تزوير الشيكات والحاجة إلى طباعتها طباعة أمنية
عبد الفتاح سليمان
يكثر استخدام الشيكات كأداة وفاء من قبل عديد من عملاء البنوك من الجهات الحكومية والشركات والأفراد, إضافة إلى استخدام البنوك ذاتها الشيكات المصرفية (المعتمدة) كأداة وفاء أيضاً.
وكثيراً ما تتداول الشيكات للأمر من شخص إلى آخر بطريق التظهير، وفي كل الأحوال تقدم الشيكات إلى البنوك المسحوبة عليها لصرف قيمتها.
تزوير الشيكات
تتعرض الشيكات للتزوير، وقد يكون هذا التزوير كاملا فيرد على جميع بيانات الشيك بما فيها توقيع العميل، ويحدث ذلك عند استيلاء أحد الأشخاص على ورقة شيك (نموذج بنك) على بياض ثم يقوم المزور بتدوين بيانات الشيك بالكامل وتذييلها بالتوقيع المنسوب صدوره للعميل الساحب صاحب الشيك.
وقد يكون تزوير الشيك جزئياً فيرد على بعض بيانات شيك تم تحرير بياناته بالكامل، وغالباً ما يكون التزوير في هذه الحالة بطريق المحو والإضافة، والمقصود بالمحو التخلص من بعض البيانات المدونة في الشيك وإخفاء آثارها ووضع بيانات أخرى غيرها.
وأغلب ما يقع من التزوير بالمحو على الشيكات يكون على مبلغ الشيك حيث تتم إزالة المبلغ الأصلي الوارد في الشيك أو جزء منه ووضع مبلغ أكبر من مبلغ الشيك، وقد يقع المحو أيضاً على اسم المستفيد من الشيك ووضع اسم آخر بديل عنه، وأحياناً يقع التزوير بالمحو على تاريخ الشيك.
أسلوبا تزوير الشيك بالمحو
للتزوير بالمحو أسلوبان أحدهما يدوي والآخر كيماوي.
والمحو اليدوي يستهدف نزع الطبقة السطحية من البيانات المراد تزويرها في الشيك، ويترتب على هذه العملية إزالة طبقة الصقل الموجودة في المكان الذي تعرض لها وتفكك الألياف الداخلة في تركيب ورقة الشيك من تماسكها الداخلي.
ويتم المحو اليدوي لبعض البيانات الواردة في الشيك عن طريق الكشط أو عن طريق الحك، وفي الكشط يستخدم المزور آلة حادة (كالموسى)، ويكون الكشط عادة إذا كان المحو يستهدف تعديل أرقام أو أحرف في بعض الألفاظ التي تشغل حيزاً بسيطاً من سطح ورقة الشيك كرقم من مبلغ الشيك أو كلمة من اسم المستفيد أو البعض من أحرفها.
وفي التزوير بالمحو بأسلوب الحك يستخدم المزور أدوات لينة مثل الممحاة المصنوعة من المطاط (الإستيكة) أو المصنوعة من المطاط المخلوط بالزجاج، والأخيرة تستخدم غالباً للمحو في الكتابات المحررة بالمواد السائلة، ويلجأ المزور إلى عملية الحك عندما تكون الكتابة المراد محوها في الشيك متعددة الأرقام أو الألفاظ وتشغل مساحة كبيرة نسبياً من سطح ورقة الشيك.
أما التزوير بالمحو الكيماوي فهو عملية تؤدي إلى تحويل بعض بيانات الشيك من بيانات ذات لون إلى بيانات من دون لون لا تدركها العين العادية، ثم يقوم المزور بعد ذلك بإضافة البيانات الأخرى التي يريدها، ومن المحاليل التي تستخدم في المحو الكيماوي المحاليل التي تحتوي على مواد مؤكسدة وأهمها الكلور، والمحاليل التي تحتوي على مواد قلوية مثل الصودا الكاوية المخففة ومثل محلول النشادر.
ويعتبر التزوير بالمحو الكيماوي أكثر خطورة من المحو اليدوي لأنه لا يترك أثراً لكشفه بالعين المجردة, خاصةً إذا كان حديثاً فيبدو سطح ورقة الشيك سليماً لأول وهلة من كل عيب، فإذا مضى على هذا المحو زمن طويل نسبياً أضحى الجزء من سطح ورقة الشيك الذي تعرض له تعتريه صفرة خفيفة ربما تدركها عين الإنسان وربما تخطئ في إدراكها.
