إن العوامل الإجرامية كثيرة ومتعددة وكل عامل منها سواء كان عنصر في شخصية المجرم (عضويا أو نفسيا) أو ظرف خارجي عنه ولقد حظي بالعناية من طرف علماء الإجرام في البحث عن مدى أهميته وتحديد الدور الذي يلعبه في تحديد السلوك الإجرامي للأفراد ويرد علماء الإجرام هذه العوامل إلى قاعدتين:
العوامل الفردية (الداخلية ) : وهي التي تقوم في شخص المجرم.
العوامل الاجتماعية (الخارجية) : والتي ترجع إلى البيئة المحيطة بالمجرم وتؤثر على سلوكه الإجرامي.
-1 العوامل الإجرامية الفردية:
توجد عدة نظريات قيلت ومنها :
النظرية الفيزيولوجية: في منتصف القرن 18 حاول مجموعة من الأطباء وعلى رأسهم (غال وسبيرس هاين وقالدويل ( أن يثبتوا وجود علاقة بين الشكل الخارجي للجمجمة وبين سلوك الإنسان وتتركز نظريتهم على 3 حقائق وهي:
إن الشكل الخارجي للجمجمة يتطابق مع شكلها الداخلي وهو بدوره الذي يحكم شكل المخ.
إن المخ بدوره يحوي العقل الذي يتكون من مجموعة من الإمكانيات والوظائف وبالتالي فان هذه الإمكانية العقلية تتأثر بشكل الجمجمة الخارجي حسب الدكتور غال حيث المخ يحتوي على 26 إمكانية بينما سبيرس هاين يرجعها إلى 35 إمكانية لكن اتفق على الإمكانية مقسمة إلى 3 وظائف وهي غرائز الدنيا + المشاعر الأخلاقية + الملكات الذهنية وقال غال وسبيرس إن طائفة الغرائز إليها وحدها ترجع الجريمة خاصة كل من غريزة حب التملك وغريزة الجنس ثم جاء قال دويل وحاول إتمام هذه النظرية فقال بوجود علاقات متبادلة في مناطق المخ فالمشاعر الأخلاقية مثل الشعور بالذنب وتأنيب الضمير تراقب الضمير الغرائز والملكات الذهنية هي التي توجه الغرائز والمشاعر معا مثل عندما تتقوى عند الإنسان غريزة حب ا لتملك دون أن تراقبه مشاعره وملكاته الذهنية فالنتيجة هو ارتكاب جريمة السرقة
نقد النظرية:
إذا كانت الجريمة نتيجة حتمية لعمل العقل فان مصيره مرتبط بتكوينه الفيزيولوجي و المرفلوجي ولا يمكن إصلاحه.
استناد إلى هذه النظرية نستنتج أن تصرفات المجرم مفروضة ما يؤدي إلى حتمية الجريمة وانعدام المسؤولية الجنائية.
قامت الأسس الافتراضية ويستحيل إثباتها بالطرق العلمية
2-1-1 النظرية العضوية :
يقول بهذه النظرية الطبيب الإيطالي سيزار لمبروزو الذي قام بفحص عدد من الجنود والضباط الأشرار الأخيار وخلص إلى وجود صفت تتوافر لدى أفراد الفئة الأولى)الأشرار ( دون الثانية (الأخيار) كما قام بتشريح جثث كثيرة من المجرمين فخلص إلى توافر خصائص معينة يشتركون فيها وانتهى لمبروزو من الفحص و التشريح إلى أن المجرم إنسان شاذ من الناحيتين العضوية والنفسية على التفصيل الأتي:
فمن الناحية العضوية يتميز المجرم بعدم انتظام في شكل الجمجمة، ضيق الجبهة، ضخامة الفكين، بروز عظمتي الخدين، عدم انتظام في شكل الأذن، شذوذ في تركيب الأسنان،فرطحة الأنف، كثرة التجاعيد في الوجه، غزارة الشعر في الجسم، الطول المفرط في الذراعين والبلوغ الجنسي المبكر،كما نشير أن لمبروزو قام بتشريح جثث قاطع طرق يدعى فيليلا فوجد عنده الصفات السابقة الذكر.
