شويش هزاع علي المحاميد
الملخص
إن الفقه الإسلامي بما يقوم عليه من أصول صحيحة وكثيرة جعلته صالحاً للتطبيق في كل زمان ومكان قابلاً للنماء في جوانبه المختلفة وللتدليل على هذا النماء وقابلية التطبيق والقدرة على مواكبة المستجدات، يتناول هذا البحث الجوانب التي ظهر فيها التجديد الشكلي والتجديد المتفق مع الأصول التي قام عليها الفقه الإسلامي والخارج عنها ليعطي صورة أشمل لهذا الموضوع.
ولغايت الترتيب والتبويب فقد جاء البحث متناولاً العوامل التي أثرت في تجديد الأحوال الشخصية سواء كان منها العوامل العامة كالتطور العلمي والأوضاع السياسية والاجتماعية وحركات تحرير المرأة أو العوامل الخاصة كطبيعة الأحوال الشخصية والالتزام المذهبي والتطبيق العملي له.وقد أثمرت هذه العوامل نوعين من التجديد أولهما التجديد الشكلي كالتقنين والتأليف.
وثانيهما: التجديد الموضوعي: بالاستفادة من جميع المذاهب الفقهية والاجتهاد في المسائل المستجدة.
وخلص البحث إلى بيان آثار التجديد على مباحث الأحوال الشخصية الإيجابي منها والسلبي وارشد إلى مجموعة ضوابط ينبغي مراعاتها في التجديد. وأوصى البحث بمزيد من البحث والدراسات حول الموضوع والالتزام بالضوابط الشرعية عند التجديد وعدم متابعة أصحاب الأهواء الذين لا ينطلقون في دعاواهم من أسس صحيحة.
Abstract
The Islamic Jurisprudence is which based on truthful and various foundations makes it fit to be applicable at any time or place and is capable of being developed in all it's parts. To justify this, research deals with the parts that show the renewal in the civil status issues. It is not limited to the substantive renewal but it included the context renewal that goes with the principles which the Islamic jurisprudence is based upon in order to give more comprehensive picture to the subject. For the purposes of ordering and indexing, the research handles the factors that affect the renewal of the issues of civil status.
These factors include scientific development, political and social environments, and nature of civil status. These factors yielded two type of renewal: Firstly, the context renewal likes codification and authoring; secondly the substantive renewal by having all the benefits from the jurisprudence doctrines and to derive solutions concerning new issues. This research concluded by showing the effects that the renewal has on the status of civil issues together with a group of instructions.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد..
فإن مباحث الأحوال الشخصية من أكثر جوانب الفقه الإسلامي نماءً في الدور الأخير للفقه الإسلامي، جاء ذلك نتيجة لعوامل عدة، وأثمر هذا النماء عن تجديد ما في الشكل والموضوع لهذه المباحث.
مشكلة الدراسة:
1. جاءت هذه الدراسة لتتناول الأسباب والعوامل التي كانت وراء نماء مباحث الأحوال الشخصية, والآثار التي ترتبت على هذا النماء، ومدى انسجامها مع روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة، وقيامها على أصولها المقررة.
2. الرّد على شبهة استغلها عدد من المستشرقين، توصلوا من ملاحظة النماء في مباحث الأحوال الشخصية إلى إمكانية إخراج الفقه الإسلامي من ثوبه الذي هو فيه، بل خروجه كلياً عن الأصول التي قام عليها وللرد على هذه الفرضية، تناولت الدراسة ضوابط التجديد في مباحث الأحوال الشخصية وأشارت إلى عدد من مواطن الخروج عن الأصول المرعية فيها، وهي قليلة.
3. ومن جانب آخر، تعالج هذه الدراسة ملامح الفقه الإسلامي في الدور الأخير، وبروزها في مباحث الأحوال الشخصية، كالاستفادة من المذاهب الفقهية، والتقنين. وهي بهذا تصلح مثالاً تطبيقياً على ملامح الفقه المعاصر، والذي يحتاج إلى مثل هذه الدراسة.
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى:
1. استخلاص قواعد التجديد، وأسبابه، وضوابطه في مباحث الأحوال الشخصية.
2. تحديد أساليب التعامل مع المشكلات التشريعية ومناهجها في مباحث الأحوال الشخصية.
3. الربط بين العوامل العامة والخاصة، وآثارها في التجديد على مباحث الأحوال الشخصية.
4. التمييز بين التبديل والتحريف للأحكام الشرعية من جهة، والتجديد في إعادة الصياغة ووضع الحلول للمستجدات في مباحث الأحوال الشخصية من جهة أخرى، والتحذير من الانسياق وراء الدعوات المغرضة، والمشبوهة.
أهمية الدراسة:
تنبع أهمية هذه الدراسة من أنها:
1. تعطي أنموذجاً لحياة المسلم، ومواكبة الأحكام الشرعية، لما يواجهه من مستجدات وأثرها على حياته الخاصة.
- تدرس التجديد، فتبين بعض صوره، وأشكاله، وإيجابياته، وسلبياته.
- تخدم رجال الشريعة والقانون في محاولاتهم المستمرة لتطوير قوانين الأحوال الشخصية والاستجابة للمستجدات التي تحدث.
- تعطي أنموذجاً يمكن تطبيقه على جوانب أخرى من الفقه، ودراسة للتجديد فيها، وأسبابه وآثاره، ومدى انضباطه بالأصول التي يبنى عليها الفقه.
فرضيات الدراسة:
تقوم هذه الدراسة على الفرضيات الآتية:
1. إن التجديد في مباحث الأحوال الشخصية – محل الدراسة – نشأ في ظل مجتمعات لا تحتكم غالباً إلى شريعة الإسلام.
2. إن هذه الدراسة فرع من فروع علم تاريخ الفقه الإسلامي المعاصر، فهي دراسة تاريخية تحليلية.
3. إن التجديد في مباحث الأحوال الشخصية موجود علمياً في جانب الاجتهاد في المسائل المستجدة وفي الجانب الشكلي، وفي القناعة الحية للمسلمين بالاحتكام إلى الشرع الإسلامي، ويمكن اعتبار التغيير والانتقال من مذهب إلى آخر نوعاً من التجديد.
الجهود السابقة، ومراجع الدراسة:
ظهرت مئات الدراسات في الأحوال الشخصية، وارتبطت هذه الدراسات بما هو مطبق في بلد صاحب الدراسة، وبالحقبة التاريخية التي كتب فيها، والتغير في التناول بين عالم وآخر أمر يعتمد على سعة اطلاعه، ومنهجه في البحث، وهدفه منه، لكن الملاحظ أن تعابير الدارسين، والمسائل المطروحة للبحث، تنبئ أحياناً عن الفترة التاريخية التي كتب فيها.
لقد استفدت من دراسات كثيرة في هذا المجال منها:
1. قوانين الأسرة بين عجز العلماء وضعف النساء، للدكتور سالم البهنساوي، طباعة دار آفاق الغد، القاهرة، ط1/1980م.
2. في منهجية التقنين، للدكتور محمد كمال الدين إمام، دار المطبوعات الجامعية/الاسكندرية، 1997م.
ومن المقالات:
1. اختيار مدونة الأحوال الشخصية، للدكتور عبدالسلام العسري، مجلة دار الحديث الحسينية، العدد 8، سنة 1410 هـ - 1990م.
2. التشريع الإسلامي في القرن الرابع عشر الهجري (دراسة ونقد)، للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة، العدد الأول، السنة الأولى/ 1393هـ - 1394هـ.
مصطلحات الدراسة:
استخدمت هذه الدراسة عدة مصطلحات، منها: الأحوال الشخصية، التجديد، أما الأحوال الشخصية، فيراد بها: "الأوضاع التي تكون بين الإنسان وأسرته، وما يترتب على هذه الأوضاع من آثار حقوقية، والتزامات أدبية أو مالية"(1).
وأول من استعمل هذا المصطلح من علماء الإسلام(2)هو محمد قدري باشا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي إذ سمى أحد كتبه بـِ "الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية"(3) ويتكون من 647 مادة ويدخل في هذا المصطلح أقسام ثلاثة:
1. أحكام الزواج، وما يترتب عليه من مهر، ونفقه، ونسب، ورضاع، وطلاق، وعدة وغيرها.
2. أحكام الأهلية، والحجر، والوصايا على الصغير وغيره، والوصية وأنواعها.
3. أحكام الإرث وما يتعلق به(4).
وكانت كتب الفقه تتناولها في مباحث مستقلة، وجاءت غير متتابعة من حيث الترتيب في تبويبات هذه الكتب.
خصائص مباحث الأحوال الشخصية:
ومباحث الأحوال الشخصية لها الخصائص الآتية:
1. بنيت معظم أحكامها على النصوص، بمعنى كثرة النصوص التفصيلية فيها، ففيها سبعون آية(5)، ومئات الأحاديث، واستناداً إلى هذه الخاصية، فمجال الاجتهاد في تطبيقها أوسع في مجال الاجتهاد في معالجة المستجدات منها.
2. تعتبر من النظام الشرعي العام الذي لا يترك للأفراد حرية الالتزام به، أو عدمه، وإن جاز لغير المسلمين أن يلتزموا في الأحوال الشخصية وفق دياناتهم، إلا أنه لا يجوز للمسلمين أن يتفقوا على خلاف ما هو منصوص عليه في أحكام الأحوال الشخصية(6).
3. حظيت مباحث الأحوال الشخصية بالتطبيق في الوقت الذي استعيض عن الأحكام الشرعية بأحكام وضعية في الجوانب الأخرى من الفقه الإسلامي في معظم الدول الإسلامية وترتب على تطبيقها استمرارها ونماؤها، وحلها لما يعترض التطبيق من مشاكل واستفادتها من التغيرات الاجتماعية والعلمية التي تحصل.
4. حظيت مباحث الأحوال الشخصية بالتطبيق في حركة مستمرة، تأثرت بالمذهب السائد في كل بلد واستنبط عدد كبير من مواد قوانين الأحوال الشخصية من المذهب السائد، وإن خرجت عنه جزئياً، إلاّ أن النص على الأرجح من المذهب السائد في المسائل التي لم ينص عليها رسخ الالتزام المذهبي، في الوقت الذي استفاد التقنين من المذاهب الأخرى جزئياً، وفي بعضها ازدواجية فقهية بين مذهبين، ومحاولة توفيق بينهما وبين رغبة المدعي(7).
5. أعادت الجمع بين مواضيع فقهية متباعدة في الفقه، لتجعل منها موضوعاً واحداً وعظمت الجوامع بين هذه المواضيع، على أن ما يدخل في صلاحيات المحاكم الشرعية قد يتجاوز مواضيع الأحوال الشخصية، ليأخذ ماله صبغة دينية، كالدية، والردة – في جانب تعلقها ببطلان الزواج، لا إقامة الحد، والهبة، والوقف، ودخل عدد من الحدود في ولاية المحاكم الشرعية، كما في دولة الإمارات(8).
6. تفاوتت قوانين الأحوال الشخصية في شمولها لمفردات الأحوال الشخصية، فالقانون السوري شامل لكافة جوانب الأحوال الشخصية، وقانون الأحوال الشخصية الأردني لم يتناول كل مسائل الإرث.
كما تتفاوت هذه القوانين في السبق لمعالجة عدد من القضايا المستجدة، وحلّ المشاكل الناجمة عن تطبيق نصوص سابقة.
7. تدريسها في كليات الشريعة والقانون، وظهور المحاماة الشرعية.
8. تعرضت لهجمة شرسة من غير المتدينين، وبخاصة من النساء، ومع ذلك بقيت هذه القوانين – على الرغم من كل محاولات الهدم فيها -، لانسجامها مع الفطرة كونها مستمدة من النصوص الموحى بها من خالق البشر، الأعلم بما يناسبهم، ويصلحهم.
أما التجديد في مباحث الأحوال الشخصية، فيراد به معان أربعة، هي:
الأول: بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالمستجدات من مفردات هذا العلم، كإجراء عقد النكاح بوسائل الاتصال الحديثة، فيكون التجديد هنا رديفاً للاجتهاد – المصطلح الشرعي المعروف.
ثانياً: تبديل الأحكام الشرعية الثابتة في مباحث الأحوال الشخصية، والخروج عليها، وتغييرها استجابة لضغط الواقع، ولتتناسب مع أهواء البشر، كمنع تعدد الزوجات، ومنع الطلاق إلا بإذن القاضي، وهذا ليس من التجديد في شيء، بل هو هدم، والتجديد بناء وهذا تجاوز عن الإسلام، و التجديد انطلاق مرتكز على مبادئ الإسلام.
ثالثاً: إعادة عرض مباحث الأحوال الشخصية من حيث التبويب، والصياغة، وهو التجديد الشكلي، الذي يراعى فيه الأيسر والأقرب للناس، على اختلاف ثقافاتهم، كتقنين مباحث الأحوال الشخصية، وهو تجديد مطلوب مخاطبة للناس على قدر عقولهم.
