الصفة كشرط لقبول الدعوى

[الصفة كشرط لقبول الدعوى]



من إعداد الطالبين القاضيين:



· ساري نصر جمال



· بن منـاح فاروق



الدفعة السادسة عشر



2005 ـ 2008



مقدمــــــــــــة



مع تطور المجموعة الإنسانية، و ظهور الدولة بمفهومها الحديث، بادي ذي بدء إلى منع كل فرد من أن يقضي حقه بنفسه، و ألزمته باستخدام إليه الدعوى.

تعد الدعوى الانجازات الكبرى في تاريخ البشرية، و نقطة تحول في المسار الإنساني المعاصر، إذ من خلالها انتقل الإنسان من حياة يسيطر عليها قانون الغاب إلى حياة التمدن، و إذا كانت الدعوى هي الوسيلة التي كلفتها الدولة لكل فرد بغية الذود عن حقه المعتدى عليه، فإنها محاطة بالغموض نتيجة تقصير الفقه الجزائري تجاهها.

لقد انقسم الفقه في تعريف الدعوى إلى مذهبين، ففي الوقت الذي يوحد فيه الاتجاه التوحيدي بين الحق الموضوعي و الحق في الدعوى، و إن هذا الأخير لا يعد و إن يكون الحق الموضوعي في حالة حرك. ذهب الاتجاه القائم على فكرة الاستقلالية إلى القول أن الدعوى هي المطالبة القضائية، أي أنها ليست سوى حق الالتجاء للقضاء.لقد تعرض المذهبين السالف الذكر إلى نقد لاذع، مما حتم البحث عن تعريف جديد للدعوى، فعرفت بأنها « احد الحقوق الإجرائية التي هي سلطة يمنحها القانون بطريق مباشرا أو غير مباشر لشخص ما من اجل حماية حقه أو مركزه القانوني وفق الشكل الذي يحدده القانون » و مصدر هذا التعريف هو قانون الإجراءات المدنية، غيران ما أعيب على هذا التعريف هو سيطرة الطابع الإجرائي عليه، إذ لا يعبر عن الماهية الحقيقية للدعوى، أيضا فان مصدر الحق في الدعوى ليس قانون الإجراءات المدنية إنما الاعتداء على الحق أو المركز القانوني.

لعل أفضل تعريف يمكن النزول عنده للدعوى، هو أن الحق فيها من الحقوق الإرادية التي تنشا جراء الاعتداء على الحق أو المركز القانوني، فيخول لصاحبه الحق في الحصول على الحماية القضائية.

لقد كانت الدعوى في القانون الروماني مسماة، بحيث لا تكون مقبولة إلا إذا كانت تدخل ضمن القائمة المعدة سلفا، أما التشريعات الحديثة فلم تحدد الدعاوى التي يجوز عرضها أمام القضاء، إنما تقبل أية دعوى طالما توفرت فيها شروط القبول التي يحددها القانون دون الحاجة إلى وجود نص صريح يقرر حق الدعوى.

استنادا إلى ما سبق و بمجرد وقوع الاعتداء على الحق أو المركز القانوني ينشا الحق في الدعوى لصاحب ذلك الحق أو مركز الحق القانوني المعتدى عليه، يثبت هذا الحق لكل شخص يمتع بأهلية الاختصام بغض النظر عن أهلية التقاضي، و قد اختلف الفقه في حصر شروط قبول الدعوى، فذهب البعض إلى اعتبارها شرط وحيد هوا لمصلحة مثل منهج التشريع المصري و اللبناني، فيما جعلها البعض الأخر شرطين اثنين هما المصلحة و الصفة، مع إضافة شرط ثالث هو استيفاء القيد المقرر قانونا.

إذا كانت المصلحة في الدعوى هي الفائدة أو المنفعة أو الميزة التي يسعى المدني لتحقيقها جراء الحكم له بما طلب، فان الشرط المتعلق باستيفاء القيد المقرر قانونا هو جملة القيود التي وضعها المشرع على المتقاضي قبل اللجوء إلى القضاء.

تبعا لما سبق يثور التساؤل بشان شرط الصفة باعتباره احد شروط قبول الدعوى؟ من اجل الإجابة على هذا التساؤل أنجزنا هذا البحث.

إن أهمية دراسة هذا الموضوع تتجسد على خلفية الأسباب التالية:

ﺃ- لم تحظى نظرية الدعوى بالعناية اللازمة من المشروع الفرنسي و المصري و من بعدهما المشرع الجزائري، فلم يستجيبوا إلى من نادى بوجوب تعريف الدعوى و تفضيل شروط قبولها بصورة وافية، معتقدين أن هذه المسائل من اختصاص الفقه، و تبعا لذلك ظلت الصفة في الدعوى محاطة بنوع من اللبس و الغموض سيما أن مصطلح الدعوى يستعمل خطا في بعض الأحيان للدلالة على الخصومة أو المطالبة القضائية.

ب- إن المشرع الجزائري و على نقيض نظيره المصري، اعتبر الصفة في الدعوى شرط قبول مستقل بذاته، في الوقت الذي دمج فيه التشريع المصري الصفة بالمصلحة معتبرا إياها المصلحة الشخصية المباشرة، و عليه فان إفراد الصفة في الدعوى بالدراسة من شانه إماطة اللثام عن الفرق الجوهري بين تشريعنا الوطني و التشريع المقارن سيما المصري.

ج- ترتبط الصفة في الدعوى بعديد المشاكل التي تتعلق أساسا بوضع شروط قبول الدعوى برمتها، فهل تناقش الدفوع بشأنها في الشكل أو الموضوع أم أنها ذات طبيعة خاصة.

على الرغم من أن دراسة هذا الموضوع قد يبدو منصبا على جزئية بسيطة، إلا أن المتعمق فيه يكشف أن موضوع الصفة في الدعوى أكثر اتساعا من أن يعالجا في مذكرة نهاية التكوين، أو غير ذلك......، و عليه فقد حاولنا في هذا البحث التعرض إلى النقاط الأساسية و التركيز قدر الإمكان على الحلول العلمية لبعض الإشكالات دون الخوض في الفقه بصورة معمقة، مع تسليط الضوء على عدد من المفاهيم التي نعتقد أنها تستحق شيئا من الإفاضة في الشرح مثل الصفة الإجرائية، و الاستثنائية. كما تعرضنا إلى موضوع قد ينظر إليه انه غلب عليه الطابع التوجيهي و هو الأحكام القاضية بعدم قبول الدعاوى لغياب الصفة،مع أن سبب وضع مثل هذا العنصر هو محاولة عكس أحكام الصفة في مثل تلك الأحكام القضائية.

تضمنت خطة البحث ثلاثة فصول:

الفصل الأول تناول الصفة العادية و الإجرائية و الاستثنائية في الدعوى، إذ درس بنوع من الإفاضة تلك المفاهيم، مبينا أنها لا تشكل أنواع للصفة في الدعوى، إنما لكل منها موضع خاص به، فاللجوء إلى الصفة الإجرائية يكون علاوة على ثبوت الصفة العادية، أما الصفة الاستثنائية عن القاعدة و تحل محل الصفة العادية.

الفصل الثاني تعرض إلى عدد من المشاكل التي تثيرها بعض الدعاوى حول الصفة، سيما مسالة ثبوت الصفة لدى الغير و عند تعدد أطراف الحق، و موضوع الصفة في الدعاوى الجماعية وهي دعاوى الجمعيات و النقابات و الدعاوى العامة التي هي دعاوى النيابة العامة سواء في مركز المدعي أو المدعى عليه.

لقد رأينا تسمية هذا الفصل ب ًًالمشاكل..."انطلاقا من أن هذه المسائل تشذ عن القاعدة العامة التي تقتضي أن ترفع الدعاوى من ذي على ذي صفة ، وان الحق في الدعوى ينصرف إلى صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه دون غيره ،والطرف السلبي هو المدعى عليه الذي يجب أن يكون بدوره المعتدي على الحق أو المركز القانوني للمدعي . ففي دعاوى النيابة العامة على سبيل المثال لا الحصر تثبت الصفة لها كمدعي أو مدعى عليه في بعض الدعاوى مع أنها ليست صاحبة الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه،أو أنها معتدية علبه ،مع عدم الخلط بين الصفة الاستثنائية التي سلفت الإشارة إليها ودعاوى النيابة العامة.

الفصل الثالث تناول أحكام الصفة في الدعوى،أي الضوابط التي تتعلق بها ومنها ارتباط الصفة بالشكل أو الموضوع،وعلاقتها بالنظام العام ،كما تعرض إلى حالة اكتساب الصفة أثناء نظر الدعوى ـــأي بعد رفعها وقبل الفصل فيهاـــ وأيضا حالة زوالها بنفس الأوضاع،وأخيرا و كحوصلة الأحكام القضائية القاضية بعدم القبول لانتفاء الصفة.

أن موضوع الصفة في الدعوىــ على أهميته واتساعه ــ ظل مغمورا ومعزولا من قبل فقهاء القانون سيما الجزائريين منهم ،مع عدم التقليل من أهمية عديد الكتابات في هذا الشأن ،وعليه فان أكثر ما أعاق انجاز هذا البحث هو ندرة المراجع الوطنية ما حتم التعامل مع المراجع خصوصا التي تختلف مرجعيتها التشريعية عنا في جزئيات كثيرة سينا حين يتعلق الأمر بالصفة في الدعوى.

كما أن هذا البحث افتقدــ عن عمد ــلنماذج الأحكام القضائية الفاصلة في شان الصفة ،واكتفى باجتهاد المحكمة العليا، ويعود ذلك لسببين اثنين:

أــلقد تم تخصيص مطلب مستل يتكلم عن الأحكام القاضية بعدم القبول لغياب الصفة .

ب ـــ إن الواقع القضائي إلى حد ما ابعد ما يكون عما يجب أن يكون عليه، فالتغيير لا بد أن ينطلق من القانون والفقه، وليس من العادة، لذلك رأينا الاكتفاء برسم صورة الحكم الفاصل في الصفة دون إدراج نماذج من الواقع العملي.

أخيرا نرجوا من الله تعالى أن يكون قد وفقنا إلى ما نرمي إليه بهذا العمل المتواضع الذي لا يعدو أن يكون قطرة من فيض.

















الفصل الأول

الصفة العادية والإجرائية والاستثنائية في الدعوى

إن الدعوى هي الوسيلة التي يذود بها الفرد عن حقه, غير أن الحق في الدعوى لا ينشئ إلا في حالة الاعتداء على الحق أو المركز القانوني, وليس لغير صاحب الحق أو المركز القانوني المتعدى عليه أن يمارس الحق في الدعوى, غير أنه وإذا وجدت استحالة قانونية أو مادية تحول دون رفع الدعوى ومباشرتها فإن القانون منح صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه إمكانية حلول شخص آخر محله، ويكون ذلك نيابة عنه.

كما أجاز القانون وعلى سبيل الاستثناء لغير صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه ممارسة الحق في الدعوى, وذلك لاعتبارات محددة.

إن ممارسة صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه لحقه في الدعوى بنفسه هو ما يعبر عنه بالصفة العادية في الدعوى, في حين تمثل الصفة الإجرائية صلاحية الشخص الذي يمثل صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه لمباشرة الإجراءات وذلك بناء على نيابة اتفاقية أو قانونية, أما الصفة الاستثنائية فهي أن يمنح القانون الحق في الدعوى لطرف مستقل عن صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه, وهي على هذا الأساس لا تثبت إلا بنص قانوني.

ومن أجل معالجة هذا الموضوع رأينا أن يقسم هذا الفصل إلى مبحثين, الأول تعرض إلى الصفة العادية في الدعوى, فيما تناول الثاني الصفتين الإجرائية والاستثنائية, وذلك على اعتبار أن القاضي يتحقق في جميع الأحوال من توافر الصفة العادية في الدعوى من عدمه.





















المبحث الأول

الصفة العادية في الدعوى



تنص المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية في فقرتها الأولى أنه: " لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لصفة ...التقاضي...".

على الرغم من أن التشريع أدرج الصفة ضمن شروط قبول الدعوى, إلا أنه لم يتولى تعريفها تاركا بذلك مسألة الخوض فيه للفقه القانوني, هذا الأخير أخذ أكثر من منحى في إعطاء مفهوم للصفة باعتبارها شرط لقبول الدعوى سيما في مسألة علاقتها بالمصلحة الشخصية المباشرة.

وأيا يكن الأمر, ورغم أن التشريع الجزائري لم يعط التعريف الذي اعتمد عليه في تعامله مع الصفة بصورة صريحة, إلا أنه بوسعنا أن نتلمس المذهب الفقهي الذي سار معه من خلال النصوص التشريعية, والاجتهادات القضائية.

ومنه فقد تضمن هذا المبحث مطلبين, الأول تعرض إلى مفهوم الصفة ( الصفة العادية في الدعوى), فيما تناول الثاني خصائص الصفة العادية في الدعوى.



































المطلب الأول: مفهوم الصفة في الدعوى.

انقسم الفقه القانوني في تحديد مفهوم الصفة في الدعوى إلى خمسة مذاهب :

1- المذهب الأول : ذهب جانب من الفقه إلى إدماج الصفة في المصلحة الشخصية المباشرة, ويتزعم هذا المذهب الدكتور احمد أبو الوفاء و محمد عبد السلام مخلص والدكتور عبد المنعم الشرقاوي...، ويرى أنصار هذا التوجه أن المصلحة هي مناط الدعوى[1] ، غير أن المصلحة لا يعتد بها في الدعوى إلا إذا كانت قانونية, أي أن يكون موضوع الدعوى هو المطالبة بحق أو مركز قانوني، أو التعويض عن ضرر أصاب حقا من الحقوق, وأن لا تكون مخالفة للنظام العام والآداب العامة كما يشترط أن تكون المصلحة شخصية و مباشرة, أي أن رافع الدعوى هو صاحب الحق أو المركز القانوني المتعدى عليه، و المصلحة الشخصية المباشرة هي الصفة في رفع الدعوى [2] . ومنه ــ وحسب رأي أصحاب هذا المذهب ــ فإن فصل الصفة عن المصلحة الشخصية المباشرة لا طائل منه ،وقد وجد هذا الرأي صدى في التشريع و القضاء المصري، كما أن محكمة النقض المصرية دأبت على غرار التشريع على وصف الصفة بالمصلحة الشخصية المباشرة.

2- المذهب الثاني: على النقيض من المذهب الأول يرى أنصار هذا المذهب أن الصفة في الدعوى هي شرط مستقل تماما عن المصلحة الشخصية المباشرة،وتعرف الصفة حسب مؤيدي هذا التوجه بأنها السلطة التي يباشر بمقتضاها الشخص الدعوى القضائية أمام القضاء، وهي تكون عادة لصاحب الحق المدعي به ، أو لمن تلقى الحق عنه بأي طريق كان, كما ثبت أيضا لممثل الشخص الاعتباري, ولممثل صاحب الحق المطالب لحمايته أمام القضاء، أو لمن حل محله في الإدعاء، وللنيابة العامة في بعض الحالات. والفصل بين المصلحة الشخصية والمباشرة من جهة والصفة من جهة ثانية يقوم على أساس أن الأولى هي الفائدة التي تعود على الشخص جراء رفعه لدعواه، فيما تمثل الثانية سلطة مباشرة تلك الدعوى[3].

3- المذهب الثالث: يميز أنصار هذا المذهب بين فرضين:

أ - الفرض الأول: حين يكون رافع الدعوى هو نفسه صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، هنا تتحد الصفة في الدعوى مع المصلحة الشخصية المباشرة.

ب- الفرض الثاني: حين يكون رافع الدعوى شخص آخر غير صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، غير أنه يرفع الدعوى باعتباره نائبا عن صاحب الحق أو المركز القانوني، هنا تتميز الصفة عن المصلحة الشخصية المباشرة[4].

4- المذهب الرابع: يقوم هذا المذهب على التمييز بين حالتين:

أ- الحالة الأولى: حين يتقاضى الشخص دفاعا عن مصلحته الشخصية المباشرة، نكون هنا إزاء اندماج بين الصفة في الدعوى والمصلحة الشخصية المباشرة.

ب - الحالة الثانية: تستعمل الصفة بمعنى يتميز عن المصلحة الشخصية المباشرة حين لا يكتفي المشرع بالمصلحة كشرط لرفع الدعوى، ويشترط علاوة على ذلك توفر الصفة لدى الشخص مثل صفة الزوج بالنسبة لدعوى الطلاق[5].

5- المذهب الخامس: يفضل أنصار هذا التوجه التمييز بين شرطي الصفة، والمصلحة في الدعوى، وذلك لسببين أساسيين هما :

أ- نصت المادة 94 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري "تقبل طلبات التدخل في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ممن لهم مصلحة في النزاع" حيث تعرضت للمصلحة دون الصفة، فيما نصت المادة 459 من نفس القانون على أن الصفة شرط منفصل عن المصلحة في قبول الدعوى، مما يؤكد أن المشرع الجزائري قد فصل صراحة بين الصفة والمصلحة الشخصية المباشرة.

ب- الصفة لا تشترط في المدعي بمفرده، إنما لابد من توافرها في المدعي عليه أيضا إذ لابد أن ترفع الدعوى من ذي صفة على ذي صفة[6]، خلاف المصلحة الشخصية المباشرة التي لا يمكن تصورها في المدعي عليه كونه الطرف السلبي في الدعوى على خلفية أن الحق في الدعوى هو حق إرادي يحدث أثره القانوني بمجرد ممارسته وفق الشكل الذي نص عليه القانون.

- من خلال ما سبق، نجد أن الصفة العادية في الدعوى تثبت لصاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، أما بالنسبة للمدعى عليه فتثبت لديه الصفة بمجرد ثبوت قيامه بالاعتداء على الحق أو المركز القانوني للمدعي إن الصفة التي تثبت لصاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه شخصيا هي في الحقيقة ما يعبر عنه بالصفة العادية في الدعوى، وعلى القاضي أن يتأكد من توافرها في جميع الدعاوى أيا كانت طبيعتها.

