التكييف وأثره في القانون تشريعاً وتطبيقاً


(دراسة في التفريق القضائي بين الزوجين للعيب)
علي أحمد صالح المهداوي (*)
الملخص
التكييف هو عملية اجتهادية يراد بها إدراك الوقائع على ما هي عليه في حقيقتها، يعقب ذلك تبيّن الأنظمة القانونية التي تندرج تحت مظلة حكمها تلك الوقائع سواء بالتشريع أو التطبيق. فالتكييف على العموم يعني: التعرّف، وبالطرق العقلية، إلى الواقع على ما هو عليه لتحديد ما يجب في هذا الواقع من حكم شرعي أو قانوني للانتقال به مما هو كائن إلى ما يجب أن يكون عليه في ضوء مقاصد هذا التشريع أو ذاك. وبالتالي فإن التكييف بهذا المعنى سابق لأيّ تطور في حياة الأفراد والشعوب والأمم، وفي القوانين التي تحكمها. بل هو شرط في تحقق التغيّر والتطوّر من حيث أن التغيّر والتطورّر يعني الانتقال من واقع إلى واقع آخر يفترض فيه أنه أفضل من سابقه، واللازم من ذلك معرفة الواقع السابق على ما هو عليه وهو التكييف، ثم معرفة ما يجب أن يكون عليه، ثم تحديد وسائل هذا الانتقال، وتنفيذها بالفعل ليحصل هذا الانتقال بالفعل. وإذا كان يراد بالتكييف الكشف عن الواقع فإنّ المراد بالتفسير الكشف عن الحكم الشرعي أو القانوني من خلال النظر السليم في نصوص التشريع، وإقامة الأحكام والنظام على أرض الواقع لتحقيق مقاصد التشريع يتوقف على الأمرين معاً. وقد انصبّ البحث في هذا المقام على بيان ماهية التكييف، وضرورته، ووظيفته، التفريق القضائي بين الزوجين للعيب، مبيّنين آراء فقهاء المسلمين في نطاق هذه العيوب، وأثرها في الحكمة المتوخاة من تشريع الزواج، والأحكام المترتبة على وجودها، لننزل بطريقة البحث هذه الحكم الكلي إلى أحد جزئياته لتتضح صورة موضوع البحث بجانبيه النظري والتطبيقي.
المقدمة
من المسلّم به أنه حيثما قام مجتمع وجد القانون (أو الشرع)، من حيث إنّ وظيفة القانون تنظيم العلاقات، والعلاقة تستلزم لقيامها وجود أكثر من طرف(شخص)([1]).
والتنظيم ليس غاية في ذاته بل هو وسيلة لتحقيق غاية، وقد تعرف الغاية بـ (مقاصد التشريع حكمه التشريع، غاية القانون، أهداف القانون..) وهي مصالح معتبرة بعرف هذا القانون أو ذاك، يجمعها عموماً القول : إنّها المصالح العامة والمصالح الخاصة، وإن حصل تفاوت فيما بينها في اعتبار بعض المصالح أو إلغائها، أو في أفراد المصالح العامة أو الخاصة، أو في ترتيب أفراد المصالح من حيث الأولوية أو قوة الاعتبار([2])وبالتالي في كيفية رفع التعارض، أو في تعداد أقسام المصلحة([3]).
وإذا كان القانون مجموع الخطابات الموجّهة إلى المحكومين وهي التي تعرف بأنها : القواعد العامة المجرّدة الملزمة التي تحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع سعياً نحو تحقيق حكمة التشريع([4])، وهذه القواعد لا تكفي من حيث هي خطابات لتحقيق وظيفة القانون وغايته ما لم تترجم على أرض الواقع من خلال :
· قبول وامتثال المخاطبين بهذا القانون له طواعية لعدالته بحسب نظرهم.
· قيام السلطة التنفيذية بتطبيقه تطبيقاً حسناً.
· الأداء النزيه من قبل القضاء في القضايا والنزاعات المثارة أمامه .
· حسن الرقابة على دستورية القوانين، وعلى أعمال السلطة التنفيذية .