رابعاً: إحياء الإسلام في نفوس أتباعه، وبيان ما يتعلق بالأحوال الشخصية من أحكام شرعية ليعملوا بها، وهذا تجديد في المسلمين، بعد أن مضت عليهم حقب من الزمان فترت فيها هممهم عن طلب العلم الشرعي، وبخاصة أحكام الإرث، والناس أحوج ما يكونون إلى تجديد من هذا النوع، وفي هذا المضمار تستخدم وسائل عدة، كتناول مسائل الأحوال الشخصية من منظور نفسي، أو اجتماعي، أو إحصائي أو مقارنتها مع غيرها من الأنظمة المشابهة لتحقيق الطمأنينة والقناعة فيها لدى المسلم.
وخلاصة القول، إن معان ثلاثة تدخل في اهتمامات هذه الدراسة، سوى التجديد بمعنى التبديل والتغيير، والذي رفضه أبو المجد بقوله: "التجديد لأمر الدين ومكانته، وسلطانه ليس تجديداً للدين نفسه"(10). ذلك لأن عناصر الثبات في الدين أمر في غاية الأهمية، وإلا تلوّن الدين بحسب أهواء الناس، وفي مباحث الأحوال الشخصية كان من أدلة الثبات التي يبنى عليها التجديد ما يأتي:
أ. قيام هذه المباحث على نصوص كلّية، وأخرى تفصيلية، انبنى عليها قواعد عامة لا يخرج التجديد عن دائرتها.
ب. المرجعية الثانية واضحة، فالإحالة على الراجح من المذهب السائد مادة تراها في قوانين الأحوال الشخصية تربط الجديد وما لم يذكر في القانون، بالراجح من المذهب السائد، والذي يستند إلى أصول وقواعد ثابتة معروفة أيضاً.
ج. ارتكاز التجديد على مصالح الأمة، ومن قبل علمائها المتمكنين في فهم مبادئها المنطلقين من أصول هذا الدين وقواعده، استلهاماً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"(11).
خطة الدراسة: تحتوي هذه الدراسة على مقدمة، وهي التي بين يديك، وتمهيد، وثلاثة مباحث، على النحو التالي:
المبحث الأول : العوامل المؤثرة على التجديد في مباحث الأحوال الشخصية.
ويحتوي على مطلبين:
المطلب الأول: العوامل العامة.
المطلب الثاني: العوامل الخاصة
المبحث الثاني : أنواع التجديد في مباحث الأحوال الشخصية، وملامحه
ويحتوي على مطلبين:
المطلب الأول: التجديد الشكلي.
المطلب الثاني: التجديد الموضوعي.
المبحث الثالث: آثار التجديد في مباحث الأحوال الشخصية، وضوابطه.
ويتكون من مطلبين:
المطلب الأول: آثار التجديد على مباحث الأحوال الشخصية.
المطلب الثاني: ضوابط التجديد في مباحث الأحوال الشخصية.
الخاتمة والتوصيات.
المرجع والفهرس.
المبحث الأول
العوامل المؤثرة على التجديد في مباحث الأحوال الشخصية
المطلب الأول: العوامل العامة
ويراد بها العوامل التي كان لها تأثير على مباحث الأحوال الشخصية وغيرها أتناولها في الفروع الآتية:
الفرع الأول: التطور العلمي
إن التسارع المضطرد في الابتكارات العلمية، وغزارة الدراسات الاجتماعية والطبية وغيرها، مكن البشرية من الوصول إلى كثير من الحقائق التي كانت تجهلهها في السابق، وفي جانب مباحث الأحوال الشخصية، كان للتطور العلمي أثر جلي فيها.
يبدو واضحاً في مسألة أطول مدة الحمل التي كان للاستناد إلى الحقائق العلمية دور في ترجيح مدة دون غيرها، ذلك أن مدة الحمل المنصوص عليها في كتب الفقه اعتمدت على التجربة والسماع، وعادات الشعوب التي عاش فيها الفقهاء الأجلاء، وورد فيها خمسة أقوال هي: سنتان، وأربع سنوات، وخمس سنوات، وسنة قمرية، وتسعة أشهر، ثم أخذ عدد من قوانين الأحوال الشخصية بأنها سنة شمسية(12).
قال الزحيلي: "وقد رئي في القوانين المعمول بها الاعتماد على رأي الأطباء، فاعتبر أقصى مدة الحمل سنة شمسية (365 يوماً)، ليشمل كل الحالات النادرة"(13).
وساعد التطور العلمي في ظهور مسائل تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي الذي يناسبها ففي باب النسب إضافة إلى الحل والحرمة – ظهرت مسألة أطفال الأنابيب، وفي الرضاع ظهرت بنوك الحليب، وغير ذلك.
الفرع الثاني: الوضع السياسي والاجتماعي
حكمت الدولة العثمانية بالشريعة الإسلامية، مختارة المذهب الحنفي في تطبيقها، ثم أزيلت الدولة العثمانية وحل محلها في كثير من البلاد الإسلامية احتلال من قبل الدول الكافرة التي أقصت تطبيق الشريعة الإسلامية، وأبقت على الأحوال الشخصية، لأسباب سيأتي ذكرها.
ولكنها ما فتئت تكون التوجهات العامة للمجتمع ليخرج بعيداً عن دينه(14) غير مكترث بالحلال والحرام، فانعكس ذلك على فهمه لدينه، وعلى مدى التزامه بتطبيقه على الوجه الصحيح وتأثر المسلمون بأخلاق المحتل وغدا التفتك الأسري والتشرد، وضياع الهوية سمات تظهر في الأسرة المسلمة بنسبة ما، وإن كانت غير مماثلة للأسرة في المجتمع الغربي إلا أن وجودها على ضآلته كوّن مشكلة اجتماعية تنذر بالخطر.
وعلى الصعيد السياسي، استقلت الدول الإسلامية، إلا أجزاء قليلة – إلا أن هذا الاستقلال السياسي بقي متأثراً بمفاهيم المحتل الأجنبي، وثقافته في كثير من الجوانب، واختيرت الطبقة الحاكمة من الطبقة المتأثرة بثقافة غير إسلامية.
وما برح الوضع عن مكانه، فأصبح التوجيه العام يلامس المشاكل في كل الجوانب ويبحث عن حلول الخارج، ويتخلى عن تطبيق الشريعة في جانب السلوك الفردي، والنظام الاجتماعي، والنظام العقابي.
فالزاني يزوج من المرأة التي ارتكب معها المعصية، بدل أن يأخذ جزائه الذي يستحق وتتكون أسرة قامت على غير أساس متين، ولم تقره أحكام الشريعة في الأحوال الشخصية و في غيرها، ثم تتابع المشاكل الأسرية، وتحلّل فيما بعد على أنها ثمار لتطبيق الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية، وهي منها براء.
والمثال السابق على قلة نسبة حصوله في المجتمع، إلا أنه يشير إلى إفرازات المجتمعات التي لم تطبق شرع الله في كل جوانب حياتها، والخلل الذي ينتابها، وبعد ذلك يطلب الحل من تشريع لم تكن هذه المشاكل ثمرة لتطبيقه، وليس هذا فحسب، بل يعاب عليه وجود هذه المشاكل، وهو منها براء، ويطالب بتغييره، وتبديله، أو تطويره للتخفيف من غلواء هذه المشاكل دون النظر إلى العوامل التي سببتها.
أضف إلى المثال السابق: التربية والتنشئة الاجتماعية التي غلّبت جانب المادة على القيم الدينية، فأصبح التغالي بالمهور، والزواج من أجل المال والجمال والنسب، يقدّم على الزواج من أجل الدين، هذا عند من يتبنون مثل هذه الأفكار، وما مشاكل الزواج والطلاق إلا في عقر دارهم.
فكيف تتحدث عن طاقة الزوجة لزوجها، والثواب الأخروي الذي ينتظرها، وكيف تتحدث عن خيرية الرجل لأهله اقتداءً بالرسول – عليه السلام – وكذا قوامته في مثل هذا المجتمع.
وفي المقابل ظهر في المجتمع من يلتزمون بمبادئ الإسلام، وينادون بتطبيقه، وأعطوا مثالاً للاقتداء، ولا تزال أعدادهم تتزايد – بحمد الله.
وعلى مستوى المجتمع والدولة، ظهرت توجهات تسعى لحماية الأسرة من غوائل المفاسد الاجتماعية التي أفرزتها الحضارة الوافدة، وتضع البدائل والحلول المفيدة، سواء كان ذلك بنشر الكتب والمجلات المتعلقة بالسعادة الزوجية، أم بعقد الندوات والمؤتمرات، أم بوضع العقوبات لمن يخطف طفلاً، أو يفسد العلاقة الزوجية... الخ.
والصراع بين الخير والشر مستمر، فكلما نجح أحدهما في جانب، ظهر ما يعيقه دون ذلك، وكان التغيير لصالح الخير بطيئاً، ذلك أنه مرتبط بمجتمع، وليس بفرد، وتخلي المجتمع عما اعتاده، مما تأباه النفوس، ولا تتقبل كل جديد إلا بصعوبة، مما يستلزم جهوداً أكبر في هذا المضمار.
يقول الشيخ أحمد إبراهيم: "ومع وضوح الأمر وجلائه، عدلت وزارة الحقانية عن الأخذ بغير المذاهب الأربعة، مراعية في ذلك الحالة النفسية والعقلية للأمة، وأنا على غير هذا الرأي، إذ الطبيب الحازم لا ينبغي أن يزعجه تململ المريض الذي فيه شفاه"(15).
ومن دواعي التجديد وأسبابه، تلك العادات والأعراف التي جاءت القوانين لتخفف من غلوائها، وتعيد الأمور إلى نصابها، كمنع الأب البنت من الزواج "العضل"، فأخذت بعض قوانين الأحوال الشخصية بجواز تزويج البنت نفسها منعاً من تحكم الأولياء(16).
الفرع الثالث: الاحتكار الحضاري
تلاقي الحضارات، وتعارف الشعوب سنة بشرية تنتهجها المجتمعات، فيتأثر الضعيف بالقوي، والمغلوب بالغالب، وتتفاعل لتنتج مزيجاً جديداً، وأحياناً تنجح نظرية العملة الرديئة في طرد العملة الجيدة، وأحياناً أخرى تظهر نماذج جديدة تحل محل القديم في آلية مستمرة.
هذا وإن صلح في جوانب الحياة العلمية الدنيوية، فإنه لا يقبل في الجوانب الاعتقادية، أو المرتبطة بها، كمباحث الأحوال الشخصية. ومع ذلك فإن الاحتكار الحضاري، والتأثر بما عند الغير من أفكار، كان وراء عدد من التعديلات التي حصلت على مباحث الأحوال الشخصية المطبقة(17).
يقول فرج: "والخطير في الأمر أن الذين نادوا بتعديل قانون الأحوال الشخصية، نادوا به تلبية لمفاهيم غير إسلامية، فدعوتهم كانت استجابة لميولهم إلى تقليد الأمم الأوروبية في هذا الاتجاه، أو تجنباً لاتهام الغربيين لهم بالتخلف لأن شريعة الإسلام تبيح تعدد الزوجات والطلاق، ولو كان ذلك للمصلحة. "فقد حدث في دورة ثقافية لسيدات السلك السياسي أن صرخت إحدى الزوجات في المؤتمر قائلة: إن أول وأهم ما يحرجنا في الخارج ويجرح كرامتنا، ما يوجّه إلينا من اتهام بلادنا العربية بالتخلف عن ركب الحضارة، وعلى الأخص في قوانين الأسرة، حيث يبيح الإسلام للرجل أن يعدد زوجاته الأمر الذي يعتبر جريمة كبرى تعاقب عليها القوانين الغربية، كما يبيح الإسلام أن يطلق زوجته كيف يشاء ومتى يشاء!!!!!!".
ومن هنا كانت حجج المطالبين بالتعديل وتبريراتهم مبنية على حتمية استنباط أحكام تتمشى مع روح العصر(18). فالتعديل الذي حدث في قوانين الأحوال الشخصية وما يطالب بتغييره منها جاء تلبية واستجابة لتقاليد الأمم الأخرى. ومهد له مهاجمة علماء الاجتماع الغربيين لنظام الأسرة في الإسلام في موضوع تعدد الزوجات والطلاق(19).
