نتطرق في هذا الفصل لنظام النيابة العامة ، وذلك من خلال معرفة طبيعتها وتشكيلتها ثم نبحث عن الخصائص التي تميزها عن غيرها من أجهزة الدولة .
المبحث الأول : النظام القانوني للنيابة العامة
إن النظام القانوني للنيابة العامة في الجزائر يحكمه قانون التنظيم القضائي وكذا القانون الأساسي للقضاء الصادر في ماي 1969( ) حيث نجد المادة الأولى من القانون الأساسي للقضاء تنص على :
" يتضمن سلك القضاء ، قضاة الحكم والنيابة العامة والمجلس الأعلى والمجالس القضائية والمحاكم " .
باستقراء هذا النص نجد أن المشرع جعل أعضاء النيابة العامة أعضاء في الهيئة القضائية وذلك بإدماجهم في السلك القضائي .
وكذلك بالرجوع إلى المادة السادسة من نفس القانون نجدها تنص على ما يلي :
" يوضع قضاة النيابة العامة تحت إدارة ومراقبة رؤسائهم السلميين وتحت سلطة وزير العدل " .
من خلال هذا النص يتضح لنا أن المشرع قد وصف أعضاء النيابة العامة بالقضاة تماشيا مع التسميات التي دأب الفقه التقليدي على إطلاقها على أعضاء الجهاز القضائي ، بحيث كان يعبر عن أعضاء النيابة العامة بالقضاة الجالس لأنهم يؤدون مهامهم جلوسا وذلك طوال فترة المحاكمة . كما يبدو لنا أيضا خضوع أعضاء النيابة العامة في تأدية مهامهم إلى وزير العدل من الناحية الفنية والإدارية وذلك تبعا لوضعهم في درجات السلم الوظيفي على عكس قضاة الحكم الذين لا يخضعون لرؤسائهم في التدرج الوظيفي من الجانب الفني .
المطلب الأول : طـبـيعة النيابة العامة
للبحث في طبيعة النيابة العامة لا بد من الرجوع إلى للآراء الفقهية التي قيلت في هذا الشأن ، فهي آراء متباينة( ) ومن خلال ذلك كان لنا أن نتعرض لهذه الآراء كالتالي :
◄ الرأي الأول : يذهب إلى القول بأن النيابة العامة فرع من فروع السلطة القضائية لكونها تباشر الدعاوى ، وتقوم بعملية الإشراف على أعمال الضبط القضائي ، وتقوم هي ذاتها بمباشرة سلطة الضبط القضائي والقيام ببعض إجراءات التحقيق الابتدائي وكذا التصرف فيه .
◄الرأي الثاني : يرى بأن النيابة العامة فرع من فروع السلطة التنفيذية لأنها حين قيامها بمباشرة الدعاوى العمومية في مختلف الجرائم غايتها في ذلم وضع النصوص المنظمة لذلك موضع التنفيذ .
◄الرأي الثالث : يجمع بين الرأيين السابقين ، حيث يعتبر النيابة العامة هيئة قضائية وتنفيذية في آن واحد ومرد ذلك أن لها اختصاصات قضائية وأخرى تنفيذية .
◄الرأي الرابع : يعتبر هذا الرأي النيابة العامة هيئة إجرائية مهمتها مباشرة الدعوى العمومية نيابة عن المجتمع والمطالبة بتطبيق القانون( ) .
ولكن بالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية الجزائرية نجده قد اعتبر النيابة العامة فرع من فروع السلطة التنفيذية ، وهذا هذا المادة 30 بقولها :
" يسوغ لزير العدل أن يخطر النائب العام بالجرائم المتعلقة بقانون العقوبات . كما يسوغ له فضلا عن ذلك أن يكلفه كتابة بأن يباشر أو يعد بمباشرة متابعات أو يخطر الجهة القضائية المختصة بما يراه ملائما من طلبات كتابية " .
ومن جهة ثانية إلزام أعضائها بتنفيذ الأوامر والتعليمات التي يصدرها إليهم وهذا حسب المادة 530/3 من نفس القانون . كما اعتبرها أيضا جزءا من الهيئة القضائية . وذلك بمنح أعضائها سلطة الإشراف على مأموري الضبط القضائي
( المادة 12 ق.إ.ج ) . وكذا القيام ببعض مهام الضبط القضائي خاصة ما يتعلق منها بجمع الاستدلالات أو القيام بالتحقيق القضائي الابتدائي ومباشرة الدعاوى أمام المحاكم .
واستنادا لما سبق ذكره نستخلص بأن النيابة العامة هي هيئة قضائية تنفيذية .
المطلب الثاني : تشـكـيـلة النيابة العامة
النيابة العامة كغيرها من أجهزة الدولة لها تشكيلتها الخاصة بها ، والمراد بها بيان شكل الجهاز التنظيمي لهيئة النيابة العامة وكذا معرفة التكوين الهيكلي لها ومعرفة درجة كل عضو يعمل بها وصلته بكافة من يعمل معه .
ولقد بينت المادة 06 من القانون الأساسي للقضاء( ) أن كافة أعضاء النيابة العامة مهما كانت درجتهم يخضعون لرقابة وإشراف وزير العدل ومسؤولين أمامه على الرغم من أنه لا يعتبر عضوا في النيابة العامة لأنه لا يمثلها أمام المحاكم وإنما يمارس سلطته بتكليفه لأعضائها بممارسة اختصاصاتهم عن طريق الأوامر الكتابية . وسوف نتطرف في هذا السياق والإطار لتشكيلة النيابة العامة أمام كل جهة قضائية في ثلاث فروع متتالية هي :
الفرع الأول : تشكيلة النيابة العامة أمام المحكمة العليا .
الفرع الثاني : تشكيلة النيابة العامة أمام المجالس القضائية .
الفرع الثالث : تشكيلة النيابة العامة أمام المحاكم .
الفرع الأول : تشـكـيـلة النيابة العامة أمام المحكمة العليا
تمثل النيابة العامة أمام المحكمة العليا بواسطة النائب العام لدى المجلس الأعلى ويعتبر هذا الأخير ممثل النيابة العامة أمام أكبر جهة قضائية في الدولة . ويساعده في مهامه عدد من أعضاء النيابة العامة من مختلف الدرجات( ) . وهذا النائب العام لدى المجلس الأعلى إذا أصدرت إليه تعليمات من وزير العدل عليه السهر على تطبيقها .
الفرع الثاني : تشـكـيـلة النيابة العامة أمام المجلس القضائي
يمثل النيابة العامة أمام كل مجلس قضائي نائب عام . وكذلك يمثل هذا النائب العام النيابة العامة لدى كل المحاكم التي تقع بدائرة هذا المجلس ، لأن ممثلي النيابة على مستوى هذه المحاكم يعملون تحت إشرافه ومراقبته . وعلى مستوى المجلس القضائي يوجد إضافة إلى النائب العام مساعد النائب العام الأول ومهمته القيام بعمل النائب العام أثناء فترة غيابه . وإلى جانب مساعد النائب العام الأول يوجد مساعدي النائب العام( ) وذلك وفقا لما جاء في المادة 34 ق.إ.ج.ج بقولها :
" النيابة العامة لدى المجلس القضائي يمثلها النائب العام ويساعد النائب العام في ذلك مساعد النائب العام الأول وواحد أو أكثر من مساعدي النائب العام " .
الفرع الثالث : تشـكـيـلة النيابة العامة أمام المـحاكم
المحاكم هي الأخرى توجد بها نيابة عامة ، وبالتالي فإن الممثل لهذه النيابة على مستوى هذه المحاكم يدعى وكيل الجمهورية والذي يكون تمثيله لها إما بنفسه أو بواسطة أحد مساعديه( ) وهو الذي يقوم بمباشرة الدعاوى العمومية في المحكمة التي يقع بدائرتها مقر عمله . وهذا ما نصت عليه المادة 35 ق.إ.ج.ج بقولها :
" يمثل وكيل الجمهورية النائب العام لدى المحكمة بنفسه أو بواسطة أحد مساعديه ، وه يباشر الدعاوى العمومية في دائرة المحكمة التي بها مقر عمله "
المبحث الثاني : خـصـائص النيابة الـعامة
تتميز النيابة العامة بجملة من الخصائص تميزها عن غيرها من الأجهزة الموجودة في الدولة . حيث يتسم أعضاؤها بصفات ثابتة وخاصة بهم دون غيرهم ، وهذه الخصائص تعتبر جزءا من نظام سلطة الاتهام( )
عدم تجزئة أعضاء النيابة العامة ، التبعية التدريجية والاستقلالية وعدم المسؤولية.
المطلب الأول : عدم تجزئة أعضاء النيابة العامة
ونعني بعدم قابلية النيابة العامة للتجزئة باعتبارها سلطة واحدة لا تتجزأ . تباشر في مجموعها باسم جميع أعضائها كل عمل يصدر عنها ، أي أن كل عمل يقوم به أحد أعضائها لا ينسب إليه وحده . وإنما اعتبر صادرا عن النيابة العامة في مجموعها . وكان حكمه كما لو قام به عضو آخر من بقية أعضائها .
أي أنه من وجهة النظر القانونية يجوز لأي عضو من أعضاء النيابة العامة أن يحل محل عضو آخر فيكمل ما بدأه الأول من إجراءات في نفس الدعوى( ) ، فمثلا في الدعوى الواحدة تجد تعددا لأعضاء النيابة العامة في مباشرتها فيبدأ أحدهم التحقيق ويكمله ثان ويحيله إلى القضاء ثالث ، ويدافع فيه رابع ، وقد يطعن فيه خامس ، وهذه الخاصية هي التي تميز أعضاء النيابة العامة عن قضاة الحكم وذلك أن أعمال هؤلاء قضاة الحكم تنتسب إليهم شخصيا ، وبالتالي إذا قام قاض بإصدار حكم في دعوى ما فإن حكمه يكون صحيحا إذا كان هو نفسه الذي قام بمباشرة إجراءات المحاكمة ومباشرة إجراءات التحقيق النهائي في الجلسة وسماع المرافعات ، ولكن إذا كان على خلاف ذلك بأن تغير القاضي بعد سماع المرافعات وحل محله قاض آخر ، فعليه إعادة النظر في الدعوى من جديد وإلا اعتبر حكمه باطلا ، ومرد ذلك أن الحكم في المواد الجنائية يتم بناءا على اقتناع القاضي ، وقد نصت على هذا المادة 341 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائرية( ) .
