الأشخاص المعنوية العامة

الدكتور
مازن ليلو راضي
أستاذ القانون العام المساعد

الأشخاص المعنوية العامة

يتمتع الإنسان منذ ولادته بالشخصية القانونية التي تمكنه من اكتساب الحقوق وتحمله بالإلتزامات لأداء دوره في المجتمع وأداء رسالته ، والأصل أن الشخصية القانونية نسبت للإنسان فقط إلا أن عجز الإنسان عن النهوض بكافة متطلبات المجتمع لإنتهاء شخصيته بالوفاة وحاجة المجتمع إلى دوام استمرار مرافقه ، كان لابد من منح الأهلية القانونية لأشخاص أخرى ، فظهرت نظرية الشخصية المعنوية ومقتضاها منح القانون الشخصية القانونية إلى جانب الإنسان الذي بات يطلق عليه الشخص الطبيعي إلى نوعين من التجمعات : مجموعة من الأفراد أو مجموعة من الأموال تهدف لتحقيق هدف معين ويكون كيان ذاتي مستقل عن الأفراد المكونين لها يسمح بتحقيق هدفها ، وأطلق عليها اصطلاح الشخصية المعنوية الاعتبارية .
وعلى ذلك يمكن تعريف الشخص المعنوي بإنه مجموعة من الأموال أو الأشخاص تستهدف تحقيق هدف معين اعترف لها القانون بالشخصية القانونية .
المبحث الأول

أنواع الأشخاص المعنوية

يوجود نوعين رئيسيين من الأشخاص المعنوية هي : الأشخاص المعنوية العامة ، والأشخاص المعنوية الخاصة ، مع ما تتمتع به الأشخاص المعنوية الخاصة من أهمية في نطاق القانون الخاص فتظهر بشكل الشركات والمؤسسات والجمعيات التي تنشأ بمبادرات الأفراد لتحقيق الربح أحياناً وتحقيق النفع العام أو المصلحة العامة في أحيان أخرى.
و الشخصية المعنوية العامة تحتل أهمية أكبر بكثير في نطاق القانون العام الذي لا يعرف غير هذا النوع من الأشخاص المعنوية رغم إن نظرية الشخصية المعنوية نشأت في ظل القانون الخاص . وقد درج الفقه والقضاء على تقسيم الأشخاص المعنوية العامة إلى ثلاث أنواع :

أولاً : الأشخاص المعنوية الإقليمية

وهي الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية التي يتعلق اختصاصها في نطاق جغرافي معين من الدولة وهي تشمل الدولة والوحدات المحلية الأخرى.
1- الدولة
وهي أهم الأشخاص المعنوية على الإطلاق ولهذا فقد ورد النص عليها في المادة (47) من القانون المدني العراقي باعتبارها أول الأشخاص المعنوية . حيث ورد ((الأشخاص المعنوية هي:
ا – الدولة
ب- الادارات والمنشآت العامة التي يمنحها القانون شخصية معنوية مستقلة عن
شخصية الدولة بالشروط التي يحددها .
ج- الالوية والبلديات والقرى التي يمنحها القانون شخصية معنوية بالشروط التي
يحددها.
د - الطوائف الدينية التي يمنحه االقانون شخصية معنوية بالشروط التي يحددها.
ه – الاوقاف .
و – الشركات التجارية والمدنية الاما استثني منها بنص في القانون .
ز – الجمعيات المؤسسة وفقا للاحكام المقرره في القانون .
ح- كل مجموعة من الاشخاص او الاموال يمنحها القانون شخصية معنوية )).
والدولة هي الشخص المعنوي العام الذي تتفرع عنه الأشخاص المعنوية الأخرى وهي التي تمنح الشخصية المعنوية الخاصة للأفراد والهيئات الخاصة وتمارس الرقابة عليها .
والدولة باعتبارها شخص معنوي عام تشمل سلطات الدولة الثلاث : السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، باعتبارها شخص معنوي واحد . إلا أن هذه الوحدة في شخصية الدولة لم تكن أمراً مسلماً به فقد اختلف الفقه في شأنها .
فقد ذهب بعض الفقهاء إلى إن الاعتراف بالشخصية المعنوية العامة للدولة يقتصر على مجال معين من نشاط الدولة وهو الحقوق المادية والتصرفات التي تندرج في القانون الخاص ، أما بالنسبة لتصرفات الدولة التي تحمل طابع السلطة وإمتيازاتها فما هي إلا اختصاصات يمارسها ممثلوا الدولة في الحدود التي رسمها القانون تحقيقاً للمصلحة العامة.
ولعل الدافع وراء تبني هذا الرأي الخشية من تعسف الدولة وجورها على الحريات العامة إذا ما اعتبرت تصرفات الدولة حقاً من حقوقها , بينما ذهب رأي آخر إلى ثنائية شخصية الدولة ، فتكون شخصاً معنوياً خاصاً إذا ما تصرفت في مجال الحقوق المالية أو الحقوق الخاصة المشابهة لتصرفات الأفراد وينطبق عليها القانون الخاص وتعتبر شخصاً معنوياً عاماً إذا قامت بعمل بدخل في ضمن نطاق السلطة العامة وهنا تخضع تصرفاتها لأحكام القانون العام .([41])
إلا أن هذه الآراء لم تلبث أن انتهت ، وأصبح الرأي السائد فقهاً وقضاءً إن شخصية الدولة وحدة لا تتجزأ وهي تشمل جميع تصرفات الدولة وأعمال الخاصة منها والتي تتسم بطابع السلطة العامة . وهو رأي يتماشى مع المنطق القانوني السليم .

