العقد الإداري يختلف عن العقد المدني، هناك إدارة طرف (قوي بالقانون) يملك إمتيازات السلطة العامة و طرف خاص (ضعيف) يفتقر إلى أدنى سلطة تمكنه من مواجهة السلطة الإدارية و قد أثّر ذلك على تنفيذ العقد الإداري خلافا لما هو معمول به في العقود الخاصة و التي تعتمد أساسا على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
حيث نجد الإدارة تملك وسائل قانونية تمكنها من التأثير المباشر على تنفيذ العقد و لا يعني هذا أبدا التضحية بحقوق المتعاقد معها حيث يملك هذا الأخير بعض الضمانات التي تكفل له حماية حقوقه و لذلك سوف نتناول :
1- سلطة الإدارة في تنفيذ العقد
2- الضمانات
1- سلطات الإدارة في تنفيذ العقد :
تملك الإدارة عدة وسائل قانونية ليس لها مقابل في نطاق القانون الخاص :
- سلطة فرض الرقابة.
- سلطة التعديل .
- سلطة فرض العقوبات.
- سلطة فسخ العقد بإرادتها المنفردة.
* سلطة فرض الرقابة :
تتمتع الإدارة بسلطة الرقابة في مجال تنفيذ عقودها من وقت إبرامه، و أساس هذه السلطة تتجسد في فكرة المرفق العام، فهناك ترابط بين المرفق العام و الصالح العام، و العقد بإعتباره أداة أساسية لتحقيق الصالح العام و سير المرفق العام مما يستوجب تطبيق القواعد المتعلقة بالمرفق العام و من أهمها السير المنتظم و المضطرد للمرفق العام و لذلك فالرقابة لها طابع تنظيمي أكثر منه تعاقدي.
و لذلك فالإدارة تملك سلطة الرقابة حتى و لو لم يدرج ذلك في العقد، كإصدار الأوامر اتجاه المتعاقد معها أو الإعذارات، و تتخذ هذه الأوامر مفهوم القرارات الإدارية إذا ما رتبت آثار قانونية جديدة و تتمتع هذه الأوامر بقوة تنفيذية مثل القرارات كما تملك الإدارة في إطار الرقابة المستمرة لتنفيذ العقد وسائل مادية للتحقيق في مدى ملائمة المواد المستعملة مع المقاييس المعروفة وطنيا و عالميا و إجراء الخبرة و الفحص اللازمين.
* سلطة التعديل :
للإدارة سلطة التعديل في حدود ما يسمح به القانون إذا ما تعلق العقد بأحد الشروط المتعلقة بذلك، و(*) يجب أن يكون التعديل في إطار مضمون العقد المبرم أي محل العقد، و (*) أن يكون هذا التعديل مرتبط أساسا بالمصلحة العامة "الصالح العام"، إذا كانت للإدارة سلطة تعديل حقوقها فتلتزم بتقديم تعويضات للمتعاقد معها إذا كان هناك فارق في السعر.
* سلطة فرض العقوبات :
لقد إستقر القضاء على أن للإدارة إمكانية فرض عقوبات على المتعاقد معها في حالة عدم الإلتزام بتنفيذ العقد وهذا يتحقق أساسا حالة التأخير في التنفيذ أو تنفيذ العقد تطبيقا ناقص.
كما يمكن أن يتضمن العقد بندا بإمكانية الإدارة اللجوء إلى فرض عقوبات في البيانات التكميلية و قد لا تدرج في العقد و هذا لا يعني عدم إمكانية فرض عقوبات.
كما يمكن للإدارة أن تلجأ إلى متعهد أو متعاقد آخر لإستكمال تنفيذ العقد أو تنفيذه تنفيذا سليما و على المتعاقد الأوّل (المخل بإلتزامه) دفع الفارق في السعر.
و الهدف من تقدير هذه العقوبة خلافا لما هو وارد في القانون الخاص، فإن العقوبة المالية لا علاقة لها بجبر الحاصل، بل هدفها تأمين سير المرفق العام.
