مازن ليلو راضي
أستاذ القانون العام المساعد
الأموال العامة
لا يمكن للإدارة أن تباشر نشاطها وتحقق أهدافها ما لم تتوافر لها الأموال اللازمة لهذا النشاط سواء كانت هذه الأموال عقارية أو منقولات .
وتتميز هذه الأموال بأحكام خاصة , وهي أما أن تكون أموالا عامة مخصصة للنفع العام وتتمتع بحماية قانونية خاصة ، وأما أن تكون أموالا خاصة تخضع لذات النظام القانوني الذي تخضع له أموال الأفراد .([166])
وفي هذا الجزء في الدراسة نبحث في الأموال العامة في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: التعريف بالمال العام
الفصل الثاني: نزع الملكية للمنفعة ألعامه
الفصل الثالث: استعمال المال العام وحمايته القانونية.
الفصل الأول
التعريف بالمال العام
للتعرف على الأموال العامة يلزم أولا دراسة ظهور فكرة المال العام ثم التطرق لبيان تمييز الأموال العامة عن الأموال الخاصة وذلك في مبحثين.
المبحث الأول
ظهور فكرة الأموال العامة
ظهرت فكرة الأموال العامة أول مرة في ظل الدولة الرومانية .حيث تم تقسيم الأشياء إلي أشياء داخلة في التعامل وخارجة عن دائرة التعامل ، ومنها ما هو مخصص للمنفعة العامة لكل الأفراد ، ومنها ما هو مخصص للجماعات العامة .([167])
ثم انتقلت هذه الفكرة إلى فرنسا حيث صدر القانون المدني الفرنسي سنة 1804 الذي أطلق مصطلح الدومين العام لأول مره على أموال الدولة دون أن يميز بين الأموال العامة والأموال الخاصة – واستمر الوضع على ذلك حتى بدأ الفقه بالمناداة بالتفريق بين المال العام والمال الخاص ، وكان أول من نادى بهذه التفرقة الفقيه الفرنسيproudhon برودون .([168])
وقد طبق القضاء الفرنسى هذا التمييز في العديد من أحكامه ، ثم صدرت بعض التشريعات التي تميز بين المال العام والمال الخاص ، ومن أول هذه التشريعات التشريع الصادر في 26 يونيو 1851 بخصوص الملكية العقارية في الجزائر.
وقد ظهرت فكرة المال العام في مصر بعد صدور القانون المدني المختلط في 28 يونيو 1875 في حين تولى المشرع العراقي تحديد المقصود بالأموال العامة بنص المادة 71 من القانون المدني فقد ورد في ألفقره الأولى منها( تعد أموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للاشخاص المعنوية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى القانون.)
وتظهر أهمية التمييز بين هذين النوعين من الأموال في أن الأموال العامة لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم – فالأموال العامة تخضع لنظام قانوني متميز عن النظام القانوني الذي تخضع له الأموال الخاصة للإدارة وهو نظام القانون العام.
تنص الفقرة الثانية من المادة 71 سالفة الذكر ( وهذه الاموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم.)
المبحث الثاني
المعيار المميز للأموال العامة
أوضحنا أن الدولة والأشخاص المعنوية العامة الأخرى تملك نوعين مختلفين من الأموال وهما : الأموال العامة وتسمى بالدومين العام – والأموال الخاصة وتسمى بالدومين الخاص ، ويخضع كل نوع منها لنظام قانوني مختلف . لذلك كان لابد من البحث عن معيار يميز الأموال العامة عن الأموال الخاصة.
وكان للفقه الفرنسي الدور الأبرز في هذا المجال. حيث ظهرت فيه اتجاهات عدة الأول يأخذ بطبيعة المال أما الثاني فيبحث في تخصيصه للمرفق العام وأخيرا الاتجاه الذي يأخذ بتخصيص المال للمنفعة العامة .
أولاً: معيار طبيعة المال.
يقوم هذا المعيار على أساس أن الأموال العامة تلك التي لا تصلح بطبيعتها لتكون مملوكة ملكية خاصة وتكون مخصصة للاستعمال المباشر للجمهور ومثال ذلك الطرق العامة والميادين والحدائق العامة.
