بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الاثبات بالقرائن القانونية في المواد المدنية


مقدمـــة:
إن للإثبات القضائي أهمية بالغة و كبيرة في الحياة العملية باعتباره وسيلة من وسائل الإقناع ،لذلك فهو ضروري سواء بالنسبة للقاضي أو المتقاضي ، فبالنسبة للقاضي إن كان لكل قضية تطرح عليه موضوع فإن موضوع الإثبات يطرح عليه في كل نزاع مهما كان نوعه ، أما بالنسبة للمتقاضي فلا قيمة للحق المدعى به مالم يقم الدليل على الحادث المنتج له قانونيا كان هذا الحادث أو ماديا ، أما بالنسبة للمتقاضي مدعي كان أو مدعى عليه فلا يتأتى له الحصول على حق ادعى به أمام القضاء إلا إذا أقام الدليل على وجوده أو أقام بالمقابل خصمه أدلة نفي وجود ذلك الحق .
لذلك فإن التشريعات اهتمت بالإثبات و نظمته و حددت الوسائل التي يقوم عليها الإثبات أمام القضاء ، لتنقسم في ذلك إلى ثلاثة مذاهب ، أما النظام الأول فيعرف بنظام الإثبات الحرّ أو المطلق ، و ذلك عندما لا يحدد القانون طريقا للإثبات فيكون بأية وسيلة توصل إلى إقناع القاضي الذي موقفه هنا إيجابي لأنه يتمتع بسلطة تقديرية واسعة إزاء طرق و أدلة الإثبات، أما النظام الثاني فإن القانون يتولى تحديد الطريقة التي يصل بها القاضي إلى الحقيقة و هو ما يعرف بنظام الإثبات المقيد وفيه لا يتجاوز دور القاضي تطبيق الأدلة كما يقدمها الخصوم و يقدرها حسب القيمة التي حددها القانون لكل دليل، أما نظام الإثبات المختلط فإنه يجمع بين الإثبات المطلق و الإثبات المقيد، فهو في المسائل التجارية أقرب إلى الإثبات المطلق أما في المسائل المدنية فهو أقرب إلى التقييد وفيه يتخذ القاضي موقفا وسطا يسمح له بتقدير بعض الأدلة التي جعل له فيها المشرع حرّية التقدير و لم يقيده بحجيتها، أما الباقي من أدلة الإثبات قيدت و رصدت لها حجية معينة لا يجوز للقاضي إعمال سلطته التقديرية بشأنها، لذلك يتبيّن أن القاضي عليه تأسيس قناعته على الأدلة الثبوتية التي قررها القانون و لا عبرة بالطرق التي لم يقررها، و مرّد ذلك تغليب حاجة إستقرار المعاملات بين الناس، و قد تبنى المشرع الجزائري هذا النظام و جعل السلطة التقديرية للقاضي في تقدير طرق و أدلة الإثبات في الدعوى المدنية تبلغ حدّها الأدنى فهو بذلك رسم طرقا محددة تحديدا دقيقا لإثبات الأوضاع المختلفة للروابط القانونية و جعل لكل طريق منها قيمتها الثبوتية.
و لقاعدة الإثبات ناحيتين: ناحية موضوعية تحدد طرق الإثبات المختلفة و قيمة كل طريقة منها و من الذي يقع عليه عبئ الإثبات و ماذا يقوم بإثباته، وناحية شكلية هي التي تبيّن كيف يؤدى الحق و يحترم، و يختلف مكان هذه القواعد في القانون باختلاف التشريعات فمنها من يضع القواعد الموضوعية في التقنين المدني و القواعد الشكلية في قانون المرافعات ـ الإجراءات المدنية ـ كما فعل القانون الفرنسي و الجزائري و المصري، و منها من يجمع قواعد الإثبات في ناحيتيها الموضوعية و الشكلية في تقنين المرافعات كالقانون الألماني و السويسري، و منها من يفرد قواعد الإثبات بناحيتيها الموضوعية و الشكلية بقانون خاص كما فعل القانون السوري و أسماه بـ "قانون الإثبات" LAW OF EVIDENCE .
و مهما كان المذهب المتبع أو المنتهج فإنه لا يخرج عن المبادئ العامة للإثبات سواء المتعلقة منها بحياد القاضي أو ما تعلق منها بمبدأ المجابهة بالدليل الذي يتفرع إلى شقيين، أما الأول مفاده عدم جواز إجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه، أما الثاني فمفاده عدم جواز أن يصطنع الشخص دليلا لنفسه و طبعا لهذا المبدأ بشقيه إستثناءات، و من المبادئ أيضا ما يتعلق بمحل الإثبات فالمدعي لا يطالب بإثبات العنصر القانوني و لكنه يطالب فقط بإثبات الواقعة القانونية سواء كانت مادية أو تصرف قانوني، أما إثبات القانون فهو من عمل القاضي.
و بناءا على ذلك نخلص إلى أن إثبات الحق ـ بمعناه القانوني ـ هو إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون على وجود واقعة قانونية تربت آثارها و يتعلق الأمر هنا بالإثبات القضائي، فهذا الأخير مقيد في طرقه و قيمة كل طريقة منها، كما أن الإثبات القضائي ينصب على وجود واقعة قانونية ترتبت آثارها، فمحل الإثبات إذن ليس هو الحق المدعى به و إنما هو المصدر القانوني الذي ينشئ هذا الحق أو هذا الأثر، فالعمل غير المشروع واقعة مادية يرتب القانون عليها إلتزاما بالتعويض، و العقد تصرف قانوني يرتب عليه القانون أثرا، فالواقعة القانونية هنا هي التي تكون محلا للإثبات و ليس الأثر الذي يترتب عليها.
و المراد بمن ادعى ليس من رفع الدعوى بل كل خصم يدعي على خصمه أمرا لا فرق في ذلك، فالقاعدة ـ البينة على من ادعى ـ خلاف الظاهر، فالظاهر ثلاثة أنواع: ظاهر أصلا ظاهر عرضا و ظاهر فرضا، أما الأول فمثاله أن الأصل في الحقوق الشخصية براءة الذمة و هذا هو الظاهر أصلا، فمن يدعي دينا على آخر فإنما يدعي عكس الظاهر أصلا و يقع عليه عبئ إقامة الدليل، فإن تمكن من إقامته أصبح الظاهر عرضا و أن المدعى عليه مدين، فإما أن يسلم بالدين و إما أن يدعي انقضاؤه بالوفاء أو بغيره و حينئذ يكون مدعيا خلاف الظاهر عرضا و يقع عليه عبئ إثبات سبب إنقضاء الدين.
أما الظاهر فرضا فيتعلق أساسا بقرينة قانونية يفرض بها المشرع أمرا لم يقم عليه دليل و ذلك عن طريق الإستنباط من ثبوت أمور أخرى، فمن قامت لصالحه قرينة قانونية أصبح صاحب الحق فرضا و أعفي من الإثبات و ألقي عبئ نفي القرينة القانونية على خصمه.
و المشرع الجزائري نظم قواعد الإثبات في الباب السادس تحت عنوان "إثبات الإلتزام" من الكتاب الثاني من القانون المدني المعنون بـ "الإلتزامات و العقود" و خصص له المواد من 323 إلى 350 منه.
من هذا المنطلق يمكن تقسيم طرق الإثبات إلى ثلاثة محاور رئيسية، أما المحور الأول فيشمل طرق الإثبات ذات القوة المطلقة و يتعلق الأمر هنا بالكتابة، فهي تصلح لإثبات جميع الوقائع سواء كانت مادية أو تصرفات قانونية مهما بلغت قيمة الحق. أما المحور الثاني فيتعلق بطرق الإثبات ذات القوة المحدودة ، و تحمل هذا الوصف لأنها لا تصلح لإثبات التصرفات القانونية إذا زادت قيمتها عن مائة ألف دينار جزائري، إلا في حالات إستثنائية تسترجع فيها قوتها المطلقة في الإثبات، و يتعلق الأمر هنا بالقرائن القضائية والبينة، يضاف إلى ذلك اليمين المتممة باعتبارها لا تصلح إلا لإتمام دليل ناقص. و أخيرا المحور الثالث المتمثل في الطرق المعفية من الإثبات و هي القرائن القانونية و اليمين الحاسمة و الإقرار، فهي تصلح للإعفاء من إثبات أية واقعة مادية أو تصرف قانوني مهما بلغت قيمته.
مما سبق ذكره يمكن القول أن الوسائل التي يقوم عليها الدليل أمام القضاء عادة ما تكون من صنع المتقاضين أنفسهم يعدونها مسبقا خصيصا لإثبات التصرفات و الوقائع المتنازع عليها التي تكون مصدر حقهم المباشر، إلا أن هذه الوسائل لا تكفي وحدها من الناحية العملية لتغطية جميع حالات الإثبات خاصة في الأوضاع التي يستحيل تقديمها، إما لعدم إعدادها أصلا من طرف الخصوم، وإما لتعلق الحق المتنازع عليه بواقعة مادية لا يمكن إعداد دليلها مسبقا.
لذلك و من أجل تجنيب المتقاضين مشقة الإثبات المباشر عند غياب أدلة الإثبات العادية، فإن المشرع لجأ إلى تهذيب عملية الإثبات، إذ اكتفى في هذه الحالات بتحويل عبئ الإثبات، فاعتمد بدل الإثبات المباشر الإثبات غير المباشر الذي يقوم على تحويل محل الإثبات إلى واقعة أخرى قريبة ليست محل النزاع ليستخلص منها ثبوت الواقعة الأصلية التي هي محل النزاع و ذلك بناءا على الاستنباط و الترجيح.
و تعتبر القرينة القانونية أهم الوسائل التي يقوم عليها الإثبات غير المباشر، حيث تشكل طريقا معفي من الإثبات بحيث تؤدي إلى قلب القاعدة العامة في الإثبــات ـ البينة على المدعي ـ لتصبح البينة على المدعى عليه. و القرينة القانونية في معناها النتائج التي يرتبها القانون من واقعة معلومة ليستدل بها على ثبوت واقعة مجهولة.
و تنطوي القرينة القانونية على أهمية بالغة في الإثبات حيث إزدادت أهميتها و تضاعفت في العصر الحاضر، لذلك فإن التشريعات إهتمت بها و نظمتها و جعلتها دليلا من أدلة الإثبات قائمة بذاتها، فبالإضافة إلى المصلحة القضائية التي تقوم بها القرينة القانونية من حيث أنها تساعد على إقامة الدليل أمام القضاء من جهة، فهي من جهة أخرى تقوم على تحقيق غاية إجتماعية، إذ تعتبر وسيلة يهدف من ورائها المشرع للمحافظة على حقوق و مصالح الأفراد المتضررين، فنظرا للظروف الاجتماعية و التطور الإقتصادي و ما انجر عنه من كثرة المخاطر التي يعود سببها إلى استعمال آلات ضخمة و سريعة أنتجها العقل البشري في زخم التطور التكنولوجي و ما ترتب عنه من أضرار كثيرة يجعل إثبات الأخطاء المسببة لهذه الأضرار صعب المنال بطرق الإثبات العادية، حتى و إن كان للقاضي أن يأخذ بالقرائن القضائية، غير أن ذلك يتوقف على مدى اقتناعه بها فقد يأخذ بها وقد يتركها، و من ثمة كان تدخل المشرع بفرض قرينة قانونية تقوم بافتراض الخطأ أو العلاقة السببية.
لذلك فإن الفقه ينظر إلى القرينة القانونية على أنها أسمى من القرينة القضائية من حيث انضباطها و إحكامها، لأنها تستبدل حكم القاضي في تقديره للوقائع بوحدة القانون و سيادته و يسره و ما يكلفه من ثقة و اطمئنان.
و بناءا على هذا ارتأينا أن نعالج موضوع القرائن القانونية بدءا بالتطرق إلى ماهيتها و بيان طبيعتها و كيفية عملها في مجال الإثبات باعتبارها وسيلة من وسائله، لنصل إلى تقسيمها لقرائن قانونية قاطعة و أخرى غير قاطعة.

الفصل الأول : ماهية القرينة القانونية و طبيعتها

إن دراستنا للقرينة القانونية باعتبارها وسيلة من وسائل الإثبات يقتضي منا تعريفها أولا مع تبيان العناصر التي تبنى عليها وهذا ما ستناوله كمبحث أول، أما في المبحث الثاني فسنتطرق إلى الخصائص التي تتميز بها القرينة القانونية مبينين الدور الذي تقوم به في الإثبات و طبيعته.

المبحث الأول : تعريف القرينة القانونية و بيان عناصرها

إن للقرينة تعريف لغوي و اصطلاحي كما تناولتها التشريعات بالتعريف و النص عليها في مختلف قوانينها، لذلك يمكن القول بأن القرينة القانونية أساسها الوحيد هو القانون، لكن هذا لا يجعل القانون هو العناصر الوحيد للقرينة القانونية بل هي في مفهومها تنطوي على عدة عناصر و هو ما سنحاول عرضه في هذا المبحث.

المطلب الأول : تعريف القرينة القانونية

الفرع الأول : تعريفها لغة و اصطلاحا

1ـ القرائن لغة جمع قرينة ، و يطلق لفظ قرينةعلى عدة معاني في اللغة منها النفس، و سميت كذلك لأنها مصاحبة للإنسان و مقرونة به.
كما يطلق لفظ القرينة على الزوجة و على الزوج القرين و سميت الزوجة بالقرينة لأنها تقارن الزوج أي تصاحبه و تلازمه في حياته .
و يقال قارن الشيء بالشيء مقارنة و قرانا أي اقترن به ، صاحبه و لازمه .
و يقال قرنت الشيء بالشيء أي وصلته[1].
2 ـ تستخدم كلمة القرينة اصطلاحا للدلالة على شيء قريب من المعنى اللغوي ، فالقرينة هي ما يستخلصه القاضي أو المشرع من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول .
أما القرينة القانونية فهناك من فقهاء القانون من تطرق إلى تعريفها ، نذكر منهم تعريف الأستاذ محمد زهدور بقوله "القرائن القانونية هي ما يستنبطه المشرع من أمر معلوم الأدلة فيسوغه في قاعدة مجردة تطبق كل الحالات المماثلة و لـــو ظهرت في بعض الأحيـــان مغايرة للواقع "[2] .
و عرفها الفقيه رمضان أبو السعود بأنها " هي التي تقوم في عناصرها على حكم القانون الذي يختار واقعة معروفة ثابتة ليستنبط منها واقعة أخرى غير معروفة و غير ثابتة "[3]
و الظاهر من هذه التعاريف أنها تتناول القرينة من حيث أنها عملية فنية تقوم على استنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة ، و لعل أهم تعريف أعطي للقرينة هو الذي قال به الأستاذ مرقس سليمان بأن " القرينة القانونية استنباط أمر غير ثابت بناءا على الغالب من الأحوال يقوم به المشرع نفسه نص علي نتيجته في صيغة عامة و مجردة يبين الشروط الواجب توفرها في التمسك بهذه القرينة "[4]
أما تعريف الأستاذ يحيى بكوش للقرائن فقد جاء جامعا و مبسطا بأنها " النتائج التي يستخلصها المشرع أو القاضي من واقعة أو وقائع معلومة ثابتة ، لسحبها على واقعة أخرى ، غير موجودة أو متنازع فيها ، و كان يستحيل أو يصعب إثباتها من الناحية العملية "[5]
عموما فإن القرينة القانونية هي عملية إستنتاج بناءا على الغالب و المألوف من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة يجريها المشرع ويقرر نتيجتها بنص قانوني عام ومجرد تيسيرا للإثبات .

الفرع الثاني : تعريف التشريع للقرينة القانونية

إن معظم التشريعات و خاصة منها العربية لم تعط تعريفا جامعا للقرينة بنوعيها القانونية والقضائية ، هذا على عكس المشرع الفرنسي و المشرع اللبناني الذين حرصا على إعطاء تعريف للقرينة في نصوص خاصة و ذلك عند تنظيمهما لقرينة الإثبات في القانون المدني ، فنجد المشرع الفرنسي عرفها في المادة 1349 من القانون المدني الفرنسي بأنها " النتائج التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة "
«Les présomptions sont des conséquences que la loi ou le majéstrat tire d'un point fait connu à un fait inconnu »[6]
أما المشرع اللبناني عرفها في قانون المحاكمات الفرنسي اللبناني الجديد في مادته 229 بقوله " القرائن هي نتائج تستخلص بحكم القانون أو تقدير القاضي من واقعة معروفة للإستدلال بها على واقعة غير معروفة "
ولقد أورد المشرع الجزائري القرائن في الفصل الثالث من الباب السادس المتعلق بإثبات الإلتزام من القانون المدني ، لكنه لم يتعرض لتعريف القرائن عامة و لا لتعريف القرائن القانونية بصفة مباشرة ، و إنما اكتفى بسلك مسلك المشرع المصري الذي لم يضع تعريفا خاصا للقرينة في القانون المدني الذي أخذ منه المشرع الجزائري الأحكام الموضوعية للقرائن، إذ خصص لها أربعة مواد بدءا بالمادة 337 إلى المادة 341 من القانون المدني، واكتفى بتحديد القوة الثبوتية التي منحها للقرينة القانونية و ذلك من خلال المادة 337 منه التي جاء فيها " القرينة القانونية تغني منت قررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي مالم يوجد نص يقضي بغير ذلك ." و هذه المادة تقابلها المادة 99 من قانون الإثبات المصري . ولعل الذي دفع بالمشرع الجزائري إلى عدم إعطاء تعريف للقرينة القانونية هو وضوحها و عدم إخفائها و رغبة منه في الإحتفاظ بدوره التشريعي في وضع الأحكام العامة دون الدخول في متاهات التعاريف التي هي من اختصاص فقهاء القانون و رجال القضاء الذين عليهم تفسير ما جاء به المشرع من أحكام عامة .
و يستخلص من حكم المادة 337 من القانون السلف الذكر أنها تتناول حجية القرائن القانونية ، و تورد بشأنها قاعدتين تتعلق الأولى بمن تقررت لمصلحته القرينة ، و تتعلق الثانية بمن يحتج عليه بها .