- على الرغم من أن القانون كفل لصاحب الحق أو المركز القانوني الذود عن حقه أو عن مركزه القانوني بواسطة الحق في الدعوى الذي يمثل الحماية القضائية، فإن هذه الحماية لا تستمر إلى الأبد، إذ تتوفر لمدة معينة، فإن لم يمارس الحق في الدعوى خلال تلك الفترة سقط بالتقادم على أساس أن الحقوق الشخصية تسقط بالتقادم والحق في الدعوى من الحقوق الشخصية، وفي حال سقوط هذا الحق فقد صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه الصفة في الدعوى، غير أن القانون جعل هذه الفترة تختلف حسب طبيعة الدعوى، وموضوعها و...الخ.

ومنه فإن الصفة في الدعوى ليست على إطلاقها إذ لها مجموعة من الخصائص الواجب توافرها من أجل قبولها، هذا الأمر سوف نتطرق إليه في المطلب الثاني.

المطلب الثاني: خصائص الصفة العادية في الدعوى

كما سلفت الإشارة إليه، فإن الصفة العادية في الدعوى تثبت لفترة معينة، ثم تنقضي عقب تلك الفترة، وتختلف تلك الفترة تبعا لطبيعة الدعوى، كما تحتسب ابتداء من تاريخ وقوع الاعتداء على الحق أو المركز القانوني أي من تاريخ نشأة الحق في الدعوى ـ هذا كأصل عام ـ وأحيانا يحدد القانون تاريخ مختلف لاحتسابها.

ومن أمثلة الدعاوى التي تحتسب فيها مدة تقادم الحق في الدعوى ابتداء من تاريخ وقوع الاعتداء على الحق أو المركز القانوني نذكر:

1- دعوى الشفعة: إذ يفقد صاحب الحق في الشفعة حقه في رفع دعواه، إذا لم يمارس ذلك الحق خلال مدة أقصاها سنة ابتداء من تاريخ تسجيل عقد البيع في الأحوال التي ينص عليها القانون. وذلك طبقا لنص المادة 807 من القانون المدني الجزائري.

2- دعوى الغبن المنصوص عليها في المادة 90 من القانون المدني الجزائري: إذ يفقد صاحب هذه الدعوى حقه فيها بمرور سنة واحدة ابتداء من تاريخ إبرام العقد.

3- دعاوى الحيازة: تنص المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري أن جميع " الدعاوى الخاصة بالحيازة فيما عدا دعوى استرداد الحيازة ... لا تقبل دعاوى الحيازة، ومن بينها دعوى استردادها إذ لم ترفع خلال سنة من تاريخ التعرض"

أمثلة عن الدعاوى التي يسقط فيها الحق في الدعوى بعد انقضاء أجل معين، غير أن هذا الأجل يحتسب ابتداء من تاريخ يختلف عن تاريخ الاعتداء على الحق أو المركز القانوني :

1- دعاوى الضرائب والرسوم المستحقة للدولة: نصت المادة 311 من القانون المدني الجزائري أن دعاوى الضرائب والرسوم المستحقة للدولة، يتقادم الحق في الدعاوى فيها بعد مرور أربع سنوات، غير أن هذه الفترة تحتسب ابتداء من نهاية السنة التي تستحق عنها، وفي الرسوم المستحقة عن الأوراق القضائية من تاريخ انتهاء المرافعة في الدعوى، ومن تاريخ تحريرها إذ لم تحصل مرافعة.

2- دعوى استرداد ما دفع بغير حق: وهو ما نصت عليه المادة 149 من القانون المدني الجزائري، حيث يسقط الحق في الدعوى بمرور عشر سنوات, تحتسب من تاريخ علم من دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد، وهذا خلاف القاعدة العامة التي تقتضي أن يكون احتساب تلك الفترة من تاريخ الاعتداء على الحق أو المركز القانوني. أي من تاريخ دفع غير مستحق.

- الصفة العادية في الدعوى لصيقة بالشخص، فهي من جهة المدعي لا تثبت إلا لصاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، ومن جهة المدعى عليه، هي لا تتوفر إلا فيمن يثبت ضده اعتدائه على حق المدعي أو مركزه القانوني، غير أن هذه الخاصية في الصفة لا يجب أن تخلط مع الحق في الدعوى الذي يقبل التنازل، كما أنه قابل للتصرف فيه عن طريق حوالة الحق، وحوالة الدين، ومفاد ذلك أن الشخص المحال إليه يكتسب صلاحية ممارسة الحق في الدعوى، واستلام التعويضات وغير ذلك.....

- الصفة العادية في الدعوى قابلة للإثبات عبر وسائل الإثبات المنصوص عنها في القانون المدني ، و قانون الإجراءات المدنية ،و هي البينة،الكتابة الرسمية أو العرفية،المعاينة،الخبرة،القرائن القانونية أو القضائية، كما يمكن ثبوتها من خلال الوسائل المعفية من الإثبات،و التي هي الإقرار،اليمين... الخ.

ففي دعوى الدين مثلا "على القاضي أن يتحقق من أن المدعي دائن،و أن المدعى عليه مدين، فإن عجز المدعي على إثبات انه دائن ، و أن مدينه هو الطرف السلبي في الدعوى ، قضى القاضي بعدم قبول الدعوى لغياب صفة الدائن لدى المدعي من جهة ،وصفة المدين لدى المدعى عليه من جهة اخرى ،وهذا خلاف الصفة الاجرائية و الاستثنائية ــ كما سيرد شرحه لاحقا ــ التي تثبت بنفس الاحوال المنوه عليها اعلاه.



- على الرغم من أن الصفة العادية في الدعوى ،وعلى خلفية كونها تثبت لصاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه تتقارب إلى حد بعيد مع المصلحة الشخصية المباشرة، فإن القانون فرض- في أحيان عدة- ضوابط تتعلق بتوافرها،حيث ألزم الزوج الذي يرغب في انحلال الرابطة الزوجية بواسطة الطلاق ، أن يثبت صفته كزوج في الدعوى بمستخرج من سجل الحالة المدنية، وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم قضائي ،و هو ما نصت عليه المادة 22 من قانون الأسرة الجزائري المعدل و المتمم بموجب الأمر رقم 05-02 المؤرخ في 27 فيفري2005 ،هذا رغم أن عقد الزواج ينعقد بمجرد تبادل الإيجاب و القبول بين الزوجين وفق ما أوردته المادة 09 من نفس القانون (قانون الأسرة).

- الصفة العادية في الدعوى تتحد في غالب الأحيان مع موضوع الدعوى برمته ،فالقاضي حين يتفحص توافر الصفة العادية ،هو في الحقيقة يبحث وجود الحق المدعى به من عدمه ، ومنه فإن نهاية الدعوى بالرفض لعدم الـتأسيس لا يعدو أن يكون عدم قبول الدعوى لغياب الصفة ،سواء تعلق الأمر بالمدعي أو المدعى عليه ، غير أن هذا الغياب قد يكون سببه أن الصفة سبق و أن توافرت ثم انقضت

بفعل عامل ما مثل مالك العقار الذي يعتدى على حقه في الملكية ، حيث يحوز المعتدي العقار لمدة تفوق

خمس عشرة سنة ، هنا إن رفع المالك الأصلي دعوى الملكية حكم بعدم قبول الدعوى لغياب الصفة على

أساس سقوط الحق في الدعوى بمرور خمسة عشر سنه ابتداء من تاريخ الاعتداء على الحق وفق أحكام القانون المدني الجزائري .

و بالمقابل فإن غياب الصفة قد يعود إلى عجز المدعي عن إثبات إدعائه ، كالدائن الذي لا يقوى على إثبات الدين المستحق له في ذمة المدعى عليه أي الدائن ، هنا – وفي هذه الحالة – فإن الحكم القاضي برفض الدعوى لعدم التأسيس أو عدم قبول الدعوى لعدم إثبات صفة الدائن أو صفة المدين لا يطابق بالضرورة بين الحقيقة القضائية التي توصل إليها الحكم السابق الذكر و الحقيقة الواقعية التي قد تختلف إذ قد تكون هناك فعلا علاقة دائنية بين المدعي و المدعى عليه إلا أن عدم الإثبات حال دون مطابقة المركز القانوني للمركز الواقعي.



























المبحث الثاني

الصفة الإجرائية و الاستثنائية

الأصل أن صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه يستعمل دون غيره حقه في الدعوى أمام القضاء  سواء كان ذلك بنفسه أو بواسطة شخص ينوب عنه نيابة قانونية أو اتفاقية [7] ــ غير أنه و في بعض الأحوال تتواجد استحالة قانونية أو مادية تمنع صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه من استعمال حقه بنفسه[8] , وهو ما يعبر عنه بالصفة الإجرائية .

أيضا قد يرد استثناء على القاعدة، إذ ينص القانون صراحة على حلول شخص محل صاحب الصفة العادية (الأصلية) في الدعوى وهو ما يسمى بالصفة الاستثنائية.

من اجل معالجة كل من الصفتين الإجرائية و الاستثنائية في الدعوى ارتأينا أن يقسم هذا المبحث إلى مطلبين اثنين ، حيث اختص الأول بالصفة الإجرائية فيما عني الثاني بالصفة الاستثنائية.

































المطلب الأول : الصفة الإجرائية.

تفيد القاعدة أن الدعاوى القضائية لا تكون مقبولة إلا من صاحب الحق أو المركز القانوني أو من ينوب عنه [9], وقد تكون هذه النيابة قانونية أو اتفاقية كما سلفت الإشارة إليه ، و حسب تعبير الفقه الإيطالي في رفع الدعاوى القضائية فان الشخص الذي يباشر الدعاوى في هذا الموضع باسم من يمثله ، وليس باسمه الخاص، ذلك أنه لا يحوز الحق في الدعوى أصلا[10]. ومنه فالصفة الإجرائية تثبت للشخص الذي ينوب عن صاحب الحق في الدعوى الأصلية، أي من تثبت له الصفة العادية، وعلى هذا الأساس فإن الصفة الإجرائية لا تعدو أن تكون التمثيل القانوني[11] ، وقد عبر عنها الفقه القانوني المصري بالحلول الإجرائي[12].

أولا: تعريف الصفة الإجرائية

الصفة الإجرائية هي صلاحية الشخص لمباشرة الإجراءات (إجراءات المطالبة القضائية)[13]، وقد يكون صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه يتوافر على تلك الصلاحية بموجب القانون فنكون هنا أمام حالة يحوز فيها نفس الشخص الصفة العادية في الدعوى و الصفة الإجرائية.

غير أن صاحب الصفة العادية في الدعوى قد تعتريه استحالة مادية أو قانونية تحول دون اكتسابه صلاحية مباشرة إجراءات المطالبة القضائي،,فيخول القانون تلك الصلاحية لشخص آخر:

1- الاستحالة المادية :

وهي عدم القدرة على مباشرة إجراءات المطالبة القضائية بسبب الطبيعة أو وجود عائق مادي، ومن أمثلة ذلك نذكر:

أ- الغائب: يرفع الغائب الدعاوى بواسطة وكيله[14], كما أن الدعاوى التي ترفع عليه يجب أن تكون على وكيله أيضا, وقد نصت المادة 574 من القانون المدني الجزائري أن تكون الوكالة خاصة للمرافعة نيابة عن الغير.

إن النيابة التي ينوب بها الوكيل عن صاحب الصفة العادية في الدعوى هي نيابة اتفاقية كونها تتم من خلال الوكالة الخاصة التي سبقت الإشارة إليها.

ب- الشخص المعنوي: قبل معالجة هذا العنصر لا بد من التفرقة بين الشخص الاعتباري( المعنوي) العام,و الخاص:

ـــ الشخص الاعتباري العام: لقد نصت عليه المادة السابعة من قانون الإجراءات المدنية،وهو : الدولة ،الولاية،المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية ،البلدية.

ـــ الشخص الاعتباري الخاص: نصت المادة 49 من القانون المدني أن الشخص الاعتباري هو كل مجموعة يمنحها القانون شخصية اعتبارية. وعليه فإن الشخص الاعتباري الخاص هو أشخاص القانون الخاص الذين منحهم القانون الشخصية المعنوية هذه الأخيرة تعني حسب نص المادة 50 من القانون المدني تمتع الشخص الاعتباري بجميع الحقوق التي يتمتع بها الشخص الطبيعي إلا ما كان ملازما لصفة الإنسان في حدود القانون، كما انه يتمتع بذمة مالية خاصة به مستقلة عن الذمة المالية للمجموعة التي تكونه و له الحق في التقاضي*

ب-1- الصفة الإجرائية لدى الشخص الاعتباري :

ب1-1- الشخص الاعتباري العام : يمكن للشخص المعنوي العام أن يتقاضى أمام القضاء الإداري أو العادي[15] :

ـ الدولة: تنص المادة 169/3 من قانون الإجراءات المدنية أنه يجب أن يكون الطعن ومذكرات الدفاع المقدمة من الدولة موقع عليها من الوزير المختص...

كما تنص المادة52 من القانون المدني أن وزير المالية يمثل الدولة في حالة المشاركة المباشرة في العلاقات التابعة للقانون المدني وذلك مع مراعاة الأحكام الخاصة المطبقة على المؤسسات ذات الطابع الإداري و المؤسسات الاشتراكية.

- من خلال النصين السابقين نجد أن الصفة الإجرائية تثبت للوزير المختص في المنازعات الإدارية,وتثبت لوزير المالية للعلاقات التابعة للقانون المدني.

ــ الولاية: تنص المادة 87 من قانون الولاية أن الوالي هو ممثل الولاية كمدعية أو مدعى عليها أمام القضاء, وتنص المادة 54 من نفس القانون أنه يمكن لرئيس المجلس الشعبي الولائي – و كاستثناء- أن يطعن لدى الجهة المختصة باسم الولاية في كل قرار صادر عن وزير الداخلية يثبت بطلان أية مداولة أو يعلن إلغاءها أو يرفض المصادقة عليها[16]. وذلك على أساس أن المجلس الشعبي الولائي هو هيئة مداولة في الولاية, و منه كفل لها (له) القانون الدفاع عن مداولاته أمام القضاء.

- إن المديريات التابعة للولاية لا تكتسب الصفة الإجرائية في تمثيل الولاية أمام القضاء بدل الوالي, غير أن هذا الأخير قد يمنح تفويض للمدراء المحليين.

- استقرت المحكمة العليا أن رئيس الدائرة يعتبر ممثلا لدائرة إدارية لا تتمتع بالشخصية المعنوية و الذمة المالية,وليست لها الصفة الإجرائية.

ــ البلدية: تنص المادة 58 من قانون البلدية أن رئيس المجلس الشعبي البلدي يمثل البلدية أمام القضاء[17]. 

و بالمقابل فإنه إذا تعلق الأمر ببطلان آو رفض المصادقة على أية مداولة من السلطة الوصية، فإنه طبقا لنص المادة 46 من قانون البلدية للمجلس الشعبي البلدي أن يتوجه إلى القضاء المختص للطعن في قرارات البطلان أو رفض المصادقة عليها كما تنص المادة 66 من نفس القانون (قانون البلدية)أنه إذا كانت مصالح رئيس المجلس الشعبي البلدي تتعارض مع مصالح البلدية فإن للمجلس أن يعين أحد أعضائه لتمثيل البلدية أمام القضاء[18].

ــ المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية: ينصرف التمثيل القانوني (الصفة الإجرائية) في المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية إلى المدير أو الشخص الذي يحدده القانون.

ب1-1- 2- الشخص الاعتباري العام أمام القضاء العادي :

تنص المادة الأولى من القانون رقم 63/198 المؤرخ في 08/06/1963 على إنشاء وكالة قضائية داخل وزارة المالية تسند إلى الوكيل القضائي للخزينة الذي يقوم تحت إشراف وزير المالية بتمثيل الدولة في كل دعوى ترفع أمام المحاكم من القضاء العادي[19] حيث تنصرف الصفة الإجرائية في هذه الحالة الى الوكيل القضائي، فيما تشكل الدولة باعتبارها دائن أو مدين صاحبة الصفة العادية في الدعوى.

الولاية يمثلها الوالي، فيما يمثل رئيس المجلس الشعبي البلدي البلدية، أما المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية فتنصرف الصفة الاجرائية الى ممثلها القانوني وهو المدير او الشخص الذي يحدده القانون .

ب-1- 2- الشخص الاعتباري الخاص: تنصرف الصفة الإجرائية إذا كان صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه من أشخاص القانون الخاص الاعتباريين، إلى الممثل القانوني لهذا الشخص،

- إن الممثل القانوني يختلف من شخص اعتباري لآخر تبعا لما ينص عليه القانون:

ب-1- 2-1- الشركات:

تنص المادة 549 من القانون التجاري انه لا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية الا من تاريخ قيدها في السجل التجاري.

- تتثبت الصفة الإجرائية في الشركة التضامن حسب المادة 544 من القانون التجاري الجزائرية لدى مدير الشركة.

- في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، تنصرف الصفة الإجرائية إلى مديرها.

- حسب نص المادة 638 من قانون التجاري، فإن الصفة الإجرائية تثبت لدى رئيس مجلس الادارة في شركة المساهمة .

ب-1-2-2- المستثمرة الفلاحية الجماعي:

تعتبر المستثمرة الفلاحية شركة مدنية، وقد كفل لها قانون الحق الدعوى، وتنص المادة 14 من القانون 87/19 المتضمن كيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية وتحديد حقوق المنتجين وواجباتهم ،على حق المستثمرة الفلاحية في الدعوى ,وتثبت الصفة الإجرائية في احد أعضاء المستثمرة الذي يختاره باقي الأعضاء ذلك إن المادة 17 من القانون 87/19 السلف الذكر نصت على إن اعضاء المستثمرة ملزمون بما تعهد به احدهم باسم المستثمر بصفة تضامنية ومطلقة .[20]

1- الاستحالة القانونية:

وهي عدم القدرة على مباشرة إجراءات المطالبة القضائية بسبب مانع قانوني يحول دون اضطلاع صاحب الصفحة العادية في الدعوى بمباشرة إجراءات التقاضي، وقد أورد التشريع الوطني عديد الحالات التي يمنع فيها صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه من مباشرة إجراءات المطالبة القضائية، وذلك أما حماية له مثل ناقص أو عديم الأهلية، كالمحجور عليه و المجنون والسفيه وذا الغفلة والصغير المميز وغير المميز، وأما حماية للغير مثل المفلس والمحجور عليه حجر قانوني .... الخ.

