بحث بعنوان : جريمة الـرشــــوة في النظام السعودي


بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
تعد الرشوة من ابشع صور الفساد شيوعا لما تتضمنه من معاني اللامبالاة وعدم الاكتراث من قبل الموظف العام بالوظيفة العامة لدرجة انه يتاجر فيها ويبيعها بابخس ثمن، و من هنا فقد حرمت الشريعة الاسلامية الرشوة واعتبرتها من قبيل أكل اموال الناس بالباطل ، و في ذلك  قال الله تعالى (ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتاكلوا فريقا من اموال الناس بالأثم و أنتم تعلمون) ،  وذهب فقهاء الشرعية الاسلامية إلى اعتبارها من قبيل جرائم الفساد والتي يطلق لولي الامر العنان في وضع العقاب المناسب لها وفقا لتقديرات المكان والزمان ومدي انتشارها او قلتها ولا شك أن الوقت الحاضر يحتاج لعقوبات مشددة تحد من هذه الظاهرة التى باتت تاكل في الجهاز الاداري للدولة اكل النار للحطب.
هذا و قد أجمع الفقهاء على حرمة الهدايا التى تعطى للعاملين والموظفين ومافي حكمهم بصفتهم الوظيفية لانها من قبيل الرشوة المحرمة ونوع من انواع خيانة الامانة
والرشوة من أشد انواع اكل الاموال بالباطل لانها دفع المال الى الغير لقصد احالته عن الحق وقد شمل التحريم في الرشوة اركانها الثلاثة الراشي والمرتشي والرائش ( و هو الوسيط بينهما)،  فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " لعن الله الراشي والمرتشى والرائش " رواة احمد والطبراني . وهذه الورقة البحثية سأتناول فيها بالدراسة موضوع الرشوة من حيث المفهوم والأركان في النظام السعودي.
و بالله التوفيق.

المبحث الاول: مفهوم الرشوة:

المطلب الأول : تعريف الرشوة لغة:

الرشوة لغة : يطلـق العرب لفظ الرشوة على رش الدلو ، يقال: رشا الدلو، إذا جعل له رشاء ، اي حبل ، ويتوصل به الى الماء ويربط به من احد طرفيه(1) .
وايضا تطلق هذه اللفظة على راس الفرخ حينما يمد راسه ويرفعه الى الاعلى لتطعمه امه ، ويطلق على ولد الظبي حينما يتحرك ليمشي، وتسمى خيوط اليقطين  وخيوط الاعناب اذا امتدت اغصانها  فصارت كالحبال 0
    والرشوة واحدة الرشا ، وتضبط الرشوة مثلثة الراء المشددة فيقال رشوة بفتح الراء ورشوة بكسر الراء ورشوة بضم الراء ورشاه يرشه رشوا أي اعطاه الرشوة0 قيل في المحاباة والجعل؛ قال صاحب القاموس(2): الرشوة مثلثة الجعل، ورشاه أعطاه، وارتشى  الرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء؛ ومن الالفاظ المرادفة للرشوة السحت 0
والسحت لغة : الحرام ، أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار؛ سمي بذلك لأنه يسحت البركة ويذهبها، يقال : (سحته الله) أي أهلكه ، ويقال : (أسحته)، وقرئ بهما في قوله تعالى: ( فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ) (طه : الآية 61) أي يستأصلكم ويهلككم.
يقال: (فلان سحوت المعدة) إذا كان لا يلقى أبدا إلا جائعا، قاله الفراء
ومما يشهد لهذا المعنى اللغوي ما ثبت في فقه اللغة من تقارب المعنى بتقارب الألفاظ، والسحت متقارب مع السحق بالقاف، وهو الدق والطحن بشدة، وفيه الهلاك والتحطيم، وكذلك يشترك مع السحت السحب بالباء ، وفيه سحب المرتشي، ويشترك مع السحر، والرشوة فعل عمل السحر في نفسه.
أما البرطيل:
 قال ابن تيمية رحمه الله :
هو الحجر المستطيل، وسميت به الرشوة لأنها تلجم المرتشي عن التكلم بالحق، كما يلقمه الحجر ، جاء في الأثر: (( إذا دخلت الرشوة من الباب خرجت الأمانة من الكوة)) وفي القاموس: الترطيل: تليين الشعر بالدهن وتكسيره وإرخاؤه وإرساله . )(1)
وقال الاصمعي(2) اذا امتدت اغصان الحنظل قيل قد ارشت أي صارت كالارشية وهي الحبال0 وعلى هذا يكون مدار المعنى لهذه الكلمة على الوصول الى الحاجة 0