المطلب الثاني : عناصر القرينة القانونية

تعرف القرائن القانونية على أنها علاقة إفتراضية ينشئها القانون بين وقائع معينة ، وعلى عكس القرائن القضائية فهي وردت على سبيل الحصر ولا على سبيل المثال . فإن كانت القرائن القضائية تقوم على استنباط القاضي ذاته ليتوصل من واقعة معلومة و ثابتة يسميها البعض "الأمارة" إلى الواقعة المراد إثباتها، فإن القرائن القانونية هي من استنباط المشرع لا القاضي و لا سلطة لهذا الأخير بشأنها ، و بذلك يبسط سلطته عليها و يجعل تطبيقها لازما للقاضي ، لذلك فالقرينة القانونية هي نتاج عملين ، عمل ذهني قوامه الذكاء و قوة الترجيح التي يبنيها المشرع على ما هو غالب الوقوع في مثل هذه الحالات ، و الثاني هو عمل إرادي يظهر في الدور الذي يتخذه الشارع لتقرير الراجح الذي توصل إليه .

الفرع الأول : عنصر الغالب الوقوع

تجتمع القرينة القانونية مع القرينة القضائية في أنهما تقومان على أساس الإفتراض المحض الذي يجريه المشرع ليرجح فرضية من مجموع الفرضيات الممكنة ويختارها لأنه يراها الأكثر ملائمة و انطباقا للواقع مع باقي الفرضيات، و ذلك على أساس عنصر الكثرة الغالبة من الأحوال التي يراها الأرجح بأن تتحقق في الواقع، و لا يقيمها إلا إذا تأكد أنها تتحقق مع الوضع المعتاد، فلا يأخذ ثبوت واقعة من واقعة إلا إذا كانت الواقعتان تتلازمان في أغلب الأحوال، و من ثم فإنه يستوحيها من طبيعة الأشياء و ما جرت عليه عادات الناس و تقاليدهم في مختلف مجالات الحياة الإجتماعية و الإقتصادية، فقرينة الوفاء بالأجرة المنصوص عنها في المادة 499 من القانون المدني أقامها المشرع على أساس ما جرى به العمل بين الناس و خاصة المؤجرين للسكنات من حيث كيفية تعاملهم في قبض بدلات الإيجار من المستأجرين، فقد جرت العادة بين المؤجرين أنهم لا يقبضون بدل الإيجار من المستأجرين عن مدة ما قبل إستفائه لأجرة المدة التي سبقتها، أي يقبض الأجرة و يسلم وصل المخالصة لا على أساس المدة الأخيرة و إنما على أساس المدة التي لم يقبض بدل إيجارها، و متى كان للمستأجر وصل المخالصة على المدة اللاحقة إفترض فيه أنه قد تسلم مبلغ الأجرة السابقة و إن لم يقبضها حقيقة .
و هذا هو العنصر الغالب الوقوع الذي يستند عليه المشرع في إنشاء القرائن القانونية، فقد استخلص و استنتج من عرف المهنة أن المستأجر لا يقبل عادة أن يقبض أجرة المدة اللاحقة دون أن يكون قبض أجرة المدة السابقة، فيأخذ هذا المعيار و يبني عليه القرينة بحيث يلائم بها الوضع الغالب الوقوع و يعممها على جميع الحالات المشابهة لحالة القرينة القانونية، حيث يكون استنباط الأمر الغالب ليس خاصا و لا متعلقا بظروف كل حالة على حدى، و هذا عكس القرينة القضائية التي يستخلصها القاضي من الظروف و الوقائع المطروحة أمامه مراعيا خصوصية كل واقعة على حدى .
و هنا تتبين خطورة القرينة القانونية، فهي و إن كانت تقام على فكرة ما هو راجح الوقوع، يقيمها المشرع مقدما و يعملها دون أن تكون أمامه الحالة بالذات التي تنطبق عليها كما هو الأمر في القرائن القضائية، و من ثم تتخلف حالات تتفاوت قلة كثرة لا تستقيم فيها القرينة القانونية[7] .
و لقد كان نص المشرع على القرائن القانونية على سبيل الحصر في النصوص القانونية إذ لا يمكن القياس عليها، أي أنه لا يمكن قياس قرينة قانونية على قرينة قانونية أخرى، بل لا بد من مجموعة من النصوص الخاصة لكل واحدة على حدى .

الفرع الثاني : عنصر القرار

و المقصود بهذا العنصر أن المشرع عندما يرجح ثبوت واقعة يستخلصها مما ثبت عنده بعد عملية بحث و استقصاء، فهو يزن واقعة محددة يرى فيها بناءا على الراجح و المألوف الغالب الوقوع أنها أكثر الحالات انطباقا مع الواقع بحيث يمكن الاستدلال من ثبوتها ثبوت واقعة أخرى مجهولة، و الوصول إلى هذه النتيجة يستلزم عليه أن يحسم في عنصر الترجيح فيرجحه بناءا على ما ثبت في يقينه أنه أدق في الدلالة على الواقعة المجهولة، و يكون هذا الترجيح عملية ذهنية يجريها المشرع بعد أن ثبت لديه قوة هذا الترجيح، فهو مجرد فكرة اكتملت في ذهن المشرع، و لأن الفكرة المجردة لا فائدة منها إن لم تتجسد في الواقع، لذلك فإن المشرع يقرر أعمال النتيجة التي توصل إليها بناءا على الغالب المألوف فيحدد لها حجيتها و ينظم الدائرة التي تعمل فيها، و يجعل عملها لازما بنص القانون، وهذا هو عنصر القرار في القرينة القانونية[8].
و إن كان المشرع يعتمد في إنشائه للقرائن القانونية على فكرة الغالب الوقوع و عنصر القرار، فهو يهدف بذلك إلى أمور لا تتعدى لتكون إما لتحقيق المصلحة العامة و إما لتحقيق مصلحة الأفراد .
أولا: ما يتعلق بالمصلحة العامة
1- احترام الأحكام القضائية ووضع حد للخصومات والنزاعات القائمة بين الناس و لاستقرار الحقوق لأصحابها كما هو الحال بالنسبة لقرينة حجيته الشيء المقضي فيه المنصوص عليها في المادة 338 من القانون المدني الجزائري بقولها:<< الأحكام التي حازت قوة الشيء المقضي تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول أي دليل ينقض هذه القرينة ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية الا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم، دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بحقوق لها نفس المحل والسبب.
ولا يجوز للمحكمة ان تأخذ بهذه القرينة تلقائيا>>.
والتي مفادها ان الحكم القضائي عنوانا للحقيقة وبالتالي فهو دليل على صحة ما فصل فيه من حقوق فلا تجوز قبول ما يخالفه لكون المصلحة العامة تقتضي توافر الثقة في الأحكام القضائية النهائية ولمنع تجدد النزاع بلا حد ولا نهاية ولو لم يفعل المشرع ذلك لا أصبحت الأحكام القضائية مزعزعة لما اطمأن المحكوم له إلى حقه الثابت في الحكم القضائي[9].
2- تضييق السبيل على من يحاول الاحتيال على القانون وخوفا من مخالفة أحكامه، لذلك فقد يضع المشرع أحكاما يعتبرها من النظام العام ويحتاط حتى لا يخالفها الناس في تعاملاتهم ولو بطريق غير مباشر، فيضع قرائن قانونية تبطل أنواعا من التعاملات يقصد من ورائها مخالفة تلك الأحكام[10]. فمثلا للوصية أحكام خاصة فقد نصت المادة 184 من قانون الأسرة على ما يلي: << تكون الوصية في حدود ثلث التركة، وما زاد على الثلث يتوفق على إجازة الورثة>> أي أن الوصية غير جائزة في حق الغير متى زادت عن الثلث ما لم يجزها الورثة، وخوفا من الايصاء في شكل تصرف آخر إعتبر الشارع أن التصرف في مرض الموت المقصود به التبرع قرينة على أنه وصيته، ولذلك أعطاه حكم الوصية، وللورثة أن يثبتوا أن تصرف مروثهم كان في مرض الموت بجميع طرق الإثبات ولا يحتج عليهم بتاريخ سند التصرف الا اذا كان تابتا قبل المرض، وإذا اثبت الورثة ان التصرف صدر من ورثهم وهو في مرض الموت اعتبر التصرف صادرا على سبيل التبرع، ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك. كل هذا ما لم توجد أحكام خاصة تخالفه[11].
وهو ما تناولته بالنص المادة 776 الفقرة الأولى من القانون المدني التي جاء فيها << كل تصرف قانوني يصدر عن شخص في حال مرض الموت يقصد التبرع يعتبر تبرعا مضافا إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية التي تعطى إلى هذا التصرف>>.
ومن هذا النص يعد المشرع صدور التفرع في مرض الموت قرينة على ان التبرع وصيته وهدفه من هذه المادة هو حماية مصلحة الورثة.
ثانيا: ما يتعلق بمصالح الأفراد
1- ما يلاحظه الشارع من أحوال الناس وطبائعهم وعاداتهم في معاملاتهم أو ما اصطلحوا عليه بوجه عام ، فمثلا من طبيعة الدائن وعاداته أن لا يؤشر و يترك مستند الدين بما يفيد براءة ذمة المدين الا اذا كان المدين قد وفى دينه، فيعتبر ذلك التأشير قرينة على الوفاء الا اذا أتبث الدائن العكس. وكذلك من طبيعة الدائن وعادته أن لا يترك سند دينه للمدين إلا إذا أخد دينه، فإذا ما وجد سند تحت يد المدين كان ذلك قرينة على تخلصه من الدين إلا اذا أتبث المدين العكس[12]، وقد نصت على هذه القرينة المادة 284 فقرة أولى من القانون المدني الجزائري بقولها <<يكون لمن قام بالوفاء بجزء من الدين، الحق في مطالبة مخالصة بما وفاه مع التأشير على سند الدين بحصول هذا الوفاء وله أيضا الحق في مطالبة رد السند أو إلغائه إذا وفى بكل الدين وإذا ضاع السند كان له أن يطلب من الدائن إشهادا على ضياع هذا السند . >>
وفي هذا المجال نجد القرينة القانونية بنص المادة 499 من القانون والتي تفيد أن دفع المستأجر بدل إيجار لاحق قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة عليه[13]، وذلك لأنه من من المعتاد بين الناس أن لا يعطي المؤجر للمستأجر المسكن إيصالا بأجرة الشهر الحالي الا اذا كان قد دفع له أجرةالشهر السابق له.
2- قد يتعذر الإثبات في بعض الأحوال تعذرا يصل إلى درجة الاستحالة فيعمد المشرع الى وضع قرينة تعفي من هذا العبء، مثال ذلك مسؤولية المتبوع عن الافعال تابعة، فهي مبنية على الخطأ المقترض، فعلاقة التبعية، وكون خطأ التابع قد وقع في حال تأديته خدمته أو بسببها أو بمناسبتها. قد جعلها المشرع قرينة قانونية على الخطأ الصادر من المتبوع لكونه أخطأ في اختياره أو لم يحسن مراقبته[14], وقد وردت هذه القرينة في نص المادة 136 فقرة 01 من القانون المدني الجزائري ، ونفس الشيء يقال بالنسبة لمسؤولية متولى الرقابة المنصوص عليها في المادة 134 فقرة 01 من القانون السابق بنصها : << كل من يجب عليه قانونا او اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره او بسبب حالته العقلية او الجسمية يكون معنى ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بفعله الضار.>> ، وذلك لصعوبة اثبات هذا الخطأ من طرف المتضرر في غالب الأحيان خاصة انه قد يتعذر اثبات توفر الخطأ عند متولي الرقابة أو المتبوع ذاته.
ومثال ذلك أيضا ما تقضي به القاعدة العامة بأن الولد للفراش، فإبن المرأة المتزوجة هو ابن زوجها، والزوجية قرينة على بنوه الابن لابيه[15] ، وهو ما تناوله المشرع في نفس المادة 41 من قانون الأسرة الجزائري فقيام علاقة الزوجية واستمرارها يقيم قرينة قانونية قاطعة على ثبوت نسب الولد لأبيه، فبعد مرور ستة أشهر من يوم الدخول ونتج ميلاد الابن والعلاقة الزوجية قائمة، فإن الولد يثبت نسبه لابيه على الرغم من قيام الاحتمال بأن الولد من غيره، فالمشرع اعتبر ان قيام الزوجية قرينة قاطعة على ان الولد من الزوج[16] ، وإن كان قيام الزوجية امر معلوم يسهل إتباعه فمتى حدث نزاع في تبوث نسب الولد لابيه فإن المشرع اعتبر قيام الزوجية هو الأمر الظاهر والمعلوم قرينة قاطعة على تبوث النسب ولا يستطيع الزوج نفي النسب الا عن طريق اللعان، أما الآن وبعد تعديل قانون الأسرة بموجب الامر 05/02 الصادر في 27/02/2005 فيجوز للقاضي ان يأمر بإجراء خيرة طيبة من اجل تحليل الدم لمعرفة تبوث النسب من عدمه وهذا طبقا لنص المادة 40 من القانون السابق التي جاء فيها:<< يجوز للقاضي اللجوء الى الطرق لاثبات النسب . >>.
إلا أنه قبل صدور التعديل جاء في هذا الصدد في إحدى حيثيات قرار صادر عن المحكمة العليا ما يلي: << من المقرر قانونا ايضا انه يثبت النسب بالزواج الصحيح بالاقرار بالبنية وبنكاح التشبهة وبكل نكاح ثم فسخه قبل الدخول طبقا للمواد 32-33-34 من القانون ومن ثمة فإن القضاء بخلاف ذلك يعد مخالفة للقانون. ومتى ثبت من قضية الحال – أن قضاة المجلس لما قضوا بتأييد الحكم المستانف القاضي الى تعيين خبرة طيبة قصد تحليل الدم للوصول الى تحديد النسب خلاف لقواعد اتبات النسب المسطرة شرعا وقانون طبقا لاحكام المادة 40 من قانون الاسرة وما بعدها وضوابط محددة تعني بكل الحالات التي يمكن ان تحدد ولم يكن من بين هذه القواعد تحليل الدم الذي ذهب اليه قضاة الموضوع فدل ذلك على انهم تجاوزوا لسلطتهم الحكمية الى التشريعية، الامر الذي يتعين معه نقض القرار المطعون فيه >>[17]
ب- وقد يكون النص على القرائن القانونية ايضا لمصلحة خاصة آخذا المشرع في ذلك بظواهر الامور تيسيرا للمعاملة بين الناس أو لتعذر التحقيق من امر تعذر إثباته كحيازة المنقول، اعتبرها المشرع قرينة على ملكيتة[18]، حسب ظاهر الحيازة ، وقد نصت المادة 835 من القانون المدني الجزائري على ما يلي: << من حاز بسند صحيح منقولا أو حقا عينيا على المنقول او سند لحاملة فإنه يصبح مالكه اذا كان حسن النية وقت حيازته.
واذا كان حسن النية والسند الصحيح قد توافر لدى الحائز في اعتباره خاليا من التكاليف والقيود العينية.
و الحيازة في حد ذاتها قرينة على وجود السند الصحيح وحسن النية ما لم يقم دليل على خلاف ذلك>> وهذه المادة تقابلها المادة 976 من القانون المدني المصري.
وبناءا على هذا فإنه متى اشترى الشخص منقولا من شخص حائز له معتقدا ملكيته لهذا المنقول اصبح مالكا له ولو لم يكن في الواقع ملكا للبائع، ولا يخفي ايضا انه من المتعذر التحقق من ملكية المنقول كما هو الحال في ملكية العقار بالكشف في السجلات ولذا تقررت قاعدة << الحيازة في المنقول سند الملكية >>[19].

المبحث الثاني: خصائص القرينة القانونية وطبيعة عملها في الاثبات.

تتميز القرينة عن غيرها من طرق الإثبات باعتباره من عمل المشرع وحده، بالاضافة الى خاصية التعميم والتجريد وكذا خاصية الالزام، وقد تعددت الاراء حول طبيعة عمل القرائن القانونية في الإثبات فمنهم من يراها قاعدة من قواعد الإثبات، ومنهم من يراها اعفاء من الاثبات ورأي آخر يعتبرها من أدلة الإثبات غير المباشر.

المطلب الأول: خصائص القرينة القانونية.

أن القرينة القانونية أساسها الوحيد هو النص القانوني، وتقوم على قاعدة التجريد والتعميم، كما تنطوي على عنصر الإلزام فهي لازمة التطبيق، وهي تتميز كذلك بخاصية استثنائية.

الفرع الأول: القرينة القانونية أساسها النص القانوني.