وتجاوب عدد من أبناء المسلمين معهم بتبني آرائهم في دراساتهم أو اقتراحاتهم للتصحيح والنهضة يقول الكوثري" ونرى اليوم بعض هؤلاء لا يهدأ لهم بال قبل أن يقضوا على البقية الباقية في المحاكم من الشرع باسم الشرع من مخاتلة مسايرة منهم للمرضى، ومتابعة لأهواء المستغربين من أبناء الشرق في حين أننا كنا نأمل من حلول عهد استعادة الحقوق كاملة غير منقوصة أن يعاد النظر في الأنظم كلها وأن يصلح ما يحتاج بمدد الفقه الإسلامي كما هو جدير بحكومة بيدها زعامة العالم الإسلامي(20)".
ويبين السباعي تأثر قانون الأحوال الشخصية بالقوانين الغربية في مسألة تحديد سن الزواج، فيقول : "وليس لهذا التحديد مستند من آراء الفقهاء، ولكنه أخذ عن القوانين الغربية وللغربيين بيئتهم، وأوضاعهم الخاصة"(21).
وساهم المستشرقون وتلاميذهم بحظ وافر في زعزعة الثقة بالأحكام الشرعية في مباحث الأحوال الشخصية، والعمل على تغييرها ولو تدريجياً. "فهذا الدكتور منصور فهمي يكتب أطروحة بعنوان (وضع المرأة وتطوراتها دا خل التقاليد الإسلامية) ينال بها درجة علمية في إحدى الجامعات الفرنسية سنة 1913م، ينهج فيها منهج النقد التاريخي العلمي المتحرر من الالتزام بحقيقة الوحي في تفسير سلوك النبي وعلاقاته وتشريعاته"(22).
وتستمر الحملة، فيظهر سلمان رشدي، ويكتب آياته الشيطانية ليطعن في واحدة من خصوصيات الرسول – عليه السلام – بتزوجه بأكثر من أربع نساء. وتتابعه نسرين البنغالية، ويفرض العالم حراسته لمن يهاجم الإسلام، ويتهكم بمبادئه وأحكامه، ليفرض وجهة نظر الغرب بكل الأساليب الخبيثة التي يمتلكها.
وتجدر الإشارة هنا إلى تفوق النظام الإسلامي بكل جوانبه على ما لدى الآخرين من أنظمة، وما أعطته الأحكام الشرعية للمرأة يفوق ما أعطته القوانين والأنظمة في دول الغرب وصرح بذلك الكثير، فالزواج في الغرب الذي يلغي اسم عائلة المرأة، ويقلل من أهميتها، لا تقره الأحكام الشرعية، ولا تعترف به.. الخ"(23).
الفرع الرابع: حركات تحرير المرأة والتنظيمات النسائية
بدأت حركات تحرير المرأة في العالم الإسلامي تقليداً للغرب، وثمرة للاحتكاك الحضاري به، (إلا أن إفرادها بالبحث كان للحجم الكبير التي أحدثته في التغيير في مباحث الأحوال الشخصية).
وقد بدأت هذه الحركات تظهر في العالم الإسلامي في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، وتبني رجال الدفاع عن المرأة، والمطالبة بحقوقها أيضاً، وكانت هنالك قضايا هامة تبنتها هذه الحركات، والتنظيمات النسائية أثمرت تحسيناً في وضع المرأة ورفع الجهل والظلم عنها.
ولا يهم هنا التأريخ لهذه الحركات والتنظيمات، بقدر ما يهم إبراز الجوانب التي طالبت بها هذه الحركات، وتأثر قوانين الأحوال الشخصية بها في تغييراتها المتلاحقة، وهذه جملة من المطالب التي نادت بها فيما يتعلق بمباحث الأحوال الشخصية:
1. إصلاح تطبيق القوانين الخاصة بالزواج(24).
2. وقاية المرأة من الظلم الذي يقع عليها من تعدد الزوجات(25).
3. وقاية المرأة من الظلم الذي يقع عليها من الطلاق(26).
4. رفع سن الزواج(27).
5. رفع سن حضانة الأم للولد(28).
6. ربط نفقة المرأة ومتعتها بعدد السنين التي قضتها المرأة في خدمة الرجل(29).
7. تعديل ميراث البنت الوحيدة، ليصبح كل التركة(30).
ومما يذكر على سبيل التندر، أن هنالك مطالب غاية في السوء، ولم تأت لصالح المرأة بل لتدميرها، وهدم الأسرة جميعها أيضاً، ومنها:
1. إلغاء مفهوم الأسرة، ولذلك كثر التفريق بين مصطلح النوع والجنس ليكون مدخلاً لجواز زواج الرجل بالرجل، والاعتراف بذلك دولياً(31).
2. تقرير الإباحية الجنسية، بالسماح بممارسة الفاحشة بعد سن السادسة عشر من عمر البنت وليس لوالديها عليها أي ولاية، ومعاقبة كل من يعترض على ذلك(32).
3. الدعوة إلى سن القوانين للتعامل مع حمل السفاح لتكون وثيقة دخول الحامل المستشفى هو كونها حاملاً دون أدنى مساءلة حول حملها من غير زوج، ثم تخير الفتاة بين رغبتها في الإجهاض، أو إن شاءت تبقيه فتُلزم سلطات الرعاية الاجتماعية برعايتها، وإن لم ترد رعايته فتدفع به لدور الرعاية(33).
4. المطالبة بتعدد الأزواج، ونسبة المولود إلى الأم بدلاً من الأب(34).
والمتتبع للمؤتمرات العالمية في مجال السكان، والنشاط المحلي في كل دولة يلحظ التوجهات العامة المنافية لمبادئ الإسلام، والسعي الحثيث نحوها ولو تدريجياً، توخياً لتحقيق الأهداف دون الاصطدام بردود الفعل التي ستذوب مع الزمن وفق مخططاتهم بنظرهم.
المطلب الثاني : العوامل الخاصة
الفرع الأول: طبيعة مباحث الأحوال الشخصية
لقد استعيض عن الأحكام الشرعية بأحكام وضعية في العقوبات وغيرها ولكن طبيعة مباحث الأحوال الشخصية حالت دون استبعادها من التطبيق لأسباب منها:
1. الصلة الوثيقة بين نظام الأسرة والعقيدة، من حيث الحل والحرمة، وعلاقته الوطيدة بحياة الإنسان من زواج، ونسب، وميراث.....، مما جعل أمر استبداله بشرعة لا دينية أمراً مستعصياً.
2. تكامل نظام الأسرة في الإسلام، وشموله لحياة الفرد وأحواله مما قبل الولادة إلى ما بعد الموت، وتناوله لمختلف أوضاع الناس وأحوالهم، ومراعاته لمصالح الفرد والمجتمع على سواء.
3. وجود مدونات ومشروعات قوانين متكاملة ومصاغة بصورة عصرية في معظم الأمصار العربية، والإسلامية، مما سهل الاطلاع على القواعد والنظم الإسلامية في مجال الأسرة على الطريقة القانونية الحديثة"(35).
ولطبيعة مباحث الأحوال الشخصية الخاصة، لم تتناول مسائلها المجامع الفقهية(36) الكبرى سوى مجمع الفقه الإسلامي في الهند، الذي تناول عدداً منها(37).
بينما كان حجم المسائل المتعلقة بمباحث الأحوال الشخصية كبيراً نسبياً في كتب الفتاوى(38)، ويكاد يكون العمل اليومي للمفتين هو الرد على فتاوى في مباحث الأحوال الشخصية وبخاصة الطلاق، وتأتي مسائل العبادات في المرتبة الثانية، أما المسائل الأخرى فقليلة(39).
وسبقت الإشارة إلى جوانب أخرى في طبيعة مباحث الأحوال الشخصية، وهي شمولها بالنصوص الشرعية التي تناولتها(40)، يقول عقلة: "ويلاحظ أن أغلب أحكام الأسرة جاءت مفصلة، مما يعني أنها لا تقبل التغيير أو التبديل إلا في نطاق ضيق"(41).
إن طبيعة مباحث الأحوال الشخصية وإن كانت متسمة بالثبات فإنها لم تحل دون تجديدها بما يتفق وفهم النصوص والالتزام بأحكامها والعمل على تطبيقها لتحقيق الغايات التي شرعت من أجلها هذه الأحكام.
الفرع الثاني: التحرر من الالتزام المذهبي في مباحث الأحوال الشخصية
"استمد القضاة والمفتون أحكام الأحوال الشخصية من الكتاب والسنة، وفتاوى الصحابة، وما أداه إليه اجتهادهم، إذ لم يكن يلي القضاء إلا فقيه مجتهد، ثم صارت الكتب الفقهية مرجعاً للقضاة منذ تولّي القضاء أبو يوسف، صاحب أبي حنيفة في سنة 136هـ، ولم تمنع ذلك من الاجتهاد في المسائل المستجدة، والترجيح بين الآراء المختلفة في المذهب، إلا أن الطابع العام تحول إلى التزام مذهبي، سواء كان مذهبي أبي حنيفة أم غيره(42).
ومع تجدد الأعراف، وتبدل وسائل العيش، وتطور أساليب الحياة احتاجت بعض الأحكام التي بنيت على الأعراف المتغيرة، والمصالح المتجددة، احتاجت إلى تغيير صعبت الاستجابة له، مع الالتزام المذهبي الذي وجه إليه انتقادان:
"الأول: شكلي، وهو أن القضاة كانوا يعتمدون في أقضيتهم على قانون غير مسطور لم تدون مواده، ولم تجمع فروعه تحت كليات جامعة، وترك للقضاة أن يبحثوا عن أرجح الأقوال في المذهب، وأرجح الأقوال منشور في بطون الكتب، ولم يجمع المصنفون على أرجحية الكثير منها، فقد يرجح مؤلف ما لا يرجح آخر.
أما العيب الموضوعي، فهو أن العمل بمذهب أبي حنيفة – وهو المذهب الأوسع تطبيقاً – قد كشف عن مسائل ليس في الأخذ بها ما يتفق وروح العصر، وفي غيره من المذاهب ما يوافق روح العصر أكثر منه، وليس في ذلك قدح لأبي حنيفة وأصحابه، والمخرجين في مذهبه، فإنهم مجتهدون متأثرون بأزمانهم، والفتاوى إذا لم تعتمد على نص تكون أقيستها مستمدة من حكم العرف في كثير من الأحوال، وأن الاجتهاد في هذه الحال رأي، والرأي يخطئ ويصيب....".
لهذين العيبين اتجه المصلحون، وذوو الرأي، وأولو الأمر إلى العمل على تسطير قانون للأسرة، يستنبط من المذاهب الأربعة المشهورة، ويختار منها بحيث يؤخذ من كل مذهب ما يكون أصلح للناس، وأقرب لروح العصر(43) "شريطة أن يكون موافقاً للدليل أيضاً.
الفرع الثالث: المشاكل الناجمة عن التطبيق العملي لمباحث الأحوال الشخصية
كان لتطبيق مباحث الأحوال الشخصية أثر كبير على تجديدها، فحيثما وجدت مشكلة لا تتناولها القوانين المعمول بها، اقترح وضع ما يغطي هذه المشكلة، فحصل التجديد.
وحيثما ظهر – لتطبيق مادة ما – صعوبة في التطبيق، أو تعددت الأفهام حولها، جاء التعديل الجديد ليضع حداً للاختلاف، وينقل القانون إلى صياغة أمثل تساعد في ضبط التطبيق نحو الأفضل.
أولاً: لما وجدت مشكلة كثرة المفقودين، والغائبين عن زوجاتهم بالسجن، أو بالسفر(44) أو الهجر نتيجة لتطبيق المذهب الحنفي المعمول به في كثير من الأقطار الإسلامية والذي لا يعطي المرأة حق طلب التفريق لهذه الأسباب جاء التعديل في قوانين الأحوال الشخصية لتأخذ برأي جمهور الفقهاء الذي يعطي المرأة حق طلب التفريق لهذه الأسباب فخلص هؤلاء النسوة من طول الانتظار، ورفع عنهن الضرر وهو ما نصّت عليه المادة 123 من قانون الأحوال الشخصية الأردني والمادة 110 من قانون الأحوال الشخصية العماني، والمواد 12 ، 13، 14، من قانون الأحوال الشخصية المصري رقم 25 لسنة 1929، والمادة رقم 109 من قانون الأحوال الشخصية السوري، والمادة 41 من القانون الليبي والمادة 136، 137 من القانون الكويتي والفصل 57 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية، والمادة 112 من القانون الموحد للأحوال الشخصية.
ثانياً: ولما وجدت مشكلة كثرة دعاوى الزوجات بعدم الإنفاق وهنّ لا يملكن طلب فسخ عقد الزواج بسبب الإعسار بالنفقة في ظل تطبيق المذهب الحنفي الذي لا يجيز ذلك، وثمرة للتطبيق العملي ظهرت هذه المشكلة فجاء التعديل في قوانين الأحوال الشخصية ليأخذ برأي جمهور الفقهاء الذي يعطي المرأة حق طلب فسخ عقد الزواج بسبب الإعسار بالنفقة وهو ما نصت عليه المادة 127 من قانون الأحوال الشخصية الأردني والمادة 110 من قانون الأحوال الشخصية السوري والمادة 120 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي والمادة 43 من قانون الأحوال الشخصية العراقي والفصل 53 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية والمادة 111 من القانون الموحد للأحوال الشخصية.
