"الأمر الدولي بإلقاء القبض المفهوم... والشكليات"

"الأمر الدولي بإلقاء القبض المفهوم... والشكليات"


الأمر الدولي بإلقاء القبض، هو آلية إجرائية فعالة استحدثتها التشريعات الوطنية لتمكين أجهزتها العاملة في ميدان العدالة الجنائية من ملاحقة المجرمين والمحكومين بعقوبات زجرية حتى خارج حدودها القطرية، وهو بهذا المعنى يعتبر إجراءا قانونيا نافذ المفعول في جميع الدول شريطة استيفائه للشروط الشكلية والجوهرية المضمنة في القوانين الداخلية والاتفاقيات الدولية المبرمة في مجال التعاون الأمني والقضائي.


في عالم أصبح فيه المجرم أكثر حركية، وصارت فيه الجريمة أكثر تعقيدا وتنظيما، وأضحت فيه السمة العابرة للحدود الوطنية هي الخاصية الأبرز للظاهرة الإجرامية بفعل اتساع شبكاتها واعتمادها على النظم المعلوماتية المتطورة ووسائل الاتصال الحديثة، الأمر الذي أفرز مفهوما جديدا مؤداه نسبية الحدود الإقليمية نظرا لكون الجاني أصبح بإمكانه ارتكاب جريمة ما ببلد معين والفرار إلى بلد آخر، كما أن العناصر التأسيسية لأفعاله المشوبة بعدم الشرعية يمكن أن تتحقق في أكثر من بلد كما هو الحال بالنسبة لجرائم الاتجار الدولي في المخدرات والجرائم الإرهابية وجرائم الاتجار بالبشر...


كل هذه المعطيات فرضت على الدول الأعضاء في المجتمع الدولي مراجعة الدور الوظيفي لمؤسساتها القضائية وملائمة قوانينها الموضوعية والإجرائية مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية على نحو يحقق سرعة البت في القضايا ويحول دون إفلات الجناة من العقاب، بعدما كانوا يستفيدون في السابق من محدودية الولاية القضائية للمحاكم الوطنية ومن السمة المطلقة لإقليمية النص الجنائي.


وتكريسا لهذا التوجه، خول المشرع المغربي لجهاز النيابة العامة، سواء على صعيد المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف(الفصلين 40 و49 من ق.م.ج)، صلاحية إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض لتطبيق مسطرة تسليم المجرمين، وذلك إلى جانب مؤسسة قاضي التحقيق التي كانت لها هذه الصلاحية في ظل قانون المسطرة الجنائية القديم، بحيث شكلت ولا زالت آلية فعالة لضمان إحضار المتهم ومتابعة إجراءات التحقيق.

وإذا كان المشرع المغربي قد اقتصر فقط على تعريف الأمر بإلقاء القبض الصادر عن السيد قاضي التحقيق عندما اعتبره في المادة 154 من ق.م.ج بأنه" الأمر الصادر للقوة العمومية بالبحث عن المتهم ونقله إلى المؤسسة السجنية المبينة في الأمر حيث يتم تسلمه واعتقاله فيها"، فإن الأمر الدولي بإلقاء القبض يمكن تعريفه بأنه تمديد لسريان مفعول الأمر الوطني بإلقاء القبض على الصعيد الدولي وذلك عبر تعميمه على جميع أجهزة الشرطة الدولية، وذلك بعد استيفائه لمجموعة من الشكليات الجوهرية والإجرائية التي تفرضها الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

وفيما يلي نورد البيانات الواجب توافرها في الأمر الدولي بإلقاء القبض والقنوات اٌدارية التي يتم تذييعه من خلالها:

1- البيانات الواجب توافرها في الأمر الدولي بإلقاء القبض: 


لم يشر المشرع المغربي إلى هذه البيانات بكيفية واضحة وصريحة ضمن مادة مستقلة، وإنما اكتفى بحصر شكليات وبيانات الطلب الرسمي للتسليم في المادة 726 من ق.م.ج، تم تطرق بعد ذلك ضمن المادة 729 لطلبات التوقيف أو الاعتقال المؤقت الصادرة عن السلطات القضائية الأجنبية أو بناء على إشعار من مصالح المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "أنتربول" التي تترك أثرا كتابيا أو ماديا سواء أرسلت عبر البريد أو الفاكس أو أية وسيلة أخرى من الوسائل العصرية دون تحديد لشكليات هذه الطلبات.


