بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمــة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد...
فإن الحديث على صفحات هذا البحث سيدور بحول الله وقوته حول موضوع : " بيع السلم " فقد بيَّن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وكذلك في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أحكام وقوانين المعاملات بين النَّاس؛ من أجل ضمان الحقوق لكلا الطَّرفين، ومن هذه المعاملات البيوع على اختلاف أنواعها، والبيع له عدة أنواعٍ منها ما هو جائزٌ ومنها ما هو محرمٌ، ومن البيوع الجائزة بيع السَّلَم.
حيث سيتم مناقشة ما يلي:
- تعريف بيع السلم.
- حكم بيع السلم.
- شروط بيع السلم.
- الإجراءات العملية لبيع السلم.
وسيتم في هذا الموضوع الاعتماد على جمع المعلومات من عدة مصادر ومراجع علمية و ذلك في ضوء ما تيسر لي منها ... وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ... إنه سميع مجيب ...
تمهيد:
تشكل البيوع المؤجلة أحد أوجه النشاطات الاستثمارية التي تقوم بها المصارف الإسلامية حيث تعتبر هذه البيوع مصدراً من المصادر التمويلية للمصارف الإسلامية وتشمل كلاً من عقدي السلم ، والبيع بالتقسيط . 1
وعقد السلم من المعاملات التي كان الناس في الجاهلية يتعاملون به قبل مجيء الإسلام ،فلما جاء الإسلام أقرهم عليه مع تهذيب له ، ولقد اهتم المسلمون به قديماً اهتماماً كبيراً فنظموا له ما يحتاج إليه من الأحكام التي تضبط التعامل به بشيء من الاستقصاء والتفصيل ، وفي هذا العصر تجدّد الاهتمام بهذا العقد من قبل المفتين والاقتصاد وبين الإسلاميين .
ويعتبر عقد السلم من أهم الصيغ الشرعية للتمويل والاستثمار ، وهو صورة من صور البيع يعجّل فيه الثمن ويؤخر فيه المبيع إلى أجل معلوم ، وبمقتضاه يتمكن أصحاب المشروعات الزراعية أو الصناعية من تمويل مشروعاتهم عن طريق بيع مثل ما ستنتجه مشروعاتهم مقدماً فيحصل لهم تمويل مشروعاتهم هذه بتلك الأثمان بعيداً عن القروض الربوية التي تعرضها البنوك1.
تعريف بيع السلم:
السَّلم- بفتح السين المُشددة وفتح اللام- يُطلق عليه أيضاً اسم بيع السَّلَف وهو كما عرَّفه فقهاء المسلمين تعجيل الثَّمن وتأجيل المثمن أو بصيغةٍ أخرى عقدٌ على موصوفٍ في الذِّمة مؤجلٌ بثمنٍ مقبوضٍ في مجلس العقد، ومثال بيع السَّلَم أنْ يتفق رجلٌ على شراء بضاعةٍ من رجلٍ آخر؛ فيدفع الأول للثاني المال نقداً لحظة الاتفاق على أنْ يُسلم الثاني للأول بضاعته في وقتٍ لاحقٍ.
والسلم نوع من أنواع البيع، وهو أن يشتري شخص سلعة موصوفة في ذمة البائع يسلمها له بعد مدة بثمن حاضر يدفعه للمشتري في مجلس العقد2.
أو:
بيع شيء موصوف بثمن مقبوض مؤجل التسليم يسدد الثمن في مجلس العقد و يسلم الشيء المباع بعد أجل.
حكم بيع السلم:
أجمع العلمـاء على جواز السلم3، ومشروعيته جاءت بالكتاب والسنة والإجماع،
يقول تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ " البقرة (282)
ومن السنة ما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدم النبي المدينة والناس يسلفون في الثمر السنة والسنتين والثلاث فقال النبي : من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم))،" رواه البخاري ومسلم.
أما الإجماع و لقد أجمع الفقهاء على جوز بيع السلم لحاجة الناس إليه ومن المعقول أن يكون الشيء المبيع موصوفاً في الذمة و أن هذا البيع يحقق حاجة كلاً من المشتري و البائع .
حكمة مشروعية السلم:
سبب مشروعية السلم حاجة الناس إليه ، ويلجأ إليه المنتج عادة لحاجته إلى رأس المال النقدي ليستعين به على إنتاجه أو تحقيق رغباته الاقتصادية ، فالبائع يريد الإنفاق على نفسه وعياله ويحتاج إلى سيولة نقدية ، ولا يجد من يقرضه قرضاً حسناً ، وليس عنده ما يبيعه الآن ، ولكنه يستطيع الحصول عليه وتسليمه مستقبلاً فيقوم بالبيع بطريق السلم حتى يتسنى له الحصول على المال الذي يحتاجه في صورة أثمان معجّلة .
والمشتري يقدم على هذا العقد عادةً طمعاً في ربح المستقبل بالشراء بسعر أرخص مما يحتمل وقوعه ،وقد لا يتيسر له عن طريق الشراء والبيع العادي ، فيلجأ إلى الشراء بطريق السلم ، لأنّ تأجيل تسليم المبيع يقابله تخفيض الثمن عنه في حالة تعجيل التسليم ، فيبيعه بعد تسلّمه الأجل بأكثر مما اشتراه به ، فيحصل له الربح الذي يبيعه .
لذا أجازه الشرع تحقيقاً لرغبة المتعاقدين، واستثناءً من قاعدة عدم جواز بيع المعدوم، استحساناً لما فيه من مصلحة اقتصادية.
