بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

خصائص ومصادر القانون الإداري

 الدكتور
مازن ليلو راضي
أستاذ القانون العام المساعد


خصائص ومصادر القانون الإداري
نبين في هذا الجزء من الدراسة الخصائص التي يتميز بها القانون الإداري والمصادر التي يستمد منها أحكامه وذلك في مبحثين .
المبحث الأول

خصائص القانون الإداري

يتميز القانون الإداري ببعض الخصائص منها أنه قانون سريع التطور ، وقانون غير مقنن , وأنه من صنع القضاء .

أولاً : قانون سريع التطور .

يتسم القانون الإداري بانه قانون يتطور بسرعة تفوق التطور الاعتيادي في القوانين الأخرى ولعل ذلك يرجع إلى طبيعة المواضيع التي يعالجها ، فقواعد القانون الخاص تتميز بالثبات والاستقرار ، وقد تمر فترة طويلة قبل أن ينالها التعديل أو التغيير ، ويعود ذلك إلى أن العلاقات التي ينظمها القانون الخاص بفروعه المختلفة " قانون مدني ، قانون تجاري ، قانون مرافعات " تتعلق بقواعد عامة تتطلب قدراً من الاستقرار مع ترك الحرية للأفراد من تسيير الأمور الأخرى ذات الطابع المتغير في حدود القواعد العامة المنصوص عليها على عكس القانون الإداري الذي يعالج مواضيع ذات طبيعة خاصة لتعلقها بالمصلحة العامة وحسن تسيير وإدارة المرافق العامة وجانب من أحكامه غير مستمدة من نصوص تشريعية وإنما من أحكام القضاء وخاصة القضاء الإداري الذي يتميز بأنه قضاء يبتدع الحلول للمنازعات الإدارية ولا يتقيد بأحكام القانون الخاص إنما يسعى إلى خلق ما يتلائم مع ظروف كل منازعة على حده تماشياً مع سرعة تطور العمل الإداري ومقتضيات سير المرافق العامة .
ولعل من أسباب سرعة تطور القانون الإداري أنه يتأثر بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدولة وهي عوامل متغيرة باستمرار وغير مستقرة نسبياً ، فاتساع نشاط الدولة ونزعتها التدخلية وانتشار الحروب والازمات الاقتصادية وظهور المرافق العامة الاقتصادية , وما إلى ذلك من ظواهر اقتصادية وسياسية وإدارية ، وضرورة استيعاب القانون الإداري لهذه المتغيرات ومواجهتها أدى بالضرورة إلى التطور المستمر في أحكامه .

ثانياً : قانون من صنع القضاء .

يتميز القانون الإداري أيضاً بأنه قانون قضائي نشأ عن طريق المبادئ والقواعد الإدارية التي خلقها القضاء ، وقد ساعد على ذلك عدم تقنين أغلب قواعد القانون الإداري فكان لابد للقضاء أن ينهض بهذه المهمة من خلال وضع أسسه ونظرياته .
وإذا كان التشريع ينهض في الحقيقة ببعض مواضيع القانون الإداري خاصة ما يتعلق ببعض النصوص الدستورية والتشريعية واللائحية التي تحكم جوانب مهمة من علاقات الإدارية العامة ، فأن التشريع لا زال قاصراً عن مجالات أخرى كثيرة من قبل قواعد القرار الإداري وقواعد المسؤولية الإدارية وشروط الطعن بالإلغاء , وما إلى ذلك من مجالات لازال القضاء يمثل المصدر الرسمي الرئيس لأحكامه .
وقد كشف مجلس الدولة الفرنسي عن النظريات والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الإداري وأستلم عنه القضاء الإداري في مصر العديد من أحكامه ، حتى أصبح دور المشرع في كثير من الأحيان مقتصراً على تسجيل ما توصل إليه القضاء الإداري من أحكام . ([13])
ودور القضاء الإداري في هذا المجال كان متميزاً عن دور القضاء العادي ، الذي ينحصر بتطبيق القانون على المنازعة دون أن يتعداه لخلق الحلول المناسبة التي تتفق مع طبيعة منازعات القانون الإداري ، الأمر الذي أضفى على قواعد القانون الإداري الطابع العملي الذي يتماشى مع ظروف واحتياجات المرافق العامة ومقتضيات سيرها الحسن وتطورها المستمر .
ومع ذلك يتقيد القضاء في أداء مهامه وابتداعه لمبادئ وقواعد القانون الإداري يعدم مخالفة النصوص التشريعية القائمة على أساس أن القضاء أنما يعبر عن إرادة مفترضة للمشرع , أما إذا أفصح عن إرادته تلك بنصوص تشريعية فأنه يلتزم بتطبيق تلك النصوص في أحكامه . ([14])

ثالثاً : قانون غير مقنن .