أما من الناحية النفسية فانه لاحظ ضعف إحساس المجرمين بالألم نتيجة كثرة الوشامات على أجسامهم ومن جانب أخر تميزهم بقسوة القلب وانعدام الشعور الأخلاقي استناد إلى ارتكاب جرائم العرض نتيجة انعدام الحياء لديهم وعلى هذا الأساس يرى لمبروزو أن المجرم مطبوع على الإجرام وليس للبيئة التي يعيش فيها أي اثر في إجرامه فهو مجرم بالفطرة وفضلا على ذلك قسم لمبروزو المجرمين إلى 5 فئات:
أ - المجرمون بالفطرة: يقصد بهم الأشخاص الذين تتوافر فيهم أكثر من 5 علامات من العلامات السابقة الذكر.
ب- المجرمون بالعادة: هم الأشخاص الذين تتوافر فيهم بعض العلامات السابقة ولكنهم عادة يكتسبون الإجرام منذ حداثتهم واغلبهم من محترفي السرقة
ت- المجرمون بالصدفة: تضم هذه الفئة الأشخاص الذين لا يتوافر لديهم الميل الطبيعي للإجرام لكنهم يتميزون بضعف الوازع الأخلاقي ونقص قوة مقاومة المؤثرات الخارجية وقد يرتكبون هذه الجرائم حبا في تقليد غيرهم من المجرمين.
ث- المجرمون بالعاطفة: وهم فئة من الجرمين يرتكبون الجرائم نتيجة العوامل الفجائية نظرا لتميزهم بمزاج عصبي حاد لكنهم يشعرون بتأنيب الضمير في الأخير وهذا النوع غالبا ما يرتكب جرائم اعتاد على الأشخاص.
ج - المجرمون المجانين: هم المصابون بأمراض عقلية إما وراثية أو طارئ ولدى يرى لمبروزو ضرورة إبعادهم عن المجتمع لأنهم يصعب علاجهم
تقييم النظرية العضوية:
المزايا : لمبروزو هو أول مؤسس لمدرسة العضوية التي بنت أفكارها على الجانب النفسي والعضوي لاستخلاص جانب ارتكاب الجريمة إن لمبروزو أول من قال بحتمية الجريمة واعتبر المجرم مسير وليس مخير ومنه انتفاء المسؤولية الجزائية
إن لمبروزو اعتبر المجرم مريض وبالتالي نستبعد توقيع عقوبات رادعة ضده بحيث نخضعه إلى تدابير امن وقائية
العيوب: يمكن أجازها فيما يلي:
أ- من حيث أسلوب البحث: إن العدد الذي أجرى عليه لمبروزو الفحص لا يعتد به ولا يعتمد عليه في إرساء قواعد علمية ثابتة لأنه قام بتشريح عدد معين من المجرمين دون الغير كما أن أبحاث الطبيب الشرعي قورنيق أثبت ت أن الصفات التي حددها لمبروزو غير قاصرة على المجرمين فحسب بل توجد لدى غير المجرمين.
ب- من حيث نطاق البحث: لقد تجاهل لمبروزو العوامل الاجتماعية والخارجية في إنتاج الظاهرة الإجرامية بل اقتصر بحثه على العوامل الفردية ونطاق بحثه ضيق.
ج- من حيث النتائج: إن تشبيه لمبروزو للمجرم بالإنسان البدائي تشبيه غير سديد لأنه لم يثبت أن لمبروزو كان باحثا أنتربولوجي )الجنس البشري ( هذا من جهة ومن جهة أخرى بالتسليم أن المجرم يشبه الإنسان البدائي نتيجة غير منطقية لان ذلك يؤدي بنا إلى القول أن كل أفراد المجتمع البشري الأول كانوا مجرمين.