أ-1 - عديم الأهلية:

كما سبقت الإشارة إليه فان الصفة العادية في الدعوى تثبت لكل شخص اعتدي على حقه أو مركزه القانوني، بغض النظر عن أهليته، وقد عبر الفقه القانوني في أكثر من موضع عن تمتع كل شخص بحقوقه منذ تاريخ ميلاده ــ أهلية الوجوب ــ وقد نصت المادة 40 من القانون المدني أن الشخص يكتسب أهلية مباشرة الحقوق المدنية بمجرد بلوغه سن 19 سنة طالما كان متمتعا بقواه العقلية ولم يحجر عليه، كما أن المادة 42 من نفس القانون نصت على أن أهلية مباشرة الحقوق المدنية لا تتوافر لدى فاقد التمييز لصغر سنه (دون سن 13 سنة)، آو المعتوه، أو المجنون، كما أن المواد من 101 إلى 108 من قانون الأسرة أدرجت أحكام الحجر، حيث حرمت المحجور عليه من مباشرة حقوقه المدنية (المادة 107 من قانون الأسرة).

أ-1- 1- الصغير غير المميز: تنصرف الصفة الإجرائية حين يكون صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه صغير غير مميز إلى وليه، وقد نصت المادة 87 من قانون الأسرة على أن الأب هو ولي أبنائه القصر، وعند وفاته أو سقوط حق الولاية لديه [21] لسبب ما تنتقل الولاية إلى الأم- وتستطرد نفس المادة انه في حالة الطلاق يمنح القاضي الولاية لمن أسندت له حضانة الأولاد كما أن المادة 91 من نفس القانون أوردت حالات نهاية وظيفة الولي وهي: العجز، الموت، الحجر عليه، إسقاط الولاية عنه.

تنص المادة 92 من قانون الأسرة انه يجوز للأب أو الجد تعيين وصي للقاصر إذا لم تكن له أم تتولى أموره أو تثبت عدم أهليتها لذلك، وفي حال تعدد الأوصياء، للقاضي اختيار الأصلح منهم وتنتهي مهمة الوصي بموت القاصر أو زوال أهلية الوصي أو موته، وببلوغ القاصر سن الرشد ما لم يصدر حكم من القضاء بالحجر عليه، وبانتهاء المهام التي أقيم الوصي من اجلها، كما تنتهي مهمة الوصي بقبول عذره في التخلي عن مهمته، أو بعجزه ،بناء على طلب من له مصلحة إذا اثبت من تصرفات الوصي ما يهدد مصلحة القاصر، وذلك طبق لنص المادة 96 من قانون الأسرة.

إذا رفع الصغير غير المميز أي دون سن 13 سنة، دعوى كان مصير تلك الدعوى هو بطلان إجراءات المطالبة القضائية.

إذا رفع الولي أو الوصي الدعوى نيابة عن الصغير غير المميز، هنا يتحقق القاضي أولا من توافر الصفة الإجرائية في الولي أو الوصي، فان تحققت انصرف إلى تفحص الصفة العادية لدى الصغير غير المميز.

أ -1 - 2 - المعتوه والمجنون:

نصت المادة 42 من القانون المدني انه لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز... أوعته أو جنون. كما نصت المادة 81 من قانون الأسرة أن من كان فاقد الأهلية... أو جنونا أو عته... ينوب عنه قانونا ولي أو وصي أو مقدم...

تثبت الصفة الإجرائية في الدعوى إذا كان صاحب الصفة العادية فيها مجنونا أو معتوها لمقدمه، وهو من تعينه المحكمة في حالة عدم وجود ولي أو وصي وذلك بناءا على طلب احد أقاربه أو ممن له مصلحة في ذلك أو من النيابة العامة، وذلك طبقا لنص المادة 99 من قانون الأسرة .

أ -1 - 3- المحجور عليه :

ينقسم الحجر إلى نوعين: حجر قانوني وحجر قضائي.

أ -1 - 3-1- الحجر القانوني: عرفته المادة 9 مكرر من قانون العقوبات بأنه حرمان الشخص المحكوم عليه من ممارسة حقوقه المالية أثناء تنفيذ العقوبة الأصلية، وتأمر المحكمة بالحجر وجوبا في حال الحكم بعقوبة جنائية[22]، و تتم إدارة أمواله طبقا للإجراءات المقررة في حالة الحجر القضائي.

أ -1 - 3-2- الحجر القضائي: هو إجراء يوقع على المجنون أو المعتوه أو السفيه بناءا على طلب أحد أقاربه، أو ممن له مصلحة، أو من النيابة العامة، ويجب أن يكون الحجر القضائي بحكم.

يترتب على الحجر قيام الولي أو الوصي أو المقدم برعاية شؤون المحجور عليه ، و يضطلع بتمثيله في مباشرة إجراءات المطالبة القضائية، أي أن الصفة الإجرائية تثبت هنا للولي، أو الوصي أو القيم حسب الحالة[23] .

- تنص المادة 108 من قانون الأسرة أنه يمكن رفع الحجر إذا زالت أسبابه، بناءا على طلب المحجور عليه، ويفهم من هذا النص أن القانون- وكاستثناء على القاعدة – يمنح المحجور عليه الصفة الإجرائية في دعوى رفع الحجر.

ملاحظة: تنصرف الصفة الإجرائية حين يكون صاحب الحق في الدعوى مجنون أو معتوه إلى الولي أو الوصي – كما سلفت الإشارة إليه- غير أن ذلك يسري قبل صدور حكم القاضي بالحجر، وإذا كان صاحب الصفة العادية في الدعوى دون سن الرشد القانوني[24] فان بلغ ذلك السن، ثم طرأ عليه جنون أو ... عته بعد ذلك يحجر عليه، استنادا إلى نص المادة 101 من قانون الأسرة الجزائري.

ب- ناقص الأهلية: يكون الشخص الطبيعي ناقص الأهلية في حالتين اثنتين هما: الصغير المميز والسفيه وذا الغفلة[25]، وقد نصت المادة 43 من القانون المدني أن كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد وكل من بلغ سن الرشد، وكان سفيه، أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفق ما يقرره القانون، فيما حددت الفقرة الأخيرة من نفس المادة سن التمييز وهو 13 سنة كاملة .

ب- 1- الصبي المميز: أن التمييز هو أن يصبح للصغير بصر عقلي يمكنه من التمييز بين الحسن والقبيح وبين الخير والشر، وان كان هذا البصر غير عميق وهذا التميز غير تام ولا مدركا للنتائج أدراك عميق، لأنهما ينبعان من غض طري لم ينضج بعد، ولم تكتمل استنارته [26].

الصبي المميز هو كل من بلغ سن 13 سنة كاملة ولم يتم السنة التاسعة عشر (19) بعد.

نصت المادة 83 من قانون الأسرة أن تصرفات الصبي المميز التي تكون نافعة له، هي صحيحة ولا غبار عليها، أما التصرفات الضارة له، فهي باطلة، وتتوقف التصرفات الدائرة بين النفع والضرر على إجازة الولي، وفي حال النزاع يرفع الأمر إلى القاضي.

غير أن التساؤل يثور حول تصنيف تصرف مباشرة إجراءات المطالبة القضائية، هل هو نافع نفع محض أم ضار ضرر بين، أم انه يدور بين النفع والضرر.

في الحقيقة لا نجد في التشريع الجزائري جواب لهذا التساؤل،وان كان أعطى الحل في حالات معينة،فالمادة السابعة من قانون الأسرة تنص في فقرتها الأخيرة أن الزوج القاصر يكتسب أهلية التقاضي، والمقصود بها الصفة الإجرائية، فيما يتعلق بآثار الزواج من حقوق والتزامات.

غير ان المتمعن في القانون يجد انه من ضمن ما يقوم عليه حماية القاصر الذي لم يبلغ سن الرشد بعد،وان كان مميزا وعليه فهو يراعي وضعه الغض كما أن السلطة التقديرية للقاضي هنا تتخذ صورة أكثر اتساعا إذ عليه أن يبحث في أقدام الصبي المميز على مباشرة إجراءات المطالبة القضائية،وفيما إذا كان قادرا على الاضطلاع بذلك، وانعكاسات تلك المباشرة على حق القاصر المميز او مركزه القانوني المعتدى عليه، وعلى وضعه كمعتدي على الحق او المركز القانوني اذا كان مدعى عليه،غير ان ذلك لا يجب ان يفهم ان الصبي المميز اذا باشر اجراءات المطالبة القضائيه إذا باشر إجراءات بنفسه، سواء أكان ذلك باعتباره مدعي أو مدعى عليه، سوف يكون- بالضرورة – الحكم لصالحه، وإلا قضى القاضي ببطلان إجراءات المطالبة القضائية استنادا إلى أن الصبي المميز لا تثبت له الصفة الإجرائية، هذا رغم أن قبول مباشرة القاصر الذي تجاوز السن 13 سنة إجراءات التقاضي بنفسه، ثم يصدر حكم قضائي في غير صالحه قد يندرج ضمن التصرفات الضارة ضررا محضا التي يكون مصيرها البطلان حسب نص المادة 83 من قانون الأسرة.

لذلك في وجوه الخير أو الشر، والسفيه كامل العقل، ولكن العلة في تدبير أمره لأنه يسرف في إنفاق أمواله[27]، أما ذا الغفلة فهو الشخص الذي يعتريه سوء بين في التركيز والتدقيق، حيث يتصف بالتسرع والسطحية الواضحة مما يجعله غير قادر على تدبر أموره على الوجه الأمثل.

إذا كانت تصرفات السفيه وذا الغفلة قابلة للإبطال، فهل تثبت لهما صلاحية مباشرة إجراءات المطالبة القضائية (الصفة الإجرائية)؟.

لقد درج القضاء على أن الصفة الإجرائية تثبت لدى الولي أو الوصي أو القيم حسب الحالة، أذا كان صاحب الصفة العادية في الدعوى سفيه أو ذا غفلة.

جـ- حالات أخرى للاستحالة القانونية:

نص القانون على عديد الحالات التي يحظر فيها على صاحب الصفة العادية في الدعوى أي صاحب الحق المعتدى عليه، مباشرة إجراءات المطالبة القضائية بنفسه إذ خول ذلك إلى شخص محدد بموجب التشريع، هذا الأخير تثبت له الصفة الإجرائية ، وذلك لاعتبارات معينة، وبالمقابل فإن الدعوى التي ترفع ضد صاحب الصفة العادية في الدعوى لابد أن يكون صاحب الصفة الإجرائية هو الذي ينوب عن المدعي عليه.

سوف نستعرض بعض تلك الحالات:

جـ- 1- الوكيل المتصرف القضائي:

تنص المادة 244 من القانون التجاري، أن الوكيل المتصرف القضائي يمارس جميع حقوق ودعاوى المفلس المتعلقة بذمته المالية طيلة مدة افتتاح التفليسة، وذلك كمدعي، أو مدعى عليه، وكما يجب التنويه عليه مرارا فإن الوكيل المتصرف القضائي تثبت له الصفة الإجرائية، فيما تظل الصفة العادية لصيقة بصاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، والذي هو المفلس.

يسري حرمان المفلس من صلاحية مباشرة إجراءات المطالبة القضائية من تاريخ صدور الحكم القضائي بافتتاح إجراءات الإفلاس[28]ـ ولعل الهدف من هذا الحظر حماية حقوق جماعة الدائنين، وذلك بتجنب إمكانية افتعال الفلس دعاوى صورية يتواطأ فيها مع المدعي أذا كان المدعى عليه ،أو مع المدعي عليه إذا كان المدعي من اجل تهريب أمواله التي تمثل الضمان العام بالنسبة لجماعة الدائنين .

جـ- 2-ـ المحجور عليه قانوني (الصفة الإجرائية تثبت للقيم أو الوصي أو الولي )

حسب المادة 9 من قانون العقوبات فإن الحجر عقوبة تكميلية ،غير أن حرمان المحكوم من مباشرة إجراءات المطالبة القضائية يسري فقط حين يتعلق الأمر بحقوق مالية (خلاف الحجر القضائي كما سبق بيانه )،ويعزى هذا الحظر إلى سببين اثنين :

- الحجر القضائي يشكل عقوبة،وان كانت تكميلية ،فهو جزاء للمحكوم عليه .

- أموال المحكوم عليه تشكل ضمان لاستيفاء مبالغ الغرامة،و التعويضات المدنية و المصاريف القضائية في حالة وجودها إذا رفض المحكوم عليه (المدين )تسديدها بالطريقة الودية .

جـ- 3- الكفيل:

تنص المادة 116من قانون الأسرة أن الكفالة التزام ...بالقيام بولد قاصر من نفقة قيام الأب بابنه...،كما أن المادة 122من نفس القانون نصت على أن الكفيل يتولى أدارة أموال المكفول المكتسبة عن طريق الإرث أو الوصية أو الهبة لصالح الولد المكفول [29].المادة 121قانون الأسرة تنص على أن الكفالة تخول الكفيل الولاية القانونية ....ومنه فإن الصفة الإجرائية تنصرف إلى الكفيل حين يتعلق الأمر بالمكفول .

ثانيا: أحكام الصفة الإجرائية:

- إن أصحاب الصفة في الدعوى (الصفة العادية )هم أطراف فيها مدعون ومدعى عليهم ،أما أصحاب الصفة الإجرائية فليسوا سوى أطراف في الخصومة ممثلين عن الخصوم [30].

- ثمة اختلاف عضوي بين الصفة العادية في الدعوى والصفة الإجرائية ،سيما في الحكم الفاصل في شأنهما، ووسيلة التمسك بعدم توفرهما[31] كما سيرد تفصيله لاحقا.

- يؤدي زوال الصفة الإجرائية أثناء نظر الدعوى إلى انقطاعها كما سيرد لاحقا.

المطلب الثاني: الصفة الاستثنائية

طبقا للقاعدة العامة التي تقتضي أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، وهو من تثبت له الصفة في الدعوى، ومن ثم فلا تقبل الدعوى من شخص ليس هو صاحب الحق أو المركز القانوني المدعى به لانعدام الصفة، وان كانت له مصلحة، فالزوجة التي ترفع دعوى بطلان في تصرف قام به زوجها استنادا إلى أن ذلك التصرف من شأنه إلحاق الضرر بها، إن الزوجة في هذا المثال تحوز المصلحة التي تتمثل في المحافظة على أموال زوجها، غير أنها لا تكفي ما لم تقترن بالصفة، فالزوجة هنا ليس بوسعها إبطال ذلك التصرف كونها ليست طرفا فيه[32]. غير أن لهذه القاعدة استثناءات، إذ قد ينص القانون على إمكانية حلول شخص محل الصفة العادية في الدعوى، وهو ما يعبر عنه بالصفة الاستثنائية، ولعل خير الأمثلة على ذلك الدعوى غير المباشرة المنصوص عليها في المادتين 189 و190 من القانون المدني الجزائري، التي تجيز للدائن أن يستعمل باسم مدينه حقوق هذا المدين بما في ذلك دعاوى المطالبة بحقوقه، وذلك على أساس النيابة القانونية المفروضة لمصلحة الدائن الذي يستعمل حقوق المدين بغية المحافظة على الضمان العام[33].

إن الصفة الاستثنائية، أو الصفة غير العادية*، يعترف بها للشخص بسبب مركزه القانوني الذي يكون مرتبط بالمركز القانوني للمدعي في الدعوى[34].

وفيما يلي سوف نورد الدعوى غير المباشرة مع نوع من التفصيل. مع التعرض للدعوى المباشرة وبيان بعض تطبيقاتها، وكذا الفرق الجوهري بينها وبين الدعوى غير المباشرة:

أ- الدعوى غير المباشرة:

تعود فكرة استعمال الدائن لحقوق مدينه إلى القانون الروماني، حيث كان اشترط أن يكون بيد الدائن سند واجب التنفيذ، وكان الدائن يعين مصفي لأموال المدين المعسر ثم توزع هذه الأموال بين الغرماء، وقد تبنى القانون الفرنسي القديم هذه الفكرة، التي ضمنها نابليون بونابرت في قانونه الصادر في 1804م المادة 1122 من القانون المدني الفرنسي مع تصرف في بعض أحكامها ، كما ورد التشريع المصري هذه الفكرة أيضا في تشريعه، من خلال المادتين 235 و 236 من القانون المدني المصري[35].

وفي تشريعنا الوطني نجد المادتين 189 و 190 من القانون المدني.

الدعوى غير المباشرة هي نظام قانوني يجيز للدائن استعمال حقوق مدينه باسم هذا المدين ،إذا لم يستعملها بنفسه ،وذلك بهدف المحافظة على أموال المدين التي هي ضمان الدائن ،من جراء إهمال المدين في المطالبة بحقوقه وهي طريقة تمهيدية للوصول إلى استيفاء الدائن لحقوقه ،إذ أن تقصير المدين وقعوده عن استعمال بعض حقوقه ،أو المطالبة بها قد يؤدي إلى حرمان الدائن من إمكانية التنفيذ على مال كان يدخل في الضمان العام المقرر له على أموال مدينه ،لو أن المدين كان استعمل ما له من حق [36].

لقد اختلف الفقه القانوني في تحديد طبيعة الدعوى غير المباشرة ،فذهب فريق منهم على تشبيه سلطة الدائن بعمل من أعمال التنفيذ ،أي الحجز على مال المدين ،ويترتب على ذلك ضرورة أن يكون الدين مستحق و حال الأداء ، و قابل للتنفيذ ، غير أن هذا المذهب تعرض إلى لقد لاذع على أساس أن الدائن حين يستعمل حقوق مدينه ، لا يقوم بالتنفيذ مباشرة على أموال المدين.

