ملخص لأحكام بيع التقسيط

 بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص لأحكام بيع التقسيط

1- البيع : لغة : مبادلة المال بالمال. , ويطلق البيع بمعنى الشراء , والشراء بمعنى البيع. , اصطلاحا: مبادلة مال ولو في الذمة أو منفعة مباحة , بمثل أحدهما على التأبيد , غير ربا وقرض.

2- أقسام البيع باعتبار التأجيل والتعجيل : ينقسم إلى ثلاثة أقسام : أ- معجل البدلين : وهو البيع المطلق الذي يكون الثمن والمثمن فيه حالا. ب- مؤجل البدلين : وهو ما يعرف ببيع الكالئ بالكالئ أو النسيئة بالنسيئة. ج – مؤجل أحد البدلين : وهذا القسم على ضربين : 1- مؤجل المثمن ومعجل الثمن , وهو السلم . 2- مؤجل الثمن ومعجل المثمن , وهو المعروف بالبيع المؤجل أو بيع النسيئة , ومن أشهر تطبيقاته بيع التقسيط.

3- التقسيط : لغة : تفريق الشيء وجعله أجزاء معلومة. , اصطلاحا : عقد على مبيع حال , بثمن مؤجل , يؤدى مفرقا على أجزاء معلومة , في أوقات معلومة.

4- الأجل : لغة : مدة الشيء , وغايته , ووقته الذي يحل فيه , والتأجيل تحديد الأجل , والآجل بخلاف العاجل. , اصطلاحا : مدة مستقبلية محققة الوقوع , يضاف تنفيذ أمر ما إلى انقضائها , أو يتوقف هذا التنفيذ بمداها. 

5- شروط بيع التقسيط : لا بد من التنبيه على أن الفقهاء – رحمهم الله – لم يفردوا بيع التقسيط أو البيع المؤجل بباب مستقل , لذا فشروط بيع التقسيط , لا تخرج عن شروط البيع في الجملة وبيانها فيما يأتي : 

6- أ. الشروط العامة للبيع : وهي 1- أن يكون القبول موافقا للإيجاب. 2- اتحاد مجلس العقد. 3- التراضي من المتعاقدين. 4- أن يكون العاقد مالكا للمعقود عليه وقت العقد. 5- أن يكون العاقد جائز التصرف. 6- أن يكون المعقود عليه مباح النفع لغير ضرورة. 7- أن يكون المعقود عليه مقدورا على تسليمه حال العقد. 8- أن يكون المعقود عليه معلوما للمتعاقدين.

7- ب. الشروط المتعلقة بأحد العاقدين : 1- أن لا يكون بيع التقسيط ذريعة إلى الربا , فالوسائل لها أحكام المقاصد. 2- أن يكون البائع مالكا للسلعة . 3- أن تكون السلعة مقبوضة للبائع.

8- ج. الشروط المتعلقة بالعوض : 1- أن يكون العوضان مما لا يجري بينهما ربا النسيئة. 2- أن يكون الثمن في بيع التقسيط دينا لا عينا. 3- أن تكون السلعة المبيعة حالة لا مؤجلة.

9- د. الشروط المتعلقة بالأجل : 1- أن يكون الأجل معلوما . 2- أن يكون بيع التقسيط منجزا. , وستتم دراسة هذه الشروط وما يتعلق بها من مسائل.

10- حكم زيادة الثمن المؤجل عن الثمن الحال في بيع التقسيط: اتفق العلماء على جواز زيادة الثمن المؤجل عن الثمن الحال في بيع التقسيط , واستدلوا : بعموم الأدلة الدالة على إباحة البيع , وكذلك أن الأصل في المعاملات الحل , وكذلك قياس زيادة الثمن في بيع التقسيط على عقد السلم لأنه عكسه فعقد السلم من العقود الجائزة ويزاد في المسلم فيه مقابل تأجيله , وكذلك أن جواز تأخير الثمن دليل على جواز الزيادة مقابل هذا التأخير.

11- الفرق بين الزيادة في الثمن المؤجل وبين الربا : 1- أن الزيادة في بيع التقسيط جاءت تبعا لبيع السلعة أما الزيادة في مقابل تأجيل الدين فجاءت مستقلة , وقد تقرر ( أنه يغتفر تبعا ما لا يغتفر استقلالا). 2- أن الثمن في بيع التقسيط ثمن واحد بات لا يزاد فيه ولو تأخر المشتري في أداء الأقساط , أما الربا فقد جاءت الزيادة أصلا لقاء الأجل وتزداد كلما زاد الأجل. 3- أن التبادل في حالة الربا يتم بين أشياء متجانسة أو متقاربة , يتضح فيها زيادة أحد المثلين عن الآخر , أما في بيع التقسيط فالثمن من جنس والمثمن من جنس آخر مختلف فلا يمكن تصور الربا حينئذ. 4- أن البيع بالتقسيط فيه تخيير للمشتري بين الشراء نقدا بثمن أقل وبين الشراء بثمن مؤجل أكثر منه أما الربا فلا خيار للمدين.

12- حكم إفراد الزيادة في الثمن المؤجل بالذكر : كأن يقول : ( ثمن هذه السلعة 100 ويزاد مقابل تأجيل الثمن لمدة سنة مائة ريال) فما الحكم ؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- المنع من إفراد الزيادة بالذكر , واستدلوا : بأن الثمن في بيع التقسيط بزيادته جاء ثمنا للسلعة روعي فيه التأجيل , فإذا أفردت الزيادة بالذكر أشعر ذلك بأن الزيادة مستقلة وليست تابعة , فيكون الثمن للسلعة والزيادة للأجل , وكذلك أن مثل هذا يشبه الربا المحرم , وكذلك أن في مثل هذا ذريعة إلى الربا. ب- لا حرج في إفراد الزيادة بالذكر بشرط أن يتم العقد بثمن بات غير قابل للزيادة عند تأخر الأداء , واستدلوا : بأنه لا فرق بين إفراد الزيادة بالذكر أو إدراجها ما دامت قد زيدت فعلا.

13- المتأمل في تعاملات الناس اليوم يلحظ كثرة من يقصد بالتقسيط التذرع إلى أخذ النقود , إما عن طريق العينة أو التورق , وإليك حكم هاتين المسألتين: 

14- حكم بيع العينة : تحرير محل النزاع : اتفق العلماء على تحريم بيع العينة إذا كان هناك شرط بين العاقدين بالدخول في العقد الثاني , كما اتفقوا على أن البائع إذا اشترى السلعة ممن باعها عليه بمثل الثمن الأول أو أكثر فإن ذلك جائز لانعدام الشبهة , كما تفقوا على أن البائع إذا باع السلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بعرض أو كان بيعها بعرض فاشتراها بنقد فذلك جائز , واختلفوا فيما عدا ذلك على قولين : أ- جواز بيع العينة وهو مذهب الشافعية والظاهرية , واستدلوا : بعموم الأدلة الدالة على إباحة البيع وأن العينة داخلة في ذلك , وكذلك أن من باع سلعة إلى أجل بدينا ثم اشتراها نقدا بدينارين أو بدينار فإن ذلك جائز بالاتفاق فكذلك هنا. , ب- تحريم بيع العينة , وهو قول جمهور الحنفية والمالكية والحنابلة , واستدلوا : بحديث ( إذا تبايعتم بالعينة ..) وكذلك أن الله سبحانه وتعالى حرم الربا والعينة وسيلة إلى الربا والوسيلة إلى الحرام حرام , وكذلك أن التحريم منقول عن جمع من الصحابة كعائشة وابن عباس وأنس رضي الله عنهم وأرضاهم.