2- الوحدات المحلية المحافظات .

وترتبط فكرة الأشخاص المعنوية العامة المحلية بالديمقراطية التي تسمح لكل إقليم من أقاليم الدولة أن يدير شؤونه المحلية من خلال ممثليه من سكان الاقاليم في المحافظات.

ثانياً : الأشخاص الاعتبارية العامة المرفقية

ويطلق عليها أيضاً ألا مركزية المصلحية أو المرفقية ، وتنشأ لتحقيق مصالح عامة للأفراد تحت رقابة الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية التابعة لها . وتسمى هذه الأشخاص بالهيئات العامة أو المؤسسات أو الشركات العامة .
وقد لجأ المشرع إلى إنشاء هذه الأشخاص لتباشر أدارة المرافق العامة التي تتطلب نوعاً من الاستقلال الفني عن الحكومة المركزية لضمان فاعلية وكفاءة الإدارة . وتختلف هذه الأشخاص عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في إنها مقيدة بالهدف الذي أنشأت من أجله، في حين تكون الأخيرة مقيدة بالحدود الجغرافية للإقليم الذي تمثله .
وحيث إن الأشخاص الاعتبارية المرفقية تهدف إلى تحقيق أغراض متنوعة منها ما هو إداري أو اجتماعي أو اقتصادي ، فإن هذا الاختلاف يقود إلى اختلاف أنظمتها القانونية حسب النشاط الذي تتولاه ، أما الأشخاص الإقليمية فالقاعدة العامة أنها تتمتع بذات التنظيم القانوني .
كذلك تفترق الأشخاص الاعتبارية المرفقية عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أن الأخيرة تقوم على فكرة الديمقراطية التي تؤكد حق سكان الوحدات المحلية بإدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم ، بينما تقوم فكرة الشخصية الاعتبارية المرفقية على ضرورة ضمان الكفاءة الإدارية وحسن إدارة المرافق العامة ذات الطابع الفني ولا علاقة للديمقراطية في ذلك . كما هو الحال في الجامعات والهيئة العامة للمياه والهيئة العامة للإذاعة .

ثالثاً : الأشخاص المعنوية المهنية

بسبب التطور المستمر في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مختلف الدول وتأثير هذا التطور على القانون الإداري وأحكامه ظهرت فكرة جديدة لأشخاص معنوية أخرى تتمثل في المنظمات والاتحادات ذات الطابع المهني ، تتولى إدارة مرافق عامة ينشأها المشرع لتحقيق مصالح عامة ، ومن ذلك الاتحاد العام للطلبة واتحاد الأدباء والكتاب ونقابة المعلمين . وتتمتع هذه الأشخاص بالاستقلال ولها إصدار اللوائح الخاصة بتأديب أعضائها وممارسة المهنة التي تشرف عليها .
المبحث الثاني