يقصد بالتقنين أن يصدر المشرع مجموعة تشريعية تضم المبادئ والقواعد العامة والتفصيلية المتعلقة بفرع من فروع القانون كما هو الحال في مدونة القانون المدني أو مدونة قانون العقوبات .
ولا يخفى ما لتدوين القواعد العامة والتفصيلة لقانون ما من أهمية من حيث إضفائه الثبات والاستقرار على نصوص التشريع وسهولة الرجوع إلى أحكامه .
وقد نشأ القانون الإداري في فتره انتشرت فيها حركة التقنين في أعقاب الثورة الفرنسية وتم تدوين قواعد القانون المدني في مدونة نابليون . ([15])
إلا أن القانون الإداري لم تشمله هذه الحركة رغم رسوخ مبادئه واكتمال نظرياته ويرجع عدم تقنينه إلى سرعة تطوره وتفرع وسعة مجالاته مما يجعل من الصعوبة جمع أحكامه في مدونه واحدة خاصة وان أحكامه في الغالب ذات طبيعة قضائية ، ولا يخفى ما في أحكام القضاء الإداري من مرونة تتأثر بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد في المجتمع .
وإذا كان عدم التقنين يعني عدم جمع إحكام القانون الإداري في مجموعة أو مدونة واحدة فإن ذلك لا ينفي وجود تقنينات جزئية لبعض موضوعات القانون الإداري ، من ذلك وجود تشريعات خاصة بالموظفين وتشريعات خاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة وقوانين خاصة بالتنظيم الإداري أو القضاء الإداري إلى غير ذلك من مواضيع يتعذر جمعها في تقنين شامل .
المبحث الثاني

مصادر القانون الإداري

تشتمل مصادر القانون الإداري على مصادر القانون بصورة عامة ، وهي عادة أربعة مصادر " التشريع – العرف – القضاء – الفقه " .
وإذا كان التشريع والعرف يعدان المصدران الرسميان للقوانين الأخرى ، بينما يمثل القضاء والفقه المصدران التفسيريان للقواعد القانونية ، فإن القانون الإداري يمنح القضاء دوراً هاماً , بل يعده أهم مصادر القانون الإداري على الإطلاق ، ويكون مع التشريع والعرف مصدراً رسمياً للقانون الإداري , بينما يبقى الفقه مصدراً تفسيراً له .
وفيما يلي نعرض لهذه المصادر وبشيء من التفصيل .

أولاً : التشريع

يقصد بالتشريع كمصدر للقانون الإداري مجموعة القواعد القانونية المكتوبة الصادرة من السلطة المختصة في الدولة ، وقد تكون هذه السلطة, سلطة تأسيسية فيكون التشريع دستورياً، أما إذا كانت السلطة تشريعية فيكون التشريع عادياً ويطلق عليه اصطلاح القانون ، وأخيراً إذا كانت هذه السلطة تنفيذية فإننا نكون أمام ما يمكن تسميته بالتشريعات الفرعية أو اللوائح ، ويتميز التشريع عن غيره من المصادر الأخرى بوضوحه وتحديده وسهولة تعديله .

1. التشريع الدستوري

تعد التشريعات الدستورية المصدر الأساسي والرسمي للقانون الإداري ، وتقع التشريعات الدستورية في قمة الهرم القانوني ، وتسمو على القواعد القانوينة الأخرى جميعاً ، فهي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقتها بالمواطنين ، وتتضمن التشريعات الدستورية بعض الموضوعات المتعلقة بالقانون الإداري ، كتنظيم الجهاز الإداري في الدولة ونشاطه وحقوق الأفراد وحرياتهم .ومن ذلك انه قد نص الدستور العراقي لعام 2005 في المادة( 112) على ان يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية وادارات محلية.
ويتوجب على الإدارة بوصفها جهاز السلطة التنفيذية أن تلتزم بالمبادئ التي جاء بها الدستور ولا يحق لها مخالفتها وإلا عدت أعمالها مخالفة لمبدأ المشروعية مما يعرضها للإلغاء والتعويض عما تسببه من أضرار .
والقواعد الدستورية يقصد بها مجموعة القواعد المكتوبة في وثيقة أو عدة وثائق دستورية فحسب فمن الممكن أن تكون تلك القواعد غير مكتوبة, في ظل دستور عرفي يتمتع بسمو القواعد الدستورية المكتوبة ذاتها .
كذلك تتمتع إعلانات الحقوق ما تضمنته هذه الإعلانات في حقوق وحريات الأفراد بقوة النصوص الدستورية فلا يجوز مخالفتها .

