة لتعارضها مع مبدأ الشرعية، ومساسها بالحريات، خاصة وان التدابير الاجتماعية (أو الاحترازية) التي يسمح باتخاذها ضد اشخاص لم يسبق لهم ارتكاب جريمة بحجة انهم من ذوي الخطورة، يعد انتهاكا للحريات، ويفسح المجال لاساءة ممارسة هذه السلطة (87). لأن التدبير الاحترازي هو اجراء خطير وصعب على من يوقع عليه، فهو في الغالب سالب أو مقيد للحرية كما انه غير محدد المدة، مما يقتضي أن يقتصر نطاقة على حالات الخطورة التي تظهر بعد ارتكاب جريمة على درجة من الجسامة، فإذا ما طبق التدبير الاحترازي على الحالات السابقة على ارتكاب جريمة، فإنه يخشى منه أن تستخدم السلطات العامة هذا التدبير بصورة قد لا تخلو من التعسف ولمدة غير محدودة(88). ومن الحجج التي يسوقها اصحاب الراي المعارض لفكرة الخطورة السابقة على ارتكاب الجريمة، صعوبة اثبات مثل هذه الخطورة، ذلك أن الجريمة تعتبر اهم دلائل الخطورة، فإذا ما انتقلت الجريمة، انتفى معها الدليل المادي على توافر الخطورة، وبطبيعة الحال، فإن الإعتماد على دلائل اخرى غير الجريمة هو أمر تعوزه الدقة، مما يفقد الخطورة اهم شروطها وهو الإحتمال الجدي لارتكاب جريمة مستقبلية(89). وعليه، فإنه يلزم لتوافر الخطورة اشتراط أن يرتكب الشخص جريمة ما ثم تظهر معها مجموعة من الامارات والدلائل التي يقوم بها إحتمال أن يرتكب هذا الشخص جريمة اخرى في المستقبل .

 
وتحت تأثير هذه الافكار، فقد اخذت بعض التشريعات ومنها التشريع الايطالي بالاتجاه الذي يستلزم للاعتداد بالحالة الخطرة، أن يكون الشخص قد إرتكب جريمة تظهر خطورة مرتكبها، إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص فيها القانون على غير ذلك(90).
إلا أن بعض التشريعات الأخرى، ومنها التشريع الفرنسي قد اتجهت إلى الاعتداد ببعض حالات الخطورة الإجرامية السابقة على وقوع الجريمة، وذلك بغية الوقاية من الاجرام، ولكن الاخذ بهذا الاتجاه يعد في رأي البعض انتهاكا خطيرا للحرية الفردية خلافا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات .

 
لذلك، فقد لجأت هذه التشريعات إلى تجريم بعض حالات الخطورة ذاتها التي يتصف بها الشخص الذي لم يرتكب جريمة بعد، كما هو الحال بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي يجرم حالة التشرد، وحالة الإشتباه، من اجل أن يضفي صفة الشرعية على تدخل الدولة واتخاذها لاجراءات ضد الخطرين ممن لم يرتكبوا جريمة(91). ومن القوانين التي تأخذ بهذا الاتجاه، بالاضافة للقانون الفرنسي، القانون الإسباني والقانون المصري، والقانون الاردني، فنجد أن قانون الاحداث الصادر عام 1968 قد جعل من تشرد الحدث حالة من حالات الخطورة التي تجيز اتخاذ تدابير أو احالته إلى دار رعاية الاحداث لمدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز خمسة سنوات، كما تنص على ذلك المادة /32 من قانون الاحداث نفسه ولا يفوتنا في هذا المقام أن نشير إلى قانون منع الجرائم الصادر في سنة 1954، إذ نصت المادة /3 منه على بعض حالات الخطورة التي تجيز للحاكم الاداري اتخاذ بعض الاجراءات للوقاية من الاجرام بالنسبة لاي شخص وجد في مكان عام أو خاص في ظروف تقنع الحاكم الاداري بأن هذا الشخص كان على وشك ارتكاب اي جرم أو المساعدة على ارتكابه، وكل من كان في حالة تجعل وجوده طليقا بلا كفالة خطرا على الناس .

 
كذلك، فقد عاقب المشرع الاردني على جريمة التسول بمقتضى المادة /389 من قانون العقوبات، إذ يعاقب كل من استعطى أو طلب الصدقة من الناس متذرعا إلى ذلك بعرض جروحه أو عاهة فيه أو بأية وسيلة أخرى ، كما يعاقب كل من وجد وهو يقود، ولدا دون السادسة عشرة من عمره للتسول وجمع الصدقات، بل أن المشرع وبمقتضى هذه المادة نفسها يعاقب كل من تصرف في أي محل عمومي تصرفا يحتمل أن يحدث اخلالا بالطمأنينة العامة، كما انه يعاقب كل من وجد متجولا في أي ملك أو على مقربة منه أو في اي طريق أو شارع عام أو في مكان محاذ لهما أو في اي محل عام آخر في وقت وظروف يستنتج منها بأنه موجود لغاية غير مشروعة أو غير لائقة، وتكون العقوبة في جميع الحالات الانفة الذكر هي اما الحبس لمدة لا تقل عن سنة أو بوضعه باحدى دور العناية بالمتسولين لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات ويمكن الافراج عن سنة أو بوضعه باحدى دور العناية بالمتسولين لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات، ويمكن الافراج عن هذا الشخص واخراجه من المؤسسة كما يمكن اعادته اليها حسب حالته، وحسب ما يبدي من تجاوب مع الشروط المحددة لسلوكه .

 
ويرى البعض(92)، انه مهما ثبت أن الخطورة الإجرامية متوافرة دون جريمة ، فيجب أن لا ننسى مبدأ مهما عند مواجهة حالة الخطورة الإجرامية وعلاجها، وهو مبدأ لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير احترازي دون سبق ارتكاب جريمة، ولا يجوز للدولة أن تخلع صفة التجريم على فعل ما لم يكن لهذا الفعل مظهر واقعي في العالم الخارجي. ولا يكفي مجرد الاحترام الشكلي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات عند تجريم الحالة الخطرة، إذ لا بد من احترام روح هذا المبدأ والضرورة التي دعت اليه وهي الحرية الفردية، فالخطورة الإجرامية ما هي الاحالة نفسية قد تؤدي إلى ارتكاب جريمة مستقبلية وهذه الحالة لا يمكن إستخلاصها إلا عن طريق السلوك الإجرامي الذي يأتيه من يتصف بها(93)، وبالتالي إضفاء وصف الجريمة على هذه الحالة النفسية هي غير إرادية كما أن تجريم هذه الحالة يتعارض مع فكرة المسؤولية الاخلاقية، هذا بالاضافة إلى أن قيام الجريمة يقتضي توافر ركن مادي يتمثل في حركة عضوية، وهو ما لا يتفق مع تجريم الحالة الخطرة(94) .
وفي هذا الصدد، نجد أن المشرع الاردني حين جرم حالة التشرد في قانون الاحداث، وعاقب على حالة الخطورة الناجمة عن التشرد وفرض لها تدبيرا احترازيا لمدة قد تصل إلى خمس سنوات، ولو لم تقع من الحدث اي جريمة. وازاء هذه الحالة يرى جانب من الفقه انه لا تثريب على المشرع بالنسبة للاحداث ويعلل رأيه بأنه اذا كان التعرض لمن بلغ سن الرشد من أفراد الناس بحجة توافر حالة الخطورة الإجرامية ولتفادي جريمة يخشى من وقوعها (وان كانت لم تقع) هو أمر ينطوي على مبالغة لما فيه من تعريض للحريات الشخصية لمثل هؤلاء الناس لأخطار التحكم، ولما قد يؤدي إليه من نتائج لا تحمد عقباها، فإن مثل هذه الاخطار لا محل للخشية منها حين يتعلق الأمر بالأحداث الصغار، لان الحدث الصغير يوجد بطبيعته تحت الولاية والوصاية، وكما يجوز لوليه أو وصية أن يتخذ معه تدبيرا، فإنه يمكن للدولة أن تتخذ معه تدبيرا مشابها، بل أن قيام الدولة باتخاذ مثل هذا التدبير يكون من باب أولى، لأنها أقدر من أسرة هذا الحدث التي كثيرا ما يكون نظامها فاسدا(95). ونحن نؤيد هذا الرأي، طالما أن القانون هو الذي تكفل بتحديد حالات الخطورة الإجرامية بالنسبة للاحداث المشردين، وحدد ايضا التدابير الواجب اتخاذها إزاء هؤلاء الأحداث بنصوص قانونية .

