اسهامات المدرسة الوضعية في علم الجريمة

اسهامات المدرسة الوضعية في علم الجريمة


بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمــة


     إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.  أما بعد...

         فإن الحديث على صفحات هذا البحث سيدور بحول الله وقوته حول موضوع : "اسهامات المدرسة الوضعية في علم الجريمة "  

و سيتم في هذا الموضوع الاعتماد على جمع المعلومات من عدة  مصادر ومراجع علمية و ذلك في ضوء ما تيسر لي من معلومات... 

 وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب ..

و الله الموفق.

مدخل :

إن المدرسة الوضعية لها دورا بارزا في علم الإجرام ونشأته وتطوره ، فلا نبالغ لو قلنا أنها تعد حجر الزاوية في مولد علم الإجرام بمفهومه الحديث .

مشكلة الدراسة :

تحدد مشكلة هذا البحث في التعرف على اسهامات المدرسة الوضعية في علم الجريمة.

أهداف الدراسة:

- التعرف على اسهامات المدرسة الوضعية في الجريمة .

- التعرف على أوجه النقد الموجهة إلى المدرسة الوضعية.

تساؤلات الدراسة :

1- ما دور المدرسة الوضعية في تفسير الجريمة ؟

2- ما أوجه النقد المقدمة للمدرسة الوضعية ؟

و سأقوم بتناول هذا الموضوع في المطلبين التاليين :

المطلب الأول

دور المدرسة الوضعية في علم الإجرام

إن الدراسة العلمية للظاهرة الإجرامية لم تبدأ إلا بعد ظهور المدرسة الوضعية الإيطالية التي كان لروادها الثلاثة (لمبروزو ، فيري ، جاروفالو) دورا بارزا في نشأة وتطور علم الإجرام ، حيث أن علم الإجرام بدأ مع هذه المدرسة استكمال مقومات الكيان العلمي ، وبناء على ذلك فإن ظهور المدرسة الوضعية الإيطالية بما لها وماعليها وتوجيهها أنظار الباحثين والمهتمين بالدراسات الإجرامية إلى أهمية الدراسة العلمية لشخص المجرم وفحصه جسمانيا ونفسيا بمثابة مولد لعلم الإجرام في مفهومه الحديث(الشاذلي , 1998م, ص 63) .

حيث طالبت المدرسة الوضعية بدراسة أشخاص المجرمين وتقسيمهم إلى طوائف معينة بحسب العوامل المؤثرة في سلوكهم الإجرامي . فتناولت المجرم بالميلاد ، أو الرجل المجرم ، والمجرم المجنون ، والمجرم العرضي ، والمجرم المعتاد ، والمجرم العاطفي . حيث أن الإجرام في نظر هذه المدرسة ليس إلا ظاهرة طبيعية شأنه في ذلك شأن المرض ، والمجرم مريض يجب على المجتمع أن يهتم بعلاجه ، ولذلك فإن الغرض من العقوبة ليس الردع أو إرضاء شعور العدالة وإنما هو إجراء يتخذه المجتمع لحماية نفسه ولعلاج المجرم وإصلاحه وإعادته إلى الدرجة التي يستطيع معها أن يتلاءم مع الأنظمة القانونية السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه ومن ثم فإنه يجب على المجتمع أن يهتم بعلاجه ، كذلك فإن العقوبة يجب أن تقدر تبعا لخطورة كل مجرم . ويتفق رواد هذه المدرسة على الخطوط الرئيسية من حيث استخدام المنهج العلمي في بحث ظاهرة الجريمة ، ومن حيث النتائج العامة التي انتهوا إليها ، ومن حيث التركيز على دراسة الإنسان من الناحية الأنتروبولوجية على أساس أنها المحور العلمي الذي تقوم عليه الجريمة كظاهرة إنسانية . وعلى حد تعبير العالم فيري فإن الدراسات الأنثروبولوجية قد بينت بواسطة الوقائع أن المجرم ليس إنسانا عاديا بل بالعكس هو نوع خاص من البشر يتميز بخصائص شاذة من الناحية الجسمانية والنفسية الوراثية والمكتسبة(جمال الدين و عبد الباقي , 1999م , ص15) .

المطلب الثاني

شيزاري لومبوزو [1835-1909]

الفرع الأول : لومبروزو ونظريته :

لايوجد شخص يدرس علم الإجرام ولايعرف من هو لومبروزو ، ذلك الاسم الرنان والموجود في جميع المراجع التي تدرس ظاهرة الجريمة ، وهو أب لعلم الإجرام بمعناه الحديث . هو إيطالي الجنسية بدأ حياته العملية ضابطا في الجيش ، ثم مدرسا بكلية الأمراض العقلية في جامعة (بفيا) ومديرا لمستشفى الأمراض العقلية بها ، ثم انتقل أستاذا للطب الشرعي في جامعة تورينو .

لاحظ لومبروزو (جمال الدين و عبد الباقي , 1999م , ص17) أثناء عمله وقيامه بفحص بعض الجنود أن بهم خصائص جسدية لم تكن موجودة لدى غيرهم من الجنود ، وأن بهم عيوب في التكوين الجسماني الداخلي ، حيث تصادف أن قام لومبروزو بتشريح جثة قاطع طريق من جنوب ايطاليا يدعى فييلا ، حيث وجد في مؤخرة جبهته فراغا مجوفا شبيها بذلك الذي يوجد في القرود ، ومن هنا كانت بداية أبحاث لومبرزو التي بنى عليها نظريته عن الإنسان المجرم ، أو المجرم بالميلاد أو بالطبيعة ، حيث بنى لومبروزو أبحاثه واستنتاجاته على أن هناك من المجرمين حاملين خصائص عضوية تميزهم عمن سواهم ، وأن هذه الخصائص تختلف باختلاف فئات المجرمين .