وهذا المعيار محل نقد من حيث انه يضيق من مفهوم المال العام فيشترط أن يكون المال العام عقاراً وليس منقولاً كما انه يحصر مفهوم المال العام في ذلك المال الذي يستعمله الجمهور بشكل مباشر و لا يخفى أن الكثير من المباني الحكومية لا يستعملها الجمهور بشكل مباشر ولا خلاف في إنها أموالا عامة.
ومن جانب آخر قصر أنصار هذا المعيار مفهوم المال العام على المال غير القابل للتملك من قبل الأفراد، وهذا منتقد من حيث أن قابلية المال العام للتملك لا ترجع لطبيعته الخاصة، وإنما هي نتيجة لإضفاء صفة المال العام عليه ، كما أن الكثير من الأموال المعتبرة أموالا عامة تقبل الملكية الفردية كالطرق و القنوات المائية التي ينشأها الأفراد في أملاكهم الخاصة .([169])
ثانياً: معيار تخصيص المال للمرفق العام.
يتجه أنصار هذا المعيار وهم من مدرسة المرفق العام إلى أن المال العام هو المال المخصص لخدمة مرفق عام. وهذا الاتجاه منتقد من حيث انه ضيق من ناحية وواسع من ناحية أخرى ، فهو ضيق لأنه يخرج من دائرة الأموال العامة تلك الأموال المخصصة للاستعمال المباشر للجمهور كالطرق والميادين والحدائق العامة لا لشيء إلا لأنها غير موضوعة لخدمة مرفق عام .
في حين يكون هذا المعيار واسعاً من حيث انه يعترف بصفة الأموال العامه لجميع الأموال المخصصة لخدمة المرافق العامة على اختلاف أنواعها إدارية أم اقتصادية وسواء أكان المال مهماً أم تافه القيمة.
ولتفادى هذه الانتقادات سعى أنصار هذا المعيار إلى تحديده من خلال اشتراط امرين حتى يكون المال عاماً .
الأول أن يكون المرفق مرفقاً عاماً جوهرياً . والثاني أن يكون المال المخصص لهذا المرفق قد اعد أعدادا خاصاً لخدمة هذا المرفق وله الدور الرئيسي في سير المرفق وأدارته.
وبناءً على ذلك تم استبعاد المنقولات المستخدمة في المرافق العامة من نطاق الأموال العامة . وكذلك المباني الحكومية والمدارس والثكنات العسكرية لأنها غير معدة أعدادا خاصاً لخدمة المرفق.
ولاشك أن هذه المحاولة لبيان المقصود بالأموال العامة فشلت أيضا لأنها لا تستند إلى معيار منضبط يحدد متى يمكن اعتباره مرفقاً عاماً جوهرياً ، ومتى نكون أمام مال مخصص لخدمة مرفق عام وله دور رئيس في إدارته. ([170])
لذلك سرعان ما هجر هذا المعيار واتجه الفقه نحو معيار التخصيص للمنفعة العامة.
ثالثاً: معيار تخصيص المال للمنفعة العامة.
نتيجة للانتقادات الموجهة للمعيارين السابقين- اتجه الفقه نحو الأخذ بمعيار أخر هو معيار تخصيص المال للمنفعة العامة. ومقتضاه أن المال يكون عاماً طالما تم تخصيصه لتحقيق النفع العام.
وقد اختلف الفقه في الطريق الذي يتم فيه تخصيص المال للنفع العام ، فقد ذهب العميد " Hauriou إلي ضرورة أن يكون تخصيص المال للمنفعة العامة بقرار من الإدارة – في حين أضافWaline إلي ذلك أن المال العام يجب أن يكون ضرورياً ولازماً لتسيير المرفق العام وتحقيقه المصلحة العامة ولا يمكن الاستغناء عنه أو الاستعاضة عنه بسهولة.([171])
وأيا كانت طريقة التخصيص فقد استقر رأى الفقه والقضاء على أن المال العام هو ذلك المال المملوك لإحدى الجهات الإدارية والمخصص للمنفعة العامة.
رابعاً: معيار المال العام في القانون العراقي
بينت المادة 71 من القانون المدني الاردني(1 –تعد أموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للاشخاص المعنوية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى القانون.2- وهذه الاموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم.)
