إن تدخل القانون الجنائي في حياة الأفراد في المجتمع يجد أساسه في حماية مجموعة من المصالح التي يشكل الإنسان محورها الرئيسي ، فنصوص القانون الجنائي في مجملها منها ما يهدف إلى حماية حق الإنسان في حياته ، أو في سلامة بدنه ، أو خصوصيته وحريته الشخصية ، أو المحافظة على أمنه أو استقراره.
ومنها ما يهدف إلى حماية الأموال والممتلكات سواء كانت مملوكة لفرد واحد أو أموالا عامة يستفيد منها الكافة ، وهذا النوع من النصوص لا يقل أهمية عن سابقه ، فتعلق المرء بأمواله وممتلكاته أمر لصيق بالشخصية الإنسانية ، أما الأموال العامة فلابد أن تكون أكثر أهمية ، ذلك أنها لا تحقق مصلحة فردية ، بل يمتد نفعها إلى كافة أفراد المجتمع ، وانطلاقا من هذا الاعتقاد تنوعت النصوص الجنائية لحماية هذا النوع من المصالح ، ويمكننا هنا الإشارة إلى واحد من هذه النصوص ، وهو نص المادة (308) من قانون الجزاء الذي يجرم تخريب الممتلكات سواء كانت عامة أو خاصة ، إذ تنص المادة (308) من قانون الجزاء على أن (( يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات أو بالغرامة من خمسين إلى خمسمائة ريال : 1- كل من هدم أو خرب قصداً الأبنية أو الأنصاب التاريخية أو التذكارية أو التماثيل أو غيرها من الإنشاءات المعدة لمنفعة الجمهور أو للزينة ، 2- كل من هدم أو خرب قصداً بناء يخص غيره أو مركبة بريه أو مائية أو هوائية أو منجماً أو أجهزة لحفر المناجم ، إذا نتج عن الفعل أذى للإنسان فيعاقب الفاعل بالسجن لا أقل من خمس سنوات وإذا نتج عنه موت إنسان فيعاقب الفاعل بالسجن خمسة عشرة سنه )).
والواضح من استقراء النص أن جريمة التخريب تتدرج من الجنحة المعاقب عليها بالسجن حتى ثلاث سنوات إلى الجناية المعاقب عليها بالسجن خمسة عشر عاما ، إن هي تحققت الظروف المشددة الواردة في النص.
ولكن التساؤل الذي يثور هنا هو ، متى تتحقق جريمة التخريب المنصوص عليها في المادة (308) من قانون الجزاء ؟
يبين لنا حكم المحكمة العليا في الواقعة التالية أركان جريمة التخريب .
تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن المتهمين خربوا قصداً مركبة المجني عليه وذلك بأن أعترض أحدهم خط سيره بمركبته لإجباره على التوقف ثم أنحرف عمداً بها باتجاه مركبة المجني عليه ليحدث الاصطدام في بدايتها وإلى نهايتها فيما قام الآخرون بتكسير مرآتها الأمامية وإحداث بعض الخدوش بجسمها بواسطة العصى ، وقد أحال الادعاء العام المتهمين للمحاكمة أمام المحكمة الابتدائية المختصة – الدائرة الجزائية – طالباً عقابهم عملاً بالمادة 308/2 من قانون الجزاء .
و حكمت المحكمة الابتدائية حضورياً بإدانة خمسة من المتهمين وقضت بسجنهم لمدة ثلاث سنوات والغرامة مائتي ريال عن جريمة التخريب وإحالة الدعوى المدنية التابعة إلى المحكمة المختصة ، وإعلان براءة باقي المتهمين مما أسند إليهم لعدم كفاية الدليل
استأنف المحكوم عليهم و المدعيان بالحق المدني الحكم لدى محكمة الاستئناف المختصة التي حكمت بقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوع استئناف المحكوم عليهم بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة لهم إلى الاكتفاء بسجنهم ستة أشهر وفي موضوع استئناف المدعيين بالحق المدني بعدم جواز الاستئناف وألزمت المستأنفين بمصاريف استئنافهما .
وحيث لم يجد الحكم قبولاً لدى المحكوم عليهم الخمسة فطعنوا فيه بطريق النقض أمام المحكمة العليا استنادا إلى أن الحكم قد شابه خطأ في تطبيق القانون ذلك أن الأوراق خلت من أية بينة تثبت تهمة التخريب وليس فيها ما يثبت أن الطاعنين أحدثوا الفعل المجرم عن علم وإرادة ذلك أن الخدوش التي ظهرت على جسم المركبة وتكسير المرآة الأمامية كان بسبب تبادل الضرب بين الطرفين ولا ترقى لفعل التخريب إذ الضرب بعصى خيزران لا يؤدي إلى تخريب آلة صماء كالمركبة ولم يقدم أي تقرير فني لإثبات ما أصاب المركبة من أعطال أو تخريب أو إتلاف أو غيره ولم يتوافر القصد الجنائي ، وما يؤكد عدم حدوث تلف بالمركبة أن المطعون ضدهما الثاني والثالث لم يتقدما حتى الآن ولا في أية مرحلة من المراحل بدعوى تعويض عن الأضرار المزعومة التي أصابت المركبة لأنه لا توجد أضرار بها كما أن مكان وزمان المشاجرة التي حدثت بين الطرفين ينفي توافر القصد الجنائي وفي ذلك كله ما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه. وقد انتهت المحكمة العليا الى الرأي التالي:
أن النعي على الحكم بسبب الطعن مردود عليه ، ذلك أن القصد الجنائي في جرائم التخريب يتوافر عند ارتكاب الجاني الفعل المجرم بأركانه التي حددها القانون مع اتجاه إرادته ألى إحداث التخريب وعلمه أنه يحدثه بغير حق ، ونية الإضرار تتحقق قانوناً لدى الجاني متى كان يعلم أن عمله يضر أو يمكن أن يضر بغيره ، فمن يخرب مالاً لغيره عن قصد وبغير حق يضر بهذا الغير ويسئ إليه قصداً وعمداً لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه أثبت في حق الطاعنين أنهم أحدثوا بمركبة المدعي بالحق المدني الإتلاف الذي أثبتته المعاينة وتقرير فحص المركبة والصور الفوتوغرافية المرفقة وأدانهم من أجل ذلك بجريمة التخريب تطبيقاً للمادة 308/2 من قانون الجزاء فإن الحكم يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحاً ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى ومصادرة لما اطمأن إليه وجدان المحكمة بشأنها مما لا يجوز إثارته أمام المحكمة العليا.ولما تقدم يتعين رفض الطعن موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصاريف عملاً بالمادة 225 من قانون الجزاء ، فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعنين بالمصاريف.
يستفاد من الحكم:
إن جريمة التخريب تتحقق بإتيان الفاعل سلوكا ماديا ينتج عنه ضرر بالممتلكات المنصوص عليها في المادة (308) من قانون الجزاء ، وبتوافر القصد الجنائي لدى الجاني.
أن القصد الجنائي في جرائم التخريب يتوافر عند ارتكاب الجاني الفعل المجرم بأركانه التي حددها القانون مع تجاه إرادته إلى إحداث التخريب وعلمه أنه يحدثه يغير حق .
أن نية الأضرار تتحقق قانوناً لدى الجاني متى كان يعلم أن عمله يضر أو يمكن أن يضر بغيره فمن يخرب مالاً لغيره عن قصده وبغير حق يضر بهذا الغير ويسيء إليه قصداً وعمداً .