تعتبر الجرائم الجنسية من أكثر الجرائم التي تقع على الإنسان بشاعة ، ذلك أن مبعثها هو إشباع الشهوات دون إعمال للعقل ، و تقع في الدرك الأسفل من الجانب المظلم في النفس البشرية ، ومن هذا المنطلق فإن هذه الجرائم تواجه مكافحة من كافة التشريعات على هذه الأرض حتى تلك المنظمة للممارسات الجنسية خارج نطاق الأسرة الحقيقة، و سواء كانت تلك التشريعات دينية أو وضعية ،وقد حاربت الشريعة الإسلامية كافة أنواع الممارسات الجنسية غير المشروعة منذ فجر الإسلام ، وتبعتها في ذلك التشريعات الجنائية المختلفة ، والمشرع العماني شأنه شأن كافة التشريعات الأخرى قرر عقوبات على الممارسات الجنسية غير المشروعة ، ومن تلك الجرائم على جريمة هتك العرض التي نصت عليها المادة (218/1) من قانون الجزاء حيث جاء فيها (يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة كل من 1- جامع أنثى بغير حالة الزواج بون رضاها سواء بالإكراه أو بالتهديد أو بالحيلة 2- كل من خطف شخصا بقصد ارتكاب الفجور 3- كل ارتكب الفجور بشأن كان دون الخامسة عشرة من عمره أو كان مصابا بنقص جسدي أو عقلي ولو حصل الفعل بدون إكراه أو تهديد أو حيلة ، أو كان المعتدي من أصول المعتدى عليه أو من المتولي رعايته أو ممن له سلطة عليه أو خادما عند ألئك الأشخاص ) ويتضح من النص مدى قساوة العقوبة التي فرضها المشرع على جريمة هتك العرض ، ولذلك كان من الضروري التبصر التام حول مفهوم الأساليب التي لا بد أن تتوافر للقطع بارتكاب جريمة هتك العرض سواء كانت مادية كالعنف أو معنوية كالحيلة أو التهديد ، وفي هذا الشأن لا نجد ثمة مشكلة في الحكم بتوافر الإكراه الذي يتحقق بالعنف لإمكانية إثباته ماديا ، غير أن الجدير بالتمحيص هو الوسائل المعنوية التي تتحقق بها جريمة هتك العرض وهي الحيلة أو التهديد.
وقد بينت المحكمة العليا في حكمها في الواقعة التالية شروط وعيار الحيلة الواجب توافرها لقيام جريمة هتك العرض .
وتتحصل واقعات هذه الدعوى في أن المتهم جامع المجني عليها في غير حالة الزواج دون أي عنف أو إكراه مادي ، وقد بررت المجني عليها رضوخها لإرادة الجاني بأنه أقنعها بأن أوهمها أن زوجها يعاني من مرض عضال ، وقد يكون ذلك المرض امتد إليها ، وهي في سبيل منع امتداد رقعة المرض إليها عليها أن تجامعه .
وعلى ذلك فقد أحال الادعاء العام المتهم إلى محكمة الجنايات المختصة بجناية هتك العرض المؤثمة بنص المادة (218/1) حتى يقول القضاء كلمته ، وقد حكمت محكمة الجنايات المختصة بإدانة المتهم بجناية هتك العرض وقضت بسجنه خمس سنوات وبدفع تعويض مدني قدره خمسمائة ريال للمدعي بالحق المدني ، فلم يرتضي الطاعن الحكم وطعن عليه بالنقض في المحكمة العليا.
وقد جاء في حكم المحكمة العليا بأن الطعن استوفى أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلاً .
وحيث أن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ أدان الطاعن بجناية هتك العرض فقد شابه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال إذ أن جريمة هتك العرض التي أدان بها الحكم المطعون فيه لم تتوافر لها عناصرها لانتفاء عنصري الحيلة والإكراه اللازمين لارتكاب هذه الجريمة وتوافر عنصر الرضا الذي يدل على أن المجني عليها شريك في الجريمة وكان يتعين تقديمها مع الطاعن بوصف الجريمة زنا وليست هتك عرض .
