اقتصاديات العمل في العالم الإسلامي

            المملكة العربية السعودية

          وزارة التعليم العالي

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

    كلية الاقتصاد و العلوم الادارية

            قسم إدارة أعمال

اقتصاديات العمل في العالم الإسلامي

إعداد الطالب: جمال بندر العتيبي

   إشراف دكتور

العام الدراسي

1435/1436هـ

الفهرس

اقتصاديات العمل في العالم الإسلامي. 1

العمل أساس قيمة المنتج: 1

العمل والحافز الاقتصادي: 1

الحافز في الدراسات الاقتصادية: 1

تشريعات إسلامية منظمة للحافز الاقتصادي: 1

الحافز في الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون: 1

إيجابيات في التصور الإسلامي للحافز الاقتصادي، وأثر ذلك على قيمة العمل: 1

العنصر البشري صانع الحضارة: 1

الإنتاجية الاقتصادية للعنصر البشري في العالم الإسلامي: 1

الخاتمة: 1

التوصيات: 1

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

     إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.  أما بعد...

يقوم العمل على عدة مقومات يدخل فيها الأجر والوقت والحافز الاقتصادي وغيره... ويعني هذا أنه ينظر إلى مصطلح قيمة العمل على أنه مفهوم واسع ينطوي تحته عناصر كثيرة. ونحاول هنا أن نعرض لموضوع اقتصاديات العمل في العالم الإسلامي

و سيتم في هذا الموضوع الاعتماد على جمع المعلومات من عدة  مصادر ومراجع علمية و ذلك في ضوء ما تيسر لي من معلومات...

 وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب ..

العمل أساس قيمة المنتج:

شغل الاقتصاديون بكيفية تحديد قيمة سلعة ما أو منتج ما، وقدمت نظريات متعددة عن ذلك عرفت باسم نظريات القيمة. ويمكن القول: إن نظرية القيمة تعتبر أول نظرية اقتصادية، أو على الأقل من أوائل النظريات الاقتصادية التي شغل بها الاقتصاديون.

بل يمكن القول بيقين أكبر: إنها أول نظرية اقتصادية اكتمل بناؤها، وإنها من أكثر النظريات في تطورها المستمر. نشير في هذا السياق إلى آدم سميث الذي يعتبر المؤسس لعلم الاقتصاد الرأسمالي. فلقد أعطى أولوية لموضوع القيمة في كتابه ثروة الشعوب. وبعد آدم سميث جاء دافيد ريكاردو المؤسس الثاني لعلم الاقتصاد الرأسمالي فأعطى له نفس الأهمية. يرى آدم سميث أن قيمة السلعة تتحدد بالعمل الذي يبذل فيها وجاء ريكاردو وتساءل هل المقصود كمية العمل أو قيمة العمل؟ وكان رأيه أن قيمة أية سلعة تتحدد بالكمية النسبية من العمل الذي يكون ضرورياً لإنتاجها(1).

ونقل كارل ماركس نظرية القيمة إلى بؤرة الصراع المذهبي بين الرأسمالية والاشتراكية، فأصبحت نظرية القيمة عنده مربوطة بنظرية التراكم الرأسمالي، وبنظرية الصراع الطبقي، وبنظرية التفسير الاقتصادي أو المادي للتاريخ، وبنظرية التطور الاقتصادي. يرى ماركس أن قيمة السلعة تتحدد بكمية العمل التي دخلت فيها، ويعبر عن ذلك بوقت العمل الضروري اجتماعيًا.. وقد مد ماركس تحليله إلى قيمة العمل فرأى أن قيمة قوة العمل تتحدد بنفس الطريقة التي تتحدد بها قيمة أي سلعة أخرى، لذلك تتحدد بوقت العمل الضروري اجتماعيًا، المجسد في وسائل الكفاف.. ويعتقد ماركس أن وسائل الكفاف كافية إلى الدرجة التي تسمح باستمرار بقاء العامل، وأن تنتج له زيادة عائلية.

هذا تحليل ماركس للقيمة، بما فيها قيمة العمل، في إطار الرأسمالية. رتب على تحليله ما عرف باسم فائض القيمة، وهو يظهر بسبب أن الرأسمالي يشتري قوة العمل بقيمة وسائل الكفاف التي لزمت لإنتاجها، بينما يشغل العامل ساعات أطول من الوقت اللازم لإنتاج قيمة وسائل الكفاف التي تلزم لإيجاد قوة العمل. والفرق بين الاثنين هو فائض القيمة الذي أنتجه العامل ولكن الرأسمالي هو الذي يحصل عليه.