وعدم قابلية أعضاء النيابة العامة للتجزئة ليس مطلقا ، وإنما ترد عليه قيود مستمدة من قواعد الاختصاص النوعي والمحلي بحيث يجب أن يكون العضو الذي يحل محل زميله في مباشرة إجراءات الدعوى مختصا نوعيا ومحليا وإلا كان ما يقوم به تصرفات باطلة .
فبعد تطرقنا لخاصية عدم التجزئة ومعرفة ماهيتها ، لنا أن نطرح التساؤلين التاليين :
* الأول : ما هي علة عدم التجزئة ؟
* الثاني : ما هي النتائج المترتبة عليها ؟
والإجابة نوردها في فرعين على التوالي :
الفرع الأول : علة عدم تجزئة أعضاء النيابة العامة
عدم النيابة العامة تعني وحدتها ، وتعلل هذه الوحدة بوحدة من تنوب عنه ، فهو دوما المجتمع ، وعلتها كذلك في العلاقة ما بين أعضاء النيابة العامة في حد ذاتها لأنهم جميعا يعتبرون كولاء عن النائب العام . إذ نجد أن عضو النيابة العامة حين قيامه بمباشرة عمله فهو دوما يباشره باسم النائب العام وباسم المجتمع ، وكما تعلل هذه الوحدة أيضا بأن التصدي لظاهرة الإجرام المتزايدة والمتعددة الأشكال يتطلب بالضرورة انتهاج أسلوب موحد ومنسق تسهر على تنفيذه سلطة تسودها الوحدة( ) .
الفرع الثاني : النتائج المترتبة على عدم تجزئة النيابة العامة
تترتب على عدم تجزئة النيابة العامة نتائج هامة كالتالي :
فمن ناحية أولى يجوز إشتراك عدد من الأعضاء في إجراءات دعوى واحدة بحيث يستطيع كل عضو من أعضاء النيابة أن يتم عمل الآخر كما سبق توضيح ذلك ، وكذلك يجوز أن يحل عضو محل الآخر في مباشرة إجراء واحد من إجراءات الدعوى( ) ، بحيث يقع في بعض الأحيان أن يسمع عضو بعض من أقوال المتهم ، ويسمع عضو ثاني ما تبقى من أقوال هذا المتهم .
ويترتب على ذلك أنه لا يعيب الحكم إذا ما وقع خطأ في ذكر إسم العضو الذي حضر المحاكمة طالما أن النيابة العامة كانت ممثلة في الدعوى إلى حين صدور الحكم .
ومن ناحية أخرى ( ثانية ) أنه يجوز لكل عضو من أعضاء النيابة العامة مباشرة الأعمال التي يجوز لرئيسه مباشرتها ما لم ترد قيود على ذلك طبقا للقانون ، كأن يسند بعض الاختصاصات للرئيس دون العضو .
المطلب الثاني : التبعية التدريجية لأعضاء النيابة العامة
والمقصود بالتبعية التدريجية أن تكون للرئيس على المرؤوس سلطة في الإشراف والرقابة عليه من الناحية الإدارية والفنية ، وأعضاء النيابة العامة بخلاف قضاة الحكم يخضعون لنظام التبعية التدريجية الذي يوجد على رأسها وزير العدل .
وسوف نتناول دراسة سلطة النائب العام وسلطة وزير العدل على أعضاء النيابة العامة على النحو التالي :
الفرع الأول : رئــاســة النائب الـعـام
إذا كان للنائب العام على أعضاء النيابة العامة سلطة إصدار الأوامر الإدارية فله إلى جانب ذلك سلطة إصدار الأوامر الملزمة من الناحية القانونية والتي إذا تمت مخالفتها يكون الجزاء هو البطلان بشرط أن يكون أعضاء النيابة العامة يباشرون هذه الأعمال بوصفهم سلطة إتهام لا سلطة تحقيق وبعيدا عن جلسة المحكمة وذلك وفقا لما يلي :
* حين يباشر أعضاء النيابة العامة الاختصاصات المخولة لهم بصفتهم سلطة تحقيق فهم لا يباشرون كوكلاء عن أي كان ، لأن السلطة هنا هي سلطة قضائية بحته ، بحيث يكون للنائب العام فيها فقط الإشراف الإداري دون القانوني ، أي لا يكون له الحق في إصدار الأوامر الملزمة قانونا للعضو المحقق بشأن الإجراءات الخاصة بالتحقيق والاستجواب والمعاينة، كل ما في الأمر أنه يخضع لقواعد المسؤولية الإدارية إذا كان لها وجه قانوني ، وبالنظر إلى نص المادة 31 من ق.إ.ج.ج التي تقول :
" يلزم ممثلو النيابة العامة بتقديم طلبات مكتوبة طبقا للتعليمات التي ترد لهم عن طريق التدريجي .... " .
نجدها تلزم أعضاء النيابة بتقديم الطلبات الكتابية وفقا للتعليمات الصادرة إليهم عن طريق التدرجي ، فهذا لا يعني حتما الخضوع لها . بل ما تقصده المادة هو تقديم الطلبات لا الخضوع لها وهذا ما دلت عليه الفقرة الثانية من المادة السالفة الذكر والتي جاء فيها " ... ولهم أن يبدوا بكل حرية ملاحظاتهم الشفوية التي يرونها لازمة لصالح العدالة " * أما عندما يباشر أعضاء النيابة العامة اختصاصاتهم كسلطة اتهام فهم يقومون بذلك كوكلاء عن النائب العام بموجب وكالة قانونية عامة( ) بحيث يجوز لهم التصرف وبكل حرية في حدود هذه الوكالة ، فإذا لم يقم النائب بإلغاء هذه الوكالة صراحة بأن يأمر بالتصرف في أمر معين على وجه معين ، فإن هذه الوكالة تبقى منتجة لآثارها
وصفة عضوية النيابة العامة كسلطة اتهام تبدأ حين الانتهاء من التحقيق في الدعوى بحيث إذا قام بتصرف ما فيها فإنه يكون بوصفه سلطة اتهام لا سلطة تحقيق لذا ينبغي عليه مراعاة أوامر النائب العام ، فإذا قام عضو النيابة بالتصرف في الدعوى بإقامتها ، أو بالتقرير فيها بأن لا وجه لإقامتها أو قام بالطعن في الحكم الصادر فيها بخلاف ما صدر إليه من النائب العام من أوامر عد تصرف باطلا لخروجه عن نطاق الوكالة الممنوحة له زيادة على ذلك فإنه يتعرض للمسؤولية الإدارية .
وبخروج الدعوى من يد النيابة العامة ووصولها إلى القضاء يصبح لممثل الاتهام الحرية الكاملة في إبداء ما يشاء من الطلبات ،ويترافع وفقا لما يراه يحقق الغاية من رسالته غير مقيد بأوامر رؤسائه( ) لأن القضاء في هاته الحالة هو صاحب الشأن . ويعبرون عن هذه القاعدة في فرنسا ب( إذا كان القلم عبد فإن الكلام حر) ، ومعنى ذلك أن القلم كان في يد ممثل الاتهام أسير أوامر النائب العام فلسانه في الجلسة حر يقول ما يشاء( ) .
الفرع الثاني : رئــاســة وزيــر الــعــدل
لقد قلنا أن أعضاء النيابة العامة يخضعون لنظام التبعية التدريجية التي يترأسها وزير العدل ، رغم أنه غير عضو في النيابة العامة وسلطته تبعا لهذه الصفة تشمل الجانبين الإداري والفني على حد السواء بحيث يمكنه أن يخطر النائب العام بالجرائم المتعلقة بقانون العقوبات ، وله إضافة لذلك أن يكلفه كتابيا بأن يتابع ويباشر المتابعات أو يخطر الجهات القضائية المختصة بما يراه ملائما من طلبات كتابية ، وهذا وفقا لما جاء في المادة 30 من ق.إ.ج.ج التي تنص على :
" يسوغ لوزير العدل أن يخطر النائب العام بالجرائم المتعلقة بقانون العقوبات ، كما يسوغ له فضلا عن ذلك أن يكلفه كتابيا بأن يباشر أو يعهد بمباشرة متابعات أو يخطر الجهات القضائية المختصة بما يراه ملائما من طلبات كتابية " .
وهناك رأي يذهب إلى القول بأن وزير العدل يراقب تصرفات أعضاء النيابة العامة بصفتهم موظفون عموميون ، ولا يشرف على تصرفاتهم القضائية من حيث تحرك الدعوى العمومية ومباشرتها( ) ، وحسب هذا الرأي أن رقابة وزير العدل على أعضاء النيابة العامة تتوقف على التأكد من ممارسة الواجب الوظيفي في حدود القانون ، وهذا الرأي لا ينسجم مع نصوص القانون الجاري المعمول به في الجزائر في الوقت الحالي .
فقضاة النيابة العامة يخضعون وفقا لما جاء في قانون الإجراءات الجزائية إلى رؤسائهم الأعلى درجة ، فالنائب العام لدى المجلس القضائي يخضع إشراف وزير العدل حامل الأختام ، ووكيل الجمهورية ومساعديه يخضعون للنائب العام لدى المجلس ، ولقد بينت ذلك المادة 33 ق.إ.ج.ج بقولها : " يمثل النائب العام النيابة العامة أمام المجلس القضائي ومجموعة المحاكم ، ويباشر قضاة النيابة الدعوى العمومية تحت إشرافه " .
هذا فيما يخص خضوع وكيل الجمهورية ومساعديه للنائب العام . أما خضوع النائب العام لوزير العدل فيستخلص من استقراء نص المادة 30 ق.إ.ج.ج السابق الذكر .
والغاية من خضوع أعضاء النيابة العامة لنظام التبعية التدريجية هو تسهيل المهام عندما يعرض عليهم قضايا معقدة تستدعي استشارة رؤسائهم بخصوصها إمكانية وجود الحلول المناسبة لها .
وعليه فأعضاء النيابة العامة لدى المحاكم و المجلس القضائي يستشرون النائب العام لدى المجلس القضائي وهذا الأخير يستشير وزير العدل( ) .