15- حكم بيع التورق : تحرير محل النزاع : إذا تمت صورة التورق عن مواطأة بين البائع والمشتري على بيعها لثالث فحكمها حكم العينة وتسمى الحيلة الثلاثية , والخلاف إنما هو فيمن أخذ السلعة بثمن مؤجل لقصد النقد , فقد اختلف في هذه المسألة على قولين: أ- تحريم بيع التورق , وهو رواية عن أحمد وقول ابن تيمية , واستدلوا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع المضطر) , وكذلك أن مقصود المشتري الأول في بيع التورق إنما هو النقد لذلك فهو يتحمل في ذمته ثمنا مؤجلا مقابل ثمن حال أنقص منه وهذا هو الربا. ب- جواز بيع التورق , وهو مذهب الحنابلة , واستدلوا : بعموم الأدلة الدالة على إباحة البيع , وكذلك أن الأصل في المعاملات هو الحل إلا ما دل الدليل على تحريمه , وكذلك أن الناس بحاجة على مثل هذا النوع لقلة من يقرض قرضا حسنا.

16- حكم طلب شراء السلعة ممن ليست عنده لأجل بيعها على الطالب بالتقسيط: وهذه المسألة تسمى ( بيع المرابحة للآمر بالشراء) , وهي على صور : 

17- الصورة الأولى : أن يقو الآمر ( اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا أشتريها منك باثني عشر نقدا) فالصفة الفقهية للمأمور هنا أنه أجير على شراء السلعة للآمر بدينارين لأن الآمر قال ( اشترها لي ) فالشراء كان له منذ وقوعه , وأما قوله ( وأنا أشتريها منك) فهو لغو لا معنى له ؛ لأن العقد كان له أصلا فكأنه يشتري لنفسه.

18- الصورة الثانية : أن يقول الآمر ( اشتر لي سلعة كذا بعشرة وأنا أشتريها منك باثني عشر إلى أجل ) فالصفة الفقهية للمأمور هنا أنه وكيل في شراء السلعة للآمر حيث قال ( اشتر لي ) وهذا توكيل للأمور بالشراء فالسلعة مملوكة للآمر منذ وقوع العقد أما الثمن الذي دفعه المأمور – العشرة – فهو قرض أقرضه للآمر ليأخذ به أكثر منه إلى أجل وهذا هو الربا الصريح.

19- الصورة الثالثة : أن لا يكون هناك مواعدة بين الآمر والمأمور على شراء السلعة مثل أن يقول (هل عندك سلعة كذا أربحك فيها ؟ ) فيقول المأمور ( أمهلني إلى غد ) فيأتي المأمور بسلعة قد ملكها ويبيعها على الآمر بما شاء من نقد أو نسيئة فهذه جائزة لعدم المانع.

20- الصورة الرابعة : أن يكون بين الآمر والأمور مواعدة غير ملزمة مع ذكر مقدار الربح وتحديده كأن يقول ( اشتر , أو اشتر لنفسك سلعة كذا بسبعين وسوف أقوم بشرائها منك بعد ذلك بمائة مؤجلة) , ففي هذه الصورة اختلف العلماء فيها على قولين: أ- أنه لا يجوز تحديد الربح عند الوعد بشراء السلعة من المأمور بعد تملكه لها , وهو مذهب المالكية واستدلوا لذلك : بوجود تهمة الاحتيال على الربا فكأن أخذ المأمور للربح مقابل شراء السلعة بناء على طلب الآمر أخذ لمنفعة مقابل إقراض الآمر. , ب- جواز طلب شراء السلعة ممن ليست عنده ليقوم الآمر بشرائها من المأمور بعد ذلك مع تحديد الربح , وهو قول الحنفية والشافعية , واستدلوا : بأن الأصل في المعاملات والعقود الحل إلا ما دل الدليل على تحريمه ولا دليل , وكذلك أنها بيع حقيقي فالمأمور يخاطر بشراء السلعة لنفسه فهو لا يجزم بأن الآمر سوف ينفذ ما وعد به من شرائها منه بعد تملكه لها , ولأن السلعة لو هلكت قبل تسليمه للآمر فإنها تهلك على ملك المأمور.

21- الصورة الخامسة : أن يكون بين الآمر والمأمور مواعدة ملزمة مع ذكر مقدار الربح وتحديده: وسيأتي الكلام عنها حين الكلام عن أحكام الوعد.

22- حكم توكيل الآمر بإجراء عملية البيع عن المأمور : وصورة هذه المسألة أن يطلب الآمر سلعة محددة ليقوم المأمور بشرائها لنفسه ثم يبيعها على الآمر بربح. فيقوم المأمور بتوكيل الآمر في شراء هذه السلعة ثم يقوم بتوكيله في بيعها لنفسه , وحكم هذه الصورة عدم الجواز وذلك لاستحكام شبهة التحايل على الربا فيحتمل عدم وجود سلعة أصلا , وكذلك أن حقيقة هذه الصورة تؤول إلى كون المأمور مقرضا إلى أجل بزيادة.

23- حكم عدم تسجيل السلعة باسم المأمور في الدوائر الرسمية : الأصل أن يقوم المأمور بتسجيل السلعة باسمه عند الشراء قبل بيعها للآمر , لكن إن لم يفعل ذلك فما الحكم؟ الذي يظهر والله أعلم الجواز لأن العقد إنما يتم بإيجاب وقبول , والتسجيل في الدوائر الرسمية ليس إيجابا ولا قبولا وإنما هو توثيق.

24- من شروط بيع التقسيط أن تكون السلعة مقبوضة للبائع. فما المرجع في تحديد ما يتحقق به القبض: جاء أمر الشارع بقبض السلعة المباعة قبل التصرف فيها بالبيع مطلقا ولم يحدد في الشرع لذا فالمرجع في تحديده إلى العرف.

25- ما يتحقق به القبض : يتفاوت ما يتحقق به القبض تبعا لتفاوت المعقود عليه المراد قبضه , وكل ما يصدق عليه عرفا أنه قبض فهو قبض لاختلاف القبض من بلد إلى بلد ومن سلعة إلى سلعة.