الأخذ بفكرة المجرم بالميلاد فكرة غير سديدة على الإطلاق فالشخص لا يكون مجرم إلا إذا سلك سلوك غير مشروع يحرمه القانون.
إن الأخذ بما قاله لمبروزو بشأن حتمية الجريمة مخالف ومساس بمبدأ الشرعية باعتباره مجرم مسير وليس مخير وهذا يؤدي بنا إلى انتفاء المسؤولية الجزائية.
إن الخطورة الإجرامية لها أهمية بالغة في مجال الإجرام وعلى أساسه أنشئ ما يسمى بعلم الإجرام العيادي أي دراسة معالجة الانحراف النفسي ومن بين تطبيقاته والمتابعة الطبية القضائية ولتقرير هذه المتابعة العلاجية يسأل عادة الخبراء في ميدان علم النفس وطب الأمراض العقلية والذين بدورهم يساعدون المحاكم والمجالس القضائية في تحديد الخطورة الإجرامية لشخص الماثل أمامهم.
هذه إذا بصفة موجزة ابرز النظريات التي قيلت في مجال التكوين الطبيعي للمجرم سوى من الناحية الفكرية أو النفسية أو العضوية ونخلص في الأخير إلى انه وبالرغم من أهمية التكوين الطبيعي للمجرم فان ارتكاب الجرائم لا يعد قاصرا عليه بل لا بد من وجود ظروف وعوامل خارجية يعيشها المجرم أو تحيط به.
3-1-1 تأثير النوع والسن في الظاهرة الإجرامية: وصل الباحثون في علم الإجرام إلى وجود اختلاف نسبي بين إجرام الرجل والمرأة وحججهم تتلخص فيما يلي:
إن المرأة عادة ما تكون هي الباعث الخفي في ارتكاب الجرائم لمساعدة الرجال
عدد الجرائم التي ترتكبها المرأة يتضاعف كلما زاد احتكاكها بالمحيط الاجتماعي الخارجي ومما لا شك فيه إن الظروف الاجتماعية لها تأثير كبير في إجرام المرأة ونوع الجرائم المرتكبة إلا أن المبالغة في أهمية هذه الظروف غير كافية على أساس أن هناك مجتمعات يتساوى فيها الرجل بالمرأة والسبب إذا يعود إلى عوامل تكوينية عضوية ونفسية وأخرى بيئية:
فمن الناحية العضوية يفوق الرجل المرأة في القوة فالمرأة من حيث الحجم وقوة أعضائها أضعف من الرجال لذلك قال علماء الإجرام بأن المرأة تحظى بنصف ما يحظى به الرجل من قوة واستند لقلة إقدامها على جرائم العنف مثل القتل وإذا ارتكبتها فإنها تلجأ إلى وسائل سهلة مثل السم.
أما من الناحية النفسية فهي كثيرا ما تعاني فترات الدورات الشهرية والحمل إلى حد يصيبها بالتوتر النفسي مما يدفعها إلى ارتكاب أفعال إجرامية، وفضلا على ذلك يرى علماء الإجرام إن الظروف الاجتماعية لها د ور في اختلاف إجرام الرجل والمرأة حيث انه في المجتمعات التي تكون فيها المرأة بعيدة عن الحياة العامة يقل إجرامها مقارنة مع المجتمعات التي تكون فيها المرأة أكثر احتكاك بالغير، وفي الأخير نخلص مما تقدم إلى أن المرأة اقل إجرام ا من الرجل لأنها تقدم على الجرائم التي لا تحتاج إلى قوى عضلية كبيرة وان تفسير هذه الظاهرة يرجع إلى الضعف البدني والنفسي الذي تكونت عليه المرأة مع الأخذ بعين الاعتبار أنواع معينة من الجرائم كالإجهاض وقتل أطفال عهدي الولادة ترتفع فيها نسبة إجرام المرأة عن الرجل وذلك لارتباط تلك الجرائم بطبيعة المرأة ارتباط وثيقا.