فريق ثاني رأى أن استخدام الدائن حقوق مدينه لا يعدو أن يكون إجراء تحفظي كونه لا يحصل على الحق لنفسه إنما يرده إلى المدين ، ثم ينفذ عليه وهو في حوزته عند حلول اجل الدين .

الفريق الثالث تبنى توجه وسطي ،إذ اعتبر سلطة الدائن نتيجة منطقية للقاعدة العامة التي تقرر أن أموال المدين جميعها ضمانا منه للوفاء بديونه ولا حاجة لتشبيه استعمال الدائن حق مدينه بحق أو إجراء آخر ،على اعتبار أن الدعوى غير مباشرة نظام مستقل يرد إلى فكرة الضمان العام، ويتفرع عنها ،ولا محل لإجهاد الفكر في تشبيه هذا النظام بنظام قانوني آخر [37].

1- الدعاوى التي يجوز للدائن استعمالها باسم مدينه :

تنص المادة 189 من القانون المدني الجزائري أن " لكل دائن ، ولو لم يحل أجل دينه أن يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذه المدين" وعلى ذلك، يجوز للدائن استعمال الدعاوى القضائية الخاصة بأموال المدين كدعوى فسخ البيع لعدم دفع الثمن، ودعوى الاسترداد، ودعوى نقص القسمة للغبن، ودعوى خفض الديون المبالغ فيها[38]....

يرى جانب من الفقه القانوني أنه ليس للدائن استعمال الدعوى غير المباشرة سعيا لاكتساب حقوق جديدة لمدينه، إنما يقتصر ذلك على الحقوق السابق اكتسابها، كما لا تتعلق سلطة الدائن في استعمال حقوق مدينه بالنظام العام، وينجر على ذلك نتيجتين رئيسيتين هما:

أولا: جواز الاتفاق بين الدائن والمدين، على منع الدائن من استعمال حقه في الدعوى المباشرة.

ثانيا: للدائن أن يتنازل عن استعمال حقه في مباشرة الدعوى غير المباشرة.

غير أنه مما لابد من التنويه عليه أن من غير الجائز اتفاق المدين مع الغير على اعتبار حق ما من الحقوق المتصلة بشخصه، سيما حقه في الدعوى بغية المطالبة بدين له إذ لا يؤثر هذا الاتفاق على حق الدائن في مباشر ة الدعوى غير المباشرة باسم مدينه[39].

2- الدعاوى التي لا يجوز للدائن استعمالها باسم مدينه:

مما ورد في المادة 189 من القانون المدني" ... إلا ما كان منها خاصا بشخص أو غير قابل للحجز..."، وقد ورد خطأ في النص العربي، إذ كان النص الفرنسي- وهو الأصح- على النحو التالي"…à l'exception de ceux qui sont inhérents à sa personne… " الذي يعني"... إلا ما كان منها خاصا بشخصه ( المدين)...".

هذه المادة تقابلها المادة 235 فقرة أولى من التقنين المدني المصري التي تنص:

" لكل دائن ولو لم يكن حقه مستحق الأداء أن يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين، إلا ما كان منها متصلا بشخصه خاصة أو غير قابل للحجز..."، وفي حين استخدم المشرعين المصري والجزائري مصطلح حقوق، فضل المشرع الفرنسي استعمال مصطلح "الدعاوى" مع أن عبارة حقوق أعم وأشمل[40].

ومنه – وحسب نص المادة السابقة الذكر- فإن الدعاوى التي لا يجوز لدائن المدين استعمالها باسم مدينه هي خمسة: الحقوق غير المالية – الحقوق التي تتعلق بشخصية المدين (سمعته، اعتباره...) – الحقوق المالية التي تمس حياة المدين الأدبية – الحقوق التي تمس حرية المدين في تصريف شؤونه – الحقوق الغير قابلة للحجز[41].

أولا: الحقوق الغير مالية

لا تدخل الحقوق غير المالية في الضمان العام المقرر للدائن على أموال مدينه، ومن ثم لا تكون مصلحة للدائن في المطالبة بها، فلا تثبت له بذلك الصفة الاستثنائية في مثل هذه الدعاوى ومن أمثلة ذلك: الدعاوى المتعلقة بالحالة المدنية للشخص، ودعاوى الوصاية والطلاق والنسب....الخ، والعبرة هنا بمصدر الحق وأصله، إذ قد يكون للحق أثرا ظاهرا على أموال المدين، أي يؤدي إلى نتائج مالية كثبوت نسب المدين إلى رجل مات ثريا[42].

ثانيا: الحقوق التي تتعلق بشخصية المدين ( سمعته، إعتباره...)

ومثال ذلك المطالبة بتعويض عبر دعوى قضائية عن جريمة وقعت على المدين، إذا كان من شأن ذلك تناول البحث في شخصية المدين والخوض في شرفه. إذ وإن فضل المدين عدم ممارسة حقه في هذه الدعوى بنفسه لا يعتبر متقاعسا عن المطالبة بحقوقه وعليه لا تثبت الصفة الاستثنائية لدائنه في هذه الحالة[43].

ثالثا:الحقوق المالية التي تمس حياة المدين الأدبية

ومثال ذلك الحق في دعوى التعويض عن الضرر الأدبي،و الحق في دعوى الرجوع في الهبة. وتكمن علة إخراج الحقوق المالية التي تمس حياة المدين الأدبية من نطاق الدعوى غير المباشرة، في أن المطالبة بحق من هذه الحقوق إنما تقوم على اعتبارات لا يقدرها سوى المدين شخصيا.

رابعا:الحقوق التي تمس حرية المدين في تصريف شؤونه

كحق المدين في إدارة أمواله ،أو بيع المحاصيل ،أو إيجار عقاره ،فليس للدائن أن يطالب بإلغاء عقد الإيجار الذي ابرمه مدينه ،من اجل أن يبرم عقد إيجار آخر باجرة أعلى ،أو أن يتذرع بسوء إدارة المدين لأمواله ،و المطالبة بنزع الإدارة منه ..الخ.

ويقال في تبرير إخراج الحقوق التي تمس المدين في تصريف شؤونه من نطاق الدعوى غير المباشرة أنها ليست حقوقا ،إنما مجرد رخص ،لا شان للدائن في استعمالها ،كما يؤدي السماح للدائن باستعمالها إلى سلب المدين حريته في تصريف شؤونه ،وإخضاعه إلى نوع من الوصاية [44].

خامسا:الحقوق غير القابلة للحجز

تكمن العلة من إخراج الحقوق غير القابلة للحجز من نطاق الدعوى غير المباشرة في انتفاء المصلحة لدى الدائن (دائن المدين في المطالبة بها ،لأنه ليس له التنفيذ عليها ،ومن ثم لا تدخل في الضمان العام المقرر له على أموال المدين ،وعلى ذلك فليس للدائن أن يرفع دعوى يطالب فيها بنفقة مقررة للمدين ،إذ لا يجوز الحجز على النفقة ،بالنظر إلى أهميتها في توفير الملبس و المأكل و المسكن لدى مستحقها.

ومن أمثلة الحقوق التي لا يجوز الحجر عليها في التشريع الفرنسي نجد: معاش التقاعد، دين النفقة، التعويض عن حوادث العمل... الخ

وفي التشريع الجزائري نجد حقوق الملكية الأدبية، والصناعية، والتأمينات العينية وحقوق الارتفاق (المادة 882 من القانون المدني )... الخ[45]

3- شروط الدعوى غير المباشرة:

وتنقسم بدورها إلى شروط تتعلق بالدائن الذي تثبت له الصفة الاستثنائية في الدعوى، وأخرى تتعلق بالمدين، الذي تنصرف إليه الصفة العادية باعتباره صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه:

أ- الشروط المتعلقة بالدائن:

وتنقسم بدورها إلى شروط موضوعية، وأخرى إجرائية[46]:

أولا- الإجرائية:

لا يشترط أن يكون حق الدائن تجاه مدينه ثابت بسند تنفيذي، إذ أن المقصود هو مجرد استبقاءأموال المدين والمحافظ عليها.

ليس من الضروري أعذار المدين، كون الأعذار يهدف إلى وضع المدين وضع سيئ النية[47] فيما يهدف الدائن إلى المحافظة على أموال مدينه لا غير دون التنفيذ عليها، على انه يشترط إدخال المدين خصما في الدعوى ضد الغير.

ثانيا- الموضوعية:

يشترط في حق الدائن أن يكون موجودا، وخاليا من النزاع، سواء كان هذا الحق مستحق الأداء وقت رفع الدعوى غير المباشرة، أم لا[48]، وعلى ذلك يجوز للدائن رفع دعوى غير مباشرة ولو كان حقه مؤجلا، ولو لم يحل الأجل بعد، أو معلقا على شرط واقف ولم يتحقق، إذ يكون حقه رغم ذلك موجود، فلا يؤثر الأجل على وجود الحق، كما أن الحق المعلق على شرط واقف هو حق موجود، أيضا لا يشترط إن يكون حق الدائن معلوم المقدار، فالمتضرر من عمل غير مشروع يكون له أن يستعمل حقوق المتسبب في ذلك الضرر باعتباره مدينا بالتعويض، دون الانتظار لحين تقدير التعويض، كما لا فرق بين الدائن العادي والدائن المرتهن ومن له حق امتياز في استعمال حقوق المدين، وأخيرا لا يشترط أن يكون حق الدائن سابق على حق المدين[49].

ب- الشروط المتعلقة بالمدين:

بالرجوع إلى نص المادة 189 من القانون المدني ،يمكن حصر الشروط المتعلقة بالمدين في ثلاث هي: إمساك المدين عن استعمال حقوقه (تقصير المدين)-ان يؤدي ذلك الإمساك إلى إعسار المدين- إدخال المدين خصما في الدعوى:

أولا- إمساك المدين عن استعمال حقوقه (تقصير المدين):

إذا ثبت أن المدين لم يكن مهملا في استعمال حقوقه، كما لو رفع بنفسه دعوى، لم يكن لدائنه استعمال حقه في تلك الدعوى، فإن خشي الدائن تواطؤ المدين مع الخصم الأخر، جاز له إن يكون خصما متدخلا في النزاع المنظور، كما لا يتوافر الأهمال لمجرد تأخر المدين في المطالبة بالحق، يقع عبء إثبات تقصير المدين على عاتق الدائن، وللمدين إثبات عكس ذلك، فإن نجح أضحت دعوى الدائن غير مقبولة[50].

ثانيا- أن يؤدي ذلك الإمساك إلى إعسار المدين

يتعين على الدائن إن يثبت آن عدم استعمال المدين لحقوقه من شأنه أن يسبب إعساره، أو يزيد في هذا الإعسار، ويقصد هنا بالإعسار الفعلي أن يجاوز سقف الديون، سقف الحقوق لدى الغير، وليس الإعسار القانوني الذي يقتضي صدور حكم قضائي بشهره[51].

ثالثا- إدخال المدين خصما في الدعوى

ألزمت المادة 189 من القانون المدني السالفة الذكر الدائن في الدعوى غير المباشرة بإدخال المدين خصما في الدعوى، فان لم يفعل الدائن ذلك جاز للخصم الأخر الدفع بعدم قبول الدعوى[52] .

4- أثار الدعوى غير المباشرة:

يترتب على ممارسة الدعوى غير المباشرة آثار تتعلق بعلاقة الدائن بالخصم (مدين المدين) وعلاقة المدين بالخصم (المدين بمدينه)، وعلاقة الدائن بسائر دائني المدين:

أولا- في علاقة الدائن بالخصم (مدين المدين):

للخصم الذي يستعمل الدائن حق مدينه، أن يتمسك بكافة الدفوع التي كان يمكنه الدفع بها في مواجهة المدين، لو أن هذا الأخير هو الذي رفع الدعوى، إذ أن الدائن هو مجرد نائب و يضل المدين هو صاحب الصفة العادية في الدعوى، وعليه للخصم أن يتمسك ببطلان العقد الذي يربطه بالمدين، وجميع أسباب انقضاء الدين كالإبراء، التقادم ... إلخ، كما له أن يتمسك بأي اتفاق سبق وأبرمه مع المدين، إلا أنه لا يستطيع التمسك بمدفوع مستمدة عن علاقة قائمة بينه وبين الدائن شخصيا، كونه نائب عن المدين لا أكثر.

ثانيا- في علاقة المدين بالخصم:

يحتفظ المدين بحقه، رغم رفع الدعوى غير المباشرة، إذ له أن يتصالح مع الخصم على الحق، أو يتنازل له عنه، أو يبرئه منه ... ولا يكون أمام الدائن إلا الطعن في هذه التصرفات بواسطة الدعوى البولصية. كما للخصم أن يوفي للمدين، ويكون الوفاء صحيح ونافذ في حق سائر الدائنين[53]

ثالثا- في علاقة الدائن بسائر الدائنين:

تنص المادة190 من القانون المدني أن كل ما ينتج من استعمال الدائن حقوق مدينه، يدخل في أموال المدين، ويكونا ضمانا لجميع دائنيه، وليس للدائن الذي مارس حق المدين في الدعوى أي امتياز على تلك الحقوق.

ب-الدعوى المباشرة:

هي الدعوى التي يقررها القانون بنص خاص، والتي يرفعها الدائن ضد مدين المدين ليستأثر بالحق الذي لمدينه في ذمة مدين هذا الأخير مباشرة[54].

وفيما يلي بعض الدعاوى المباشرة:

1- الإيجار الفرعي :

تنص المادة507 من قانون المدني أن المستأجر الفرعي يكون ملتزما مباشرة، تجاه المؤجر بالقدر الذي يكون بذمته للمستأجر الأصلي، وذلك في الوقت الذي أنذره المؤجر.

2- المقاولة الفرعية:

تنص المادة565 من القانون المدني إنه للمقاولين الفرعيين، والعمال الذين يشغلون لحساب المقاول لتنفيذ العمل، حق مطالبة رب العمل بما لا يجاوز القدر الذي يكون مدينا به للمقاول الأصلي، وقت رفع الدعوى[55].

ج- الفرق بين الدعوى المباشرة والدعوى غير مباشرة:

- خلاف الدعوى الغير مباشرة كما سبق بيانه، فإن الدائن في الدعوى المباشرة، لا يطالب بالحق الثابت في ذمة مدين المدين بصفته نائبا عن المدين، أو بالنظر للحق كعنصر من عناصر الضمان العام المقرر له على أموال مدينه، إنما يطالب بصفته الشخصية، فيظهر كصاحب الدين المشغول به ذمة مدين المدين[56].

- تعتبر الدعوى المباشرة استثناء على مبدأ نسبية أثر العقد، فالأصل أن العقد لا ينصرف أثره إلى غير عاقديه، وخلفهم العام والخاص، ولا يجوز أن يرتب التزام في ذمة الغير وإن كان تابعا لأحد المتعاقدين[57]

- إذا كانت الدعوى غير المباشرة تشترط إدخال المدين في النزاع من أجل أن تكون مقبولة فإن الدعوى المباشرة لا تشترط ذلك.

- يجب أن يكون الدين المطالب به في الدعوى المباشرة حال الأداء، معين المقدار، عكس الدعوى غير المباشرة التي لا تشترط ذلك.



الفصل الثاني

المشاكل التي تثيرها بعض الدعاوى حول الصفة





تثير بعض الدعاوى عديد المشاكل حول من تثبت له الصفة باعتبارها شرط لقبول الدعوى، فإن كانت لطرفي الدعوى الأصليين، المدعي بصفته صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، والمدعى عليه بصفته المعتدي على حق المدعي أو مركزه القانوني، فلمن تثبت إذا تعلق الأمر بالغير، وفي حال تعدد أطراف الحق سواء من جانب المدعي، أو من جانب المدعى عليه؟

أيضا، فإن الدعاوى الرامية إلى حماية المصالح الجماعية والعامة، تثير مشكلة الجهة التي تنصرف إليها الصفة في الدعوى.

لقد فصل التشريع في بعض هذه المشاكل بنصوص صريحة، حيث خول الصفة في الدعوى إلى جهة معينة، فيما أبقى بعضها الآخر للاجتهاد القضائي.

من أجل معالجة هذا الموضوع رأينا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين، الأول تعرض إلى الصفة لدى الغير وعند تعدد أطراف الحق، فيما عالج الثاني الصفة في الدعاوى الجماعية والعامة.

























المبحث الأول

الصفة لدى الغير وعند تعدد أطراف الحق



تنص المادة94 من قانون الإجراءات المدنية على أن طلبات التدخل تكون مقبولة في أي حالة كانت عليها الدعوى ممن لهم مصلحة في النزاع، وأعقبت المادة 108 من نفس القانون على أن التدخل السالف الذكر لا يكون مقبولا إلا إذا كان صادرا ممن له مصلحة قائمة وحالة في النزاع، وبما أن الصفة في الدعوى تثبت لصاحب الحق المعتدى عليه من جهة، وللمعتدي على الحق أو المركز القانوني من جهة أخرى فهل يشترط التشريع توافر الصفة لدى الغير؟ وما هي الأحكام المتعلق بها في حال وجودها؟ عطفا على ذلك، قد يكون الحق أو المركز القانوني محل الدعوى متعدد الأطراف، سواء وقع هذا التعدد في الجانب الايجابي أو السلبي، ومنه تثور مشكلة من تثبت له الصفة في الدعوى؟

من اجل معالجة هاتين المسألتين، رأينا أن يتضمن هذا المبحث مطلبين اثنين عالج الأول موضوع الصفة لدى الغير، فيما تعرض الثاني إلى الجهة التي تنصرف لها الصفة في الدعوى حال تعدد أطراف الحق.































المطلب الأول: الصفة لدى الغير

أن الخصومة هي الحالة القانونية الناشئة عن مباشرة الدعوى[58] ويشترط لصحة انعقاد الخصومة أن يكون كل من المدعي والمدعى عليه أهلا للتقاضي، وإلا باشر الدعوى من يقوم مقامهم [59] بناء على نيابة اتفاقية أو قانونية، غير أن هذا الوضع المزدوج مع كونه الغالب، فهو لا يعتبر الوحيد، لأن أطراف آخرين يمكن أن يرغبوا في الدخول إلى الدعوى (التدخل) أو يجبروا على المشاركة فيها (الإدخال)[60].