26- حكم التصرف في المبيع قبل قبضه : بعض الباعة بالتقسيط يملك السلعة ملكا شرعيا ولكنه يبقيها عند من اشتراها منه ولا يقبضها القبض الشرعي المعتبر لمثلها ثم يقوم بعد ذلك ببيعها بالتقسيط على من يطلب الشراء منه فما حكم هذه المسألة؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: أ- جواز بيع المبيع قبل قبضه مطلقا سواء كان عقارا أو منقولا أو طعاما أو غيره وهو قول عطاء بن أبي رباح والبتي , واستدلوا : بأن الأصل انتقال ملكية المبيع بالعقد انتقالا تترتب عليه آثاره ومن آثاره جواز التصرف فيه دون حاجة إلى اشتراط القبض. ب- المنع من بيع المبيع قبل قبضه مطلقا سواء كان المعقود عليه عقارا أو منقولا أو طعاما أو غيره فلا بد من القبض قبل التصرف , وهو قول الشافعية ورواية عن أحمد , واستدلوا بأدلة منها : عموم الأدلة الدالة على النهي عن بيع الطعام قبل قبضه كقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تستوفيه ) , وحديث ( كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا سول الله صلى الله عليه سلم أن نبيعه حتى ننقله , كما استدلوا بعموم الأدلة الدالة على النهي عن بيع السلع قبل قبضها كحديث ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ) وحديث ( لا يحل سلف وبيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك). , ج- التفصيل : ولهم في ذلك وجهان : الوجه الأول: جواز بيع كل مبيع قبل قبضه إلا الطعام المكيل والموزون فلا يجوز التصرف فيه بالبيع قبل قبضه , وهو مذهب المالكية ورواية عند الحنابلة , واستدلوا بعموم الأدلة الدالة على النهي عن بيع الطعام قبل قبضه. , الوجه الثاني : التفريق بين العقار والمنقول , فلا يجوز بيع شيء من المبيعات قبل قبضه إلا العقار , فيجوز التصرف فيه بالبيع قبضه , وهو مذهب الحنفية ورواية عند الحنابلة , واستدلوا : بأن المعنى الذي كان لأجله النهي عن بيع المبيع قبل قبضه هو : الغرر الناشئ من احتمال انفساخ العقد بهلاك المعقود عليه قبل قبضه مما يعود بالانفساخ على العقد الثاني , وهذا المعنى غير موجود في العقار لأنه لا يتصور هلاكه غالبا أما إن تطرق إلى العقار احتمال الهلاك فلا يجوز التصرف فيه قبل قبضه.

27- من شروط عقد بيع التقسيط أن يكون العوضان مما لا يجري بينهما ربا النسيئة: وذلك للتلازم بين هذا العقد وبين الأجل الموجب لانتفاء الاشتراك في علة الربا , فعلى هذا لا يجوز في بيع التقسيط أن يشتري ذهبا والثمن فضة مؤجلة تؤدى على أقساط ولا العكس , كما لا يجوز أن يكون الثمن شعيرا يؤدى على أقساط والمثمن شعيرا أو تمرا ولا العكس , كما لا يجوز بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة أو التمر بالتمر بالتقسيط , لما جاء في حديث عبادة في الأصناف الستة.

28- حكم كون الثمن والمثمن في بيع التقسيط أفرادا لجنس غير ربوي : فهل يجوز أن تباع سيارة معينة بسيارتين موصوفتين يكون تسليمها بعد سنة؟ اختلف العلماء في هذه المسألة ( بيع غير الربوي بجنسه نسيئة متفاضلا) على قولين : أ- المنع من بيع غير الربوي بجنسه متفاضلا نسيئة , وهو قول المالكية ورواية عن أحمد , واستدلوا: بحديث ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) , وكذلك أنه لو قيل بجواز بيع غير الربوي بجنسه نسيئة متفاضلا لأدى ذلك إلى التحايل على القرض الذي يجر منفعة للمقرض , فيمنع سدا للذريعة. ب- جواز بيع غير الربوي بجنسه متفاضلا نسيئة , وهو قول الشافعية والحنابلة , واستدلوا بأدلة منها : حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجهز جيشا فنفدت الإبل فقال النبي : ابتع علينا إبلا بقلائص من إبل الصدقة قال : وكنت أبتاع البعير بقلوصين وثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم) , وكذلك أن هذا التعامل قد ورد عن بعض الصحابة كعلي وابن عمر ورافع بن خديج رضي الله عنهم.

29- من شروط عقد بيع التقسيط أن يكون الثمن دينا لا عينا : وذلك أنه يشترط لجواز دخول الأجل على الأموال أن يكون المؤجل دينا يقبل الثبوت في الذمة , أما إن كان الثمن عينا فلا يجوز تأجيله , مثل أن يقول ( بعني هذه السيارة وثمنها منزلي , على أن يكون تسليم المنزل مؤجلا إلى سنة ) فالأعيان لا يصح تأجيلها , وهذا محل اتفاق بين العلماء , واستدلوا لذلك : أن تأجيل تسليم الثمن العين من بيع الغرر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر , فبقاء العين على الصفة التي تم العقد عليها إلى حين تسليمها غير معلوم فلا يدري البائع هل يبقى الثمن العين على حاله أم يتغير , وكذلك انتفاء الفائدة من تأجيل تسليم العين.

30- من شروط عقد بيع التقسيط أن تكون السلعة المبيعة حالة لا مؤجلة : وذلك لأنها لو كانت مؤجلة فهي من قبيل بيع الكالئ بالكالئ وقد أجمع العلماء على منع بيع الكالئ بالكالئ.

31- من شروط عقد بيع التقسيط أن يكون الأجل معلوما : وقد اتفق العلماء على وجوب العلم بالأجل في كل عقد يوجد فيه , كالسلم والبيع بثمن مؤجل ومنه بيع التقسيط , لقوله صلى الله عليه وسلم ( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) , وكذلك أن جهالة الأجل تؤدي إلى الغرر المنهي عنه.

32- تحديد بداية الأجل : الأصل أن يكون ابتداء احتساب مدة الأجل منذ انعقاد العقد ؛ لأن الاتفاق على تأجيل الثمن سنة مثلا ليس معناه إلا تأجيله عن وقت التعاقد دون حاجة للتنصيص على ذلك , وهذا فيما إذا سلم البائع المبيع للمشتري عند التعاقد , أما إن أخر البائع تسليم المبيع للمشتري وحبسه عنده بعد العقد فلم يسلم إلا بعد انقضاء الأجل كله أو بعضه , فهل يكون احتساب مدة الأجل منذ انعقاد العقد أو منذ تسليم المبيع؟ ابتداء احتساب مدة الأجل يكون من وقت التعاقد , ولا يحتسب من تسليم المبيع إلا بتوافر ثلاثة شروط: 1- أن لا ينص على زمن ابتداء الأجل. 2- أن يكون الأجل المذكور مطلقا. 3- أن يكون عدم تسليم المبيع ناشئا عن حبس البائع للسلعة دون ما إذا تأخر المشتري عن استلامها.