كما يرى علم الإجرام وعلمائه إن اختلاف أطوار السن بين الرجل أو المرأة يصاحبها تغييرات عضوية تؤثر في التكوين النفسي وبالتالي في الأفعال الإجرامية حتى في الشخص نفسه وعليه فالسن يصاحب نوعين من التطور:
تطور داخلي ويتعلق بالتكوين العضوي والنفسي.
تطور خارجي يتعلق بالبيئة المحيطة بالشخص.
فالفترة من الطفولة إلى سن البلوغ تتميز بوجود تعارض بين التكوين النفسي للشخص و بين العوامل الخارجية تعارض من شأنه أن يدفع الحدث إلى القيام أو ارتكاب أفعال غير مش روعة ففي هاته الفترة تشتد رغبة الشخص في المغامرة ويساعده في ذلك تكوينه البدني مما يدفعه إلى ارتكاب أفعال العنف ضد أي عائق اجتماعي يقف ضده ويقع الحدث في هاته الفترة أسير أهوائه ونزواته التي تدفعه إليها من اجل تحقيق هذه الرغبات فيرتكب جرائم السرقة البسيطة كما أن شعور الحدث (القاصر) بالطاقة البدنية يجعل عنده نفورا من أي قيد يحد من حريته لدى يلجأ إلى ارتكاب جرائم العنف كالضرب والجرح العمدي بالإضافة إلى ذلك فان تأثير النمو الغريزي لشخص في هاته الفترة يدفع إلى ارتكاب الجرائم الأخلاقية مثل الاعتداءات الجنسية
أما في سن الكهولة فان الغرائز تصبح مقيدة نتيجة لنضج العقلي والفكري للأشخاص وهذا ما يفسر انخفاض نسبة الجريمة في هذه المرحلة عن سابقتها.
أما في سن الشيخوخة تقل القوة البدنية والذكاء والعواطف لذلك فان الجرائم التي يرتكبها الشيوخ هي جرائم السب والقذف وجرائم الآداب العامة كهتك العرض المرتكب ضد الأطفال وهذا يرجع إلى عوامل داخلية تتعلق بالغريزة الجنسية للشيوخ وسهولة الاتصال بالأطفال أكثر من غيرهم
4-1-1 تأثير الوراثة في الظاهرة الإجرامية:
في سبيل التوصل إلى إثبات وراثية الإجرام سلك باحثوا علم الإجرام عدة أساليب أهمها:
-1 أسلوب فحص شجرة العائلة: ويقصد به بيان السلف السابق للمجرم وقد أثبتت الدراسة انه هناك كثير من المجرمين تتردد ظواهر إجرام معينة في أسلافهم وتشيع فيهم ظاهرة التشرد ولكن في الحقيقة لا يمكن اعتماد على هذه الدراسات لأنها غير علمية.
-أسلوب البحث الأخصائي للأسرة : لقد حاول علماء الإجرام عن طريق المقارنة بين الآباء والأبناء وبين الأخوة من حيث السلوك الإجرامي أن يثبتوا ميل للإجرام موروث، ولقد أكدوا من عدة مقارنات قاموا بها في هذا المجال أن نسبة التشابه بين الآباء والأبناء في السلوك الإجرامي هي % 60 وهي تقريبا نفس نسبة التشابه بينهم في طول القامة و لون العينين والشعر وغيرها من المظاهر الفيزيولوجية كما أن نسبة تشابه الإخوة في سلوكهم الإجرامي هي% 45 وهي نسبة أيضا تكاد تكون نفس التشابه بينهم من الناحية الفيزيولوجية ولدى قال علماء الإجرام أن هذا التشابه في السلوك الإجرامي لا يمكن تفسيره إلا بعامل الوراثة ولقد عيب عن دراسة عن هؤلاء الباحثين أنها بالغت في إظهار أهمية الوراثة وقللت من أهمية البيئة، كما رد عليها انه إذا كان الميل إلى الإجرام يورث بنفس النسبة التي تورث بها الخصائص الفيزيولوجية كلون العينين فان هذا الميل الإجرامي كان يجب أن يتوارث في الإناث بنفس الدرجة التي يتوافر بها عند الذكور.