المطلب الثاني : تعريف الرشوة في الاصطلاح:

تعريفها اصطلاحا :ومما يلزم التنبيه عليه هو أن ما لا يوجد له معنى دقيق في اللغة لا يتأتى وجود معنى دقيق له في الاصطلاح؛ لأن المعنى اللغوي أسبق في الوضع والاستعمال؛ فإذا جاء الشرع نقل المعنى اللغوي إلى الاستعمال الشرعي مع زيادة شروط ووضع قيود شرعية.
عرفها الجرجاني بقوله : أنها ما يعطى لإبطال حق، او إحقاق باطل(3) وقال صاحب المصباح المنير بأنها(4)  : ما يعطيه الشخص الى الحاكم او غيره ليحكم له او يحمله على ما يريد.
وعرفها ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
بأنها ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه 4 . ونخلص إلى أن أقرب التعاريف الى حقيقة الرشوة هما تعريفا ابن العربي والهيتمي0 فشمل تعريف الهيتمي الحكم بالباطل ، والحكم بالحق،  وأما قوله للتوقف عنه فهو داخل لا محالة تحت الحكم بالباطل0 باعتبار التوقف عن الحكم  سكوتا عن الحق وتعطيلا له0
الرشوة في النظام السعودي:
نص المنظم السعودي على أنه (كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخد وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو يزعم أنه من أعمال وظيفته ولو كان هذا العمل مشروعاً يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن مدة لا تجاوز عشر سنوات وبغرامة لا تزيد عن مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا يؤثر في قيام الجريمة اتجاه قصد الموظف إلى عدم القيام بالعمل الذي وعد به) .
إن المقرر نظاما لقيام جريمة الرشوة أنه لا يكفى أن يكون المرتشي موظفا عام أو ما في حكمه وإنما يشترط أيضا أن يكون مختص بالعمل أو الامتناع المطلوب تحقيقه نظير ما يتلقاه من مقابل او يزعم انه مختص وقد نص نظام مكافحة الرشوة على هذا الشرط فى المادتين الأولى والثانية منه عندما تطلب لقيام جريمة الرشوة أن يكون المقابل "لأداء عمل من أعمال وظيفته او يزعم انه من أعمال وظيفته- مادة (1) من نظام مكافحة الرشوة - أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو انه يزعم أنها من أعمال وظيفته – مادة (2) من مكافحة الرشوة .
وأن من شروط تحقق الركن المادي للجريمة أن يكون (القبول أو الطلب أو الأخذ) للرشوة نظير القيام بعمل أو الامتناع عن عمل يدخل في اختصاصه الوظيفي طبقا لنص المادة الأولى والثانية فإذا انتفى اختصاص الموظف بالعمل أو زعمه به انتفى معه القدرة على تقديم المقابل (من الموظف) وبالتالي ينتفي شرط من شروط تحقق الركن المادي للجريمة.1

المطلب الثالث: المذاهب التي تتعلق بجريمة الرشوة  وموقف المنظم السعودي منها :