القرينة القانونية كما عرضنا سابقا هي استنباط يجرية المشرع من واقعة معلومة يختارها ويستنتج دلالاتها بناءا على الغالب الوقوع، ويفرضها لتكون دليلا تبوث واقعة اخرى مجهولة اذا فالمشرع يبنيها على فكرة الرجع مثلها في ذلك مثل القرينة القضائية، الا انها تختلف عنها في أن النص القانوني هو الذي ينشئها ويحدد لها القوة الثبوتية.
فالنص القانوني هو ركن القرينة القانونية وهو الذي يحدد الوقائع التي تتخذ أساسا لاستباط ويحدد نتيجتها التي هي اثبات قيام القرينة القانونية.
وبما ان القرينة القانونية تقوم على فكرة الإفراض القانوني فلا يمكن أن تتصور فيها سلطة القاضي لأنها تعرض عليه مسبقا بموجب النص القانوني الذي أقامها، فمتى تحققت الواقعة التي ارتبطت بها القرينة لزم على القاضي أن يحكم بها ولا يمكنه استبعادها لحجة أنها لا تستقيم وواقع الدعوى، كما لا يمكنه أن يقيس عليها قرينة قانونية أخرى ما لم ينص عليها القانون على اساس المماثلة والأولوية، فلا يمكن إذا أن نتصور فيها سلطة القاضي التقديرية ولو اعتقد عدم صحتها، لانها تقررت بنص القانون فهو لا يقول في حكمه انه حكم بناء على قرينة كذا وانما بناء على المادة كذا، ويكفي لمن تقررت القرينة القانونية لمصلحته لان يتمسك بالمادة التي نصت عليها، ولذلك يصح القول بأن القرائن القانونية ليست وسائل اثبات وانما تغني عن الاثبات وتعفي منه، وقد نصت المادة 337 من القانون المدني الجزائري صراحة على ان القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن أي طريقة اخرى من طرق الاثبات. واذا تمسك شخص بقرينة قانونية لو من باب الاحتياط ولم يفصل القاضي في ذلك كان الحكم قابلا لإلتماس اعادة النظر الذي يرفع امام المحكمة التي اصدرت الحكم[20]، طبقا لنص المادة 194 من قانون الاجراءات المدنية الجزائري .
إن القرائن القانونية بإعتبارها من استنباط الشارع فهي نصوص ملزمة للقاضي والخصوم معا، فلا يجوز لقضاة الموضوع التوسع في مضمونها ولا يحق لهم القياس عليها بل يمكن البحث عنها في نصوص القانون فإن وجدت طبقها وينتهي دوره هنا وبالتالي فإن السلطة القاضي تضيق بإعتبارها نصوص آمرة له وذلك ما عبر عنه المشرع الفرنسي بالمادة 1350 من التقنين الفرنسي، والجدير بالذكر في هذا السياق ان القضاء الفرنسي لم يلتزم بحرفيه القاعدة التي تقول بعدم جواز القياس على القرينة القانونية وفعل ذلك مع قرينة حسن النية حيث افترض قيامها دائما بالرغم من ان المشرع الفرنسي نص عليها الفرنسي نص عليها في مواضيع مختلفـة ، كما فعل ذلك في قرينة المسؤولية على الحيوان و الأشياء حيث افترض القاضي الفرنسي أن الضرر قد حدث بفعل الحيوان أو الشيء[21].
ويجب على من يتمسك بقرينة قانونية ان يثبت الواقعة التي يقيمها عليها ويثبت توافر شروطها القانونية، فإذا تمسك شخص مثلا بقرينة وضع اليد لمدة طويلة المكسبة للملكية فعليه اما ان يثبت واقعة وضع يده على العقار لمدة خمس عشرة سنة متتالية دون انقطاع طبقا لنص المادة 827 من القانون المدني الجزائري ، واما ان يثبت واقعة وضع يده على العقار لمدة عشر سنوات متى كانت حيازته بحسن نية ومستندة الى سند صحيح اعمالا للمادة 828 من القانون السابق.
وكذلك في قرينة الوفاء يقسط سابق من الاجرة المستفادة من الوفاء بقسط لاحق، طبقا لنص المادة 499 من القانون السالف الذكر، فيجب اثبات واقعة الوفاء بالقسط اللاحق.
وتتبع القواعد الخاصة بطرق الاثبات في هذا، فإن كانت واقعة مادية مثلا كواقعة وضع اليد، او كانت قيمتها لا تزيد عن مئة ألف دينار جزائري يصبح إثباتها بجميع الطرق والا وجب اثباتها بالكتابة[22].
وتجدره الإشارة ان سلطة القاضي التقديرية يختلف عند اعمالها في تطبيق القرائن القانونية القاطعة والقرائن القانوينة البسيطة.
فبالنسبة للقرائن القانونية القاطعة فلا يجوز لقضاة الموضوع التوسع في تفسيرها وان لا يتجاهلوا الحجية التي حددها لهما القانون، لان الشارع قام بتقديرها بموجب نصوص خاصة والتي حدد بمقتضاها شروط انطباقها على عكس القرائن القانونية القاطعة فإن القرائن القانونية البسيطة للقاضي فيها مجال لإعمال سلطته التقديرية طالما ان المشرع اجاز دحضها بالدليل العكسي، كما هو الشأن بالنسبة لقرينة مشروعية سبب الالتزام المنصوص عليها المادة 98 من القانون المدني الجزائري ، التي تعتبر قرينة قانونية بسيطة يمكن دحضها بالدليل العكسي، اذ فرض المشرع في هذه الحالة مشروعية سبب الالتزام اذا طلب الدائن من المدين الوفاء بإلتزامه، لكنه يمكن للمدين اثبات ان سبب التزامه كان غير مشروع لذلك فإن هذا يدخل في سلطة القاضي التقديرية شريطة ان يكون تقديره للقرينة القانونية البسيطة مؤسسا على اسباب سابقة.

الفرع الثاني: خاصية التجريد والتعميم.

إن القرينة القانونية ذات دلالة مسبقة وثابتة لأن المشرع يحددها بموجب النص القانوني مقدما دون أن تكون أمامه وقائع وملابسات النزاع الذي تطبق عليه القرينة لذلك فهي لا تتغير بتغير الظروف والوقائع وبما أن استنباطه لها مبني على عنصر الغالب الوقوع متلائمة معه في الغالب من الأحوال.
فقرينة الخطأ التي أقامها المشرع بموجب المادة 139 من القانون المدني الجزائري التي تنص على أن<< حارس الحيوان، ولو لم يكن مالكا له، مسؤول عما يحدثه الحيوان من ضرر، ولو ضل الحيوان أو تسرب، ما لم يثبت الحارس أو وقوع الحادث كان بسبب لا ينسب إليه>> فخطأ حارس الحيوان هنا مفترض وغير قابل لإثبات العكس.
وهذه القرينة أقامها المشرع على العنصر الغالب الوقوع لأن من واجب حارس الحيوان أن يكون يقظا وفطنا في حراسته التي هي واجب مفروض عليه وذلك نظرا لما يشكله الحيوان من خطورة على غيره ومتى أفلت من يديه افترض القانون خطأه في الحراسة لأن الغالب في الوقوع أنه لو قام بالواجب المفروض عليه على أكمل وجه وأحكم رقابته عليه متخذا في ذلك ما يمكنه من الحيطة والحذر، وهذه النتيجة فرضها المشرع مسبقا وجعلها تنطبق على جميع الحالات المتشابهة معها متى توافرت شروطها بغض النظر عن خصوصية كل نزاع على حدى بل عممها على جميع الأنزعة المتشابهة معها، وذلك وفقا للمبدأ القائل أن<< تحقق نفس الأسباب يؤدي إلى نفس النتائج>> ، وهذا ما يجعل القرينة تتسم بطابع التكرار مما يعطيها خصوصية التعميم والتجريد، فهي معممة التطبيق على كل نزاع توفرت فيه شروطها مجردة لأنها تقررت بغض النظر عن واقع الدعوى بالذات.

الفرع الثالث: خاصية الإلزام

تتميز القرينة القانونية بالطابع الإلزامي لأنها من صنع المشرع وهي مقررة بنص القانون الذي يستوجب على القاضي بمقتضاه تطبيقها دون أن تكون له في ذلك إعمال لسلطته التقديرية بشأنها والتي اضمحلت وجردت منه بأمر من المشرع[23]، ومن ثم كانت مفروضة عليه كما تفرض على الخصوم لأنها تستمد قوتها من القانون.
فالقرينة القانونية فرضا المشرع وحدد مداها ورسم حجتيها في الإثبات، وما على القاضي إلا أن يلتزم بدقة هذا المفهوم ويأخذ بالقرينة في الدائرة التي رسمت لها بموجب النص القانوني وليس له في ذلك أي سلطة من حيث أن رسالته هي تحقيق العدالة باحترام القانون[24]، فلا يمكنه أن يمتنع عن تطبيقها بحجة مخالفتها لأمر للنزاع المعروض عليه لأنه إذا فعل ذلك وقع في مخالفة أمر المشرع، وهو ما يترتب عليه إنكار العدالة، فمثلا القرينة القانونية التي تناولها المشرع بالنص في المادة 98 فقرة 02 من القانون المدني المتعلقة بصحة السبب المذكور في العقد ما لم يثبت من يدعي العكس صورتيه، فإذا حكم القاضي بوجود سبب آخر دون الذي ذكر في العقد يكون قد عرض حكمه للإلغاء على أساس أن تطبيق القرينة بدلالتها الثابتة في النص القانوني هي مسألة قانونية وليست مسألة واقع ، وما دام الأمر كذلك فإن المحكمة تفرض رقابتها على عمل القاضي في تطبيق القرائن، وذلك بصفتها محكمة قانون وهي الهيئة الأسمى والعليا المفوضة قانونا لإعمال رقابتها على أعمال القضاة سواء كانوا على مستوى المحاكم الابتدائية أو كانوا على مستوى المجالس القضائية، ولا يتسنى لها ذلك إلا إذا مارست رقابة دقيقة على الجوانب و المسائل القانونية في عمل القاضي ، فما دامت القرائن القانونية مقررة بنصوص خاصة تثبت في صيغة عامة شروط إنطباقها فإن توافر هذه الشروط مسألة قانونية يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة المحكمة العليا، وكذلك الأمر في حجيتها فإن القانون هو الذي يقررها لها.
فالمحكمة العليا ينبغي عليها أن تتأكد أولا مما إذا كان قضاه الموضوع لم يعتمدوا في حكمهم على دليل إثبات مستمد من القرائن غير مسموح به، قانونيا وذلك لأن القاعدة التي تمنع قبول القرائن خارج الحالات التي يسمح بها القانون هي قاعدة قانونية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المحكمة العليا تتدخل لمراقبة ما إذا كان الموضوع لم يتجاهلوه ولم يرفضوا الحجة التي أعطاها المشرع لهذا النوع من القرائن.
وكذلك الأمر في اعتبار القرائن القانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس أو بسيطة قابلة لإثبات العكس، والأمر كذلك فيما يتعلق باعتبار القرينة القانونية المتعلقة بالنظام العام أم لا[25]، وكل ما يدخل ضمن ذلك من طرق إثبات عكس ما تقضي به كل هذه النقاط هي مسائل قانونية تخضع فيها القاضي عند تطرقه لها إلى رقابة المحكمة العليا.
غير أننا إذا نظرنا إلى القرينة القانونية البسيطة نجد المشرع قد منح مجالا لسلطة القاضي التقديرية مقارنة مع القرينة القانونية القاطعة، إذ أجاز دحض الأولى بكافة طرق الإثبات وفقا للقواعد العامة، لذلك فإن تقدير ثبوت عكسها يدخل ضمن السلطة التقديرية لقاضي الموضوع دون معقب عليه من المحكمة العليا ما دام تقديره مبني على أسباب موضوعية سائغة[26]، حيث قامت المحكمة العليا بنقض القرار المؤرخ في 30/09/1998 ملف رقم 180876، كان قضاة المجلس قد رفضوا فيه الدفع بالتقادم المكسب لعدم قيام بالإجراء أن لإثبات الحيازة عن طريق عقد الشهرة والقانون على أساس" أن قضاة المجلس جعلوا التقادم المكسب مرهونا بإجراء عقد الشهرة والقانون لا يشترط ذلك فهم بذلك أساؤوا تطبيق القانون"[27] . ففي هذا القرار راقبت المحكمة العليا مدى تطبيق القرينة القانونية المنصوص عنها في المادة 728 من القانون المدني.

الفرع الرابع: الخاصية الاستثنائية في القرينة القانونية

تتميز القرينة القانونية بأنها استثناء من القواعد العامة في الإثبات تستلزم إخضاع أحكامها لقاعدة التفسير الضيق[28] ، لأن الأصل في عملية الإثبات أنها تقوم على مبدأ مجابهة الدليل بالدليل، وللقاضي في ذلك السلطة المطلقة في تقدير حجيته الأدلة المقدمة إليه وموازنتها وترجيح قوة الإثبات فيها، وهذا ما يظهر جليا في الإثبات في القرائن القضائية، أما عند الإثبات بالقرائن القانونية التي تلزم القاضي أن يتقيد بما قرره النص القانوني دون زيادة أو نقصان، وتلزمه بمعنى محدد مسابقا ولا إجتهاد له فيه فإن هذا المذهب يتلاشى وتتغيب بوضوح إذ لا يسمح للقاضي أن يقيس على حكم القرينة ليطبقه على وقائع أخرى حتى وإن تساوت واتحدت علتها مع الواقعة التي ارتبطت بها القرينة القانونية كما لا يحق له أن يضفي طابع الالزام على قرينة لم ينشئها القانون، لأن هذا الطابع سمة من سمات القرينة القانونية وليس في ذلك خروج على مبدأ التفسير الضيق، بل أن عمله هو عين القانون الذي يلزمه بالتحقق من قيام الواقعة التي ارتبطت بها القرينة القانونية[29].
فالقاضي لا يطبق قرينة الوفاء بقسط من الأجرة المنصوص عليه في المادة 499 من القانون المدني الجزائري إلا إذا أثبت أنه دفع للمستأجر الأجرة اللاحقة، لكن هذا لا يمنعه أن يستنتج من واقعة أخرى قرينة قضائية على قيام عنصر من عناصر الواقعة المعلومة التي ترتبط بها القرينة، وهو ما يفرضه عليه واجب التحقق حتى تحسن تطبيق وتحقيق العدالة.
وفي هذا المجال نجد القضاء الفرنسي لا يرى مانعا من استخلاص عنصر من العناصر التي تقوم عليها القرينة القانونية إذ أقام قرينة قضائية استنتج منها أن تسليم السند للمدين هو تسليم إختياري من الدائن، فأعفى بذلك المدين من إثبات هذا التسليم الاختياري حيث كانت تلزمه به المادة 1282 من القانون المدني الفرنسي.

المطلب الثاني: طبيعة عمل القرائن القانونية في الإثبات

لقد اختلف فقهاء القانون في تحديد طبيعة دور القرائن القانونية في عملية الإثبات والدور الذي تلعبه في ذلك، منقسمين في ذلك إلى ثلاثة اتجاهات، فمنهم من يرى أنها ليست وسيلة من وسائل الإثبات بل هي وسيلة إعفاء منه، ورأي آخر ذهب إلى اعتبارها قاعدة من قواعد الإثبات، أما الرأي الأخير فاعتبرها طريق من طرق الإثبات غير المباشرة مثلها مثل القرينة القضائية.

الفرع الأول: القرينة القانونية إعفاء من الإثبات

ذهبت ثلة من الفقهاء على اعتبار القرينة القانونية بنوعيها القاطعة والبسيطة إعفاء من الإثبات لأنها تعفي من الإثبات من قامت لمصلحته أي المدعي ، وتنقله إلى من قامت ضده وفي ذلك يقول الأستاذ السنهوري<< أما القرينة القانونية فهي ليست دليلا للإثبات بل هي إعفاء منه، فالخصم الذي تقوم لمصلحته يسقط عن كاهله عبئ الإثبات إذ القانون هو الذي تكفل باعتبار الواقعة المراد إثباتها بقيام القرينة وأعفى الخصم من تقديم الدليل عليها>>[30].
ويضيف الأستاذ أحمد نشأت<< ويكفي لمن كانت القرينة في مصلحته أن يتمسك بالمادة التي نصت عليها، ولذلك يصح القول بأن القرائن القانونية إنما تغني عن الإثبات أو تعفى منه>>[31] وحسب هذا الرأي فإن من يتمسك بوجود القرينة القانونية يكون قد نجا من مخاطر الإثبات التي تلقى على عاتق خصمه بعد أن أعفى القانون المدعي من عبئ الإثبات مهما كان نوع التصرف ومهما كانت قيمته.
كما يميز أصحاب هذا الاتجاه بين القرينة القانونية القاطعة والتي تعفي نهائيا من عبئ الإثبات، وبين القرينة القانونية البسيطة التي تعفى جزئيا أو تنقل عبئ الإثبات من على عاتق المكلف به إلى عاتق الشخص الآخر، وأن جواز إقامة الدليل على عكسها ليس إلا نزولا على أصل من أصول الإثبات يقضي بجواز نقص الدليل بالدليل.
والقرينة القانونية تعفي من الإثبات في الدائرة التي رسمها لها القانون، ولو في تصرف قانوني تزيد قيمتة عن مائة ألف دينار جزائري أي في دائرة لا تقبل فيها القرينة القضائية[32].
ويعاب على هذا التكييف لعمل القرينة نوع من الغموض وعدم الدقة لأن القول بأن القرينة القانونية هي إعفاء من الإثبات مجانب للصواب والحقيقة للدور الفعلي والعملي الذي تلعبه القرينة القانونية. لأنها وإن كانت إعفاء من إثبات الواقعة المراد إثباتها، فهي ليست إعفاء من إثبات الواقعة التي تقوم عيها القرينة القانونية، والتي يعتبر القانون أن إثباتها هو إثبات للواقعة الأولى فهي لا تؤثر إذا على مراكز الخصوم ولا تعفي من يدعيها من الإثبات، كما لا تسقط عبئه عنه ابتداءا ، فالمتمسك بها عليه دائما أن يقيم الدليل على قيام شروط القرينة القانونية ابتداءا وليس لخصمه أي شيء من الإثبات، ولأن شروط القرينة هي الواقعة البديلة التي حول إليها المشرع عملية الإثبات واستخلص من ثبوت الواقعة الأخرى موضوع النزاع، فإذا لم يستطع المدعي بالقرينة القانونية إثبات توفر شروط إنطباقها على الحالة التي يدعيها أدى ذلك إلى تخلف القرينة ولزم على المدعي أن يثبت الواقعة الأصلية من جديد وإلا خسر دعواه، فهي إذا في الواقع ليست إلا نقلا للإثبات من محله الأصلي إلى محل آخر ، فالواقعة المراد إثباتها وهي المحل الأصلي يزحزح القانون عنها للإثبات ويحوله إلى واقعة أخرى قريبة منها، فإذا ثبتت هذه الواقعة الأخرى، اعتبرت الواقعة الأولى ثابتة بحكم القانون[33]، وبعبارة أخرى هي تحويل الإثبات من واقعة إلى واقعة أخرى قريبة منها قدرها المشرع لمصلحة من يدعي القرينة القانونية وليس اعتبارا لشخصه أو لصفته بل باعتبار للظروف المحيطة بدعواه وما ينتج عنها من صعوبة في الإثبات أي بغرض تسهيل عملية الإثبات، ومن تم فإن المشرع عندما قرر القرينة حرص على أن يكون الإثبات بها في حدود المبدأ المعروف في الإثبات وهو<< على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه>>.