- أسلوب دراسة التوأم : يقوم هذا الأسلوب على المقارنة بين توأمين ناتجين من بويضة واحدة وبين توأمين ناتجين من اتحاد بويضتين ويسمان التوأم الأخويين وقد أجرى الباحث الألماني لانش سنة 1929 دراسة على 30 زوج من التوأم من بينهم 13 زوج من التوأم المتحدة و 17 زوج من التوأم الأخوة وكانت نتيجة هذه الدراسة% 77 من التوأم المتحدة لديها توافق على ارتكاب الجريمة بينما وجد أن نسبة التوافق في الإجرام من التوأم لا يتجاوز 12 % وهذا التشابه الكبير بين التوائم المتحدة في السلوك الإجرامي يعتبر في نظره دليلا على وراثية الإجرام، ولقد انتقد أسلوب الباحث لانش من الجوانب التالية:
اقتصر بحثه على عدد قليل من الحالات
تقسيم التوائم إلى متحدة وأخوة فيه مجال لشك نظرا لصعوبة وتعذر إثبات كيفية ولادة التوائم
5-1-1 تأثير الأمراض العقلية والعصبية والنفسية في الظواهر الإجرامية:
أولا: الاضطرابات المستقرة:
أ - الضعف العقلي: هو حالة مرضية تصاحب الشخص من ذ ولادته ويتمثل في وقف ملكاته الذهنية عند حد معين دون مستوى النضج الطبيعي للعقل ولهذا يطلق عليه أحيانا بالتخلف العقلي ولهذه الحالة المرضية شكلين:
العته: وفيها فئتين الفئة الأولى لها ذكاء الحيوان و الفئة الثانية لها ذكاء أقل من 3 سنوات وكلهم مودعون في مراكز التخلف العقلي والمستشفيات
البله : وهي حالة تعبر عن انخفاض شديد في نسبة الذكاء ولكن لا تصل إلى مرحلة العته وهي أدنى مستويات الذكاء وللأبله مستوى عقلي يتراوح بين 3 سنوات و 6 سنوات ولكن هذا لا يعني أن الأبله لا يستطيع أن يستجيب إلى بعض مطالب الحياة اليومية ك أن يؤدي بعض الواجبات الشخصية لنفسه
كالعناية والمحافظة على نفسه من التعرض للضرر.
يرد أطباء الأمراض العقلية هذه الحالات إلى عوامل وراثية أو لتناول المرأة الحامل بعض الأدوية والمخدرات أو التعرض للأشعة أكس.
أما بالنسبة للآثار الإجرامية لهذه الفئات فعلماء الإجرام أكدوا أن الفئة الأولى هم اقل خطورة إجرامية زيادة أن اغلبهم محجوزون في مراكز صحية، أما الفئة الثانية فهم يتميزون ببعض الممنوعات كالقتل والسرقة لكن تتوافر لديهم خطورة إجرامية كبيرة إذا كانوا في حالة غضب.