والتزوير بالمحو الكيماوي يتم اكتشافه بوسائل معملية وليس بالعين المجردة، وأهم هذه الوسائل فحص سطح الشيك بالأشعة فوق البنفسجية.
ويتضرر من التزوير كل من ساحب الشيك (مصدره) ومظهره والمستفيد منه، وأغلب ما يتضرر من ذلك الشيك البنك المسحوب عليه نفسه، لأنه هو الذي قام بصرف قيمة الشيك المزور على العميل.
الحد من التزوير بالطباعة الأمنية
وللحد من عمليات وآثار التزوير الذي على الشيكات لجأ عديد من البنوك العالمية إلى طباعة الشيكات بطريقة يسهل معها اكتشاف التزوير, الذي ربما يقع عليها, وهو ما اصطلح على تسميته بالطباعة الأمنية.
وتعتمد الطباعة الأمنية للشيكات على إضافة بعض الألياف الصناعية والمواد الكيماوية إلى عجينة الورقة التي تصنع منها أوراق الشيكات، ويترتب على هذه الإضافات أنها تكشف بوضوح الكشط أو المحو اليدوي الذي تتعرض له ورقة الشيك, حيث يترتب على هذه الإضافات نزع الطبقة السطحية لورقة الشيك في المكان الذي تعرض للكشط أو المحو فتظهر ألياف ورقة الشيك ويكتسب سطحها ملمساً خشناً واضحاً يظهر للعين المجردة بسهولة ويسهل على موظف البنك المسحوب عليه اكتشافه.
ومن المعروف أن جودة الورق وصلاحيته للغرض الذي صنع من أجله تتوقف على نوع الألياف المستعملة في صناعته وطريقة صقلها ومواد التجميل والحشو والمواد الكيماوية الداخلة في صناعتها.
كما يترتب على هذه الإضافات للعجينة المصنوعة منها ورقة الشيك أن بعض المواد الكيماوية من هذه الإضافات تتفاعل مع المحاليل المستعملة في التزوير بالمحو الكيماوي فتكون مواد أخرى ذات ألوان خاصة مميزة يسهل اكتشافها بالعين العادية لموظف البنك المسحوب عليه.
ومن وسائل طباعة الأمان أن البيانات المطبوعة في ورقة الشيك تطبع بأحبار خاصة من النوع الذي ينهار أمام المواد الكيماوية المزيلة للألوان التي تستخدم في المحو الكيماوي.
وأخيراً أضيف إلى طباعة الأمان في صناعة أوراق الشيكات العلامات المائية وخطوط الأمان الذي يصعب تقليدها وتسهل في الوقت نفسه اكتشاف أي تغيير أو تعديل يتم إدخاله على بيانات الشيك، ومن المفضل أن يكون للورق الذي تطبع عليه الشيكات مواصفات الـ CBSI، وأن يتم استعماله لهذا الغرض.
عديد من الشيكات تفتقد وسائل الأمان
رغم وضوح ومعرفة هذه الحزمة من وسائل الأمان في طباعة الشيكات التي تقي البنوك وعملاءها مخاطر التزوير، ورغم تعليمات مؤسسة النقد العربي السعودي الواضحة في هذا الخصوص، إلا أن بعض البنوك لا تزال تستخدم الشيكات المطبوعة على أوراق لا تتوافر فيها شروط الأمان المطلوبة على النحو السابق بيانه.
الصك المسطر في مصر أداة ائتمان وليس شيكاً
عبد الفتاح سليمان
تسطير الشيك هو وضع خطين متوازيين في صدره, بينهما فراغ أو بينهما كلمة بنك (وهذا يسمى التسطير العام), أو يكتب بين الخطين المتوازيين اسم بنك معين (وهذا هو التسطير الخاص).
ويترتب على تسطير الشيك سواء كان التسطير عاماً أو خاصاً, أنه لا يجوز للبنك المسحوب عليه أن يتسلم شيكاً مسطراً لوفاء قيمته إلا من أحد عملائه أو من بنك آخر, كما لا يجوز له أن يقبض قيمة هذا الشيك لحساب أشخاص غيرهم, ويكون الوفاء بقيمة الشيك المسطر عن طريق الإيداع في أحد البنوك, فلا يجوز دفع قيمته للمستفيد نقداً.
وفى التسطير العام للشيك يدفع البنك المسحوب عليه قيمته في حساب المستفيد لدى أي بنك, أما في التسطير الخاص للشيك فيدفع البنك المسحوب عليه قيمة الشيك لحساب المستفيد لدى البنك المعين اسمه بين الخطين المتوازيين.