يتبين من هذه المناقشة أن دور العمل في تحديد قيمة السلعة، ثم كيفية تحديد قيمة العمل نفسه، تعتبر في بؤرة الصراع المذهبي بين الرأسمالية والاشتراكية.

وإذا كنا نعتقد أن ابن خلدون هو مؤسس علم الاقتصاد، ليس في طبيعته الرأسمالية أو الاشتراكية، وإنما علم الاقتصاد في طبيعة إسلامية، فإن المساهمة التي قدمها هذا العالم المسلم عن دور العمل في تحديد القيمة، من الأسباب التي تجعلنا نقول: بأنه مؤسس علم الاقتصاد (الإسلامي ). نعرض رأيه في هذا الموضوع، ونستهدف أن نتعرف على مساهمته في نظرية القيمة، هذا من جانب، ومن جانب آخر نستهدف بيان قيمة العمل.

كتب ابن خلدون في مقدمته عن دور العمل في القيمة في فصل بعنوان: في حقيقة الرزق والكسب وشرحهما، وأن الكسب هو قيمة الأعمال البشرية. نقتبس من هذا الفصل الفقرات التي تتعلق بموضوع القيمة.

النص(1):

 (اعلم أن الإنسان مفتقر بالطبع إلى مايقوته ويمونه في حالاته وأطواره، من لدن نشوئه إلى أشده، إلى كبره، والله الغني وأنتم الفقراء، والله سبحانه خلق جميع ما في العالم للإنسان، وامتن به عليه في غير ما آية من كتابه، فقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهار } (إبراهيم:32)، وكثير من شواهده ويد الإنسان مبسوطة على العالم وما فيه بما جعل اللَّه له من الاستخلاف، وأيدي البشر منتشرة فهي مشتركة في ذلك، وما حصل عليه يد هذا امتنع عن الآخر إلا بعوض، وما آتاه الله منها الكسب إنما يكون بالسعي في الاقتناء والقصد إلى التحصيل، فلا بد في الرزق من سعي وعمل، ولو في تناوله وابتغائه من وجوهه، قال تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْق } (العنكبوت:17)، والسعي إليه إنما يكون بأقدار الله تعالى وإلهامه، فالكل من عند الله، فلابد من الأعمال الإنسانية في كل مكسوب ومتمول. فاعلم أن ما يفيد ه الإنسان ويقتنيه من المتمولات إن كان من الصنائع فالمفاد المقتني منه قيمة عمله، وهو القصد القنية، إذ ليس هناك إلا العمل وليس بمقصود بنفسه للقنية، وقد يكون مع الصنائع في بعضها غيرها، مثل التجارة والحياكة معهما الخشب والغزل، إلا أن العمل فيهما أكثر، فقيمته أكثر، وإن كان من غير الصنائع فلابد من قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي حصلت به، إذ لولا العمل لم تحصل قنيتها، وقد تكون ملاحظة العمل ظاهرة في الكثير منها، فتجعل له حصة من القيمة عظمت أو صغرت، وقد تخفى ملاحظة العمل كما في أسعار الأقوات بين الناس ).

ملخص رأي ابن خلدون هو: أن العمل هو المحدد الأساس لقيمة أي منتج. وابن خلدون بهذا يعبر عن الفكر الإسلامي. إن دراسة بعض العقود الإسلامية مثل المضاربة والإجارة والمزارعة وغيرها من العقود المعروفة في الفقه، يعطي النتيجة التالية: تتحدد القيمة بناء على مساهمة كل من العمل ورأس المال وملكية الموارد الطبيعية.

يظهر تفوق الفكر الإسلامي في موضوع القيمة، والذي عرض ابن خلدون نموذجًا له، عند مقابلته بالفكر الاقتصادي الوضعي الذي بدأ بآدم سميت. ونظريات القيمة في هذا الفكر تناوبتها تطورات، ونقطة الارتكاز الرئيسة في هذه التطورات تتمثل في رفض الرأي القائل: بأن العمل هو المحدد الوحيد لقيمة السلعة.