المطلب الثالث : استقلالية النيابة العامة
إن النيابة العامة أثناء مباشرتها للدعوى العمومية هدفها من وراء ذلك هو حماية مصلحة المجتمع والسهر على تطبيق القانون تطبيقا سليما ، ونتيجة لذلك يتطلب أدائها لهذه الوظيفة نوعا من الاستقلال عن باقي الأجهزة الأخرى لكي لا تتأثر أثناء القيام بمهامها بأي وجهة تمليها أطراف أخرى .
وحتى يتسنى لنا معرفة استقلال النيابة العامة لا بد أن نبحث في العلاقة ما بينهما وبين الإدارة ، وكذا بينهما وبين القضاة وذلك على النحو التالي :
الفرع الأول : الـعلاقة بين النيابة والإدارة
لقد سبق وأن قلنا بأن أعضاء النيابة العامة تابعون للنائب العام ، وهذا الأخير يعد من رجال القضاء لا الإدارة ، وفي نفس الوقت يباشرون أعمالهم تحت الإشراف الإداري لوزير العدل الذي يعد عضو في السلطة التنفيذية ، وأعضاء النيابة العامة يعدون من رؤساء مأموري الضبط القضائي وأغلبيتهم من رجال الإدارة ويخضعون إشراف النائب العام وفقا لما تفرضه عليهم قاعدة التبعية التدريجية ، بحيث يحق لهذا الأخير – النائب العام – المطالبة برفع دعوى تأديبية على كل من حصل منه تقصير في عمله أو وقعت منه مخالفة( ) وفي كل هذا تبدو تبعية النيابة العامة للنائب العام واستقلالها عن السلطة التنفيذية وسلطة وزير العدل على أعضاء النيابة تقتصر على الإشراف والتوجيه ولا تتدخل في اختصاصهم ، ولا يمكن أن يصدر لهم الأوامر الملزمة باتخاذ قرارات معينة ، وحتى وإن أصدر لهم مثل هذه الأوامر وقاموا بالتصرف على خلافها فيظل تصرفهم صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية .
وعليه الإشراف والرقابة التي يمارسها الوزير على أعضاء النيابة العامة على المستوى الوطني ، أو التي يمارسها النائب العام على مستوى المجلس القضائي على كافة أعضاء النيابة بالمجلس وعلى أعضائها في المحاكم التابعة لهذا المجلس فإن كانت ملزمة لهم فيما يخص ما ورد إليهم من أوامر كتابية من طرف رؤسائهم السلميين فإنها لا تقيد حريتهم في إبداء ملاحظتهم الشفوية التي يرون بأنها ضرورية ومهمة لصالح العدالة ، وهذا ما نصت عليه المادة 31 ق.إ.ج.ج التي تنص على : " يلزم ممثلو النيابة العامة بتقديم طلبات مكتوبة طبقا للتعليمات التي ترد لهم عن طريق التدرجي ، ولهم أن يبدوا بكل حرية ملاحظاتهم الشفوية التي يرونها لازمة لصالح العدالة " .
الفرع الثاني : الـعلاقة بين النيابة والقضاء
على الرغم من أن النيابة العامة تعتبر هيئة أساسية في تشكيل القضاء الجنائي بمعنى أنه لا بد أن تكون ممثلة في كل محكمة جنائية مهما كان نوعها ومهما كانت درجتها ، إلا أنها تعد هيئة مستقلة عن قضاء الحكم وذلك من أجل ضمان السير الحسن للعدالة ، حيث نجد أن المشرع فصل بينهما وذلك بأنه أو كل مهمة تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها والسهر عليها في مرحلة جمع الاستدلالات والأدلة ، ومباشرة بعض إجراءات التحقيق النيابة العامة ، في حين جعل التحقيق النهائي وإصدار الحكم على عاتق قضاة الحكم ومظاهر استقلال النيابة العامة عن القضاء تبدوا في الحالات التالية :
◄ إذا قامت النيابة العامة برفع دعوى عمومية أمام المحكمة فما على هاته الأخيرة إلا الفصل فيها ، ولا يجوز للمحكمة أن تكلف النيابة العامة بإجراء تحقيق إضافي لأنه يدخل في اختصاص المحكمة وليست النيابة العامة( ) .
◄ أنه لا يجوز لقضاة الحكم كقاعدة عامة تحريك الدعوى العمومية إلا في الحالات التي نص عليها القانون صراحة ، مثل حق تحريك الدعوى بالنسبة لجرائم الجلسات وذلك في المواد 567 ، 569 ، 570 ، 571 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على النحو التالي :
فالمادة 567 تنص على أنه : " يحكم تلقائيا أو بناء على طلب النيابة العامة في الجرائم التي ترتكب بالجلسة طبقا للأحكام الآتية البيان ما لم تكن هناك قواعد خاصة للاختصاص أو الإجراءات وذلك مع مراعاة المادة 237 " .
والمادة 568 التي تنص على : " إذا ارتكبت جنحة أو مخالفة في جلسة مجلس قضائي أمر الرئيس بتحرير محضر عنها وإرسالها إلى وكيل الجمهورية ، فإذا كانت الجنحة معاقبا عليها بعقوبة الحبس الذي تزيد مدته على ستة شهور جاز له أن يأمر بالقبض على المتهم وإرساله فورا للمثول أمام وكيل الجمهورية " .
والمادة 569 التي تنص على : " إذا ارتكبت جنحة أو مخالفة في جلسة محكمة تنظر فيها قضايا الجنح والمخالفات أمر الرئيس بتحرير محضر عنها وقضى فيها في الحال بعد سماع أقوال المتهم والشهود والنيابة العامة والدفاع عند الإقتضاء " .
والمادة 570 التي تنص على : " إذا ارتكبت جنحة أو مخالفة في جلسة محكمة جنايات طبقت بشأنها أحكام المادة 568 " .
وأخيرا المادة 571 التي تنص على : " إذا ارتكبت جناية في جلسة محكمة أو مجلس قضائي فإن تلك الجهة القضائية تحرر محضرا وتستوجب الجاني وتسوقه ومعه أوراق الدعوى إلى وكيل الجمهورية الذي يطلب افتتاح تحقيق قضائي " .
◄ لا يملك القاضي أن يصدر أمر إلى ممثل النيابة العامة بشأن عمل يدخل في اختصاصه( ) ، كأن يأمره بالتنازل عن دعوى عمومية ، أو يأمره بدفع دعوى ضد متهم لم يرى هذا المثل للنيابة العامة فائدة من رفعها لسبب أو لآخر .
◄ لا يملك القاضي توجيه أي لوم أو نقد لعضو النيابة العامة بشأن تصرف من تصرفاته أثناء مباشرة الدعوى ، فإذا حصل منه خطأ فما على القاضي إلا أن يحظر الرئيس الذي يعمل هذا العضو تحت إشرافه .
◄ القاضي غير مقيد بما تبديه النيابة العامة من طلبات كتابية أو شفوية أو بكيفية الوصف الذي تقدمه للتهمة ، بل له الحرية التامة في التصرف طالما أنه لا يتعدى حدود سلطته ، وفي حالة تجاوزه لهذه السلطة يكون للنيابة العامة وغيرها من الخصوم الحق في الطعن في الحكم الذي يصدره .
◄ لا يحق لعضو النيابة العامة الذي قام بالتحقيق في قضية ما أو اتخذ فيها أي إجراء من الإجراءات أن يقوم بالفصل فيها لأنه إن فعل ذلك كان حكمه باطلا ، غير أنه إذا حدث العكس بأن تمت تنحية القاضي عن النظر في الدعوى وتم تعيينه كممثل للنيابة العامة وحضر في نفس الدعوى وقام بالمرافعة فيها فهنا لا مجال للبطلان( ) وعلة ذلك أنه في الحالة الأولى يخشى تأثر العضو بما اتخذه من إجراءات حين جلوسه للفصل في الدعوى .
أما الحالة الثانية ، فلا يهم المتهم بأن يمثل النيابة العامة من كان قاضيا في الدعوى ما دام لم يبدي رأيا عند جلوسه للحكم فيها ، وأيضا ما دام في هاته الحالة خصما وليس حكما .
المطلب الرابع : عدم مسؤولية النيابة العامة
إن النيابة العامة ليست مسؤولة عما تقوم من أعمال بخصوص الدعوى العمومية ، ونتيجة لذلك لا يجوز لأي شخص متهم إذا أثبتت براءته أن يقوم بمطالبة النيابة بالتعويض عما أصابه من ضرر نتيجة هذا الاتهام( ) أي نتيجة هذه الدعوى ، لأن ما قامت به يدخل ضمن السلطات التي خولت لها بمقتضى القانون.
ونحن نعلم أن ممارسة السلطة سبب من أسباب الإباحة ، وقد نصت على ذلك المادة 39 من قانون العقوبات بقولها : " لا جريمة إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون " .
وممارسة السلطة التي تكون سببا من أسباب الإباحة التي تقتضي أن يقوم عضو النيابة بالتصرف في الحدود التي رسمها القانون لهذه السلطة ، أما إذا تجاوز عضو النيابة حدود سلطته بل وقع منه أثناء قيام مهمته ، غش أو تدليس أو غدر فإنه يكون محل مساءلة من طرف المتضرر بحيث يطالب الدولة بالتعويض عما أصابه من أضرار نتيجة تصرف هذا العضو وما عليها ، إلى أن تدفع التعويضات للطرف المتضرر ، وتقوم بمحاسبة عضو النيابة الذي ارتكب أثناء عمله فعل من الأفعال المذكورة ، وبخصوص ظروف وكيفية التعويض فإن القانون هو الذي يتولى تحديدها وذلك وفقا لما جاء في المادة 47 من الدستور الجزائري لسنة 1976 والتي تنص على : " ينجر عن الخطأ القضائي تعويض من الدولة ، ويحدد القانون ظروف وكيفية التعويض " .