2. التشريع العادي

يأتي التشريع العادي أو القانون بالمرتبة الثانية بعد الدستور ، من حيث التدرج التشريعي باعتباره صادراً من الهيئة التشريعية المعبرة عن الإرادة العامة وهي صاحبة الاختصاص في ذلك .
والإدارة بوصفها السلطة التنفيذية تخضع لأحكام القوانين فإذا خالفت حكم القانون أو صدر عمل إداري استناداً إلى قانون غير دستوري وجب إلغاء ذلك العمل . ([16])

3. التشريع الفرعي أو اللوائح

يطلق على القواعد القانوينة التي تصدرها السلطة التنفيذية التشريع الفرعي ، وتسمى في مصر اللوائح الإدارية بينما يطلق عليها في العراق الانظمة ، وهي قواعد عامة مجردة واجبة الاحترام تلي التشريع العادي في مرتبتها في سلم التدرج القانوني , وتخضع لرقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة باعتبارها قرارات إدارية يجب أن تكون متفقة مع القانون .
أ- اللوائح التنفيذية : وهي القرارات التي تصدرها الإدارة بغرض وضع القانون موضع التنفيذ، وهي تتقيد بالقانون وتتبعه، ولا تملك أن تعدل فيه أو تضف إليه أو تعطل تنفيذه .
وحيث أن السلطة التنفيذية بمقتضى وظيفتها، ولصلتها الدائمة بالأفراد هي أدرى السلطات العامة بالتفصيلات والجزئيات التي يستلزمها وضع المبادئ العامة موضع التنفيذ، فقد أوكل القانون إليها مهمة إصدار اللوائح التنفيذية .([17])
وقد نص الدستور العراقي لسنة 2005 في الفقرة (3) من المادة (80) منه على ان مجلس الوزراء يقوم بـ ((إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات، بهدف تنفيذ القوانين)). وبذلك فان المشرع العراقي قد بين بان مجلس الوزراء هو الجهة المختصه بإصدار الأنظمة التنفيذية والتعليمات.
ب- لوائح الضرورة : وهي القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبة البرلمان أو السلطة التشريعية لمواجهة ظروف استثنائية عاجلة تهدد أمن الدولة وسلامتها، فتملك السلطة التنفيذية من خلالها أن تنظم أمور ينظمها القانون أصلاً ويجب أن تعرض هذه القرارات على السلطة التشريعية في أقرب فرصة لإقرارها.
وتستمد السلطة التنفيذية حقها في إصدار هذه اللوائح من الدستور مباشرة، لما ينطوي عليها من خطورة على حقوق الأفراد وحرياتهم، اذ انه قد يترتب على صدورها تعطيل بعض احكام الدستور ولا يخفى ما في هذا الامر من خروج على مبدأ المشروعية. ولذلك ينبغي ان يكون اصدارها بنص الدستور وبموجب شروط وقيود مفصله.
ففي فرنسا تعد المادة (16) من دستور عام 1958 السند القانوني لإصدار لوائح الضرورة ([18])
أما في العراق فقد أشار الدستور المؤقت لسنة 1970 الى لوائح الضرورة في الفقرة (جـ) من المادة (57) منه التي تنص على انه ((لرئيس الجمهورية عند الاقتضاء اصدار قرارات لها قوة القانون)). أما دستور عام 2005، فلم يشير الى هذا النوع من اللوائح.
ج- اللوائح التفويضية : وهي اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية بتفويض من السلطة التشريعية لتنظيم بعض المسائل الداخلة أصلاً في نطاق التشريع ويكون لهذه القرارات قوة القانون سواء أصدرت في غيبة السلطة التشريعية أو في حالة انعقادها .
ويزداد بشكل مضطرد اللجوء الى هذا النوع من اللوائح بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعجز المجالس النيابية عن مواجهتها فتفوض السلطة التنفيذية اتخاذ ألازم من إجراءات في هذا الخصوص ([19])