33- أثر جهالة الأجل على العقد : الأصل أنه يجب العلم بالأجل , لكن لو وقع العقد وكان الأجل مجهولا , اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : أ- أن تأجيل الثمن إلى أجل مجهول يبطل العقد , وهذا قول المالكية والشافعية , ورواية عند الحنابلة , واستدلوا : بأن التأجيل إلى أجل مجهول لا يجوز ؛ لورود النهي والنهي يقتضي الفساد , وكذلك أن اشتراط الأجل له قسط من الثمن يزاد فيه مقابل هذا التأجيل فإذا كان الأجل مجهولا فإن ذلك يعود بالجهالة على الثمن فيفسد العقد. , ب- أن العقد لا يبطل بجهالة الأجل , بل هو فاسد يمكن تصحيحه , وذلك بإزاله ما يقتضي الفساد بالاتفاق على أجل معلوم أو إسقاط الأجل المجهول , وهو قول الحنفية , واستدلوا : بأنه عقد توفرت أركانه كاملة , وإنما أصاب الفساد وصفا من أوصافه وذلك لا يعود بالبطلان على الأصل. , ج – أن العقد صحيح والشرط باطل , وبناء عليه فيلزم أن يكون البيع بثمن حال , ولمن فات غرضه من التأجيل حق الفسخ , وهو مذهب الحنابلة , واستدلوا : بحديث بريرة فقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم الشرط ولم يتعرض للعقد مما يدل على صحته , وكذلك أن العقد قد تم بوجود أركانه , والتأجيل شرط , فهو زائد لا يؤثر على الركن , فإن ألغي الشرط زال الفساد.

34- من شروط عقد بيع التقسيط أن يكون منجزا : والمراد بهذا الشرط أن لا يعلق تمام عقد البيع على أداء الأقساط , فهذا التصرف لا يصح ؛ لأن مقتضى عقد البيع انتقال الملك فورا , والتعليق على أداء الثمن يمنع من تحقق ذلك.

35- حكم الحط من الثمن لقاء تعجيل أداء الأقساط : من شروط عقد بيع التقسيط أن يكون معلوم الأجل , فإذا سدد المشتري كامل الثمن قبل أجله , فما حكم الحط من الدين المؤجل مقابل تعجيله , وهل يلزم البائع بقبول الأقساط المؤجلة؟ , وللجواب على هذا لابد من معرفة أقسام الحط من الدين مقابل تعجيله , وهي على قسمين :

36- القسم الأول : أن يكون الحط بغير شرط : وذلك بأن يحط الدائن عن المدين بعض الدين , أو أن يؤدي المدين أقل مما في ذمته فيقبله منه الدائن ويعفيه عن الباقي , أو أن يؤدي المدين بعض ما عليه ثم يرغب إلى البائع أن يضع عنه الباقي فيجيبه إلى لك من غير شرط ولا مراوضة بل على سبيل الإحسان والتبرع فإن ذلك كله جائز , وهو من الإحسان والسماحة ومن فعل الخير.

37- القسم الثاني : أن يكون الحط بشرط : فإذا كان الحط بشرط فإن الدين المحطوط منه على ضربين:

38- الضرب الأول : أن يكون الدين حالا : قد يكون الثابت في ذمة المدين دينا حالا بمعنى أن الأجل غير مشروط في العقد أو كان مشروطا ثم حل , لكن تأخر المدين في أداء ما عليه لسبب أو لآخر.  ففي هذه المسألة صرح جمع من علماء المالكية والحنفية والحنابلة على جواز الحط مقابل تعجيل أداء الدين الحال , واستدلوا لذلك بحديث كعب بن مالك رضي الله عنه أنه كان له على عبدالله الأسلمي مال , فلقيه فلزمه , فتكلما حتى ارتفعت الأصوات فمر النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا كعب وأشار بيده كأنه يقول : النصف , فأخذ نصف ما له عليه وترك نصفا).

39- الضرب الثاني : أن يكون الدين مؤجلا , فما حكم الحط من الدين المؤجل مقابل تعجيله , كأن يقول صاحب الدين للمدين : (عجل لي بعض الدين الواجب عليك وأضع عنك الباقي) على سبيل الشرط والإلزام ؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: أ- المنع من الحط من الدين المؤجل مقابل تعجيله , وهو قول بعض الصحابة وقول جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة , واستدلوا لذلك بأدلة منها : أنه قد وردن نهي بعض الصحابة كما جاء عن أبي المنهال أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهما فقال : لرجل علي دين فقال لي : عجل لأضع عنك , قال: فنهاني عنه , وكذلك أن الحط من الدين المؤجل مقابل تعجيله مثل الزيادة فيه مقابل تأجيله المجمع على تحريمها. , ب- جواز الحط من الدين المؤجل مقابل تعجيله , وهو مروي عن ابن عباس ورواية عن أحمد وقول ابن تيمية وتلميذه , واستدلوا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير , جاءه ناس منهم فقالوا : يا نبي الله أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل , فقال : ضعوا وتعجلوا , وكذلك ان الأصل في العقود والشروط الإباحة.

40- حكم إلزام البائع بقبول الأقساط المعجلة : والخلاف في هذه المسألة عائد للخلاف في مسألة : إلزام الدائن بقبول الدين المؤجل قبل وقت حلوله , تحرير محل النزاع : اتفق العلماء على أنه إذا تراضى الطرفان على تعجيل الدين المؤجل فلهما ذلك لأن الأجل حق لهما فيملكان إسقاطه , كما اتفقوا على أنه إذا أدى المدين الدين المؤجل في الوقت المحدد فيلزم الدائن حينئذ قبوله سواء كان عليه ضرر أم لا ؛ لأنه أتاه بحقه في محله فلزمه , واختلفوا فيما إذا أحضر المدين الدين قبل وقت حلوله فهل يلزم الدائن حينئذ أخذه ؟ , على ثلاثة أقوال : أ- أن الدائن لا يلزم بقبول ما عجله المدين مطلقا بل له الخيار في القبول أو الرد حتى يحل الأجل وهو قول الظاهرية , واستدلوا : بأن إلزام الدائن بقبول الدين المعجل لم يرد في الكتاب ولا في السنة , والوارد هو جواز ذلك إذا تم بتراضي الطرفين لا غير., ب- أن الدائن ملزم بقبول الدين المعجل مطلقا وهو قول الحنفية , واستدلوا :بأن الأجل حق للمدين وحده , ضرب لمصلحته فله إسقاطه وإلزام الدائن بالقبول طلبا لإبراء الذمة., ج-أن الدائن ملزم بقبول الدين ما لم يترتب عليه ضرر , فإن كان ثمة ضرر لم يلزم بقبوله , وهو قول الشافعية والحنابلة , واستدلوا : بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار) , ولأن التعجيل إذا ترتب عليه ضرر فهو كنقص صفة في الدين فلا يلزمه قبوله , وأما إن لم يكن هناك ضرر فامتناعه تعنت يؤدي إلى الإضرار بالمدين بتأخير براءة ذمته من غير ضرر بالدائن فيجب منع الضرر.