 
أما بالنسبة لحالة الإشتباه، فإن المادة /3 من قانون منع الجرائم نصت على ثلاث حالات للخطورة الإجرامية أولها من وجد في مكان عام أو خاص في ظروف تقنع الحاكم الاداري بأنه كان على وشك ارتكاب اي جرم أو المساعدة على ارتكابه. والحالة الثانية هي حالة من اعتاد اللصوصية أو السرقة أو حيازة الأموال المسروقة أو اعتاد حماية اللصوص أو ايواءهم أو المساعدة على اخفاء الاموال المسروقة أو التصرف فيها. واما الحالة الثالثة فهي تتعلق بكل ما كان في حالة تجعل وجوده طليقا بلا كفالة خطرا على الناس. ويلاحظ أنه بالنسبة للحالتين الأولى والثالثة، فإن الخطورة الإجرامية تتوافر بموجب هذا النص ولو لم يرتكب الشخص جريمة بعد وانما تتعلق بمجرد إشتباه لا يفيد اكثر من أن المشتبه به قد اصبح مصدر خطر على أمن الناس وعلى حقوقهم. وأما الحالة الثانية فهي تتحدث عن كل من اعتاد على ارتكاب افعال يعد كل منها جريمة بحد ذاته. ومن المفروض أن يكون مثل هذا الشخص قد حوكم عن جرائمة، فكيف يمكن مساءلته عنها مرة أخرى .

 
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بالنسبة للمشرع الاردني، إذ انه ترك أمر تقدير توافر الخطورة الإجرامية للحاكم الاداري، ولم يضع الأمر بين يدي القضاء، فلو انه ترك الأمر للقضاء ليقرر توافر الخطورة قبل ارتكاب الجريمة، فإن ذلك سيكون اقرب إلى المنطق أما أن يترك الأمر لتقدير الحاكم الاداري الذي يعطيه المشرع بمقتضى قانون منع الجرائم صلاحية اصدار مذكرة للقبض على الشخص الذي وجد في احدى الحالات الثلاث الانف ذكرها تمهيدا لمحاكمته، فهو أمر محل نظر. وقد نصت المادة /5 / 4/ أ صراحة على أنه ليس من الضروري في الاجراءات التي تتخذ بمقتضى هذا القانون اثبات أن المتهم إرتكب فعلا معينا أو افعالا معينة. ونحن نعتقد أن في هذا خروج على جميع مبادئ التجريم والعقاب وعلى مبدأ الشرعية بالذات، لما فيه من تعريض حريات الأفراد للخطر دون أن يرتكب احدهم اي جريمة، بل أن هذا القانون يعطي للسلطة التنفيذية سلطات هي في الاصل من اختصاص السلطة القضائية، وهو بذلك يفتح مجالا للتحكم. وان هذا المسلك الذي ينتجه التشريع الاردني، والتشريعات الاخرى التي تسير على هذا النهج، يؤدي إلى نتيجة مفادها تغليب الشك على اليقين وهو ما لا يتفق مع مبدئ الحرية الفردية التي اراد المشرع أن يحميها حين قرر مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وعدم جواز مساءلة الشخص اكثر من مرة عن جريمة واحدة(96)، مما يدعونا إلى الاعتراض على تجريم حالة الإشتباه .

 
ولكن، وفي بعض الحالات فإنه يمكن جعل الحالة في مقام جريمة فعلية، اذا كانت مثل هذه الحالة على قدر كبير من الجسامة، كحالة الجنون التي تبرر فرض تدبير احترازي على من يتصف بها، ولو لم يرتكب جريمة بعد، وذلك حماية للمجتمع، ودرءا لما قد يصيبه من ضرر من جراء افعال غير مسؤولة قد يأتيها من يصاب بحالة الجنون، خاصة وأن مثل هذا الشخص غالبا ما يكون عاجزا عن ادراك كنه افعاله، مما يقتضي حجزه في مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية إلى أن يثبت شفاؤه بتقرير من لجنة طبية، وان يثبت أيضا انه لم يعد خطرا على السلامة العامة(97) مع مراعاة أن تتم مثل هذه الاجراءات عن طريق القضاء اي من خلال قرارات صادرة عن سلطة قضائية مختصة .

 
وإزاء قيام حالة الخطورة الإجرامية، فإن لهذه الخطورة اثارها في النظام القانوني الجزائي وفي مراحله المختلفة . وهذا ما سنتنأوله في الفصل الرابع .

 
الفصل الرابع

آثار الخطورة الإجرامية


 
تساهم فكرة الخطورة الإجرامية في تطوير أحكام قانون العقوبات ومبادئ علم العقاب، فهي تلعب دورا في المرحلة التشريعية حين يقوم المشرع بتحديد الأفعال التي تستوجب المؤاخذة الجزائية أي الجرائم، وتعيين مقدار الجزاء المفروض على من يرتكبها كما أن لفكرة الخطورة اثرها في المرحلة القضائية، إذ أنه في مرحلة الخصومة الجنائية واثناء سير الدعوى العمومية، فإن المشرع يعطي سلطة تقديرية كافية لمعرفة مدى خطورة المتهم، مما ينعكس على طبيعية الاجراءات المتخذة بحقه، من قبل الجهة القضائية المختصة باتخاذ هذه الاجراءات(98). كذلك، فإن المشرع يمنح القاضي سلطة تقديرية كافية لتكوين قناعته الوجدانية على النحو الذي يكفل له امكانية تقدير مدى خطورة المجرم، مما ينعكس على نوع ومقدار الجزاء الذي سيوقع عليه بعد ثبوت ارتكابه للجريمة. بل إنه وحتى بعد النطق بالحكم بتوقيع العقوبة، فإن للخطورة الإجرامية أثرها على المرحلة التنفيذية لهذه العقوبة .

 

أولا : آثار الخطورة في المرحلة التشريعية :


 
يحدد المشرع في المرحلة التشريعية نوع ومقدار العقاب الذي يفرضه بالنسبة لكل جريمة اعتمادا على اعتبارات العدالة من ناحية، وعلى مدى خطورة الجاني من ناحية اخرى .

 
واذا كانت اعتبارات العدالة تأخذ الجانب الاهم لدى المشرع، فإن الخطورة الإجرامية لها اهميتها ايضا , وذلك على اعتبار أن في كل فعل دلالة على فاعله، وأنه كلما كانت اثار الفعل جسيمة، كان فاعله أكثر خطورة (99) .