وقد درج قضاء مجلس الدولة الفرنسي- قبل صدور دستور سنة 1958- على اعتبار هذه الاجراءات او الاوامر اعمالاً تشريعية لايجوز الطعن فيها بالالغاء. غير ان المجلس تراجع عن هذا الموقف بعد صدور هذا الدستور، فاعتبر تلك الاوامر قبل اقرار البرلمان لها من قبيل القرارات الادارية وفق المعيار الشكلي باعتبارها صادرة من السلطة التنفيذية بعد استئذان البرلمان، فاذا ما عرضت هذه الاوامر على البرلمان واقرها، فانها تتحول الى قوانين، ومن ثم تخرج عن اختصاص مجلس الدولة الفرنسي ([20])
هذا ولم تتضمن الدساتير العراقية المتعاقبه ما يسمح باصدار اللوائح التفويضية .
د-اللوائح المستقلة: وهي اللوائح التي تتعدى تنفيذ القوانين إلى تنظيم بعض الأمور التي لم يتطرق إليها القانون فتقترب وظيفتها من التشريع .
و هذا النوع من اللوائح بمثابة تشريع ثانوي تقوم به السلطة التنفيذية دون ان تشارك فيه السلطة التشريعية، وهي اما لوائح لتنظيم المصالح العمومية (لوائح تنظيم المرافق العامة)، او لوائح ضبط الاداري.
لوائح تنظيم المرافق العامة
وهي تلك اللوائح التي تتولى تنظيم المرافق العامة وتنسيق سير العمل في المصالح والادارات الحكومية([21]). فكلما كانت هناك حاجة الى مثل هذا التنظيم، قامت به السلطة الادارية من خلال هذه اللوائح دون حاجة لاستصدار قانون من البرلمان، وتستمد السلطة المذكورة هذا الحق صراحة من الدستور.
ففي فرنسا تعد المادة (37) من الدستور الفرنسي لسنة 1958 هي السند الدستوري الذي تستند عليه الادارة في اصدار مثل هذه اللوائح، حيث قررت هذه المادة ان كل ما يخرج من النطاق المحتجز للقانون بمقتضى المادة (34) من الدستور ذاته، تكون له الصفة اللائحية،
اما في العراق فأن من المستقر أن انشاء وتنظيم المرافق العامة لا يتم الا بقانون او بناء على قانون. وهو ما جاء في نص المادة (86) من الدستور العراقي لسنة 2005 حيث ورد بان ((ينظم بقانون، تشكيل الوزارات ووظائفها، واختصاصاتها، وصلاحيات الوزير)).
وقد اخذ القضاء العراقي بنفس الاتجاه، حيث قضت محكمة التمييز بان ((... النظام اذا لم تبن احكامه على نص تشريعي فلا يكون للنص الوارد فيه القوة القانونية، ويكون حكمه تبعاً لذلك لاغياً))([22]). ومن ثم فلا مجال الى القول بوجود هذا النوع من اللوائح في العراق.
لوائح الضبط
وهي تلك اللوائح التي تصدرها الإدارة بقصد المحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة، الأمن العام والصحة العامة و السكينة العامة، وهي مهمة بالغة الأهمية لتعلقها مباشرة بحياة الأفراد وتقيد حرياتهم لأنها تتضمن أوامر ونواهي وتوقع العقوبات على مخالفيها، مثل لوائح المرور وحماية الأغذية والمشروبات والمحال العامة .
وتستمد السلطة الادارية حقها في اصدار لوائح الضبط من الدستور، ففي فرنسا يكون الوزير الاول هو الذي يقوم باصدار لوائح الضبط استناداً الى المادة (21) من الدستور الفرنسي لسنة 1958 مع مراعاة ما ورد في المادة (13) بخصوص توقيع رئيس الجمهورية على المراسيم المداولة في مجلس الوزراء، وهذا ما اكده مجلس الدولة الفرنسي في العديد من الاحكام([23]).
اما في العراق فلا نعتقد ان من الدستوري اصدار لوائح الضبط لعدم جواز تقييد حقوق الافراد وحرياتهم الا بقانون او بناء على قانون. استنادا الى نص المادة (15) من دستور عام 2005 الذي يؤكد على ان ((لكل فرد الحق في الحياة والامن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق او تقييدها الا وفقاً للقانون، وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة)).