المطلب الخامس : عدم قابلية النيابة للرد
إن النيابة العامة تكون ممثلة في جميع الدعاوى على السواء ولكن فقط إنها قد تكون طرفا أصليا أو كطرف منظم ، ففي الدعاوى العمومية تكون طرفا أصليا أي تعتبر خصما فيها وبالتالي لا يجوز ردها طبقا لقاعدة أن الخصم لا يرد خصمه ، وقد تم النص على ذلك في المادة 555 من ق.إ.ج.ج. بقولها : " لا يجوز رد رجال القضاء أعضاء النيابة العامة " . ولكن في الدعاوى المدنية والتجارية تكون النيابة العامة كطرف منظم ودورها هنا يقتصر على إبداء الرأي والمشورة للمحكمة ، وفي مثل هذه الحالة يجوز لأحد الخصوم أن يطلب رد النيابة العامة إذا كان يخشى تحيزها للطرف الآخر شرط أن يكون طلبه هذا له ما يبرره من الناحية القانونية .
وإذا خول القانون رد ممثل النيابة العامة لعدم الاطمئنان لحيادته فهو لا يرد النيابة كسلطة اتهام أو تحيق ، وإنما يرد ممثلها فحسب( ) .
الـفـصل الثاني : اختصاصات النيابة الـعامـــة
للبحث في اختصاصات النيابة العامة لا بد من الرجوع إلى ما قرره المشرع الجزائري من أنه قد أناط مهمة التحقيق لقضاة متخصصين وهم قضاة التحقيق بينما منح لقضاة النيابة العامة سلطة الاتهام ، من هنا يتبين لنا الاختصاص الأصلي للنيابة العامة هو الاتهام ، في حين نجده قد خص قضاة النيابة العامة على سبيل الاستثناء القيام ببعض إجراءات التحقيق ، و يجدر بنا في هذا المقام أن نتعرض لاختصاصات النيابة العامة كسلطة اتهام وكذا اختصاصها كسلطة تحقيق.
المبحث الأول : اختصاص النيابة العامة كسلطة اتهام
لقد سبق القول أن محكمة الاتهام أسندت للنيابة العامة وبصفة أصلية وبناء على ذلك فإنها تباشر الاختصاصات المتمثلة في التصرف في محاضر جمع الاستدلالات وتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها والطعن في القرارات والأحكام وكذا تنفيذ القرارات والأحكام القضائية .
وعليه نتطرق لكل اختصاص من هذه الاختصاصات بشيء من التفصيل :
المطلب الأول : التصرف في محاضر جمع الاستدلالات بالحفظ
من المعروف أن مأموري الضبط القضائي مهمتهم الرئيسية القيام بإجراءات الضبط القضائي كل حسب اختصاصه ، فعند القيام بهذه المهمة ينبغي عليهم تحرير( ) محاضر بشأنها وعند اتهامها عليهم تقديمها إلى وكيل الجمهورية بأصولها وبنسخ منها مؤشر عليها بمطابقتها للأصول ، وكذا جميع المستندات المتعلقة بها ، وكما يجب عليهم أيضا موافاتها بالأشياء المضبوطة ، وقد نصت على ذلك المادة 18 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري بقولها : " يتعين على ضباط الشرطة القضائية أن يحرروا محاضر بأعمالهم وأن يبادروا بغير تمهل إلى اخطار وكيل الجمهورية بالجنايات والجنح التي تصل إلى علمهم وإليهم بمجرد انجاز أعمالهم أن يوافوه مباشرة بأصول المحاضر التي يحررونها مصحوبة بنسخة منها مؤشر عليها بأنها مطابقة لأصول تلك المحاضر التي حرروها ، وكذا بجميع المستندات والوثائق المتعلقة بها وكذلك الأشياء المضبوطة " .
وعمد وصول المحاضر والأشياء المضبوطة إلى وكيل الجمهورية وفقا لما سبقت الإشارة إليه ، يتعين على هذا الأخير – وكيل الجمهورية – أن يتصرف فيها بما يراه متماشيا مع القانون ، فقد تبين له من ظروف وملابسات الدعوى أنها غير صالحة لإحالتها على القضاء للنظر فيها ، وبالتالي يأمر بحفظها ، ويتصرف بخصوص الأشياء المضبوطة إداريا( ) ، أما إذا تبين له أنها جائزة وصالحة للنظر فيها بالحالة التي هي عليها بمعنى جواز رفع الدعوى العمومية بشأنها فما عليه إلا القيام بتحريك هذه الدعوى ومباشرتها . وكذلك بالرجوع إلى نص المادة 36/1 نجدها تنص على : " يقوم وكيل الجمهورية بتلقي المحاضر والشكاوى والبلاغات ويقرر ما يتخذ بشأنها " .
فباستقراء نص هذه الفقرة يتضح لنا أن لوكيل الجمهورية حق التصرف فيما يصل إليه محاضر ، وهذا التصرف قد ينطوي على حفظ هذه المحاضر نظرا لتوافر سبب من أسباب الحفظ والتي سنوضحها فيما بعد .
وما يؤكد ذلك أيضا ما جاءت به الفقرة الثالثة من نفس المادة التي تقول : " ويبلغ الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة لكي تنظر فيها أو تأمر بحفظها بقرار قابل دائما للإلغاء " .
فحسب هذه الفقرة فإنه يجوز حفظ المحاضر .
وما دام أن قرار الحفظ ينطوي على أسباب معينة فهو لا يخضع للسلطة التقديرية المطلقة لعضو النيابة( ) ، وإنما متى رأى قيام سبب من الأسباب التي تؤدي إلى الحفظ فمنها أسباب قانونية وأخرى موضوعية ، ولنا أن نشير بصفة مختصرة لهذه الأسباب
أولا : الأسباب القانونية :
تتمثل الأسباب القانونية فيما يلي :
الحفظ لانعدام الجريمة ، والحفظ لانعدام المسؤولية ، ولامتناع العقاب ، ولعدم إمكانية تحريك الدعوى ، ولانقضاء الدعوى العمومية .
1-الحفظ لانعدام الجريمة :
تقوم النيابة العامة بحفظ الدعوى إذا رأت أن موضوعها لا ينطوي على جريمة وبالتالي ليس هناك مجال لتطبيق قانون العقوبات عليها ، وقد تكون الأفعال التي تم سردها في المحضر تشكل جريمة أي معاقبا عليها ، ولكن مع ذلك يوجد نص على الإباحة يلغي نص التجريم أو يوقف أثره( ) . فهنا ما على النيابة إلا حفظ الدعوى لعدم الجريمة ، أما كما يقال الحفظ لعدم الجناية .
2-الحفظ لانعدام المسؤولية :
يجب على النيابة العامة حفظ الدعوى إذا كان من تسبب في الفعل المعاقب عليه غير مسؤول جنائيا كأن يكون صغيرا غير مميز ، أو مصابا بعارض من عوارض الأهلية كالجنون والعته ، أو ارتكب الجريمة وهو في حالة سكر ، فهنا المسؤولية منعدمة وبالتالي لا يجوز توقيع العقوبة الجنائية ، وفي هذا الصدد يكون تحريك الدعوى العمومية لا نتيجة ولا فائدة منه .
3-الحفظ لامتناع العقاب :
تحفظ الدعوى إذا كان هناك نص يجرم الفعل موضوع الدعوى ، وهناك نص آخر يعفي القائم بالفعل من العقاب ، فلماذا تقيم دعوى ضد مرتكب الجريمة ما دام يوجد نص يعفيه من العقوبة ، ومثال ذلك من يقوم بالتبليغ عن تكوين جماعة أشرار حتى وإن كان مساهما فيها ، فهنا الفعل يشكل جريمة ويجب معاقبة كل من ساهم فيها ، ولكن من قام بالتبليغ حتى وإن كان مساهما فإنه يعفى من العقوبة وبالتالي لا جدوى من رفع الدعوى ضد هذا المبلغ .
4-الحفظ لعدم إمكانية تحريك الدعوى :
هذه الحالة هي التي ينص فيها المشرع على أن بعض الجرائم لا يمكن للنيابة تريك الدعوى بشأنها إلا بناءا على شكوى أو طلب أو إذن ( سوف نتناول هذا الموضوع ) وفي هذه الحالة ينبغي على النيابة العامة أن تحفظ الدعوى لعدم إمكانية تحريكها ، وإذا لم تقدم الشكوى أو الطلب أو الإذن ممن يعنيه الأمر .
5-الحفظ لانقضاء الدعوى العمومية :
إذا انقضت الدعوى العمومية بأي سبب من الأسباب العامة أو الخاصة والتي جاء النص عليها في المادة 06/1 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري التي تنص:
" تنقضي الدعوى العمومية الرامية إلى تطبيق العقوبة بوفاة المتهم ، وبالتقادم ، وبالعفو الشامل ، وبإلغاء قانون العقوبات ، وبصدور حكم حائز قوة الشيء المقضي فيه .
الفقرة 03 : " تنقضي الدعوى العمومية في حالة سحب الشكوى إذا كانت هذه شوطا لازما للمتابعة " .
الفقرة 04 : " كما يجوز أن تنقضي الدعوى العمومية بالمصالحة إذا كان القانون يجيزها صراحة " .
فما على عضو النيابة العامة إلا أن يصدر أمر بحفظ المحضر المقدم بخصوص الدعوى لعدم إمكانية تحريكها من جديد إلا في حالة تحققه من أن الحكم الذي قضى بانقضاء الدعوى العمومية مبني على التزوير أو استعمال المزور فإنه يجوز إعادة السير فيها ، وهذا تطبيقا للفقرة الثانية من نفس المادة المذكورة التي تقضي بـ : " غير أنه إذا طرأت إجراءات أدت إلى الإدانة أو كشفت على أن الحكم الذي قضي به بانقضاء الدعوى العمومية مبني على تزوير أو استعمال المزور فإنه يجوز إعادة السير فيها ، وحينئذ يتعين اعتبار التقادم موقوف منذ اليوم الذي صار فيه الحكم أو القرار نهائيا إلى يوم إدانة مقترف التزوير أو استعمال المزور " .