تقرير هذه العقوبات خاضع للقاضي الإداري لتقرير مدى ملائمتها إذا طلب منه ذلك.
* سلطة الفسخ :
يمكن إدراج الفسخ بإرادة الإدارة ضمن العقوبات الإدارية و أخطرها و المقصود بالفسخ بإرادة الإدارة هو إنهاء الرابطة التعاقدية بدون اللجوء إلى القاضي الإداري أو موافقة المتعاقد معها، و إذا كان القانون قد اشترط أن يذكر شرط في البيانات الأساسية نظرا لخطورته غير أن القانون أعطى للسلطة الإدارية بسلطة الفسخ كقاعدة عامة إذا ما توافرت شروطه حتى و لو لم يدرج في البيانات.
إذا لم ينفذ تنذره المصلحة المتعاقدة ليفي بإلتزاماته و إذا لم يتدارك المتعاقد في الأجل المحدد في الإنذار يمكن للمصلحة المتعاقدة أن تفسخ الصفقة من جانب واحد و لا يمكن الإعتراض على المصلحة المتعاقدة بفسخ الصفقة عند تطبيقها البنود التعاقدية في الضمان، كذلك الملاحقات الرامية.
و لذلك فإن تقرير فسخ العقد من جانب الإدارة وحدها هو مقرر لجميع العقود الإدارية بشرط توفر شروط في حدود ما يسمح به القانون و أهم هذه الشروط إخلال خطير من جانب المتعاقد مع الإدارة.
2- ضمانات و حقوق المتعاقد :
* حق الدفع :
من أهم حقوق المتعاقد مع الإدارة هو حق الدفع أي دفع السعر المتفق عليه في العقد و يتحقق هذا بعد تنفيذ المتعاقد لإلتزاماته التعاقدية أي بعد إنجاز الأشغال أو التوريدات أو الخدمات أو الدراسات، و يتم هذا الدفع إمّا دفعة واحدة أو عن طريق نظام الأقسام.
و قد نظم قانون الصفقات العمومية الطرق المعتمدة في الدفع و هي لا تخرج عن طرق ثلاث :
التسبيق : هو مبلغ يدفع قبل تنفيذ الخدمات التي هي موضوع العقد و بدون مقابل للتنفيذ المادي للخدمة.
و تنطبق هذه الحالة عادة في العقود التي يتطلب تنفيذها مبالغ ضخمة تتجاوز حدود إمكانية المتعاقد معها.
الدفع عن الحساب : أي أن الإدارة تلتزم أو تقوم به خارج التسبيقات و يكون هذا الدفع مرتبط إرتباط مباشر بالتنفيذ الجزئي للخدمة.
التسوية على حساب الرّصيد : و هو الدفع المؤقت أو النهائي للسعر المتفق عليه بعد التنفيذ الكامل لموضوع العقد.
* إلتزام الإدارة بتحقيق التوازن المالي للعقد:
يهدف المتعاقد مع الإدارة على الحصول على مال من وراء تنفيذه للعقد و يتحدد هذا المبلغ المالي حسب ما تم الإتفاق عليه. و هو غير قابل للتعديل كقاعدة عامة.
غير أنه في بعض الظروف التي تواكب مرحلة تنفيذ العقد قد يكون المتعاقد مع الإدارة في وضعية صعبة تؤثر على إتمام تنفيذ العقد تنفيذا سليما و هذه الوضعية قد تزيد في أعباء تكاليف تنفيذ العقد و قد يؤدي في بعض الأحيان إلى صعوبة أو استحالة تنفيذ العقد.
و نظرا لإرتباط العقد بالمرفق العام و تحقيق الصالح العام، فقد إستقر الأمر على أنه يجب على الإدارة تحقيق التوازن المالي لعقودها حتى يستمر المتعاقد في تنفيذ العقد و تحقيق أهدافه (المرفق العام و الصالح العام)، بحيث تلتزم الإدارة تحمل زيادة الأعباء (الأعباء الإضافية)، تطبيقا و تحقيقا للتوازن المالي للعقد.