العمل والحافز الاقتصادي:

الحافز في الدراسات الاقتصادية:

يعتبر الحافز الاقتصادي هو المحرك في الاقتصاد الرأسمالي.. آدم سميث يترجم الحافز الاقتصادي إلى اليد الخفية، ويعني بها أن الشخص يكون مقادًا بواسطة يد خفية تحفزه للتقدم والرقي. والحافز الاقتصادي يعكس نفسه في فكرة الرجل الاقتصادي، والاقتصاديون يعنون به: ذلك الطيف الشاحب لمخلوق يسير إلى حيث يوجهه مخه، تلك الآلة التي تتولى عمليات الجمع والطرح شومبيتر يلخص اقتصاد المدرسة الرأسمالية في العبارة الآتية: المصلحة الخاصة هي نظام القانون الطبيعي. هذه العبارة تعتبر تكييفاً للحافز الاقتصادي.

تشريعات إسلامية منظمة للحافز الاقتصادي:

نحاول التعرف على الحافز الاقتصادي وطبيعته في الاقتصاد الإسلامي من خلال التشريعات الإسلامية التالية:

1 إحياء الموات، من التشريعات الإسلامية العاملة على الأرض. يعرف الموات بأنه كل ما لم يكن عامرًا ولا حريمًا لعامر.. أما صفة الإحياء فإنها معتبرة بالعرف فيما يراد إحياؤه، فإن كان إحياء الأرض الموات للسكنى فيكون الإحياء بالبناء والتسقيف، وهكذا. يقول الرسول صلى الله عليه وسلّم : (من أحيا مواتًا من الأرض فهو أحق به، وليس لعرق ظالم حق ).. من هذا الحديث، استدل الفقهاء على أن الإحياء يرتب حق الملك للمحيي. (1)

إن إعطاء المحيي حق ملكية ما أحياه يرتبط بموضوع الحافز.. إن الذي بذل عملاً على أرض مــوات تكون مكـافـأته هي ملكية هذا الموات الذي أحياه. بل إننا في هذا الصدد نشير إلى أنه يوجد رأي فقهي يرى أن ملكية الموارد الأرضية لا تكون إلا بعمل يبذل عليها، (فالإنسان المنتج في النظرية الإسلامية لتوزيع ما بعد الإنتاج هو المالك الأصيل للثروة المنتجة من الطبيعة الخام ). على هذا النحو، تتأكد العلاقة الإيجابية بين إحياء الموات والحافز الاقتصادي.

2 الآلية التي تتحدد بها الأثمان في الإسلام لها آثارها على الحافز الاقتصادي. لقد عمل الفقهاء على استنتاج هذه الآلية من حديث النبي صلى الله عليه وسلّم ، روى أنس بن مالك رضي الله عنه، أن الناس قالوا: يا رسول الله! غلا السعر فسعر لنا، فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس يطلبني أحد منكم بمظلمة في دم ولا مال . يستنبط من هذا الحديث أن السعر يتحدد وفق قوى السوق المتمثلة في العرض ويعكس التكلفة، والطلب، ويعكس المنفعة.

وتحديد الأسعار على النحو السابق يحمل عناصر تعمل إيجابيًا مع الحافز.. إن منتج السلعة يكون لديه حافز على الإنتاج لأنه يعرف أن السعر الذي يعلنه السوق يعكس التكلفة التي يتحملها.

الحافز في الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون:

نختار ابن خلدون لنعرض بعض آرائه التي ترتبط بموضوع الحافز الاقتصادي. سبب اختيار ابن خلدون، أنه يمثل نموذجًا لمفكر مسلم عمل على صياغة الاقتصاد الإسلامي في صياغات اقتصادية متطورة. ولعله يكون من المفيد أن نشير إلى أن تحليل ابن خلدون يعكس الحرية الاقتصادية على النحو الذي يتفق مع الإسلام، وهذا الارتباط بالحرية يجــعل فكره في تلاؤم مع الحافز الاقتصادي.

1 في معرض كتابة ابن خلدون عن الآثار الاقتصادية السلبية للمكوس، كتب ما يلي:

 (فتكسد السوق لفساد الآمال ) . وعبارة فساد الآمال مساوية لعبارة ضعف الحافز الاقتصادي.