 
وعلى درجة الخطورة يتوقف مدى الشدة في العقوبة نوعا ومقدارا، فمرتكب جريمة القتل مع سبق الاصرار يعاقب بعقوبة الاعدام، والخطورة في مثل هذه الحالة مفترضة من قبل المشرع، إذ كلما تحقق في الواقعة الجرمية ظرف مشدد أو اكثر، كلما بلغت الخطورة درجة اكبر في الجسامة، وهذا يعني أن هناك تناسبا طرديا بين جسامة الجريمة وظروفها المشددة. كما تقترض الخطورة في حالة العودة إلى ارتكاب الجريمة(100) وهو ما يسمى بالتكرار في التشريع الاردني، إذ يعاقب المجرم المكرر للاجرام بعقوبة مغلظة تصل إلى ضعفي العقوبة التي تستلزمها جريمته الثانية على أن لا يتجاوز هذا التضعيف عشرين سنة في حالة تكرار الجرائم التي هي من نوع الجنايات، وعلى أن لا يتجاوز التضعيف خمسة سنوات في حالة تكرار الجرائم التي هي من نوع الجنح، وذلك وفقا لنصوص المادتين 101، 102 من قانون العقوبات .

 
وهكذا نجد أن المشرع قد أورد سلسلة من العقوبات تتدرج في الشدة والقسوة بحسب جسامة الجريمة، فوضع بذلك مقياسا حسابيا يطبقه على كل مجرم مهما إختلفت ظروفه ما د امت ظروف الجريمة لم تتغير(101)، وإزاد هذه النظرية المادية في العقاب، فقد منح المشرع للقاضي سلطة واسعة في تقدير العقوبة ضمن حديها الادنى والاقصى، بل أن القاضي قد اعطي سلطة النزول عن الحد الادنى للعقوبة في حالة توافر ظروف مخففه تقديرية احاطت بالجاني عند ارتكابه لجريمته. ذلك أن الهدف من العقوبة اصبح هو العناية بالمجرم، فهو المقصود بالعقاب دون جريمته، وعلى هذا، فإن الغرض من العقاب ينبغي أن ينحصر في اعادة إصلاح المجرم قبل اي شيء آخر .

 

ثانيا : آثار الخطورة في المرحلة القضائية :


 
بما أن المشرع يضع قواعد مجردة تحدد مقدما طبيعة ومقدار العقاب، لكونه لا يستطيع أن يصل إلى أدق التفاصيل، فقد ترك للقاضي سلطة تقدير العقاب بناء على عدة عو امل تكون في مجموعها حالة المجرم، وهذه العوامل يجدها القاضي في سوابق المجرم القضائية وفي أخلاقه وبيئته وحالته النفسية والعصبية وتكوينه الفسيولوجي، وهي تكشف كلها عن الإستعداد الجرمي لديه، وهذا ما يطلق عليه الفقه الحديث اصطلاح " فردية العقاب(102)، وهو يقتضي دراسة وفهما لشخصية الجاني، وهذا ما لا يستطيع القاضي وحدة التوصل اليه، مما يستدعي ايجاد جهاز متخصص يساعد القاضي في عمله ضمن آلية محددة، لكي يكون بمقدور القاضي اختيار نوع الجزاء المفروض على الجاني ومدته في ضوء مدى ما يتوافر في هذا الجاني من خطورة إجرامية، لان هذه الخطورة اصبحت بحق معيار تطبيق الجزاء الجنائي .

 
وعليه فإن المشرع بعد أن يضع القواعد العامة للتجريم والعقاب، يعهد إلى القضاء بمهمة تقدير حالة المجرم ووضعه الاجتماعي والنفسي وحالته وقت ارتكاب الجريمة من اجل الاحاطة بكافة الظروف والمؤثرات التي لعبت دورا في دفعه إلى الاجرام تمهيدا لاختيار الجزاء الذي يلائم هذا المجرم ويكون فيه اصلاحه، وهذا ما يعرف بالتفريد القضائي للعقوبة L, individualization Judiciaire de la peine ومثل هذا الأمر يحتاج إلى تكوين القضاة تكوينا علميا وعمليا ليتمكنوا من اداء مهمتهم الجلية على أكمل وجه(103). إذ من خلال معرفة القاضي لحالة المجرم وظروفه فهو يستطيع أن يقدر مدى خطورته الإجرامية، وهذه الخطورة تلعب دورا مهما في مجال تفريد العقاب، فاذا ما ثبت للقاضي أن المجرم على درجة من الخطورة كان الجزاء لازما، اما اذا ثبت أن لا خطورة لدى هذا المجرم أو ثبت انه على درجة دنيا من الخطورة بحيث يكون إحتمال عودته إلى الاجرام ضعيفا أو غير ممكن، فيصبح الجزاء الجنائي غير لازم، وعندئذ، يجوز للقاضي أن يحكم بالادانة وينطق بالعقوبة مع وقف التنفيذ اذا ما توافرت الشروط التي وضعها المشرع بهذا الخصوص. وقد اخذ المشرع الاردني بنظام وقف التنفيذ، حيث ورد في المادة /54 (مكررة) من قانون العقوبات أنه يجوز للمحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة بالسجن أو الحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة، أن تأمر في قرار الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة وفقا للاحكام والشروط المنصوص عليها في هذا القانون، اذا رات من أخلاق لمحكوم عليه أو ماضيه أو سنة أو الظروف التي إرتكب فيها الجريمة ما يبعث للإعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون .

 
ويمكن القول بأن توافر الخطورة الإجرامية لدى الجانح يلعب دورا مهما في تحديد نوع الجزاء ومقداره(104)، فوفقا للافكار والمفاهيم التي جاءت بها حركة الدفاع الاجتماعي الجديد، فإن الجزاءات (العقوبات والتدابير الاحترازية)، يجب أن تكون ملائمة للشخصية الإجرامية حتى يمكن أن يتحقق الغرض الذي فرضت من أجله هذه الجزاءات، وهو إعادة تأهيل واصلاح الجانح، وفي ذلك ما يحقق مصلحة للمجتمع، إذ يقيه من التصرفات الضارة التي قد تصدر عن هذا الجانح مستقبلا فيما لو لم يتم اصلاحه(105) .

 
ومن الملاحظ أن المشرع يكفل للقاضي حرية تقديرية لتقييم خطورة الشخص الماثل أمامه واختيار الجزاء المناسب له تحقيقا للعدالة، ولكن مهما اتسعت سلطة القاضي التقديرية فهو لا يحل محل المشرع، وإنما يطبق أحكام القانون الاكثر ملاءمة في الدعوى المعروضة أمامه. وعلى ذلك، فإن المشرع لا يترك للقاضي حرية مطلقة في استعمال سلطته التقديرية، بل يقيد سلطة القاضي عن طريق الزامه بتسبيب احكامه والا كان حكمه معيبا ومستوجبا للنقض(106). وفائد النص على تسبيب الحكم هو التحقق من أن الحكم قد اتخذ وفقا للمعاير التي رسمها القانون .