ولما كثرت دعاوى الزوجات بعدم الإنفاق عليهن لمدد طويلة سابقة يصعب إثباتها أحياناً، جاء التعديل في قوانين الأحوال الشخصية ليحد من مثل هذه الدعاوى بتحديد المدة السابقة التي يحكم للمراة فيها بالنفقة. فهي إما من تاريخ تقديم الطلب لا قبل ذلك كما هو في المادة 76 من قانون الأحوال الشخصية الأردني والمادة 46 من قانون الأحوال الشخصية العماني، أو لمدة لا تزيد عن أربعة أشهر قبل الادعاء كما في المادة 78 من قانون الأحوال الشخصية السوري، أو لمدة لا تزيد عن سنة قبل تاريخ الإدعاء كما في المادة 2 من القانون المعدل لقانون الأحوال الشخصية المصري رقم 44 لسنة 1979م.
وفي التطبيق تحددت إجراءات معينة عند كل قضية ، وصدرت طرق لإثباتها، كان لها أكبر الأثر على الأحكام الشرعية في مباحث الأحوال الشخصية. والإجراءات والمرافعات هذه أضيف إليها ظهور المحاماة الشرعية التي سهلت في جانب، وساعدت أحياناً في تمزيق الأسر في جوانب أخرى لتحقيق مردود مادي مجدي للمحامين. وكان لتقسيم الأراضي إلى أميرية، وغير أميرية آثار انعكست على تقسيم الإرث في الأردن إلى أن ألغي هذا التقسيم – ولله الحمد(45).
وساعد عدد من النصوص التي جاءت لتحل مشكلة ما في خلق مشكلة أخرى فالنصوص التي جاءت لتعالج الإضرار بأحد الزوجين، بما يسمى بقضايا الشقاق والنزاع أوجدت حالة من كشف الأسرار الزوجية، بل الأسوأ منها النصوص القانونية التي جاءت لتعطي الزوجة تعويضاً عن الطلاق التعسفي، أدت إلى اختلاف الزوج في زوجته ما ليس فيها للهروب من دفع هذا التعويض(46).
وفي نصوص القوانين التي جاءت تعالج موضوع الطاعة الزوجية، وربطت بينها وبين النفقة فمن القوانين من أعطت الزوج حق إدخال الزوجة إلى بيت الطاعة، ولو جبراً، ومنها – وهو الغالب – من رتبت على عدم الطاعة سقوط النفقة ليس إلا، وأضيف إليها اعتبار عدم الطاعة من المضارة بالرجل، ففي لائحة ترتيب المحاكم الشرعية المصرية الصادرة سنة 1929م، نصت المادة (345) على ما يلي "بأن ينفذ حكم الطاعة جبراً، ولو أدى إلى استعمال القوة ودخول المنازل"(47)، ونصت المادة (346) على ما يلي "يعاد تنفيذ الحكم بالطاعة على الزوجة ما دامت زوجة"(48).
ثم ألغي ذلك سنة 1956م، فنصت المادة (84) "لا يجوز تنفيذ حكم الطاعة جبراً عن طريق الشرطة، ويعتنبر امتناعها عن تنفيذ حكم الطاعة بدون وجه حق، مضارة للزوج، كما يترتب عليه سقوط حقها في النفقة"(49)، وسميت بالناشز في القانون الأردني، ونص على أن ذلك يسقط النفقة التي تستحقها" وإذا امتنعت عن الطاعة، يسقط حقها في النفقة"(50)، "وإذا نشزت الزوجة، فلا نفقة لها"(51)، ولكن التطبيق العملي يجعل إثبات النشوز صعباً إذا تمسكت المرأة بالمطالبة بالبيت الشرعي.
وقد مورست الحيل من أجل إبطال حق الزوجة في النفقة، الذي دفع المشرع إلى جعله حقاً ممتازاً يتقدم على كل الديون، بل يستدان على الزوج ولو كان معسراً. وكان لظهور محاكم الاستئناف دور في التجديد تمثل فيما يسمى بالقرارات الاستئنافية التي تصدر عن اجتهادات كبار القضاة في محاكم الاستئناف الشرعية وهي أعلى سلطة قضائية.
وإذا كان لمحاكم الاستئناف فوائد لا تذكر، إلا أنها أطالت مدة التقاضي، مما يعود بالسلب على ثقة الناس في المحاكم الشرعية، وعدم الرضى عن طريقة بتها بالأحكام الشرعية، ومن هنا ظهر ما عرف باسم القضاء المستعجل، لتلافي أضرار تأخر صدور الحكم. وأخلص إلى القول إن التطبيق رافقه تنوع في المحاكم الشرعية، والمحاماة، والحيل كل ذلك كان له أثر في التجديد على قوانين الأحوال الشخصية، والمطالبة بالتغيير فيها لتلافي أخطاء التطبيق.
المبحث الثاني
أنواع التجديد في مباحث الأحوال الشخصية وملامحه
المطلب الأول: التجديد الشكلي
الفرع الأول: التقنين في مباحث الأحوال الشخصية
ظهر أول تقنين(52) رسمي لمسائل متعلقة بالأحوال الشخصية عام 1283هـ - 1876م(53). وهو مجلة الأحكام العدلية التي تناولت في كتابها التاسع الحجر، وأهلية الصغار، وسائر فاقدي الأهلية(54)، ولم تدون غيرها للاسباب الآتية:
1. الخلاف الكبير الواقع في بعض مسائل الأحوال الشخصية.
2. تعدد الملل والطوائف في المملكة العثمانية.
3. سياسية التسامح التي دفعت بالدول العثمانية إلى أن تترك لغير المسلمين حريتهم في أمورهم المذهبية"(55) وبدأ تقنين الأحوال الشخصية في مصر على يد محمد قدري باشا (ت 1306) بمجموعة كتب في مباحث الأحوال الشخصية، أخذها من المذهب الحنفي مسترشداً بمجلة الأحكام العدلية ولكنه لم يحظ بالإلزام الرسمي(56)، ثم ظهر أول تقنين رسمي في مواد الاحوال الشخصية عام 1915م بصدور إرادتين سنيتين متصلتين بموضوع الطلاق:
الأولى منهما: تبيح للزوجة التي غادرها زوجها، ونزح من بلادها دون أن يترك لها نفقة المطالبة بفسخ الزواج.
الثانية منهما: تجيز للزوجة طلب فسخ النكاح في حالة إصابة الزوج ببعض الأمراض الخطيرة(75) ثم ظهر بعد ذلك قانون حقوق العائلة العثماني سنة 1336هـ - 1917م(58)، وجرت في مصر محاولات للتقنين عام 1915م، لكنها لم تنجح للمعارضة الشديدة، ثم بدأت بقانون رقم 25 لسنة 1920 يختص بأحكام النفقة، والمفقود والتفريق للعيب بين الزوجين، وتوالت بعد ذلك حتى تناولت مسألة الخلع، وسفر المرأة، وغير ذلك في قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم (1) لسنة 2000م.
وفي الدول العربية الأخرى صدر قانون حقوق العائلة الأردني المؤقت رقم 26 لسنة 1947 ثم قانون حقوق العائلة رقم 92 لسنة 1951م، ثم عدل بقانون الأحوال الشخصية رقم 61 لسنة 1976م وعدّل بقانون مؤقت رقم 82 لسنة 2001 وتناول مسألة سن الزواج والخلع وغيرهما.
وقانون الأحوال الشخصية السوري لسنة 1953م، وفي عام 1959م صدر في العراق وعدّل بعد ذلك، وفي تونس عام 1956م، وفي المغرب عام 1958م، وفي الكويت عام 1984م، وفي عُمان عام 1997م(59).
وصدرت قوانين للأحوال الشخصية في الدول العربية والإسلامية الأخرى – ما عدا السعودية وأفغانستان-، وإن اختلفت في مسمياتها بين مدونات أو قوانين أو مجلات للأحوال الشخصية. وبقي التقنين غير شامل لجميع مسائل الأحوال الشخصية مما ألزم بالرجوع إلى كتب الفقه في المسائل غير المقننة.
الفرع الثاني: مناهج التأليف المعاصر في مباحث الأحوال الشخصية
إن عرض مباحث الأحوال الشخصية بأسلوب جديد كان ديدن المؤلفين من الفقهاء وغيرهم فجمعت مباحث الأحوال الشخصية، وأصلت تأصيلاً فقهياً، وربطت المسائل بأدلتها كما وضعت الفهارس والمعاجم التي تساعد في الرجوع إلى مسائل الأحوال الشخصية.
كما ألفت الكتب لمباحث الأحوال الشخصية على وفق ترتيب القوانين، وألفت أخرى شرحاً لقانون من قوانين الأحوال الشخصية مع مقارنته بالمذاهب الفقهية، والقوانين المشابهة في الدول الإسلامية، وألفت كتب في مواضيع مستقلة من مباحث الأحوال الشخصية، وهذه نماذج للكتب المعاصرة في الأحوال الشخصية، أو في مباحث منها على سبيل المثال(60):
أولاً: شروح قوانين الأحوال الشخصية
أ. قانون الأحوال الشخصية الأردني:
- شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني لمحمود السرطاوي، دار العدوي/عمان، ط1/1402هـ - 1981م.
- الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني لعمر الأشقر، دار النفائس/عمان، ط2/1421هـ - 2001م.
ب. قانون الأحوال الشخصية السوري:
- شرح قانون الأحوال الشخصية لمصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، دار الوراق/بيروت، ط8/1421هـ - 2000م، علماً بأن الطبعة الأولى كانت في سنة 1381هـ - 1962م.
- شرح قانون الأحوال الشخصية السوري لعبد الرحمن الصابوني، المطبعة الجديدة/ دمشق، ط5/1398 هـ - 1978م.
ج. قانون الأحوال الشخصية العراقي:
- شرح قانون الأحوال الشخصية العراقي لمحسن ناجي، مطبعة الرابطة/بغداد، ط1/1962م.
- شرح قانون الأحوال الشخصية مع تعديلات القانون وأحكام محكمة التمييز لفريد فتيان، الدار العربية/ بغداد، ط2/1986م.
د. قانون حقوق العائلة في لبنان:
1. الفقه المقارن للأحوال الشخصية بين المذاهب الأربعة السنية والمذهب الجعفري والقانون "الزواج والطلاق" لبدران أبو العينين بدران، دار النهضة العربية، بيروت. علماً بأن الطبعة الأولى كانت في سنة 1386هـ - 1967م.
2. أحكام الأسرة في الإسلام، دراسة مقارنة بين فقه المذاهب السنية والمذهب الجعفري والقانون لمحمد مصطفى شلبي، دارالنهضة العربية/بيروت، ط2/1397هـ - 1977م.
هـ. قانون الأحوال الشخصية المصري:
1. أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية لمحمد سراج ومحمد إمام، دار المطبوعات الجامعية/مصر.
ثانياً: دراسة لمسائل من قوانين الأحوال الشخصية
1. متعة الطلاق وعلاقتها بالتعويض عن الطلاق التعسفي لزياد صبحي ذياب، دار الينابيع/ عمان، ط1/1992م.
- دعوى التفريق للشقاق والنزاع أمام المحاكم الشرعية الأردنية لمحمد أمين الهندي، مطابع وزارة الأوقاف/الرصيفة، ط1/1415هـ - 1995م.
ثالثاً: كتب عرضت لمباحث الأحوال الشخصية
1. الأحوال الشخصية لمحمد زكريا البرديسي، مطبعة دار التأليف/مصر، 1385هـ-1965م.
- فقه الأحوال الشخصية لمحمد بشير الشقفة، دار القلم/دمشق، ط1/1420هـ - 2000م.
رابعاً: كتب تناولت قرارات محاكم الاستئناف الشرعية
1. موسوعة الأحوال الشخصية لمعوض عبد التواب، منشأة المعارف/الإسكندرية، ط6/1995م.
2. القرارات الاستئنافية في الأحوال الشخصية لأحمد محمد علي الداود، مكتبة دار الثقافة/عمان، ط1/1999م.
3. مبادئ القضاء في الأحوال الشخصية لأحمد الجندي، دار صادر/مصر، 2000م.
المطلب الثاني
التجديد الموضوعي
الفرع الأول: الاستفادة من المذاهب الفقهية
إن الاستفادة من المذاهب الفقهية هي وضع قوانين للأحوال الشخصية تحتوي على أحكام من المذاهب الفقهية غير المذهب الفقهي السائد، وعرف هذا الصنيع عند الفقهاء بالتلفيق(61) وسمي أيضاً بالاجتهاد الانتقائي(62).