2 عند كتابته عن الآثار الاقتصادية السلبية لتدخل الدولة في الأسواق، كتب ما يلي(1):

 (ويدخل به على الرعايا من العنت والمضايقة وفساد الأرباح ما يقبض آمالهم عن السعي ). قبض الآمال عن السعي تترجم إلى ضعف الحافز الاقتصادي.

3 عند كتـــابة ابن خـــلدون عــن أن الظـــلم مـــؤذن بخراب العــمران، كتب ما يلي:

 (اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها، لما يرونه حينئذ من أن غايتـــها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت عن السعي في ذلك. وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب، فإذا كان الاعتداء كثيراً عاماً في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك، لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها، وإن كان الاعتداء يسيراً كان الانقباض عن الكسب على نسبته. والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال وسعي الناس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين، فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم كسدت أسواق العمران، وانتقضت الأحوال، وانذعر الناس في الآفاق، من غير تلك الإيالة في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها، فخف ساكن القطر، وخلت دياره، وخربت أمصاره، واختل باختلاله حال الدولة والسلطان، لما أنها صورة للعمران تفسد بفساد مادتها ضرورة )(1).

هذا الذي كتبه ابن خلدون يعتبر من أدق ما قيل عن الحافز الاقتصادي وعن الآثار الاقتصادية المرتبطة به. وابن خلدون لم يقف بالآثار المرتبطة بالحافز عند الآثار الاقتصادية، وإنما مد هذه الآثار إلى حياة المجتمع كله سياسية واقتصادية وغيرها.

إيجابيات في التصور الإسلامي للحافز الاقتصادي، وأثر ذلك على قيمة العمل:

1/ تثبت المناقشة في الفقرات السابقة أن الاقتصاد الإسلامي يعتبر الحافز الاقتصــادي، بل إنه يمكن القـــول: إن اعتبار الحافز الاقتصادي يمثل إحدى الخصائص المحددة لطبيعة الاقتصاد الإسلامي، وبالتالي تحديد هويته المذهبية.

2/ تثبت المناقشة في الفقرات السابقة أن الحافز في الاقتصاد الإسلامي يربط إلى عوامل موضوعية، ونحيل بصفة خاصة إلى موضوع إحياء الموات وترتيبه لحق الملكية.. إن هذا الموضوع يدل على الربط الموضوعي للحافز الاقتصادي. ويترتب على هذا الربط الموضوعي أن الحافز في الاقتصاد الإسلامي لا يؤسس على العنصر الشخصي وحده.

3/ مع أن الحافز الاقتصادي بطبيعته مرتبط، أو تعبير عن المصلحة الخاصة، إلا أنه تبين من المناقشة السابقة أن الإسلام جعل الشخص يعتبر مصلحة المجتمع ضمن العناصر المكونة أو الفاعلة على حافزه الاقتصادي، وعلى هذا النحو يتأسس الحافز في الاقتصاد الإسلامي جامعاً في انسجام المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة.

4/ مع أن الحافز الاقتصادي بطبيعته مرتبط، وتعبير عن الحرية الاقتصادية، إلا أنه تبين أن الاقتصاد الإسلامي يدخل الدولة في الحافز الاقتصادي بطريقة تحـــرك الفـــرد وتحـفـــزه (يراجــع عــلى وجــه الخــصوص تحليــل ابـن خلدون )، وذلــك بمنعــها من القيــام بإجراءات يتــرتب علــيها ظـــلم اقتصادي.

5/ بخصوص قيمة العمل، فإن العناصر الأربعة السابقة تعطي النتيجة التالية: الحافز الاقتصادي بالطبيعة التي يوجد بها في الاقتصاد الإسلامي تترتب عليه أكبر قيمة للعمل، وذلك للأسباب التالية:

أ- بجعل الشخص يحصل على ناتج عمله.

ب- بجعل الشخص يؤسس حسابه الاقتصادي على عوامل موضوعية، وهذا يؤمن عمله ويؤمن عمل (الغير).

ج- يجعل المصلحة العامة متضمنة في المصلحة الخاصة.

د- يجعل الشخص آمنًا من الظلم الاقتصادي، وذلك بسبب إجراءات من طرف الدولة.