 

ثالثا : آثار الخطورة في مرحلة تنفيذ الجزاء الجنائي :


 
تلعب الخطورة الإجرامية دورا مهما في مرحلة تنفيذ الجزاء الجنائي، إذ يتوقف على درجة خطورة والمحكوم عليه نوع المعاملة العقابية التي سيخضع لها، وفي الوقت نفسه، فإن زوال الخطورة الإجرامية لدى السجين المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية يمكن أن تؤدي إلى الافراج عنه قبل انقضاء مدة العقوبة المحكوم بها عليه وفقا لنظام الافراج الشرطي الذي تأخذ به معظم التشريعات(107). وبالنسبة للتشريع الاردني فإنه لا يعرف نظام الإفراج الشرطي، ولكن المادة / 29 من قانون السجون الاردني قد اوردت حالة مشابهة، إذ نصت على انه " تشجيعا للسجناء على تحسين سلوكهم وانماء روح حب العمل فيهم وتسهيلا لمعاملتهم على وجه يرجى منه صلاحهم، تتخذ جميع السجون الترتيبات اللازمة التي تمكن كل سجين محكوم عليه بالحبس لمدة شهر أو اكثر أو بالاعتقال أو بالاشغال الشاقة بمقتضى حكم واحد أو احكام متتالية أن يستحق الافراج عنه عندما يكون قد بقي من كامل المدة المحكوم بها عليه ما لا يزيد على الربع ".

 
وبناء على ما سبق بيانه، نجد أن ارتكاب الجريمة، وان كان ينشئ للدولة حقا في معاقبة مرتكبها، إلا أن ذلك وحده ليس كافيا لتطبيق العقوبة في كل الحالات. وهذا يرجع إلى أن تطبيق العقوبة يتوقف على توافر الخطورة الإجرامية سواء أكانت مفترضة من قبل المشرع ام كانت قضائية، وهذه الخطورة هي مناط اختيار الجزاء الجنائي لتحقيق الدفاع الاجتماعي وفقا للنظام العقابي الحديث، وهي بذلك تلعب دورا مهما في هذا النظام(108) .

 
ويترتب على الأخذ بفكرة الحالة الخطرة للمجرم والاعتداد بها نتائج مهمة، أولها : الاعتراف باصطلاح المجرم الخطر في العديد من التشريعات الجزائية كالتشريع البولندي والتشريع البرتغالي والتشريع الايطالي التي تضمنت اصطلاحات تشير إلى هذه الخطورة مثل اصطلاح المجرم غير القابل للاصلاح أو المجرم الصعب الاصلاح أو المجرم بالميل. وثاني هذه النتائج : هو ضرورة الأخذ بفكرة عزل المجرمين الخطرين أو ابعادهم بغية وضعهم خارج دائرة الاضرار بالمجتمع، لان ربط مفهوم حالة الخطورة الإجرامية بفكرة الدفاع الاجتماعي يؤدي منطقيا إلى هذه النتيجة، وثالث النتائج : وهو ضرورة الاخذ بفكرة العقوبة غير المحددة المدة لأن الاجراء الذي يتخذ حيال المجرم الخطر يستهدف حماية المجتمع من مصدر الخطر، ويجب أن يبقى هذه الاجراء قائما ما ظل الخطر دائما(109) .

 
ويضاف إلى كل ذلك القول بأن الخطورة الإجرامية لها أهميتها بالنسبة لنظام التدابير الاحترازية، بعد أن ثبت قصور العقوبة وحدها عن مكافحة ظاهرة الجريمة، خاصة في الأحوال التي تبدو فيها العقوبة غير كافية لمواجهة الخطورة الإجرامية كحالة المجرم الشاذ والمجرم المعتاد(110) علماً بأن الحكم القضائي يفرض تدبير إحترازي يستلزم –شأنه شأن الحكم بالعقوبة – أن يكون مسببا، وان عدم تسبيب الحكم باختيار التدبير الاحترازي يعتبر سببا لنقض هذا الحكم(111) .

 
وبعد أن وضحنا مفهوم الخطورة الإجرامية وبينا خصائصها والعناصر المكونة لها وأنواعها وآثارها، يتبقى علينا أن نتعرض (في الفصل الخامس) لموضوع في غاية الاهمية وهو اثبات وجود مثل هذه الخطورة .

 

 

 

 

 

 
الفصل الخامس

إثبات الخطورة الإجرامية


 
نظرا لكون الخطورة الإجرامية حالة نفسية، فإن اثباتها ليس بالأمر اليسير، ويترك أمر اثبات الخطورة لتقدير القاضي، انطلاقا من مبدأ حرية القاضي في تكوين قناعته الوجدانية. وفي سبيل ذلك فهو يضع في اعتباره شخصية الجاني ومدى ميله أو مدى إستعداد الإجرامي، ومدى إحتمال ارتكابه لجرائم مستقبلية. كما يأخذ القاضي بعين الاعتبار بواعث الجاني على ارتكاب جريمته، ونوع الجريمة المرتكبة، والسوابق الإجرامية لهذا الجاني، وظروفه الإجتماعية واسلوب حياته قبل ارتكابه للجريمة، كما يدخل في ذلك ظروفه العائلية، وسلوكه المعاصر أو اللاحق لارتكاب الجريمة(112) .

 
ولا شك أن الجريمة المرتكبة هي من أهم العناصر التي يأخذها القاضي بالاعتبار لتكوين عقيدته بالنسبة لخطورة الجاني، لان الجريمة واقعة مادية ملموسة يمكن التثبت منها، وهذه الجريمة لها دلالتها في الكشف عن شخصية مرتكبها. إذ من خلال عناصر الجريمة ومدى جسامتها وطريقة ارتكابها، يمكن تقدير مدى الخطورة الإجرامية للجاني(113). ولا يشترط في ذلك أن يكون فاعل الجريمة أهلا للمسؤولية الجنائية .

 
كما يمكن اثبات الخطورة الإجرامية من خلال افتراض وجودها في بعض الحالات، وذلك من خلال ارتكاب الجرائم، وعلة افتراض توافر الخطورة الإجرامية هي أن المشرع يقدر بأن الجريمة الخطيرة لا يقدم على ارتكابها إلا مجرم خطير، وان خطورته هذه لا تثير ادنى شك. وينتقد البعض بحق مثل هذا الافتراض، ويرون أنه من الملائم في السياسة التشريعية أن يلتزم القاضي بالتحقق من توافر الخطورة الإجرامية في كل حالة على حدة(114) .

 
ومن المؤكد أن للجريمة المرتكبة دلالتها على شخص الجاني باعتبارها سلوكا يعبر عن الظروف النفسية لمرتكبها، وتكشف عن جوانب كثيرة لحياته النفسية، كما أن للجريمة دلالتها في الكشف عن الخطورة الإجرامية، مع أن ذلك لا يعني بالضرورة بأن كل جريمة يجب أن تكشف عن نفسية الجاني بما يسمح بتقدير مدى نزعته الإجرامية أو خطورته بالنسبة للمستقبل(115) .

 
ومن الأمور التي تكشف عن الخطورة الإجرامية للشخص سوابق الجاني، ويقصد بالسوابق ما سبق للمجرم ارتكابه من جرائم، ويندرج تحتها جميع الجرائم التي سبق ارتكابها ولو لم تصدر فيها احكام في الموضوع. وعلى ذلك، فإنه يعتد بالجرائم التي سقطت بالتقادم أو بالعفو العام عند تقدير حالة الخطورة الإجرامية .