41- حكم تعويض الدائن تعويضا ماليا عن المطل : تحرير محل النزاع : - إذا اتفق الطرفان في بيع التقسيط على دفع غرامة مالية محددة أو بنسبة معينة عند تأخر المدين عن أداء الدين في الموعد المتفق عليه فإن هذا محرم  بالإجماع. , - إذا ماطل الغني في الأداء فرفع إلى الحاكم فللحاكم القضاء بعقوبته بما يزجره بأي عقوبة. , - إن ثبت أن الدائن قد تضرر فعليا جراء مماطلة المدين بضرر حقيقي وليس متوقعا أو مفترضا ( فهذا خارج عن الخلاف في هذه المسألة) , - إذا ماطل المدين في أداء دينه المستحق للدائن وحبس المال لديه بعد حلوله , مما أدى إلى تفويت الفرصة على الدائن لاستثمار أمواله والاستفادة منها زمن التأخير , فهل يضمن المدين المماطل من منافع المال-من ربح متوقع- نتيجة لمطله بتعويض مالي , هذا هو محل الخلاف في المسألة: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: أ- جواز تعويض الدائن عما فاته من منافع ماله نتيجة لمطل الغني , وهو ما ذهب إليه مصطفى الزرقا والشيخ ابن منيع , واستدلوا بأدلة منها : قوله صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر و لا ضرار ) وقد وقع الضرر ولا يمكن إزالته إلا بتعويض مالي وأما حبسه وجلد فلا يفيد المتضرر شيئا , وكذلك أنه إذا لم يلزم المماطل بالتعويض عن التأخير فإن ذلك يشعر بأن الشريعة الكاملة تسوي بين الأمين المطيع المؤدي للحقوق في وقتها وبين الظالم العاصي في النتيجة , أن المماطل في حكم الغاصب فكما أن منافع العين المغصوبة مضمونة على الغاصب سواء استوفى المنفعة أو عطلها فيقاس المماطل عليه بجامع الظلم. , ب- عدم جواز فرض تعويض مالي على المدين المماطل مقابل تأخير الدين , وهو قول جماهير العلماء , وقد صدر بذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي , واستدلوا بأدلة منها : قوله صلى الله عليه وسلم ( لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته ) فالمطل كان موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد أحل عرضه وعقوبته ولم يقل ( وماله ) , وكذلك أن هذا التعويض لا يختلف أبدا عما تقوم به البنوك الربوية مما يسمونه فوائد التأخير التي هي صريح ربا الجاهلية , وكذلك أن من قواعد الشرع المحكمة ( سد الذرائع ) والقول بموجبها يحتم منع هذا التعويض الذي إن لم يكن ربا صريحا فهو ذريعة قريبة جدا إليه.

42- حكم اشتراط حلول بقية الأقساط بالتأخر في أداء بعضها : المتأخر عن أداء الأقساط وقت حلولها إما أن يكون معسرا وإما أن يكون موسرا مماطلا: 

43- فإن كان معسرا : فلا يجوز إلزامه بتعجيل الأقساط المؤجلة ولا اشتراط حلولها بالتأخر في أداء بعضها لأن الواجب تجاه المعسر هو الإنظار والإمهال.

44- وإن كان موسرا مليا : فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- الجواز : واستدلوا : بعموم الأدلة الدالة على أن الأصل في المعاملات الحل كما أن الأصل في الشروط الحل. ب- المنع من ذلك : واستدلوا: بأن الزيادة في عقد بيع التقسيط إنما هي للأجل فإما أن يتركه على حاله حتى يتم الأقساط أو أن يضع عنه الزيادة بقدرها.

45- حكم زيادة الثمن مقابل التأخر في الأداء : المسألة فيما إذا تم التعاقد على الثمن ومدة التقسيط , فهل يجوز أن يتغير الثمن الذي تم الاتفاق عليه عند التأخر في أداء الأقساط والانتقال إلى مدة تالية؟ يأخذ تغير الثمن لتغير الأجل صورا عدة أبرزها صورتان :

46- الصورة الأولى : الاتفاق على زيادة الثمن زيادة محددة لقاء كل زيادة في الأجل ,مثل أن يتم البيع بثمن مؤجل على سنة , ويشترط البائع أن المشتري إذا لم يؤد الثمن خلال المدة المتفق عليها فإنه يلزمه زيادة مقدارها كذا عن كل شهر زائد عن السنة. , وهذه الصورة محرمة فهي صورة من صور ربا الجاهلية.

47- الصورة الثانية : ذكر عدة آجال لكل أجل ثمنه , كأن يقول هذه السيارة بمائة إلى سنة وبمائة وعشرة إلى سنتين وبمائة وخمسين إلى ثلاث سنوات , فهذه الصورة لا تخلو من حالتين :

48- الحالة الأولى: أن تذكر عدة آجال لكل أجل ثمنه عند التفاوض في العقد والمساومة حوله , على أن يتم العقد بأحد الآجال في الأثمان المذكورة , فهذه الحالة لاشك في جوازها لأن العقد قد وقع بثمن بات.

49- الحالة الثانية : أن يتم العقد على عدة آجال لكل أجل ثمنه , بأن يتم الاتفاق على بيع سيارة بمائة إلى سنة وبمائة وعشرة إلى سنتين وبمائة وخمسين إلى ثلاث سنوات , كلها بعقد واحد فإن لم يؤد المبلغ في السنة الأولى لزمه مبلغ السنة الثانية وهكذا , وهذه الحالة محرمة بإجماع العلماء لأنها مشمولة بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البيعتين في بيعة , وكذلك أن هذه الصورة آيلة إلى الربا الصريح إذ إذن المشتري قد يختار في نفسه الثمن المؤجل إلى سنة ثم لا يستطيع الأداء خلال السنة فيؤجل سنة أخرى بزيادة وهذا عين ربا الجاهلية.

50- من آثار بيع التقسيط : لزوم الأجل في بيع التقسيط : من أبرز خصائص بيع التقسيط كون الثمن فيه مؤجلا لكن هل هذا التأجيل لازم في حق البائع لا يحق له المطالبة بالثمن قبل حلوله أم يمكنه إلغاء ذلك الأجل والمطالبة بالثمن حالا؟ للجواب عن ذلك لابد من النظر إلى وقت دخول الأجل  على العقد , فالأجل إما أن يكون مع العقد مصاحبا له حين إنشائه أو أنه جاء عقب العقد وبعد تمامه , فهذه حالتان ولكل حالة حكم مغاير , وتفصيلها كالآتي:

51- الحالة الأولى : أن يكون التأجيل بعد انعقاد العقد , وذلك بأن يتم العقد بثمن حال ثم يتفقان بعد ذلك على تأجيله فهل يلزم البائع بهذا الأجل ولا يستحق المطالبة بالثمن إلا بعد حلوله , اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- أن الدين يتأجل بالتأجيل ولا يملك البائع المطالبة به إلا وقت حلوله , وهو قول الحنفية والمالكية , واستدلوا بأدلة منها : أن الثمن حق للبائع فجاز له أن يتصرف فيه بالتأجيل تسهيلا منه لمن هو عليه , وكذلك أن البائع يملك إسقاط الثمن بالكلية وإبراء المشتري منه بلا مقابل , وحقيقة التأجيل إسقاط الاستحقاق إلى وقت معين فيثبت سقوطه إلى ذلك الوقت كما ثبت سقوطه مطلقا بإسقاطه. , ب- أن الدين لا يتأجل بالتأجيل , وللبائع حق مطالبة المشتري في أي وقت شاء , واستدلوا : بأن عقد البيع قد تم بثمن حال فإذا أجل الثمن بعد ذلك فليس هذا تأجيلا لثمن المبيع وإنما هو تأجيل لدين واجب في الذمة فيكون كتأجيل القرض وتأجيل القرض لا يلزم فكذلك تأجيل الثمن بعد تمام العقد , وكذلك أن تأجيل الثمن بعد تمام العقد لا يعدو أن يكون تبرعا تبرع به البائع فلا يلزمه إنفاذ تبرعه.