ثانيا : الأسباب الموضوعية :
وهي التي تعلق بموضوع الدعوى ومن أهمها :
1-الحفظ لعدم معرفة الفاعل :
في هذه الحالة يكون الفاعل غير معروف بمعنى أن تقع جريمة ويتم التبليغ عنها للسلطات المختصة ولكن دون إسناد هذا الفعل لشخص معين ، فإذا ما قام مأمور والضبط القضائي بالحث والتحري عن مرتكب الجريمة ولم يهتدوا لمعرفته فهنا على الرغم من أن الجريمة وقعت فعلا ولكن الفاعل مجهولا وبالتالي لا فائدة من رفعها إلى القضاء وما على النيابة العامة إلا أن تحفظ الدعوى لعدم معرفة فاعلها( ) . ولكن هذا لا يمنع النيابة العامة من تحريكها متى ظهر الفاعل الحقيقي إذا كانت الدعوى العمومية لا تزال قائمة لم تنقض بأي سبب من الأسباب .
2-الحفظ لعدم كفاية الأدلة :
إذا كان في الحالة السابقة أن الفاعل غير معروف واستنادا إلى ذلك صدر الأمر بالحفظ ، فهنا في هاته الحالة يكون الفاعل معروف لكن ما يقدم ضده من أدلة يكون غير كاف لإدانته ، فإذا نفى الفاعل التهمة الموجهة إليه جملة وتفصيلا ولم يوجد الدليل القاطع على إدانته فإذا نفى يجب على النيابة العامة أن تؤمر بحفظ الدعوى لعدم كفاية الأدلة .
أما إذا كانت هناك قرينة يحتمل معها إثبات الإدانة فهنا على النيابة العامة أن تحيل الدعوى إلى القضاء لمجرد احتمال الإدانة( ) حتى وإن ثبت أن هذه الظروف ليست مقنعة للقاضي ، بحيث لو نظر في الدعوى حكم ببراءة المتهم إعمالا بمبدأ :
" الشك يفسر لمصلحة المتهم " . مما سبق يتضح لنا أن مجرد الإدانة كاف لتحريك الدعوى العمومية .
3-الحفظ لعدم الصحة :
إن الحفظ لعدم الصحة يكون لما تنسب التهمة إلى شخص معين ، وكانت هذه التهمة لا أساس لها من الصحة بحيث يريد المبلغ من ورائها الإساءة إلى المتهم ، أو كانت الجريمة التي قام بها بالتبليغ عنها حدثت فعلا ولكن لم يستطع إثباتها ، كأن يتهم شخص ما بارتكابه لفعل معين ثن يتبين أن هذا الشخص لم يكن موجودا أصلا في مكان الحادث أثناء التاريخ الذي يدعى المبلغ أن هذا الشخص ارتكب فيه الفعل ، فهنا على النيابة العامة حفظ الدعوى لعدم الصحة .
4-الحفظ لعدم الأهمية :
يحق للنيابة العامة وحدها أن تأمر بحفظ الدعوى إذا رأت أنها ذات أهمية( ) بحيث نجد أن قضاة التحقيق أو غرفة الاتهام لا يجوز لها حفظ التحقيق لعدم الأهمية ، وكذا قاضي الحكم لا يمكنه أن يحكم بالبراءة استنادا لتوافر حالات عدم الأهمية ، فبخصوص قضاة التحقيق وغرفة الاتهام يمكنهم فقط إصدار الأمر بأن لا وجه للمتابعة لأسباب قانونية أو موضوعية ، أما قضاة الحكم وكما سبق القول لا يحكمون بالبراءة لعدم الأهمية لأن مهمتهم تطبيق القانون دون أي اعتبار آخر .
ومعيار عدم الأهمية تنفرد به النيابة العامة وتأخذ به إذا ما تبين لها أن الضرر الذي ترتب عن الجريمة تافها ، أو كأن يحصل التصالح بين الطرفين كأن يكون بينهما علاقة قرابة أو مصاهرة أو صداقة ، .... ، أو كأن يكون الجاني موظفا عاما فتلجأ النيابة العامة إلى الاكتفاء بالجزاء الإداري ، ففي مثل هذه الحالات يجوز للنيابة العامة أن تأمر بالحفظ لعدم الأهمية .
* طبيعة قرار النيابة بالحفظ والنتائج المترتبة عليه :
إن القرار الذي تصدره النيابة العامة بالحفظ يعتبر في حد ذاته إجراءا إداريا بحتا أو هو يعد من قبيل الأعمال الإدارية التي يباشرها عضو النيابة العامة( ) ، والنتائج المترتبة عليه هي :
1-إن قرار النيابة العامة بالحفظ هو قرار مؤقت يجوز العدول عنه أو تعديله إو إلغائه
2-لا يتمتع بالصفة القضائية وبالتالي لا يمكن الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن
3-إذا صدر قرار النيابة بالحفظ فإنه يؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية إذا كانت مدة التقادم لازالت قائمة لن تنقض بعد .
المطلب الثاني : تحريك الـدعوى العمومية
لقد سبق وأن قلنا أنه حين وقوع جريمة ما يقوم مأمور والضبط القضائي بإجراءات الضبط القضائي ويحرروا محاضر بشأنها لتبليغ وكيل الجمهورية بها( ) فعند وصول هذه المحاضر إلى وكيل الجمهورية – ممثل النيابة العامة – فينبغي على هذا الأخير أن يتصرف فيها إما بحفظها إذا توافرت أسبابه السابق الإشارة إليها ، وإما إحالتها إلى القضاء للنظر فيها إذا لم يوجد السبب الذي يستدعي الحفظ ، وهذه الإحالة هي التي يطلق عليها تحريك الدعوى العمومية .
وكقاعدة عامة أن النيابة العامة هي التي تملك سلطة تحريك الدعوى العمومية دون غيرها لأنها هي التي تمثل المجتمع ، وتتوب عنه في متابعة الجناة ( المجرمين ) وفي المطالبة بتوقيع العقوبات عليهم( ) ، ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة وإنما يرد عليها استثناءات لا بد من مراعاتها حتى يتسنى تحريك الدعوى العمومية وهما :
أولا : حالة إذا ما علق المشرع تحريك الدعوى على شروط معينة كضرورة تقديم شكوى من التضرر أو طلب أو إذن .
ثانيا : إعطاء الحق للمتضرر من الجريمة في رفع الدعوى عن طريق الإدعاء المباشر( ) ، والآن لنا أن نتطرق لهذين الاستثناءين الواردين على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية بشيء من التفصيل .
ضرورة تقديم الشكوى أو الطلب أو الإذن :
1-الشكوى : هي ما تقدمه الضحية من بلاغات إلى السلطات المختصة كالنيابة العامة تطلب فيه منها تحريك الدعوى العمومية ، شريطة أن يكون ذلك بخصوص الجرائم التي تكون حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية بشأنها مقيدة وبقوة القانون إلا بناء على تقديم هذه الشكوى من طرف المتضرر ، ومن بين الدعاوى التي يشترط فيها القانون تقديم الشكوى " جريمة الزنا " بحيث لا يحق للنيابة العامة أن تقوم بإجراءات المتابعة إلا إذا قدم الزوج المتضرر شكوى بهذا الشأن ، ولقد نص المشرع على ذلك في المادة 339/1 من قانون العقوبات الجزائري على أنه : " ولا تتخذ الإجراءات ( فيما يخص المتابعة ) ومن خلال العبارة الأخيرة من هاته الفقرة يبين أنه إذا تراجع الزوج المتضرر بعد تقديم شكواه فإنه يضع حدا للمتابعة المتخذة ضد زوجه " .
وكذلك الحال بالنسبة للسرقات الواقعة بين الأقارب والحواشي والأصهار لغاية الدرجة الرابعة ، فإنه لا يتم اتخاذ الإجراءات ضد السارق إلا بناءا على شكوى يقدمها السارق ، وقد نصت على هذه المادة 369/1 من قانون العقوبات الجزائري بقولها :
" لا يجوز اتخاذ الإجراءات الجزائية بالنسبة للسرقات التي تقع بين الأقارب والحواشي والأصهار لغاية الدرجة الرابعة إلا بناءا على شكوى الشخص المضرور ، والتنازل عن الشكوى يضع حد لهذه الإجراءات " .
وكذلك في جريمة ترك الأسرة فإن الإجراءات المتابعة لا تخذ ضد الزوج تارك الأسرة إلا بناء على شكوى الزوج الذي بقي في مقر الزوجية " الزوج المتروك " وهذا ما جاء في نص المادة 330 من قانون العقوبات التي تنص :
" يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة من 500 إلى 5000 دج
1/أحد الوالدين الذي يترك مقر أسرته لمدة تتجاوز شهرين ويتخلى عن كافة التزاماته الأدبية أو المادية المترتبة على السلطة الأبوية أو الوصايا القانونية وذلك بسبب غير مجدي ، ولا تنقطع مدة الشهرين إلا بالعودة إلى مقر الأسرة على وضع ينبئ عن الرغبة في استئناف الحياة بصفة نهائية.
2/الزوج الذي يتخلى عمدا ولمدة تجاوز شهرين عن زوجته مع علمه بأنها حامل وذلك بغير سبب حدي " .
وفي هاتين الحالتين المنصوص عليهما في الفقرتين السابقتين من هاته المادة لا تتخذ إجراءات المتابعة إلا بناء على شكوى الزوج المتروك ، وإذا كان هذا النوع من الجرائم يشترط فيه تقديم الشكوى من الطرف المتضرر إلى النيابة العامة حتى تقوم بتحريك الدعوى العمومية فإن القانون يستوجب توافر صفات معينة في مقدم الشكوى ، ولا بد أن تكون هذه الصفات موجودة في الوقت الذي تم فيه تقديم الشكوى ، فعلى سبيل المثال في جريمة الزنا يجب أن تقدم الشكوى من الزوج المضرور ، فإن حصل الطلاق قبل أن يقوم بتقديمها فإن حقه في تقديمها يسقط أما إذا قدمها والزوج قائما ثم حدث الطلاق فهنا الشكوى تنتج أثارها القانونية ويتخذ ضد الزوج الزاني إجراءات المتابعة والمحاكمة .
أما عن طبيعة حق تقديم الشكوى فهو حق شخصي للمتضرر ، ففي حالة وفاته بعد أن قام بتقديم شكواه ، فهذا لا يؤثر في الأمر شيئا بل تبقى الدعوى العمومية قائمة وليس من حق ورثته التنازل عنها لأنها في مثل الحالة تكون بيد النيابة العامة( )
ويستوجب أن يكون تقديم الشكوى بطريقة الشكوى أنه إذا قامت النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية قبل تقديم شكوى من المعني بالأمر من الدعاوى التي تستوجب تقديمها فإن ذلك غير جائز وأن كل إجراء تقوم به يقع باطلا بطلانا مطلقا ، لأن عدم تقديم الشكوى من التضرر في مثل هذه الحالات يمنع تحريك الدعوى العمومية بقوة القانون .