 
وخلاصة القول أن حالة المجرم تعتبر خطرة على سلامة المجتمع اذا تبين من ظروف الجريمة وبواعثها، ومن أحوال المجرم وأخلاقه، أن هناك إحتمالا جديا لاقدامه على اقتراف جريمة جديدة، وهذا ما ذهب اليه المشرع الايطالي في معرض بيانه لوسائل اثبات الخطورة الإجرامية، إذ نصت المادة /133 من قانون العقوبات الايطالي على أنه يتوجب على القاضي عند توقيع العقوبة، أن يراعي مدى جسامة الجريمة، من حيث طبيعتها ووسائلها وموضوعها ووقتها ومكانها والظروف التي احاطت بارتكابها، ليتبين ما خلال كل هذا مدى الخطورة الإجرامية المتوافرة في شخصية مرتكب الجريمة، كما يجب مراعاة مدى جسامة ماديات الجريمة من حيث الضرر ودرجة الخطر المترتب على هذه الجريمة وايضا مراعاة مدى خطورة معنويات الجريمة اي القصد الجرمي ودرجة الاهمال أو قلة الاحتراز في الجرائم غير المقصودة، كما أن على القاضي أن يراعي الميل الإجرامي أو النزعة الإجرامية للجاني، وهي تعني مدى قدرة الشخص على مخالفة قانون العقوبات، هذه يمكن أن تستنتج من الجريمة المرتكبة، لانها تعبر عن الحالة النفسية للجاني عند إرتكابه للفعل الجرمي(116) ولا شك أن البيان الذي أورده المشرع الإيطالي له قيمته وأهميته من حيث أنه يتضمن الإشارة إلى أهم مواطن إستخلاص الخطورة الإجرامية وإثباتها ولذلك يكون من الملائم الاسترشاد به في تقدير الخطورة بالنسبة لأي تشريع جنائي ينص عليها(117) .

 
ويضاف إلى ما سبق بيانه أن اثبات الخطورة يقتضي دراسة وافية لتاريخ الجاني ولمسيرة حياته قبل ارتكابه لجريمته، لأن ذلك يعطي مؤشرا واضحا عن مدى خطورته كما أن دراسة سلوك الجاني بعد ارتكاب الجريمة سيتضح معها ما اذا كانت الخطورة ما زالت قائمة ام انها في طريق الزوال(118). مما يتيح للقاضي فرصة اختيار الجزء الاكثر ملاءمة لحالة الجاني، وقد يؤخذ على هذا الرأي صعوبة تطبيقه لأن دراسة شخص المجرم قبل ارتكاب الجريمة، ودراسة حالته وسلوكه بعد ارتكابها يحتاج إلى جهاز متخصص، وأسلوب عمل منهجي من اجل الحصول على نتائج صحيحة لحالة الجاني النفسية، إلا انه وبغية تحقيق الجزاء الجنائي لأغراضه في اعادة تأهيل واصلاح المجرم، فإن كل ذلك يستحق بذل مثل هذه الجهود التي سيكون لها اثرها الايجابي على المصلحة العامة المتمثلة في حماية المجتمع مع ظاهرة الجريمة(119) .

 
الخاتمة

 
تبين لنا من خلال هذه الدراسة أن الخطورة الإجرامية هي حالة تتوافر لدى الشخص وتظهر مدى إستعداده الإجرامي، أي مدى إحتمال ارتكابه لجريمة مستقبلا .

 
ولقد حظي موضوع الخطورة الإجرامية بأهمية بالغة لدى الفقه، كما أخذت بفكرة الخطورة معظم التشريعات الحديثة، ذلك أن العقوبة أو الجزاء الجنائي لم يعد لها ذلك الطابع المادي، كما كان عليه الحال لفترة طويلة من الزمن، بل اصبح الجزاء يتخذ طابعا شخصيا، حيث يراعى فيه شخصية مرتكب الجريمة والعوامل والظروف التي أحاطت به ودفعته لارتكاب جريمته، كما أن الهدف من الجزاء لم يعد هو الانتقام أو التنكيل بالمجرم بل اصبح الغرض من الجزاء هو إصلاح وإعادة تأهيل المجرم، مما يقتضي أن يكون هذا الجزاء متناسبا مع شخصية مرتكب الجريمة، ولا شك أن معرفة مدى الخطورة الإجرامية المتوافرة لدى الجاني، له عظيم الاثر في اختيار الجزاء، الذي يتناسب مع هذه الخطورة، ويحقق بنفس الوقت مصلحة للمجرم في إعادة تأهيلة، ومصلحة للمجتمع في كف اذى هذا المجرم والحيلولة دون قيامه بالأضرار بمجتمعه مستقبلا وذلك من خلال إعادة اصلاحه .

 
والخطورة الإجرامية من الموضوعات التي تقف على الحدود بين علم الاجرام وعلم العقاب وقانون العقوبات، بالنظر إلى ما تثيره من قضايا متعلقة بكل واحد من هذه الموضوعات(120). فالخطورة الإجرامية أصبحت الأساس الذي تقوم عليه السياسة الحديثة التي تهدف إلى تطوير التشريع الجزائي، على النحو الذي يجعله أكثر قدرة على الدفاع عن المجتمع مع الحفاظ على حقوق المواطن وتحقيق الأمن الاجتماعي داخل هذا المجتمع، الأمر الذي لا يتحقق إلا من خلال التعرف على شخصية مرتكب الجريمة ودراستها للكشف عن كوامن هذه الشخصية، ومعرفة الحالة النفسية التي كان يمر بها المجرم وقت ارتكابه لجريمته، ومدى ما يتوافر لديه من خطورة إجرامية(121) .

 
أن الاعتداد بفكرة الخطورة الإجرامية يستتبع بالضرورة القول بأن هناك مجرم خطر، وأن لدى هذا المجرم إحتمال نحو ارتكاب جريمة مستقبلا، أو إحتمال نحو عودته إلى الاجرام. فالخطورة حالة نفسية غير إرادية، تتكون من تفاعل عدة عومل، داخلية وخارجية، تخلق لدى الشخص دافعا اقوى إلى الاجرام، حيث تتغلب لديه قوة الدافع على قوة المانع، أي على قوة مقاومته للنوازع الإجرامية .

 
ولا يشترط لتوافر الخطورة الإجرامية أن تقع جريمة من جانب من تتوافر لديه هذه الحالة. إلا أن مساءلة ذي الخطورة الإجرامية جزائيا دون ارتكاب جريمة هو أمر مناف لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ولكن هذه الحالة لا تمنع الدولة من اتخاذ بعض تدابير الدفاع الاجتماعي حماية للمجتمع وأمنه، وعليه، فإن المشرع يقع على عاتقه مسؤولية تنظيم حالات الخطورة الإجرامية، وفرض التدابير الاحترازية لمواجهتها. وينبغي أن يشتمل مثل هذا التنظيم على حالات الخطورة اللاحقة لارتكاب الجريمة، وأيضا حالات الخطورة الإجرامية السابقة على وقوع الجريمة، على أن يكون تنظيم مثل هذه الحالات الاخيرة في اضيق الحدود، حفاظا على مبدأ الشرعية .

 
وحيث أن الجريمة تفصح عن مدى خطورة مرتكبها، فإن القاضي يكون هو الجهة الأقدر والأكثر معرفة بشخصية الجاني، مما يمكنه من اختيار الجزاء أو التدبير الملائم لحماية المجتمع من هذه الخطورة، وبنفس الوقت لحماية المجرم، وفرض المعاملة العقابية الكفيلة بإعادة تأهيله واصلاحه. ويترتب على ذلك، ضرورة منح سلطات أكبر للقاضي في تفريد العقوبة وذلك بالنظر للدور الهام الذي يلعبه قاضي الموضوع عند استعمال سلطته التقديرية، وهذا يقتضي – بطبيعية الحال – اعداد القاضي وتأهيله علميا وفنيا، مع تمكينه من الاستعانة بالخبراء في علم النفس وفي علم الاجتماع، وفي الطب النفسي، من اجل الوصول إلى تشخيص حالة الخطورة الإجرامية تشخيصا علميا اكثر دقة، وذلك تمهيدا لفرض العقوبة أو التدبير الاكثر ملاءمة.

