مقدمـــة :
بلغة الرياضيات في عالم القانون فإن الحق بدون دليل عند المنازعة فيه يساوي الصفر، رغم أن الإثبات ليس ركناً في الحق ، إذ يوجد الحق بقطع النظر عن وسيلة إثباته غير أنه لا وجود للحق مجرد عن دليله عند المنازعة فيه فهو قوام حياته.
لهذا فإن للإثبات القضائي أهمية في الدعوى القضائية بالنسبة للقاضي و في وجود الحق من عدمه بالنسبة للمتقاضي ، و قد عرفه الفقه بأنه إقامة الدليل أمام القضاء الطرق التي حددها القانون على واقعة قانونية ترتبت آثارها([1]).
و قد اعتنت مختلف التشريعات بالإثبات القضائي و نظمته معتنقة في ذلك مذهب من المذاهب الثلاثة ،الأول يعرف بالمذهب الحر أو المطلق و يجد أساسه في عدم تحديد القانون طريقاً للإثبات فيكون بأية وسيلة توصل إلى إقناع القاضي الذي بدوره يتمتع بسلطة تقديرية واسعة تجعل من موقفه موقف إيجابي إزاء أدلة الإثبات ، أما الثاني فهو المذهب المقيد أو القانوني يكون فيه للقانون دور في تحديد الطريقة التي يصل بها القاضي إلى الحقيقة دون أن يتجاوز دوره تطبيق الأدلة كما يقدمها الخصوم و يقدرها حسب القيمة التي حددها القانون لكل دليل.
و بين الأول و الثاني يوجد المذهب الثالث و هو المذهب المختلط فهو مذهب حر و مقيد في الوقت ذاته، يتخذ القاضي من خلاله موقفاً وسطاً يسمح له بتقدير بعض الأدلة التي جعل له فيها المشرع حرية التقدير و لم يقيده بحجيتها أما الباقي من لأدلة قيدت و رصدت لها حجية معينة لا يجوز للقاضي إعمال سلطته التقديرية بشأنها .
و بما أن المشرع الجزائري قد تبنى نظام الإثبات المختلط جعل السلطة التقديرية للقاضي في تقدير طرق و أدلة الإثبات في الدعوى المدنية تبلغ حدها الأدنى ،ذلك أن
القواعد الموضوعية للإثبات الواردة في الباب السادس من الكتاب الثاني من التقنين المدني، و بغض النظر عن أي تصنيف فقط من حيث قوتها و حجيتها، فإن سلطته التقديرية التي هي نشاط ذهني لفهم الوقائع المطروحة تكون مقيدة في بعض الأدلة كالكتابة و اليمين الحاسمة و الإقرار القضائي و القرائن القانونية .
وهو أحد التقسيمات لطرق الإثبات التي يعتمد عليها الفقهاء ،و هو ما سأحاول دراسته من هذا الجانب إذا علمنا كما سبق ذكره أن الأدلة من حيث الحجية تنقسم إلى ما هو ملزم للقاضي ليس له سلطة تقديرية بصددها، و أخرى غير ملزمة ليس له سلطة تقديرها مع اقتصار الدراسة على الأدلة الملزمة فقط .
و هذه الأخيرة بدورها تنقسم إلى أدلة حجيتها قاطعة لا تقبل إثبات العكس ،و أخرى حجيتها غير قاطعة تقبل إثبات العكس لهذا تثار عدة تساؤلات تتعلق أساساً بمدى سلطة القاضي التقديرية تجاه الأدلة الملزمة التي حدد لها القانون الحجية في المواد المدنية ؟
لذلك ارتأينا أن نعالج الموضوع معتمدين على الخطة التالية.
الفصل الأول: الأدلة الملزمة ذات الحجية غير القاطعة.
المبحث الأول: الكتــــابة .
المطلب الأول: المحررات الرسمــية
المطلب الثاني : المحررات العــرفية
المطلب الثالث: المحررات الإلكترونية
المبحث الثاني: الإقرار القـضائي .
المطلب الأول: صيغ الإقرار القضائي و صوره
المطلب الثاني : شروط الإقرار القضائي
المطلب الثالث: حجية الإقرار القضائي و سلطة القاضي في تقديره
المبحث الثالث: القرائن القانونية غير القاطعة .
المطلب الأول: حجية القرينة القانونية غير القاطعة ومجال عملها
المطلب الثاني : إثبات عكس القرينة القانونية غير القـــاطعة
المطلب الثالث: دور القاضي وسلطته في الإثبات بالقـــرينة القانونية غير القاطعة
الفصل الثاني: الأدلة الملـزمة ذات الحجية القـاطعة.
المبحث الأول: اليمين الحـاسمة .
المطلب الأول : موضوع اليمين الحاسمة و صيغتها
المطلب الثاني : أطراف اليمين الحاسمة
المطلب الثالث: آثار اليمين الحاسمة وسلطة القاضي في تقديرها
المبحث الثاني : القرائن القانونية القـاطعة .
المطلب الأول :ارتباط القرينة القانونية القاطعة بالإثبات
وعلاقتها بالنظام العام
المطلب الثاني : نقض القرينة القانونية القـاطعة
المطلب الثالث: تطبيقات القرينة القانونية القاطعة
المبحث الثالث: قوة الشيء المقضي به .
المطلب الأول: الشروط الواجب توافرها في الحكم
المطلب الثاني : الشروط اللازم توافرها في الحق المدعى به
المطلب الثالث :آثار قوة الشيء المقضي به و سلطة القاضي التقديرية بشأنها
[1] - د/ عبد الرحمن ملزي, محاضرات بعنوان : طرق الإثبات في المواد المدنية , ألقيت على الطلبة القضاة الدفعة 17,سنة 2007/2008 .
الرئيسية
›
التنضيم القضائي
›
المؤسسة القضائية
›
المسطرة المدنية
›
الأدلة الملزمة للقاضي في المواد المدنية(1)