على أنّ مصطلح القانون الذي هو القواعد العامة الموصوفة بما ذكر آنفاً له إطلاقان. إطلاق بالمعنى الأخص، ويراد به التشريع. وإطلاق بالمعنى الأعم، ويراد به مجموع القواعد التي تشكل التشريع والمصادر الرسمية للقانون في بلد معيّن وفي زمن معيّن([5]).
أهمية البحث ومنهجيته:
من المعلوم أنّ الوقائع غير متناهية أمّا النصوص الشرعية أو القانونية فهي متناهية، وبالتالي لا يتصوّر إيراد نصّ لكل واقعة، لكان لا بدّ من توسيع نطاق القانون. وتوسيع نطاقه قد يتأتى من خلال تفسير النصوص، أو من خلال خلق القاضي لمبادئ قانونية يتوقف عليها حسم النزاع المعروض أمامه، أو من خلال تكييف الواقع أو الواقعة، لتضمّ بذلك الوقائع غير المتناهية إلى النصوص أو القواعد الشرعية أو القانونية المتناهية([6]).
ولا شكّ أن معرفة الواقع أمر سابق على معرفة الحكم فيه([7]). فالحكم فرع التصوّر، بمعنى أن تصوّر الواقع وهو العلم به سابق على إصدار الحكم فيه، وقد يتفرّع ذلك على قاعدة أنّ العلم تبع المعلوم. فكأنّ كلّ واقعة تعرض حالها مستدعية إيقاع حكم يصلح فيها ولا يصلح في غيرها مما يغايرها في جانب أو أكثر. ومن هذا الاعتبار كان التكييف سابقاً على التشريع من حيث عمل المشرّع (القانوني)، وسابقاً لإيقاع الأحكام على الوقائع من حيث عمل القاضي والفقيه. ومن هنا ظهرت أهمية التكييف من حيث إنّه أحد ضرورات أو لوازم أعمال القانون؛ تشريعاً وتطبيقاً على أرض الواقع.
وفي هذا البحث أتعرّض من غير إسهاب إلى ماهية التكييف، ضرورته، وظيفته، تمييزه عمّا يشتبه به، مشفعاً ذلك ببيان أثر التكيف في اختلاف الأحكام الشرعية في مسائل قانونية، خاصة المدنية منها، على سبيل العرض الموجز، وقد أتعرض لها في هوامش البحث. ثمّ أتوسع نسبياً في البحث في التفريق القضائي بين الزوجين بسبب العيب وأثر التكييف في اختلاف الأحكام الفقهية فيه، مشفعاً ذلك باتجاهات مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد في هذا الصدد، وهو الذي وضع مع مذكرته الإيضاحية ما بين سنة 1959-1961 لغاية الوحدة بين الإقليمين المصري والسوري. لغرض التعريف به من وجه، ولكونه من حيث هو جهد فقهي يشكل، بتقديري، مشروعاً لقانون أحوال شخصية موحد على صعيد عربي وإسلامي.
واختيارنا لهذا التطبيق مبنيّ على خطورة هذا العيب في تهديده لحكمة الزواج، وعلى كون أثر العيب ثابتاً في نطاق المعاملات المالية، وهي مجال تخصصنا الدقيق، بوجه مقارب لما نحن بصدد عرضه من حالة تفريق بين الزوجين. وذلك في الأمرين مبني على مبدأ الاستصحاب، بل على أحد أنواعه على وجه التحديد وهو : استصحاب صفة معتبرة في الحكم. والصفة هنا هي السلامة من العيوب، فكان الأصل هو خلو محل التصرف من العيوب. فإن ظهر خلافة تبيّنا ما يأتي :
‌أ- تأثر الرضا سلباً بهذا العيب. فالرضا لم يصرف إلى محل معيب بل انصرف إلى محل سليم.
‌ب- اختلال التعادل بين الالتزامات المتقابلة لأطراف العلاقة، فأحد الأطراف سيلزم بما لم يرض به، وبأكثر من التزامات الطرف الآخر.
‌ج- تأثر الحكمة سلباً، وهي المصلحة المتوخاة من تشريع هذه الاسباب (التصرفات). فالأسباب ما شرّعت إلاّ لتحقيق مصلحة لا لجلب مفسدة . وفي ضوء ما تقدم يكون تقسيم البحث على النحو التالي:
الفصل الأول : في ماهية التكييف وتمييزه من التفسير.
الفصل الثاني : في التفريق القضائي للعيب وأثر التكييف في اختلاف الأحكام الفقهية فيه.
الخاتمة : تتضمن نتائج البحث والتوصيات.
الفصل الأول