الفرع الثاني: القرينة القانونية قاعدة من قواعد الإثبات:

ملخص هذا الاتجاه أن القرينة القانونية سواء كانت قاطعة أو بسيطة ليس طريقا من طرق الإثبات أي لا هي من الإثبات المباشر ولا هي من الإثبات غير المباشر، وإنما هي قاعدة من قواعده، حيث يرى الدكتور إسماعيل غانم بأن< القرينة القانونية سواء كانت بسيطة أو قاطعة ليست في حقيقتها طريقا من طرف الإثبات بل هي قاعدة من قواعده يترتب عليها إما نقل عبئ الإثبات وذلك هو الحال في القرينة البسيطة وإما الإعفاء منه نهائيا وذلك هو الحال في القرائن القاطعة>>[34].
ويضيف قائلا فلو أردنا الدقة لوحب القول أن القرينة القانونية لا تعفي من الإثبات أو تنقل عبئة من شخص إلى آخر بل هي نقل الإثبات من محل لآخر أي من الواقعة الأصلية المراد إثباتها إلى واقعة أخرى قريبة جعل المشرع ثبثوها دليل على تبوت الواقعة الأصلية>>[35]
ويعاب على هذا الرأي كونه جعل القرينة القانونية قاعدة من قواعد الاثبات في حين نجد كل التشريعات التي نظمت القرينة القانونية اعتبرتها وسيلة من وسائل الاثبات الاخرى كالكتابة والبينة والاقرار واليمين.
وفي هذا الصدد ذهب البعض الى القول ان القرينة القانونية القاطعة ليست من أدلة الإثبات لكنهم اعتبروها قاعدة موضوعية، مدعمين رأيهم بالاستدلال بقرينة حجية الشيء المقضي فيه وهي قرينة تقوم على اقراض المشرع اقتراضا لا يقبل اثبات العكس وان الشيء المحكوم به صحيح من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع حيث يقول الأستاذ دابان << لا يوجد أي أثر للاثبات ولا يوجد حتى مسألة اثبات لان المنع من اثبات العكس يرفع حتما كل معنى من معاني الإثبات>>[36]
وهذه الحجة تعتمد على فكرة ان القرينة القاطعة تعني من تقررت لمصلحته عن اية طريقة أخرى من طرف الإثبات، لكن الواقع انه حتى في القرينة القاطعة فإن مشكلة الاثبات لا تزال قائمة لأنه يتعين حتى يمكن التمسك بالواقعة الأصلية إثبات الواقعة البديلة، فالتمسك بوجود حق أو زواله، وهي الواقعة الأصلية، لا يجوز إلا إذا ثبتت الواقعة البديلة وهي صدور حكم في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم، دون أن تتغير صفاتهم، وتعلق بذات الحق محلا وسببا.
ويرى البعض الآخر أنه وما دامت الواقعة الأصلية تثبت بطريقة نهائية بحيث لا يجوز للخصم إثبات عكسها بعد إثبات الواقعة البديلة، فإن القرينة القاطعة تتضمن شيئا من الإعفاء من الإثبات، أو الابتعاد عن منطقة الإثبات، وتقترب بذلك من نطاق القواعد الموضوعية، ولذلك يمكن إعتبار القرينة القانونية القاطعة في مرحلة وسط بين قواعد الإثبات وبين القواعد الموضوعية، وإن كانت أقرب إلى قواعد الإثبات.
وهذا الرأي أقرب إلى الصواب لكن يجب عدم أخذه على مطلقه ، لأن القرينة القانونية قد ترتقي أحيانا وليس دائما إلى درجة القاعدة الموضوعية بحيث لا يجوز إثبات عكسها، ومثالها القرينة القانونية التي نص عليها المشرع في نص المادة 733 من القانون المدني الجزائري التي مفادها أن الأموال الشاغرة التي ليس لها مالك هي ملك للدولة[37].

الفرع الثالث: القرينة القانونية دليل من أدلة الإثبات غير المباشرة

إعتبر دعاة هذا الرأي القرينة القانونية بنوعيها القاطعة والبسيطة طريقا من طرق الإثبات غير المباشر، ومن بينهم الأستاذ رمضان أبو السعود بقوله: << تعد القرائن من طرق الإثبات غير المباشرة فالخصم لا يثبت الواقعة المتنازع عليها، بل يقوم بإثبات واقعة أخرى متصلة بها يرى القانون في إثباتها إثبات للواقعة الأولى، فيكون الخصم قد أثبت الواقعة الثانية إثباتا مباشرا وأثبت الواقعة الأولى محل النزاع إثباتا غير مباشر>>[38].
أما الأستاذ جلال العدوي فذهب في هذا الاتجاه إلى القول:<< قد لا يكون إثبات الواقعة المتنازع عليها إثباتها مباشرا بإقامة الدليل على هذه الواقعة ذاتها، وإنما بطريق غير مباشر بإقامة الدليل على واقعة أخرى تحل محلها في الإثبات أو تعد قرينة عليها، كما لا يجب دائما إتباث الواقعة المتنازع عليها إثباتا مباشرا و إنما يكفي إثبات واقعة أخرى تعد قرينة عليها تبعا للغالب المألوف، وعلى من يدعيها أن يقيم الدليل على اجتماع الشروط التي يتطلبها القانون>>[39].
وقد اعتمد هذا الإتجاه في تأسيسه على اعتبار أن القرينة القانونية بنوعيها تقوم على عنصر الغالب الوقوع وقوامها الإستنتاج والإقتراض، كما أن كلاهما تقومان على واقعتين واحدة معلومة سهلة الإثبات وأخرى مجهولة صعبة الإثبات، وتيسيرا لعملية الإثبات يحول المشرع الإثبات إلى الواقعة المعلومة غرضه في ذلك ليس الإعفاء من الإثبات لأنه متى تم إثبات الواقعة البديلة أدى ذلك إلى افتراض قيام الواقعة المجهولة بقوة القانون لما يكون بينهما من ترابط وصلة.
إن هذا الاتجاه في تكيفه للقرينة القانونية على أنها دليل من أدلة الإثبات غير المباشرة هي الأقرب إلى الواقع بناءا على الاعتبارات التالية:
أولا: من حيث مكان النص عليها في أحكام القانون، إذ نجد المشرع الجزائري أوردها ونظم أحكامها في الباب المتعلق بإثبات الإلتزام أين خصص لها الفصل الثالث بعد الكتابة وشهادة الشهود، ضف إلى ذلك أن معظم التشريعات التي نظمت الإثبات في قانون مستقل عن القانون المدني نصت على القرنية كوسيلة للإثبات ولم تجعلها قاعدة من قواعده.
ثانيا: إن الإثبات بالقرينة القانونية لا يخرج عن القاعدة التي تجعل عبء الإثبات على المدعي، إذ لا يعقل أن يحكم القاضي في الدعوى بمجرد أن يتمسك المدعي بنص قانوني يقرر لصالحة قرينة قانونية، بل لابد عليه من إثبات الواقعة البديلة حتى تقوم القرينة القانونية لصالحه. فإذا لم يستطع ذلك فإنه لا يستطيع الإحتجاج على خصمه بذلك، وبالمقابل فإن خصمه لا يكون مطالبا بإثبات عكس القرينة قبل أن تثبت شروطها، فالقرينة إذا لا تنقل عبء الإثبات من المدعي إلى عاتق الخصم الآخر ما لم يثبت هذا الأخير ما ألزم بإثباته قانونا.

الفصــل الثاني : تقسيم القرائــن القانونيــة

القرينة القانونية قررها المشرع بنص ووضع أحكامها بصفة عامة وحدد حجيتها من حيث قبول إثبات عكسها من عدمه، لذلك إتفق غالبية الفقهاء على تقسيم القرائن القانونية إلى قسمين معتمدين على معيار حجية كل قرينة على حدى ومدى قبولها لإثبات العكس، ذلك أننا نجد أحيانا القوة المؤكدة في ترجيح عنصر الغالب الوقوع تلين في القرينة القانونية إلى درجة أنها تسمح للخصم الذي يحتج بها ضده إثبات عكسها، وفي أحوال أخرى نجد قوة القرينة القانونية متينة وجامدة لا تقبل لإثبات العكس وكل ذلك خاضع لإرادة المشرع وحده، وبالرغم من أن المشرع لم يبين نوع القرينة القانونية بنص خاص ولم يضع لها معيارا واضحا لكنه نص في المادة 357 من القانون المدني الجزائري على "القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن أي طريقة أخرى من الإثبات على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك " ، وعليه نستشف أن القرينة القانونية نوعين: القرينة القانونية القاطعة أو المطلقة وهو ما سنتناوله كمبحث أول، وقرينة قانونية بسيطة أو غير قاطعة وهو موضوع المبحث الثاني.

المبحث الأول : القرينة القانونية القاطعـــة

لم يكتفي المشرع عند إقراره القرينة القاطعة بتسهيل عملية الإثبات بل تعداه ليجعل من حجيتها قاطعة الدلالة والثبوت و هي بذلك في منآى عن الإثبات العكسي لذلك وصفت بالقاطعة أو المطلقة، واستقر الفقه على اعتبارها نوعا استثنائيا للقرائن القانونية من حيث أن المشرع يضحي فيها بحق الدفاع لإثبات عكسها من أجل تحقيق الغاية التي قصدها من وراء النص عليها، وعليه ستكون دراستنا لها أولا بتبيان مدى ارتباطها بأدلة الإثبات وعلاقاتها بالنظام العام، ثم ندرس كيفية نقضها ووسائله مدعمين ذلك ببعض الأمثلة.

المطلب الأول: إرتباط القرينة القانونية القاطعة بفكرة الإثبات وعلاقاتها بالنظام العــام

تسمى القرائن القانونية بالقاطعة أو المطلقة لأن القانون لا يسمح بإثبات ما يخالفها، وذلك لوجود إعتبارات هامة يقدرها المشرع ويحرص على عدم الإخلال بها، حتى يتحقق له هدفه التشريعي.
على أن القول بأن القرائن القانونية القاطعة لا تقبل إثبات العكس يجب أن لا يؤخذ على إطلاقه، حيث أن الفقهاء يميزون بين نوعين من القرائن القانونية القاطعة:
القرائن القانونية القاطعة المتعلقة بالنظام العام، وذلك مثل قرينة النسب المبنية على قاعدة الولد للفراش، فهذه القرينة في حقيقتها تنطوي على قاعدة موضوعية لا يجوز إثباتها بأي طرق كانت ولو بالإقرار أو اليمين الحاسمة أو التكول عن اليمين، والنوع الثاني من القرائن القانونية القاطعة التي لا تتعلق بالنظام، وذلك كقرينة إنقضاء الإلتزام باستكمال مدة التقادم المنصوص عليها في المادة 320 من القانون المدني الجزائري بقولها " يترتب على التقادم إنقضاء الالتزام"[40] .

الفرع الأول : إرتباط القرينة القانونية القاطعة بفكرة الإثبات

إن الطابع الإستثنائي للقرينة القانونية القاطعة وعدم إمكانية إثبات عكسها جعل البعض يشكك في مدى تعلقها بفكرة الإثبات، وعلى الرغم أنها تقوم على أساس عنصر الغالب الوقوع إلا أنها لا تكون غالبا مطابقة للواقع مما يستلزم على المشرع أن يجعل للمدعي عليه الحق في إمكانية إثبات عكسها أو استبعادها وفقا لمبدأ حرية الإثبات وهو ما يتغيب بوضوح في القرائن القاطعة مما جعلها تقترب من حيث قطعية حجيتها إلى القواعد الموضوعية وتبتعد عن دائرة الإثبات.
لكن رغم هذا فإنه لا يمكن الجزم بأن القرائن القانونية القاطعة لا ترتبط بقواعد الإثبات، ما دام المشرع قد أقامها على أساس واقعتين، واقعة معلومة وهي الواقعة البديلة والتي يجب إثباتها ممن تقررت القرينة لمصلحته، وواقعة مجهولة وهي الواقعة الأصلية التي يستنتجها من الواقعة الأولى، وهو بذلك يهدف إلى تحقيق غاية قضائية وهي تسهيل وتنظيم عملية إقامة الدليل وحجيته أمام القاضي.
إلا أن الإثبات بالقرينة القاطعة أعطاه المشرع نوعا من الخصوصية عندما جعلها تتميز عن غيرها من وسائل الإثبات الأخرى لأن المشرع في تنظيمه لعملية الإثبات أمام القضاء إما يحدد حجية الإثبات والقوة المؤكدة للأدلة التي يدفع بها الخصوم إثباتا لإدعاءاتهم أمام القاضي، لكنه يعطيها قوة محددة على وسيلة أخرى ويجعل حجيتها هي الغالبة في الإثبات، وإما يحدد مجال وموضوع الإثبات محددا في نفس الوقت وسيلة الإثبات التي يجب قبولها مثلما نص في المادة 333 من القانون المدني الجزائري على أنه في غير المواد التجارية فإن التصرفات التي تزيد قيمتها عن مئة ألف دينار جزائري لا يجوز إثباتها إلا كتابة، فهنا حدد المشرع محل الإثبات وهو التصرفات المدنية التي لها قيمة تزيد عن مئة ألف دينار جزائري، ومن جهة أخرى حدد الوسيطة المقبولة في الإثبات هي الكتابة، وقد نجد المشرع في حالات أخرى يتعدى هذا إلى منع الإثبات العكسي لما افترض صحته، وهذا ما نجده في القرائن القانونية القاطعة أين تتلاشى منطقة الإثبات لتصل إلى انعدامها ويختفي ذات الحق في الإثبات. وعليه ليس ثمة ما يمنع المشرع من أن يربط بين هاتين القاعدتين، فينشأ قاعدة إثبات يحدد فيها في وقت واحد منطقة الإثبات وقوة الدليل معا، وهذا ما قام به عند إنشائه للقرينة القانونية القاطعة[41] .
فمثلا الضرر الذي يحدثه الحيوان عند إفلاته من يد حارسه جعله المشرع حجة قاطعة على خطأ الحارس في القيام بواجبه في الحراسة، واعتبره المسؤول عن التعويض. ومنعه من جهة أخرى من إقامة الدليل لإثبات عكس القرينة القاطعة.
ومن ثمة نخلص إلى القول بأن القرينة القانونية القاطعة مرتبطة إرتباطا وثيقا بميدان الإثبات، حيث جمع فيها المشرع بطريقة فنية بين قاعدتين مختلفتين من قواعد الإثبات و أبقاها محافظة دائما على وظيفتها في الإثبات.