والقاعدة أن الشيك أداة وفاء يقوم مقام النقود, لذا فإنه مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع وكل بيان يخالف ذلك يعتبر كأن لم يكن (المادة 503/1 من قانون التجارة), فإن قدم الحامل الشيك إلى البنك المسحوب عليه للوفاء قبل التاريخ المبين في الشيك تعين على البنك المسحوب عليه صرف قيمة الشيك يوم التقديم متى كان لـه مقابل وفاء قابل للصرف.
ومعنى عبارة (وكل بيان يخالف ذلك يعتبر كأن لم يكن) أن يلتزم البنك المسحوب عليه بصرف قيمة الشيك حتى ولو كان تاريخه لاحقاً لتاريخ تقديمه للبنك أو كان الساحب قد دون على هذا الشيك عبارة (لا يصرف إلا في تاريخه).
استثنـاء الشيكات المسطرة والشيكات الحكومية من الدفع لدى الاطلاع
تأجل أكثر من مرة تطبيق المواد الخاصة بالشيك الواردة في قانون التجارة بسبب اعتراض بعض التجار على جعل الشيك أداة وفاء يصرف عند تقديمه إلى البنك المسحوب عليه حتى ولو كان تاريخه لاحقاً, واعتراضهم على وجوب تحرير الشيك على نموذج البنك المسحوب عليه, وكانت حجة التجار في ذلك أن لديهم عديدا من الشيكات الخطية بتواريخ آجلة مقابل البيع بالتقسيط, وكان الحل الذي لجأ إليه المشرع أن استثنى الشيكات المسطرة والشيكات الحكومية من قاعدة وجوب الوفاء بقيمتها يوم تقديمها إلى البنك المسحوب عليه, ونص صراحة على أنها لا تكون مستحقة الوفاء إلا في التاريخ المبين فيها كتاريخ لإصدارهـا (المادة 503/2 من قانون التجارة) .
رأينا في استثناء الشيكات المسطرة والشيكات الحكومية من الدفع لدى الإطلاع.
وقد انتقدنا مشروع قانون تعديل أحكام قانون التجارة باستثناء الشيكات المسطرة والشيكات الحكومية من الدفع بمجرد الاطلاع وقلنا في مقال لنا بعنوان ''الشيك المسطر والآثار السلبية لتعديل أحكامه'' نشر في ''العالم اليوم'' في 10/7/2004, أنه على الرغم من أن المشرع أدرك تماماً أن الشيك أداة وفاء واجبة الدفع لدى الاطلاع, لذا ينبغي حماية قبوله في المعاملات كأداة وفاء تجري مجرى النقود, ورغم أن المادة 503 من قانون التجارة تنص على أن الشيك مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع وكل بيان يخالف ذلك يعتبر كأن لم يكن, وأنه إذا قدم الشيك للوفاء قبل اليوم المبين فيه كتاريخ إصداره وجب وفاؤه يوم تقديمه, إلا أن مشروع تعديل القانون استثنى في الفقرة الثانية من المادة بعاليه الشيكات المسطرة المنصوص عليها في المادة 515 من القانون ذاته والشيكات الحكومية من قاعدة أن الشيك مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع, فلا تكون مستحقة الوفاء إلا من التاريخ المبين فيها كتاريخ لإصدارها. وقلنا المعروف أن الشيك أداة وفاء لأنه يجري مجرى النقود ويقوم مقامها في المعاملات فحينما يتسلم الشخص شيكاً فكأنـه قد تسلم نقداً, ولهذا فإن الشيك يصرف في تاريخ تقديمه إلى البنك المسحوب عليه حتى ولو كان يحمل تاريخـاً لاحقـاً, أما أداة الائتمان فإنها
لا تصرف إلا في تاريخ الاستحقاق الوارد فيها.
وجعل الشيك المسطر والشيك الحكومي لا يصرف إلا في التاريخ المبين فيه كتاريخ لإصداره (فلا يجوز للبنك المسحوب عليه دفع قيمته قبل ذلك التاريخ) يجعل من كل منهما أداة ائتمان وليس أداة وفاء, وهذا بدوره يؤدي إلى إخراج هذين الشيكين من عداد أنواع الشيكات الواردة في قانون التجارة ليصبح كل منهما مجرد أمر دفع موجه إلى البنك, وبالتالي لا تسري عليهما أحكام الشيكات الواردة في قانون التجارة مع
ما يترتب على ذلك من آثـار.