مثال : يقول لومبروزو أن من له ميل إلى جرائم الاغتصاب الجنسي يتميز بطول أذنيه وانخساف دماغه وزيغ وتقارب عينيه وانبعاج وضخامة أنفه وطول ذقنه ، وقد أرجع لومبروزو هذه الخصائص إلى أن المجرم نموذج للإنسان البدائي المتوحش يظهر في المجتمع الحديث ، حيث أن اختلاف الخصائص البدنية للمجرمين عمن سواهم تفسيره أن

المجرمين صور للإنسان البدائي انتقلت إليهم خصائص الإنسان القديم بالوراثة ، وهذه النماذج البشرية لم تخضع للعوامل التي قومت أجسام غيرهم من الناس أو هذبت أخلاقهم ونفسيتهم ، ومن ثم ظلوا على سيرتهم الأولى وهي خصائص حتما تقودهم إلى الإجرام حيث أطلق لومبروزو على هذه النماذج البدائية "الإنسان المجرم" ، وقد كان هذا الاسم هو عنوان مؤلفه الذي ضم خلاصة ملاحظاته وظهر في عام 1876م وأحدث دويا هائلا .(الدوري , 1991م , ص225)

الفرع الثاني : تقدير نظرية لومبروزو:

كانت لنظرية لومبروزو صدى كبير في الأوساط العلمية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، حيث تضمنت النظرية آراء هامة قلبت أسلوب البحث العلمي في ميدان الجريمة رأسا على عقب ، ومن ثم فقد وجب تقدير هذه النظرية .

التأييد :

اتخذ لومبروزو في دراسته منهجا علميا حيث اعتمد على الملاحظة والاستخلاص ، حيث لاحظ لومبروزو وجود خصائص غير متغيرة في الرجل المجرم ومنها استخلص قوانين تحكم الظاهرة الإجرامية . وفضلا عن ذلك فقد اعتمد على دراسة الإحصائيات القليلة ، ومن ثم فيمكن القول أنه استعمل المنهج التاريخي أيضا وقد أحاط بكافة الأبحاث الأنتروبولوجية والطبيعية التي سبقته واعتمد عليها في استخلاص النتائج التي تؤيد اتجاهه .(شفيق , 1998م, ص211)

المعارضة :

1- كانت دراساته قائمة على دراسة خصائص المجرم وهو في حالة سكون staitque وليس ديناميكية dynamique .

2- وجه فيري انتقاده وبناه على أساس أن لومبروزو عند بحثه للجمجمة وأبعاد الوجه لم يلاحظ التفاوت في الأعمار بين الأشخاص موضوع الملاحظة حيث أنه من الثابت أن هناك علاقة بين العمر والحجم بصفة عامة .

3- أيضا اعتمد "هوتون" في انتقاده لنظرية لومبروزو على أن لومبروزو عند بحثه لتناسق وشكل الجمجمة فقد استند إلى وصف شخص ولم يحاول أن يعمق النظر إلى أكثر من ذلك .

4- لومبروزو لم يحاول أن يتحقق من صحة البيانات والإحصاءات التي اعتمد عليها في أبحاثه .

5- لومبروزو استخدم طريقة روائية في دراسته مما جعل القارئ يتشعب في متاهات جعلت الحصيلة العلمية الناتجة من هذه الأبحاث غير واضحة وغير محددة .

6- أيضا قد عيب على لومبروزو أنه لم يستعمل المجموعة الضابطة groupe de conrtie التي كانت معروفة في وقته وإن كان قد استعملها في دراسة إجرام النساء .

ولكن بالرغم من الانتقادات العديدة التي تعرضت لها نظرية لومبروزو وتعرضت لها طريقة بحثه ، إلا أننا لا نستطيع إغفال أو تجاهل الأثر العظيم لهذه النظرية في علم الإجرام.

وقد ازدهر علم الإجرام في السنوات الأخيرة واستعان الباحثون فيه بكافة الأساليب العلمية المتطورة التي تستخدم في فحص الإنسان بصفة عامة . حيث تعنى غالبية جامعات العالم بتدريس علم الإجرام وعلى المستوى الدولي تكونت جمعيات تهتم بالدراسات والبحوث الإجرامية من أبرزها الجمعية الدولية لعلم الإجرام .




الخاتمة

الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...

فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع:" اسهامات المدرسة الوضعية في علم الجريمة " 

هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...

و بالله التوفيق ...



قائمة المراجع


1- عبد الأحد جمال الدين ، جميل عبدالباقي الصغير : المبادئ الرئيسية في القانون الجنائي ، القسم العام ، 1999 .

2- عدنان الدوري :  الانحراف الاجتماعي: دراسة في النظريات والمشكلات، ذات السلاسل، الكويت ، 1991م .

3- فتوح عبدالله الشاذلي : دراسات في علم الاجرام , دار المعارف , القاهرة , 1998م.

4- محمد شفيق، الجريمة والمجتمع: محاضرات في الاجتماع الجنائي والدفاع الجنائي، إسكندرية، المكتب الجامعي الحديث،1998م  .  

المملكة العربية السعودية

وزارة التعليم العالي

جامعة الملك سعود

كلية الآداب

الدراسات الاجتماعية

اسهامات المدرسة الوضعية في علم الجريمة

إعداد الطالب : عبد الكريم سعود العتيبي

إشراف الدكتور : خالد الزهراني

العام الجامعي

1433/1434هـ



ابحث عن موضوع