وبمقتضى ذلك يجب لاعتبار المال عاماً توافر شرطين.
الأول: أن يكون المال مملوكاً للدولة أو لإحدى الأشخاص ألمعنويه العامة.
الثاني: أن يتم تخصيص المال للمنفعة العامة ، ويتم التخصيص للمنفعة العامة
بحسب النص المشار إليه بأحد الأساليب التالية :
بالفعل : ويتم ذلك بان يكون المال متاحاً للانتفاع به مباشرة للجمهور دون أن.
تتدخل السلطات في ذلك بقانون أو قرار ، كأن يقوم الأفراد بالانتفاع بالطرق
العامة والشواطئ والحدائق ، وفق ما يمكن تسميتها بالأموال العامة بطبيعتها
1- التخصيص بقانون: ويظهر هذا التخصيص في إصدار الدولة قانونا يتضمن تخصيص المال للنفع العام, كما هو الحال في الانتفاع عن طريق المرافق العامة المختلفة. كمرفق النقل والاتصالات وغيرها. ومن ثم لا يمكن اعتبار الأموال اللمملوكة للأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة أموالا عامة ولو كانت مخصصة للمنفعة العامة ، وكذلك الحال بالنسبة للأموال المملوكة لملتزم المرافق العامة فرداً أو شركة خاصة .([172])
وأخيرا فان الأموال العامة تزول بذات الطريقة التي نشأت بها أي بالفعل أو بنص القانون أو الانظمه.
الفصل الثاني
نزع الملكية للمنفعة العامة
تحصل الدولة على أموالها بطرق عدة منها ما هو متماثل مع أساليب القانون الخاص فتنزل منزلة الأفراد فتتفق معهم على التنازل عن ملكهم بالتراضي بالبيع أو الهبات أو الوصية كما قد تلجئ إلى أسلوب لاستملاك او نزع الملكية للمنفعة ألعامه.
ونزع الملكية للمنفعة العامة إجراء إداري يقصد به حرمان مالك عقار معين من ملكه جبراً لتخصيصه للمنفعة العامة لقاء تعويض عادل.
وقد نصت جميع الدساتير على حماية الملكية الخاصة ومن ثم فان نزع الملكية للمنفعة العامة يأتي استثناء على قاعدة احترام الملكية الفردية – ويجد هذا الاستثناء مبرره في ضرورة تحقيق المصلحة العامة التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الأفراد عن أملاكهم الخاصة ، ولو ترك الأمر لهم فانهم يفضلون غالباً تغليب مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة ويرفضون التنازل عن أملاكهم طوعاً.
لذلك نجد أن الدساتير والقوانين في مختلف الدول قد اعترفت بحق الإدارة بنزع الملكية الخاصة لتحقيق المنفعة العامة.
وفي هذا المجال ورد في المادة 23 - ثانيا من الدستور العراقي لعام 2005( لا يجوز نزع الملكيه الا لاغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل, وينظم ذلك القانون.)
الشروط العامة لنزع الملكية :
هناك عدة شروط يجب توافرها حتى نكون أمام أجراء نزع الملكية للمنفعة العامة أهمها :
أ- نزع الملكية العامة لا يوجه إلا إلى العقارات
إجراء نزع الملكية يقتصر على العقارات المملوكة للأفراد وعلى هذا الأساس لا يشمل هذا الإجراء المنقولات عموماً مهما بلغت قيمتها ، وكذلك ينصرف نزع الملكية إلى حق الملكية ذاته فلا يشمل الحقوق العينية الأخرى الأصلية أو التبعية فلا يرد على حق الانتفاع أو الارتفاق .
وفي جانب آخر يجب أن تكون العقارات التي يوجه إليها قرار نزع الملكية عقارات مملوكة للأفراد ، أما العقارات المملوكة للأشخاص المعنوية العامة فهي من الأموال العامة التي تستطيع الإدارة تغيير وجه تخصيصها دون اللجوء إلى إجراء نزع الملكية.