وفي الأخير تجدر بنا الإشارة إلى التنازل عن الشكوى ، فمثلا إذا قام مقدم الشكوى بالتنازل عنها فإن جميع الإجراءات المتابعة توقف تبعا لذلك ( المادة 339 من قانون العقوبات ) :
" إذا لم تكن الدعوى مهيأة للحكم أمرت المحكمة بتأجيلها إلى جلسة من أقرب الجلسات استيفاء التحقيق ، وتفرج عن المتهم احتياطا بكفالة " .
ولا يجوز الرجوع عن هذا التنازل حتى ولو كان ميعاد تقديم الشكوى لا يزال قائما وحتى وإن كان صادرا – التنازل – قبل تحريك الدعوى العمومية .
2-الطلب :هو ما يصدر عن هيئة باعتبارها أمينة على مصالح معينة للدولة نتيجة جريمة قد مست بهذه المصلحة ، لذلك أوجب المشرع في بعض الجرائم التي تقع على إحدى الهيئات العمومية تقديم الطلب من الجهة المختصة إلى النيابة العامة ليصبح لها الحق في تحريك الدعوى بشأن هذه الجرائم ، ولقد جاء النص على مثل هذه الحالات في المواد من 161 إلى 164 من قانون العقوبات الجزائري والتي تتضمن ما يلي :
المادة 161 : " كل شخص مكلف يتخلى إما شخصيا أو كعضو في شركة توريد أو مقاولات أو وكالات تعمل لحساب الجيش الوطني الشعبي عن القيام بالخدمات التي عهدت إليهم ما لم تكرهه على ذلك قوة قاهرة يعاقب ب ..... " ، وكذلك متعهدي التموين أو عملائهم أيضا عند مشاركتهم في الجريمة ، ويعاقب الموظفون والوكلاء والمندوبون أو المأجورون من الدولة الذين حضروا أو ساعدوا الجناة على التخلف عن القيام بخدماتهم ب ... " .
المادة 162 : " بخصوص الجنح التي ترتكب من المذكورين في المادة 161 عند تأخيرهم عن القيام بتلك الخدمات " .
المادة 163 : " الجنايات التي تقع ممن سبق ذكرهم في المواد ( 161-162-163 ) لا يجوز تحريك الدعوى العمومية بشأنها إلا بناء على شكوى من وزير الدفاع الوطني ، وذلك تطبيقا لنص المادة 164 من قانون العقوبات التي تنص :
" ...... وفي جميع الأحوال المنصوص عليها في هذا القسم المتضمن المواد ( 161- 162- 163 ق.ع ) لا يجوز تحريك الدعوى العمومية بشأنها إلا بناء على شكوى من وزير الدفاع الوطني " . فإذا كان اللفظ الوارد من المادة 164 هو الشكوى فإن المقصود به أصلا هو الطلب طالما أن الجرائم التي وردت في المواد 161-162-163 جميعا تمس مصالح هيئات عامة( ) .
ومن شروط الطلب أن يكون كتابيا لا شفهيا ، والحق في تقديمه يكون لشخص ذي صفة عامة لا يسقط إلا بسقوط الدعوى بالتقادم ، بمعنى لا يتأثر بوفاة من له الحق في تقديمه بل يبقى قائما لأنه يتعلق بالوظيفة وليس الشخص في حد ذاته( ) ، وإذا قام مصدر الطلب بالتنازل عنه بعد تقديمه ، فإنه ينقضي شريطة أن يكون التنازل كتابة .
وكخلاصة لا يحق للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية بهذا الصدد إلا بعد تقديم الطلب .
3-الإذن : قد ينص القانون على بعض الحالات التي لا يمكن معها تحريك الدعوى العمومية من الموظفين يعملون تحت سلطة هيئة معينة إلا الحصول على إذن من هذه الهيئات التي يعملون بها ، وذلك بقصد توفير الحماية اللازمة لهولاء لتأدية مهامهم على أحسن وجه ، وهذه الحالات تشمل الجرائم التي يرتكبها رجال القضاء أو المجلس الشعبي الوطني أو أعضاء السلك الدبلوماسي( ) .
فبالرجوع إلى دستور 23 فبراير 1989 نجده قد أورد شروط لإمكانية تحريك الدعوى العمومية من النواب حسب المواد ( 103-104-105 ) منه ، لأنه أحاطهم بحصانة نيابية طيلة قيامهم بمهمتهم النيابية .
فالمادة 103 تنص على : " الحصانة النيابية معترف بها للنائب مدة نيابته لا يمكن أن يتابع أي نائب أو يوقف على العموم ، لا يمكن أن ترفع عليه دعوى مدنية أو جزائية أو يسلط عليه أي شكل من أشكال الضغط ، بسبب ما عبر عنه من آراء ، أو تلفظ به من كلام ، أو سبب تصويته خلال ممارسة مهنته النيابية " .
والمادة 104 تنص على : " لا يجوز الشروع في متابعة أي نائب بسبب فعل إجرامي إلا بتنازل صريح منه أو بإذن من المجلس الشعبي الوطني الذي يقرر رفع الحصانة عن النائب بأغلبية أعضائه" .
والمادة 105 تنص على : " في حالة تلبس أحد النواب بجنحة أو جناية يمكن توقيفه ، ويخطر مكتب المجلس الشعبي الوطني فورا " .
يمكن لمكتب لمجلس الشعبي الوطني أن يطلب إيقاف وإطلاق سراح النائب على أن يعمل فيما بعد بأحكام المادة 104 أعلاه .
ومن خلال هذه النصوص يتبين لنا أن النائب في المجلس الشعبي الوطني معترف له بالحصانة النيابية وهذا ما ورد في المادة 103 من الدستور ، ولكن نجد في المادة 104 تجيز إقامة الدعوى ضد النائب بسبب فعل إجرامي إذا تم التنازل منه صراحة ، أو بإذن من المجلس الشعبي الوطني و الذي يقرر رفع الحصانة عن النائب بأغلبية أعضائه ، وكذلك نص المادة 105 الذي يقضي بتوقف النائب المتلبس بجنحة أو جناية مع إخطار مكتب المجلس الشعبي الوطني فورا ، هذا الأخير الذي يطلب إيقاف المتابعة وإطلاق سراح النائب الموقوف شريطة أن يعمل بعد إطلاق سراحه بأحكام المادة 104 ، وكذلك أعضاء السلك الدبلوماسي فهم يتمتعون بحصانة دبلوماسية في البلد المضيف فلا يمكن متابعتهم جزائيا إلا وفقا لإجراءات خاصة ، وعندما يوجه الاتهام إلى أحد القضاة بارتكابه جريمة فإن متابعته -( تحريك الدعوى العمومية )- لا تتم إلا بعد إذن صريح من ذوي الشأن – النائب العام لدى المجلس القضائي أو وكيل الجمهورية – وينتدب قاضي تحقيق من غير المجلس الذي يعمل به القاضي محل المتابعة للتحقيق معه وهذا حسب ما جاء في المادة 575 و 576 و 577 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري . حيث تنص المادة 575 على : " إذا كان الاتهام موجها إلى أحد أعضاء مجلس قضائي أو رئيس محكمة أو وكيل جمهورية أرسل الملف بطريقة التبعية التدريجية من وكيل الجمهورية إلى النائب العام لدى المحكمة العليا الذي يرفع الأمر إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا إذا ما قرر أن ثمة محلا للمتابعة ، وينتدب الرئيس الأول للمحكمة العليا قاضيا للتحقيق من خارج دائرة اختصاص المجلس الذي يقوم فيه رجل القضاء المتابع .
فإذا انتهى التحقيق أحيل المتهم عند الاقتضاء إلى الجهة القضائية المختصة بمقر قاضي التحقيق أو أمام غرفة الاتهام بدائرة المجلس القضائي " .
والمادة 576 التي تنص :
" إذا كان الاتهام موجها إلى قاضي محكمة قام وكيل الجمهورية بمجرد إخطاره بالدعوى بإرسال الملف إلى النائب العام لدى المجلس ، فإذا ما رأى أن ثمة محل للمتابعة عرض الأمر على رئيس المجلس الذي يأمر بالتحقيق في القضية بعرفة أحد قضاة التحقيق يختار من خارج دائرة الاختصاص القضائية التي يباشر فيها المتهم أعمال وظيفته .
فإن انتهى التحقيق أحيل المتهم عند الاقتضاء أمام الجهة القضائية المختصة بمقر قاضي التحقيق أو أمام غرفة الاتهام بدائرة المجلس القضائي " .
والمادة 577 التي تنص على : " إذا كان أحد ضباط الشرطة قابلا للاتهام بارتكاب جناية أو جنحة خارج دائرة مباشرة أعمال وظيفته أو أثناء مباشرتها في الدائرة التي يختص فيها محليا اتخذت بشأنه الإجراءات طبقا لأحكام المادة 576 " .
ففي جميع الحالات السابق ذكرها يتطلب الأمر من النيابة العامة لكي تتمكن من تحريك الدعوى العمومية الحصول على إذن من الجهة المختصة أي التي يتبعها الشخص محل المتابعة وذلك حسب ما تم التطرق إليه سابقا .