غير أنه بالرجوع إلى المادة 43 من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي المصادق عليها من قبل المملكة المغربية، والتي تقابل المادة 729 أعلاه، نجدها قد حددت هذه الشكليات بكيفية دقيقة وواضحة تتطابق مع البرقية النموذجية المحددة من قبل المنظمة الدولية للشرطة الجنائية" أنتربول"، والتي تشترط احترام شكلياتها قبل تعميم أي أمر دولي بإلقاء القبض عبر منظومتها المعلوماتية، وكذلك قبل إصدارها لأية جدادية حمراء خاصة بالأشخاص المبحوث عنهم على الصعيد الدولي.

هذه الشكليات هي على الشكل التالي:

اسم وصفة القاضي مصدر الأمر الدولي بإلقاء القبض.

الهوية الكاملة للشخص موضوع الأمر الدولي بإلقاء القبض، مع بيان أوصافه و علاماته المميزة إن توفرت.

ملخص دقيق للأفعال المنسوبة للشخص محل الأمر، يتضمن العناصر التكوينية للجرائم التي ارتكبها مع تحديد زمان ومكان اقترافها وعند الاقتضاء وسائل الإثبات المستجمعة في حقه.

التكييف القانوني للأفعال المقترفة والنصوص القانونية المطبقة عليها فضلا على العقوبة القصوى المقررة لها.


نشير في هذا الصدد إلى أن عدم استيفاء هذه البيانات أو انتفاء تضمينها في الأمر الدولي بإلقاء القبض يؤدي عادة إلى تحفظ الأجهزة الأمنية بالدول الأجنبية عن استغلالها في عمليات البحث المنجزة على أراضيها وتطلب بالتالي تضمين البيانات الناقصة، الأمر الذي يمنح حيزا زمنيا جديدا للجناة يساعدهم على البحث عن ملاذات أخرى للتخفي والفرار من قصاص العدالة الجنائية.

2- الإجراءات المتبعة في تعميم الأوامر الدولية بإلقاء القبض.


مباشرة بعد إصدار الأمر الدولي بإلقاء القبض من قبل السلطة القاضية المأذون لها قانونا، يتم توجيهه إلى مصلحة الشرطة القضائية التابعة لدائرة نفوذها من أجل التنفيذ، هذه الأخيرة تقوم بدورها بإحالة الملف ومرفقاته على مديرية الشرطة القضائية بالإدارة العامة للأمن الوطني التي تضم في هيكلتها التنظيمية المكتب المركزي الوطني (BCN)الذي يسهر على تعميم تلك الأوامر من خلال المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، في حين يقوم مكتب الاتصال العربي (BLA) بتذييع تلك الأبحاث على جميع أجهزة الشرطة العربية من خلال المكتب العربي للشرطة الجنائية بدمشق الذي يصدر في شأنها إذاعات بحث تعمم على الدول الأعضاء.


عملية نشر وتعميم هذه الأوامر تتم عبر تضمين المعلومات الواردة بها في برقية نموذجية توجه إلى الأمانة العامة لمنظمة الأنتربول وإلى مدير المكتب العربي للشرطة الجنائية بدمشق من أجل عكسها على باقي الدول، إما بواسطة نشرات بحث أو من خلال نشرها ضمن المنظومة المعلوماتية الدولية.

وفيما يلي نسوق نموذجا، باللغة العربية، للبرقية المعتمدة في نشر وتعميم الأوامر الدولية بإلقاء القبض:

الاسم الشخصي       :               

الاسم العائلـي        :               

تاريخ ومكان الازدياد :                

اسم الأب              :                

اسم الأم                :                 

وثائق الهوية                  :   

الجنسية                       :     

الجنس                        :     

رقم أمر القبض وتاريخ      :    

موّقع من القاضي            :     

من أجل (التهمة)            :     


أفعال مجرمة ومعاقبة بموجب :     

العقوبة القصوى المقررة      :     


ملخص للوقائع: (يتضمن تفاصيل النازلة، تاريخ ومكان وقوعها، التصريحات المحصلة بشأنها، وسائل الإثبات المستجمعة في حق الشخص أو الأشخاص المطلوب إيقافهم، وفي كافة الأحوال جميع المعلومات المتيسرة).


كانت هذه إجمالا، دراسة مقتضبة حاولنا فيها تسليط الضوء على الجوانب العملية لإجراء مسطري أصبح من المفاهيم الأكثر استخداما في مجال التعاون الأمني والقضائي الدولي، خاصة في ظل المستجدات الدولية الراهنة وما تطرحه الظاهرة الإجرامية من تحديات لاسيما في بعدها العابر للحدود الوطنية.


ابحث عن موضوع