تجدر الإشارة إلى أن كل من المتدخل والمدخل في الدعوى تسري عليهما أحكام الصفة الإجرائية إذا وجدا في استحالة قانونية أو مادية تحول دون مباشرتهما إجراءات المطالبة القضائية.

أ- التدخل:

تقبل طلبات التدخل في آية حالة تكون عليها الدعوى إذا توافرت ثلاث شروط هي: المصلحة القائمة والحالة، ارتباط التدخل بموضوع النزاع، وأخيرا أن يتم تقديم الطلب قبل أن تكون الدعوى مهيأة للفصل فيها.

ينقسم التدخل إلى ثلاثة أنواع:

1- التدخل الهجومي: هو تدخل شخص من الغير في دعوى منظورة يدعي فيها أن صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى علية و مثال ذلك أن يتنازع طرفان حول ملكية مال معين فيتدخل الغير مدعيا أنه مالك ذلك المال كذلك أن يرفع شخص دعوى باعتباره وارث للدائن محلها المطالبة بالوفاء بالدين فيدخل الغير طالبا الحكم له بالدين على أساس أنه الوارث الحقيقي[61] . إن المتدخل في هذه الحالة يكون أمام وضعين اثنين فإما أن يقتنع القاضي بأنه صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه فيكون الحكم حينئذ بعدم قبول الدعوى للانتفاء الصفة لدى المدعى و إما أن ينتهي القاضي إلى أن المتدخل ليس هو صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه و يكون الحكم في هذه الحالة هو عدم قبول التدخل لغياب الصفة لدى المتدخل مع الفصل في الدعوى بطرفيها الأصليين المدعي و المدعي عليه.

2- التدخل ألانضمامي : هو تدخل شخص من الغير في دعوى قائمة مسندا أحد أطراف الدعوى (المدعي أو المدعي عليه) في ما يدعي به، دون أن يزعم انه صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، إذا ساند المدعي أو انه ليس المعتدي على الحق أو المركز القانوني.

إن التدخل الانضمامى يمثل إجراء وقائي يقوم به الغير خشية أن يخسر الطرف الأصلي دعواه فيتضرر جراء الرجوع عليه، ومثال ذلك تدخل الضامن في الدعوى القائمة بين مضمونه والغير ليساعده على كسبها فيتخلص من التزامه بالضمان، أيضا تدخل البائع في دعوى استحقاق الشيء المبيع المرفوعة على المشتري.

قد يكون هدف التدخل ألانضمامي المحافظة على حقوق المتدخل التي تتأثر نتيجة الحكم في الدعوى، ومثال ذلك تدخل الدائن إلى جانب المدين في دعوى بطلان إجراءات التنفيذ المتخذة على أمواله من دائن آخر[62] .

إن القاضي في حالة التدخل ألانضمامي لا يبحث مدى توافر الصفة لدى المتدخل، بل يكتفي فقط بالتأكد من توافر شروط التدخل بصفة عامة السابقة الذكر، ومرد ذلك أن المتدخل هنا لا يعد طرفا في الدعوى، إنما يكون مسندا لأحد إطرافها.

3- التدخل ألانضمامي المستقل: هو تدخل شخص من الغير في دعوى قائمة مدعيا بنفس الحق أو المركز القانوني الذي يتمسك به احد أطراف الدعوى قبل الآخر دون آن يتأثر حق ذلك الطرف أو مركزه القانوني، وخير مثال على ذلك تدخل شخص إلى جانب شريكه في ملكية شائعة في دعوى تتعلق بمال مملوك على الشيوع.

يقبل التدخل في هذه الحالة طالما وجد ارتباط مما يجيز رفع دعاوى ابتداء من مدعين متعددين أو على مدعى عليهم متعددين [63] كما سترد الإشارة إليه لاحقا.

ب- الإدخال:

ومفاد ذلك إجبار شخص من الغير أن يصبح طرفا في دعوى منظورة ويكون ذلك بناءا على طلب احد الخصوم أو بأمر تصدره المحكمة من تلقاء نفسها.

1- إدخال الغير بناءا على طلب أحد الخصوم: ويحدث ذلك في الحالات التالية:

1)- إدخال من كان لابد من وجوده طرفا في الدعوى: يجوز لأحد أطراف الدعوى أن يدخل من كان لابد من وجوده طرفا في الدعوى حين رفعها، ويكون ذلك حين تثبت الصفة العادية في الدعوى لأكثر من شخص، سواء كان من ناحية المدعي أو المدعى عليه، ولم ترفع الدعوى إلا من أو في مواجهة احدهم، وذلك بغية أن يكون الحكم في الدعوى حجة عليهم مثل إدخال الشركاء في الشيوع في دعوى المطالبة بملكية المال الشائع التي رفعت على احدهم.

2)- دعوى الضمان الفرعية: يجوز للدائن بالضمان أن يمارس حقه في الرجوع على الضامن لإلزامه بتنفيذ التزام الضمان بأحد الطريقين:

الأول: ينتظر إلى حين انتهاء الدعوى التي تجمعه بالغير، وإذا خسرها يرفع على الضامن دعوى منفصلة، تسمى دعوى الضمان الأصلية.

الثاني: يقوم بإدخال الضامن في الدعوى القائمة بينه وبين الغير ويسمى هذا الإجراء بدعوى الضمان الفرعية، والضمان نوعان:

الضمان البسيط: يتحقق حيث يكون طالب الضمان طرفا في الدعوى بسبب التزام شخصي يقع عليه في مواجهة الطرف الأخر، مثل دعوى الدائن ضد الكفيل تتضمن الوفاء بالدين المكفول.

الضمان الشكلي: ويتحقق حين يكون طلب الضمان في الدعوى بسبب نزاع الغير في حق نقل إليه من الضامن، سواء كان الحق عينيا أو شخصيا.

ومن أمثلة الحق العيني المشتري الذي رفعت عليه دعوى الاستحقاق من الغير فيطلب إدخال البائع باعتباره ضامنا لاستحقاق الشي المبيع وفق ما تنص عليه المادة 372 من القانون المدني، أما في حالة الحق الشخصي فنجد صورة ادعاء أجنبي حق على العين المؤجرة يتعارض مع ما للمستأجر من حقوق بموجب عقد الإيجار، فيدخل هذا الأخير المؤجر باعتباره ضامنا وفق مانصت عليه المادة 484 من القانون المدني.

ويقع على الملتزم بالضمان الشكلي التزام مزدوج لصالح المضمون:

1- الدفاع ضد الإخطار التي تهدده

2- تعويضه عن الأضرار التي تتحقق فعلا.

تتمثل أهمية التفرقة بين نوعي الضمان في المجال الإجرائي في انه، وفي حين لايجوز للضامن ضمانا شخصيا أن يحل محل مدعي الضمان في الدعوى كما ليس له أن يطلب إخراجه منها، فإنه بالمقابل يجوز للمضمون ضمانا شكليا بعد إدخال ضامنة في الدعوى أن يطلب خروجه منها وإحلال الضامن[64] محله فيها.[65]

وقد نصت المادة 821 من قانون الإجراءات المدنية أن الضامن ملزم بالتدخل في الدعوى فإذا لم يحضر من تلقاء نفسه فانه يقضى في الدعوى في غيبته بالنسبة له، ولكن ليس للضامن أن يقوم مقام المضمون في الدعوى إلا بناء على تصريحه.

3)- إلزام الغير بتقديم ورقة أو عرض شيء يحوزه: يجوز لكل طرف من أطراف الدعوى أن يطلب من المحكمة منحه الإذن بإ خال الغيراثناء نضرا الدعوى من اجل إلزامه بتقديم شيء أو محرر تحت يده متى كان فحصه ضروريا للبت في الدعوى مثل حالت المحرر المشترك بين الطالب وحائزه.

إن الشخص المدخل في هذه ألحاله لا يعتبر طرفا فيها، إنما هو اقرب إلى مفهوم الشاهد لاقتصار دوره على تقديم الدليل، وعليه فان القاضي يكتفي بفحص شروط الإدخال الثلاثة التي سبقت الإشارة إليها دون البحث عن الصفة في الدعوى لدى المدخل.

2- إدخال الغير بناءا على طلب المحكمة: اختلف الفقه في شأن دور القاضي في الدعوى ففي حين يرى الفقه التقليدي إن القاضي مجرد حكم ينظر في دعوى مملوكة للإطراف، يرى الفقه الحديث وجوب إعطاء القاضي دور ايجابي في تسييرها من اجل إعادتها إلى الوضع الطبيعي الذي يجب أن تكون عليه لولا إهمال الأطراف أو عبثهم أو تواطؤهم، قصد جمع كل من تعنيه تلك الدعوى ما يسمح بإظهار الحقيقة وتفادي تعارض الأحكام.

ان التشريع الجزائري وعلى العكس من نظيريه المصري والفرنسي يفتقد النص الصريح على تخويل القضاة سلطة إدخال الغير في دعوى منظورة. وعلى ذلك يكون التشريع الجزائري قد اعتمد المذهب التقليدي الذي يعتبر القاضي حاكما محايدا، وهو ما أكدته المحكمة العليا[66].

ان الصفة لدى الغير في الدعوى تأخذ مناح مختلفة، فإذا كان المتدخل تدخلا هجوميا ملزما بإثبات صفته في الدعوى، فان التدخل ألانضمامي لا يتجاوز كونه مسندا لأحد إطراف الدعوى في إثبات صفته فيها. بالمقابل فان التدخل ألانضمامي المستقل يجعل على المتدخل ان يثبت صفته في الدعوى باعتباره هو أيضا والى جانب المدعي صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، أو إلى جانب الطرف السلبي في الدعوى وهو المدعى عليه.

أما إدخال من كان لابد من وجوده طرفا في الدعوى فهنا نميز حالتين:

الأولى: إذا كان التشريع- كما يسرد شرحه- يشترط لتحقق الصفة في جانب المدعي أو المدعى عليه ان تكون مرفوعة من أو على أطراف مجتمعين، فان لم تكن كذلك انتفت الصفة في الدعوى مثل دائن المورث الذي يرفع دعوى ضد الورثة بغية استفاء دينه من التركة، هنا إجراء الإدخال لا يعدو ان يكون عملية تصحيح لتفادي حكم عدم قبول الدعوى لغياب الصفة لدى المدعى عليه.

الثانية: إذا كان التشريع يجيز أن ترفع الدعوى من أو على أحد الأطراف دون البقية غير أن الإدخال هنا يهدف إلى أن يكون الحكم حجة على الجميع .

















المطلب الثاني: الصفة عند تعدد أطراف الحق

إن الصفة في حالة تعدد أطراف الحق تنصرف إلي الجهة التي يحددها التشريع ، إذ قد يشترط هذا الأخير أن ترفع الدعوى من أو على جميع الأطراف تحت طائلة عدم القبول إستنادا إلى أن الصفة في هذه الحالة تثبت لهم مجتمعين ،و بالمقابل قد يجيز القانون ان ترفع الدعوى من أحدهم (بعضهم) أو ضد بعضهم ، أن المشرع و إن أعطى الحل في غالب الحالات إلا أنه أحجم في أحيان عدة مما يبقي السؤال مطروح في حالة كون الحق متعدد الأطراف [67] :

1-الحالات التي فصل في شأنها التشريع : كما سلفت الإشارة إليه فإن القانون حدد صورة ثبوت الصفة في الدعوى ، في حالة تعدد أطراف الحق ، حين يتعلق الأمر بقضايا معينة ، فنجد انه جعلها تثبت لهم مجتمعين أحيانا ، و أجاز رفع الدعوى من احدهم دون البقية أحيانا أخرى ، و ذلك لاعتبارات عدة .

أ- ثبوت الصفة لأطراف الحق مجتمعين:

- بالرجوع إلى نص المادة 724 من القانون المدني ، نجد أنها تنص في فقراتها الأولى أنه إذا أختلف الشركاء في اقتسام المال الشائع فعلى من يريد الخروج من الشيوع ان يرفع الدعوى على باقي الشركاء أمام المحكمة .

بمفهوم المخالفة، فإن الدعوى إذا رفعت من أحد الملاك على الشيوع ضد بعضهم دون الجميع تكون غير مقبولة لانتفاء الصفة في جانب المدعى عليهم.

- تنص المادة 802 من القانون المدني أيضا ان دعوة الشفعة يجب ان ترفع على البائع و المشتري معا ، فإن تمت ضد أحدهما ، أضحت غير مقبولة لغياب الصفة في جانبها السلبي أي المدعى عليه .

لعل المشرع يهدف من هذا الحكم إلى القول ان الصفة في مثل هذه الحالات لا تنصرف إلى أطراف الحق إلا إذا كانوا مجتمعين ، ذلك أن اعتبارهم إنما ينشأ إلى بوضعهم هذا ، فالملاك على الشيوع حسب ما تنص عليه المادة 713 من القانون المدني تعتبر الشيوع و رفع الدعوى على البعض دون البقية أصبح الأمر أمام وضع غير سوي ، فمن جهة تحدد المحكمة حصة كل مالك (رافع الدعوى و المدعى عليه فقط ) ، و من جهة أخرى يضل من لم ترفع ضدهم الدعوى مالكين على الشيوع .

ب- جواز رفع الدعوى من أو ضد أحد أطراف الحق الذي في حالة تعدد حتى تثبت له الصفة في الدعوى:

تنص المادة 219 من القانون المدني في فقرتها الأولى انه يجوز للدائنين المتضامنين مجتمعين أو منفردين مطالبة المدنين بالوفاء ....

واضح من نص المادة أن الدعوى التي يرفعها الدائن المتضامن من دائنين آخرين ضد مدينه من أجل مطالبته بالوفاء بالدين لا يشترط فيها اشتراك جميع الدائنين ، إنما تثبت الصفة لكل دائن على حدا .

2- ثبوت الصفة في حال تعدد أطراف الحق حينا لا يحددها التشريع:

يميز بعض الفقه بين دعاوى الإلزام من جهة، و الدعاوى المقررة و المنشأة من جهة أخرى، حيث أجاز أن ترفع دعاوى الإلزام من أو على بعض أطراف الحق المتعدد كونها ترتب أثرها فقط في مواجهة أطرافها . أما الدعاوى المقررة و المنشأة فلا تكون مقبولة إلا إذا رفعت من أو على جميع أطراف الحق المتعدد ذلك أنها ترتب أثرها في مواجهة الجميع [68].













































المبحث الثاني

الصفة في الدعاوى الجماعية والعامة



تشمل الحماية القانونية الحقوقية والمراكز القانونية الخاصة، وكذا المصالح الجماعية والعامة.

يعترف القانون لصاحب الحق أو المركز القانوني الذي وقع اعتداء عليه بحقه في الدعوى، غير أن المشكل يثور حين يتعلق الأمر بالاعتداء على المصالح الجماعية والعامة، فمن تثبت له الصفة في مثل هذه الدعاوى؟

وتبعا لذلك ظهرت دعاوى النقابات والجمعيات للدفاع عن المصالح الجماعية ودعاوى النيابة العامة للدفاع عن المصالح العامة.

ومن أجل معالجة هذا الموضوع رأينا أن يقسم هذا المبحث إلى مطلبين اثنين، تناول الأول الصفة في الدعاوى الجماعية، فيما تطرق الثاني إلى الدعاوى التي تكون فيها النيابة العامة طرفا تدافع عن المصالح العامة.

































المطلب الأول: الصفة في الدعاوى الجماعية.

إن المصلحة الجماعية هي تلك المصلحة المشتركة التي تعلو على المصالح الخاصة للأعضاء المكونين للجمعية أو النقابة، إذ تهدف إلى تحقيق غرض معين حسب طبيعة الجمعية أو النقابة[69].

أولا: الجمعيات

إن الجمعية قد تكون سياسية أو غير سياسية:

الجمعيات غير السياسية:

تنص المادة 02 من القانون رقم 31/90 المؤرخ في 04/12/90 المتعلق بالجمعيات أن الجمعية تمثل اتفاقية تخضع للقوانين المعمول بها، ويجتمع في إطارها أشخاص طبيعيون أو معنيون على أساس تعاقدي لغرض غير الربح من أجل ترقية الأنشطة ذات الطابع المهني والاجتماعي والعلمي والديني والتربوي والثقافي والرياضي على الخصوص، كما تنص المادة 16 من نفس القانون أن الجمعية تتمتع بالشخصية المعنوية والأهلية المدنية، ويمكنها أن تمثل أمام القضاء وتمارس أمام المحاكم المختصة حقوق الطرف المدني بسبب وقائع لا علاقة لها بهدف الجمعية وتلحق ضررا بمصالح أعضائها الفردية أو الجماعية[70]. 

لقد ساد التخوف في فرنسا من دعاوى الجمعيات بسبب غرض الجمعية الذي يرمي إلى حماية مصالح تتداخل عموما مع الصالح العام مثل حماية البيئة ومنع استهلاك المخدرات.

الجمعيات السياسية:

تنص المادة 02 من الأمر رقم 97/09 المؤرخ في 06/03/1997 المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية بأن الحزب السياسي يهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية...، من خلال جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي دون ابتغاء هدف الربح، وتنص المادة 24 من نفس الأمر (97/09) أنه يخول إعتماد الحزب السياسي الشخصية المعنوية والأهلية القانونية[71].

على خلفية تمتع الجمعية بالشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة، فإنها وفي حال وقوع اعتداء على حقوقها الداخلة في ذمتها المالية، يثبت لها الحق في الدعوى، ولا تختلف الجمعية عن باقي أشخاص القانون فتثبت لها الصفة العادية في الدعوى، وأهلية التقاضي (الأهلية الإجرائية) على النحو الذي سبقت الإشارة إليه([72]). ومن أمثلة مطالبة الجمعية بثمن أشياء قامت ببيعها والدعاوى التي ترفعها على معتدي على مال مملوك لها لمطالبته بالتعويض.