52- الحالة الثانية : أن يتم عقد البيع بثمن مؤجل : فهنا الأجل لازم للبائع ولا يحق له المطالبة بالثمن قبل حلول الأجل , لعموم الأدلة الدالة على الوفاء بالعقود والشروط.

53- ما ينتهي به الأجل في بيع التقسيط : ينتهي الأجل في بيع التقسيط بأحد أمرين : 1- اتفاق المتعاقدين على إسقاطه. 2- انتهاء الأجل وبلوغ غايته.

54- مما ينتهي به الأجل: انتهاءه وبلوغ غايته : فإذا انقضى أجل التقسيط فيترتب على لك جملة من النتائج : 1- استحقاق البائع للمطالبة بالثمن ؛ لأنه حينئذ يطالب بحقه الواجب. 2- وجوب أداء الثمن على المشتري وتحريم مماطلته في ذلك إن كان موسرا. 3- إلزام البائع بقبول الأقساط الحالة. 4- استحقاق البائع للمطالبة بالحجر على المشتري متى أفلس وعجز عن أداء الثمن. 5- إذا كان المشتري قد رهن بالثمن شيئا فيحق للبائع المطالبة بالوفاء أو بيع الرهن والاستيفاء من ثمنه.

55- الأصل في عقد البيع بالتقسيط ( الأجل ) وقد تطرأ بعض الطوارئ على هذا الأصل فما أثرها , والطوارئ على عقد البيع التقسيط ثلاث : الموت , والجنون , والإفلاس.

56- الطارئ الأول : الموت وأثره على أجل التقسيط : الموت في عقد التقسيط إما أن يموت البائع أو أن يموت  المشتري : 

57- وفاة البائع وأثرها على أجل التقسيط : إذا مات البائع قبل حلول الأقساط واستيفائه للثمن فما الحكم في الأجل ؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- أن الأجل يسقط بموت الدائن فإذا مات البائع بالتقسيط وجب على المشتري أداء جميع الأقساط المؤجلة فورا , وهو قول الظاهرية , واستدلوا بقوله تعالى ( من بعد وصية يوصى بها أو دين)  فمال الميت ينتقل بعد وفاته لورثته -عدا الدين والموصى به – فيكون مال الميت وديونه حقا لهم فتسقط آجال الديون التي له حتى يمكن للورثة استيفاء حقهم من مال مورثهم. , ب- أن الأجل لا يسقط بموت الدائن بل يبقى إلى أجله المتفق عليه , وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة , واستدلوا : بأن للمدين حقا في الأجل حيث شرع ترفيها عنه وتوسعة يتمكن فيها من تحصيل الدين وذلك لا يتأثر بموت الدائن , وكذلك أن الدائن لا يملك – حال حياته – إسقاط الأجل فمن باب أولى أن لا يملك الورثة هذا الحق.

58- وفاة المشتري وأثرها على أجل التقسيط : اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- أن الديون المؤجلة تحل بوفاة المدين , وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة ومذهب الظاهرية , واستدلوا : بقول صلى الله عليه وسلم ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ) , وكذلك أن التأجيل شرع ترفيها عن المدين وتوسعة عليه ليكتسب في مدة الأجل وبموته ينتفي هذا المعنى. , ب- أن الديون المؤجلة لا تحل بوفاة المدين إذا وثق الدين برهن أو كفيل مليء , فإن تعذر التوثيق حل الدين لغلبه الضرر , وهو قول الحنابلة , واستدلوا : بقوله صلى الله عليه وسلم ( من ترك حقا أو مالا فلورثته ) فالأجل حق من حقوق الميت يورث عنه كسائر الحقوق.

59- الطارئ الثاني : الجنون , جنون المشتري وأثره على أجل التقسيط : اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- أن الدين المؤجل يحل بجنون المدين , وهو قول لبعض الشافعية , واستدلوا : بقياس المجنون على الميت بجامع خراب الذمة في كل , إذ لا يستطيع المجنون أداء الدين المؤجل فيسقط بجنونه. , ب- أن الدين المؤجل لا يحل بالجنون , وهو قول جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة , واستدلوا : بأن الأجل حق للمدين فلا يفوت عليه دون سبب يوجب ذلك , وكذلك أن الجنون لا يمنع من ابتداء الأجل بأن يشتري الولي للمجنون بالتقسيط , فلأن لا يمنع من دوامه من باب أولى.

60- الطارئ الثالث : الحجر للإفلاس وأثره على أجل التقسيط : الحجر لغة : المنع والإحاطة على الشيء. , اصطلاحا : منع الإنسان من التصرف في ماله. , وينقسم الحجر إلى قسمين : الحجر على الإنسان لحق نفسه كالحجر على الصغير والجنون , والحجر على الإنسان لحق غيره  كالحجر على المفلس لحق غرمائه. , الإفلاس : لغة : المفلس هو الذي لا مال له , واصطلاحا : من كان دينه أكثر من ماله., يشترط للحجر بسبب الإفلاس شرطان : 1- أن تزيد ديونه عن أمواله. 2- أن يطالب الغرماء أو بعضهم بالحجر عليه.

61- في حال الحجر على المدين بحكم حاكم , وكان عليه ديون مؤجلة وديون حالة , فهل تحل الديون المؤجلة ؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- أن الديون المؤجلة تحل بالحجر للإفلاس ويقسم المال بين أصحاب الديون المؤجلة والحالة بلا فرق بينهم , وهو قول المالكية وقول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة , واستدلوا : بأن ذمة المدين تصير خرابا بالحجر عليه للإفلاس وذلك لأنه يمنع من التصرف في أمواله ويكون حق الغرماء متعلقا بعينها فإذا خربت ذمته وجب حلول ديونه المؤجلة قياس على حلولها بالموت بجامع خراب الذمة., ب- أن الديون المؤجلة لا تحل بالحجر للإفلاس بل تبقى آجالها ويقسم المال على أصحاب الديون الحالة وتبقى الديون في ذمة المدين إلى وقت حلولها , وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة , واستدلوا : بأن الأجل حق للمدين المفلس , شرع تخفيفا عنه وتنفيسا عليه , ليكتسب في مدة الأجل ما يتمكن به من قضاء دينه فلا يسقط هذا الحق بالحجر للإفلاس كسائر حقوقه.