ب- الخلل العقلي (الجنون ) : يقصد به الاختلال الذي يصيب القوى الذهنية والذي يؤدي إلى انحراف نشاطها ويرد الأطباء هذا الخلل إما لصدمات أو الارتجاج الدماغي أو انفعالا ت شديدة أو لبعض الأمراض مثل مرض الالزايمر ولهذه الحالة المرضية عدة أشكال منها:
الجنون العام: يؤثر هذا النوع على كل القوى العقلية والذهنية للمريض حيث يتصف بقلة الانتباه أو اختلال في الذاكرة أو فقدانها وكذلك سوء تقدير الأمور والعجز عن التحكم في غرائزه ويرتكب هذا المصاب جرائم الاعتداء على الأشخاص مثل جرائم هتك العرض والقتل والضرب.
الجنون المتقطع: هذا النوع يصيب جميع القوى العقلية ولكنه يتخذ صورة نوبات دورية تفصل بينهما
فترات إفاقة تكون القوى العقلية أثنائها شبه طبيعية وتبدو خطورة هذا النوع من الجنون، فانه بينما يكون المريض طبيعيا لفترة من الزمن يأتمنه الأشخاص وإذا انتابه فجأة النوبة يرتكب أعمال إجرامية دون أن يدرك نتائجها القانونية.
جنون الإرادة: يقتصر تأثير هذا الخلل العقلي على قوى الإرادة دون ملكة التمييز وهو عبارة عن رغبات مكبوتة تثير قلق وعدم استقرار بل تثير مخاوف، فتسيطر على المريض دوافع شاذة دون السيطرة عليها تدفعه إلى ارتكاب جريمة معينة دون الجرائم الأخرى لدى تتعدد أسماء هذا المرض بتعدد الجرائم مثل جنون السرقة جنون الحريق جنون الكذب ونخلص في الأخير إلى أن الخلل العقلي اشد خطورة من الضعف العقلي ويعتبر عمل إجرامي بصفة عامة وأحيانا بصفة خاصة في بعض الجرائم كما سبق وان اشرنا وفضلا عن ذلك نشير إلى أن الخلل العقلي بكافة أنواعه قد يكون سببا في انتفاء المسؤولية الجنائية طبقا للمادة 47 من قانون العقوبات وقد لا يكون ذلك إذا ارتكب الفعل الإجرامي في فترات الإفاقة التي يتمتع بها المريض ويتوقف تحديد هذه المسؤولية على التقارير الطبية التي تحدد نوع واثر المرض في إدراك المجرم واختياره وقت ارتكاب الجريمة.
وتجدر الإشارة بهذه المناسبة إلى ضرورة تعديل هذه المادة لأنها لم تصبح تساير التطورات والمصطلحات الطبية الحديثة التي جاء بها التصنيف الأمريكي للأمراض العقلية.
ثانيا: الاضطرابات المتطورة:
- الاضطرابات الذهنية:
أ - الاكتئاب: هو حالة من الاضطرابات النفسية تبدو أكثر ما تبدو في الجانب الانفعالي لشخصية المريض حيث يتميز بالحزن الشديد واليأس من الحياة ووخز الضمير على ذنوب لم يرتكبها في الغالب بل تكون متوهمة إلى حد بعيد ومن هنا يكون احتمال انتحار المريض كبيرا ليتخلص من هذه الحياة المليئة بالحزن والقلق ونشير إلى أن حالة الاكتئاب لا تصيب الوظائف الذهنية باضطرابات خطيرة ولا يتخلف عنها تدهور عقلي كما أن نسبة الشفاء أعلى من غيرها من الأمراض الذهنية الأخرى.
ب- الهوس : بعكس الشخص المكتئب فالشخص المتسم بالهوس يتصف بالانشراح والسرور والنشاط والبهجة ويكون نشاطه الحركي والفكري سريعا ويصر ف انتباهه من موضوع إلى أخر بسرعة حتى أن الموضوعات التي بدأ الحديث عنها يتركها وعادة من ينقصه نشاط التحكم و الضبط ويكثر ضحكه وإلقائه لنكت وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة المرضية كثيرا ما تصاحبها نوبات هذيان التي توحي وتكشف عظمة هذا الشخص، كما أن حالة الاكتئاب إذا ما صاحبها حالة الهوس والهذيان تؤدي بالمريض إلى حالة مرضية جديدة تسمى) لاسيبلوكتيمي ) ويسمى بالاكتئاب الهوسي وتؤدي بالمريض إلى القيام بارتكاب جرائم العنف مثل الضرب والقتل.