وحيث أن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب سديد ذلك أنه للإدانة بموجب أي مادة اتهام يتعين ثبوت تلك الإدانة فوق الشك المعقول ، وبالنظر للمادة (218) من قانون الجزاء يتضح أنه لإدانة أي شخص بموجب الفقرة الأولى منها أن يكون قد جامع أثنى بغير حالة زواج وبدون رضاها سواء بالإكراه أو التهديد أو الحيلة ، وقد نسب إلى الطاعن انه استعمل وسيلة الحيلة لارتكاب هذه الجريمة ، والحيلة ضرب من ضروب الكذب تتعدد وسائلة وتدعم بمظاهر خارجية ومعيار مدى تأثر الشخص بالحيلة لتسلب إرادته معيار موضوعي يتأثر به شخص متوسط الفطنة والحرص ، ذلك أنه يفترض في الناس قدر عادي من الفطنة والحرص بحيث لا يكون المجني عليه مفرطاً في الاستسلام للحيلة أو لكل خداع يتعرض له .
لما كان ذلك فإن إدعاء المجني عليها بأنها انخدعت للطاعن ومارست معه الجنس لاعتقادها بأن المجامعة ما هي إلا وسيلة لشفائها من مرض جنسي إدعاء ساذج إذ لا يتصور من امراه في مثل بيئتها وثقافتها وعمرها أن تعرض جسدها لغير زوجها وفي خلوة تامة وترتكب معه فعل الجماع وهي بكامل عقلها تحت غطاء البحث عن الشفاء من المرض بارتكاب جريمة شنيعة وفي عدة مرات ، ومما يدل على هذا الإدعاء الساذج أنها لجأت لهذه الممارسة الفاجرة حتى دون أن تتأكد بوسائل أخرى أنها مريضة بمثل ما وصفت أو أن زوجها مريض ، كيف علم الطاعن بمرضها أو مرض زوجها ، وإذ أدان الحكم المطعون فيه الطاعن بجريمة هتك العرض على سند من أن المجني عليها عندما مارست فعل الجماع تحت تأثير الحيلة والخداع فقد أخطأ فهم القانون وتطبقه على الواقع ، الأمر الذي يخضع لرقابة المحكمة العليا بحكم اختصاصها بالإشراف على حسن تطبيق القانون وتفسيره ، لأن الخطأ في التكييف القانوني للوقائع الثابتة يرقى لدرجة الخطأ في تطبيق القانون وتأويله مما يبرر تدخل هذه المحكمة كمحكمة قانون لتصحيح هذا الخطأ إذ كان يتعين على محكمة الموضوع أن تقضي بأن ما توافر لديها من بينات لا يشكل جريمة هتك عرض وتقضي بعدم اختصاصها وتحيل الدعوى إلى محكمة الجنح للمحاكمة وفقاً للمادة (225) من قانون الجزاء ، وإذ هي لم تفعل فإن قضاء هذه المحكمة سيتجه إلى نقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى لمحكمة الجنح المختصة لنظرها للاختصاص ، فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى للمحكمة الابتدائية المختصة (دائرة الجنح ) لنظرها من جديد .
ما يستفاد من الحكم:
للإدانة بموجب أي مادة اتهام يتعين ثبوت تلك الإدانة فوق الشك المعقول .
لإدانة أي شخص بموجب الفقرة الأولى من للمادة (218) من قانون الجزاء منها أن يكون قد جامع أثنى بغير حالة زواج وبدون رضاها سواء بالإكراه أو التهديد أو الحيلة.
الحيلة ضرب من ضروب الكذب تتعدد وسائلة وتدعم بمظاهر خارجية ومعيار مدى تأثر الشخص بالحيلة لتسلب إرادته معيار موضوعي يتأثر به شخص متوسط الفطنة والحرص.
المكتب الفني
الادعاء العام