ب- نزع الملكية يستهدف دائماً تحقيق المنفعة العامة
بينا أن الدساتير تقرر نزع الملكية الخاصة للأفراد حصراً لتحقيق المنفعة العام ، وهو ما تضمنته اغلب التشريعات الخاصة بنزع الملكية. إلا أن هذه التشريعات منحت الإدارة سلطة واسعة في تقرير توافر المنفعة العامة من عدمه وخطورة هذا الوضع واحتمال تعسف الإدارة في هذا المجال يجعل من الضروري بسط القضاء رقابته على مدى احترام الإدارة لشرط إجراء نزع الملكية لمقتضيات المنفعة العامة ، فإذا انحرفت عن هذا الغرض لتحقيق مآرب أخرى فان قرارها يكون مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة ويكون جديراً بالإلغاء .
ج -أداة نزع الملكية هو القرار الإداري.
الأصل أن الإجراء الصادر بنزع الملكية هو القرار الإداري الصادر من السلطة المختصة عموماً بإجراءات نزع الملكية ، ويعد هذا القرار بمثابة عمل إداري مركب تمارسه الإدارة بما تملك من إمتيازات السلطة العامة.
إلا أنه يجوز أن يصدر تشريعاً خاصاً يقرر نزع الملكية للمنفعة العامة كما هو الشأن عند إجراء عمليات التأميم.
د-يكون نزع الملكية لصالح شخص من اشخاص القانون العام .
الأصل أن يكون نزع الملكية لصالح شخص من أشخاص القانون العام إلا أنه يجوز استثناء أن يتم نزع الملكية لصالح أحد الملتزمين بإدارة مرفق عام لتحقيق منفعة .
الفصل الثالث
استعمال المال العام وحمايته القانونية.
نبين في هذا الجزء من الدراسة صور استعمال المال العام والحماية القانونية التي يوفرها له المشرع وذلك في مبحثين متتاليين.
المبحث الأول
استعمال المال العام
إذا كان المال العام مخصص أصلا للمنفعة العامة فان هذا لا يعني أن الأفراد يستطيعون استعماله دون تنظيم ، فمثلما يكون الانتفاع بطريق مباشر كالانتفاع بالطرق والحدائق العامة قد يتم الانتفاع به من خلال أحد المرافق العامة وهنا يجب أن يخضع الانتفاع للقواعد المنظمة لعمل المرفق ذاته.
كما أن الانتفاع المباشر بالمال العام يختلف هو الآخر باختلاف الاستعمال فقد يكون الاستعمال عاماً أو مشتركا وقد يكون الاستعمال خاصاً.
أولاً: الاستعمال العام للمال العام.
يكون استعمال المال العام عاماً إذا انتفع الأفراد به بصورة مباشرة واستعملوه استعمالاً متشابهاً بالشكل الذي يتفق وطبيعة المنفعة التي اعد لها ، كالمرور في الطرقات العامة والانتفاع بالحدائق والمتنزهات العامة واستعمال دور العبادة.
واستعمال المال العام بهذه الصورة يعد مظهراً من مظاهر الحريات العامة التي تنص الدساتير على احترامها غير أن ذلك لا يعنى بأي حال منع الإدارة من وضع ضوابط لاستعمال المال العام دون مخالفة تلك الدساتير .
وفي هذا المجال يخضع الأفراد في انتفاعهم بالأموال العامة للقواعد التالية :
1 . قاعدة حرية استعمال المال العام
الأصل أن يكون استعمال المال العام حراً للجمهور في أي وقت يشاءون ، مادام أن هذا الاستعمال لا يخل بالغرض الذي خصص له المال العام.
فلكل فرد حرية السير في الطرق العامة والتنزه في الحدائق العامة ودخول دور العبادة وغير ذلك من الأماكن العامة.
غير أن ذلك يخضع في أحيان كثيرة لضوابط وتنظيم الإدارة كتنظيم دخول وخروج المنتفعين وتحديد مواعيد خاصة لفتح الحدائق العامة ، أو منع الشاحنات من استعمال طرق معينه وما إلى ذلك مما يدخل ضمن سلطات الضبط الإداري التي تتولى حماية النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام ، الصحة العامة ، السكينة العامة ، وفي كل الأحوال يجب أن لا يصل هذا التنظيم إلى مصادرة تلك الحريات.