والسبب في أن الشيك المسطر والشيك الحكومي سيخرج من عداد أنواع الشيكات أن المادة (473/ب) من قانون التجارة نصت على البيانات الإلزامية التي يجب أن يشتمل عليها الشيك ومنها '' أمر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود ومكتوب بالحروف والأرقام'' .
وجعل الشيك المسطر والشيك الحكومي لا يصرف إلا في التاريخ المبين فيه هو تعليق لأمر الدفع على شرط هو حلول الأجل الوارد في الشيك, وبالتالي يتخلف هذا البيان الإلزامي الذي يجب أن يشتمل عليه الشيك .
ويترتب على تخلف هذا البيان الإلزامي الجوهري ألا يعتبر الصك شيكاً ( المادة 474 من قانون التجارة ), لا سيما أن المادة 503/2 الخاصة باستثناء الشيك المسطر والشيك الحكومي من وجوب الوفاء بمجرد الاطلاع لم تنص على استثناء هذين النوعين من الشيكات من وجوب توافر البيان الإلزامي الوارد في المادة 473/ب, وعلى هذا يصبح الشيك المسطر والشيك الحكومي مجرد صك وليس شيكاً, وبالتالي لا تسري عليه أحكام الشيك الواردة في قانون التجارة .
فإذا قدم الحامل الشيك المسطر أو الشيك الحكومي إلى البنك المسحوب عليه قبل حلول الأجل المبين فيه ومنحه البنك بيان امتناع عن الدفع بسبب عدم حلول هذا الأجل فقد الشيك صفته كورقة تجارية .
الآثار السلبية للاستثناء
ويترتب على الاستثناء بعاليه آثار سلبية أهمها:
(1) لا يجوز للبنك إصدار بيان امتناع عن الدفع للرجوع على ساحب الصك المسطر أو الصك الحكومي:
يقع قانوناً على عاتق البنك المسحوب عليه الشيك القيام بمجموعة من العمليات المصرفية والفنية قبل صرف الشيك أهمها التحقق من السلامة القانونية للشيك, بمعنى أن يتحقق من أن الورقة المقدمة إليه من المستفيد للصرف نقداً أو بالإيداع في الحساب شيكاً بالمفهوم الذي حدده القانون, وأول ما يتحقق منه البنك المسحوب عليه هو التحقق من توافر البيانات الإلزامية التي نص عليها القانون والتي يترتب على تخلف أحدها ألا تعتبر الورقة شيكاً ومنها أن تتضمن الورقة أمراً غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود, فإذا كان تعديل القانون قد جعل الشيك المسطر والشيك الحكومي أداة ائتمان لا يصرف إلا في التاريخ المدون فيه كانت الورقة مجرد أمر دفع موجه إلى بنك وليست شيكاً, ولذا يمتنع على البنك المسحوب عليه في حالة عدم وجود رصيد للآمر بالدفع (أو وجود أمر من الساحب بعدم الصرف في غير الحالات المقررة قانوناً, أو تحرير الصك أو التوقيع عليه بسوء نية على نحو يحول دون صرفه) أن يصدر للمستفيد بيان امتناع عن الدفع للرجوع على الساحب, وهو البيان المنصوص عليه في المادة 518/1 من قانون التجارة, لأن هذا البيان لا يصدر إلا عن شيك والورقة المقدمة للبنك (الصك المسطر أو الصك الحكومي) ليست شيكاً, ولا عقاب على البنك بمقتضى المادة 533/ج من قانون التجارة إذا لم يسلم إلى المستفيد هذا البيان لأن الأمر لا يتعلق بشيك.
وإذا سلم البنك البيان بعاليه إلى حامل الصك المسطر أو الصك الحكومي كان مخطئاً, وقام الحامل باتخاذ إجراء جنائي ضد الساحب بسبب عدم صرف الصك المسطر والصك الحكومي فإن الساحب لا يعاقب جنائياً, وإن أصاب الساحب ضرر مادي أو معنوي بسبب إجراء الحامل كان البنك المسحوب عليه ملزماً بجبر هذا الضرر .