العنصر البشري في العالم الإسلامي والتحدي الحضاري المعاصر

العنصر البشري صانع الحضارة:

1/ تتعدد عناصر التحدي الحضاري المعاصر، وكل عنصر يمثل محوراً يرتكز عليه العمل الحضاري. هناك المحور الاقتصادي والمحور الاجتماعي والمحور السياسي وغير ذلك من محاور.. العنصر البشري هو العنصر الرئيس الفاعل في هذه المحاور كلها.

بناء على هذا، نستطيع أن نختزل التحدي الحضاري في تحد على مستوى العنصر البشري، والتفاوتات الحضارية بين الأمم تنسب أساسًا إلى العنصر البشري. إذا أخذنا الحضارة المادية المعاصرة كمثال، فإننا نجد إثباتاً لهذه القضية التي نناقشها. الحضارة المادية تترجم في تقدم اقتصادي وتقدم تكنولوجي، هذه الحضارة المادية كلها قامت على العنصر البشري. ومن الأمثلة التقليدية على ذلك، ما يقال دائماً من وجود دول ليست غنية بمواردها الطبيعية ولكنها استطاعت بالعنصر البشري أن تكون من أرقى الدول، تقدماً وتطوراً في الاقتصاد. النظر إلى خريطة العالم يضع أيدينا على الدول التي تثبت هذا الأمر. (1)

2/ العنصر البشري المؤهل لصنع حضارة، يخلق لنفسه الوعاء الذي يكون ملائماً لأن يسع التقدم. قضية الوعاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يسع التطور والتقدم في علاقته بالإنسان، قضية معقدة.

3/ العنصر البشري الذي صنع الحضارة المعاصرة توافرت له استثمارات اجتماعية، بحيث يمكن القول: إن إنسان هذه الحضارة بهذه الاستثمارات أصبح إنساناً ذا طبيعة ملائمة لصنع التقدم. الإنسان في علاقته بالاستثمارات ذات الطبيعة الاجتماعية، قضية معقدة.

الإنتاجية الاقتصادية للعنصر البشري في العالم الإسلامي:

تعبر إنتاجية الفرد عن مدى مساهمته في الناتج القومي للمجتمع، ينطبق ذلك على جميع القطاعات: القطاع الزراعي، والقطاع الصناعي، وقطاع الخدمات. ويمكن أن يعبر عن هذا بطريقة أخرى على النحو الآتي:

- مساهمة الفرد في الاقتصاد تقاس بإنتاجيته.

- إنتاجية الفرد يمكن أن تقاس بمتوسط دخل الفرد.

وسوف نحاول أن نتعرف على إنتاجية العنصر البشري في الدول الإسلامية، وذلك مقارنة بنظيرتها في الدول المتقدمة(1):

1/ دول منظمة المؤتمر الإسلامي في 1994م يبلغ عددها (51) دولة، منها عشر دول تجاوز فيها متوسط دخل الفرد ألف دولار في السنة (جدول 1). وإذا أردنا أن نتعرف على المعنى الاقتصادي لذلك نقارنه بمتوسط دخل الفرد في مجموعة البلاد المتقدمة (جدول 2)، حيث نجد أن أقل دخل في هذه المجموعة هو دخل فرنسا وهو (23420) دولارًا في السنة، أي أنه أكثر بثلاث وعشرين مرة من متوسط دخل الفرد في المجموعة الأعلى للدول الإسلامية. حالة العالم الإسلامي تصبح أكثر سوءًا عندما نقارن الدول العشر القمة بأعلى متوسط دخل للفرد في مجموعة البلاد المتقدمة، وهي حالة سويسرا (37930) دولارًا في السنة، أي أنه حوالي (38) مرة لمتوسط دخل الفرد في المجموعة القمة في الدول الإسلامية.

متوسط دخل الفرد تعبير عن إنتاجيته. وعلى هذا النحو تكون الإنتاجية شديدة الانخفاض للعنصر البشري في العالم الإسلامي.

2/ في العالم الإسلامي، خمس عشرة دولة متوسط دخل الفرد فيها أقل من (500) دولار سنوياً.. وإذا قورن هذا الدخل بنظيره في البلاد المتقدمة فإنه يعطي النتيجة التالية: متوسط دخل الفرد الأدنى في مجموعة البلاد المتقدمة يبلغ حوالي خمسين ضعفاً لنظيره في (15) دولة إسلامية.