أن الجمعية قد ترفع دعوى من أجل الدفاع عن المصالح المشتركة التي أنشأت قصد حمايتها، فهل تثبت لها الصفة العادية في الدعوى؟

بالرجوع إلى القاعدة العامة فإن الصفة في الدعوى تثبت لصاحب الحق المدعى عليه دون غيره، وعليه فإن الأصل أن الجمعيات لا تحوز الصفة في مثل هذه الدعاوى، التي يكون مصيرها عدم القبول، ما لم يوجد نص في القانون يقرر غير ذلك[73] . وقد انتهى المشرع إلى منح الجمعية الصفة في الدعوى من اجل الدفاع عن الغرض الذي أنشأت من اجله، فنجد المادة 16 من القانون رقم 90/31 المؤرخ في 04/12/1990 المتعلق بالجمعيات تنص على انه يمكن للجمعية ان تمثل أمام القضاء وتمارس خصوصا أمام المحاكم المختصة ... مع شرط وجود عنصر الارتباط بين هدف الجمعية وما تدافع عنه من خلال دعواها.

ثانيا- النقابات: تنص المادة 02 من القانون رقم 90/14 المؤرخ في 02/06/1990 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي المعدل والمتمم بالقانون رقم 91/30 المؤرخ في 21/12/1991 والمعدل والمتمم بالأمر رقم 96/12 المؤرخ في 10/07/1996 انه يحق للعمال والمستخدمين أن يكونوا منظمات نقابية للدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية، وتنص المادة 16 من نفس القانون انه تكتسب المنظمة النقابية الشخصية المعنوية بمجرد تأسيسها، ويمكن لها بهذه الصفة ان تتقاضى وتمارس الحقوق المخصصة للطرف المدني لدى الجهات القضائية المختصة عقب وقائع لها علاقة بهدفها وألحقت أضرار بمصالح أعضائها الفردية أو الجماعية المادية أو المعنوية، فالمادة 16 السالفة الذكر لا تمنح النقابة الصفة في نتيجة أعمال متعلقة بموضوعها والتي أحدثت ضرار للمصالح الفردية أو الجماعية لأعضائها[74].

يكون موضوع دعاوى النقابات كالآتي:

أ‌- المطالبة بحق لها باعتبارها شخص معنوي له ذمة مالية مستقلة، مثل مطالبة شخص مدين لها بمبلغ من النقود. وهذه الدعاوى لا تتميز عن الدعاوى التي ترفع من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين.

ب‌- الدفاع عن المصالح المشتركة التي أنشأت النقابة من أجل حمايتها، مثل الدعوى التي ترفعها منظمة المحامين وإتحاد الأطباء ضد الشخص الذي ينتحل صفة المحامي أو الطبيب، وهي الطلبات التي تقدمها النقابات باعتبارها من صميم مهامها.

ت‌- المطالبة بحق خاص لأحد الأعضاء المنتمين إليها، مثل الدعوى التي ترفعها نقابة العمال للمطالبة بإعادة إدماج العامل المنخرط فيها والذي تم فصله بصورة تعسفية، مع الاحتفاظ العامل في هذه الحالة بصفته في الدعوى.

ـ أما الدعاوى التي ترفعها النقابة للمطالبة بحقوق تخص أشخاص غير أعضاء فيها، فالأصل عدم قبولها لغياب الصفة ما لم يوجد نص صريح بذلك، وقد اقر المجلس الدستوري الفرنسي حق النقابات في الدفاع عن المصالح الشخصية للأجراء بشرطين الأول إظهار الأجير المعني بالأمر، والثاني تمكينه من معارضة دعوى النقابة، ويكون بذلك المجلس الدستوري الفرنسي قد خلق مبدأ: "لا يمكن أن ترفع دعوى فردية ضد إرادة الشخص المعني".

كما تنص المادة 27 من القانون رقم 90/14 المؤرخ في 02/06/1990 المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 91/30 المؤرخ في 21/12/1991 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي على ما يلي: يمكن للتنظيم النقابي أن يقوم بما يلي: التقاضي وممارسة الحقوق المخصصة للطرف المدني لدى الجهات القضائية المختصة عقب وقائع لا علاقة لها بهدف التنظيم وألحقت أضرار بمصالح أعضائه الفردية والجماعية، المادية والمعنوية ....الخ.

وتنص المادة 27 من القانون رقم 90/100 المؤرخ في 03/04/1990 المتعلق بالإعلام على أنه ".... يمكن جميع المؤسسات والهيئات والجمعيات المعتمدة المكلفة بحقوق الإنسان ورعاية الطفولة أن تمارس الحقوق المعترف بها للطرف المدني....".

وقد يحدث أن ترفع دعويان في الوقت نفسه، دعوى ترفعها النقابة دفاعا عن المصلحة الجماعية، ودعوى يرفعها صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، قصد الحصول على الحماية القضائية.































المطلب الثاني: الصفة في الدعاوى العامة

إن النيابة العامة هي صاحبة الحق في الدعوى العمومية، فهي التي تستأثر بتحريكها(*) ومباشرتها أمام القضاء الجزائي في حين لا يخول لها القانون الحق في رفع الدعاوى أمام القضاء المدني إلا على سبيل الاستثناء، وتبعا لذلك تعمل النيابة أمام القضاء المدني بوسيلتين:

أولا : قد تكون النيابة طرفا منظم، أي يحق لها تقديم ملاحظات في بعض الدعاوى المنظورة، وعمل النيابة بهذه الوسيلة قد يكون إجباريا مثل القضايا المتعلقة بقانون الأسرة طبقا لنص المادة 3 مكرر من قانون الأسرة المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 05/09 المؤرخ في 04 مايو 2005(**) وكذا القضايا الواردة في المادة 141 من قانون الإجراءات المدنية.

أيضا وبالمقابل قد يكون جوازاي، إذ يحق للنيابة الإطلاع على جميع القضايا دون استثناء وتقديم ملاحظات بشأنها حسب ما تنص عليه الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 141 من قانون الإجراءات المدنية.

ثانيا: تكون النيابة طرفا أصلي في الدعاوى المدنية سواء في موقع المدعي أو المدعى عليه في حالات نص عليها القانون، وذلك دفاعا عن المصلحة العامة.

إن دعاوى النيابة العامة تنحى منحى ما يعرف بدعاوى الحسبة في الشريعة الإسلامية، التي يجوز رفعها من أي شخص بقصد الدفاع عن حق من حقوق الله تعالى[75] وهي تستند أساسا على مبدأ النهي عن المنكر ترفع احتساب لوجه الله تعالى وابتغاء الثواب منه، لكون إقامة المصالح ودرء المفاسد فرض كفاية يأثم الناس جميعا بتركه[76].

لقد أقر القانون للنيابة العامة الصفة في الدعوى بناء على بعض النصوص دفاعا عن المصالح العامة، وحفاظا على النظام العام، ومن تطبيقات ذلك نذكر في القانون:

- قانون الأسرة: يمكن للنيابة العامة أن تقدم طلبا بتعيين مقدم على من كان فاقد الأهلية أو ناقصها طبقا لنص المادة 99 من قانون الأسرة، ولها أن تطلب الحجر على من بلغ سن الرشد وهو مجنون أو معتوه أو سفيها اوطرأت عليه إحدى الحالات السابق ذكرها بعد رشده طبقا للمادة 102 من ذات القانون، ولها أن تقدم طلبا بالفقدان أو الغياب طبقا للمواد 109 و110 و111 و114 من نفس القانون، وللنيابة أيضا طبقا لنص المادتين 181 و182 أن تقدم طلبا بتصفية التركة وتعيين مقدم على القاصر الذي ليس له ولي أو وصي.

- في قانون الحالة المدنية ( الأمر رقم 70/20 المؤرخ في 19/02/1970 المتعلق بالحالة المدنية):

لقد خول قانون الحالة المدنية صلاحية رفع الدعوى أمام المحكمة للنيابة العامة في العديد من المجالات المتعلقة بالحالة المدنية، وطبقا للمادة 25 من نفس القانون يتعين على النائب العام شخصيا أو وكلاء الجمهورية التحقق من وضع السجلات ويحرر ملخصا عن التحقيق وتثبت المخالفات فيما إذا ارتكبت من قبل ضابط الحالة المدنية ويطلب معاقبته طبقا للنصوص النافذة، على اعتبار أن الأول يمارس مهامه تحت مراقبة النائب العام.

ومن تطبيقات ذلك القانون:

- يحق للنيابة العامة طبقا للمادة 29 من قانون الحالة المدنية أن تقدم طلبا للمحكمة الفاصلة في المسائل المدنية لمعاقبة ضابط الحالة المدنية عن المخالفة للمواد 26-27-28 من ذات القانون.

- ويحق للنيابة العامة باستثناء ما ذكر في المادة 79 من هذا القانون عندما لا يصرح بالعقد.... أو عندما لا توجد سجلات أو فقدت لأسباب غير أسباب الكارثة أو الحرب أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة بموجب عريضة مختصرة، قيد عقود الميلاد والزواج والوفاة بدون نفقة بعد صدور حكم بسيط.

- وللنيابة أن تطلب من المحكمة (الرئاسة) عند تلف بعض العقود إصدار حكم بإعادة إنشائها طبقا للمادة 40 من قانون الحالة المدنية.

- كما للنيابة العامة أيضا لدواعي النظام العام أن تطلب من المحكمة المختصة طبقا للمادة 47 من هذا القانون، إبطال العقود الخاطئة. ولها قبل ذلك أن تطلب تصحيح مثل هذه العقود طبقا للمادة 49 من هذا القانون.

- وطبقا للمادة 57 من نفس القانون أن الأسماء الواردة في عقد الولادة يجوز تعديلها للمصلحة المشروعة بموجب حكم رئيس المحكمة بناء على طلب وكيل الجمهورية.

- ولوكيل الجمهورية، طبقا للمادة 89 من ذات القانون أن يتقدم إلى رئيس المحكمة المختصة طبقا للمادة 91 بطلب من أجل التصريح بوفاة كل جزائري فقد في الجزائر أو خارجها وكذا كل أجنبي أو عديم الجنسية فقد في الجزائر أو على متن طائرة أو باخرة جزائرية، إذا كان مسكنه أو إقامته الاعتيادية في الجزائر.

- في قانون الجنسية (الأمر رقم 70/86 المؤرخ في 15/12/1970 المتعلق بقانون الجنسية الجزائرية):

شأنه شأن قانون الحالة المدنية، فقد خول قانون الجنسية النيابة العامة الصفة في الدعوى فيما يتعلق بالجنسية ومن ذلك:

للنيابة العامة وحدها الحق في أن ترفع على أي شخص كان دعوى بغرض إثبات تمتع المدعى عليه بالجنسية الجزائرية أو عدم تمتعه بها، وهو ملزم بإقامتها إذا طلبت منه ذلك إحدى الإدارات العمومية ذلك طبقا للمادة 38 من قانون الجنسية.

- في قانون الإجراءات المدنية:

لقد أجاز قانون الإجراءات المدنية، بموجب المادة 297 منه للنائب العام بالمحكمة العليا إذا وصل إلى علمه صدور حكم نهائي من محكمة أو قرار من مجلس قضائي وكان هذا الحكم مخالفا للقانون أو مخالفات لقواعد الإجراءات الجوهرية، ولم يطعن فيه أحد من الخصوم بالنقض في الميعاد، فله أن يعرض الأمر بعريضة عادية على المحكمة العليا[77]











































الفصل الثالث

أحكام الصفة في الدعوى





تضبط الصفة في الدعوى جملة من الأحكام والضوابط، لعل أهمها مسألة ارتباطها بالشكل أو الموضوع، وعلاقتها بالنظام العام.

إن المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية نصت بوضوح أن الصفة في الدعوى تتعلق بالنظام العام، غير أنها قد تثبت لصاحبها أثناء نظر الدعوى، أو تزول عنه بعد أن كان يحوزها حين رفع دعواه فما الحل في مثل هذه الحالات، أيضا ما هي أهم مميزات الحكم القاضي بعدم قبول الدعوى لغياب الصفة سواء في الجانب المدعي باعتباره صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، أو في جانب المدعى عليه بوصفه المعتدي على الحق أو المركز القانوني المدعي.

من أجل معالجة أحكام الصفة رأينا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين اثنين تعرض الأول إلى موضوع

الصفة بين الشكل و الموضوع، وكذا علاقتها بالنظام العام. فيما تعرض الثاني إلى عوارض الصفة أثناء نظر الدعوى وشرح مميزات أحكام عدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة.

























المبحث الأول

الصفة بين الشكل والموضوع في الدعوى وعلاقتها بالنظام العام



إن الدفع هو ما يجيب به الخصم على طلب خصمه بقصد تفادي الحكم له به، فهو إذن وسيلة دفاع سلبية محضة([78]) وإذا كانت الدفوع الموضوعية هي تلك التي توجه إلى ذات الحق المدعى به فإن الدفوع الشكلية توجه إلى ذات الخصومة أو إلى بعض إجراءاتها دون التعرض لذات الحق المدعى به([79]). وتبعا لذلك يثور التساؤل حول الدفع بعدم القبول لغياب الصفة أهو دفع شكلي أم دفع موضوعي، أم أنه ذو طبيعة خاصة؟

لقد صرحت المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية – كما سبقت الإشارة إليه- أن الصفة من النظام العام. 

من أجل معالجة هذين العنصرين بنوع من التفصيل قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين الأول تناول الصفة بين الشكل والموضوع في الدعوى و تعرض الثاني إلى علاقة الصفة بالنظام العام.































المطلب الأول: الصفة بين الشكل و الموضوع في الدعوى.

الدفع هو ما يجيب به الخصم على طلب خصمه قصد تفادي الحكم به أو تأخير هذا الحكم، ويعتبر – كقاعدة عامة- وسيلة في يد المدعى عليه للرد على دعوى المدعي وتمكينه من الاعتراض عليها أو على إجراءاتها.

توجد ثلاثة أنواع من الدفوع يتم التمييز بينها وفق محلها، فحين تناقش مدى تأسيس الإدعاء موضوعا تسمى بالدفوع الموضوعية، وحين تتعلق بإجراءات الخصومة تسمى الدفوع الشكلية، وحين تتعلق بالحق في الدعوى تسمى دفوع عدم القبول.

إن العبرة في تحديد نوع الدفع المقدم ليس بالتسمية التي يطلقها عليه الخصوم إنما بحقيقته التي تتضح من تكييف القاضي، والذي تترتب عليه آثار موضوعية وإجرائية هامة:

1. الدفوع الموضوعية: الدفع الموضوعي هو الذي يوجه إلى الحق موضوع الدعوى بغرض الحكم برفض كل طلبات المدعي أو بعضها، فينازع في نشات الحق أو بقائه أو مقداره، وقد يتصل الدفع الموضوعي بوقائع الدعوى، فقد يتصل بالقانون مثل النزاع حول تفسير نص قانوني، أو الدفع بعدم جواز تطبيق ذلك النص على الدعوى القائمة([80]).

2. قواعد الدفع الموضوعي:

أ‌- يجوز إبداء الدفع الموضوعي في أي مرحلة تكون عليها الدعوى، ولو لأول مرة أمام المجلس القضائي، وأيضا أمام المحكمة العليا إذا كانت لا تعد وسيلة جديدة.

ب‌- يستنفد الحكم الصادر في الدفع الموضوعي سلطة المحكمة بالنسبة لموضوع الدعوى،فإذا طعن في هذا الحكم بالاستئناف حتى لو كان استنادا إلى عيب شكلي، يفصل المجلس القضائي في موضوع الدعوى ولا يحيلها إلى المحكمة.

ج- يعتبر الحكم الصادر في الدفع الموضوعي فاصلا في الموضوع، يرتب حجية الشيء المقضي التي تمنع من تجديد النزاع أمام القضاء، وهو ما يبين الفائدة التي تعود على المدعى عليه من الكلام في الموضوع حتى حين تكون لديه دفوع شكلية.

ت‌- الدفوع الشكلية: وهي التي توجه إلى إجراءات الخصومة، وتكون عائقا يمنع الفصل في موضوع الطلب بصفة مؤقتة دون أن تنفي تأسيسه.

ومن أمثلة الدفوع الإجرائية نذكر الدفع بعدم الاختصاص (م 93) والدفع بالإحالة والدفع بالضم، والدفع بعدم دفع كفالة من الأجنبي المدعي أو المتدخل في الخصومة والدفع ببطلان أحد اجراءات الخصومة.



قواعد الدفع الإجرائي:

يخضع الدفع الإجرائي من حيث ترتيب إبدائه والحكم الصادر فيه إلى مجموعة من القواعد نذكرها فيما يلي:

أ – لابد من إبداء الدفع الإجرائي قبل مناقشة الموضوع، وذلك قصد تفادي السير في خصومة باطلة وما يترتب عنه من إضاعة الوقت والجهد والنفقات دون فائدة، وقصد غلق الطريق أمام الخصم سيء النية الذي يرغب في الانتظار إلى حين نهاية الخصومة كي يبدي دفعه المتعلق بالإجراء[81]، غير أن سبب الدفع الإجرائي قد يطرأ أثناء سريان الدعوى أي بعد مناقشة الموضوع، هنا لابد من تقديم هذا الدفع بمجرد ظهور سببه.

إن الدفع الإجرائي لا يقدم سوى من الشخص الذي قرر البطلان لمصلحته ولا يجوز للمخطئ أن يستفيد من خطئه ثم يطلب بطلان الإجراءات التي اتخذها[82].

ب – لا يستنفذ الحكم في الدفع الإجرائي سلطة المحكمة بالنسبة للموضوع، إذ أن الحكم القضائي ببطلان إجراءات المطالبة القضائية والذي تم استئنافه وألغاه المجلس القضائي لا يتولى هذا الأخير الفصل في الموضوع بشأنه بل يحيل الملف إلى المحكمة المصدرة للحكم الملغى والتي لم يسبق لها نظر موضوع الدعوى، وذلك تجسيد لمبدأ التقاضي على درجتين،وتستثنى من هذه القاعدة حالة كون القضية مهيأ ة للفصل فيها، حيث يجوز للمجلس القضائي أن يفصل في الدعوى طبقا لنص المادة 109 من قانون الإجراءات المدنية. وتكون القضية مهيأة للفصل فيها إذا توافر شرطان هما:

1. أن يكون الأطراف قد قدموا طلباتهم في الموضوع.