و قد إعتمد القضاء عدة نظريات أهمها : نظرية فعل الأمير، نظرية الظروف الطارئة و نظرية القوة القاهرة.
نظرية فعل الأمير
و قد يطلق عليها حاليا المخاطر الإدارية ، و يقصد بها صدور عمل أو إجراء إداري من السلطة الإدارية المتعاقدة يؤثر على تنفيذ العقد بحيث يزيد (بسبب هذا التدخل)، في أعباء إضافية للمتعاقد معها أي أن العقد يصبح أكثر تكلفة خلافا لما اتفق عليه و يشترط لتطبيق نظرية فعل الأمير خمس شروط أساسية :
1- أن نكون بصدد تنفيذ عقد إداري و بالتالي لا مجال لتطبيق هذه النظرية في مجال العقود التي تبرمها الإدارة في مجال العقود الأخرى.
2- أن يكون هذا الإجراء أو العمل صادرا عن سلطة إدارية عامة و عادة تكون المتعاقد معها.
3- أن يكون هذا الإجراء غير متوقع وقت إبرام العقد، فإذا كان متوقع فالإدارة لا تلتزم بالتعويض، كأن تعدل الإدارة العقد بكيفية تؤثر تأثير كبير على مسار تنفيذ العقد من الناحية العملية أما إذا كان التعديل محدد و لا يؤثر تأثير كبير فهو أمر متوقع.
4- أن يؤدي هذا الإجراء إلى أضرار مالية يخل بالتوازن المالي للعقد، و أن هذا الإجراء خاص بالمتعاقد و ليس عام و غير عادي.
أما إذا رتب ضرر عام فلا تعتمد نظرية فعل الأمير.
5- ألاّ يشكل هذا الإجراء خطأ من الإدارة لأنه في هذا الحالة تلتزم الإدارة بالتعويض على أساس الخطأ و ليس على أساس المخاطر.
مثال: تعديل العقد يؤثر تأثير كبير و مباشر على الاستمرار في التنفيذ.
نظرية الظروف الطارئة
إذا كانت نظرية فعل الأمير تتجسد نتيجة تدخل السلطة الإدارية المتعاقدة كقاعدة عامة فنظرية الظروف الطارئة تنطبق بوجود ظرف لا علاقة له بالسلطة الإدارية المتعاقدة لا من قريب و لا من بعيد و يؤدي هذا الظرف إلى التأثير السلبي في تنفيذ العقد.
الشروط :
- يشترط لتنفيذ نظرية الظروف الطارئة أن يكون ظرف مستقل عن إرادة المتعاقد.
- أن يكون الظرف غير متوقع.
- أن يؤدي إلى التأثير في تنفيذ العقد من الناحية المادية.
و ينطبق الظرف الطارئ في مجال تنفيذ العقود عن الأزمات الاقتصادية كارتفاع الأسعار في السوق بكيفية كبيرة أو أسباب سياسية أو إعلان حرب.
كما يمكن تطبيق هذه النظرية في حالة تدخل السلطات الإدارية الأخرى غير المتعاقدة و يؤدي إلى التأخير في تنفيذ العقد كالزيادة في الضرائب أو الرسوم الجمركية أو رفع الأسعار.
و قد ثار جدال حول إعتبار هذا التدخل الأجنبي عن إرادة المتعاقد هل نكون أمام فعل الأمير أم نظرية الظروف الطارئة.
هناك كثير من التطبيقات القانونية و القضائية لهاتين النظريتين في النظام القانوني الجزائري فنجد أن هناك نصوص قانونية واردة في قانون الصفقات العمومية و التي لها علاقة بالنظريتين سواء في مجال تدخل الإدارة مباشرة أو في مجال الظروف الطارئة من بين هذه التطبيقات "نظرية تحيين الأسعار".
أما الآثار المترتبة و الخارجة عن إرادة الإدارة التي تكون بسبب ظواهر طبيعية كالزلازل و الجفاف ... و أدت إلى إستحالة تنفيذ العقد فنكون أمام قوة قاهرة و في هذه الحالة تؤدي إلى فسخ العقد و ليس تحقيق التوازن المالي