فالسلم نوع من البيع، وهو بيع الدين الذي يثبت في الذمّة بالعين المعجلة بشروط خاصة، ولذلك جاء رخصة على خلاف القياس، في النهي عن بيع المعدوم.1
شروط بيع السلم:
شروط صحة البيع عامةً:
- التوثيق أو اشتراط الضامن والكفيل.
اشتراط كيفية دفع الثمن.
اشتراط صفة الشيء المبيع.
اشتراط المنفعة للشيء المُباع.
شروط بيع السَّلَم :
تحديد صفات الشيء المُباع؛ حتى لا يحدث أيّ خلافٍ لاحقاً.
تحديد جنس الشيء المُسَّلَم ونوعه.
تحديد مقدار الشيء المُسَّلم بالوزن أو المكيال بالضبط؛ فعدم تحديد الوزن يحدث خلافٌ على مقدار السلعة المراد تسليمها للطرف الثاني.
تحديد زمن التسليم وذلك تنفيذاً لأمر الله سبحانه وتعالى :"إلى أجلٍ مسمّىً".
وجود السِّلعة أو الشيء المُسَّلَم فيه في الوقت المُحدد للتسليم؛ كأن يُقرر بيع سلمٍ على فاكهةٍ صيفيّةٍ في الشِّتاء.
أنْ يقبضَ الثمن كاملاً معلوم المقدار في مجلس العقد.
أنْ يكونَ المُسَّلَم فيه غير معين بل يكون دَيناً في الذِّمة حتى لا يتلف قبل تسليمه كالسَّلَم على شجرةٍ أو منزلٍ.
ولعقد السلم شروط معينة عند أبي حنيفة أهمها:
- قبض الثمن في مجلس العقد.
- أن يكون محل العقد موجوداً في الأسواق وقت العقد.
- أن يستمر وجودها إلى وقت وفائها.
- كما يشترط أيضا وضوح الصفات والحجم والثمن.
الإجراءات العملية لبيع السلم:
ــ ( كما تقوم به المصارف الإسلامية ).
تتمثل الإجراءات العملية لتنفيذ بيع السلم والسلم الموازي كما تقوم به المصارف الإسلامية في الأتي:
أولا: طلب الشراء:
يتلقى المصرف الإسلامي طلباً من العميل يوضح فيه رغبته في تمويل سلعة معينة وبمواصفات محددة معروفة على أن يدفع المصرف للعميل ثمنها معجلاً ويكون الاستلام مؤجلاً.
ويحرر العميل نموذج يسمى طلب تمويل سلعة (شئ) بصيغة السلم ومن أهم البيانات التي تظهر في هذا الطلب ما يلي:ــ
أ- مواصفات وكمية السلعة موضوع السلم.
ب - الثمن المقترح لهذه السلعة في ضوء المعلومات المتاحة ومقدار التمويل.
ج - بعض المستندات المتعلقة بالعميل.
د - ميعاد وشروط التسليم ومكانه.
ثانيا: دراسة جدوى طلب الشراء:
يقوم قسم الائتمان في المصرف الإسلامي بدراسة طلب العميل من جميع النواحي مع التركيز على:
أ- التحقق من صحة البيانات والمعلومات الواردة عن العميل.
ب- دراسة السلعة وسوقها موضوع السلم من ناحية المخاطر والقابلية للتسويق.
ج- دراسة النواحي الشرعية للسلعة موضوع السلم.
د- دراسة ثمن الشراء ونسبة الربح.
هـ- دراسة الضمانات والكافلات المقدمة من العميل.
و- دراسة إمكانية التسويق وتنفيذ السلم.
ثالثا: إبرام عقد السلم الأول:
في حالة الموافقة من قبل المصرف على تنفيذ العملية بعد بيان جدوها يحرر عقد بيع السلم بين المصرف (المشتري) والعميل (البائع).
الخاتمة
أحمد المولى تبارك وتعالى على منه على بإعداد هذا البحث والانتهاء منه فله الشكر والحمد على نعمه وكرمه وفضله وعظيم سلطانه والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله. أما بعد....
فقد قمت على صفحات هذا البحث بتناول موضوع بيع السلم وقد قمت في هذا البحث باستعراض عدد من العناصر التابعة لهذا الموضوع .
- تعريف بيع السلم.
- حكم بيع السلم.
- شروط بيع السلم.
- الإجراءات العملية لبيع السلم.
وآمل أن أكون قد استعرضت هذا الموضوع على النحو اللائق وأخيراً أدعو الله تعالى أن يجعل العمل في موازين حسناتنا ونسأله المغفرة والرضوان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع:
1- حسين شحاتة، أسس ونظم المعالجات المحاسبية لبيع السلم والسلم الموازي كما تقوم به المصارف الإسلامية، جامعة الأزهر ، القاهرة، 2008م..
2- صلاح الشلهوب ، عن بيع السلم .
3- حكمت مصلح ، مقارنة بين السلم و الربا في الفقه الإسلامي . 2007 م
4- أبو محيميد ، موسى عمر, مخاطر صيغ التمويل الإسلامي و علاقتها بمعيار كفاية رأس المال للمصارف الإسلامية من خلال معيار بازل , , 2008 م .
5- الهيتي ، عبد الرزاق، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ، (د.ط) دار أسامة للنشر ، عمان ، ص 530 .
6- القضاة ، زكريا محمد ، السلم والمضاربة من عوامل التيسير في الشريعة الإسلامية ، ط1، دار الفكر للنشر والتوزيع ، عمان، 1984م .
7- الزحيلي ، محمد ، مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية ، العدد الثالث عشر ، 1417هـ .