ماهية التكييف وتمييزه من التفسير

لغرض استيفاء البحث في هذا الموضوع أقسّم الفصل إلى مبحثين؛ أخصص أولهما في ماهية التكييف وضرورته ووظيفته، وأخصص الثاني في تمييز التكييف من التفسير.

المبحث الأول : ماهية التكييف، ضرورته، ووظيفته

التكييف – في اللغة – مصدر كيّفه إذا ذكر أو أدرك كيفيته أو صفته، والتشبيه مصدر شبّهه إذا جعله مثل غيره في صفة([8]). وهذا البيان أفاد فارقاً دقيقً بين التكييف والتفسير تأتي على بيانه لاحقاً إن شاء الله تعالى، وقال رجال القانون في بيان التكييف إنّه :
· تحديد طبيعة العلاقة القانونية المتنازع فيها وردّها إلى نظام قانوني([9]). وعرف أيضاً بأنه:
· تحليل الوقائع والتصرفات القانونية تمهيداً لإعطائها وصهفها الحق ووضعها في المكان الملائم من بين التقسيمات السائدة في فرع معين من فروع القانون([10]),
وظاهر أن تحديد طبيعة الواقعة وضمّها إلى نظام قانوني أمر لاحق على تحليل الواقعة القانونية، ولا شك في كون هذا التحليل وهذا التحديد اجتهاداً من حيث إنه إعمال النظر في أمر مجتهد فيه؛ أي ظني، وهو الذي لم يقم على حكمه دليل قطعي من نصّ قطعي الدلالة أو إجماع فقهي، ولذلك أبرز آخرون هذه الحقيقة بالقول أن التكييف هو :
· العملية الذهنية المتمثّلة في إنزال حكم القانون على الواقع، أو إدراج الواقعة في طائفة محددة، أو حتى بيان القاعدة القانونية الواجب إمالها على الواقعة المطروحة([11]).
وقد يصوّب بعضهم نظره إلى الغاية من القيام بهذه العملية الذهنية والحكمة من غيجابها فيعبّر عن ذلك بالقول :
· إنّ التكييف القانوني للوقائع مجرد اختيار للقالب الذي يتطابق مفهومه المجرّد مع الخصائص القانونية المنبعثة من هذه الوقائع كما أثبتها القاضي([12]).
وإذا كان التكييف من حيث حقيقته عملاً ذهنياً غايته إثبات عموم حكم القانون وسيادته على الواقع فإنه لا يقتصر على عمل القاضي، وهو ما اقتصرت عليه التعريفات المذكورة، بل يتعداه إلى المشرع والفقيه بل وأطراف العلاقة. وسيأتي بيان ذلك قريباً. وقد يكون ما حملهم على ذلك هو كثرة ممارسة القضاء للتكييف وديمومة العمل به من حيث إنّه يلزم للوصول إلى الحكم القانوني في الوقائع لإيقاعه عليها العلم بذلك الوقائع وبحقيقتها أولاً.وبعد؛ فأرى في التكييف أنّه:
الكشف عن حقيقة الواقعة القانونية لإسناد حكم القانون(أو الشرع) فيها ،
والكشف يستلزم التحليل وتحديد صفة الواقعة، ونحو ذلك مما ذكر في التعريفات السابقة لأنها من وسائل الكشف . والواقعة القانونية الواردة في التعريف هي على معناه الأعم الشامل للتصرف القانوني والواقعة المادية وهي التي تشتمل على : الأفعال المادية والوقائع الطبيعية.
وقولي (الإسناد حكم القانون فيها) لبيان علة التكييف المتمثلة في إضفاء حكم القانون على الوقائع أو ضمّ الوقائع إلى نظام قانوني، والمؤدّى واحد. فشمل ذلك ضرورة التكيف في إعمال حكم القانون تشريعاً وتطبيقاً.