الفرع الثاني: علاقة القرينة القانونية القاطعة بالنظام العام

إن القاعدة العامة في القرائن القانونية أنه لا يجوز دحضها بالإقرار واليمين غير أنه هناك من الفقهاء من يرى عدم جواز ذلك بالنسبة للقرائن القانونية القاطعة التي أقامها المشرع مراعيا في ذلك المصلحة العامة والنظام العام، حتى لو أقر من قامت لمصلحته خلاف ما تقرره أو كان نكل عن اليمين الحاسمة، ويضربون أمثلة بقرينة حجية الأمر المقضي به، والتقادم وقرينة النسب، فيبقى الحكم القضائي قرينة قاطعة على ما قضى به ولو أقر من صدر لصالحه بأنه حكم خاطئ، كما أن الحق يبقى حقا مقضيا أو مكتسبا بالتقادم حتى لو أقر من تم التقادم لمصلحته بأن الدين لم ينقضي بعد أو أن الحق لم يكتسب، لكن أغلبية الفقهاء ذهبوا إلى اعتبار القرائن القانونية بنوعيها القاطعة والبسيطة هي قواعد إثبات وأيا كانت المرتبة التي أرادها المشرع أن تكون لها في القطع فهي لا تستعصي أن تنقضي بالإقرار واليمين مادام المشرع شاء أن يبقيها في حظيرة قواعد الإثبات ولم يرقى بها إلى مرتبة القواعد الموضوعية[42].
ولعل ما دفع بالفقهاء إلى هذا الاختلاف هو إدراج المشرع الفرنسي لحجية الشيء المقضي به والتقادم ضمن القرائن القاطعة التي لا تقبل إثبات العكس، هو ما سايره فيه المشرع المصري الذي تعرض إلى انتقادات فقهية كثيرة على اعتبار أن حجية الشيء المقضي به هي قاعدة موضوعية وليس قرينة قانونية لأن دورها يختلف عن دور القرينة التي تلعب دور إقامة دليل يساعد على حل النزاع، بينما الحكم يفترض أن تزاعا فصل فيه ولا جدوى لتقديم دليل فيه فدورها الحيلولة دون معاودة النزاع.[43]
وهو ما أخذ به أيضا المشرع الجزائري بحيث نص على حجية الشيء المقضي به في المادة 338 من القانون المدني واعتبرها قرينة قانونية من ضمن القرائن التي أدرجها في الفصل الثالث من الباب السادس تحت عنوان القرائن، لكنه هو الآخر لم يسلم من الانتقادات وهو ما انجر عنه انقسامهم إلى رأيين:
رأي يرى بأن حجية الأمر المقصي به هي قرينة قانونية قاطعة لا تقبل الإثبات بالعكس لأنها تقوم على مبدأ إحترام الأحكام القضائية[44].
أما الرأي الثاني وعلى رأسه الأستاذ زهدور، فإنه يعتبر الأحكام التي حازت قوة الشيء المقضي به هي قواعد موضوعية وليست قرائن قانونية قاطعة، حيث يقول الأستاذ زهدور:"يلاحظ أن المشرع الجزائري امتثالا لما ذهب إليه المشرع الفرنسي والمشرع المصري اعتبر الأحكام التي حازت قوة الشيء فيه قرينة قانونية قاطعة لا تقبل أي دليل ينقضها، مع أن هذه القاعدة ليست قرينة قانونية وإنما قاعدة موضوعية بنيت على قرينة، لأن القرينة القانونية باعتبارها وسيلة إثبات تقتضي أن تكون قابلة لإثبات عكسها، كما أن القرينة القانونية تؤدي إلى وجود دليل يساعد على حل نزاع لازال لم يفصل فيه بعد، بينما الأحكام التي حازت قوة الشيء المقضي فيه فصلت في نزاع و انتهى أمره، لذلك فإن الأحكام التي حازت قوة الشيء المقضي فيه في الحقيقة هي قاعدة موضوعية مبنية على قرائن"[45].
لكن مهما اختلفت الآراء فإن الشيء الثابت والمتفق عليه أن المشرع الجزائري ورغم إعتباره لحجية الشيء المقضي فيه أنه قرينة قانونية، إلا أنه لم يجعلها من النظام العام، حيث نص صراحة في الفقرة الثانية من المادة 338 من القانون المدني " لا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة تلقائيا " وهو ما يستشف منه أن المشرع الجزائري أخذ بالرأي القائل أن حجية الشيء المقضي به لا تتعلق بالنظام العام، رغم ما يكتنف هذا الرأي من عيوب لأنه يفتح المجال للخصوم بتجديد دعواهم وهو ما فيه تعطيل لمرفق القضاء وضياع لوقت القضاة وهو قد ينجر عنه صدور أحكام متناقضة بالنسبة لنفس النزاع.
وقد يدفعنا الموقف الذي اتخذه المشرع الجزائري إلى التساؤل عن نية المشرع عندما منع القاضي من إثارة حجية الشيء المقضي به من تلقاء نفسه، فربما هو بذلك اعترف ضمنيا على أنها قاعدة موضوعية وليست قرينة قانونية على أساس أن الشيء المقضي به هو في حقيقة الأمر واقعة من الوقائع التي هي ملك للمتقاضي، ومن ثم فإن إثارتها من طرف القاضي دون طلب الخصوم هو خرق لمبدأ- حياد القاضي- فأراد بذلك المحافظة على دور القاضي الحيادي.
أما الإحتجاج على أن المشرع نص على حجية الشيء المقضي به واعتبره قرينة قانونية فالظاهر أنه لم يفعل ذلك إلا مجارات لما ذهب إليه المشرع المصري الذي أخذ منه المشرع الجزائري الكثير من الأحكام خاصة منها فالقانون المدني.

المطلب الثاني: نقض القرنية القانونية القاطعـــــة

رأينا أن القرائن القانونية القاطعة باعتبارها دليلا للإثبات لا تستعصي عن الإثبات العكسي وذلك عن طريق الإقرار واليمين، وذلك على أساس تنازل من تقررت لمصلحته هذه القرينة. وهذا ما ما سنحاول توضيحه من خلال هذا المبحث مدعمين ذلك ببعض التطبيقات للقرائن القانونية القاطعة.

الفرع الأول: نقض القرينة القانونية القاطعة بالإقرار واليمين.

القاعدة في القرائن القانونية سواء كانت قاطعة أو بسيطة أنها لا تستعصي جميعها عن الإثبات، وإذا قلنا أن القرينة القاطعة لا تقبل إثبات العكس فليس معنى ذلك أنها لا تدحض أبدا لأن عدم قابلية الدحض لا تكون إلا للقواعد الموضوعية أما القرائن القانونية فإن تقض البسيطة منها فهو مقبول بجميع وسائل الإثبات.
أما القاطعة منها فلا يجوز تقضها إلا عن طريق وسيلتين وهما الإقرار و اليمين القضائيين, بمعني أن الدليل العكسي الذي يقبل به دحض القرينة القاطعة لا ينصرف إلا للإقرار و اليمين.
و يقصد بعدم جواز نقض قرينة الإثبات القاطعة عدم جواز تقضها ممن تقررت القرينة ضده وما دام الإقرار و اليمين يصدران ممن تقررت تلك القرينة لصالحه فإنه لا محل لأعمالها[46] فالإقرار واليمين يعتبران من أهم وسائل الإثبات التي تقطع كل شك في حقيقة الواقعة المتنازع فيها فإذا صدر الإقرار ممن وضعت القرينة القانونية القاطعة لمصلحته أصبح المدعي عليه بها معفي من الإثبات لأن الواقعة محل النزاع أصبحت ثابتة ، أما اليمين التي تدحض بها القرينة القانونية القاطعة فهي اليمين الحاسمة التي يوجهها الطرف الذي يريد نقض القرينة إلي خصمه ليخاطب ضميره ويحمله على قول الحقيقة وإن كان يلجأ لها مضطرا لأنها الوسيلة الوحيدة التي جعلها القانون مقبولة لدحض حجية القرينة القانونية القاطعة. كما أن توجيهها يرتب نتائج حتمية ونهائية، فإذا حلفها الخصم الذي وجهت له ثبتت القرينة القاطعة بطريقة نهائية وقطيعة، أما إذا نكل عن أدائها عد ذلك إقرار منه علي عدم مطابقتها للواقع .
ومبدأ إثبات أو دحض القرينة القانونية القاطعة بالإقرار واليمين قرره المشرع الفرنسي بمعني صريح من خلال المادة 1352 من القانون المدني الفرنسي، أما المشرع المصري فإنه يعمل بهذا المبدأ دون نص صريح وقد أنعقد عليه الإجماع، ذلك أن القرينة القاطعة لا تزال دليلا من أدلة الإثبات وهي لا تعدو أن تكون دليلا سلبيا فإذا نقضها من تقررت لمصلحته بإقراره أو يمينه فقد دحضها ولم يعد هناك محل لإعفائه من إثبات لم يقبل هو أن يعفي نفسه منه[47].
أما المشرع الجزائري و بالرجوع لأحكام القانون المدني فلا نجد فيه ما يفيد جواز دحض القرينة القاطعة بالإقرار أواليمين، لكن بالرجوع لنص المادة 312 من القانون المدني و المتعلقة بالتقادم القصير لحقوق التجار و الصناع عن الأشياء التي وردوها وكذا حقوق أصحاب الفنادق والمطاعم والمبالغ المستحقة للأجراء، والتي أقام فيها المشرع قرينة قاطعة بأن مرور سنة دون المطالبة بهذه الحقوق يفيد أنها دفعت، أي سقوطها بعد مرور هذا الأجل، لكنه في نفس الوقت إعتبرها دليلا غير كافي بحيث يجب علي من يدعيها أن يحلف اليمين علي أنه ادعي الدين المطالب به فإذا نكل عن أدائها عد ذلك إقرار صريحا منه علي عدم تسديده لما عليه من ديون، و سقطت قرينة الوفاء المبنية علي مرور السنة، لكن هذا اليمين تتميز بأنها إجبارية للقاضي فعليه توجيهها إلي المدين أو إلي ورثته سواء طلب الدائن ذلك أم لا، كما أنه ملزم بالأخذ بنتيجتها بحيث إذا حلفها المدين كسب دعواه و إذا نكل عنها كان ذلك إقرارا منه بعدم دفعه للدين المطالب بدفعه.
وبناءا عليه نستنتج أن المشرع الجزائري علي الرغم من عدم إدراجه لنص واضح في أحكام القانون على جواز إثبات عكس القرينة القاطعة باليمين والإقرار، إلا أنه و استنادا لنص المادة 312 من القانون المدني، نرى أن إثبات عكس القرينة القاطعة بالإقرار أو اليمين أمر جائز في التشريع الجزائري، إضافة إلى أن المنطق القانوني السليم يقتضي القول بجواز دحض القرينة القاطعة بالإقرار أو اليمين إعتبارا على أن القرينة قررت لحماية حقوق الطرف الذي تمسك بها ولما تنازل عليها بحريته بعد أن أقر بالواقعة المتنازع فيها -مبلغ الدين- وكان إقراره صحيحا فلا يجوز أن تفرض عليه فرضا.

الفرع الثاني: أساس إستبعاد تطبيق القرينة القانونية القاطعة

لقد أعطى المشرع للقرينة القانونية القاطعة قوة ثبوتية بمجرد تحقق شروطها، لكنه وعلى الرغم من منعه نقضها مباشرة ممن قامت ضده، إلا أنه ومع ذلك مكنه من استبعادها بطريقة غير مباشرة عن طريق إقرار الخصم أو نكله عند آداء اليمين بعد أن وجهت له. والإقرار في هذه الحالة يجعل من النتيجة المفترضة للقرينة مستحيلة التحقيق في وقائع الدعوة المطروحة، وعليه نستنتج أن استبعاد تطبيق القرينة القاطعة ليس راجعا لنقضها عن طريق الإثبات العكسي وإنما راجع لتنازل من وضعت هذه القرينة لمصلحته، ونوضح ذلك في نقطتين:
أولا : إن نقض القرينة القاطعة لا يكون من طرف الخصم الذي قامت القرينة ضده، وذلك أن القانون حرمه من ذلك بعد أن منع الإثبات العكسي فيها، ومهما اجتهد وبذل جهده في تقديم الأدلة لإثبات براءته أمام القاضي محاولا إثبات عكس ما قررته القرينة القاطعة، فإنه لن يستطيع ذلك لأنها مفترضة إفتراضا لا يتغير.
ثانيا: إن نقض القرينة القانونية القاطعة بالإقرار أو النكول عن اليمين، ما هو في حقيقة الأمر إلا تنازل عن حق أو حماية من طرف من قررت القرينة لمصلحته، لأن الإقرار واليمين يصدر منه وذلك بعد أن يلجأ خصمه للإحتكام لضميره، فيما يخص الواقعة المتنازع فيها فإن شاء أداها وإن شاء نكل عن أدائها[48]، فإذا نكل عن اليمين عد ذلك إقرار بصحة ما يدعيه خصمه وسقطت حماية القرينة به، ولما كان التنازل عن القرينة بمثابة تصرف في حق في غير مصلحة المقر فإن الإقرار لا يكون صحيحا إلا إذا كان المقر يتمتع بأهلية التصرف القانونية، بمعنى أن يكون بالغا سن التاسعة عشر طبقا لنص المادة 40 من القانون المدني الجزائري وأن تكون إرادته خالية من كل العيوب.

الفرع الثالث: تطبيقات لبعض القرائن القانونية القاطعة

القرينة القانونية باعتبارها دليلا من أدلة الإثبات، فإن المشرع لم يجعل لها مجالا محددا لأعمالها، فهي تعمل في مجال المسؤولية المدنية عقدية كانت أم تقصيرية، كما أن موضوع الإثبات بها غير محدد القيمة فهي مقبولة ولو زادت قيمة النزاع عن مئة ألف دينار جزائري. وعملها دائما في مجال المسؤولية المدنية يدور حول إفتراض قيام أحد أركان المسؤولية أي الخطأ، العلاقة السببية أو افتراض قيام المسؤولية، كما أنه توجد حالات تقرر فيها القرينة القانونية على أساس منع سماع الدعوى أمام القضاء، لذلك سوف نتطرق لبعض الأمثلة وذلك لصعوبة حصرها كلها.
أولا: القرينـة القاطعة في مجال المسؤولية العقدية:
عمل القرينة القاطعة في مجال المسؤولية العقدية، لا يكون إلا إذا تعلق الأمر بمسألة المدين عند إخلاله بالتزاماته التعاقدية، أو كان محل هذه الالتزامات هو الالتزام بتحقيق نتيجة، ولا مجال لتطبيقها متى كان محل الالتزام العقدي بذل عناية الذي يكون فيه إثبات المسؤولية خاضع للقاعدة العامة في الإثبات <<على الدائن إثبات الالتزام والإخلال به وعلى المدين إثبات التخلص منه>> عملا بالمادة 323 من القانون المدني الجزائري .
لعله من أبرز الأمثلة في مجال المسؤولية العقدية، قرينة مسؤولية الناقل عن الأشخاص التي تناولها المشرع في المادة 62 القانون التجاري، مراعيا في ذلك حماية مصلحة المسافرين و مسايرا لماوصل إليه اجتهاد القضاء الفرنسي في شأن هذه المسؤولية، فجعلها مسؤولية قائمة على الخطأ المفترض من طرف الناقل الذي لا يقبل إثبات العكس، فإذا حدث وأن أصيب المسافر أثناء تنفيذ عقد النقل، قامت مسؤولية الناقل المقترضة ولا يمكنه التخلص منها إلا بإثبات السبب الأجنبي الذي لا يمكن توقعه ولا يمكن دفعه.
وتطبيقا لذلك قضى المجلس الأعلى في أحد قراراته بقوله << ناقل المسافرين يضمن سلامة المسافر ولا يجوز إعفاؤه من هذه المسؤولية إلا إذا أثبت أن الضرر سببه القوة القاهرة وخطأ المسافر وانه لم يكن يتوقعه ولم يكن باستطاعته تفاديه. إن رجوع بعض المسافرين إلى عريان القطار بعد النزول منها أمر متوقع ويمكن تفاديه عن طريق الاعتناء الكامل من طرف حارس المحطة الذي عليه ألا يعطي إشارة الانطلاق القطار إلا بعد التأكد من نزول كل المسافرين وغلق أبواب القطار>>[49] ،ويتبث من هذا القرار أن المجلس الأعلى اعتبر إصابة المسافر أثناء تنفيذ عقد النقل قرينة قاطعة على خطأ الناقل حتى وإن لم يذكرها صراحة.
كما توجد قرينة الولد للفراش المنصوص عليها في المادة 41 من القانون الأسرة الجزائري التي اعتبر فيها المشرع أن قيام الزوجية قرينة قاطعة على أن الولد من الزوج، أي أن الولد يثبت نسبه لأبيه، على الرغم من قيام الاحتمال بأن الولد من غيره، وذلك مراعاة منه لسلامة الأنساب من الطعن وحفاظا على المجتمع ولسلامته.
وفي هذا الصدد جاء في إحدى حيثيات المحكمة العليا << إن النسب يثبت بالفراش الصحيح ومن ثمة فإن القضاء بإثبات النسب حال قيام الزوجة ودون اللجوء إلى تطبيق قواعد تفي النسب باللعان في المدة المحددة شرعا يعد قضاءا صحيحا، ولما كان النسب الذي أنكره الطاعن هو نسب ثابت وأنه بعدم إنكاره الحمل يوم سمع به أو حين ولادته في المهلة القريبة التي حددها المشرع لإجراء قواعد اللعان سقط حقه في إنكار النسب>>[50]
ثانيا: القرائن القاطعة في مجال المسؤولية التقصيرية
تقوم المسؤولية التقصيرية على ثلاثة أركان وهي الخطأ والضرر ولعلاقة السببية، ولما كان الخطأ هو محور المسؤولية وجودا وعمدا، فان المشرع بالنظر لطبيعة الحوادث المترتبة عن المسؤولية التقصيرية والتي تتسم بالخطورة وكثرة وقوعها مع اختلاف أسبابها وتداخل الأخطاء في وقوعها، وهو ما يؤدي بالضحية في الكثير من الأحيان إلى تضييع حقوقه إما لعجزه عن تحديد المسؤول، و إما لصعوبة إثبات الخطأ في جانبه، لذلك لجأ المشرع إلى تحديد الشخص المسؤول وأقام مسؤوليته على أساس الخطأ المقترض الغير قابل لإثبات العكس.
ولعل من أهم هذه المسؤولية مسؤولية المتبرع عن أعمال تابعة المنصوص عليها في المادة 138 من القانون المدني الجزائري بموجب القانون رقم 05-10 المعدل والمتمم للقانون المدني، والتي أقام فيها المشرع قرينة قانونية مفادها أنه متى ارتكب التابع فعلا ضار أثناء تأديته لوظيفته أو بسببها أو بمناسبتها، سبب به ضررا للغير، قامت مسؤولية المتبوع المقرضة إقراضا غير قابل لإثبات العكس بأية وسيلة، إلا إذا استطاع المتبوع أن ينفي مسؤولية التابع حتى تنتفي مسؤوليته.
وكذلك هناك قرينة الخطأ في مسؤوليته حارس الشيء المنصوص عليها في المادة 138 من القانون المدني الجزائري، التي بناءا عليها يكون حارس الشيء غير الحي مسؤولا عن الأضرار التي يحدثها هذا الشيء للغير، مسؤولية تقوم على خطأ مقترض في الحراسة غير قابل لإثبات العكس ول،ولا تنتفي هذه المسؤولية إلا بإثبات السبب الأجنبي، كما أنه ليس للمضرور لإقامة الدليل على مسؤولية الحارس، إلا أن يثبت فقط الضرر الذي تسبب الشيء في وقوعه .
والأصل في هذه القرينة أن المشرع قررها لمصلحة الطرف المضرور، إلا أن هناك حالات تكون فيها القرينة مشتركة، فتعمل لمصلحة كلا المتقاضين في نفس الوقت إذ يستطيع كل من المدعي والمدعى عليه التمسك بقرينة الخطأ المقترض في مواجهة خصمه، فيكون كلاهما مسؤولا ومضرورا في وقت واحد وأكثر هذه الحالات وقوعا في ميدان حوادث المرور التي يرتكبها أصحاب السيارات فإذا حدث تصادم بين السائقين وفقا لنص المادة 138 من القانون المدني يعتبر كلاهما بمثابة الحارس إعتبارا لما يكون لكل واحد منهما من سيطرة وتوجيه على هذه السيارة وتقوم قرينة الخطأ في مواجهتهما، فيكون بذلك كل منهما مسؤولا على أساس الخطأ المفترض غير القابل لإثبات العكس، ومن جهة أخرى فان كلاهما متضرر من فعل الشيء الذي فلت من حراسة الطرف الآخر ومن ثمة كانت مسؤوليتهما مشتركة في الأخطاء والأضرار.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد سوى بين المسؤولية عن فعل الشيء والمسؤولية عن فعل الحيوان من حيث أنه جعل أساسهما الخطأ المفترض إقتراضا غير قابل لإثبات العكس وهو ما يستفاد من نص المادة 139 من القانون المدني الجزائري المعدلة بالقانون رقم 05/10 المعدل والمتمم للقانون المدني.
ثالثا: قرائن رفض سماع الدعوى والتقادم:
خصص المشرع الجزائري للقرينة القانونية القاطعة التي يرفض سماع الدعوى على أساسها مادتين : أما المادة الأولى فتتعلق بنص المادة 338 من القانون المدني الخاصة بقوة الشيء المقتضى به، التي مفادها أن الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم تعتبر حجة فيما فصلت فيه، فلا يجوز للخصوم إعادة طرح النزاع الذي فصل فيه الحكم السابق بينهم في نفس الموضوع ولذات السبب، ولا يجوز قبول أي دليل ينقص هذه القرينة.
ويشترط في الحكم حتى يصير حائزا لحجية الشيء المقتضى به أن يكون صادرا عن جهة قضائية في إطار سلطتها القضائية، وأن يكون قطعيا فصل في موضوع الدعوى أو جزء منها أو في دفع شكلي أو موضوعي أو في الاختصاص[51].
وتطبيقا لذلك جاء في قرار للمجلس الأعلى قوله :<< من المقرر قانونا أن الحكم لا يحوز حجية الشيء المقضي به إلا بتوافر عناصر ثلاثة هي، وحدة الأطراف دون أن تتغير صفاتهم و وحدة المحل ووحدة السبب، ومن ثم فإن القضاء بخلاف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون... ولما كان ثابتا في قضية الحال أن قضاة الاستئناف إستندوا على مبدأ حجية الشيء المقضي فيه دون إبراز عناصره، خاصة وأن الطاعنين دفعوا بعدم توافرها، فإنهم بقضائهم كما فعلوا خرقوا هذا المبدأ أو منعوا المجلس الأعلى من استعمال رقابته، ومتى كان كذلك إستوجب نقض القرار>>[52].
أما المادة الثانية فتعلق بحية الحكم الجزائي المنصوص عليها في المادة 339 من القانون المدني الجزائري التي نخلص منها أن المشرع جعل الأحكام الجزائية حجة أمام القاضي المدني، نظرا لأنها تتعلق بحرية الأفراد و تمس بالنظام العام، ومن ثم كانت حجيتها مطلقة على الناس كافة اعتبارا على أن القاضي الجزائري لا يصدر هذه الأحكام إلا بعد بحث وتحري واسعين للوصول إلى الحقيقة وهو ما لا يقوم به القاضي المدني.
وعليه فصدور الحكم الجزائي يقيد القاضي المدني بالنسبة للوقائع التي كان فصله فيها فصلا حقيقيا وضروريا لقيام الحكم الجزائي، أي التي لو لم تثبت لإنهدم الحكم الجزائي .
وتطبيقا لذلك نص المجلس الأعلى في احدى قراراته بما يأتي: <<حكم جزائي أبرأ ساحة ولد طاعن من تهمة القتل العمدي واقتصر على إدانته بالفعل المخل بالحياء، كان على المجلس أن يحدد التعويض في حدود هذا الفعل.... الحكم على الطاعن على أساس أن والدي الضحية قد فقدا ابنهما وأن مال الدنيا لا يعوضهما على حياة إبنهما، تحريف للوقائع و للمادة 339 مدني.>>[53]
أما بالنسبة لقرينة التقادم المسقط فلقد أجمع الفقهاء أن التقادم يمثل قاعدة موضوعية آمرة وليس قرينة قانونية قاطعة، ولم يستثنوا منها إلى حالة التقادم القصير لسنة واحدة حيث أقامه المشرع على قرينة قانونية قاطعة تفيد الوفاء بالحق. وهو ما دأب عليه المشرع الجزائري في نص المادة 312 من القانون المدني، حيث أن الحقوق المذكورة فيها إذا لم يبادر الدائن بطلبه،ا فإن القانون إعتبر الحقوق مقضية بعد مرور سنة على استحقاقها إذا لم يبادر الدائن بطلبها و إن يقبضها الدائن فعلا، لكنه نص صراحة على جواز دحض هذه القرينة بالنكول عن اليمين أو بإقرار من المدعي.
وفي هذا السياق جاء في إحدى حيثيات قرار صادر عن المحكمة العليا: <<من المقرر قانونا أنه ينقطع التقادم بالإقرار الضمني أو الصريح- ولما ثبت أن الطاعن قد أثار دفعا بانقطاع التقادم بتقديم وصل بدفع المستحقات، فإن هذه الواقعة في حالة ثبوتها من شأنها أن تشكل دفعا جزئيا للحقوق المطلوبة وبالتالي إقرار ضمنيا من قبل الطاعن، ولما ثبت أن قضاة المجلس لم يقيدوا بالدفع المثار فإنهم لم يبينوا موقفهم من الواقعة المذكورة والنتائج القانونية المترتبة عنها، فإنهم يكونوا قد عرضوا قرارهم للنقض>>