2. قاعدة مجانية الاستعمال
الأصل في استعمال المال العام أن يكون مجانياً . إلا أن من الجائز أن يفرض القانون رسوم مقابل الانتفاع بالمال العام إذا اقتضت ذلك المصلحة العامة كرسوم انتظار السيارات في أماكن معينة أو رسوم دخول الحدائق العامة أو الطرق السريعة.
3. قاعدة المساواة بين المنتفعين
القاعدة العامة في استعمال المال العام أن يتساوى المنتفعين في استعماله ، ويجب على الإدارة أن تسعى لتحقيق هذه المساواة فلا تمييز بين شخص وأخر في الانتفاع بالمال بسبب اصل أو لون أو جنس أو دين أو لغة.
إلا أن هذه المساواة تكون بين المنتفعين الذين تتوافر فيهم الشروط نفسها ، إذا تستطيع الإدارة أن تقصر الانتفاع بالمال العام على فئات معينه من الناس يتشابهون في مراكزهم القانونية ، كأن تخصص فترة معينة أو أيام معينة لانتفاع الأطفال ببعض الحدائق العامة أو تخصص مقاعد معينة في وسائل النقل لاستعمال المعاقين .
ثانياً: الاستعمال الخاص للمال العام.
يكون استعمال المال العام خاصاً عندما ترخص الإدارة أو تأذن لفرد معين أو أفراد معينين بذواتهم دون غيرهم بالانتفاع بجزء من المال العام.
وقد يكون استعمال المال في هذه الصورة استعمالاً متفقاً والغرض المخصص له المال العام أصلا ويسمى الاستعمال الخاص العادي ، وقد يكون استعمال المال العام غير متفق مع الغرض الذي اعد له المال أصلا ، ويسمى الاستعمال في هذه الحالة الاستعمال الخاص غير العادي.
ومثال الحالة الأولى الترخيص لبعض الأفراد باستعمال مقابر مخصصة لهم لدفن موتاهم أو لتاجر باستعمال مكان مخصص بالسوق لعرض بضاعته لقاء مبلغ معين يدفع للإدارة وهذا يتم بطبيعة الحال بترخيص الإدارة التي تشرف على المال العام ، ولا تملك الإدارة في هذه الحالة سلطة تقديريه في منح الترخيص أو منعه لان الأمر رهن بتوافر شروط منح التراخيص، ولا يتم إلغاء الترخيص إلا إذا أخل صاحبه بإلتزاماته أو اقتضت ذلك المصلحة العامة على اعتبار أن المال العام يستعمل لتحقيق ذات الغرض الذي خصص من اجله.
أما حالة الاستعمال الخاص غير العادي فتظهر كما لو سمحت الإدارة لباعة الصحف بشغل جزء من الطريق العام بوضع أكشاك لهم , أو لأصحاب المقاهي بوضع المقاعد على رصيف الشارع . فهذا الاستعمال يتنافى مع الغرض الذي خصص له المال العام . وتتمتع الإدارة بالنسبة لهذه الحالة بسلطة تقديريه واسعة فيكون لها إلغاء الترخيص في أي وقت لمقتضيات المصلحة العامة ، على اعتبار أن المال العام لم يخصص أصلا لهذا النوع من الاستعمال.
المبحث الثاني
الحماية القانونية للأموال العامة
تتمتع الأموال العامة بحماية قانونية مزدوجة ، مدنية وجنائية نظراً للوضع الذي تجسده من حيث تخصيصها للمنفعة العامة ايا كانت طريقة استعمالها سواء أكان ذلك من قبل الجمهور مباشرة أو كان بتخصيصها لخدمة مرفق عام,وقد نص الدستور العراقي لعام2005 في المادة 27 منه على تقريرهذه الحماية للاموال العامة فجاء فيها (اولاً: للاموال العامة حُرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن.
ثانياً: تنظم بقانون الاحكام الخاصة بحفظ املاك الدولة وادارتها وشروط التصرف فيها والحدود التي لايجوز فيها التنازل عن شيء من هذه الاموال.).
أولاً: الحماية المدنية للأموال العامة.