* حق المضرور في الإدعاء المباشر للمطالبة بتعويض أضرار الجريمة :
كما هو معلوم أن الدعوى العمومية هي من حق المجتمع إذ تقوم برفعها نيابة عنه النيابة العامة ، فإذا وقعت جريمة ما فإنها تنشا تبعا لذلك الدعوى العمومية لأنه بوقوع تلك الجريمة يكون مساسا للمصلحة العامة إضافة إلى ذلك أنها قد تمس بشخص معين بذاته فتلحق به أضرار( ) ، فبالرغم أن لهذا الشخص المتضرر أن يطالب بحقه في التعويض عن طريق الدعوى المدنية إلا أن النظر في الدعوى الجزائية بخصوص هذه الجريمة وإثبات مسؤولية مرتكبها يهم هذا المتضرر لأن حقه متصل بالجريمة ، فقد يحدث أن تتباطأ النيابة العامة في رفع الدعوى العمومية لأس سبب من مما قد يلحق الضرر بهذا المدعي المدني الذي يكون له من وراء رفع هذه الدعوى مصلحة شخصية هي إثبات مسؤولية مقترف الجريمة عن الضرر الذي لحق به ، ولاستبعاد مثل هذه الحالة فقد منح المشرع لمن ألحق به ضرر من جراء جريمة ما أن يقوم بتحريك الدعوى العمومية عن طريق الإدعاء المباشر وفقا للمادة 01/2 من ق.إ.ج.ج ، التي تنص على :
" ... كما يجوز أيضا للطرف المضرور أن يحرك هذه الدعوى طبقا للشروط المحددة في هذا القانون " .
وهذا الإدعاء المباشر يتم عن طريق تكليف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة بالنظر في الدعوى الجزائية لسماع الحكم عليه بالتعويض( ) ، والإجراءات المتبعة في تحريك الدعوى العمومية وبصفة أصلية من طرف النيابة العامة ، جاء النص عليها في المواد 333 ق.إ.ج كما يلي :
المادة 333 : التي تنص على : " ترع إلى المحكمة الجرائم المختصة بنظرها إما بطريق الإحالة إليها من الجهة القضائية المنوط بها إجراء التحقيق وإما بحضور أطراف الدعوى بإرادتهم بالأوضاع المنصوص عليها في المادة 334( ) ، وإما تكليف بالحضور يسلم مباشرة إلى المتهم وإلى الأشخاص المسؤولين مدنيا عن الجريمة ، وإما بتطبيق إجراء التلبس بالجنحة ... " .
المادة 440 : التي تنص : " يسلم التكليف بالحضور بناء على طلب النيابة العامة ومن كل إدارة مرخص لها قانونيا بذلك ، كما يجب على المكلف بالتبليغ أن يحيل الطلبات المقدمة إليه دون تأخير ، ويذكر في التكليف حضور الواقعة التي قامت عليها الدعوى مع الإشارة إلى النص القانوني الذي يعاقب عليها ، كما يذكر في التكليف بالحضور للمحكمة التي رفع أمامها النزاع ومكان وزمان وتاريخ الجلسة وتعين فيه صفة المتهم والمسؤول مدنيا أو صفة الشاهد على الشخص المذكور .
كما يجب أن يتضمن التكليف بالحضور المسلم إلى الشاهد بأن عدم الحضور أو رفض الإدلاء بالشهادة أو الشهادة المزورة يعاقب عليها القانون " .
باستقراء هذين النصين يتبين لنا وبوضوح الكيفية التي يتم بها تحريك الدعوى بصفة عامة ولا داعي لإعادة الشرح والتكرار لأن النصوص صريحة في هذا الصدد .
المطلب الثالث : مباشـرة الدعـوى العمومية
إن حق النيابة العامة فيما يخص الدعوى العمومية لا يقتصر فقط على تحريك الدعوى أمام الجهات القضائية أو حفظ أوراقها إذا قام بسبب من أسباب الحفظ بل يتعداه إلى مباشرتها أمام القضاء باسم المجتمع( ) ، ودليل ذلك المادة 29/1 من قانون الإجراءات الجزائية بقولها :
" تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع وتطالب بتطبيق القانون وهي تمثل أمام كل جهة قضائية .... " .
ومثول النيابة أمام القضاء في مثل هذه الدعاوى حسب ما جاء في نص المادة 29 المذكورة سالفا هو أنها تعتبر طرفا أصليا فيها ، فلا بد من حضورها لأنها تنوب عن المجتمع في المطالبة بتطبيق القانون على مرتكبي الجرائم .
والنيابة العامة أثناء مباشرتها للدعوى العمومية لها أن تبدي ما تشاء من الطلبات في الجلسة لأن نص المادة 36/4 من ق.إ.ج صريح في هذا المجال والذي جاء فيه :
" ... يبدي وكيل الجمهورية أمام تلك الجهة القضائية ما يراه لأنها من الطلبات " .
وبقولنا أن النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص في مباشرة الدعوى العمومية لا يعني أن لها هذا فقط في الدعاوى التي تملك حق تحريكها دون قيد أو شرط ، وإنما يشمل الدعوى التي يقوم بتحريكها المدعي المدني أو رؤساء الجلسات في جرائم الجلسات أو الدعاوى التي يتوقف تحريكها بناء على شكوى أو طلب أو إذن( ) ، لأن في مثل هذه الدعاوى يكون لمحركيها التحريك فقط دون المباشرة لأن هذه الأخيرة اختصاص تام للنيابة العامة وحدها دون غيرها ، ولما تقوم النيابة العامة بمباشرة الدعوى العمومية فلا يجوز لها التنازل عنها لأنها نائبة عن المجتمع في المطالبة بتطبيق القانون لتوقيع العقوبة المقررة دون أن تكون نائبة عنه في التنازل عن حقه في العقاب( ).
المطلب الرابع : الـطعن في القرارات والأحكام
بالرجوع إلى نص المادة 36/5 من ق.إ.ج نجدها تنص على ما يلي :
" ...... ويطعن ( وكيل الجمهورية ) عند الاقتضاء في القرارات التي تصدرها الجهات القضائية بكافة طرق الطعن القانونية " .
وما دامت أن النيابة العامة بوصفها سلطة اتهام يجوز لها أن تطعن في القرارات القضائية سواء ما صدر منها عن قاضي التحقيق أو ما صدر عن غرفة الاتهام في الحالات التي تقضي فيها بالأوجه للمتابعة أو بالإفراج المؤقت عن المتهم الذي تم حبسه احتياطيا . والمادة 170 من ق.إ.ج تنص على : " لوكيل الجمهورية الحق في أن يستأنف أمام غرفة الاتهام جميع أوامر قاضي التحقيق ... " .
ونص هذه المادة واضح في هذا السياق بحيث أن كل قرار يصدر عن قاضي التحقيق يمكن لعضو النيابة ( وكيل الجمهورية ) أن يطن فيه بالاستئناف أمام غرفة الاتهام . وإذا كان قرار قاضي التحقيق يطعن بالاستئناف أمام غرفة الاتهام فإن الطعن ببطلان إجراءات غرفة الاتهام ينظر فيه تحت رقابة المحكمة العليا وفقا لما جاء في المادة 120 من ق.إ.ج .
أما بالنسبة للطعن في الأحكام القضائية فإنه يتسنى للنيابة العامة ذلك بإحدى الطريقتين ، إما بالاستئناف أو بالنقض ، ففي الأحكام الصادرة عن المحاكم يحق لوكيل الجمهورية أن يطن بالاستئناف أمام المجلس القضائي ، أما الطعن فيها بالنقض فيكون أمام المحكمة العليا( ) .
المطلب الخامس : تنفيذ القرارات والأحكام
للبحث في هذا العنصر لا بد من الرجوع إلى نص المادة 36/6 من ق.إ.ج التي تنص على :
" ... يعمل وكيل الجمهورية على تنفيذ قرارات تحقيق وجهات الحكم " .
من خلال هذا النص يتضح أن القانون نص صراحة على تكليف عضو النيابة بتنفيذ ما يصدر عن قاضي التحقيق من أوامر خاصة فيما يتعلق بالمتهم من حيث إحضاره أو القبض عليه أو إيداعه السجن ، وكذلك عليه أن يسهر على تنفيذ القرارات الصادرة عن غرفة الاتهام بخصوص الإفراج عن المتهم احتياطيا أو القبض على المتهم الطليق( ) . أما من جهة تنفيذ الأحكام القضائية التي أصبحت نهائية فما على عضو النيابة العامة إلا القيام بتنفيذها حسب ما ورد بشأن ذلك قانونا ، ويحق لها الاستعانة بالقوة العمومية ورجال الضبط القضائي أثناء قيامه بهذه المهمة .
المبحث الثاني : اختصاصاتها كسلطة تحقيق
تذهب أغلب التشريعات الحديثة إلى وجود الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق، بمعنى عدم جمع السلطتين بيد جهة واحدة حماية لمصلحة العدالة وضمانا للحياد اللازم عند إجراء التحقيق( ) ، وعليه كان لزام أن تقوم بمهمة التحقيق جهة مستقلة ومحايدة ونزيهة، ولكن بالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية الجزائري نجده قد منح للنيابة العامة إضافة إل كونها سلطة اتهام حق ممارسة بعض الاختصاصات كسلطة تحقيق ولكن على سبيل الاستثناء بهدف التصدي للحالات التي تتطلب السلطة ولقد أوردها المشرع في حدود ضيقة لذا تجدر بنا الإشارة لهاته الاختصاصات على النحو التالي :
المطلب الأول : إصدار الطلبات لقاضي التحقيق بإجراء تحقيق افتتاحي
إذا كان التحقيق الابتدائي كأصل عام من اختصاص قضاة التحقيق فإن هؤلاء يمنع عليهم القيام به إلا بناء على طلب صادر عن النيابة العامة حتى ولو كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس بها( ) ، وهذا ما تنص عليه المادة 67/1 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري بقولها : " لا يجوز لقاضي التحقيق أن يجري تحقيق إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية لإجراء التحقيق حتى ولو كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس بها.." والطلب المشار إليه من المادة أعلاه يتطلب أمرا بإجراء تحقيق افتتاحي في واقعة معينة.
ويكون موجه ضد أشخاص محددين بأسمائهم إذا كانوا معروفين كما يمكن ألا تحدد فيه الأسماء بحيث يوجه التحقيق ضد كل من تكتشف مساهمته في الواقعة محل هذا التحقيق ضد كل من تكتشف مساهمته في الواقعة محل هذا التحقيق،وهذا وفق لما ورد في المادة 37/2 قانون الإجراءات الجزائية الجزائرية :
"...ويجوز أن يوجه الطلب ضد شخص مسمى أو غير مسمى..." .