المبحث الثاني: القرينة القانونية غير القاطعة

إن الوضع الراجح الذي تقيمه القرينة القانونية غير القاطعة يقوم على احتمال صعيف، لا يطابق الواقع في الكثير من الأحيان، بل هو في أحيان أخرى مناقض تماما لحقيقة النزاع، لذا ارتأى المشرع أن إزالة هذا التناقض لا يتم إلا بالسماح للمقاضي الذي يحتج ضد بهذه القرينة إمكانية إتيان عكسها، إلا أنه و إن كانت القرائن القانونية غير القاطعة تساوي من حيث المبدأ في أنها جميعا قابلة لإثبات العكس، إلا أنها تختلف وتتفاوت من حيث قوة حجيها و مجال عملها والغاية التي يرمي إليها المشرع من وراء تقريرها، فهناك من القرائن غير القاطعة يستعملها المشرع لإثبات المسؤولية أو ركن من أركانها، وهناك نوع آخر منها يقصد بها التأكيد على صحة الظاهرة من الوضع القائم إلى أن يثبت العكس.
والقرينة غير القاطعة لا يمكن فرضها متى ثبتت مخالفتها للواقع الذي تنطبق عليه وإلا كان في ذلك إجحافا في حق من قامت ضده لذا كان هذا النوع من القرائن قابلا لإثبات العكس.

المطلب الأول: حجية القرينة القانونية غير القاطعة و مجال عملها

القرائن غير القاطعة ليست كلها في نفس درجة الحجية لذلك نجد الفقهاء قسموها إلى قرائن غير قاطعة ذات حجية بسيطة يجوز إثبات عكسها بجميع الوسائل، وأخرى ذات حجية نسبية يكون إثبات عكسها بطرق محددة، وقد حدد المشرع مجال تطبيقها، فهناك قرائن يقررها لتعمل في مجال إثبات المسؤولية أو إثيات ركن من أركانها، وهناك قرائن يقرض بها صحة الوضع القائم بناءا على ما هو ثابت وظاهر، فينص على القرينة ليحافظ على الوضع الظاهر حتى يثبت العكس.

الفرع الأول: حجية القرينة القانونية غير القاطعة:

القرينة القانونية غير القاطعة هي التي تقبل الإثبات بالعكس وهي الأصل في القرائن القانونية، يقيمها المشرع على مجرد الاحتمال المتأرجح بين الصحة والخطأ، ومن ثم يجوز إثبات عكسها لاحتمال أن يكون الخطأ فيها كبير[54]. لذلك فهي الأكثر تواجدا من حيث تعدد حالات تطبيقها و اختلاف مواضيع عملها.
وقد نص المشرع الجزائري على القرينة القانونية غير القاطعة واعتبرها الأصل وهذا ما نستشفه من نص المادة 337 من القانون المدني. أما الفقه فقسمها إلى نوعين من حيث الحجية: قرائن بسيطة الحجية وقرائن نسيبة الحجية.
أولا: قرائن ذات حجية بسيطة
هذا النوع من القرائن غير القاطعة هو الغالب، لذلك إعتبرها الفقه الأصل في القرائن القانونية غير القاطعة، لذلك أخضعها المشرع للقاعدة العامة في الإثبات فيجوز للخصم إثبات عكسها بجميع وسائل الإثبات. واعتمد كباقي التشريعات معيارا لتمييزها، وذلك أنه عند النص عليها يرفقها دائما بعبارة << ما لم يقم الدليل على عكس ذلك >> دون تحديد منه لا لوسيلة الإثبات ولا لمحله، و ذلك كمعيار للدلالة على بساطة القرينة و إمكانية نفي حجيتها بجميع الوسائل، و مثالها ما نصت عليه المادة 499 من القانون المدني الجزائري " الوفاء يقدر من الأجرة يعتبر قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة ما لم يقم الدليل على العكس " ، و كذلك ما جاء في المادة 324/03 من ذات القانون بقولها " ويفترض حسن النية دائما يقوم الدليل على العكس>>.
ثانيا: القرائن ذات الحجة النسبية
هذا النوع إبتكره المشرع الفرنسي ونظم أحكامه في القانون المدني، وقد عرفها الفقه الفرنسي بأنها: <<القرائن النسبية قواعد إثبات قانونية لا تقبل إثبات عكسها إلا بإثبات وقائع معينة بوسائل محددة .>>
وتتميز بطابع خاص إذ أنها تتشابه مع القرائن البسيطة في أنها تقبل الإثبات بالعكس، وتميل إلى القرائن القاطعة من حيث أنها لا تقبل إثبات عكسها إلا بإثبات وقائع معينة وبوسائل معينة.
ويستدل الفقه الفرنسي بالنسبة للقرائن التي لا تقبل إثبات عكسها إلا بعد إثبات وقائع محددة بنص المادة 1733 من القانون المدني الفرنسي التي تقيم قرينة قانونية على مسؤولية المستأجر في حالة الحريق، التي لا يستطيع التخلص منها ما لم يثبت أن الحريق كان يعود لسبب أجنبي أو القوة القاهرة أو عيب في البناء، وبالنسبة للقرائن التي لا تقبل إثبات العكس إلا وسائل إثبات محددة، فيستدلون بنص المادة 552 من نفس القانون التي مفادها أن مالك الأرض يملك ما فوق الأرض وما تحتها التي يمكن إثبات عكسها بوسيلتين هما الكتابة أو التقادم.
أما المشرع الجزائري بالرجوع إلى أحكام القانون المدني وتصفح مواده فلا نجد فيه قرائن قانونية غير قاطعة يحدد فيها وسائل لإثبات عكسها، لكننا نجد قرائن حدد فيها الوقائع التي يجب إثبات عكسها لنفي حجية القرنية، ومثالها ما نصت عليه المادة 135/02 التي تجعل مسؤولية متولي الرقابة مفترضة بموجب قرينتين، قرينة الخطأ وقرينة العلاقة النسبية ولا يستطيع المكلف بالرقابة التخلص من هذه المسؤولية إلا إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة على أكمل وجه من أجل دفع قرينة الخطأ، أو أن يثبت أن الضرر كان لا بد من حدوثه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية.
وعليه نخلص إلى القول بأن القرائن غير القاطعة وإن كانت نظريا تخضع لمبدأ الإثبات الحر في نفي حجيتها، إلا أنها عمليا هناك قرائن غير قاطعة عمد فيها المشرع إلى تضييق حرية المدعى عليه في إثبات عكسها، وذلك إما بتحديد وسائل الإثبات أو تحديد وقائع معينة كموضوع لإثبات عكسها.

الفرع الثاني: مجال عمل القرينة القانونية غير القاطعة

القرينة القانونية البسيطة كوسيلة إثبات قانونية، يختلف مجال عملها باختلاف الدافع إلى تقريرها من طرف المشرع، فهي إما تقيم وقائع تتعلق بالمسؤولية المدنية تسهيلا لإثبات ركن من أركانها، وإما يقيمها لتقوم مقام الشرط في عمل القاعدة الموضوعية ويكون دورها هو مجرد الإستدلال مؤقتا على صحة الوضع القائم بناء على الافتراض المحض واستصحاب الأصل[55] ومن هــــذا المنظور قسمها الفقه إلى قسمين :
أولا: قرائن تقوم على أساس الافتراض الأولي السابق
وهي القرائن التي يقيمها المشرع بناءا على عمل إفتراضي محض لما يجب أن يكون في الواقع بحكم أصل وظيفة الأشياء، فيجعل الواقعة المفترضة تجسد تصوره المسبق الذي يبنيه على الواقع ويفترض وجوده بموجب القرينة، ومثال ذلك الملكية في حيازة المنقول التي قررها المشرع الجزائري بموجب المادة 835 من القانون المدني والتي استخلصها من ظاهرة الحيازة، فالأصل أن الحائز للمنقول هو الذي يستعمله ويتصرف فيه، ويفترض أنه هو المالك، فيقيم المشرع هذا الأصل لحماية التصرف باعتباره مظهرا للملكية، وتتجلى هذه الحماية خاصة في المنقولات وذلك لسهولة وسرعة إنتقالها من يد إلى يد دون إعداد الدليل على التصرفات الواردة بشأنها، فافترض المشرع قرينة قانونية تجعل منها حيازة سند للملكية غرضه في ذلك راحة المجتمع وتسهيل عمل قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية.
ثانيا: القرائن المستقلة عن تطبيق القاعدة القانونية:
هذه القرائن أقامها المشرع بناءا على اعتبارات واقعية، أساسها فكرة الاحتمال الراجح الوقوع دون تعلقها بقاعدة موضوعية، مراعيا في ذلك توفير الجهد في الإثبات حيث بموجبها يتحول الإثبات من الواقعة المتنازع عليها إلى واقعة أخرى قريبة منها، وتجعل من ثبوتها ثبوت واقعة النزاع، ومثالها قرينة الخطأ المنصوص عليها في المادة 140 من القانون المدني الجزائري، التي تقوم على أساس أن واقعة تهدم البناء ولو جزئيا تفترض في الواقع أن المالك قد قصر في صيانته، أو تراخى في ترميمه، وهذه الواقعة تكفي وحدها للإستدلال على خطأ المالك الذي تقوم مسؤوليته.
وبناء على ما ذكر آنفا نخلص إلى القول بأن مجال عمل القرينة القانونية البسيطة يختلف باختلاف الهدف الذي يرجو المشرع إلى تحقيقه بتقريره لها، وإن كان من الصعب تعداد تلك الأهداف لكثرة القرائن، إلا أنه يمكننا أن نعدد عمل القرينة البسيطة في مجالين: مجال تشريعي عندما تعمل القرينة مرتبطة بالقاعدة الموضوعية وتكون شرط من شروطها، ومجال قضائي عندما تعمل القرينة عمل أدلة الإثبات وتكون قائمة بذاتها ومستقلة عن القاعدة الموضوعية.