62- حكم رجوع البائع في عين ماله عند إفلاس المشتري : مقتضى عقد البيع انتقال ملكية المبيع للمشتري والثمن للبائع وأن الأصل في عقد البيع اللزوم , فهل يملك البائع الرجوع في عين سلعته المبيعة عند إفلاس المشتري؟ الإجابة على ذلك في المسائل التالية :

63- حكم رجوع البائع في عين ماله عند إفلاس المشتري في حال البيع (الثمن حال) : والخلاف في هذه المسألة إنما هو فيما إذا استلم البائع السلعة ولم يسلم الثمن , اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- أن البائع ليس بأحق بسلعته عند إفلاس المشتري من بقية الغرماء بل هم سواء , وهو قول الحنفية , واستدلوا : بقوله صلى الله عليه وسلم ( أيما رجل باع سلعة فأدركها عند رجل أفلس فهو ماله بين غرمائه) ونوقش : بضعف الحديث , وكذلك أن المشتري قد ملك المبيع بمجرد العقد واستقر ملكه بقبضه فلا يملك البائع الرجوع بعد ذلك ؛ لأن العقد قد تم مستوفيا لشروطه وليس من شرطه تسليم الثمن. , ب- أن من وجد عين ماله عند المفلس قبل نقد الثمن فهو أحق به من بقية الغرماء , وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية , واستدلوا : بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من وجد ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره ).

64- حكم رجوع البائع في عين ماله عند إفلاس المشتري (الثمن مؤجل) : اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- أن البائع ليس له حق الرجوع في عين ماله المبيع بثمن مؤجل , بل تباع تلك الأعيان في وفاء ديونه الحالة كسائر أمواله , وهو الصحيح من مذهب الشافعية وقول عند الحنابلة , واستدلوا : بأن البائع لا يستحق المطالبة بالدين حالا فلا يكون له تعلق بالعين لعدم وجود الموجب للاستحقاق وهو حلول الدين. , ب- أن البائع أحق بعين سلعته التي باعها بثمن مؤجل من بقية الغرماء أصحاب الديون الحالة , فتوقف السلعة المبيعة إلى حلول الدين وانقضاء الأجل , ويخير البائع – إن استمر الحجر – بين أخذ السلعة أو تركها ومحاصة الغرماء , وهذا القول وجه عند الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة , واستدلوا : بقوله صلى الله عليه وسلم ( من وجد ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو احق به من غيره) وكذلك أن حق البائع قد تعلق بعين السلعة – وإن كان مؤجلا- فيقدم على غيره ممن تعلق حقه بذمة المدين كما يقدم المرتهن على غيره من الغرماء لتعلق حقه بالعين.

65- حكم قبض بعض الثمن وأثره على استحقاق البائع للرجوع في عين ماله : فإذا أفلس المشتري بالتقسيط بعد أن أدى للبائع بعض الأقساط , فهل يكون البائع والحالة هذه أحق بسلعته إذا وجدها بعينها من بقية الغرماء؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : أ- أن للبائع حق الرجوع في عين سلعته بقدر ما بقي له من ثمنها , فإن كان قد بقي له نصف ثمنها رجع في نصف السلعة المبيعة , وهذا مذهب الشافعية , واستدلوا بأن للبائع حق الرجوع في جميع العين المبيعة إذا لم يقبض شيئا من الثمن فكذلك ينبغي أن يكون له حق الرجوع في بعض العين إذا قبض بعض الثمن., ب- أن البائع بالخيار بين أن يرد ما قبض من الثمن ويأخذ سلعته أو يتركها ويحاص الغرماء بما بقي له من الثمن , وهو قول المالكية والظاهرية واستدلوا : بأن البائع قد تعذر عليه قبض حقه بإفلاس المشتري مع وجود عين ماله على صفته فإذا أعاد ما قبض من الثمن صار كمن لم يقبض شيئا من الثمن , وكذلك أن السبب الذي لأجله ثبت للبائع حق العود في عين سلعته هو دفع الضرر عنه لقوة حقه بوجود عين ماله , ولا فرق في ذلك بين قبضه لبعض الثمن أو عدمه., ج – أن البائع لا يستحق الرجوع في عين سلعته ولا فيما بقي له منه إذا كان قد قبض من ثمنها شيئا بل يصبح أسوة الغرماء في الباقي من الثمن , وهو قول الشافعي في القديم ومذهب الحنابلة , واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ( أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وإن كان قبض من ثمنها شيئا فهو اسوة الغرماء وأيما امرؤ هلك وعنده متاع امرئ بعينه اقتضى من ثمنه شيئا أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء).

66- موت المشتري المفلس وأثره على استحقاق البائع للرجوع في عين ماله : إذا أفلس المشتري ثم مات ولم يكن البائع قد قبض من ثمن السلعة شيئا , فهل يكون أحق بسلعته من بقية الغرماء أو يستوي وإياهم في ذلك؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: أ- أن البائع أحق بسلعته من بقية الغرماء إن شاء أخذها وإن شاء حاص الغرماء بثمنها , وهذا مذهب الشافعية , واستدلوا : بقوله صلى الله عليه وسلم ( أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه) ونوقش: بضعف الحديث , كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ( من وجد ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره) فالحديث عام., ب- أن البائع لا يستحق الرجوع في عين سلعته إذا مات المشتري المفلس , وأن من شرط رجوعه في عين ماله أن يكون حيا أما إن مات فهو أسوة الغرماء , وهو مذهب المالكية والحنابلة , واستدلوا : بقوله صلى الله عليه وسلم ( أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وإن كان قبض من ثمنها شيئا فهو أسوة الغرماء , وأيما امرؤ هلك وعنده متاع امرئ بعينه اقتضى من ثمنه شيئا أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء).

67- حكم حبس المبيع لاستيفاء ثمنه المؤجل : اتفق العلماء على أن البائع لا يملك حبس المبيع , والامتناع من تسليمه حتى يقبض الثمن , وأنه يلزم بتسليمه ولو لم يقبض من الثمن شيئا , ما دام ذلك الثمن مؤجلا , واستدلوا : أن البائع قد أسقط حق نفسه برضاه بتأجيل الثمن فلا يحق له بعد ذلك المطالبة وقد أسقط موجبه , وكذلك أن الامتناع من تسليم المبيع للمشتري في البيع بثمن مؤجل مخالف لمقتضى العقد.

68- حكم اشتراط حبس المبيع على ثمنه في بيع التقسيط وأثره على العقد : لا خلاف بين العلماء أن مثل هذا الشرط باطل , لكن هل يبطل العقد , اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : أ- أن البيع باطل , وهو مذهب الشافعية , وذلك لوجود الشرط الفاسد الذي ينافي مقتضى العقد., ب- أن العقد فاسد غير باطل , وهو قول الحنفية الذين يرون التفريق بين الباطل والفاسد. ج – أن الشرط باطل والعقد صحيح , وهو مذهب الحنابلة , واستدلوا : بحديث بريرة المتقدم.