وقاضي التحقيق بمجرد اتصاله بالدعوى فله الحق في توجيه الاتهام ساهم في ارتكاب الوقائع المعروضة عليه سواء بصفته كفاعل أو شريك فيها وهو ما نصت عليه 67/3 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائرية " ولقاضي التحقيق سلطة الاتهام كل شخص ساهم بصفته فاعل أو شريكا في الوقائع المحال تحقيقها إليه..." ، وعلى قاضي التحقيق إذا ما وصل إلى علمها إذا ما وصل إلى علمه أثناء مباشرته لتحقيق وجود وقائع أخرى لم يتضمنها طلب إجراء التحقيق سواء كان ذلك عن طريق شهادة الشهود أو من اعترافات المتهمين أو كان ذلك نتيجة شكوى مستقلة قدمت إليه في هذا الموضوع .أن يحيل إلى وكيل الجمهورية الشكاوى أو المحاضر المثبة لتلك الوقائع ليتخذ ما يراه مناسبا بشأنها وهذا ما جاء في الفقرة الرابعة من المادة 67 ق إ.ج.ج : "..........فإذا وصلت لعلم قاضي التحقيق وقائع لم يشر إليها في طلب إجراء التحقيق تعين عليه أن يحيل فورا إلى وكيل الجمهورية الشكاوى أو المحاضر المثبتة لتلك الوقائع......" .
المطلب الثاني : إصدار طلبات اتخاذ الإجراءات اللازمة لإظهار الحقيقة
إذا كان لوكيل الجمهورية سلطة إصدار طلبات (اتخاذ الإجراءات اللازمة لإظهار الحقيقة ) لإجراء تحقيق ابتدائي فإنه يجوز له كذلك بموجب نص المادة 69/1 من ق إ.ج.ج أن يطلب من قاضي التحقيق الذي عين للتحقيق في الواقعة كل إجراء يراه لازما لإظهار الحقيقة، وله أن يطلب ذلك سواء في طلبه الافتتاحي لإجراء التحقيق أو بطلب إضافي و ذلك في أي مرحلة من مراحل التحقيق ، و قد أجاز له المشرع في سبيل الوصول لهذا الغرض الإطلاع على أوراق التحقيق في أي وقت على أن يعيدها في ظرف 48 ساعة (المادة 69/2 من ق إ.ج.ج)( ) .
وقاضي التحقيق ليس مجبرا على اتخاذ هذه الإجراءات دائما بل،له إذا رأى ألا داعي لاتخاذها أن يتجاوزها ولا يقوم بها على أن يصدر قرارا مسببا خلال الأيام الخمسة (05) التالية لطلب وكيل الجمهورية وهذا وفقا للمادة 69/3 من قانون إ.ج ج.( ) ، وليس أمام وكيل الجمهورية في هذه الحالة إلا أن يستأنف أوامر قاضي التحقيق أمام غرفة الاتهام (المادة 170 من ق إ ج ج ).
المطلب الثالث : تنحية قاضي التحقيق
إذا كان الحياد مطلوبا في من يمارس سلطة الحكم ضمانا لحسن سير العدالة فإنه واجب كذلك فمن يباشر سلطة التحقيق ومن هذا المنطلق فقد أخذ المشرع الجزائري بهذه الفكرة وذلك بأن أعطى لوكيل الجمهورية الحق في تنحية قاضي التحقيق الذي اتصل بالقضية واستبداله بقاضي تحقيق آخر،إذا تقدم المتهم أو المدعي المدني بطلب في هذا الشأن،وهذا في حالة ما إذا كان في هذه التنحية ضمانا لحسن سير العدالة بضمان الحياد اللازم للجهات المكلفة بالتحقيق ،وتنحية قاضي التحقيق أمر جوازي يعود للسلطة التقديرية للنيابة العامة،ذلك أن وكيل الجمهورية حين يعرض عليه طلب التنحية وعليه أن يبحث فيه وأن يتفحصه جيدا فإذا رأى أن الطلب له أسبابه ومبرراته من الناحية المنطقية والقانونية أمر أن مثل هذا الطلب غير مؤسس وفيه تعسف في استعمال الحق رفضه( ) ، وعلى وكيل الجمهورية أن يفصل في طلب التنحية خلال 8 أيام سواء بقبوله أو رفضه ويكون حكمه نهائيا وغير قابل للطعن وهذا ما أشارت إليه المادة 71 من ق إ.ج.ج .
المطلب الرابع : إصدار أمـر بالإحضار
إذا كان الأمر بالإحضار كأصل عام يصدر عن قاضي التحقيق وذلك بموجب نص المادة 110/1 من ق إ.ج.ج : " الأمر بالإحضار هو ذلك الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية لاقتياد المتهم ومثوله أمامه على الفور... " .
غير أنها عادت و أسندت لوكيل الجمهورية حق إصدار مثل هذه الأوامر وذلك في فقرتها الثالثة التي جاء فيها : "...يجوز لوكيل الجمهورية حق إصدار الأمر بالإحضار فقط في حالة الجناية الجناية المتلبس بها والتي لم يصل علمها إلى قاضي التحقيق، ويكون هذا الأمر ضد المشتبه في مساهمته في الجريمة.
وخلاصة لما سبق يمكن القول أن سلطة النيابة العامة في إصدار أوامر الإحضار سلطة مخولة لها على سبيل الاستثناء .
المطلب الخامس : استجواب الـمتهم
استجواب المتهم هو اختصاص أصلي لقاضي التحقيق، غير أن المشرع الجزائري خول لوكيل الجمهورية سلطة استجواب المتهم وذلك بموجب نص 85/2 من ق إ.ج.ج( ) .
والتي أعطت الحق لوكيل الجمهورية باستجواب المشتبه في مساهمته في جناية متلبس بها والتي لم يكن قاضي التحقيق قد أبلغ بها بعد، وكذلك نص المادة 59/1 ق.إ.ج.ج( ) .التي منحت له كذلك حق استجواب مرتكبي الجنحة المتلبس بها المعاقب عليها بالحبس والتي يكون قاضي التحقيق لم يخطر بها، وقد نصت المادة144/2من ق.إ.ج.ج على حق وكيل الجمهورية بمكان وقوع القبض في استجواب المتهم الذي يبحث عنه بمقتضى أمر الإحضار والذي قبض عليه خارج دائرة اختصاص قاضي التحقيق الذي أصدر الأمر.
المطلب السادس : إصدار الأمر بالإيداع في السجن
نصت المادة 177/1 من ق.إ.ج.ج على ما يلي :" أمر الإيداع بمؤسسة إعادة التربية هو ذلك الأمر الذي يصدره القاضي إلى المشرف رئيس المؤسسة باستلام وحبس المتهم،ويرخص هذا الأمر أيضا بالبحث عن المتهم ونقله لمؤسسة إعادة التربية إذا كان قد بلغ به من قبل... " .
من هذا النص نستنتج أن أمرا لإيداع يصدر من القاضي بصفة أصلية إلا أنه وبالرجوع لنص المادة 177/3 من نفس القانون نجدها تجيز لوكيل الجمهورية إصدار أمر إيداع المتهم بمؤسسة إعادة التربية إذا ما توفرت شروط المادة 59 من ق.إ.ج.ج والمتمثلة في عدم تقديم المتهم مرتكب الجنحة بها الضمانات الكافية للحضور وكان الفعل معاقب عليه بعقوبة الحبس ولم يكن قاضي التحقيق قد أخطر به ،على شرط ألا تكون الجنحة المرتكبة من بين الجنح المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة السابقة الذكر والتي تنص على : "...لا تطبق أحكام هذه المادة بشأن جنح الصحافة أو الجنح ذات الصبغة السياسية أو الجرائم التي يخضع المتابع عنها لإجراءات تحقيق خاصة،أو إذا كان الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجنحة قاصرين لم يكملوا الثامنة عشر....." .
المطلب السابع : طلب إعادة التحقيق بناءا على أدلة جديدة
هذا الاختصاص هو اختصاص أصيل للنيابة العامة، ذلك أنها تعد الجهة الوحيدة التي تملك هذا الحق ولا يشاركها فيه قاضي التحقيق ولا غرفة الاتهام( ). وهذا حسب نص المادة 175/3 من ق.إ.ج.ج بقولها :
"........ وللنيابة العامة وحدها تقرير ما إذا كان ثمة محل لطلب إعادة التحقيق بناء على الأدلة الجديدة". وتعتبر من قبيل الأدلة الجديدة التي يستمد إليها وكيل الجمهورية لطلب إعادة التحقيق ما نصت عليه الفقرة 2 من المادة المذكورة أعلاه والتي جاء فيها:"....وتعد أدلة جديدة أقوال الشهود والأوراق والمحاضر التي لم تكن عرضها على القاضي لتمحيصها مع أن من شأنها تعزيز الأدلة التي سبق أن وجدها ضعيفة أو أن تعطي الوقائع تطورات نافعة لإظهار الحقيقة " .
خاتمة
من خلال دراستنا لموضوع النيابة العامة نخلص إلى أن المشرع الجزائري قد وفق لحد ما في تنظيمه لهذه الهيئة ، إذ نجده قد وضعها في إطارها الصحيح المتمثل في نيابتها للمجتمع في تعقب الجناة وإنزال العقوبات عليهم ، كذلك قد خصها بجملة من الخصائص تكفل لها القيام بواجبها على أكمل وجه ، وتكفل لأعضائها حرية وحماية أكبر عند أدائها لوظائفهم ، فقط ما يعاب عليه عدم وضعه للنيابة العامة في موضعها الصحيح من حيث هي هيئة قضائية أم هيئة تنفيذية .
أما من جانب الاختصاصات المخولة لها كسلطة اتهام فنرى أن المشرع قد منح لها كل الاختصاصات اللازمة لأدائها لوظيفتها بما يتماشى وطبيعتها .
أما بخصوص منحه لها بعض الاختصاصات في مجال التحقيق وغن كان قد حصرها في مجال ضيق ، وفي أغلب الأحيان على سبيل الاستثناء ، لكن تبقى النقطة التي يعاب فيها المشرع ذلك أن منح النيابة العامة سلطة التحقيق إلى جانب سلطة الاتهام فيه إهدار لمبدأ الحياداللازم عند التقاضي فمهما تنزه عضو النيابة العامة فلن يستطيع أن يتجرد من صفة الخصم ، وعليه نود أن يعيد المشرع النظر في هذه الاختصاصات