النتائج المترتبة على منح الشخصية المعنوية

اذا اعترف بالشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازماً لصفة الإنسان الطبيعي ، وذلك في الحدود التي قررها القانون .
فيكون لها :
1- الذمة المالية المستقلة :
يتمتع الشخص المعنوي العام ، بذمة مالية مستقلة عن ميزانية الدولة ولها الحق في الاحتفاظ بالفائض من إيراداتها ، كما إنها تتحمل نفقاتها ، والذمة المالية للشخص المعنوي مستقلة عن الذمة المالية للأشخاص المكونين له .
2- الأهلية القانونية :
يتمتع الشخص المعنوي العام بأهلية قانونية في الحدود التي رسمها القانون تمكنه من اكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات ، غير أن هذه الأهلية أضيق نطاقاً من أهلية الشخص الطبيعي فهي مقيدة بممارسة التصرفات القانونية التي تدخل في ميدان نشاطه وتخصصه ، ومقيدة كذلك بحدود الهدف الذي يسعى الشخص الاعتباري العام لتحقيقه . وهذه الشخصية القانونية مستقلة عن شخصية الأعضاء المكونين بالشخص الاعتباري العام ويباشرها عنه من يمثلونه من أشخاص طبيعيين .
3- حق التقاضي :
للشخص المعنوي العام أهلية التقاضي ، فله مقاضاة الغير ، كما يكون من حق الغير أن يقاضيه ، كما يجوز أن تقاضي الأشخاص المعنوية بعضها البعض ، ويباشر هذا الحق عن الشخص المعنوي العام أشخاص طبيعيين يمثلونه أو ينوبون عنه ويعبرون عن إرادته في التقاضي .
4- موطن مستقل :
للشخص الاعتباري موطن خاص به يختلف عن موطن الأشخاص المكونين له ، وهو عادة المقر أو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته ، فقد بينت المادة 48/6 من القانون المدني العراقي إنه " يعتبر موطنه المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته .. " . وللموطن أهمية خاصة بالنسبة للشخص الاعتباري فيجب إعلان الأوراق الرسمية والقضائية إليه فيه و يتم تحديد المحكمة المختصة بالنظر بالدعاوي التي ترفع ضده.
5- تمارس الأشخاص المعنوية العامة جانباً من سلطة الدولة باعتبارها من أشخاص القانون العام فتتمتع بإمتيازات السلطة التي يقررها القانون للجهات الإدارية فتعتبر قراراتها إدارية ، ويجوز تنفيذها جبراً دون الالتجاء إلى القضاء ، كذلك تملك حق نزع الملكية للمنفعة العامة أو الاستيلاء المباشر كما يجوز لها إبرام العقود الإدارية ، وحيث توجد هذه السلطة توجد مسؤولية الشخص المعنوي عن أفعاله الضارة التي قد يتسبب بها موظفيه .
6- المال الذي تملكه الأشخاص المعنوية العامة يعتبر مالاً عاماً إذا كان مخصصاً للمنفعة العامة ، وبذلك فهو يحظى بالحماية المقررة للمال العام ، ومع ذلك يمكن أن تملك الأشخاص المعنوية العامة أموالاً أخرى خاصة تعد جزءاً من الدومين الخاص ولا تعتبر أموالاً عامة وتخضع لأحكام القانون الخاص .
7- موظفو الأشخاص المعنوية العامة يعدون موظفين عامين ويرتبطون بعلاقة تنظيمية مع الشخص المعنوي إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، ولا يمنع ذلك من أن يكون لبعض الأشخاص المعنوية نظام خاص لموظفيها ولوائح خاصة بتأديبهم .
8- لا يترتب على منح الشخصية المعنوية العامة الاستقلال التام عن الدولة إذ تخضع هذه الأشخاص لنظام "الوصاية الإدارية" التي تمارسها السلطة المركزية في الدولة لضمان احترام هذه الأشخاص للقانون والسياسة العامة للدولة وعدم تجاوز الغرض الذي من أجله أنشأت هذه المرافق .
9- القضاء الإداري يكون هو المختص في نظر المنازعات الناشئة عن ممارسة نشاطه نتيجة لتمتع الشخص المعنوي العام بإمتيازات السلطة العامة وبالتالي اعتباره شخصاً من أشخاص القانون العام ، ويخضع كذلك للقيود التي يفرضها القانون الإدراي من ضرورة إتباع إجراءات خاصة في التعاقد أو الطعون في القرارات الصادرة منه وغير ذلك من أمور تفرضها الطبيعة الخاصة بنظام القانون العام .
نهاية الشخص المعنوي العام
الدولة باعتبارها أهم الأشخاص المعنوية العامة تنقضي شخصيتها بزوال أو فقد ركن من أركانها التي تقوم عليها كما لو تفتت إلى عدة دول أو اندمجت بدولة أخرى أو فقدانها لإقليمها أو انعدام السلطة السياسية بسبب الفوضى .
أما الأشخاص المعنوية الإقليمية فتنتهي بذات الأداة التي نشأت بها ، كما لو صدر قانون يعيد تقسيم الوحدات المحلية فيلغي بعض الأشخاص المعنوية الإقليمية ويستحدث غيرها أو يدمجها في بعضها .
أما إذا صدر قانون بحل مجلس إدارة الشخص المعنوي فيظل الشخص المعنوي قائماً حتى يتم اختيار المجلس الجديد .
وتنقضي الشخصية المعنوية المرفقية والمهنية بإلغائها أو حلها بذات طريقة إنشائها أو باندماجها بشخص معنوي مرفقي آخر .
وعند نهاية الشخص المعنوي العام أيا كانت صورته تنتقل أمواله إلى الجهة التي حددها القانون أو القرار الصادر بإلغائه أو حله ، وإلا فإن هذه الأموال تنتقل إلى الجهة التي يتبعها هذا الشخص .

41. د. عصام عبد الوهاب البرزنجي _ الرقابة القضائية علي أعمال الإدارة _ كلية القانون _ جامعة بغداد 1987 _ 1988 .


ابحث عن موضوع