الفرع الثـالث: تطبيقات لبعض القرائن القانونية غير القاطعة

إن القرينة القانونية كوسيلة من وسائل الإثبات يقيم بها المشرع وقائع غير ثابتة يستخلصها من ثبوت وقائع أخرى ثبتت في النراع، سواء كانت هذه الوقائع موضوع القرينة تتعلق بالمسؤولية المدنية أو نفترض قيام ركنا من أركانه، كما هو الحال في قرينة الخطأ وقرينة النسبية، أو كانت الواقعة مصدر الحق من الحقوق 1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-حسن عكوش – المسؤولية المدنية في القانون المدني الجديد – مكتبة القاهرة الحديثة – الطبعة الأولى – سنة 1957 – صفحة 115 .
ونظرا لتشعب القرينة واتساع مجال عملها سوف نعرج على بعض الأمثلة للقرائن غير القاطعة مدعمين ذلك بقرارات للمحكمة العليا.
أولا: قرينة العلاقة السببية
تعتبر العلاقة السببية ركنا أساسيا في نظام المسؤولية بشكل عام وفي المسؤولية المدنية بشكل خاص، بالإضافة إلى ركني الخطأ من جانب المسؤول والضرر الذي أصاب المضرور، ومفادها أن الضرر متى كان سببه خطأ المسؤول، فالمضرور لا يمكنه المطالبة بالتعويض إلا إذا أثبت جميع هذه الأركان، وإلا انتفت المسؤولية، والأصل أن عبئ إثبات العلاقة السببية تقع على من يدعيها كما هو الحال في المسؤولية عن الأفعال الشخصية المنصوص عليها في المادة 124 من القانون المدني الجزائري، لكن هناك حالات إفترضها فيها المشرع بموجب قرينة قانونية غير قاطعة، وقد نقل ذلك في جميع الحالات التي تكون فيها المسؤولية قائمة على أساس الخطأ المفترض لتسهيل الإثبات على الدائن، وذلك للإرتباط الموجود بين إثبات كل من الخطأ والعلاقة السببية وصعوبة الفصل بينهما عمليا، لكن هذه القرينة لإثبات العكس من طرف الخصم عن طريق إثبات أن الضرر المنسوب إلى خطئه يعود إلى سبب أجنبي لا يد له فيه، ويتحدد السبب الأجنبي في أربعة حالات هي: القوة القاهرة، الحادث المفاجئ، خطأ الضحية أو خطأ الغير.[56]
وهو ما عمد إليه المشرع الجزائري في المادة 127 من القانون المدني المتعلقة بالمسؤولية التقصرية وفي المادة 176 من ذات القانون المتعلقة بالمسؤولية العقدية.
وتطبيقا لهذا قضت المحكمة العليا في إحدى قراراتها بما يلي << من المقرر قانون أن الناقل يعد مسؤولا عن الخسائر والأضرار التي تلحق بالبضائع منذ تكلفه بها حتى تسليمها إلى المرسل إليه إلا في حالة القوة القاهرة، ولما كان الثابت في قضية الحال أن قضاة الموضوع أبرزوا أن العاصفة لم تكن غير متوقعة باعتبار أن النقل تم في فصل الشتاء، وصرحوا أن مسؤولية الناقل ثابتة طبقا للمادة 802 من القانون البحري، وأن قاضي أول درجة أصاب في حكمه، وقد تبنوا ضمنيا أسباب ذلك الحكم الذي أبرز أن العاصفة لم تكن غير متوقعة، إذ أن النقل تم في شهر فيفري أي في فصل الشتاء وأن رداءة الطقس تشكل حالة عادية بالنسبة للملاحين>>[57]
ثانيا: قرينة وجود السبب ومشروعيته:
يعتبر السبب ركن في الالتزامات العقدية، إذ يشترط القانون أن يكون لكل إلتزام عقدي سبب تبرره ويشترط فيه شرطين، أن يكون موجودا، ومشروعا ، وإلا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا طبقا لنص المادة 97 من القانون المدني الجزائري ، ولقد أقام المشرع قرينة قانونية إفترض بها أن لكل إلتزام تعاقدي سبب مشروع إلى غاية إثبات العكس، وهو ما تناولته المادة 98 من ذات القانون التي مفادها أن السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتي يقوم الدليل على ما يخالف ذلك.
ويتبين من هذه المادة أن المشرع فرق بين حالتين تتعلق بإثبات السبب، حيث إفترض قيام السبب بموجب قرينتين قانونيتين هما:
1- قرينة وجود السبب المشروع التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 98 مدني والتي تقوم عند عدم ذكر سبب الالتزام في السند المثبت لهذا التصرف، هنا فما على الدائن إلا أن يثبت مبلغ الدين الذي يطالب به حتى تقوم قرينة قانونية على أن للدين سببا مشروعا.
وهي قرينة بسيطة يجوز للمدين أن ينقضها إما بإقامة الدليل على انتقاء سبب الدين، أو على عدم مشروعية السبب.
2- قرينة صحة السبب المذكورة في العقد المقررة في الفقرة الثانية من المادة السابقة، التي مفادها أن السبب المذكور في العقد هو الصحيح، فإذا ادعى المدين خلاف ذلك وجب عيه أن يثبته، فإن كان السبب الحقيقي الذي يدعيه المدين سببا مشروعا وجب عليه أن يثبت ذلك بالكتابة لأنه لا يجوز إثبات عكس ما هو ثابت بالكتابة إلا بالبينة والقرائن القضائية، أما إذا ادعى وجود سبب آخر للالتزام وكان غير مشروع، فإنه يجوز له إثبات ذلك بكافة الطرق، لأن الصورية في هذه الحالة تخفي احتيالا على القانون .
بالإضافة إلى هاتين القرينتين، توجد قرائن قانونية أخرى في القانون المدني الجزائري نذكر منها قرينة الخطأ في مسؤولية متولي الرقـــابة المنصوص عنها في المادة 134 و 135 ، وقرينة الخطأ في المسؤولية عن تهدم البناء طبقا للمادة 140/02 ، وقرينة التبرع في تصرفات المريض مرض الموت المنوه عنها في المادة 776 من ذات القانون ونظرا لتعدد القرائن البسيطة فإنه يصعب حصرها جميعا واكتفينا بالإشارة إلى بعضها فقط.

المطلب الثاني: إثبات عكس القرينة القانونية غير القاطعة

إن دراسة كيفية إثبات عكس القرينة القانونية غير القاطعة، يستوجب منا معرفة محل إثبات العكس فيها أي على ماذا ينصب هذا الإثبات، ثم معرفة الوسائل المقبولة قانونا لذلك، وكذا تبيان لدور القاضي في الإثبات بالنسبة لهذا النوع من القرائن القانونية، سواء دوره في تطبيقها أو في إثبات عكسها.

الفرع الأول: محل إثبات العكس في القرينة القانونية غير القاطعة

يتميز إثبات العكس في القرينة القانونية بطبيعة خاصة، لأن القرينة القانونية تقوم على صفة العموم والتجريد باعتبارها مقررة بنص قانوني، إذ لا يمكن إثبات عكسها إلا بإلغائها تماما في عمومها باعتبارها مقررة بنص تشريعي لا يمكن إلغاؤه إلا بتشريع يماثله، وعليه فليس لمن يريد إثبات عكسها إلى خيارين هما:
- أن ينفي تحقق شرط القرينة غير القاطعة، بنفيه للواقعة البديلة التي ارتبطت بها القرينة، و ذلك إما بإثبات عدم قيلم الواقعة البديلة أصلا، أو أن الواقعة مشوبة بعيوب تجعلها غير منتجة في نظر القانون.
- فإن عجز عن إثبات ذلك لجأ للخيار الثاني، وهو إثبات عكس النتيجة المقررة في القرينة ذاتها وذلك عن طريق إثبات عدم التطابق التام بين ما تقرره القرينة بصفة عامة مع ما هو حاصل فعلا في الواقع.
ويختلف الأمر هنا ما بين القرينة غير القاطعة البسيطة والقرينة غير القاطعة النسبية، ففي الأولى، فالخصم الذي وضعت القرينة ضده حر في إثبات أية واقعة يراها مناسبة لنقص القرينة، بشرط أن تكون مقبولة ومقنعة للقاضي ومقررة بأدلة إثبات قوية، أما في الثانية يجبر الخصم بإثبات وقائع محددة مسبقا من طرف المشرع، والتي رأى فيها أنها هي وحدها المنتجة في إثبات العكس، فلا يستطيع المتقاضي إثبات وقائع أخرى، وبالتالي فإن المشرع لم يترك أية حرية في إثبات عكسها من حيث الوقائع التي ينصب عليها الإثبات، إلا أنه سواء كان المتقاضي حر أو مقيد من حيث ما يجب إثباته لدفع القرينة، فإن عمله يبقى ناقصا ما لم يدعم إدعائه بأدلة كافية ومقبولة قانونا لدحض القرينة، وعليه فإننا نتساءل عن وسيلة الإثبات لدفع القرينة غير القاطعة.

الفرع الثاني : أدلة إثبات عكس القرينة القانونية غير القاطعة

القرينة القانونية غير القاطعة تخضع لمبدأ مقارعة الدليل بالدليل طبقا لنفس المادة 32 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري، وذلك باعتبارها دليلا غير مباشر. وطبقا للقاعدة العامة في الإثبات فإنه يجوز إثبات عكس القرينة بدليل قوة مطلقة[58]، فتنقض القرينة بإقرار ممن قررت القرينة لمصلحة أو بنكوله عن اليمين الحاسمة بعد توجيهها له، كما يثبت عكسها بالدليل العكسي أو بمبدأ الثبوت بالكتابة من كان معززا بالبينة أو القرائن القضائية، فإذا استحال تقديم الدليل الكتابي فيما كان يجب إثباته بالكتابة، فيثبت عكسها بشهادة الشهود وبالقرائن القضائية طبقا لنص المادة 336 والمادة 340 من القانون المدني الجزائري.
ومهما كان محل الإثبات الذي تقيمه القرينة، ومهما كانت قيمته، فانه يجوز للمتقاضي إثبات عكسها بالأدلة السابقة الذكر، مادام المشرع لم يحدد مجال لعمل القرينة غير القاطعة إذ تستعمل في إثبات الوقائع المادية كما تستعمل في إثبات التصرفات القانونية مهما كانت قيمتها.
و لقد ثار إشكال بين الفقهاء في حالة ما استعملت القرينة القانونية غير القاطعة في إثبات تصرف قانوني تزيد قيمته عن مئة ألف دينار جزائري، فهل يتم تقضها بالبينة أم يجب الإلتزام بالقاعدة العامة، فلا يقبل نقضها إلا بالإقرار أو اليمين أو الكتابة[59] .
فمنهم من ذهب إلى جواز الإثبات بشهادة الشهود والقرائن القضائية في جميع الحالات طبقا بمبدأ المساواة في الإثبات، وجانب آخر ذهب إلى عدم جواز إثبات عكس القرينة القاطعة بشهادة الشهود ولا بالقرائن القضائية إلا في الحالات التي يجوز الإثبات بهما وفقا للقاعدة العامة لأن المشرع لم ينص على ما يخالف هذه القاعدة العامة[60] .
والرأي الأقرب إلى الصواب هو القائل بضرورة التقيد بالقاعدة العامة في الإثبات، فيجوز الإثبات بالشهود و القرائن القضائية متى كانت قيمة التصرف القانوني أقل من مئة ألف دينار جزائري، فإذا تجاوز هذا النصاب فلا يمكن إثبات عكس القرينة غير القاطعة إلا بالكتابة، أو بالإقرار أو باليمين الحاسمة، ذلك أن القانون جعل مجالا محددا للإثبات بشهادة الشهود و ذلك في حدود التصرفات التي لا تزيد قيمتها عن مئة ألف دينار جزائري، وهو ما نصت عليه في المادة 333/01 من القانون المدني الجزائري المعدلة بالقانون رقم 05/10 المعدل والمتهم للقانون المدني بقولها: <<في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته عن 100000 دينار جزائري أو كان غير محدد القيمة فلا يجوز الإثبات بالشهود في وجوده أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك>>، ولأن المشرع ساوى بين الإثبات بالبينة والإثبات بالقرينة القضائية بموجب نص المادة 340 من ذات القانون، وعليه فما يقال عن الإثبات بالبينة يقال كذلك عن الإثبات بالقرينة القضائية أو كما يجوز إستعمالها لإثبات وجود تصرف قانوني تزيد قيمته عن مئة ألف دينار جزائري، فلا يجوز كذلك إستعمالها لنفي هذه التصرفات.