إذا كانت المقارنة مع متوسط دخل الفرد الأعلى في مجموعة البلاد المتقدمة فإنه يتبين أنه يبلغ حوالي 76 ضعفًا لنظيره في البلاد الإسلامية الأسوأ دخلاً. نذكر مرة ثانية أن هذا يعبر عن إنتاجية الفرد، أي عن مساهمته في الناتج القومي(1).

3/ لم يمكن الحصول على بيانات عن متوسط دخل الفرد في (17) سبع عشرة دولة إسلامية، ويعني ذلك أنه في حالة الحصول على بيانات عنها فإن عدد الدول الأسوأ دخلاً في العالم الإسلامي قد يكون أكثر من خمس عشرة دولة.

4/ من بين دول منظمة المؤتمر الإسلامي، توجد عشر دول متوسط دخل الفرد (300) ثلاثمائة دولار فأقل، يعني هذا أن إنتاجية الفرد في هذه المجموعة من البلاد الإسلامية هي 1% من نظيرتها في الدولة القمة في مجموعة البلاد المتقدمة. نعيد القول مرة أخرى: إن هذا يعبر عن إنتاجية الفرد، أي عن مساهمته في الناتج القومي(2).

الخاتمة:

إن اقتصاديات وقيمة العمل هي ناتج لثقافة المجتمع . يترتب على ذلك أن التوصيات التي تقترح لتحسين قيمة العمل في العالم الإسلامي ينبغي أن تعمل على كل النظم القائمة في هذه المجتمعات الإسلامية. وبسبب أن الدراسة ناقشت عناصر معينة داخلة في قيمة العمل الكمية الاقتصادية، لذلك فإن التوصيات التي تقدمها تأخذ في الاعتبار العناصر التي درست.

التوصيات:

1- غرس قيم الإسلام بشأن الوقت، وهذه مسؤولية المجتمع كله، وخاصة المؤسسة التعليمية والمؤسسة الإعلامية، مرئية ومسموعة ومقروءة .

2- وضع سياسيات للأجور مؤسسة على الشريعة الإسلامية، بحيث تربط هذه السياسات الأجر بالإنتاجية .

3- وضـــع سيــاسات ثقافيـــة بمعناها الواسع، واقتصادية، وإدارية، لوضع الحــافــز الاقتصــادي وفــق التصور الإسلامي موضــع التطبـــيق.

4- وضع سيــاســات للملكيـــة تلتـــزم بتطبيــــق الشريعة الإسلاميــة بشــأن دور العمل في ملكية مصادر الثروة الطبيعية.

5- وضــع سيــاسات اقتصادية للأســعــار تلتــزم بتطبــيق الفكــر الإسلامي فيما يتعلق بتحديد دور العمل في القيمة، أي قيمة السلع والخدمات .

6- وضع سياسات للاستثمارات ذات الطابع الاجتماعي التي تعمل على الإعداد البدني للفرد في العالم الإسلامي.

7- وضع سياسات تعليمية ترتب القضاء على الأمية، وتوسيع قاعدة التعليم الجامعي تؤدي إلى أن تطلق إبداعات عقل الإنسان المسلم في اكتساب المعارف والفنون المعاصرة، وبحيث يهيأ للتعامل مع الثورة التكنولوجية المعاصرة، وبحيث يؤهل للمساهمة في ثورة الاختراعات والاكتشافات العلمية المتلاحقة بسرعات عالية .

المراجع:

1. البنك الدولي ، تقرير التنمية في العالم 1996، جدول 1، ص238 ، جدول 12 ص260، جدول 15 ، ص 266.

2. البيانات الخاصة بـ: الإمارات، أفغانستان، البحرين، بروناي، جامبيا، جيبوتي، السودان، سوريا، الصومال، العراق، فلسطين، قطر، القمر، لبنان، موزمبيق، النيجر، من المصدر التالي: البنك الإسلامي للتمنية، التقرير السنوي، 1417هـ1996/1997م، جدول2،ص332.

3. الناتج المحلي إلاجمالي لـ: البحرين، جامبيا، قطر، القمر، لبنان، المالديف، موزمبيق، النيجر، اليمن، حسبت من الجدول ص330 من التقرير السنوي لبنك التمنية الإسلامي،1996/1997.

4- http://library.islamweb.net/newlibrary/display_umma.php?lang=&BabId=4&ChapterId=4&BookId=279&CatId=201&startno=0

ابحث عن موضوع