2. أن لا تكون القضية بحاجة إلى تحقيق إضافي.

دفوع عدم القبول:

إن دفوع عدم القبول لا توجه إلى ذات الحق المدعى به، فلا تعد دفوعا موضوعية ولا توجه إلى إجراءات الخصومة فلا تعد دفوعا شكلية، وإنما ترمي إلى إنكار وجود الحق في الدعوى لعدم توافر أحد الشروط التي يتطلبها القانون لقبولها[83] ويتميز الدفع بعدم القبول عن عدم القبول المادي كرفض أمين الضبط استلام العريضة الافتتاحية للدعوى لسبب ما[84].

- الدفع بعدم القبول لانتفاء الصفة:

يعامل الدفع بعدم القبول لغياب الصفة من حيث ترتيب إبدائه معاملة الدفع الموضوعي، إذ يجوز تقديمه في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، فلا يكتسب المدعي الصفة بكلامه في الموضوع إذا لم تكن لديه قبل ذلك، وبالمقابل يؤدي تقديم الدفع بعدم القبول لغياب الصفة إلى سقوط الحق في إبداء الدفوع الإجرائية، ويعود سبب هذه القاعدة إلى اعتبار الدفوع بعدم القبول لانتفاء الصفة موجه – في الحقيقة – إلى الحق في الدعوى.

إذا صدر حكما بعدم قبول الدعوى على أساس عدم توافر الصفة، واستأنف هذا الحكم، فألغاه المجلس القضائي، هل يفصل المجلس في الدعوى، أم يحيل القضية إلى المحكمة.

اختلف الفقه المصري في الإجابة عن هذا السؤال إلى فريقين:

الفريق الأول يرى أن المحكمة تستنفذ سلطتها في نظر موضوع الدعوى، ويتولى المجلس القضائي الفصل فيه، أما الثاني فعلى النقيض من سابقه ذهب إلى إلغاء المجلس لحكم المحكمة القاضي بعدم القبول ليس سوى تصريح من قبله بأن الحق في الدعوى موجد، وعليه فإن للمحكمة تنضرفي الموضوع لأن ذلك سوف يتم أول مرة.

المشرع الجزائري ميز بين حالتين:

1. حين تكون القضية غير مهيأة للفصل فيها يلتزم المجلس القضائي بإحالة القضية إلى المحكمة للفصل في موضوعها.

2. حين تكون القاضية مهيأة للفصل فيها يكون المجلس القضائي مختارا بين أن يحيل الدعوى إلى المحكمة أو أن يتصدى لها.

إن الدفع بعدم القبول لانتفاء الصفة في الدعوى يوجه في الحقيقة إلى الصفة العادية، والصفة الاستثنائية دون الصفة الإجرائية التي يعد الدفع بشأنها من الدفوع الإجرائية، كما أن البحث في الصفة قد يتعد مع مناقشة الموضوع ومنه فإن الدفع بعدم قبول الدعوى لغياب الصفة هنا هو نفسه رفض الدعوى لعدم التأسيس مثل الدائن الذي يرفع دعوى ضد مدينه، غير أنه لا يقوى على إثبات علاقة الدائن.

وبالمقابل قد تنفصل الصفة العادية في الدعوى عن الحق الموضوعي، فيكون هنا الدفع بعدم القبول لغياب الصفة يختلف عن الرفض لعدم التأسيس، ولعل خير مثال على ذلك الدعاوى المحددة بأجل، ثم يرفع المدعي دعواه خارج ذلك الأجل، هنا يكون الحكم عدم القبول لانتفاء الصفة، هذا الحكم إذا ألغاه المجلس يعود الملف إلى المحكمة التي تفصل في هذا الوقت في الموضوع.

أخيرا، إن الدفع بعدم القبول لغياب الصفة قد يتخذ صورة الدفع الإجرائي البحث مثل الدفع بعدم وجود الصفة الإجرائية.......، وقد يكون دفعا موضوعيا صرفا مثل دعاوى الدين الذي لا يقوى الدائن على إثبات علاقة الدائن وقد يكون بين هذا وذاك، أي دفع ذو طبيعة خاصة – وهي الحالة الغالبة – ومن أمثلة ذلك نذكر دعوى مالك العقار التي يرفعها بعد انقضاء مدة 15 سنة كاملة من حيازة المدعي عليه للعقار ويعود توصيف الدفع بعدم القبول لانتفاء الصفة بوصف خاص إلى كونه يجمع بعض خصائص الدفع الإجرائي، وبعض خصائص الدفع الموضوعي.

المطلب الثاني: علاقة الصفة في الدعوى بالنظام العام

تنص المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائز لصفة ... ويقرر القاضي من تلقاء نفسه انعدام الصفة، واضح من النص السالف الذكر أن الصفة في الدعوى تتعلق بالنظام العام، ويترتب على اعتبار الصفة من النظام العام آثار هامة هي:

1 – لا يجوز لجميع أطراف الدعوى الاتفاق على عدم منازعة بعضهم البعض في الصفة، كما هو الشأن في الاتفاق حول الاختصاص المحلي.

2 – يجوز إبداء الدفع بعدم القبول لانعدام الصفة في أي مرحلة تكون عليها الدعوى، إذا يمكن تقديم الدفع أمام ذات المحكمة الناظرة في الدعوى، وعند إعادة السير فيها إذا ما انتهت قبل الفصل في الموضوع، وأمام جهة الاستئناف ولو لأول مرة، وأمام المحكمة العليا.

3 – يتعين على النيابة العامة إذا كانت طرف أصلي في الدعوى، أو منضمة فيها أن تتمسك بانعدام الصفة ولو لم يدفع به أحد الخصوم. كما لها أن تطعن بذلك لصالح القانون طبقا لنص المادة 297 من قانون الإجراءات المدنية والمواد 125، 159، 166، 170 من قانون الولاية.

4 – على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الدعوى لانعدام الصفة من تلقاء نفسها ولو لم يدفع بها أحد الخصوم أو النيابة العامة حين تكون طرف في الدعوى.

غير أن هذا المبدأ وضع له استثناء، إذ تنص المادة 85 من قانون الإجراءات المدنية أنه إذا لم تكن القضية مهيأة للفصل فيها، فإن القاضي بمجرد إعلامه بوفاة أحد الخصوم أو تغير أهليته يكلف شفويا أو بتبليغ يتم طبقا للأوضاع... كل ذي صفة لإعادة السير في الدعوى.

إن القراءة الأولى للنص السالف الذكر تفيد أنه إذا توفي أحد الأطراف أو تغيرت أهليته، كان لازما على المحكمة أن تتبع الإجراء المطلوب في المادة مما يعني أنه خروج عن المبدأ القاضي بالتصريح تلقائيا بعدم القبول، وأن مثل هذا النص يجعل الصفة في هذه الحالة لا تتعلق بالنظام العام.

إن ما يعزز هذا الرأي هو الموقف الذي اتخذته المحكمة العليا في قرارها رقم 73514 الصادر في 12/06/1991 المنشور بالمجلة القضائية رقم 01/95 ص 32، والذي جاء فيه أن المجلس القضائي بامتناعه عن القيام بالتدابير المنصوص عليها بالمادة 85 من قانون الإجراءات المدنية بإبطاله الإجراءات المتبعة بعد وفاة أحد الخصوم وصرف هؤلاء لما يبدو لهم فيكونوا قد انتهكوا أحكام المادة أعلاه مما يعرض قرارهم للنقض[85].















المبحث الثاني

عوارض الصفة إثناء نظر الدعوى وأحكام عدم القبول لانتفائها

كما سلفت الإشارة إليه، فإن قانون الإجراءات المدنية نص بصراحة أن مسألة الصفة في الدعوى تتعلق بالنظام العام، غير أن المدعي قد يرفع دعواه وهو لا يحوز الصفة وأثناء نظر الدعوى يكتسبها، بالمقابل قد يتمتع المدعي أو المدعى عليه بالصفة في الدعوى بتاريخ رفعها، إلا أنهم يفقدونها بسبب ما أثناء النظر، وقبل صدور الحكم، فكيف يتعامل القاضي مع مثل هذه الأوضاع.

من جهة أخرى تتميز الأحكام القضائية بصورة عامة* الفاصلة في شأن الصفة بمميزات خاصة، فهي لا تفصل في الشكل ولا في الموضوع.

من أجل معالجة هذين الموضوعين، قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين الأول تعرض إلى مسألة اكتساب وزوال الصفة أثناء نظر الدعوى فيما تطرق الثاني إلى أحكام عدم القبول لانتفاء الصفة.















المطلب الأول: اكتساب وزوال الصفة أثناء نظر الدعوى

أ – اكتساب الصفة أثناء نظر الدعوى

قد يحدث أن يرفع شخص دعوى أمام القضاء دون أن يكون حائزا على صفة في ذلك، فمن المعلوم أنه عند رفع الدعوى يتم استقبال العريضة الافتتاحية من قبل أمين الضبط الذي يقوم بقيدها في السجل وتحديد تاريخ الجلسة لمثول الأطراف دون أن يكون له الحق في بحث ما تعلق بها ومنها الصفة، إلا أنه أثناء سير الدعوى يكتسب أحد الأطراف الصفة.

فما أثر دلك عند رفعها بدون صفة وهل هناك أثر عند اكتسابها أثناء نظر الدعوى.

لقد أثارت هذه المسألة جدلا واسعا:

ذهب رأي إلى القول أن المدعي إن لم تكن له صفة في الدعوى أثناء رفعها ثم اكتسبها عند نظرها، فإن العيب الذي شاب الدعوى يزول بشرط أن يكون المدعي قد راعى المواعيد والإجراءات.

ورأي قال بالقاعدة المتقدمة سواء كان زوال العيب قد حدث قبل أو بعد التمسك بالدفع.

رأي ثالث رأى أنه إذا لم تكن للمدعي صفة في الدعوى وقت رفعها فإنه يتعين على المحكمة القضاء بعدم القبول لانتفاء الصفة سواء اكتسب المدعي الصفة أثناء نظر الدعوى أو لم يكتسبها على اعتبار أن شروط قبول الدعوى من النظام العام.

إن هذا الجدل غير وارد في التشريع الجزائري، ذلك أن المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية حسمت الأمر، إذ صرحت أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائز الصفة، ويقرر القاضي من تلقاء نفسه انعدام الصفة، وعلى ذلك فإن تشريعنا الوطني اشترط وجود الصفة في الدعوى من تاريخ رفعها ولا يعتد بحالة اكتسابها أثناء النظر.

ب – زوال الصفة أثناء نظر الدعوى

قد يحدث أن يرفع شخص دعوى وهو حائز لصفة التقاضي غير أنه وأثناء سريان دعواه تزول عنه الصفة فهل من أثر لهذا الزوال ؟

لقد جاء نص المادة المذكور أعلاه واضح الدلالة، وبالتالي فإن لا مجال للاجتهاد مع صراحة النص، فلا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا صفة التقاضي، فمن هذا يتجلى إطلاق النص بعدم قابليته رفع الدعوى بدون صفة.

أما الفقرة الثانية من نفس المادة 459 فإنها تنص على أن القاضي يقرر من تلقاء نفسه انعدام الصفة. مما يفيد أنه كلما تبين للقاضي انعدام الصفة أمكن له الحكم بذلك دون ما حاجة لانتظار دفع من الأطراف، وفي أية مرحلة كانت عليها الدعوى.

فإذا ما زالت صفة المدعي أثناء نظر الدعوى يقرر القاضي من تلقاء نفسه انعدام الصفة. وعليه فإنه إذا تحققت الصفة بعد رفع الدعوى أو زالت بعد إن وجدت فإن القاضي يحكم بعدم القبول لانعدام الصفة.

























المطلب الثاني: أحكام عدم القبول لانتفاء الصفة في الدعوى

إن الحكم هو القرار الذي تصدره المحكمة في خصومة ما وفقا للقواعد المقررة قانونا في نهايتها أو أثناء سريانها، سواء صدر هذا الحكم في موضوع الخصومة أو في مسألة إجرائية.

يتكون الحكم من الديباجة، الوقائع، المناقشة، وأسباب الحكم، المنطوق.

تقسم الأحكام من حيث صدورها في موضوع الدعوى أو في مسألة إجرائية إلى أحكام فاصلة في الموضوع وأحكام إجرائية.

كما سلفت الإشارة إليه، فإن الدفوع المتعلقة بعدم القبول لغياب الصفة قد تدخل ضمن الموضوع، كما قد تكون دفوع إجرائية، وتتخذ أحيانا كثيرة طابعا خاصا، وفيما يلي سوف نستعرض بعض قرارات المحكمة العليا الفاصلة في مسألة الصفة.

" قرار رقم 39.694 مؤرخ في 08/05/1985، المجلس القضائي لسنة 1989 العدد الثالث، ص 34"

حيث أن الصفة ركن أساسي، جوهري في كل دعوى قضائية وتصبح غير مقبولة في حالة فقدها.

حيث أن المدعية أرملة كانت قد باشرت دعوى تعويض باسمها واعتبارها الولية الشرعية لأولادها العشرة، وفي هذه الحالة تعتبر ذات صفة في رفع الدعوى متى كانوا كلهم قاصرين.

حيث ثبت أن أربع بنات كن وقت رفع الدعوى راشدات مما يجعل الأرملة فاقدة الصفة في تمثيل بناتها الراشدات.

" قرار رقم 39.694 مؤرخ في 08/05/1985 م.ق 1989 عدد 03 ص 34 "

حيث أنه بعد الإطلاع على ملف الطعن وإجراءات التقاضي أمام الدرجة الأولى والثانية وعلى القرار المطعون فيه ثبت أن موضوع الصفة لم يناقش ولم يفصل فيه، لذا فإنه لا رقابة للمجلس إلا على كل ما أثير حول خرق المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية.

" قرارا رقم 40.184 مؤرخ في 01/07/1987 م.ق 1990 عدد 04 ص 18 "

من المقرر قانونا أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لصفة التقاضي.

ولما كان ثابتا في – قضية الحال – أن المطعون ضدهم لم يكونوا طرفا في الحكم الغيابي المعارض فيه فإن قضاة الأساس بقبولهم معارضة شخص لم يكن طرفا في الحكم الغيابي الذي إن كانت له مصلحة في الدعوى كان عليه أن يقوم بطعن الغير الخارج عن الخصومة خرقوا قواعد جوهرية في الإجراءات.

" قرار رقم 52.039 مؤرخ في 05/04/1989 م.ق 1990 عدد 03 ص 93 "

ومن المقرر أيضا أن الوالي يمثل الولاية أمام القضاء ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقانون. (الصفة الإجرائية).

ولما كان ثابت – في قضية الحال – أن قضاة الموضوع بقبولهم تدخل مديرية الشؤون الدينية باعتبارها ممثلة الوالي يعد خرق للقانون .

" قرار رقم 566.644 مؤرخ في 27/12/1989 م.ق 1992 ص 13 "

متى كان من المقرر قانونا أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لصفة وأهلية التقاضي وله مصلحة في ذلك.

ولما كان ثابت في قضية الحال – أن قضاة الموضوع لما قضوا بمنح تعويضات للمدعي المدني عن خسارة السيارة، عن الضرر المعنوي برغم من أنه ليس مالكا لها يكونوا قد أخطؤوا في تطبيق القانون.

" قرار رقم 61.416 مؤرخ في 30/10/1990 م.ق 1992 عدد 04 ص 208 "

حيث أن رفع الدعوى على الطاعن دون باقي أطراف العقد، فإنه يترتب على ذلك عدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة. لأن في هذه الحالة فإن الصفة لا تثبت إلا لجميع أطراف العقد. لأن تغيير المركز القانوني لا يمكن أن يحدث إلا في مواجهة الجميع.

" قرار صادر عن الغرفة المدنية تحت رقم 117.250 مؤرخ في 26/10/1994 غير منشور "

عن الوجه المأخوذ من خرق المادة 459 من ق.إ.م بدعوى أن المطعون ضدهما لم يقدما عقد ملكيتهما واكتفيا بالاعتماد على قسمة أموال أبيهما في حياته وعلى اتفاقية تتضمن تصفية إرث مسبق وهذه الاتفاقية باطلة فكان المطعون ضدهما منعدمي الصفة.

لكن حيث أن الطاعن مجرد مستأجر للمحل التجاري المتنازع فيه وبالتالي لا يمكن له أن يناقش سند ملكية العقار أين يوجد وكذا القسمة الواقعة بين الورثة.

" قرار رقم 146.425 مؤرخ في 07/01/1997 م.إ.غ.ت.ب عدد خاص 1999 ص 102 "

من المقرر قانونا أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لصفة وأهلية التقاضي وله مصلحة في ذلك.

ولما ثبت – في قضية الحال – أن الغرفة الإدارية ألغت القرار الصادر عن الوالي الذي يلغي بدوره قرار صادر عنه سابقا لا يعني الطاعن الذي لم يكن طرفا في الدعوى الإدارية باعتبار أن علاقة ديوان الترقية والتسيير العقاري – الطاعن – بالمستأجر هي علاقة تعاقدية طبقا لمقتضيات المرسوم 76/147 المؤرخ في 23/10/1976 ولا دخل للإدارة في إبرام مثل هذه العقود.

ومن ثم فإن قضاة المجلس لما قضوا على الطاعن بتسديد الغرامة التهديدية رغم عدم حيازتها الصفة يكونون قد خالفوا القانون مما يعرض قرارهم للنقض.

" قرار رقم 171.200 مؤرخ في 12/05/1988 م.ق عدد 02 ص 107 "

من المقرر قانونا أنه " يكون الأب وليا على أولاده القصر وبعد وفاته تحل الأم محله قانونا "،ولما كان ثابتا – في قضية الحال – أن القضاة لما قبلوا استئناف أم المطعون ضدهما وهي لم تكن طرفا في الخصومة. كما أن المطعون ضده لازال قاصرا وأن أباه هو ولي عنه حسب القانون، لم يتوفى بعد لكي تنوب عنه الأم.