 

قائمة المراجع

 
  1. المراجع باللغة العربية :

 
  1. الدكتور احمد فتحي سرور، نظرية الخطورة الإجرامية، مجلة القانون الإقتصادي، العدد /2، السنة /34، يونيه 1964.
  2. الدكتور جلال ثروت، الظاهرة الإجرامية، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية 1982 .
  3. الدكتور رمسيس بهنام والدكتور علي القهوجي، علم الاجرام والعقاب، منشأة المعارف بالاسكندرية .
  4. الدكتور رمسيس بهنام، نظرية التجريم في القانون الجنائي، منشأة المعارف بالاسكندرية، بلا تاريخ .
  5. الدكتور رمسيس بهنام، علم الاجرام، منشأة المعارف بالاسكندرية، بلا تاريخ .
  6. الدكتور رؤوف عبيد، أصول علمي الاجرام والعقاب، دار الجيل للطباعة، القاهرة 1988.
  7. الدكتور رياض الخاني، مبادئ علمي الاجرام والعقاب، المطبعة الجديدة دمشق ،1982 – 1983.
  8. الدكتور عادل عازر ـ طبيعة حالة الخطورة وآثارها الجزائية، المجلة الجنائية القومية العدد الأول، المجلد / 11 سنة 1986.
  9. الدكتور عبد الفتاح الصيفي، الجزاء الجنائي، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت، 1972.
  10. الدكتورة فوزية عبد الستار، مبادئ علم الاجرام وعلم العقاب، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الخامسة .
  11. الدكتور مأمون محمد سلامة، حدود سلطة القاضي الجنائي في تطبيق العقوبة، دار الفكر العربي، القاهرة بلا تاريخ .
  12. الدكتور محمد زكي أبو عأمر، دراسة في علم الاجرام والعقاب، الدار الجامعية 1988.
  13. الدكتور محمد سعيد نمور، وقف تنفيذ العقوبة، نظام نفتقده في تشريعاتنا الجزائية في الأردن، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، المجلد الثالث، العدد /2، سنة 1988.
  14. الدكتور محمد شلال حبيب، الخطورة الإجرامية – دراسة مقارنة – رسالة دكتوراه مقدمه لكلية القانون والسياسة، جامعة بغداد، 1980.
  15. الدكتور محمود محمود مصطفى، توجيه السياسة الجنائية نحو فردية العقاب، مجلة القانون والاقتصاد، العدد الأول، السنة /9 سنة 1939 .
  16. الدكتور محمود نجيب حسني، علم العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة 1967 .
  17. الدكتور محمود نجيب حسني، المجرمون الشواذ، دار النهضة العربية، القاهرة، 1964.

 
  1. المراجع باللغة الفرنسية :

 
  1. Aly M. Badawi, L'Etat dangereux du delinquant' comme base et mesure de la repression, Revue Al – Qanoun Wal lqtisad, lere annee , no I, janvier 1939.
  2. P. Bouzat ET J. Pinatel, Traite de Driot Penal et de criminilogie, Tome III 3eme ed, Dalloz 1975.
  3. M. Collin, Etudes de Criminologie Clinique, Colletion de Medecine Le- gale, ed. Masson ET Cie, Lyon, France.
  4. De Asua, La systmatisation Juridique de Letat dangereux, 2eme Cours International de Criminologie, Paries, 1953.
  5. R. Schmelck et G.Picca, Penologie et Droit Penitentiaire, Ed Cujas , Paris, 1967.
  6. G. Stefani, G Levasseur ET R. Jambu-Merlin, Criminologie et Science Penitentiaire, 4eme Ed. Dalloz, 1976.
المراجع

 
  1. الدكتور محمود نجيب حسني، علم العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة 1967 ص 71.
  2. الدكتور محمد شلال حبيب، الخطورة الإجرامية – دراسة مقارنة – رسالة دكتوراه مقدمة لكلية القانون والسياسة، جامعة بغداد، الطبعة الأولى، 1980، ص 19.
  3. الدكتور محمد سعيد نمور، وقف تنفيذ العقوبة، نظام نفتقده في تشريعاتنا الجزائية في الاردن، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، المجلد الثالث، العدد /2، س 1988، ص 18.
  4. الدكتور احمد فتحي سرور، نظرية الخطورة الإجرامية، مجلة القانون والاقتصاد العدد /2، س 34، يونيه 1964، ص 491.
  5. الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص 76، الدكتور عادل عازر، طبيعة حالة الخطورة وآثارها الجزائية، المجلة الجنائية القومية، العدد الأول، المجلد /11 س، 1968، ص 186.
  6. R. Schmelck et G.Picca, Penologie, et Droit Penitentiaire, Cujias, Paris, 1967, p. 127.
  7. الدكتور عبد الفتاح الصيفي، الجزاء الجنائي، دراسة تاريخية وفلسفية وفقهية، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1972، ص 69، وانظر :
G. Stefani, G. Levasseur et R. Jambu-Merlin, Criminologie et Science Pentiaire, 4 eme , ed, Dalloz , 1976, p. 268, R. Schmelck et G. Picca, op. cit p127.
  1. الدكتور محمود محمود مصطفى توجيه السياسة الجنائية نحو فردية العقاب، مجلة القانون والاقتصاد، العدد الأول، السنة /9، سنة 1939، ص 141.
  2. تبلورت الاتجاهات الفكرية بالنسبة للدفاع الاجتماعي ضد ظاهرة الجريمة في اتجاهين : اتجاه متطرف يمثله جراماتيكا Grammatica وينادي بالغاء قانون العقوبات، واتخاذ تدابير إجتماعية لمواجهة الخلل الاجتماعي، ومعالجة أسباب انحراف المجرم اجتماعيا، واتجاه معتدل يمثله مارك انسل Marc Ancel وينادي بما أسماه بمذهب الدفاع الاجتماعي الجديد
La Defens Social nouvelle
وهو يهدف إلى التوفيق بين الفكر التقليلدي في التمسك بمبدأ الشرعية وحرية الارداة والمسؤولية الجنائية وبين الاخذ ببعض افكار نظرية الدفاع الاجتماعي للوقاية من بعض الحالات الخطرة، وذلك عن طريق اتخاذ تدابير الدفاع الاجتماعي، انظر : الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 188.

 
  1. الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص 91.
  2. الدكتور أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 493.
  3. ومن هؤلاء جرافن Graven من سويسرا وهورفيتش Hurwitz من الدنمارك وسيلين Sellin من بنسلفانيا وليجال Legal وليفاسير Levasseur من فرنسا .
  4. كشف البحث التاريخي عن ظهور فكرة الخطورة الإجرامية في بعض التشريعات القديمة، مثل قانون العقوبات الفرنسي الصادر في عهد Charles – Quint سنة 1532، والقانون الإسباني الصادر في عام 1777، وعلى الرغم من ميل بعض التشريعات في القرن التاسع عشر إلى الاخذ بفكرة الخطورة، إلا انها اقتصرت على اعتناق بعض نتائجها دون ايضاح تعريفها، وقد تجلى ذلك في الاخذ بنظام التدابير الاحترازية دون بيان ما هية الخطورة أو تحديد فكرتها، انظر : الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 501.
  5. الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 189.
  6. الدكتور محمد شلال حبيب، المرجع السابق، ص 11.
  7. M.Collin Etudes de Cirminilgie Clinique, Collection de Medecine Legale, Ed. Masson et Cie, Lyon, P. 15.
  8. P. Bouzat et j. Pinatel, Traite de Droit Penal et de Criminologie , Tome III, Cirminologie , par, J. Pinatel, 3e ed, Dalloz, P. 533.
وانظر : الدكتور أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 495، الدكتور محمد شلال حبيب المرجع السابق، ص 25.