وأخذت الاستفادة من المذاهب الفقهية أساليب منها:
أولاً: اختيار رأي من المذهب الفقهي السائد غير الرأي الراجح:
نصت قوانين الأحوال الشخصية على العمل بالرأي الراجح من المذهب السائد، فيما لم ينص عليه، ولكنها وإن أخذت أغلب الأحكام من المذهب السائد، فقد خرجت عنه في بعض المواد(63).
والتجديد في هذا الأسلوب هو الخروج عن الرأي الراجح الذي يجب العمل به إل غيره وقد نص الفقهاء على جواز ذلك للمسلم في حالات الضرورة، وبأمر الإمام، وفي خاصة نفسه(64).
ومن الأمثلة على هذا الأسلوب:
1. نصت المادة العاشرة من أول لائحة للمحاكم الشرعية في مصر، والتي صدرت سنة 1880م على "أن الأحكام تكون بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة، ولكن نظراً لفساد الزمان يحكم القضاة في مواد القتل بمذهب الصاحبين، والأئمة الثلاثة"(65) وعلاقة القتل بالأحوال الشخصية أن القتل العمد يمنع من الإرث.
- إباحة الشروط المقترنة بعقد الزواج آخذاً بمذهب الحنابلة(66)، وخلافاً للمذهب السائد، وهو ما نصت عليه المادة 19 من قانون الأحوال الشخصية الأردني لسنة 1976م، وغيره من قوانين الأحوال الشخصية.
ثانياً: اختيار رأي من المذاهب الفقهية الثلاثة غير المذهب السائد، ولو لم يكن راجحاً
إن التعصب المذهبي حال دون الاستفادة من المذاهب الفقهية الأخرى، لكن تقنين الأحوال الشخصية تجاوز ذلك، واختار أحكاماً غير موجودة في المذهب السائد، وموجودة في أحد مذاهب أهل السنة .
والجماعة . ومن الأمثلة على هذا الأسلوب:
1. النص على أن أقصى مدة للحمل سنة من تاريخ فراق المرأة لزوجها، أو موته، وهو قول محمد بن عبد الحكم من فقهاء المالكية(67) خلافاً للمذهب الحنفي(68)، وهو ما نصت عليه المادة 148 من قانون الأحوال الشخصية الأردني لعام 1976م.
2. النص على عدم وقوع الطلاق المعلق إذا قصد به الحمل على فعل شيء، أو تركه آخذاً برأي ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم من الحنابله(69)، خلافاً للرأي السائد في المذهب الحنفي(70). وهو ما نصت عليه المادة 89 من قانون الأحوال الشخصية الأردني، والمادة 2 من القانون المصري رقم 25 لسنة 1925م، والمادة 90 من القانون السوري، و المنشور الشرعي السوداني رقم 41 لسنة 1935(71)
ثالثاً: اختيار رأي من مذهب الشيعة الزيدية، أو الجعفرية خلافاً للمذهب السائد
ومن أمثلة هذا الأسلوب:
1. النص على إجازة الوصية للوارث دون إجازة الورثة، أخذاً لهذا الحكم من مذهب الشيعة الزيدية، خلافاً لمذاهب أهل السنة الأربعة(72)، وهو ما نصت عليه المادة 37 من قانون الوصية المصري رقم 71 لسنة 1946(72).
رابعاً: اختيار رأي من المذاهب الفقهية التي لا اتباع لها، خلافاً للمذهب السائد
ومن الأمثلة على ذلك:
1. النص على عدم جواز تزويج الصغير حتى يبلغ سناً معينة، آخذاً لهذا الحكم من رأي لابن شبرمة وعثمان البيتي، وأبي بكر الأصم، خلافاً لرأي جمهور الفقهاء(74).
خامساً: اختيار رأي لم يقل به أحد من الفقهاء بالكيفية المنصوص عليها ولا يمنع ذلك من أن يكون متفقاً مع نصوص الكتاب والسنة في وجه من وجوه الاجتهاد. ومن أمثلة ذلك:
1. نص قانون الأحوال الشخصية الأردني المؤقت رقم (82) لسنة 2001 في المادة رقم 6 على حق الزوجة في طلب التفريق بينها وبين زوجها قبل الزواج وبعده وللقاضي إجابة طلبها إذا امتنع الزوج عن ذلك بعد محاولة الإصلاح، فإن لم تستطع أرسلت المحكمة حكمين، وهذه الكيفية التي نص عليها القانون لم يقل بها أحد من الفقهاء وجاء هذا التعديل بعد عام من تبني مصر لهذا الأمر في المادة رقم 20 من قانون تنظيم بعض أوضاع، وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم (1) لسنة 2000 على ما بينهما من فروق:
الأول: عدم جواز الطعن في حكم القاضي في القانون المصري وجوازه في الأردن لسكوت المشرع على ذلك.
الثاني: أقصى مدة للإصلاح بين الزوجين ثلاثة أشهر في القانون المصري في حين الأردني لا تزيد عن الثلاثين يوماً.
والتجديد في هذا المثال هو مخالفة القانون لرأي جمهور العلماء باشتراط رضا الزوج في الخلع(75) وهو المعمول به في قانون الأحوال الشخصية في الدول الأخرى وتبنيه لرأي بعض العلماء المعاصرين(76).
سادساً: الخروج الكلي عن مبادئ الشريعة الإسلامية مما لا يدخل تحت دائرة الاجتهاد بل يهدمها ويضع آراء بشرية مكانها ومن أمثلة ذلك:
1. نص قانون الولاية العمومية والكفالة والتبني التونسي على جواز التبني ونسبة الولد لغير أبيه وذلك في المادة رقم (14) من القانون عدد (27) لسنة 1958م المؤرخ في مارس 1958. وهو مخالف للآية الكريمة (إدعوهم لآبائهم)، (جزء من الآية 4 من سورة الأحزاب).
2. النص على إلزام الزوج براتب شهري لمطلقته بعد العدة ما لم تغن أو تتزوج بآخر كما في الفصل (31) من مجلة الأحوال الشخصية التونسية.
3. إشراك الزوجين في الأملاك على غير الأنصبة التي تحددها أحكام المواريث الواردة في الآية (12) من سورة النساء وهذا النظام وإن كان اختيارياً إلا أنّه لا يجوز مخالفة الأحكام الشرعية ولو على سبيل الاختيار لأن أحكام الميراث من قبل النظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على خلافه، وقد ورد هذا في نظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين التونسي والصادر بالقانون رقم (91) لسنة 1998م والمؤرخ في نوفمبر 1998م.
4. التفريق بين الزوجين بسبب الهروب من الخدمة العسكرية: جاء في قرار مجلس قيادة الثورة العراقي رقم 1529 في 31-12-1985م ما نصه: "أولاً: للزوجة طلب التفريق من زوجها إذا تخلف أو هرب من أداء الخدمة العسكرية مدة تزيد على ستة أشهر، أو هرب إلى جانب العدو، وعلى المحكمة أن تحكم بالتفريق مع الاحتفاظ للزوجة بكامل حقوقها الزوجية. ثانياً: يعتبر التفريق بموجب هذا القرار طلاقاً رجعياً يجيز للزوج مراجعة زوجته إذا التحق بالخدمة العسكرية أو عاد من الهروب مدة العدة. ثالثاً: إذا كرر الزوج الهروب وحكم بالتفريق ثانية وفق أحكام هذا القرار يعتبر التفريق في هذه الحالة طلاقاً بائناً بينونة صغرى". وهذا القرار معيب من جهتين: كونه اجتهاداً من غير أهله وفي غير محله إذ إنه لم يستند إلى دليل شرعي، ومن جهة أخرى فهو مخالف للمصلحة إن الزوجة التي تحب زوجها تقوم بإخفائه عن مطاردة الدولة، والزوجة التي تكره زوجها تستطيع أن تبلغ عنه فتتخلص منه أو تطلب التفريق للغيبة والضرر فتحصل على ما تريد.
الفرع الثاني: الاجتهاد في المسائل المستجدة
إن الانتقال عن الرأي المذهبي السائد إلى غيره، كان لحل مشكلة ظهرت بتطبيق هذا الرأي، وهو من المسائل التي كان للفقهاء فيها رأي، وقد نجد أيضاً لهم آراء في مسائل لم تحصل في زمانهم، وحصلت في الأزمان اللاحقة، والأخذ بها يكون من قبيل الحلول القديمة لمسائل جديدة، كما يمكن التخريج على أقوال الفقهاء السابقين في وضع أحكام للمسائل المستجدة أو المزج بين أقوالهم للحصول على رأي جديد(77).
وقد تحتاج بعض المسائل إلى اجتهاد جديد، لم يكن معروفاً لدى السابقين، ولا تمنع منه الشريعة، لأنه أخذ بالطرق نفسها التي استنبطت منها الأحكام الشرعية في الأحوال الشرعية. ومعلوم أن الاجتهاد يصح في المسائل التي اجتهد فيها الفقهاء، إذا بنيت على مصلحة، أو عُرْفٍ تغيّراً تطبيقاً للقاعدة الفقهية المشهورة "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان".
ومن النصوص القانونية التي احتوت على أحكام شرعية لم تذكر في كتب الفقه المدون بل قامت على اجتهاد جديد، النصوص الآتية:
1. النصوص المتعلقة بالتعويض عن العدول عن الخطبة وفق الضوابط التي ذكرت في عدد من قوانين الأحوال الشخصية استناداً إلى قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"(78).
2. النصوص المتعلقة بوجوب تسجيل عقد الزواج بناءاً على قاعدة المصالح المرسلة وبالقياس على الدين(79) ومن المسائل المستجدة التي للفقهاء المعاصرين آراء فيها، ولم تذكر في قوانين الأحوال الشخصية نصاً: الزواج بوسائل الاتصال الحديثة، زواج المسيار، إثبات النسب من خلال الهندسة الوراثية، بنوك اللبن، .. وهنالك مسائل مستجدة نص عليها من خلال العقوبات المترتبة على إجرائها ومن خلال شروط عقد الزواج كالزواج العرفي.
الفرع الثالث: دراسة مباحث الأحوال الشخصية من منظور العلوم الأخرى
إن البحث في مسائل الأحوال الشخصية قد يحتاج إلى اختصاصات مختلفة حيث لا يقتصر الأمر على الشرعيين وحدهم وهؤلاء على قسمين: فبعضهم من غير المسلمين أصلاً، والقسم الآخر من المسلمين الذين غلب عليهم الفكر الوضعي مع الجهل بالأحكام الشرعية ومقاصدها وحكمها.
ففي علم الاجتماع يعّرف الطلاق بأنه مرض اجتماعي خطير، وفي علم النفس يعد الطلاق من أنواع الاضطراب النفسي(80)، وفي التحليل المبني على علم الإحصاء لحالات الزواج والطلاق، وقعت مغالطات عند تحليل نسب الطلاق إلى الزواج، باعتبار كل طلاق يفصم العلاقة الزوجية دون النظر إلى حالات الرجعة التي تتم بعد الطلاق الرجعي، والبائن بينونة صغرى.
والمقام لا يتسع لتتبع مثل هذه الدراسات، وأشير هنا إلى دراسة جيدة في هذا المجال هي أثر الاختلالات العقلية والاضطرابات النفسية في مسائل الأحوال الشخصية لنائل قرقز.
الفرع الرابع: الاستفادة من قوانين الأحوال الشخصية السابقة
كانت الريادة لقانون حقوق العائلة العثماني، ولمؤلفات محمد قدري باشا، ولقوانين مباحث الأحوال الشخصية في مصر، وكذا القانون السوري، ثم كل القوانين التي جاءت فيما بعد استفادت مما سبقها، وأكتفي هنا بالإشارة إلى المواد المتعلقة بمسكن الزوجية.
قد تناولت المواد (184-188) من كتاب الأحكام الشرعية لقدري باشا، وسمحت للزوج إسكان ولده الصغير غير المميز من غير زوجته معها، وهو ما أخذ به القانون السوري في مادة 69. جاء القانون الإماراتي ليجيز للزوج أن يسكن – معه في السكن – أولاده من الزوجة ومن غير ذكوراً وإناثاً ولو كانوا بالغين، وأبويه ومحارمه من النساء، بشرط أن لا يلحق الزوجة ضرر(81). وكذا استفادت القوانين ممن سبقها في الطلاق الذي لا يقع، وفي الشروط في عقد الزواج والوصية الواجبة...ألخ.
المبحث الثالث
آثار التجديد في مباحث الأحوال الشخصية، وضوابطه
المطلب الأول: آثار التجديد على مباحث الأحوال الشخصية
الفرع الأول: الآثار الإيجابية للتجديد في مباحث الأحوال الشخصية:
تتمثل إيجابيات التجديد فيما يلي:
1. أن التجديد وفق الضوابط الشرعية، فيه نماء للفقه الإسلامي، ومواكبة لتطورات الحياة.