ثانياً : العرف

العرف الإداري هو مجموعة القواعد التي درجت الإدارة على إتباعها في أداء وظيفتها في مجال معين من نشاطها وتستمر فتصبح ملزمة لها ، وتعد مخالفتها مخالفة للمشروعية وتؤدي إلى أبطال تصرفاتها بالطرق المقررة قانوناً .
ويأتي العرف الإداري في مرتبة أدني من مرتبة القواعد القانونية المكتوبة مما يستلزم إلا يخالف نصاً من نصوص القانون فهو مصدر تكميلي للقانون يفسر ويكمل ما نقص منه ولكي يصبح سلوك الإدارة عرفاً إدارياً و مصدراً من مصادر القانون الإداري ، يجب أن يتوافر فيه ركنان : ركن مادي و ركن معنوي .
1. الركن المادي
ويتمثل الركن المادي باعتياد جهة الإدارة على إتباع سلوك معين في نشاط معين وقد يكون هذا الاعتياد ايجابياً يظهر في صورة القيام بعمل ، كما يمكن أن يكون سلبياً في صورة الامتناع عن القيام بعمل ما ،على أن يكون هذا العمل أو الامتناع بشكل ثابت ومستقر ويتكرر في الحالات المماثلة بشرط أن يمضى الزمن الكافي لاستقراره ، وتقدير ما إذا كانت هذه المدة كافيه لوجود العرف من عدمه أمر مرجعه إلى القضاء .
2. الركن المعنوي
أما الركن المعنوي فهو اعتقاد الإدارة والأفراد بإلزامية القاعدة المتبعة وضرورة احترامها وعدم مخالفتها واعتبار ذلك مخالفة قانونية تتطلب الجزاء ، وبهذا المعنى تكون القرارات الإدارية التي تصدر مخالفة للعرف الإداري غير مشروعة وعرضه للإلغاء إذا طعن في مشروعيتها أمام القضاء .
إلى جانب ذلك يجب أن يكون العرف الإداري عاماً تطبقه الإدارة بشكل منتظم ومستمر بلا انقطاع في جميع الحالات المماثلة وان يكون مشروعاً وغير مخالف لنص قانوني أو لائحي .
ومن الجدير بالذكر إن إلتزام الإدارة باحترام العرف لا يحرمها من أمكان تعديله أو تغييره نهائياً إذا اقتضت ذلك المصلحة العامة فالإدارة تملك تنظيم القاعدة التي يحكمها العرف بيد أن قيام العرف الجديد يتطلب توفر الركنين السابقين فلا يتكون بمجرد مخالفة الإدارة للعرف المطبق . ([24])
أما إذا خالفت الإدارة العرف في حالة فردية خاصة دون أن تستهدف تعديله أو تغييره بدافع المصلحة العامة فإن قرارها أو إجراءها المخالف للعرف يكون باطلاً لمخالفته مبدأ المشروعية . ([25])
ومع ذلك فإن دور العرف كمصدر رسمي للقانون الإداري أقل أهمية من المصادر الرسمية الأخرى لصعوبة الاستدلال على القاعدة العرفية من جهة , ولأن الإدارة في الغالب تلجأ إلى اللوائح كوسيلة لتنظيم نشاطها الإداري من جهة أخرى .