 
  1. J. Pinatel, Op.cit ., P. 567
  2. On Voit donc que les deux elements de L'etat dangereux ne variant pas parallelment mais bien au countraire, se developpent independamment L'un de I'autre, J. Pinatel, op. cit, P. 567.
  3. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 496
  4. اضاف الاستاذ دي أسوا هذا التعريف في تقريره المقدم إلى الحلقة الدراسية الثانية لعلم الاجرام المنعقدة في باريس سنة 1953، انظر :
De Asua, la Systematisation Juridique de L'etat dangereux, Deuxieme Cours International de Criminologie, Paris, 1953 p. 358.
أشار اليه الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، 498 هامش رقم (1).

 
  1. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 497، الدكتور محمد شلال حبيب، المرجع السابق، ص 28، حيث يذهب إلى القول بأنه لا يتفق مع ما جاء في تعريف الاستاذ دي أسوا لان الخطورة الإجرامية في رأيه ما هي إلا حالة نفسية تكمين في صدر الجاني، وتنبئ عن امكان ارتكاب الشخص جريمة في المستقبل .
  2. الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 195، انظر :
J. Pinatel, Op. vit, p. 568

 
  1. الاستاذ علي بدوي، الحالة الخطرة للمجرم، مجلة القانون والاقتصاد السنة الأولى، العدد/1، 1931، القسم الفرنسي من المجلة، ص 23.
  2. الدكتور مأمون محمد سلامة، حدود سلطة القاضي الجنائي في تطبيق العقوبة، دار الفكر العربي القاهرة، بلا تاريخ ص 109.
  3. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 497.
  4. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 498.
  5. الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 498.
  6. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 499، وهو وان كان يؤيد فكرة الربط بين الخطورة والجزاء الجنائي، إلا أن الاهمية القانونية لنظرية الخطورة الإجرامية لا تتوقف على ارتباطها بفكرة الجزاء الجنائي الملائم، ومن الفقهاء العرب الذين اخذوا بالاتجاه النفسي عند تعريفهم للخطورة الإجرامية الدكتور جلال ثروت الذي عرفها بأنها حالة في الشخص تنذر بإحتمال ارتكابه جريمة اخرى في المستقبل، انظر : الدكتور جلال ثروت، الظاهرة الإجرامية، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية، 1982، ص 245 ومن هؤلاء ايضا الدكتور مأمون سلامة المرجع السابق، ص 107، حيث يعرف الخطورة الإجرامية بأنها إستعداد يتواجد لدى الشخص بمقتضاه يكون من المحتمل اقدامه على ارتكاب جرائم مستقبلية، فهي قدرة الشخص على ارتكاب الجرائم، وانظر ايضا: الدكتور رمسيس بهنام وعلي القهوجي، علم الاجرام والعقاب، منشأة المعارف بالاسكندرية، ص 333، حيث عرفا الخطورة الإجرامية بأنها حالة نفسية لصيقة بشخص المجرم تنذر بإحتمال اقدامه على ارتكاب جريمة اخرى في المستقبل، وفي نفس المعنى، الدكتور رؤوف عبيد، اصول علمي الاجرام والعقاب، دار الجيل للطباعة، القاهرة 1988 الطبعة السابعة، ص 563.
  7. الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص 135، وانظر الدكتورة فوزية عبد الستار، مبادئ علم الاجرام وعلم العقاب، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت، الطبعة الخامسة ص 266.
  8. الدكتور محمد شلال حبيب، المرجع السابق، ص 32.
  9. وفي هذا المعنى، فقد ذهب الاستاذ لوديه Loudet إلى استظهار أن الخطورة تتوافر من خلال الحالة النفسية التي ترجح إحتمال تردي صاحبها في القيام برد فعل غير اجتماعي حال، وقد قرر المؤتمر الدولي الثاني لعلم الاجرام الذي عقد في باريس عام 1950، أن الخطورة الإجرامية هي حالة نفسية، انظر : الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 526 و 527.
  10. الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 198.
  11. الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 198.
  12. الدكتور محمد زكي ابو عأمر، المرجع السابق، ص 235.
  13. الدكتور محمد شلال حبيب، المرجع السابق، ص 61، انظر : M. Colin, Op, cit , p.23
  14. الدكتور محمد زكي ابو عأمر، المرجع السابق، ص 234
  15. الدكتور محمود نجيب حسني، المجرمون الشواذ، دار النهضة العربية، القاهرة، 1964، ص 77
  16. الدكتور محمد زكي ابو عأمر، المرجع السابق، ص 236، وقد ذهب Heraog إلى القول بأن افتراض الجريمة هو أمر يتناقص مع فكرة الخطورة ذاتها، فنظرية الخطورة تتجاوز مجرد المظهر الموضوعي للجريمة لتصل إلى حقيقة المجرم التي تكمن وراء الجريمة، وعلى ذلك فإنه يتصور الخطورة الإجرامية لدى الشخص ولو لم يصدر عنه سلوك إجرامي، وهذا ما يسمى بالخطورة دون جريمة، انظر : الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 532.
  17. من العلامات التي تنبئ عن وجود الخطورة الإجرامية، الجريمة التي ارتكبها الجانب وبواعثه على الاجرام، وطبع المجرم، وسوابقه، وحياته السابقة على الجريمة وسلوكه المعاصر واللاحق لها فضلا عن ظروف حياته الفردية والعائلية والاجتماعية، انظر الدكتور رؤوف عبيد، المرجع السابق، ص 563.
  18. الدكتور جلال ثروت، المرجع السابق، ص 247.
  19. الدكتور محمود نجيب حسني، علم العقاب، المرجع السابق، ص 141، الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 533
  20. الدكتور محمود نجيب حسني، المجرمون الشواذ، المرجع السابق ص 77.
  21. الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 112.
  22. الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 200.
  23. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 526.
  24. من هذا الرأي بتروشيلي Petrocelli، انظر الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص201.
  25. نادى بهذا الرأي انتوليزي F. Antolisei وايده في ذلك بتيول G. Bettiol ويميل إلى الاخذ بهذا الرأي الاخير الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 201، كما يأخذ بهذا الرأي الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 533.
  26. الدكتور رمسيس بهنام، نظرية التجريم في القانون الجنائي، منشأة المعارف بالاسكندرية، ص 108.
  27. الدكتور محمد شلال حبيب، المرجع السابق، ص 43.
  28. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 512.
  29. الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص 135.
  30. الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص 136.
  31. الدكتور محمد زكي ابو عأمر، دراسة في علم الاجرام والعقاب، الدار الجامعية 1988، ص 234.
  32. الدكتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق ص 136.
  33. الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 110، الدككتور محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص 138 و 139 الدكتورة فوزية عبد الستار، المرجع السابق، ص 268.
  34. الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 111، 112.
  35. الدكتور جلال ثروت، الظاهرة الإجرامية، المرجع السابق، ص 246.
  36. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 505، وهو بذلك يخالف الرأي الذي يذهب إلى القول بوجوب الرجوع إلى المعيار القانوني للجريمة لتحديد معنى الخطورة الإجرامية، إلا انه يجب قصر مدلول الجريمة على ما يعتبر اعتداء على الاشخاص أو الأموال، مما يتعين معه استبعاد الجريمة السياسية من نطاق الجرائم المحتملة التي تهدد بوجود الخطورة الإجرامية .
  37. الدكتور رمسيس بهنام،المرجع السابق، ص261،الدكتور عادل عازر، المرجع السابق،ص 193.
  38. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 508.
  39. الدكتور رؤوف عبيد، المرجع السابق، ص 572، الدكتور جلال ثروت، المرجع السابق، ص 246.
  40. الدكتور أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 510.
  41. الدكتور محمد زكي ابو عأمر، المرجع السابق، ص 107.
  42. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 516.
  43. الدكتور رمسيس بهنام، علم الاجرام، منشأة المعارف بالاسكندرية ص 99
  44. G. Stefani, G. Levasseur et R, Jambu – Merlin, Op.cit , p208 R. Schmelk et G. Picca, Op. cit., p.25.
  45. الدكتور رؤوف عبيد، المرجع السابق، ص 314.
  46. الدكتور رياض الخاني، مبادئ علمي الاجرام والعقاب، المطبعة الجديدة، دمشق، 1982 – 1983، ص 206، فالمجرم بالصدفة هو في اكثر الحالات شخص عادي يتمتع بقدر قليل من النشاط الإرادي بحيث يترك نفسه تساق من قبل ظروف انية عابرة .
    أنظر : J. Pinatel, Op, cit., P. 660