2. أن التجديد يحقق المقاصد الشرعية التي من أجلها شرعت الأحكام في موضوع الأحوال الشخصية، والأمر الذي هذه غايته مطلوب ومرغوب فيه، وإلا فإن التجديد لم يرد لمجرد التجديد وإنما لتحقيق مقاصد الشريعة من شرح الأحكام.
3. أن التجديد رد عملي على أولئك الذين يتهمون الفقه الإسلامي بالجمود، وفيه دلالة على مرونة الشريعة، وقابليتها للتطبيق، وقدرتها على معالجة المشاكل الطارئة، وإعطاء الحلول المناسبة لكل ما يستجد من أمور.
4. أن التجديد يحمي الفقه الإسلامي في مباحث الأحوال الشخصية من اللجوء إلى الحيل واستخدام المخارج غير المشروعة.
فإذ وجد التجديد فإنه يحل المشاكل التي تظهر نتيجة التطبيق، ببناء الأحكام الشرعية المناسبة لها، ويشعر المسلم برضى في الاستجابة لها، وإن تركه لها ظلم لنفسه لابتعاده عن منهج الله جل وعلا.
5. تحريك الطاقات الفاعلة لدى الفقهاء، والسير نحو أبواب الاجتهاد المشرعة، وولوجها بثقة والبعد عن العزلة، وعدم ترك مركب الحياة للعابثين اللاهين.
كل تجديد سيشجع العلماء على مزيد من الدراسة، والمعالجة المناسبة، ولا خوف من دخول هذا الباب من غير أهله، والعبث بالأحكام الشرعية، فإن "هذا الاحتمال بالرغم من أنه وارد عقلاً، إلا أنه ينبغي أن يحول دون نمو الفقه الإسلامي، وإثرائه، وعلينا أن نفتح باب الاجتهاد، وأن نشجع عليه العلماء، لأنه الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى إعادة الفقه الإسلامي لدوره القيادي في مجال القضاء"(82) وهذه إشارات لنماذج في ردود العلماء على عدد من المسائل التي جدِّدت في مباحث الأحوال الشخصية، والذي دب الحياة في لغة الفقهاء، وحفزهم للغوص في الأدلة الشرعية تبياناً لوجه الحق، وصدعاً به فيوجه الذين ينكرونه، وإقناعاً للذين لا يعرفونه.
ففي مسألة تقييد الطلاق ليصبح بإذن القاضي، والتي ظهرت في مصر في مشروع قانون سنة 1916م، والذي جاء فيه "لا يجوز لمتزوج أن يطلق زوجته، ولا لمأذون أن يباشر إشهار الطلاق إلا بإذن القاضي الشرعي الذي في دائرة اختصاص مكان الزوج، فإن حصل الطلاق بدون إذنه، ترتبت عليه آثاره الشرعية، وعوقب الزوج بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، أو بغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف قرش، أو بإحدى هاتين العقوبتين"(83). لقد هوجم هذا المشروع، وبين العلماء أن الطلاق حق للرجل وتقييده مصادم للنصوص المطلقة عن التقييد، والمصرحة بأن الزوج هو الذي يملك الطلاق. وأن التقييد يلزم بحياة يسودها البغض والحقد بين الزوجين، أو كشف ما ينبغي ستره هو الحكم على الرجال جميعاً بالسفه، ويوجِد أولاداً غير شرعيين للتناقض بين ما يعتد به الشرع من الطلاق، ولا يعتد به القانون(84).
6. "استمرار القوانين الخاصة بالأسرة، لا من مذهب واحد، بل من مذاهب متعددة دون تفرقة بين سني وشيعي، أو آراء اجتهادية فردية"(85)، مما مكّن من الاستفادة من جميع المذاهب الفقهية، والتخفيف من حدة التعصب المذهبي وآثاره السيئة، بل إن من العلماء من يرى أن هذه الاستفادة من المذاهب ستمكن من إعادة بناء الفقه الإسلامي من جديد.
يقول قدري: "نجد إن عملية إعادة بناء تلك القوانين – الأحوال الشخصية – وتوجيهها قد أصبح حقيقة تاريخية، والدراسة الميدانية لهذا الموضوع تعطينا حقيقة عن مسلك الشعوب الإسلامية واتجاهاتها في إعادة بناء قوانينها الدينية عن طريق التلفيق"(86).
7. "تقنين التشريع فيما يختص بالعائلة، الأمر الذي أعطى صبغة التوحيد في الأحكام وقضى على الاختلاف الذي كان نتيجة لمطالبة الخصوم، وفصل الخصوم على أساس الانتماء إلى مذهب معين"(87).
الفرع الثاني: الآثار السلبية للتجديد في مباحث الأحوال الشخصية
إن لأي علم آثاره الإيجابية، ولا يمنع ذلك من ورود سلبيات في وجه من الوجوه، هذا وإن التنبيه عليها وبيانها سبيل لمعالجتها، وتعزيز للإيجابيات لا إنكار لها.
ومن سلبيات التجديد ما يلي:
1. "اتخاذ القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية، الصبغة المحلية لا الإسلامية العامة"(88) ولا يدفع هذه السلبية ويحل هذه الإشكالية إلا قانون موحد يُتخذ أصلاً في كل البلاد الإسلامية، وبحمد الله، وضع قانون موحد للأحوال الشخصية(89)، أقيم عليه مشروع قانون الأحوال الشخصية الأردني الجديد(90)، فيما إذا تبنت الدول الإسلامية هذا القانون، فسيوحد قوانين الدول الإسلامية في الأحوال الشخصية، وسيؤدي إلى تقارب أشد بينها، يقودها بإذن الله – إلى الوحدة المنشودة.
2. "التأثر الواضح بالقوانين الأوروبية منهجاً، وتفكيراً، ومسلكاً في الحياة"(91)، فتوجه القوانين لخدمة توجهات المرأة عالمياً بقطع النظر عن مصلحتها التي حفظها لها الإسلام عن طريق ترجيح جانبها في هذه القوانين، كل ذلك بأثر من الاحتكاك الحضاري.
3. "التغيير والتطوير المستمر باسم إصلاح الأسرة، وفي فترات قصيرة ومتقاربة، الامر الذي أدهش القانونيين، وأدى إلى التساؤل والاستغراب، وهي ظاهرة تعكس اهتزاز القيم وقلق الحالة الاجتماعية في الأمة، مما كان نتيجة التأثر والاحتكاك بالأمم الغربية"(92).
4. وتحت دعوى التجديد، وليس بتجديد:
أ. الهجوم على بعض الثوابت الإسلامية، بدعوى أن الأحكام الشرعية هي تعبير عن المصلحة، وتدور معها وجوداً أو عدماً(93)، كالمطالبة بمساواة المرأة بالرجل في الميراث.
ب. التنكر لبعض الأحكام الشرعية، تحت شعار تحرير المرأة، وانتزاع حقوقها(94)، كما حصل في موضوع تبني منع تعدد الزوجات(95)، ومنع الطلاق إلا بإذن القاضي(96) قال أحمد صفوت سنة 1917م: "لماذا لا تجري الوزارة على ما جرت عليه في القانون المدني، والجنائي، وما الذي أصابنا بسبب ذلك"، وهو يرى أن الزواج عقد مدني، لا دخل للشريعة فيه، ويرى حذف الفقه بجميع مذاهبه(97).
5. عدم صحة تقدير المصلحة الحقيقية للفرد والأسرة والمجتمع في عدد من الترجيحات أو الاجتهادات في مسائل من مباحث الأحوال الشخصية.
قال السباعي منتقداً تحديد سن الزواج: "غير أني لا أرى هذا التحديد متفقاً مع مرحلة البلوغ الجنسي لكل من الفتى والفتاة في بلادنا، ولا يتفق مع المصلحة الأخلاقية العامة"(98) ووجد العلماء هذا الانتقاد لمشروع قانون الأحوال الشخصية الأردني الجديد وطالبوا بعدم رفع سن الزواج الموجود في القانون المعمول به، لشيوع عناصر الإثارة الجنسية، ومخالفة ذلك لحقوق الإنسان الفطرية في إشباع حاجته الجنسية، ولتقدم سن البلوغ في بلادنا مع تأخره لدى الغرب(99).
6. اتخاذ التعديلات على قوانين الأحوال الشخصية طرقاً متعددة فمنها ما يرد بوضع العقوبة دون النص على جواز الفعل أو عدمه كما في الزواج العرفي ومنها ما ينص عليه في أصول المرافعات الشرعية ومنها ما يرد في قوانين الأحوال الشخصية مما يؤدي إلى صعوبة في الإلمام بهذا الموضوع دون الإحاطة بهذه القوانين ولا يعرف ذلك إلا القليل من غير المختصين وتتلاشى الحكمة من النص على بعض الأحكام في ظل كثرة الدفوع الشكلية والموضوعية التي تحول دون تطبيقها مما يتقنه المحامون فيزيدون في تكلفة الوصول إلى الحل ومدته.
7. اتخاذ الأحكام الشرعية المتعلقة بالأحوال الشخصية الصياغة القانونية يفقدها الأثر الذي تعمله في نصوص القرآن والسنة في نفوس المتحاكمين والمحامين وهو سبب قوي في الخروج عن الضوابط الشرعية لتفسير النصوص والتحايل عليها وعدم التحرج من مخالفتها.
المطلب الثاني: ضوابط التجديد في مباحث الأحوال الشخصية
إن الإقرار بوجود حاجة للتجديد مع وجود سلبيات ظهرت عند ممارسته يستدعي وضع أسس وضوابط للتجديد ويمكن محاولة ذلك على النحو الآتي:
الفرع الأول: دواعي التجديد في مباحث الأحوال الشخصية
يستند التجديد في مباحث الأحوال الشخصية إلى الدواعي الآتية:
1. الحاجة التي تقتضيها حياة الناس، وتجدد أعرافهم وعاداتهم وطرق معيشتهم، فإذا دعت الحاجة إلى إحياء تعديل على نص سابق، استند على عرف أو أدى تطبيقه إلى مناقضة الغاية التي من أجلها شرع الحكم، جاز لولي الأمر إعادة الأمر إلى نصابه، بوضع التدابير والنصوص التي تحقق غايات الشرع من أحكامه معتمداً على أسس شرعية.
2. التيسير ورفع الحرج عن الناس، فإذا ثبت أن الناس يقعون في حرج وضيق شديدين نتيجة تبني رأي فقهي ما، وكان في الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة – دون مخالفة النصوص – ما يسعف في رفع هذا الحرج وإزالة هذا الضيق، جاز العدول عن المادة القانونية المؤدية إلى الحرج، إلى مادة أخرى مكانها مستمدة من أيسر المذاهب الفقهية، ما لم يؤد تطبيقها إلى مفاسد اجتماعية أكبر(100).
3. الاستفادة من المناهج القانونية الحديثة، مع الاحتفاظ بشخصية الفقه الإسلامي والاقتصاد في مجال الاستفادة من الجانب الشكلي المتعلق بالتبويب والتقسيم والترقيم وعدم استعمال المصطلحات القانونية بديلاً عن المصطلحات الفقهية.
4. الانطلاق من أن التجديد هو اجتهاد لتطبيق النصوص الشرعية إذا وجدت محالها ومواردها وليس هو نسخ للنصوص أو إهمال لها أو معارضة أو تبديل لها أما إذا لم توجد محالها فلا أثر له على بقاء أحكام هذه النصوص ولا يجوز النص على مخالفتها.
قال آل تيمية "وإنما يزول الحكم بزوال علته في محاله وموارده، وأما زوال نفس الحكم الذي هو النسخ فلا يزول إلا بالشرع، وفرق بين ارتفاع المحل المحكوم فيه مع بقاء الحكم، وبين زوال نفس الحكم، ومن سلك هذا المسلك أزال ما شرعه الله برأيه، وأثبت ما لم يشرعه الله برأيه وهذا هو تبديل الشرائع(101).
الفرع الثاني: ضوابط التجديد في مباحث الأحوال الشخصية
إن أي تجديد ينبغي أن يلتزم بضوابط منها:
1. الالتزام بالنصوص الشرعية الواردة في مباحث الأحوال الشخصية، والاهتداء بها في كل أمر أو تشريع، والتقيد بقواعد تفسير النصوص الشرعية، تلك القواعد التي أرسيت في علم أصول الفقه، وعليها التعويل في الترجيح بين النصوص المتعارضة والجمع بين النصوص المختلفة، كما لا يخفى أن تأويل النصوص في القواعد المشار إليها لا مدخل فيه للهوى، يقول الكوثري: "وأما تحميل الأدلة من الكتاب والسنة ما لا تحتمله من المعاني والتظاهر بمظهر الاستدلال بها على أنظمة ما أنزل الله بها من سلطان، فلا يفيدان سوى تلبيس مكشوف ومخادعة يشف ستارها الرقيق عما تحته..." (102).