طبقاً للمادة 71 من القانون المدني العراقي لا يجوز التصرف في الأموال العامة أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم . سواء أكانت أموالا عقارية أو منقولات وسواء أكانت تملكها الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة الأخرى.
1. عدم جواز التصرف في المال العام.
ومقتضى هذه القاعدة انه لا يجوز إجراء التصرفات المدنية على الأموال العامة بما يؤدى إلى إنهاء تخصيصها لتحقيق المنفعة العامة كالبيع أو الوصية أو الهبة.
فأن أقدمت الإدارة على ذلك فانه يمكن استرداد المال العام في أي وقت لعدم جواز التصرف فيه ودون إمكانية احتجاج المشتري بعقد البيع .([173])
وعلى ذلك ينبغي على الإدارة إذا هي رغبت التصرف في أموالها العامة أن تعمد أولا إلي إنهاء صفتها بإنهاء تخصيصها للمنفعة العامة ، ويتم ذلك بمقتضى قانون أو مرسوم أو بالفعل ، أو بانتهاء الغرض الذي من اجله خصصت تلك الأموال للمنفعة العامة ، ففي هذه الحالة تتحول الأموال العامة إلى أموال خاصة للإدارة فيجوز التصرف فيها.
غير أن قاعدة المنع من التصرف لا تنطبق على التصرفات التي تقع على الأموال العامة في دائرة القانون العام، إذ يجوز للدولة أن تتصرف في أموالها العامة فتنقلها لأشخاص اعتبارية وعامة أخرى كالمحافظات أو المؤسسات العامة لان هذا الانتقال لا يؤثر في الصفة العامة للمال .
كما أن هذه القاعدة لا تمنع من إمكانية اتفاق الإدارة مع أحد الأفراد على استعمال المال العام مؤقتاً استعمالاً خاصاً بترخيص أو عقد كما هو الحال في عقد التزام المرافق العامة وفي هذه الحالة تستمر حماية المال العام على اعتبار أن التصرف فيه ذو طبيعة مؤقتة ، وتملك الإدارة دائماً الحق في سحب الترخيص أو فسخ العقد لمقتضيات المصلحة العامة.
وأخيراً فانه يترتب على مخالفة الإدارة هذه القاعدة وتصرفها في المال العام بطلان هذا التصرف بطلاناً مطلقاً لتعلق ذلك بالنظام العام ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به.
2.عدم جواز الحجز على المال العام
امتداداً لقاعدة عدم جواز التصرف بالمال العام ، لا يجوز بيع المال العام جبراً نتيجة للحجز عليه لاقتضاء الوفاء بالدين المحجوز على المال ضماناً له ، لتعارض ذلك مع فكرة تخصيص المال العام للمنفعة العامة.
كما أن ملاءة الدولة أمر مفترض ومن ثم لا محل للحجز على أموالها لضمان إيفائها لديونها ، ويتفرع من ذلك عدم جواز ترتيب أية حقوق عينيه تبعية على المال العام كالرهن ، أو حق امتياز ، لما يترتب على ذلك من تعطيل لسير المرافق العامة وحسن أدائها للخدمات وإشباع الحاجات العامة.
والأصل أن لا تسرى هذه القاعدة على الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو الأشخاص المعنوية العامة .
3. عدم جواز تملك المال العام بالتقادم.
في نفس السياق لا يجوز تملك المال العام بالتقادم عن طريق وضع اليد كما يحدث في المال الخاص . ضماناً لاستمرار تخصيص المال العام للمنفعة العامة وهو ما أكدته المادة 71 من القانون المدني, ولنفس العله يمتد المنع ليشمل الصور الأخرى في اكتساب الملكية فلا يمكن الاحتجاج بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية المعروفه في القانون المدني لاكتساب ملكية منقولات الإدارة وكذلك لا تسرى قاعدة الالتصاق لاكتساب ملكية المال العام فلا يمكن الاحتجاج بان مال الإدارة اقل قيمة من المال الذي التصق به ليأخذ حكمه . لان القاعدة في هذا المجال أن المال الخاص يتبع المال العام عند حدوث الالتصاق لان المال العام لا يمكن تملكه بالتقادم . ([174])
وكما هو الشان في القاعدتين السابقتين يسرى المنع في هذه القاعدة على الأموال العامة والأموال الخاصة للإدارة لوضوح نص المشرع في هذا الخصوص.