المذهب الأول : مذهب وحدة الرشوة، وهو اعتبار أن الرشوة جريمة واحدة، وهي جريمة الموظف العام الذي يتجر بأعمال وظيفته، على أساس أن جوهر الرشوة هو الاتجار بالوظيفة، وهذا الفعل يقع في نصيب الموظف وحده، أما الراشي فمجرد مساهم معه فيها، باعتباره فاعلاً أو شريكاً بالاتفاق أو التحريض .
المذهب الثاني : مذهب ثنائية الرشوة، حيث يعتبر الرشوة جريمتين متميزتين أو منفصلتين، إحداهما جريمة المرتشي وتسمى الرشوة السلبية، والثانية جريمة الراشي وتسمى الرشوة الإيجابية، وتستقل كل من الجريمتين عن الأخرى في المسئولية والعقاب.
العيوب والمزايا لهذين الاتجاهين : المذهب الأول يتفق مع العقل والمنطق، إلا أنه يعيبه لو أن صاحب الحاجة أو وسيطه إذا عرض رشوة فلم يقبلها الموظف، فإنه يفلت من العقاب، باعتبار أن الرشوة جريمة موظف، وما فعله صاحب الحاجة أو وسيطه لا يعتبر بدءا في تنفيذ الجريمة، إذ أن البدء لا يكون إلا من الموظف العام.
لكن طبقاً للمذهب الثاني يعاقب صاحب الحاجة أو الوسيط الذي عرض العطاء على أساس رشوة ايجابية .
موقف المنظم السعودي  :
حاول المنظم السعودي أن يجمع بين مزايا النظامين، ويتجنب عيوبهما، بناءً على خطة توفيقة ذات شقين :
1. اعتبر الرشوة جريمة واحدة هي جريمة الموظف العام لأنه هو المنوط به المحافظة على نزاهة الوظيفة العامة، أما الراشي أو الوسيط فيعتبر كل منهما شريكاً في هذه الجريمة، وهو ما نصت عليه المادة (10) من نظام مكافحة الرشوة .
2. أنه حقق النتائج العملية المترتبة على الأخذ بنظام ثنائية الرشوة، عن طريق تجريم عرض الرشوة من جانب صاحب الحاجة دون قبولها، ومن ناحية أخرى اعتبر طلب الموظف العام للعطية جريمة تامة ولو لم يلق قبولاً من صاحب الحاجة .
3.

المبحث الثاني : أركان الرشوة

المطلب الاول : الراشي

الراشي : وهو الشخص الذي يقوم بدفع الرشوة من ماله للمرتشي ، رجاء الحصول على غرضه الذي يرجوه من وراء ذلك الدفع  والراشي لابد ان تكـون عنده مقومات التكليف والأهلية والتي تتمثل بالعقل والبلوغ  والاختيار

المطلب الثاني : المرتشي

    وهو الشخص المقصود بدفع الرشوة  فتدفع اليه ليملكها بحيث يكون هو المقصود بعينه وذلك لوصول الرشوة اليه، وهو السبب الذي أقدم من خلاله الراشي على دفع المال له ، ويطلق عليه البعض الأخذ  لأنه يأخذ المال من الراشي لأجل تقديم مصلحة له وتحصيل بغيته اذا فكل من اخذ مالا او حصل منفعة  على غير وجه حق  وإنما على سبيل الرشوة فهو المرتشي 0
وللمرتشي أيضاً شروط ، كما للراشي إن توفرت فيه يكون بذلك قد امتلك الأهليـة  ،  كالبلوغ والعقل الذي هو مناط التكليف ، والاختيار، بحيث يكون للمرتشي كامل الحرية في اخذ او رد الرشوة(1) 

المطلب الثالث : الرائش:

 وهذا الركن الثالث في تسلسل الرشوة وأركانها وهو الذي يسعى بين الراشي والمرتشي يستزيد لهذا  ويستنقص لهذا ، او الذي يسعى بين الراشي والمرتشي ليقضي أمرهما وقال اخر، هو السفير الذي يمشي بينهما يستزيد هذا  ويستنقص هذا(2)  والكلام في شروط الرائش لا تختلف عن الراشي والمرتشي من جهة العقل والاتصاف بالأهلية  التامة  والتي تجعل تصرفاته مما يحاسب عليها شرعا .