2. الاستفادة من الثروة الفقهية الموجودة، واستيعابها والتمكن من فهمها، وفهم القواعد التي قامت عليها، والانطلاق عند إذن لبناء فقه جديد.
قال الخولي: "أول الجديد قتل القديم فهماً"(103)، وتنبع أهمية هذه الثروة الفقهية في مباحث الأحوال الشخصية لخصوصية هذه المباحث، وسعة الثوابت فيها، والأخذ من هذه المذاهب له ضوابط منها معرفة الرأي الذي يُعدُّ هو المذهب، والآراء المرجحة الأخرى وإذا أخذ حكم من مذهب، لزم أخذ حكم المسألة كاملاً من هذا المذهب، حتى لا نقع في التلفيق الممنوع شرعاً(104).
3. الاجتهاد الجماعي في المسائل المستجدة والأحكام الشرعية المستمدة من أدلة ظنية الدلالة أو الثبوت أو كليهما معاً بما يراعي حال المكلفين وظروفهم وفق ضوابط السياسة الشرعية.
ولا يمنع ذلك من استمرار الاجتهاد الفردي الذي هو الركيزة للاجتهاد الجماعي، ولكن الإلزام بثماره لا يتم إلا بعد الاتفاق بين المجتهدين على صلاحه، وخيريته للأمة.
4. أن يكون القائمون على الاجتهاد في مباحث الأحوال الشخصية من العلماء المختصين، ذلك أن الشريعة ليست كلأ لكل من هب ودب.
5. مراعاة قيم الأمة وثقافتها وأخلاقها وعاداتها وتقاليدها، ذلك لأن غاية القوانين هي إصلاح المجتمعات وقد تكون بعض هذه القوانين مناسبة للحضارة الغربية وغير مناسبة لمجتمعاتنا.
الخاتمــة
أ. النتائج :
وخلصت الدراسة إلى النتائج الآتية:
1. أن التجديد يجب أن يبقى في إطار أحكام الشريعة الإسلامية، ولا يخرج عنها قيد أنملة.
2. أنه تأثر بعوامل عدة منها الاحتكاك الحضاري، وحركات تحرير المرأة.
3. أنه أعطى صورة طيبة عن قدرة الفقه الإسلامي على مجابهة المستجدات، وإمكانية تطبيق أحكامه وفق قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية.
4. أنه امتاز بالاستفادة من المذاهب الفقهية، والتقنيات السابقة، ومشاكل التطبيق العملي لها.
5. أنه ينبغي أن ينطلق من أسس ممهدة، ويلتزم بضوابط تمنع التلاعب والعبث بالأحكام الشرعية.
ب. التوصيات:
وتوصي هذه الدراسة بما يلي:
1. دراسة التلفيق في مباحث الأحوال الشخصية، ومدى انضباط التجديد فيه بشروطه.
2. الاستفادة من القواعد التي اتبعت عند وضع قوانين الأحوال الشخصية في المجالات الأخرى.
3. التزام الدول العربية والإسلامية بالقانون العربي الموحد للأحوال الشخصية طريقاً للوحدة التشريعية الكاملة.
الهوامش
1. السباعي: مصطفى، شرح قانون الأحوال الشخصية، الجزء الأول، الزواج وإنحلاله، المكتب الإسلامي، دار الوراق، بيروت، ط2/1421هـ - 2000م، ج1 ص 11.
2. يفضل بعض المفكرين المعاصرين استخدام مصطلح نظام الأسرة بدل مصطلح الأحوال الشخصية لأنه مصطلح غربي فيه معنى الفردية والملاحظ من كلمة الشخصية وهي محور النظام الرأسمالي، في حين يجمع الإسلام بين ما يتعلق بالفرد وبالمجتمع في تشريعاته.
3. الصابوني: عبد الرحمن، نظام الأسرة وحل مشكلاتها في ضوء الإسلام، مع بيان موجز لمشروع قانون الأحوال الشخصية في دولة الإمارات العربية المتحدة، مكتبة وهبة، القاهرة، ط9/1403هـ- 1983م ص 17، الأشقر: الواضح، ص10.
4. السباعي، شرح قانون الأحوال الشخصية (مرجع سابق) ج1 ص 11.
5. ابن الخوجة، محمد الحبيب، الفقه الإسلامي وقضايا العصر، مجلة أكاديمية، المملكة المغربية، الرباط ع10/س 1993، ص 17.
6. أنظر: الدريني، محمد فتحي، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، دار الكتاب الحديث، دمشق، ط1/1395هـ - 1975م، ص 211 – 213. ناجي: محسن: شرح قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 88 لسة 1959، دون بيانات، ص 65 – 69.
7. كالقانون العراقي الذي يوفق بين المذهب الحنفي والشيعي الجعفري.
أنظر: أبو زهرة: محمد، محاضرات في عقد الزواج وآثاره، دار الفكر العربي، القاهرة، دون تاريخ ص 40.
8. أنظر: قانون اتحادي رقم (3) لسنة 1996م، بشأن اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم.
9. أنظر: فروخ: عمر، تجديد في المسلمين لا في الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1/1401هـ - 1981م.
10. أبو المجد: أحمد كمال، الخيط الرفيع بين التجديد في الإسلام والإنفلات منه، مجلة العربي، الكويت، ع 225، س 1997، ص 15 بتصرف.
11. حديث صحيح رواه أبو داود في السنن، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة، حديث رقم 4291 وصححه السيوطي، والعراقي وأبو غده.
- المناوي: محمد عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، دار الفكر، بيروت، د. ط، د.ت، ج2 ص 282.
- اللكنوي: محمد عبد الحي، الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، حققه عبد الفتاح أبو غده، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط3/1407هـ - 1987م، ج1 ص 44 في الحاشية.
12. الميرغيناني: علي بن أبي بكر، الهداية شرح بداية المبتدى، المكتبة الإسلامية، بيروت، د. ط، د.ت، ج2 ص 36.
ابن رشد: محمد، بداية المجتهد وهداية المقتصد، دار المعرفة، بيروت، ط 9، 1409 هـ / 1988م، ج2 ص 358.
الشربيني: محمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، دار الفكر/بيروت. د.ط، د.ت، ج3 ص 390.
ابن حزم: علي بن أحمد، المحلى، تحقيق أحمد شاكر، دار الجيل/بيروت، ط1/1416هـ - 1996م، ج10 ص 316، مسألة 2011.
الزحيلي: وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر – بيروت، ط7 – 1417 هـ - 1996م – ج7 ص 678.
عبد الواحد : نجم عبدالله، مدة الحمل، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، ع4، 2، ص 249 – 256.
13. الزحيلي: الفقه الإسلامي (مرجع سابق) ج7 ص 678.
14. "نبتت فكرة أوحى بها الإنجليز الذين كانوا يتحكمون في التقنين المصري ونظام القضاء، وهي أن يدخل في المحكمة العليا الشرعية قاضيان بين مستشاري محكمة الاستئناف، وعرضت الفكرة على دار النيابة – الضئيلة النفوذ في هذا الوقت -، فتنبه المسلمون لما يراد بقضائهم فقاوموا الفكرة...". فرج: السيد أحمد، المؤامرة على المرأة المسلمة، تاريخ ووثائق، الوفاء، المنصورة، ط2/1408هـ - 1986م ، ص 138 * 139.
15. الصابوني: عبد الرحمن، مدى حرية الزوجين في الطلاق في الشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة، دار الفكر، بيروت، ط3/1403هـ - 1983م ص 62.
16. البهنساوي: سالم، قوانين الأسرة بين عجز النساء وضعف العلماء دار آفاق الغد، مصر، ط1/1400هـ - 1980م ص 57.
17. قال أبو سليمان: "التغير والتطور المستمر باسم اصلاح الأسرة، وفي فترات قصيرة ومتقاربة، الأمر الذي أدهش القانونيين، وأدى بهم إلى التساؤل والاستغراب، وهي ظاهرة تعكس اهتزاز القيم، وقلق الحالة الاجتماعية في الأمة بما كان نتيجة التأثر والاحتكاك بالأمم الغربية "أبو سليمان": عبد الوهاب، التشريع الإسلامي في القرن الرابع عشر الهجري، دراسة ونقد، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الملك عبد العزيز، مكة المكرمة، ع1، س1، (1393، 1394هـ) ص77.
18. فرج: المؤامرة على المرأة المسلمة (مرجع سابق) ص 152.
19. الشهاوي، الأسرة في المجتمع، ص34 مريش،المطالب الدرية، مرجع سابق ص 30.
20. الكوثري: محمد زاهد، الاشفاق على أحكام الطلاق، في الرد على نظام الطلاق الذي أصدره الأستاذ أحمد شاكر القاضي، مطبعة الأندلس، حمص، د.ط، د.ت، ص 3-4.
21. السباعي: مصطفى، المرأة بين الفقه والقانون، المكتب الإسلامي، بيروت، ط5، د.ت ص 59.
22. فرج: المؤامرة على المرأة المسلمة (مرجع سابق) ص 23-24 بتصرف.
23. البهنساوي: قوانين الأسرة، مرجع سابق، ص 22-23.
24. فرج: المؤامرة على المرأة المسلمة (مرجع سابق) ص 151.
25. وتمثل رفع الظلم الواقع من إباحة التعدد في قوانين الأحوال الشخصية بزيادة رسوم الزواج الثاني، اشتراط إذن القاضي، إعلام الزوجة الأولى، جواز اشتراط الزوجة على الزوج في عقد الزواج ألا يتزوج عليها، أنظر: فرج المؤامرة على المرأة المسلمة (مرجع سابق) ص 151.
26. وتم ذلك بعد إيقاع طلاق الثلاث في مجلس واحد، أو بلفظ واحد، طلقة واحدة، وعدم إيقاع الطلاق المعلق أو بغير ألفاظ الطلاق، إلا بعد التحقق من نية الزوج. ومنع الزوج من إيقاع الطلاق إلا بإذن القاضي، والنص على إمهال الزوج قبل إيقاع الطلاق وتكليف حكمين بالإصلاح، ووضع رسوم على الطلاق، وعقوبة على الطلاق التعسفي.. الخ، وتبنت قوانين الأحوال الشخصية هذه الإصلاحات، أنظر فرج: المؤامرة على المرأة المسلمة (مرجع سابق) ص 151.
27. جاء أكثر من تعديل لأكثر من قانون للأحوال الشخصية في البلاد الإسلامية ليمنع تزويج الصغار ويحدد سناً أعلى من السابق لمن يجوز له الزواج من الجنسين، فرج، المؤامرة على المرأة المسلمة (مرجع سابق) ص151. وانظر المادة 2 من قانون رقم 82 لسنة 2001م قانون معدل لقانون الأحوال الشخصية الأردني، والمادة 8، 9 من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 88 لسنة 1959.
28. وقد تم ذلك أيضاً، أنظر: فرج: المؤامرة على المرأة المسلمة، ص 151.
29. أنظر فرج، المؤامرة على المرأة المسلمة، مرجع سابق ص 151مع ملاحظة ما يلي: أُعطيت المرأة النفقة. بمجرد رفع الطلب، وبمجرد العقد لو لم تسلم نفسها للزوج، أخذاً برأي عند الحنفية، خلافاً للجمهور. أنظر: بدر الدين العيني: محمود بن موسى بن أحمد (ت 855هـ) البناية شرح الهداية، تحقيق أيمن صالح شعبان، طباعة دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1420 هـ/2000م، ج13 ص 659.
30. فرج، المؤامرة على المرأة المسلمة، مرجع سابق ص 151.
31. الشايع: خالد بن عبد الرحمن، تنمية المرأة أم تنمية الرذيلة وعولمتها، مجلة الفرقان، ع 126، س12، (رجب 1412هـ/اكتوبر 2000م)ص 46.
32. الشايع، تنمية المرأة، مرجع سابق، ص46.
33. الشايع، تنمية المرأة، مرجع سابق، ص 46.
34. فرج، المؤامرة على المرأة المسلمة، مرجع سابق، ص106.
35. يضاف إلى ذلك:
1. افتقاد القوانين الغربية إلى نظام الأسرة، فالمجتمعات الغربية تخضع في هذا المجال لتعاليم الكنيسة و التقاليد الدينية.
- وجود طوائف غير إسلامية في ديار الإسلام لا ترضى بقانون مدني، يطبق عليها، تمسكاً بمعتقداتها الدينية.
عقله: محمد، نظام الأسرة في الإسلام، مكتبة الرسالة الحديثة، عمان، ط1/1983، ج1، ص15-16 وانظر: الصابوني، نظام الأسرة، مرجع سابق ص 29-30.