(2) لا جريمة عن إصدار صك مسطر دون رصيد
المعروف أن العقوبة عن جريمة إصدار شيك بدون رصيد المنصوص عليها في المادة 534 من قانون التجارة (ومن قبلها المادة 337 عقوبات) تتعلق بالشيك بمعناه الصحيح وهو الصك الذي يشتمل على البيانات الإلزامية الواردة في المادة 473 من قانون التجارة, وأهمها أمر دفع غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود على اعتبار أن الشيك أداة وفاء يصرف في تاريخ تقديمه للبنك المسحوب عليه, فإن تخلف هذا البيان الإلزامي وكان الصك لا يصرف إلا في التاريخ المدون فيه كان أداة ائتمان وليس شيكاً وبالتالي لا جريمة عن إصداره بدون رصيد, وفى هذا قضت محكمة النقض بأن: الشيك الذي تقصده المادة 337 من قانون العقوبات (حالياً المادة 534 من قانون التجارة) المعاقب على إصداره إذا لم يكن له رصيد مستكمل الشرائط المبينة فيه هو الشيك بمعناه الصحيح على اعتبار أنه أداة وفاء توفى به الديون في المعاملات كما توفى بالنقود تماماً, ما يقتضي أن يكون مستحق الدفع لدى الاطلاع عليه, فإذا كانت الورقة قد صدرت في تاريخ معين على أن تكون مستحقة الدفع في تاريخ آخر فلا يمكن عدّها شيكاً بالمعنى المقصود وذلك لأنها ليست أداة وفاء (محكمة النقض: الطعن رقم 254 سنة 14 ق - جلسة 10/1/1994).
(3) لا يجوز تداول الصك المسطر أو الشيك الحكومي بالتظهير
التظهير ببساطة شديدة هو توقيع المستفيد خلف الشيك ويترتب عليه نقل ملكية الشيك إلى من تسلمه من المستفيد أو يترتب عليه تفويض البنك في تحصيل قيمة الشيك لحساب المستفيد, وهذا التظهير لا يرد إلا على الشيكات لأمر, والتاجر في حاجة دائماً إلى تظهير الشيكات المحررة لأمره وتسليمها لدائنيه الذين يتعامل معهم, كما قد يظهر التاجر الشيك لبنكه لتحصيل قيمته وإيداعها في حسابه لدى البنك. فإذا كان الصك المسطر والصك الحكومي يخرج من عداد الشيكات ويصبح مجرد أمر دفع بمجرد تقديمه للبنك المسحوب عليه, فإنه لن يتداول بعد ذلك بطريق التظهير, حيث لا يجوز تظهيره, ولا يجوز للبنك قبول تظهيره سواء كان التظهير ناقلاً للملكية أو كان لتحصيل قيمته, لأن الذي يجوز تظهيره هو الشيك.
الفرق بين الشيك الذي يظهّر والذي لا يظهّر
عبد الفتاح سليمان
حينما يصدر شخص شيكاً ويسلمه للمستفيد منه, فإن هذا المستفيد ربما يقوم بصرف الشيك نقداً من البنك المسحوب عليه أو يقوم بإيداعه في حسابه لدى بنكه, وقد يرغب المستفيد من الشيك في نقل ملكيته إلى الغير فيقوم بتظهيره إلى ذلك الغير وتسليمه له.والشيك قد يكون قابلاً للتظهير وربما لا يكون, ويخلط البعض, ومنهم ـ مع الأسف ـ بنوك ومحاكم (أجنبية) بين الشيك الذي يمكن تظهيره والشيك الذي لا يظهّر.
وأحكام الشيك في مصر ينظمها القانون رقم 17 لسنة 1999 الصادر بتاريخ 17/5/1999 بإصدار قانون التجارة, وذلك في المواد من 472 إلى 539 المعمول بها اعتباراً من أول تشرين الأول (أكتوبر) 2005 (عدا المادتين 535 و536 اللتين عمل بهما اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون).
وفي الدول العربية والأجنبية ينظم أحكام الشيك القوانين الصادرة فيها, ومن ذلك نظام (قانون) الأوراق التجارية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 37 بتاريخ 11/10/1383هـ وقانون المواد المدنية والتجارية القطري, وقانون التجارة الأردني رقم 12 لسنة 1966, وقانون التجارة الكويتي الصادر بالمرسوم بقانون رقم 68 لسنة 1980.
تـــداول الشيــك
تداول الشيك يعني انتقاله بعد إصداره من شخص إلى شخص, وهذا التداول يتم بإحدى طرق ثلاث حسب طبيعة الشيك, ومدى قابليته للتداول, وهذه الطرق هي التظهير في الشيك لأمر, وحوالة الحق في الشيك الاسمي, والتسليم في الشيك لحامله.
تداول الشيك للأمر بالتظهير: التظهير تصرف قانوني ينتقل بموجبه الشيك والحق الذي يمثله من شخص يسمى المظهر (المستفيد الأول أو الحامل) إلى شخص آخر يسمى المظهر إليه (المستفيد الثاني) نقلاً تاماً, وقد يكون التظهير على سبيل التوكيل حينما يظهّر الشيك المستفيد منه إلى بنكـه ويودعه لديه ليقوم بتحصيل قيمته وإيداعها في حساب ذلك المستفيد لدى البنك.