     
  47. الدكتور رمسيس بهنام، المرجع السابق، ص 99.
  48. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق ص 517.
  49. الدكتور رمسيس بهنام، علم الاجرام، المرجع السابق، ص 47، الدكتور رياض الخاني المرجع السابق، ص 201
  50. انظر ما سبق (ص 53)
  51. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 520.
  52. الدكتور رياض الخاني، المرجع السابق، ص 204.
  53. تعطي المدرسة الوضعية للعوامل الإجرامية الداخلية القدر الاكبر من الاهمية وذلك منذ أن ظهرت نظرية لومبروزو Lombroso عن المجرم بالفطرة، حيث يفسر ظاهرة الجريمة على أن سببها يرجع إلى أسباب شخصية وبيولوجية كائنة في شخص المجرم وليس في محيطه وبيئته، إلى أن ظهرت المدرسة الاجتماعية التي تدعو إلى زيادة الاهتمام بالظروف الاجتماعية وتأثير في سلوك الأفراد، انظر : الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 522.
  54. الدكتور محمد زكي ابو عأمر، المرجع السابق، ص 146.
  55. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 522 و 523.
  56. الدكتور رمسيس بهنام، نظرية التجريم المرجع السابق، ص 263، الدكتور رؤوف عبيد، المرجع السابق ص 76.
  57. الدكتور مأمون سلامة المرجع السابق، ص 128، الدكتور محمود نجيب حسني المجرمون الشواذ، المرجع السابق، ص 76.
  58. بالنسبة لمدى حدة الخلل النفسي، فهو من المعايير التي يقسم المجرمون فيها إلى فئات، فمنهم المجرمون العقلاء، وأنصاف المجانيين، والمجرمون المجانين، كما يقسمون إلى مجرمين بالطبع ومجرمين بالصدفة، وبالنسبة للوقت الذي مضى على نشوء الخلل، فكلما مضى وقت اطول على نشوئه، كان المصاب اكثر خطرا، انظر، الدكتور رؤوف عبيد، المرجع السابق، ص 564، وانظر : M. Collin, Op, cit, P.26
  59. الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 112.
  60. الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 193.
  61. الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق ص 114.
  62. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق،ص533، الدكتور عادل عازر المرجع السابق، 193.
  63. الدكتور رمسيس بهنام، نظرية التجريم، المرجع السابق، ص 264.
  64. الدكتور أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 534، الدكتور محمود نجيب حسني، علم العقاب، المرجع السابق، ص 134، المجرمون الشواذ، المرجع السابق، ص 65، الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 194، الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 115.
  65. الدكتور محمود نجيب حسني، المجرمون الشواذ، المرجع السابق، ص 66.
  66. الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، 194، 195.
  67. نص القانون الايطالي على استثنائين يعتد فيهما بالخطورة الإجرامية دون ارتكاب جريمة، حيث يتعلق الاستثناء الأول بحالة الجريمة المستحيلة، كمن يشرع بسرقة مال مملوك له وهو يعتقد أنه مملوك للغير، في حين يتعلق الاستثناء الثاني بحالة الاتفاق أو التحريض على ارتكاب جريمة رغم عدم وقوعها نتيجة لهذا الاتفاق أو التحريض، انظر الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 189.
  68. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 535 إذ يرى أن تجريم الحالة الخطرة هو من قبيل التحايل على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات .
  69. الدكتور احمد فتحي سرور المرجع السابق، ص 536.
  70. الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق ص 115.
  71. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 536.
  72. الدكتور رمسيس بهنام، نظرية التجريم المرجع السابق، ص 265.
  73. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 539
  74. A. Badawi, Op, cit , P.37
  75. وعلى سبيل المثال نجد أن المشرع يقرر عدم جواز اخلاء سبيل الموقوف بكفالة اذا كانت قد اسندت اليه أو حكم عليه بجريمة تستوجب الاعدام أو الاشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد (المادة /123/1 من قانون اصول المحاكمات الجزائية). في حين أن المشرع يجيز للمحكمة أن تقبل في ظروف خاصة تخلية سبيل الموقوف اذا رات أن ذلك لا يؤثر على سير التحقيق والمحاكمة ولا يخل بالأمن العام، ، على أن يقدم هذا الموقوف كفالة حسب الاصول (المادة 123/2 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني) .
  76. الدكتور رمسيس بهنام، المرجع السابق، ص 272.
  77. M. Collin, Op, cit P. 16
  78. الدكتور محمود محمود مصطفى، المرجع السابق، ص 141.
  79. الدكتور محمود محمود مصطفى، المرجع السابق، ص 142.
  80. الدكتور محمود محمود مصطفى، المرجع السابق، ص 161.
  81. الدكتور محمد زكي ابو عأمر، المرجع السابق، ص 238.
  82. الدكتور أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 555
  83. الدكتور محمد شلال حبيب، المرجع السابق، ص 184.
  84. الدكتور رمسيس بهنام، المرجع السابق، ص 275، الدكتور عادل عازر، المرجع السابق، ص 202.
  85. الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 107.
  86. الدكتور رؤوف عبيد، المرجع السابق، ص 573
  87. الدكتور محمود نجيب حسني، علم العقاب، المرجع السابق، ص 131.
  88. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 566.
  89. الدكتور جلال ثروت، الظاهرة الإجرامية، المرجع السابق، ص 248.
  90. الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 115، الدكتور محمد زكي ابو عأمر المرجع السابق، ص 236.
  91. الدكتور محمود نجيب حسني، المجرمون الشواذ، المرجع السابق، ص 80.
  92. الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 133.
  93. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 563، الدكتور مأمون سلامة، المرجع السابق، ص 114.
  94. الدكتور محمود نجيب حسني، علم العقاب المرجع السابق، ص 144.
  95. الدكتور محمد شلال حبيب، المرجع السابق، ص 768
  96. La notion de L'etat dangereux repond au traitement necessaire a lindividu et au besoin de protection indispensable a la societe, "Voir: Ali Bdawi op. Cit., p. 39.
  97. الدكتور احمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 500.
الدكتور محمد شلال حبيب، المرجع السابق، ص 211

ابحث عن موضوع