ومن ثم فإن القضاة بقضائهم كما فعلوا قد خرقوا الأشكال الجوهرية في الإجراءات والقانون مما يستوجب نقض القرار.

" قرار رقم 167.835 م.ق 1997 عدد 02 ص 77 ".

من المقرر قانونا أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لصفة التقاضي ومن المقرر أيضا أنه " يجوز للقاضي بناء على طلب... بإجراء الخبرة أو التحقيق في الكتابة أو في أي إجراء آخر.

ومن الثابت في قضية الحال – أن قضاة المجلس قد أخطأوا عندما اعتبروا الصفة مسألة تتعلق بالشكل في حين أنها تشكل في حد ذاتها مسألة تتعلق بالموضوع. إذ يجب على الجهات القضائية معاينة ثبوتها أو دحضها باللجوء إلى إجراء تحقيق مناسب طبقا لمقتضيات نص المادة 43 من قانون الإجراءات المدنية.

ومتى كان ذلك استوجب نقض القرار.

" قرار رقم 150.865 مؤرخ في 25/02/1998 م.ق 1998 عدد 01 ص 94 "



































خــــــــــــاتـمــــــــــــة



إن موضوع الصفة باعتبارها شرط من شروط قبول الدعوى من أهم المواضيع في قانون الإجراءات المدنية، و لعل التطرق إليها من شأنه كشف النقاب عن عديد الخبايا المرتبطة به، إن عملنا هذا لا يعدو أن يكون قطره من فيض، علاوة على أنه أثار جملة من التساؤلات.

لقد خلصنا عقب هذا البحث المتواضع إلى بعض النتائج التي نعتقد أنها أساسية، و التي من أهمها نذكر:

1- إن الصفة العادية في الدعوى تقتضي تقتضي أن يكون المدعي هو صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه، و المدعى عليه هو المعتدي على الحق أو المركز القانوني للمدعي، و هو ما يعبر عنه بأن الدعوى يجب أن ترفع من ذي صفة على ذي صفة.

2- ثمة اختلاف عضوي بين الصفة العادية في الدعوى و الصفة الإجرائية ، إذ تعبر هذه الأخيرة عن صلاحية الشخص لمباشرة إجراءات التقاضي مع احتفاظ المدعي الأصلي بصفته العادية.

3- الصفة الاستثنائية في الدعوى تحل محل الصفة العادية، وهي وفق تسميتها استثناء عن القاعدة العامة، ولا يعتد بها إلا بنص من القانون.

4- إن الصفة في الدعوى التي تثبت للجمعية دفاعا عن مصلحة لا علاقة لها بالأفراد المكونين لها، إنما تكون مرجعيتها الهدف الذي تأسست الجمعية لأجله هي صفة استثنائية بطبيعتها، وعليه لا تثبت إلا بنص خاص.

5- الصفة التي تثبت للنيابة العامة في الدعاوى العامة هي الأخرى استثنائية ولا يعتد بها إلا بنص قانوني صريح.

6- الدفوع الموجهة ضد طرف في الدعوى، والتي تنصب حـول الصفة الإجرائية هي دفوع إجرائيـــة صرفة، أمــــا الدفوع الموجهـة إلى الصفة العاديـــــــة أو الاستثنائية فقد تكون دفوع موضوعية، كما قد تكون دفوع ذات طبيعة خاصة.

7- حين يستلم القاضي الملف فإنه يفحص أولا اختصاصه، ثم يتطرق إلى الشكل ثم إلى شروط قبول الدعوى، ثم إلى الموضوع، وإذا كانت الأحكام القضائية لا تورد التصريح بالاختصاص وشروط القبول وتتطرق مباشرة إلى الموضوع، فإن ذلك يعد من قبيل القضاء الضمني.

8- الصفة في الدعوى من النظام العام وفق التشريع.

على الرغم من أن أول ما يتطرق إليه القاضي بعد فحص الاختصاص و الشكل هو شروط قبول الدعوى، بما في ذلك الصفة، فإن قانون الإجراءات المدنية الجزائري نص عليها في الكتاب التاسع تحت عنوان " أحكام عامة وأحكام ختامية "، بند الأحكام العامة، في حين كان الأجدر به أن يتناولها في الكتاب الثاني بعد الاختصاص، و قد تدارك مشروع قانون الإجراءات المدنية والإدارية ذلك.

موضوع الصفة كشرط لقبول الدعوى بحاجة إلى شرح مستفيض من قبل فقهاء القانون من أجل تصحيح المفاهيم، وإيمانا منا أن التغيير إلى الأصوب إنما يكون عبر الفهم الصحيح للقانون وليس الممارسة القضائية غير الصحيحة والتي وإن استمرت لفترة طويلة لن تتجول إلى قانون، بل على العكس من ذلك سوف تكون عقبة تصنع الاختلاف بين النصوص التشريعية والواقع القضائي على خلفية الفهم السيئ والمبني على منطق أعوج للنصوص القانونية.

وأخيرا نرجو أن يكون هذا العمل البسيط قد نال حظه من التوفيق، وإن تضمن أخطاء وهفوات فجل من لا يخطئ، والله المستعان.















قائمة المصادر والمراجع

1ـ المصادر:

ـ قانون الإجراءات المدنية الجزائري،وزارة العدل،1966

ـ قانون الأسرة الجزائري، المعدل والمتمم بموجب الأمر رقم 02/ 05 المؤرخ في 22/02/2005

ـ القانون المدني الجزائري، وزارة العدل،1975

ـ قانون الولاية، وزارة العدل.

ـ قانون البلدية، وزارة العدل.

ـ قانون الانتخابات، وزارة العدل.

ـ قانون الجمعيات و النقابات، وزارة العدل.

ـ قانون الحالة المدنية، وزارة العدل.

ـ القانون التجاري الجزائري، وزارة العدل.

ـ قانون العقوبات الجزائري، وزارة العدل.

ـ قانون المرافعات المصري.

2ـ المراجع:



أ ـ الكتب القانونية :

ـ احمد أبو ألوفا ،المرافعات المدنية و التجارية ،منشأة المعارف ،ألإسكندرية،الطبعة الخامسة عشر

ـ أحمد ألمليجي ،التعليق على قانون المرافعات

ـ بوبشير محند أمقران ،قانون الإجراءات المدنية – نظرية الدعوى ،نظرية الخصومة ،الإجراءات الاستثنائية -

ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1998

ـ محمود سيد التحيوي ،الصفة غير العادية في الدعوى وأثرها في رفع الدعاوى القضائية ،دار الجامعة الجديدة ،2002،ألإسكندرية

ـ عبد الوهاب بوضرسة ، الشروط العامة و الخاصة لقبول الدعاوى بين النظري و التطبيق ، دار هومه ، الجزائر ،2005

ـ أحمد خلاصي ،قواعد وإجراءات التنفيذ الجبري وفقا لقانون الإجراءات المدنية الجزائري و التشريعات المرتبطة به ،منشورات عشاش ،الجزائر

ـ محمد صبري السعدي، شرح القانون المدني الجزائري، دار الهدى، 2004، الطبعة الثانية

ب ـ الدروس و المحاضرات:

ـ زوده عمر ، محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة ، الدفعة 16 ،السنة الأولى ،السنة البيداغوجية ـ 2005ـ 2006ـ

ج ـ قرارات المحكمة العليا :

ـ قرار رقم 4018 المؤرخ في 01/07/1987 ،المجلة القضائية لسنة 1990 ،العدد الرابع ،صفحة 18 .

ـ قرار رقم 39694 المؤرخ في 08/05/1985 ،المجلة القضائية لسنة 1989 ،العدد الثالث ،صفحة 34 .

ـ قرار رقم 52039 المؤرخ في 05/04/1989 ، المجلة القضائية لسنة 1990 ، صفحة 43 .

ـ قرار رقم 566644 المؤرخ في 27/12/1989 ،المجلة القضائية لسنة 1992 ، صفحة 13 .

ـ قرار رقم 61416 المؤرخ في 30/10/1990 ، المجلة القضائية لسنة 1992، صفحة 208.

ـ قرار رقم 117250 المؤرخ في 26/10/1994 ،غير منشور .

ـ قرار رقم 146425 المؤرخ في 07/01/1997،عدد خاص للمجلة القضائية ،1999 ، صفحة 102.

ـ قرار رقم 171200 المؤرخ في 12/05/1988 ، المجلة القضائية لسنة 1998 ، العدد الثاني ، صفحة 107.

ـ قرار رقم 167835 المؤرخ في ــــــــــــــــــــ ، المجلة القضائية لسنة 1997 ، العدد الثاني ، صفحة 7ـ قرار رقم 150865 المؤرخ في 25/02/1998 ،المجلة القضائية لسنة 1998 ، العدد الاول ، صفحة 74.



الفهــــــــــــــــــــــرس

مقدمـــــــــــــــــــــة

الفصل الاول : الصفة العادية و الاجرائية و الاستثنائية في الدعوى ..............................04

المبحث الاول : الصفة العادية في الدعوى ..........................................................05

المطلب الاول : مفهوم الصفة في الدعوى ..........................................................06

المطلب الثاني : خصائص الصفة العادية في الدعوى .............................................08

المبحث الثاني : الصفة الاجرائية و الاستثنائية ........................................................11

المطلب الاول : الصفة الاجرائية ......................................................................12

االمطلب الثاني : الصفة الاستثنائية ................................................................. ..20

الفصل الثاني :المشاكل التي تثيرها بعض الدعاوى حول الصفة...................................28

المبحث الاول :الصفة لدى الغير وعند تعدد اطراف الحق...........................................29

المطلب الاول: الصفة لدى الغير .......................................................................30

المطلب الثاني : الصفة عند تعدد اطراف الحق .....................................................34

المبحث الثاني : الصفة في الدعاوى الجماعية و العامة .............................................36

المطلب الاول : الصفة في الدعاوى الجماعية ......................................................37

المطلب الثاني : الصفة في الدعاوى العامة............................................................40

الفصل الثالث : احكام الصفة في الدعوى..............................................................43

المبحث الاول :الصفة بين الشكل و الموضوع في الدعوى و علاقتها بالنظام العام .......... 44

المطلب الاول : الصفة بين الشكل و الموضوع في الدعوى....................................45

المطلب الثاني : علاقة الصفة في الدعوى بالنظام العام.........................................48

المبحث الثاني : عوارض الصفة اثناء نظر الدعوى و احكام عدم القبول لإنتفائها............50

المطلب الاول: إكتساب و زوال الصفة اثناء نظر الدعوى .....................................51

المطلب الثاني : احكام عدم القبول لإنتفاء الصفة ..................................................53

خــــــــــاتـــــــمـــــة.

قائمة المصادر والمراجع .

الفـــــــــــــــــــــــــهرس.









________________________________



-[1] احمد أبو الوفاء،المرافعات المدنية و التجارية، منشاة المعارف ،الإسكندرية ،الطبعة الخامسة عشر ،1990،ص 162



-[2] احمد المليجي ،التعليق على قانون المرافعات ،ص106



[3] - المرجع نفسه، ص 110



[4] - بوبشير محند أمقران، قانون الإجراءات المدنية (نظرية الدعوى، نظرية الخصومة، الإجراءات الاستثنائية)، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1998،ص 66.



[5] - المرجع نفسه، ص 66.



[6] - المرجع نفسه، ص67.



[7] زودة عمر ،محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة ، الدفعة 16،السنة الأولى ،السنه البيداغوجيه (2005/2006).



[8] المرجع نفسه.



[9] محمود سيد التحيوي, الصفة غير العادية و آثارها في رفع الدعاوى القضائية ,دار الجامعة الجديدة ,2002والإسكندرية,ص 164.



[10] المرجع نفسه، ص 165.



[11] زوده عمر , المرجع السابق.



[12] محمود سيد التحيوي,المرجع السابق ,ص 165.



[13] زوده عمر ,المرجع السابق.



[14].المرجع نفسه.



* المقصود هو الحق في الدعوى, وليس التقاضي الذي يعني الصفة الإجرائية.



[15] عبد الوهاب بو ضرسة، الشروط العامة و الخاصة لقبول الدعوى بين النظري و التطبيق،دار هومة،الجزائر،2005،ص 178.



[16] المرجع نفسه، ص 179.



[17] عبد الوهاب بو ضرسة, المرجع السابق, ص 180.



[18] المرجع نفسه ، ص 180.



[19] المرجع نفسه، ص 182.



- [20] عبد الوهاب بوضرسة ،المرجع السابق، ص 182.



[21] - مثل أن يدان ببعض الجرائم المتعلقة بالشرف .



1- العقوبة الجنائية هي العقوبات الأصلية في الجنايات وهي: الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت تتراوح بين 5لالى 20 سنة .



[23] - نصت المادة 104 من قانون الأسرة انه إن لم يكن للمحجور عليه ولي، أو وصي وجب على القاضي أن يعين في حكم الحجر مقدم لرعاية المحجور عليه والقيام بشؤونه، كما أن المادة 100 من نفس القانون نصت أن المقدم يقوم مقام الوصي ويخضع لنفس الأحكام.



[24] - تنص المادة 40 من القانون المدني أن سن الرشد القانوني المدني هو 19 سنة، وهذا خلاف سن الرشد الجزائي الذي هو 18 سنة حسب المادة 49 من قانون العقوبات



[25] - محمد سعيد جعفور، فاطمة اسعد، التصرف الدائر بين النفع والضرر في القانون المدني الجزائري، دار هومة 2002 الجزائر ص 17



[26] - المرجع نفسه ، ص 18 .



[27] - محمد صبري السعدي ، شرح القانون المدني الجزائري، دار الهدى ،2004 الطبعة الثانية، ص 162.



[28] عبد الوهاب بوضرسة، المرجع السابق، ص 173،174.



[29] [29]المرجع نفسه، ص 173



[30] بو بشير محندامقران ،المرجع السابق ،ص 73.



[31] بو بشير محندامقران ،المرجع السابق ،ص 73.



[32] زودة عمر، المرجع السابق.



[33] بوبشير محند أمقران، المرجع السابق، ص69.



* لقد درج الفقه القانوني المصري على التعبير عن الصفة الاستثنائية بالصفة غير العادية، كما يسمي من تثبت له هذه الصفة بالخصم غير العادي، ولعل ذلك يعود لكونها تمثل الاستثناء عن القاعدة التي هي الصفة العادية كما سبق بيانه.



[34] محمد سيد التحيوي، المرجع السابق، ص 164.



[35] المرجع نفسه، ص 183.



[36] محمودسيدالتحيوي،المرجع السابق ،ص186.



[37] المرجع ، نفسه ،ص184.



[38] المرجع نفسه، ص 186.



[39] محمود سيدالتحياوي المرجع السابق، ص 187.



[40] المرجع نفسه، ص 186.



[41] المرجع نفسه، ص 188.



[42] محمودسيدالتحيوي،المرجع السابق ،ص189.







[43] محمودسيدالتحيوي،المرجع السابق ، ص 190.



[44] ، المرجع نفسه ص192



[45] - احمد خلاصي، قواعد وإجراءات التنفيذ الجبري وفقا لقانون الإجراءات المدنية الجزائري والتشريعات المرتبطة به، منشورات عشاش، الجزائر، ص 256-257-258-259-260.



[46] - محمود سيد التحيوي، المرجع السابق،ص 204-206.



[47] - زودة عمر، المرجع السابق.



[48] - نصت المادة 189 من القانون المدني انه لكل دائن ولو لم يدا اجل دينه ان يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين...



[49] - محمود سيد التحيوي، المرجع السابق، ص 204-205.



[50] - محمود سيد التحيوي ،المرجع السابق ، ص 196.



[51] - المرجع نفسه، ص 198.



[52] - المرجع نفسه ،ص201



[53] - المرجع نفسه، ص202،209



[54] - عبد الوهاب بوضرسة المرجع السابق، ص176



[55] - المرجع نفسه، ص176



[56] - محمود سيد التحيوي المرجع السابق ص215



[57] - المرجع نفسه، ص215



[58] - أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص524.



[59] - المرحع نفسه، ص529.



[60] - أبو بشير محند أمقران، المرجع السابق، ص134.



[61] المرجع نفسه، ص135.



[62] بوبشير محند أمقران، المرجع السابق، ص 136.



[63] - الرجع نفسه، ص136.



[64] - ورد خطأ مطبعي في المرجع حيث أورد مصطلح (الطاعن) في حين يقصد (الضامن).



[65] - بوبيش محند أمقران، المرجع السابق ص 140.



[66] - بوبشير محند أمقران، المرجع السابق ص 141.



[67] - زوده عمر، المرجع السابق.



[68] - زودة عمر ، المرجع السابق .



[69] زودة عمر، المرجع السابق.



[70] عبد الوهاب بوضرسة، المرجع السابق، ص 184،185.



[71] المرجع نفسه ، ص 185.



[72] زودة عمر، المرجع السابق.



[73] - بوبشير محند امقران، المرجع السابق، ص 71.



[74] - عبد الوهاب بوضرسة، المرجع السابق، ص 186.



* النيابة العامة هي الوحيدة التي تباشر الدعوى العمومية، غير أنها ليست الوحيدة التي تحركها.



** ورد في نص المادة خطأ والأصح هو " طرف منظم" بدل "طرف أصلي".



[75] أحمد أبو الوفاء، المرجع السابق، ص127.



[76] بوبشير مجند أمقران، المرجع السابق، ص 72.



[77] عبد الوهاب بوضرسة، المرجع السابق، ص188،ص189.



[78] أحمد أبو الوفاء، المرجع السابق، ص 222.



[79] المرجع نفسه، ص 223.



[80] بوبشير محند أمقران، المرجع السابق، ص 146.145.



[81] - بوبشير محند أمقران، المرجع السابق، ص 148.



[82] - المرجع نفسه، ص 149.



[83] - أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص 128.



[84] - بوبشير محند أمقران، المرجع السابق، ص 151.



[85] - عبد الوهاب بوضرسة، المرجع السابق، ص 214.



* - يقصد بالأحكام القضائية أحكام المحاكم وقرارات المجلس القضائي وكذا قرارات المحكمة العليا.

ابحث عن موضوع