ويتم التظهير عادة على ظهر الشيك, ولذا سمي تظهيراً.
ويشترط في تظهير الشيك عدة شروط موضوعية, هي أن يكون مُظهر الشيك حاملاً شرعياً له بأن يكون هو المستفيد الأول منه أو من آل إليه الشيك بسلسلة متصلة من التظهيرات, وأن يكون المظهر أهلاً للتوقيع على الشيك, بأن يكون بالغاً سن الرشد المدني, وأن يصدر التظهير من شخص ذي صفة وسلطة في التظهير بأن يكون المظهر هو المالك نفسه أو وكيله أو نائبه المفوض, وأن يكون التظهير خالياً من عيوب الرضا بألا يقع المظهر تحت تأثير الغلط أو الإكراه أو التدليس, وأن يكون التظهير خالياً من أي شرط ( وكل شرط يعلق عليه التظهير يعتبر كأن لم يكن ويبقى التظهير صحيحاً), وأن يرد التظهير على كامل مبلغ الشيك وبالتالي لا يجوز صرف الشيك المظهر تظهيراً جزئياً.
ويشترط لصحة التظهير شرط شكلي واحد هو صيغة التظهير, بأن يتضمن تظهير الشيك إعلاناً عن إرادة المظهر نقل الحق الثابت في الشيك من المظهر إلى المظهر إليه نقلاً تاماً, أي تظهير ناقل للملكية (وهذا هو الأصل), أو على سبيل التوكيل للتحصيل (من المستفيد إلى بنكه), وذلك بذكر عبارة تفيد التوكيل كعبارة ( القيمة للتحصيل) أو (القيمة للقبض), أو أي بيان آخر يفيد التوكيل كعبارة ( يودع في حسابنا رقم... ).
وبيانات التظهير عادة هي اسم المظهر إليه, وتاريخ التظهير, وتوقيع المظهر (وهذا هو التظهير الكامل), ويجوز أن يتم التظهير على بياض بتوقيع المستفيد خلف الشيك دون أي بيانات أخرى (وهو التظهير على بياض). ويرد التظهير إذا كان كاملاً على وجه الشيك أو على ظهره, أما إذا كان التظهير على بياض, فيشترط لصحته أن يتم على ظهر الشيك وليس على وجهه, حتى لا يتم الخلط بينه وبين الضمان الاحتياطي الذي يرد على وجه الشيك.
تداول الشيك الاسمي بحوالة الحق: إذا كان الشيك غير قابل للتظهير فيكون شيكاً اسمياً, أي لا يجوز تظهيره وبالتالي لا يصرف إلا للمستفيد الأول منه, ويتم تداوله (أي انتقال ملكيته من المستفيد الأول إلى الغير) بطريق حوالة الحق, أي بتنازل المستفيد كتابه عن الشيك إلى الغير.
تداول الشيك لحامله: بالتسليم من يد إلى يد, والشيك لحامله هو الشيك المحرر للحامل, أو لشخص مسمى ومنصوص فيه على عبارة ''أو لحامله'' أو أي عبارة أخرى تفيد هذا المعنى, أو الشيك الذي لم يذكر فيه اسم المستفيد.
الشيـك الذي يظهّر
الشيك الذي يظهّر هو الشيك المشروط دفعه إلى شخص مسمى سواء نص فيه على شرط الأمر أو لم ينص (المادة 486/2 من قانون التجارة, والمادة 98 من نظام الأوراق التجارية السعودي), ومثال ذلك أن يرد بالشيك عبارة (ادفعوا لأمر السيد/ فلان), أو عبارة ( ادفعوا للسيد/ فلان ) دون ذكر كلمة لأمر, ففي الحالتين يجوز للمستفيد من الشيك تظهيره (أي نقل ملكية) إلى شخص آخر.
الشيـك الذي لا يظهّر
والشيك الذي لا يظهّر هو الشيك المشروط دفعه لشخص مسمى والمكتوبة فيه عبارة (ليس لأمر) أو أي عبارة أخرى بهذا المعنى (المادة 486/3 من قانون التجارة المصري), أو أي عبارة أخرى مماثلة (المادة 98 من نظام الأوراق التجارية السعودي).
ومعنى ذلك أن الشيك الذي لا يظهّر لـه حالتان:
الحالة الأولى: أن يكتب في الشيك عبارة (ادفعوا ليس لأمر...).