36. يمكن معرفة ذلك باستقراء قرارات وتوصيات المجامع الفقهية والمنشورة في المجالات التابعة لها.
37. أنظر أعداد مجلة البعث الإسلامي، الهند، والتي تنشر أبحاثاً عرضت في هذا المجمع كالعدد 7 مجلد 43، وموقع المجمع على الإنترنت:
http://www.hfa.india.org.fighi.htm.
38. أنظر على سبيل المثال: دار الإفتاء المصرية، (الفتاوى الإسلامية) مطابع اأهرام، القاهرة 1413هـ - 1993م، ج1 ص 7555 – 77738.
39. لاحظته من كتب الفتاوى، ومن سؤالي لعدد من المفتين في الأردن.
40. أنظر ص 6 من الدراسة.
41. عقله، نظام الأسرة، مرجع سابق، ج1 ص 63.
42. أنظر: السباعي، شرح قانون الأحوال الشخصية، مرجع سابق، ج1، ص 11-12.
43. أبو زهرة: محمد، الأحوال الشخصية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط2/1369هـ/1950م، ص11 بتصرف.
أبو زهرة، عقد الزواج، مرجع سابق، ص19.
44. عماره: محمد، الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2/1980م، ج1 ص379-384.
45. بقانون انتقال الأموال غير المنقولة، قانون رقم (4) لسنة 1991م والمنشورة بالجريدة الرسمية رقم 3747 تاريخ 16/3/1991م.
46. القبج: سامر، وضع المرأة الأردنية في ظل قانون الأحوال الشخصية الأردني، بحث غير منشور قدم لمؤتمر القضايا المعاصرة للمرأة الأردنية، والذي عقد في الجامعة الأردنية 28-29/3/2001م، ص11.
كما عقدت وزارة العدل المغربية دورة للقضايا حول "توحيد مناهج العمل وتطوير مؤسسة قاضي التوثيق وشؤون القاصرين وقضاء الأحوال الشخصية" تناول مشاكل عدة وحلول مقترحة لها في بحث غير منشور صادر عن مديرية الشؤون المدنية في وزارة العدل المغربية.
47. البهنساوي: قوانين الأسرة، مرجع سابق، ص 79.
48. البهنساوي: قوانين الأسرة، مرجع سابق، ص79.
49. البهنساوي: قوانين الأسرة، مرجع سابق، ص83.
50. جزء من المادة 37.
51. جزء من المادة 69.
52. التقنين: مصدر لقنن، وهي كلمة مولّدة تعني: وضع القوانين. إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط، دار الدعوة، استانبول، د.ط، ط/1989م، ج2 ص769، مادة قنن. واصطلاحاً: صياغة الأحكام الفقهية ذات الموضوع الواحد التي لم يترك تطبيقها لاختيار الناس، بعبارات آمرة، يميز بينها بأرقام متسلسلة ومرتبة ترتيباً منطقياً، بعيداً عن التكرار والاضطراب. أنظر: الزرقا: مصطفى أحمد، المدخل الفقهي العام، دار القلم/دمشق، ط1/1418هـ-1998م، ج1، ص 313.
53. المحامي: محمد فريد بك، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، ط2، 1403هـ - 1983م، ص546. – الزحيلي: وهبة، جهود تقنين الفقه الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1/1408هـ - 1987م، ص26.
54. المواد (914-1007) من المجلة.
55. المحمصاني: صبحي، الأوضاع التشريعية في البلاد العربية، ص 185.
56. الصابوني: عبد الرحمن وآخرون، المدخل الفقهي وتاريخ التشريع الإسلامي، مكتبة وهبة، القاهرة، د.ط، د.ت.
57. أبو سلميان، التشريع الإسلامي، مرجع سابق، ص 66 بتصرف.
58. أبو زهرة، محاضرات في عقد الزواج، مرجع سابق، ص20.
59. أنظر: أبو زهرة، محاضرات في عقد الزواج، مرجع سابق ص 30-31، الأشقر، الواضح، مرجع سابق، ص13.
60. أنظر: عطية: جمال ووهبة الزحيلي، تجديد الفقه الإسلامي، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط1/1420هـ - 2000م، ص 97-99، ومراجع هذه الدراسة.
61. أنظر: قدري: سيد معين الدين، التقليد والتلفيق في الفقه الإسلامي، مجلة المسلم المعاصر، ع39، س10، (1404هـ - 1984م) ص 87-127.
62. القرضاوي: يوسف، الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط، دار التوزيع والنشر الإسلامية، مصر، د.ط/1414هـ - 1994م، ص21.
63. أنظر: المادة رقم (183) من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (61) لسنة 1976م.
64. المراغي: محمد مصطفى، الاجتهاد في الإسلام، مطبعة دار الاجتهاد، القاهرة د.ط، 1379هـ - 1919م، ص39، الزحيلي، الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ج9، ص 35-36.
65. العيني، البناية ج13 ص70، إمام: محمد كمال الدين، في منهجية التقنين، دراسة تحليلية في علم الشرائع، وعلم أصول الفقه، دار المطبوعات الجامعية، القاهرة، د.ط/1997م، ص93.
66. ابن قدامة: موفق الدين أبي محمد عبدالله بن أحمد، المني، دار الفكر، بيروت، ط1/1404هـ - 1984م، ج7 ص 448.
67. عليش: محمد، شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل، دار صار، بيروت، د.ط، د.ت، ج2 ص 370.
68. الميرغيناني: الهداية، مرجع سابق، ج2 ص 34.
69. ابن تيمية: أحمد، مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد قاسم، مؤسسة الرسالة، بيروت، د.ط، 1418هـ - 1997م، ج32، ص 583، ابن القيم: محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ط، 1417هـ - 1996م، ج4، ص74-75.
70. الميرغيناني، الهداية، مرجع سابق، ج2 ص251.
71. أنظر: الصابوني، مدى حرية الزوجين في الطلاق، ج1، ص302.
72. المرتضى: أحمد بن يحيى، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، مؤسسة الرسالة، بيروت، د.ط، د.ت، ج6، ص308. السمرقندي: ناصر الدين أبي القاسم محمد (ت 556هـ)، الفقه النافع، تحقيق د. إبراهيم المعبود، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1/1421هـ/2000م، ج3 ص 1405.
الدردير: أحمد محمد، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، وبهامشة حاشية الصاوي، أخرجه د. مصطفى كمال وصفي، دار المعارف، القاهرة، ج4 ص 585.
الشيرازي: أبو اسحاق، المهذب في فقه الامام الشافعي، تحقيق د. محمد الزحيلي، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ج3 ص 712، المرداوي: علي بن سليمان ت 885هـ، الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق محمد حسن إسماعيل الشافعي، طباعة دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1418هـ - 1997 ج8، ص 383.
73. أبو زهرة: محمد، شرح قانون الوصية، دراسة مقارنة لمسائله وتبيان لمصادره الفقهية، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ط، 1398هـ - 1978م، ص 72.
74. ابن حزم، المحلى، ج9، ص 459، شبلي: محمد مصطفى، أحكام الأسرة في الإسلام، دراسة مقارنة بين فقه المذاهب السنية والمذهب الجعفري والقانون، بيروت، ط2/1397هـ - 1977م، ص127، الكبيسي: محمود مجيد، الصغير بين أهلية الوجوب وأهلية الأداء، مطابع دار الثقافة، الدوحة، د.ط/1403هـ، ص 227. العيني، البناية ج5 ص 80، الدردير، الشرح الصغير ج2 ص 526، الشيرازي، المهذب ج4 ص 125. المرداوي، الانصاف ج7 ص 182-183.
75. ابن رشد: بداية المجتهد، ج2 ص 68 وقال" فإن الجمهور على أن الخلع جائز مع التراضي"، الشيرازي، المهذب، ج3 ص 257. المرداوي، الإنصاف ج8 ص 383. الجندي: أحمد نصر، التعليق على نصوص قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم السنة 2000م، مطبعة أبناء وهبة، القاهرة، ط1/2000م، ص 477-518.
76. أنظر: عقله: نظام الأسرة، مرجع سابق، ج3 ص 193-195، البهى: محمد، الفكر الإسلامي في المجتمع المعاصر، دار الفكر، بيروت، د.ط، د.ت، ص 343.
77. يلاحظ ذلك في موضوع الحضانة للصغير بعد سن معينة، هل تستمر للأم أم تعود للأب، أم يخير الطفل بينهما؟ أخذ بعض القوانين بعودة الحضانة للأب، وأخذت أخرى بما يرى القاضي فيه مصلحة للطفل، أنظر: المادة (161) من قانون الأحوال الشخصية الأردني وأبو سليمان، التشريع الإسلامي مرجع سابق.
78. المادة (65) من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (61) لسنة 1976.
79. المادة (17) من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (61) لسنة 1976.
80. الجنابي: عائدة سالم، المتغيرات الاجتماعية والثقافية لظاهرة الطلاق، دار الحرية بغداد دون طبعة/ 1403هـ - 1983م، ص16.
81. الصابوني، نظام الأسرة، مرجع سابق، ص108.
82. النبهان: محمد فاروق، المدخل للتشريع الإسلامي، وكالة المطبوعات، الكويت، د.ط، د.ت، ص 365-366.
83. البرديسي: محمد زكريا، الأحوال الشخصية، مطبعة دار التأليف، القاهرة، ط1/1385هـ- 1965م، ص343.
84. البرديسي، الأحوال الشخصية، مرجع سابق، ص341-343. ومن الملاحظ أن معارضة العلماء لمشاريع القوانين وتعديلاتها لم تمنع من إقرارها وإن أخرت من ظهورها بحيث ظهرت على التدريج وبصيغ مختلفة تحايلت على مشاعر المسلمين أو سوغت لهم التعديلات حتى رضي بها المسلمون وساعد في ذلك تبني عدد من العلماء لها وإجراء الشروحات عليها.
أنظر: أبو شقه: عبد الحليم، تحرير المرأة في عصر الرسالة، دار القلم، الكويت، ط1/1411هـ - 1991م ج5 ص 308، الشاذلي: نبيل، شرح تعديلات قوانين الأحوال الشخصية، القانون رقم 100 لسنة 1985م طباعة دار النهضة العربية، القاهرة ص 4 – 45.
85. أبو سليمان، التشريع الإسلامي، مرجع سابق، ص77.
86. قدري، التقليد والتلفيق، مرجع سابق، ص 115.
87. قدري، التقليد والتلفيق، مرجع سابق، ص115.
88. أبو سليمان، التشريع الإسلامي، مرجع سابق، ص77.
89. النبهان، محمد فاروق، القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية، مجلة أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، ع7، (1411هـ - 1990م) ص 109-122.
90. الأشقر، الواضح، مرجع سابق، ص13.
91. أبو سليمان، التشريع الإسلامي، مرجع سابق، ص77.
92. أبو سليمان، التشريع الإسلامي، مرجع سابق، ص77.
93. إمام، في منهجية التقنين، مرجع سابق، ص 47.
94. إمام، في منهجية التقنين، مرجع سابق، ص47.
95. الفاسي: علال، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، مكتبة الوحدة العربية، دار البيضاء، د.ط، د.ت، ص 163-179، عمارة، الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، مرجع سابق، ج2، ص125، المحتسب: عبد المجيد عبد السلام، اتجاهات التفسير في العصر الحديث، دار الفكر، بيروت، ط1/1393هـ- 1973م، ص 183-189.
96. القرضاوي: يوسف، الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه، دار الصحوة، القاهرة، ط2/1414هـ- 1995م، ص 117.
97. إمام، في منهجية التقنين، مرجع سابق، ص1.
98. السباعي: مصطفى، المرأة بين الفقه والقانون، المكتب الإسلامي، بيروت، د.ط، د.ت، ص 59.
99. الأشقر: عمر وآخرون، تقرير حول الملاحظات على قانون الأحوال الشخصية، بحث غير منشور، ص1.
إن هذه الملاحظات لم تمنع المشرع الأردني من الاستجابة للضغوط المختلفة وإخراج قانون مؤقت للأحوال الشخصية دون مراعاة هذه الملاحظات حيث رفع سن الزواج إلى ثماني عشرة سنة شمسية. أنظر م2 من القانون المؤقت رقم 82 لسنة 2001م.
100. قدري، التقليد والتلفيق، مرجع سابق، ص119.
101. آل تيمية: مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن أحمد وآخران، المسوّدة في أصول الفقه، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة، د.ط، د.ت، ص 200.
102. الكوثري، الإشفاق، مرجع سابق، ص4.
103. بكار: يوسف إحياء التراث لماذا وكيف؟ مجلة العربي، الكويت، ع 270، (1401هـ - 1981م) ص62-63.
104. قدري، التقليد والتلفيق، مرجع سابق، ص120.