ثالثاً : القضاء

الأصل في وظيفة القاضي تطبيق القوانين والفصل في المنازعات المعروضة أمامه ، وهو ملزم قانوناً بالفصل في المنازعة الداخلة في اختصاصه وإلا اعتبر منكراً للعدالة ، لذلك رسم المشرع للقاضي الأسلوب الذي يسلكه لفض المنازعة إذا لم يجد في القواعد القانونية حلاً للمنازعة .
وعلى ذلك لا يعد القضاء مصدراً رسمياً للقانون لدوره المتعلق بتطبيق النصوص التشريعية وتفسيرها وإزالة غموضها وإزالة التعارض المحتمل بينها ، ولا يتعدى القاضي هذا الأمر ليصل إلى حد خلق قواعد قانونية خارج نصوص التشريع . ([26])
إلا أن الطبيعة الخاصة لقواعد القانون الإداري من حيث عدم تقنينه وظروف نشأته وتعدد مجالات نشاطه ، أدى إلى أن يتجاوز القضاء الإداري دور القضاء العادي ليتماشى مع متطلبات الحياة الإدارية فيعمد إلى خلق مبادئ وأحكام القانون الإداري ، فيصبح القضاء مصدر رسمي للقانون الإداري بل من أهم مصادرها الرسمية ، ويتعدى دوره التشريع في كثير من الأحيان .
وتتميز أحكام القضاء الإداري بعدم خضوعها للقانون المدني ، فالقاضي الإداري إذا لم يجد في المبادئ القانونية القائمة نصاً ينطبق على النزاع المعروض عليه يتولى بنفسه إنشاء القواعد اللازمة لذلك دون أن يكون مقيداً بقواعد القانون المدني .
ومن جانب آخر أن أحكام القضاء العادي ذات حجية نسبية تقتصر على أطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيراً على النقيض من أحكام القضاء الإداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة .
وفي ذلك يتبين أن للقضاء دوراً إنشائياً كبيراً في مجال القانون الإداري ومن ثم فهو يشكل مصدراً رئيسياً من مصادر المشروعية .
رابعاً : المبادئ العامة للقانون
تعد المبادئ العامة للقانون مصدراً مهماً من مصادر القانون الإداري ويقصد بالمبادئ العامة للقانون تلك المبادئ التي لا تستند إلى نص مكتوب ، وإنما يكون مصدرها القضاء وهي تختلف عن المبادئ القانونية التي يكون مصدرها التشريع . ([27])
وقد لجأ القضاء الإداري إلى المبادئ العامة للقانون للفصل في العديد من المنازعات الإدارية لعدم تقنين قواعد القانون الإداري .
وتستمد أغلب هذه المبادئ من الطبيعة المتميزة للحياة الإدارية , كمبدأ دوام استمرار سير المرافق العامة بانتظام واطراد ، والمساواة بين المنتفعين بخدمات المرافق العامة ، ونظرية الظروف الإستثنائية , أو تستمد في فكرة العدل والمنطق والتي بمقتضاها مارس القضاء الإداري رقابته على الوجود المادي للوقائع وصحة التكييف القانوني لها وضرورة التناسب بين جسامة الذنب الإداري والعقوبة المقررة لها . ([28])
والقضاء الإداري بهذا المعنى لا يخلق المبادئ العامة للقانون إنما يقتصر دوره على كشفها والتحقيق من وجودها في الضمير القانوني للأمة ، ولذلك فمن الواجب على الإدارة والقضاء احترامها والتقيد بها باعتبارها قواعد ملزمة شأنها في ذلك شأن القواعد المكتوبة .

13. ريمون أودان – النزاع الإداري ترجمه : سيد بالضياف – تونس – 2000.
14. د. رأفت فوده _ المصادر المشروعة الإدارية ومنحنياتها _ القاهرة 1994 .
15. رمزي الشاعر – في المسؤولية عن أعمال السلطة القضائية – 1982 .
16. د. سامي جمال الدين _ القضاء الإداري والرقابة علي أعمال الإداري _ دار الجامعة الجديدة .
17. د. سامي جمال الدين _ المنازعات الإدارية _ منشأة المعارف _ الإسكندرية 1984.
18. د. سامي جمال الدين – اللوائح الإدارية – منشأة المعارف – الإسكندرية – 1984.
19. سعد العلوش – نظرية المؤسسة العامة وتطبيقاتها في التشريع العراقي – دار النهضة – 1968 .
20. د. سعيد عبد المنعم الحكيم _ الرقابة علي أعمال الإدارة في الشريعة الإسلامية والنظم المعاصرة _ القاهرة 1976 .
21. د. سليمان محمد الطماوي – الوجيز في القانون الإداري – دار الفكر 1979 .
22. د. سليمان محمد الطماوي _ القضاء الإداري - دار الفكر العربي 1977 .
23. د. صبيح بشير مسكوني – القضاء الإداري في الجمهرية العربية الليبية – بنغازي .
24. د. صبيح بشير مسكوني _ القضاء الإداري في الجماهيرية العربية الليبية _ جامعة قار يونس بنغازي 1974 .
25. د. طعيمة الجرف _ رقابة القضاء علي أعمال الإدارة العامة _ قضاء الإلغاء _ دار النهضة العربية 1984 .
26. د. طعيمة الجرف – الاقنون الإداري – مطبعة القاهرة الحديثة – 1973 .
27. د. عبد الرضا الطعان _ التنظيم الدستوري في ليبيا بعد الثورة ج2 _ جامعة قار يونس بنغازي .
28. د. عبد الله طلبه – مبادئ القانون الإداري –ج1- جامعة حلب – 1987 .


0 تعليق:

إرسال تعليق