69- حكم رهن المبيع على ثمنه إذا كان مؤجلا (رهنا حيازيا) : والرهن الحيازي هو الرهن في كلام الفقهاء.  بأن يرهن البائع المبيع حتى سداد الثمن , جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي : لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع , ولكن يجوز للبائع أن يتشرط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة ) لأن المبيع مملوك للمشتري فيجوز له التصرف فيه بما شاء , ومن ذلك أن يرهنه على ثمنه كما يجوز له أن يرهن غيره من الأعيان التي يملكها على ذلك الثمن.

70- حكم رهن المبيع على ثمنه إذا كان مؤجلا ( رهنا رسميا) : والرهن الرسمي : هو توثيق الدين بعين يسجل رسميا أنها مرهونة بذلك الدين من غير أن يحوزها المرتهن ويترتب عليه ما يترتب على الرهن الحيازي. , والحكم فيه كالحكم في الرهن الحيازي على الصحيح.

71- المواعدة وأثرها في بيع التقسيط : الوعد , لغة : الإخبار عن فعل أمر في المستقبل. , المواعدة , لغة : مفاعلة من الوعد والعدة ولا تكون إلا من طرفين , فمعناها : أن يعد كل واحد صاحبه. , فالوعد والعدة : يكون الإخبار فيها صادرا من طرف واحد , أما المواعدة فالقول فيها متبادل بين الطرفين.

الوعد والعدة ,  اصطلاحا : إخبار عن إنشاء المخبر معروفا في المستقبل. , والمواعدة , اصطلاحا : إخبار كل واحد من الطرفين صاحبه برغبته في إنشاء عقد في المستقبل.

72- حكم الوفاء بالوعد ديانة : تحرير محل النزاع : - من وعد بشيء منهي عنه فلا يجوز له الوفاء بوعده بل يجب عليه إخلافه وإتيان الذي هو خير., - من وعد بشيء واجب عليه قبل الوعد , فيجب عليه الوفاء بذلك الوعد بالوجوب الأول. – من وعد بمباح أو مندوب ( معروف) فلا خلاف في أن الوفاء بالوعد حينئذ ممدوح , لكن هل الوفاء بالوعد حينئذ واجب محتم أو أن غاية ذلك الندب والاستحباب في حكم الديانة؟ وهل يمكن الإلزام بالوفاء بالوعد بالمعروف ويقضى على الواعد بوعده في حكم القضاء , هذا هو محل الخلاف في المسألة. اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- أن الوفاء بالوعد مستحب وليس بواجب ديانة , وهو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية والمالكية في الوعد المجرد , واستدلوا : بالحديث الذي جاء فيه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكذب لامرأتي؟ فقال : لا خير في الكذب , فقال: يا رسول الله أفأعدها وأقول لها؟ فقال : لا جناح عليك) , ونوقش بضعف الحديث , كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا وعد أحدكم أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف فلا شيء عليه ) ونوقش بضعف الحديث , كما استدلوا : بأن العلماء مجمعون على أن من وُعِد بمال فأفلس الواعد أو مات فإن الموعود لا يضارب مع الغرماء بما وُعد به فدل ذلك على أن الوعد غير واجب الوفاء إذ لو كان واجبا لاستحق الموعود أن يضارب بما وعد به , وكذلك أن الوعد إخبار بإنشاء معروف في المستقبل , فالوعد بهذا الاعتبار تبرع محض , والمتبرع لا يجب عليه إتمام تبرعه., ب- أن الوفاء بالوعد واجب ويحرم إخلافه بلا عذر , وهو قول في مذهب المالكية ووجه عند الحنابلة وقول ابن تيمية , واستدلوا : بقوله تعالى ( يا أيها الذين لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) , وقوله صلى الله عليه وسلم ( آية المنافق ثلاث ..) .

73- حكم الإلزام بالوفاء بالوعد بالمعروف : اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : أ- أن الواعد يلزم بالوفاء بوعده مطلقا ويقضى به عليه إلا من عذر يمنع الوفاء , وهو قول عند المالكية , واستدلوا: بأدلة وجوب الوفاء بالوعد ديانة., ب- أنه لا يلزم بالوعد ولا يقضى به على الواعد مطلقا , وهو قول عند المالكية , ومذهب الشافعية والحنابلة  والظاهرية , واستدلوا : بأدلة عدم وجوب الوفاء بالوعد وأن ذلك مستحب لا واجب. , ج- التفصيل : ولهم فيه مذهبان : 1- المذهب الأول : أن الوعد المجرد لا يلزم به أما الوعد المعلق على شرط فإنه يكون لازما ويقضى به على الواعد , وهذا مذهب الحنفية واستدلوا : بأن الوعد إذا صدر معلقا على شرط فإنه يكتسب قوة بذلك ويظهر فيه حينئذ معنى الالتزام والتعهد فيصير عند ذلك ملزما لصاحبه. 2- المذهب الثاني : أن الوعد يكون ملزما يقضى به على الواعد إذا كان الوعد قد تم على سبب ودخل الموعود نتيجة للوعد في شيء , وهو قول المالكية , واستدلوا : بأن الموعود ما كان ليدخل في السبب إلا بالوعد وذلك قد تسبب له في إنفاق مال قد لا يحتمله ولا يقدر عليه فيلزم الواعد بتنفيذ وعده رفعا للضرر عن الموعود وإعمالا لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ).

74- حكم الإلزام بالمواعدة في المعاوضات : وأشهر مسألة يطبق عليها عقد البيع بالتقسيط هي مسألة ( بيع المرابحة للآمر بالشراء) فإن المأمور لا يكون مالكا للسلعة فيلجأ للوعد , وقد سبق الحديث عن الوعد غير الملزم , والحديث هنا عن الوعد لو كان ملزما فهل يلزم به الآمر؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : أ- جواز اشتراط أن تكون المواعدة ملزمة للطرفين , ويقضى بها عند نكول أحد الواعدين عن إتمام وعده , وهو قول جماعة من المعاصرين وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي , واستدلوا : بأن قواعد الشرع الحكيم قد جاءت بمنع الإضرار بالآخرين وبرفع الضرر إن وقع والقول بالإلزام منع للضرر وبعدمه إضرار لأحدهما فلا ضرر ولا ضرار , وكذلك ان في القول بالإلزام بالمواعدة مصلحة ينبغي مراعاتها والقول بموجبها ففيه مصلحة للعاقدين., ب- أنه لا يجوز اشتراط كون المواعدة بالمعاوضة ملزمة للطرفين , وهو قول أكثر من تعرض لبحث هذه المسألة وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة , واستدلوا : بأن المواعدة الملزمة هي عقد فالعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني فينبغي إجراء أحكام المعقود عليه ومنها أنه لا يجوز بيع الإنسان ما لا يملك , وكذلك أن من شرط صحة العقد التراضي بين المتعاقدين وإذا كان الوعد ملزما فإن العقد الذي سيتم سيكون من غير تراض لأنه تم تحت الضغط القضائي.


وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم


ابحث عن موضوع