ثانياً: الحماية الجنائية للأموال العامة.
لا تقتصر حماية المال العام على الحماية المدنية فقد اهتم المشرع الجنائي بتوفير الحماية الجنائية للمال العام لمنع التعدي عليها أو الأضرار بها ضماناً لاستمرار تخصيصها للنفع العام وحسن أداء المرافق العامة .
إلا أن هذه الحماية في التشريع العراقي جائت في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969.
ومن ذلك نص في المواد 352-355 على جرائم الاعتداء على الطرق العامه والمواصلات والاعمال . فقد عاقبت المادة 355 كل من أحدث تخريباً او اتلف متعمدا في طريق عام أو مطار او جسر او قنطره او سكه حديديه او نهر اوقناة صالحين للملاحة بالحبس والغرامه او احدى هاتين .
في حين تطرق الكتاب الرابع من القانون ذاته الى جرائم الاضرار التي تلحق بالطرق العامه والاماكن المخصصة للمنفعة العامة . ومن ذالك عاقبت المادة489 كل من نزع علامه او اكثر من علامات المرور الموضوعة في الطرق العامه او على الابنيه او العلامات الموضوعه لتعيين المسافات او الارشاد الى المدن او الطرق او غيرها من المحلات العامه او شوهها او غير محل اتجاهها بالحبس مدة لاتزيد على شهر اوبغرامه لاتزيد على عشرين دينارا.
[166] - ينظر في شأن الأموال العامة:
- الدكتور سليمان محمد الطماوى – الوجيز في القانون الإداري- المرجع السابق – ص580.
- الدكتور: مصطفى أبو زيد فهمي – الوجيز في القانون الإداري – المصدر السابق- ص542
- الدكتور: عبد الغنى بسيونى – القانون الإداري – المصدر السابق – ص 581
-الدكتور: محمد انسى قاسم جعفر – الوسيط في القانون العام – المصدر السابق – ص 429
-الدكتور: محمد سعيد حسين أمين – مبادئ القانون الإداري – المصدر السابق ص 663
[167] - د.ممدوح مصطفى – القانون الروماني – دار المعارف – 1959 – ص269
[168] - د.سليمان محمد الطماوى – الوجيز في القانون الإداري – المصدر السابق – 581
[169] - ينظر في تفصيل ذلك
1. د- عبد الغنى بسيونى – القانون الإداري – المصدر السابق – ص 584
2. د.محمد رفعت عبد الوهاب والدكتور حسين عثمان- مبادئ القانون الإداري المصدر السابق ص 444.
3. د. محمد مختار عثمان – المبادئ والأحكام القانونية للإدارة الشعبية بالجماهيرية – المصدر السابق ص356.
[170] - ينظر في شان الانتقادات الموجهة لهذا المعيار.
د.مصطفى أبو زيد فهمي – الوجيز في القانون الإداري – المصدر السابق ص 580.
د. عبد الغنى بسيونى – القانون الإداري – المصدر السابق – ص 587 .
د. محمود عاطف البنا – مبادئ القانون الإداري في الأموال العامة والوظيفة العامة – دار الفكر – ص 14.
[171] - Waline- Droit administratife –op – cit p- 432
-Duguit – Traite de , droit constitutionnel , 1930 , p-350.
[172] - د. محمد عبد الله الحراري – المصدر السابق ص 111
[173] - د. سليمان الطماوى – الوجيز في القانون الإداري – المصدر السابق – ص 516.
[174] - ينظر ذلك
د. عبد الغنى بسيونى – القانون الإداري – المصدر السابق ص 605
د. محمد رفعت عبد الوهاب- القانون الإداري المصدر السابق – ص 276
د. محمد فؤاد عبد الباسط – القانون الإداري – المصدر السابق – ص 626
د. عبد الغنى بسيونى – القانون الإداري – المصدر السابق ص 605
د. محمد رفعت عبد الوهاب- القانون الإداري المصدر السابق – ص 276
د. محمد فؤاد عبد الباسط – القانون الإداري – المصدر السابق – ص 626