ت- البرانويا: يتميز هذا المريض بفكرة خاطئة تسيطر عليه ويكون تفكيره فيها مختلا تماما بين ما يكون تفكيره في بعض الأمور الخاطئة قد تتولد عن الاضطهاد حيث يتوهم المريض بعدم الاحترام الواجب ويرتكب ضدهم جرائم السب والقذف وقد تتولد هذه الفكرة الخاطئة عن الشعور بالغيرة فيرتكب المريض جريمة الاعتداء على الأشخاص.
ث- الفصام: هو مرض عقلي يصيب القوى العقلية بالتصدع فتفقد بذلك التكامل والتناسق الذي كان
يجمع الجوانب الفكرية والانفعالية والحركية وكأن كل جانب أصبح منفصل ومستقل عن الجوانب
الأخرى ومن هنا تبدو غرابة الشخص وشذوذه، ولحالات الفصام طائفة من الأعراض فالمريض لا يكترث للحوادث التي تهز مشاعر الإنسان السوي ولا يهتم بأسرته كما يهمل نفسه وقد تكون هذه الحالة مصحوبة أحيانا بأفكار غريبة، أم ا فيما يخص الآثار الإجرامية لهذا المرض فأصحابه يرتكبون جرائم القتل والضرب العمدي دون أي سبب.
6-1-1 الاضطرابات العصبية:
الهستيريا: هي اختلال يص يب الجه از العص بي ينش أ ع ن اضطراب في عواطف المريض وضعف في السيطرة على إرادته وعن ما يصدر عنه من أفعال وهذا المرض ينتشر بين النساء أكثر من الرجال وقد يكون سببا في كثير من الجرائم مثل جرائم القتل العاطفية، السرقة، البلاغ الكاذب، شهادة الزور
الصرع: هي نوبات يفقد خلالها المريض وعيه ويتعرض لدوافع لا قدرة له على مقاومتها فتحمل على ارتكاب الجرائم والغالب أن يقترن الصرع بمظاهر بدائية كالتشنج والاختناق أما بالنسبة للآثار الإجرامية لهذه الحالة فصاحبها يرتكب عموما جرائم العنف.
النظرية النفسية: تزعم هذه النظرية المحلل النفساني فرويد ويقسم الجهاز النفسي إلى 3 أقسام
-النفس: وتكون فيها النزعات والميول الغريزي والاستعدادات الموروثة وجميعها ويدفع الشعور لتحقيق إشباع الرغبات دون احترام القيم والمبادئ الاجتماعية
- العقل : ويترك فيه الجانب الشعوري للإنسان ومن ثم فهو على صلة بالواقع الذي يعيش فيه الإنسان فيحاول ا لتوفيق بين النزعات والميولات وبين القيم والمبادئ الأخلاقية التي تسود المجتمع وللذي سماه فرويد (الأنا)
- الضمير: ويشمل الجانب المثالي لنفس البشرية بحيث أنه يتكون من المبادئ السامية المستمدة من التعليم والدين والأخلاق والقانون والتي تراقب حركات العقل نحو إشباع النزوات النفسية بحيث يتوصل إلى درجة إشباع كل رغباته عن طريق السلوك الهادئ المشروع ويسمه فرويد (الانا الأعلى).
ويفسر هذا المحلل النفساني السلوك الإجرامي بأحد الأمرين:
إما لفشل العقل في التهذيب والسيطرة على النفس وإما انع دام الضمير أو عجزه عن ممارسة وظيفت ه في السمو بالنزعات والميولات الفطرية إلى درجة الإشباع الهادئ المشروع.