المطلب الرابع : العوض عن الرشوة:

 فإذا علمنا حقيقة الرشوة تبين لنا ، أنها عبارة عن عوض يقدمه الراشي للمرتشي  رغبة في حصوله على امر محرم في ذاته، وهذا الامر تتعدد صوره كان تكون على هيئة مادية او معنوية او حتى وعد بشيء قابل لان يتم الاستفادة منه مستقبلا .

المطلب الخامس : الصيغة:

     ويقصد بها كل لفظ او هيئة او تلميح يدل على إرادة ونية الراشي والمرتشي في تحقيق غاية الاثنين، فالرضا علامة القبول لما يعرض على المرتشي من طلب واللفظ الصريح لهذا الطلب يكون اشد توثيقا  واكبر دليل على المُضمر من النوايا بين الراشي والمرتشي رغم ان الاصل فى القاعدة الفقهية : ان كل من صدر عنه لفظ نص في معنى ، حمل عليه، غير انهم اشترطوا في ذلك ان لا يكون اللفظ محتملا (1)
.
الخاتمة
أحمد المولى تبارك وتعالى على منه على بإعداد هذا البحث والانتهاء منه فله الشكر والحمد على نعمه وكرمه وفضله وعظيم سلطانه والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله. أما بعد....
فقد قمت على صفحات هذا البحث بتناول موضوع : " الرشوة " وقد قمت في هذا البحث باستعراض عدد من العناصر التابعة لهذا الموضوع حيث عرفت الرشوة لغة واصطلاحا و استعرضت أركان الرشوة .
وآمل أن أكون قد استعرضت هذا الموضوع على النحو اللائق وأخيراً أدعو الله تعالى أن يجعل العمل في موازين حسناتنا ونسأله المغفرة والرضوان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قائمة المصادر و المراجع:
1- لسان العرب ابن منظور جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم الأنصاري(ت 711)ه,ـ دار اللسان العربي بيروت 1406 هـ
2- القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي(ت817)هـ مطبعة الحلبي1371هـ  .
3- مجموع الفتاوى لابن تيمية احمد بن عبد الحليم الحراني(ت728)هـ .
4- سير أعلام النبلاء محمد بن احمد الذهبي مؤسسة الرسالة ط/1 1401هـ .
5- التعريفات للجرجاني على بن محمد بن على (ت816)هـ ط/1 نشر دار الكتاب العربي بيروت  1405هـ ص 12 كتاب الراء مع الشين.
6- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ابن علي المقري احمد بن محمد الفيومي مطبعة مصطفى الحلبي 1396 هـ .
7- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني تحقيق  عبد العزيز بن باز ومحمد فؤاد عبد الباقي دار الفكر 1407هـ .
8- حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل محمد بن احمد المالكي(ت1230هـ) .
9- الطبقات الكبرى لابن سعد محمد بن سعد بن منيع  أبو عبد الله البصري الزهري 230 هـ دار صادر بيروت  1408 هـ.
10- تهذيب الكمال للمزي يوسف بن الزكي عبد الرحمن أبو الحجاج المزي ، تحقيق  د0بشار عواد معروف, مؤسسة الرسالة, بيروت, 1980م.
11- جرائم التزوير والرشوة، عبد الفتاح خضر .
12- النهاية في غريب الحديث لابن الاثير.
13- شرح القواعد الفقهية، مراجعة عبد الستار أبو غدة ط1، دار الغرب الاسلامي، الزرقاء، 1403 هـ .
14- نظام مكافحة الرشوة الصادربالمرسوم الملكي رقم م/ 36وتاريخ 29/12/1412هـ ونشر بجريدة أم القرى في عددها ( 3414 ) وتاريخ (2/2/1413هـ )

إعداد الطالب: ليلى الهياف
إشراف الدكتورة: ريوف النجار
العام الجامعي
1435-1436هـ

ابحث عن موضوع