الفرع الثالث: دور القاضي وسلطته في الإثبات بالقرينة القانونية غير القاطعة

للقاضي دور كبير في مجال الإثبات بالقرينة القانونية غير القاطعة، لكن في حدود سلطتة التقديرية من حيث تطبيقها ومن حيث تقدير ثبوت عكسها.
أولا : دور القاضي في تطبيق القرينة القانونية غير القاطعة:
القرينة القانونية ملزمة للقاضي وليس له أي سلطة لتقدير حجيتها، وذلك لإنها مقررة بنص القانون الذي يبين شروط انطباقها، فمتى توافرت هذه الشروط إلتزم القاضي بالأخذ بدلالتها.
ولأن الشروط التي تقوم عليها القرينة تتعلق بإثبات الواقعة البديلة ووسائلها، فإن هذه الوسائل القانونية يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة المحكمة العليا.[61]
لكن على الرغم من أن للقاضي دور سلبي في تطبيق القرينة القانونية، إذ يقتصر فقط على التحقيق من ثبوت الواقعة التي ربط بها المشرع القرينة القانونية، لكن هذا لا يمنعه من استخدام سلطته التقديرية بغرض الوصول إلى الحقيقة، كأن يستخلص من وقائع النزاع عنصر من عناصرها، لكن ذلك بشرط أن تكون هذه الواقعة قابلة للإثبات بالقرائن القضائية، وفقا للقواعد العامة في مجال الإثبات، فمثلا في قرينة الوفاء بالأجرة المنصوص عليها في المادة 499 من القانون المدني الجزائري، والتي اشترط المشرع لقيامها إثبات الواقعة البديلة و هي دفع المستأجر للأجرة اللاحقة، وفي هذه الحالة لا يوجد ما يمنع القاضي من أن يستخلص من واقعة ما في الدعوى قرينة قضائية يستدل بها على ثبوت وفاء المستأجر لأجرة المدة اللاحقة، وليس هذا تعدي لحجية القرينة القانونية المحددة قانونيا، وليس توسع في تفسيرها، وإنما يدخل في صميم الدور المنوط إليه للتحقيق من ثبوت الواقعة البديلة التي قررها المشرع وجعل دلالتها ثابتة.
ثانيا: دور القاضي في إثبات عكس القرينة القانونية غير القاطعة
لقد أعطى المشرع للقرينة القانونية غير القاطعة حجية بسيطة هي الإثبات، بحيث أنها تقبل إثبات العكس في جميع الحالات التي لا تكون فيها مطابقة لواقع النزاع، وتقدير ثبوت عكس القرينة من عدمه، من الأمور الموضوعية التي يرجع تقديرها لسلطة قضاة الموضوع، دون تعقيب عليهم من المحكمة العليا، ما دام تقديرهم مؤسس على أسباب موضوعية سائغة ومبررة، والقاضي حر فيما يراه، فإذا توصل بناءا على سلطته التقديرية إلى اعتبار أن الوقائع التي يحتج بها الخصم لا تمثل مبررا كافيا لإسقاط حجية قرينة المسؤولية التي تثبت ضده، فإن له كامل الحرية أن يرفض دفوع الخصم الذي يحتج بالقوة القاهرة من أجل دفع قرينة المسؤولية بعد تحري بناءا على سلطته التقديرية عدم توفر شروط القوة القاهرة .[62]
أما إذا اقتنع القاضي بما قدمه الخصم من دفوع واستخلص منها بما له من سلطته، وقائع يرى أنها تنطوي على حجية تفوق حجية القرينة، فلا يكون أمامه مانع أن يقر بثبوت عكس القرينة، ويرفض من ثم الحكم على أساسها من دون أن يعرض حكمه للنقض، ما دام أنه قد سبب حكمه تسبيبا كافيا[63] .
وسلطة القاضي التقديرية في إثبات عكس القرينة غير القاطعة، تختلف بحسب نوع القرينة، فإذا كانت القرينة غير القاطعة بسيطة فللقاضي استعمال سلطته التقديرية في جميع الوقائع التي يدفع بها الخصم، كما يجوز له أن يأخذ بالواقعة التي اقتنع بها، دون وقائع أخرى متى اقتنع بأنها منتجة في الدعوى وكافية لإثبات عكس القرينة، كما له أن يستبعدها جميعا متى توصل إلى نتيجة وأن حجيتها لا تصل إلى حجب القرينة، أما في القرينة غير القاطعة النسبية فدور القاضي في إثبات عكسها محدود لأن المشرع حدد فيها محل إثبات العكس، كما هو الشأن في قرينة العلاقة السببية بين الخطأ والضرر وقرينة مسؤولية متولي الرقابة، حيث يلتزم القاضي وبتقيد في بحثه وتحريه في حدود التأكد من مدى ثبوت الوقائع التي تمثل حالة من حالات السبب الأجنبي، وهذه المسائل قانونية يخضع فيها القاضي لرقابة المحكمة العليا.
الخــاتـمـــة:
من خلال دراستنا المتواضعة للقرائن القانونية كوسيلة إثبات في المواد المدنية، إكتشفنا ما لهذا الموضوع من أهمية لمجاله الواسع في التطبيق، والقرينة القانونية هي من صنع المشرع وحده، فالأساس الوحيد لها هو النص القانوني الذي يلزم القاضي والخصوم بتطبيقها كلما توفرت شروطها يغض النظر عن خصوصية النزاع وظروفه، ولقد أقامها المشرع على فكرة الإحتمال والترجيح وجعل نتيجتها عامة ومجردة بموجب النص التشريعي، وإن كانت القرينة القانونية تختلف عن باقي وسائل الإثبات الأخرى من حيث أنها آلية قانونية لا دخل للقاضي و للخصوم في وضعها، إلا أنها تشترك معها في كون كلاهما لا يقيم إلا الحقيقة الظاهرة للوقائع دون الحقيقة الباطنة، التي قد تكون مخالفة للحقيقة الواقعية .
ولقد انقسم الفقهاء إلى عدة آراء حول تكييف دور القرينة القانونية في الإثبات، فمنهم من يرى أنها تؤثر على عبئ الإثبات إذ هي تعفي من الإثبات إعفاء كليا بالنسبة للقرينة القاطعة، وإعفاء جزئيا بالنسبة للقرينة البسيطة، ورأي آخر ذهب إلى اعتبارها قاعدة من قواعد الإثبات، بينما ذهب الرأي الأخير إلى أنها دليل من أدلة الإثبات قائما بذاتها، وهي دليل غير مباشر تقوم على تحويل الإثبات من محل إلى آخر تيسيرا للإثبات، وهو الرأي الراجح على اعتبار وأن القرينة القانونية تعمل كما القرينة القضائية في الإثبات، فإن كانت تعفي من وضعت القرينة لمصلحة من إثبات الواقعة الأصلية التي هي محل النزاع، فإنها لا تعفيه من عبئ إثبات الواقعة البديلة التي حول إليها الإثبات.
وفي هذا المجال نجد المشرع الجزائري لم ينظم الأحكام الإجرائية الواجب إتباعها عند الإثبات بالقرينة القانونية، و اكتفى بتبيان أحكامها الموضوعية وقوة حجيتها في الإثبات في نصوص القانون المدني، و ذلك من خلال الفصل الثالث من الباب السادس تحت عنوان إثبات الإلتزام، حيث خصها بثلاثة مواد من المادة 337 إلى المادة 339 مدني جزائري، ولقد جعل المشرع للقرينة القانونية مجال مطلق في الإثبات، إذ يمكن إستعمالها في إثبات الوقائع المادية، كما يمكن كذلك في إثبات التصرفات القانونية ولو زادت قيمتها عن مئة ألف دينار جزائري أو كانت غير محددة القيمة، و ما دامت القرينة القانونية من عمل المشرع وحده فإن ذلك يعزز ثقة المتقاضين في عدالة القضاء والحفاظ على استقرار الأحكام و تماثلها. خاصة وأنها تفرض على القاضي تطبيقها متى تحققت شروطها دون أن تكون له سلطة تقديرية في ثبوتها وتقدير حجيتها، و هذا عكس القرينة القضائية التي للقاضي فيها سلطة تقديرية واسعة، من حيث تقدير ثبوتها من عدمه وحريته في الأخذ بها أو تركها.
والقرائن القانونية لا تتمتع بنفس الحجية في مجال الإثبات بها، لذلك فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، قرائن قانونية بسيطة وهي القابلة لإثبات عكسها بجميع الوسائل، قرائن قاطعة الدلالة لا تقبل إثبات عكسها إلا بالإقرار أو اليمين، وأخيرا القرائن القانونية النسبية وهي تقترب من القرينة القانونية البسيطة كونها تقبل إثبات العكس وتميل إلى القرينة القانونية القاطعة من حيث أنها لا تقبل إثبات عكسها إلا بوسائل محددو أو بإثبات وقائع معينة مسبقا.
والقرينة القانونية وإن كانت مقررة لمصلحة خصم دون آخر لتسهيل عملية الإثبات عليه، وحماية الطرف الضعيف في الإثبات، إلا أنها قد تعمل في حالات لصالح الخصمين حيث تكون آلية لتوزيع المسؤولية بين المدعي والمدعى عليه، ومثال ذلك نجده في تطبيق مسؤولية حارس الشيء على سائقي السيارات في مجال حوادث المرور، إذ يستطيع كل واحد منهم التمسك بقرينة الخطأ المفترض ضد خصمه.
وبالرجوع إلى أحكام القانون المدني نجد أن المشرع الجزائري لم يضع معيارا خاصا بالقرينة القانونية القاطعة، كما أنه لم يراعي ما جاء به وأقره في نص المادة 337 من القانون المدني، على أن القاعدة في القرائن القانونية أنها قابلة لإثبات العكس إلا ما استثني بنص خاص، وهو ما يفهم منه أن الأصل هي القرينة القانونية غير القاطعة والإستثناء هي القاطعة الذي لا يكون إلا بنص قانوني خاص، حيث لم يلتزم بالنص مع كل قرينة قاطعة بأنها غير قابلة لإثبات العكس، وهذا ما يفتح مجال واسعا أمام الاجتهاد الفقهي وكذا القضائي لاستخلاص النصوص القانونية المقررة للقرائن القاطعة، وهو ما ينجر عنه غالبا إختلاف وتناقض النتائج المتوصل إليها بحسب إختلاف وجهة نظر كل فقيه وكل قاضي عند تقديره للقرينة القاطعة، بل ومنهم في بعض الأحيان من يجعل من القواعد الموضوعية تصنف على أنها قرائن قاطعة، لذلك وجب على المشرع الجزائري أن يعهد إلى النص صراحة مع كل قرينة قانونية يريد جعلها قاطعة بأنها غير قابلة لإثبات العكس.
وعموما فإن إثبات عكس القرينة القانونية لا يعني إلغاؤها، وإنما يقتصر الأمر على إبطال حجيتها في حالة خاصة تتعلق بظروف النزاع القائم فقط، لأن القرينة القانونية مقررة بموجب نص تشريعي لا يجوز إلغاؤها إلا بنص تشريعي آخر يماثله.
قائمة المراجـــــــع:
* المراجع باللغة العربية:
1) الدكتور أحمد نشأت، رسالة الإثبات، الجزء الثاني، الطبعة السادسة، سنة 1997.
2) الدكتور إسماعيل غانم، أحكام الالتزام والإثبات، القاهرة، طبعة سنة 1968.
3) الدكتور الغوثي بن ملحة، القانون القضائي الجزائري، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، سنة 1982.
4) الدكتور بلحاج العربي، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري، الجزء الأول، ديوان المطبوعات الجامعية، سنة 1994.
5) الدكتور توفيق حسن فرج، قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية، الدار الجامعية، سنة 1980.
6) الدكتور جلال علي العدوي، أصول أحكام الالتزام والإثبات، منشأة المعارف، سنة 1996.
7) الدكتور حسن عكوش، المسؤولية المدنية في القانون المدني الجديد، مكتبة القاهرة الحديثة، الطبعة الأولى، سنة 1957.
8) الدكتور رمضان أبو السعود، أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية، النظرية العامة في الإثبات.
9) الدكتور عبد الحكم فودة، القرائن القانونية والقضائية في ضوء مختلف الآراء الفقهية وأحكام محكمة النقض، دار الفكر و القانون، سنة 2006.
10) الدكتور عبد الحكم فودة، موسوعة الإثبات في المواد المدنية والتجارية والشرعية في ضوء الفقه وقضاء النقض حتى سنة 1995، الجزء الثاني، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية، سنة 1997.
11) الدكتور عبد الحميد الشواربي، القرائن القانونية والقضائية في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية، منشأة المعارف الإسكندرية، سنة 2003.
12) الدكتور عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الأول، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
13) الدكتور السنهوري، الوسيط، الجزء الثاني.
14) الدكتور سمير عبد السيد تناغو، النظرية العامة للقانون، منشأة المعارف بالإسكندرية سنة 1986.
15) الدكتور محمد زهدور، الموجز في الطرق المدنية للإثبات بالتشريع الجزائري وفقا لآخر التعديلات، طبعة 1991.
16) الدكتور محمود محمد هاشم، القضاء ونظام الإثبات في الفقه الإسلامي والأنظمة الوضعية، جامعة الملك سعود الرياض، سنة 1988.
17) الدكتور مرقس سليمان، أصول الإثبات وإجراءاته في المواد المدنية في القانون المدني المصري، دار الكتاب الحديث، القاهرة، سنة 1991.
18) الأستاذ مسعود زبدة، القرائن القضائية، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، سنة 2001 .
19) الدكتور يحيى بكوش، أدلة الإثبات في القانون المدني الجزائري و الفقه الإسلامي، الطبعة الثانية، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، سنة 1988 .
* محاضرات ومقالات:
1- الأستاذ ملزى عبد الرحمان، محاضرات في طرق الإثبات في المواد المدنية، المدرسة العليا للقضاء (الدفعة 16) سنة 2006.
2- الأستاذ عوض محمد عوض المر، القرينة و القاعدة الموضوعية، مجلة إدارة قضايا الحكومة، السنة الخامسة، العدد الثاني، سنة 1961.
* المجلات القضائية:
- مجلة الإجتهاد القضائي، سنـــة 1987.
- المجلة القضائية، العدد الثاني، سنة 1990.
- المجلة القضائية، العدد الثالث، سنة 1993.
- المجلة القضائية، العدد الثاني، سنة 1998.
- المجلة القضائية، العدد الأول، سنة 2000.
- مجلة الإجتهاد القضـائي، سنــة 2004.
القوانيـــــن:
- الأمر رقم 66-154 المؤرخ في 18 صفر عام 1386، الموافق لـ 08 يونيو سنة 1966، المتضمن قانون الإجراءات المدنية.
- الأمر 75-58 المؤرخ في 20 رمضان 1395، الموافق لـ 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني المعدل والمتهم بالأمر رقم 05-10 المؤرخ في 20 جوان 2005.
- الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 20 رمضان 1395 ، الموافق ل26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون التجاري المعدل و المتمم .
- القانون رقم 84-11 المؤرخ 09 رمضان 1404 ، الموافق لـ 09 يونيو 1984 المتضمن قانون الأسرة المعدل والمتمم بالأمر 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005.
الفهرس
العناوين
مقدمة...................................................................................ص 1
الفصل الأول: ماهية القرينة القانونية وطبيعتها..........................................ص 6
المبحث الأول: تعريف القرينة القانونية و بيان عناصرها................................ص 6
المطلب الأول: تعريف القرينة القانونية..................................................ص 6
الفرع الأول: تعريفها لغة و اصطلاحا...................................................ص 6
الفرع الثاني: تعريف التشريع للقرينة القانونية............................................ص 7
المطلب الثاني: عناصر القرينة القانونية..................................................ص 8
الفرع الأول: عنصر الغالب الوقوع......................................................ص 9
الفرع الثاني: عنصر القرار............................................................ص 10
المبحث الثاني: خصائص القرينة القانونية و طبيعة عملها في الإثبات..................ص 14
المطلب الأول: خصائص القرينة القانونية..............................................ص 14
الفرع الأول: القرينة القانونية أساسها النص القانوني....................................ص 14
الفرع الثاني: خاصية التجريد و التعميم................................................ص 17
الفرع الثالث: خاصية الإلزام...........................................................ص 17
الفرع الرابع: الخاصية الإستثنائية في القرينة القانونية..................................ص 19
المطلب الثاني: طبيعة عمل القرائن القانونية في الإثبات................................ص 20
الفرع الأول: القرينة القانونية إعفاء من الإثبات........................................ص 20
الفرع الثاني: القرينة القانونية قاعدة من قواعد الإثبات..................................ص 22
الفرع الثالث: القرينة القانونية دليل من أدلة الإثبات غير المباشرة.......................ص 23
الفصل الثاني: تقسيم القرائن القانونية.................................................ص 25
المبحث الأول: القرينة القانونية القاطعة...............................................ص 25
المطلب الأول: إرتباط القرينة القانونية القاطعة بفكرة الإثبات وعلاقتها بالنظام العام.....ص 26
الفرع الأول: إرتباط القرينة القانونية القاطعة بفكرة الإثبات.............................ص 26
الفرع الثاني: علاقة القرينة القانونية القاطعة بالنظام العام...............................ص 28
المطلب الثاني:. نقض القرينة القانونية القاطعة.........................................ص 30
الفرع الأول: نقض القرينة القانونية القاطعة بالإقرار و اليمين...........................ص 30
الفرع الثاني: أساس إستبعاد تطبيق القرينة القانونية القاطعة.............................ص 32
الفرع الثالث: تطبيقات لبعض القرائن القانونية القاطعة..................................ص 32
المبحث الثاني: القرينة القانونية غير القاطعة..........................................ص 38
المطلب الأول: حجية القرينة القانونية غير القاطعة ومجال عملها.......................ص 38
الفرع الأول: حجية القرينة القانونية غير القاطعة.......................................ص 38
الفرع الثاني: مجال عمل القرينة القانونية غير القاطعة..................................ص 40
الفرع الثالث: تطبيقات لبعض القرائن القانونية غير القاطعة.............................ص 41
المطلب الثاني: إثبات عكس القرينة القانونية غير القاطعة...............................ص 44
الفرع الأول: محل إثبات العكس في القرينة القانونية غير القاطعة.......................ص 44
الفرع الثاني: أدلة إثبات عكس القرينة القانونية غير القاطعة............................ص 45
الفرع الثالث: دور القاصي و سلطته في الإثبات بالقرينة القانونية غير القاطعة..........ص 46
الخاتمة..............................................................................ص 48
قائمة المراجع.........................................................................ص 50
________________________________
[1] د. محمود محمد هاشم-القضاء ونظام الإثبات في الفقه الاسلامي و الأنظمة الوضعية–عمادة شؤون المكتبات-جامعة الملك سعود-الرياض-سنة88-ص311
[2] محمد زهدور-الموحز في الطرق المدنية للاثبات في التشريع الجزائري وفقا لآخر التعديلات- طبعة1991- صفحة 85.
[3] الدكتور رمضان أبو السعود-أصول الاثبات في المواد المدنية والتجارية –النظرية العامة في الاثبات –صفحة 188 و 189.
[4] الدكتور مرقس سليمان–أصول الاثبات واجراءاته في المواد في المواد المدنية في القانون المدني المصري- دار الكتاب الحديث- القاهرة-سنة1991-ص103
[5] الأستاذ يحي بكوش- أدلة الاثبات في القانون المدني الزائري والفقه الاسلامي- المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر-الطبعة2-سنة 1988- صفحة 335.
[6] الأستاذ مسعود زيدة - القرائن القضائية –المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر- سنة 2001-صفحة28.
[7] ـ الدكتور عبد الحميد الشواربي- القرائن القانونية والقضائية في المواد المدنية والجنائية والأحوال الشخصية –منشأة المعارف بالأسكندرية- سنة2003- ص64.
-[8] الأستاذ عوض محمد عوض المر- القرينة والقاعدة الموضوعية –مجلة إدارة قضايا الحكومة- السنة الخامسة-العدد الثاني- سنة1961- صفحة28.
[9] - الدكتور عبد الحكم فودة-موسوعة الإثبات في المواد المدنية والتجارية والشرعية في ضوء الفقه وقضاء النقض حتى سنة 1995، الجزء02 سنة1997دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية-صفحة 239
[10] - الدكتور يحي بكوش- المرجع السابق – ص360.
[11] الدكتورعبد الحكيم فودة- نفس المرجع، ص294.
[12] )الدكتور عبد الحكيم فودة، موسوعة الإثبات في المواد المدنية والتجارية والشرعية ص 292.
[13] الدكتور يحي بكوش – المرجع السابق- ص 361.
[14] الدكتور عبد الحميد الشواربي- المرجع السابق ص 67
[15] ا-لدكتورعبد الحكيم فودة- القرائن القانونية والقضائية في ضوء مختلف الآراء الفقهية وأحكام محكمة النقض- دار الفكر والقانون سنة2006 ص15.
[16] -الدكتور بلحاج العربي- الوجيز في شرح قانون الاسرة الجزائري- الجزء الاول- ديوان المطبوعات الجامعية سنة 1994، ص 192.
[17] -المحكمة العليا، غرفة الاحوال الشخصية، قرار صادر بتاريخ 15/06/1999 ملف رقم 674 ص299
[18] ا-لدكتور عبد الحكيم فودة، موسوعة الإثبات في المواد المدنية والتجارية- ص 239.
[19] -الاستاذ عبد الحكيم فودة- نفس المرجع- ص 293.
[20] -عبد الحكيم فودة، القرائن القانونية والقضائية.صفحة15
-[21] الدكتور عبد الرزاق السنهوري- الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء 02 -دار احياء التراث العربي، بيروت-ص 15
-[22] عبد الحيكم فودة- القرائن القانونية و القضائية - صفحة 16.
[23] - الدكتور رمضان أبو السعود- المرجع السابق - ص 189.
[24] - الدكتور يحي مكوش- المرجع السابق - ص 370.
[25] - الدكتور- عوض محمد المر - المرجع السابق - ص 21.
[26]- الدكتور مرقس سليمان- المرجع السابق-صفحة 134
[27]- الاجتهاد القضائي- الغرفة القضائية- الجزء الثاني- قسم الوثائق- 2004 - ص 133
[28]- الدكتور جلال العدوي- أصول أحكام الالتزام والإثبات- منشاة المعارف سنة 1996 - صفحة 287.
[29] - الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري- المرجع السابق- الجزء الثاني- صفحة 600 - هامش(1) صفحة 134.
[30] - الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري- المرجع الساق- الجزء الثاني- صفحة 202
[31]- الدكتور أحمد نشأت- رسالة الإثبات- الجزء الثاني- الطبعة السادسة- سنة 1997 - صفحة 191
[32] عبد الحكم فودة- القرائن القانونية والقضائية- صفحة 23.
[33] الدكتور عبد الحكم جودة- نفس المرجع - صفحة 24
[34]- الدكتور إسماعيل غانم- أحكام التزام والإثبات- طبعة سنة 1986- القاهرة- صفحة 239.
[35]- الدكتور إسماعيل غانم- نفس المرجع- 239.
[36]- الدكتور سمير عبد السيد تناغو، النظرية العامة للقانون- منشأة المعارف بالاسكندرية، سنة 1986، ص 392.
[37] - الاستا ملزي عبد الرحمان، محاظرات في طرق الاثبات في المواد المدنية بالمدرسة العليا للقضاء، الدفعة 16.ص 25.
[38] - رمضان ابو السعود ، المرجع السابق، ص 184 و 185.
[39] - جلال علي العدوي- المرجع السابق- ص 280 - 282
[40] الدكتور يحي بكوشي- المرجع السابق- صفحة 368.
[41] - الأستاذ عوض محمد المر – المرجع السابق – صفحة 23.
[42] - السنهوري – الوسيط- الجزء الثاني- ص 613 و614 .
[43] - الدكتور توفيق حسن فرح – قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية- الدار الجامعية سنة 1980 – ص139-140.
[44] - الدكتور الغوتي بن ملحة – القانون القضائي الجزائري- الجزء الأول- ديوان المطبوعات الجامعية سنة 1994.ص149-150.
[45] - الدكتور محمد زهدور- المرجع السابق- صفحة87 .
- [46] الدكتور رمضان أبو السعود- المرجع السابق- صفحة200.
[47] - السنهوري – المرجع السابق- الجزء الثاني - صفحة614 .
[48] الأستاذ محمد عوض المر- المرجع السابق- ص25.
[49] - المجلس الأعلى- الغرفة المدنية - ملف رقم 27429 - مجلة الاجتهاد القضائي – سنة 1987- ص18.
[50] - الأستاذ بلحاج العربي - المرجع السابق - صفحة 200.
[51] - الدكتور محمد زهدور - المرجع السابق - صفحة 30 و91.
[52] - المجلس الأعلى - الفرقة المدنية- قرار بتاريخ 15/11/1989 - ملف رقم 54168- المجلة القضائية.
[53] - السنهوري- المرجع السابق - الجزء الأول - صفحة 951.
[54] - الدكتور محمد زهدور- المرجع السابق - صفحة 87.
[55] -الد كتور رمضان أبو السعود – المرجع السابق - 210.
1- حسن عكوش- المرجع السابق - صفحة 143.
[57] - المحكمة العليا- الغرفة التجارية والبحرية- قرار بتاريخ 19/5/1991- ملف رقم 77660.
[58] - السنهوري - المرجع السابق - الجزء الثاني - صفحة 626 .
[59] - مرقس سليمان - المرجع السابق - صفحة 131 .
[60] - السنهوري - نفس المرجع - صفحة 627 - الأستاذ يحي بكوش - المرجع السابق - صفحة 367 .
[61] - عوض محمد عوض المر - المرجع السابق - صفحة 38 .
[62] - المحكمة العليا - الفرقة المدنية- ملف رقم 53010 - قرار بتاريخ 25/05/1988 - المجلة القضائية - العدد الثاني- سنة 1998 - صفحة 11.
[63] - يحي بكوش - المرجع السابق - صفحة 370 .

0 تعليق:

إرسال تعليق