والحالة الثانية: وفيها أدرك القانون مدى ثقل عبارة ( ادفعوا ليس لأمر... ), خاصة أن العرف المصرفي وما عليه العمل في طباعة أوراق دفاتر الشيكات قد جرى على طباعة عبارة ( ادفعوا لأمر... ) في ورقة الشيك, ولذا نص القانون على جواز وضع عبارة أخرى تحل محل عبارة ( ادفعوا ليس لأمر... ) بالشيك بهذا المعنى ( كما تنص عليه المادة 486/3 من قانون التجارة المصري) أو أي عبارة أخرى مماثلة ( كما تنص عليه المادة 98 من نظام الأوراق التجارية السعودي). لكن ما العبارة الأخرى بهذا المعنى ( الواردة في القانون المصري), أو العبارة الأخرى المماثلة ( الواردة في نظام الأوراق التجارية السعودي).
المعروف أن المقصود بعبارة ( ادفعوا ليس لأمر ) أنه لا يجوز للمستفيد الأول من الشيك تظهيره إلى الغير, ولذا فإن وضع أي عبارة أخرى في الشيك بهذا المعنى أو مماثلة لها تعني أن الشيك لا يتم تظهيره, والذي يملك كتابة بيانات الشيك بما فيها وضع عبارة (ادفعوا لأمر), أو عبارة (ادفعوا ليس لأمر), أو أي عبارة بهذا المعنى أو مماثلة لها هو ساحب الشيك نفسه (أو حامله), حتى ولو كانت نماذج الشيكات تطبع بمعرفة البنك المسحوب عليه, فساحب الشيك له مطلق الحرية في وضع العبارة التي يراها على صدر الشيك تفيد معنى, أو مماثلة لعبارة (ادفعوا ليس لأمر) لتجعل الشيك لا يظهّر.
وجرى العرف المصرفي واستقرت أحكام القضاء على أن العبارة التي تعني عبارة (ادفعوا ليس لأمر) أو المماثلة لها, التي يترتب عليها اعتبار الشيك اسمياً لا يجوز تظهيره يمكن أن ترد في الصور التالية :
(1) شطب كلمة (لأمر) : بأن يقوم ساحب الشيك أو حامله بشطب كلمة (لأمر) الواردة في نموذج الشيك, لأن شطب كلمة لأمر يعنى إعلان عن إدارة المستفيد الأول أو حامل الشيك بأن يكون هذا الشيك غير قابل للتظهير, وفى هذه الحالة يتحول الشيك للأمر إلى شيك اسمى غير قابل للتظهير.
ولا يمكن لأحد إهدار إدارة المستفيد الأول أو حامل الشيك في هذا الصدد, وإلا كان شطبه لكلمة (لأمر) عبثا, والعبث منهي عنه شرعاً وقانوناً. وفي هذا قضت محكمة النقض المصرية بأنه: إذا كان الشيك اسمياً بأن تضمن شرط الأمر وتم شطبه, فإن تداوله يكون طبقاً للأوضاع المقررة لحوالة الحق في القانون المدني (الطعن رقم 570 لسنة 70 ق- جلسة 22/5/2001), أي أن هذا الشيك يتحول من شيك للأمر يجوز تظهيره إلى شيك اسمي لا يجوز تظهيره, وبالتالي تنتقل ملكيته بحوالة الحق.
ورغم وضوح ما تقدم, فإن بنك مصر قد خالفه وجرت تعليمات جهاز تفتيشه على أن شطب كلمة (لأمر) في الشيك لا تمنع تظهيره (تعليمات جهاز التفتيش بتاريخ 29/5/2005).
ولا يجوز للبعض القول إن حكم محكمة النقض بعاليه صادر عام 2001 قبل تطبيق قانون التجارة المصري, وبالتالي لا يسري على ما تقدم, لأن حكم محكمة النقض المذكور كان تقنيناً لما جرى عليه العرف المصرفي قبل إصدار قانون التجارة, ولا يخالف القانون الحالي, بل هو مفسر للعبارة التي تعني (ليس لأمر).
(2) وضع خاتم (يصرف للمستفيد الأول فقط), وأحياناً يضع ساحب الشيك أو حامله عبارة أو خاتم (يصرف للمستفيد الأول فقط) على صدر الشيك المتضمن كلمة (لأمر), أو يضع عبارة أو خاتم (غير قابل للتداول) أو (غير قابل للتظهير), وكلها عبارات تكشف عن إرادة ساحب الشيك أو حامله في أن يكون الشيك غير قابل للتداول.
