جريمة الإدلاء بمعلومات كاذبة
لا يختلف اثنين على أن المصداقية في المعلومات من أهم الركائز التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية في أي مجتمع بشكل عام ، وتزداد أهمية المصداقية في البيانات والمعلومات التي يدلي بها الأفراد أمام المؤسسات والسلطات العامة المنوط بها إعداد خططها وإصدار قراراتها التي تنظم حياة الأفراد في المجتمع.ولما كانت تلك المعلومات والبيانات هي المادة الخام التي تتكون منها تلك الخطط والقرارات ، فقد قرر المشرع العماني عقوبة جنائية على كل من يخالف قواعد المصداقية في الإدلاء بالمعلومات والبيانات في العديد من القوانين ، منها قانون إقامة الأجانب ، إذ تنص المادة (41/1) على أن " مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها قانون الجزاء العماني أو أي قانون آخر يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ريال ولا تزيد على خمسمائة ريال بإحدى هاتين العقوبتين : 1- كل من يدلي أمام السلطة المختصة بمعلومات كاذبة أو يقدم وثائق غير صحيحة بقصد الحصول على أي نوع من التأشيرات التي نص عليها هذا القانون أو الحصول على سمة إقامة أو إجازة مرور أو تجديد أي منها ..........." كما تنص المادة (16/1/أ ) من قانون جواز السفر العماني على أن " مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها قانون الجزاء العماني أو أي قانون آخر يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ريال ولا تزيد على خمسمائة أو بإحدى هاتين العقوبتين ، كل من : أ- إستحصل لنفسه أو لغيره على جواز أو وثيقة سفر بواسطة وثائق مزورة أو ضمن طلبه معلومات كاذبة........ " أما المادة (49/2) من قانون المرور جرمت أيضاً الإدلاء بمعلومات كاذبة أمام السلطة العامة حيث نصت على أن " مع عدم الإخلال بالتدابير المقررة في هذا القانون أو بأية عقوبة أشد واردة في قانون آخر ، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على ثلاثمائة ريال ، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أرتكب فعلاً من الأفعال الآتية : 2- كل من أدلى أمام السلطات المختصة بمعلومات كاذبة أو قدم وثائق غير صحيحة أو تعمد إثبات بيانات غير صحيحة في النماذج أو الطلبات المنصوص عليها في هذا القانون واللوائح والقرارات المنفذة له....... " .
وبين لنا حكم المحكمة العليا في الواقعة التالية عناصر جريمة الإدلاء بالمعلومات الكاذبة المنصوص عليها في المادة (49/2) من قانون المرور .
تتلخص الواقعة في أن الادعاء العام أحال الطاعنين وآخرين إلى محكمة الجنايات المختصة لأنهم بالنسبة للطاعن الأول قاد مركبة بسرعة وبدون ترو وتحت تأثير المواد الكحولية حيث بلغت نسبة الكحول بدمه (176) ملغم وذلك بأن تجاوز المركبة التي كانت تسير أمامه فتزامن ذلك بقدوم مركبة المدعي بالحق المدني في خط سيره الصحيح فاصطدم بها ، مما نتج عنه أن لحقت بالمدعي بالحق المدني الإصابات المبينة بالتقرير الطبي كما لحقت بالمركبتين الأضرار والتلفيات المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق ، وبالنسبة للطاعنين وآخرين أدلوا أمام سلطات التحقيق بمعلومات كاذبة عن قائد المركبة المتسببة في الحادث حيث أفادوا بأن الطاعن الثاني هو قائد المركبة وقت وقوع الحادث إلا أنه اتضح بأن الطاعن الأول هو قائد المركبة وفق الثابت بالأوراق ، وطالب الادعاء العام معاقبة المتهم الأول بموجب المادة (50/1) من قانون المرور ومعاقبة الطاعنين ومن معهم عن تهمة الإدلاء بمعلومات كاذبة أمام سلطات التحقيق المؤثمة بالمادة (49/2) من قانون المرور ، وقد قضت دائرة الجنايات بالمحكمة المختصة بإدانة الطاعنين ومن معهم بما هو منسوب إليهم ومعاقبة الطاعن الأول بالسجن لمدة سنة عن التهمة الأولى موقوفة النفاذ وشهرين عن التهمة الثانية ، ومعاقبة الطاعن الثاني بالسجن لمدة شهر وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة ، لم يحز هذا القضاء رضا الطاعنين فطعنا فيه بالنقض أمام المحكمة العليا ، وبالإطلاع على أسباب الطعن ظهر أنه بني على سبب واحد نعى به الطاعنين على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ، وذلك من وجهين حاصل الوجه الأول أن الحكم أدانهما بالإدلاء بمعلومات كاذبة عملاً بالمادة (49/2) من قانون المرور رغم عدولهما عن أقوالهما الكاذبة وإقرارهما بالحقيقة أثناء التحقيق الابتدائي بأن قائد المركبة أثناء وقوع الحادث كان الطاعن الأول وليس الطاعن الثاني الأمر الذي ينتفي معه قيام جريمة الإدلاء بالمعلومات الكاذبة ومن ثم براءتهما منها ، وحاصل الوجه الثاني أن أسباب الحكم جاءت في عبارات عامه مجملة بما لا يحقق الغرض الذي قصده المشرع من وجوب تسبيب الأحكام حتى تتمكن المحكمة العليا من مراقبة صحة تطبيق القانون إذ أنه لم تدون به مواد التجريم المعاقب بموجبها الطاعنين على نحو مفصل وإنما تم الاكتفاء بالإشارة إليهما فضلاً على أن الحكم لم يبين الكيفية التي حدث فيها اعتراف الطاعنين فيما إذا كان بمحض إرادتهما أم كان وليد إكراه وأنه لم يوضح مؤدى الأدلة التي استند إليها في إدانتهما بجنحة الإدلاء بالمعلومات الكاذبة بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي على الحكم المطعون فيه بمجمل ما جاء بسببه في شقه الأول غير سديد ومردود عليه بأنه دفاع جديد وغير متعلق بالنظام العام وكان يتعين طرحه أمام محكمة الموضوع بما يتعين رفضه فضلاً على أن جريمة الإدلاء بمعلومات كاذبة قد توافرت في حق الطاعنين بمجرد إدلائهما بالأقوال الكاذبة أمام جهات التحقيق حتى ولو عدلا عنها بعد ذلك ، وهذا ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه ومن ثم يكون النعي عليه بهذا الوجه غير مقبول ، والنعي على الحكم المطعون فيه بالشق الثاني قد جانبه الصواب لبيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر معه العناصر القانونية بالجريمة التي أدان بها الطاعنين وأورد دليله على ثبوتها بحقهما وتبين مواد العقاب في حق الطاعنين وأقام قضاءه في ذلك على أدلة سائغة لها سندها في الأوراق الأمر الذي تتهاوى به أسس وجهي الطعن مما يتعين معه رفضه موضوعاً ، ولما كان الطعن قد انتهى إلى الرفض فإن ذلك يتبعه أن يتحمل الطاعنان المصاريف استناداً إلى المادة (225) من قانون الإجراءات الجزائية .
ما يستفاد من الحكم :-
أن جريمة الإدلاء بمعلومات كاذبة تتحقق بمجرد الإدلاء بالمعلومات الكاذبة أمام السلطات العامة حتى ولو عدل الفاعل بعد ذلك .