يؤيد ما تقدم ما تنص عليه المادة 477/4 من قانون التجارة (وهو ما تنص عليه أيضا المادة 95/ج من نظام الأوراق التجارية السعودي) من أن: (الشيك المستحق الوفاء في مصر والمشتمل على شرط غير قابل للتداول لا يدفع إلا للمستفيد الذي تسلمه مقترناً بهذا الشرط), حيث يصبح هذا الشيك اسمياً, ولا يتم تظهيره, وينتقل الحق الثابت فيه بطريق حوالة الحق, وشرط غير قابل للتداول مماثل لشرط يصرف للمستفيد الأول فقط وشرط غير قابل للتظهير, وكلها تلغي كلمة (لأمر) الموجودة في الشيك.
القضاء السعودي
ورغم ما تقدم, قضت لجنة تسوية المنازعات المصرفية في المملكة (وهي محكمة مصرفية متخصصة) في حكمين لها بالمخالفة لنظام الأوراق التجارية السعودية, حيث قضت في الحكم الأول بعدم جواز الاحتجاج بأن الشيكات الحكومية لا تصرف إلا للمستفيد الأول فقط, لأن احتواء الشيك على كلمة (لأمر) تجعله قابلاً للتظهير ما لم يقيد صرفه لشخص معين بالذات (القرار رقم 98/1425 – المنشور بالمنازعات المصرفية, المبدأ رقم 512, ص 339), والحكم الثاني قضى بأن إضافة عبارة يصرفه للمستفيد الأول فقط على الشيك المحتوي على كلمة (لأمر) لا تلغى تلقائياً كلمة لأمر. مؤدى ذلك لا يسري أثر هذه العبارة إلا إذا شطبت كلمة لأمر.
لا يعتبر البنك مخالفاً في حالة قبول تظهيره (القرار رقم 153/1426, المنشور في المنازعات المصرفية, المبدأ رقم 761/ ص 413 ).ويترتب على الحكمين بعاليه القاضيين بأن وضع عبارة (يصرف للمستفيد الأول فقط) على صدر الشيك لا يحول دون تظهيره طالما وجدت كلمة (لأمر) في الشيك ولم تشطب.
وهذان الحكمان يتجاوزان نص المادتين 98 و95 من نظام الأوراق التجارية ويهدرها, حيث تنص المادة الأولى على أنه: ''... والشيك المشروط دفعه إلى شخص معين والمكتوب فيه عبارة ليس لأمر أو أي عبارة أخرى مماثلة لا يجوز تداوله إلا باتباع أحكام حوالة الحق, أي أنه شيك اسمى لا يظهّر'', وتنص المادة الثانية على أنه: ''.. والشيك المشتمل على شرط (غير قابل للتداول) لا يدفع إلا لحامله الذي تسلمه مقترناً بهذا الشرط''.
وأي عبارة أخرى مماثلة لعبارة (ليس لأمر) مثل عبارة (يصرف للمستفيد الأول فقط) أو عبارة (غير قابل للتداول) أو عبارة ( غير قابل للتظهير), تعني انصراف إدارة ساحب الشيك أو حامله إلى عدم جواز تظهيره, وهي إدارة يجب احترامها من قبل القضاء ومن قبل البنوك, لأن نص (أو أي عبارة أخرى مماثلة) الواردة في المادة 98 من نظام الأوراق التجارية السعودي لم يوضع عبثاً, وإنما وضعه النظام احتراماً لإرادة أطراف الشيك, كما أن وضع عبارة (يصرف للمستفيد الأول فقط) هو تعديل لكلمة (لأمر) الواردة في نموذج الشيك المطبوع باعتبار تلك العبارة لاحقة في وضعها لتاريخ وضع كلمة (لأمر).
والحقيقة أن الحكمين بعاليه وضعـا البنوك السعودية في مأزق باعتبارهما مخالفين النظام, ومخالفين لما جرى عليه العمل والعرف المصرفي, مما تضطر معه البنوك إلى إما إصدار نموذجين للشيكات أحدهما فيه شرط الأمر هكذا (ادفعوا لأمر... ) والآخر فيه عبارة (ادفعوا ليس لأمر... ), أو إصدار نموذجين للشيك أحدهما فيه كلمة (لأمر) والآخر فيه الكلمة نفسها لكنها مشطوبة.
ولذا, ندعو لجنة تسوية المنازعات المصرفية إلى العدول عن حكميها المشار إليهما التزاما بما ورد في النظام وما استقر عليه العرف والعمل المصرفي, ولا غضاضة في ذلك العدول, إذ هو خير من الإصرار عليه.