محل التكيف :

يمكننا القول إنّ محل التكييف يتنوّع بتنوع متعلّق الحاجة إلى بيان حكم القانون (أو الشرع) في الواقعة، فهو : "قد ينصبّ على واقعة معينة كحادثة يراد معرفة ما إذا كانت تكون عملاً مادياً ضاراً أم لا تكونه. كما أنه قد ينصبّ على مسألة قانونية كحق الحضانة يراد معرفة ما إذا كان أثراً من آثار الزواج أم من آثار الطلاق أم أنه يقع في نطاق الولاية على النفس. وقد يتناول التكييف قاعدة موضوعية مثل تكييف القاعدة التي تحظر إجراء الوصية بالشكل العرفي الخطّي أهي تتعلق بشكل الوصية أم تتعلق بأهلية الموصي"([13]). والجامع في ذلك كما ذكرنا، وهي علّة التكييف التي يرتبط بها وجوداً وعدماً، والحاجة إلى بيان أو كشف الحكم في الوقائع. والحاجة في هذا المقام لا تتنوع في ذاتها ولكن يتنوع متعلقها؛ فقد يكون حادثة أو واقعة إرادية أو فعلاً مادياً أو واقعة طبيعية أو مسألة أو قاعدة قانونية. ولما كانت الوقائع غير متناهية والنصوص القانونية (أو الشرعية) متناهية، وأنّ كل جزئية بحاجة إلى بيان حكمها الشرعي كان التكييف غير مختصّ بفرع دون فرع آخر من فروع القانون، بل وجوده عام في جميعها سواء في ذلك الموضوعية منها والإجرائية([14]).

ضرورة التكييف :

وأما من حيث ضرورة التكيف فإنّ تحقيق القانون، والعبور من الواقع إلى القانون يجري عن طريق عملية التكييف، فهو عملية أولية لازمة لإخضاع التصرف أو الواقعة القانونية للنص القانوني الذي يحكم هذا التصرف أو تلك الواقعة. ومن هنا كان الخطأ في التكييف – في حدود عمل القضاء – مسألة قانونية تخضع دائماً لرقابة المحكمة العليا([15]). وأنّ خطورته تكمن في أنّ النتيجة تختلف باختلاف الوصف القانوني للمسألة المتحصّل من إعمال التكييف([16])، لأنه عمل اجتهادي كما تقدم، والعمل الاجتهادي ميدانه كل واقعة لم يرد بشأنها دليل قطعي الدلالة، وبالتالي فهو محل اختلاف، وذلك لتفاوت الأنظار واختلاف المقاصد .

وظيفة التكييف، ومن له صلاحية القيام به :

لما كان التكييف عملاً اجتهادياً فإنّ صلاحية القيام به لا تقتصر على القاضي فحسب، بل تمتد لتشمل كل من يحتاج الواقع إلى نظره للكشف عن حكمه؛ كالفقيه وأطراف العلاقة القانونية أو والنزاع فضلاً عن المشرّع. فالقاضي يكيّف المراكز التي تطرح عليه والحكم الذي يصدره بناء على تحديده لطبيعة الواقعة أو العلاقة وضمّها إلى نظام قانوني، فسلطة تكييف الوقائع تعني سلطة تطبيق القانون. والأشخاص يكيّفون تصرفاتهم القانونية وموضوع التصرّف، وفي القوانين الإجرائية يجد هذا الأمر مستنده وفي حدود القضاء في نطاق القانون الخاص في مبدأ المساواة بين الخصوم ومبدأ المجابهة بالدليل المتفرّع عنه .
فيقع على الأطراف عبء تكييف ادعاءاتهم، ويقتصر دور القاضي على فحص مشروعيته، وأما الفقيه والمشرع فيملكان تكييف ذلك كلّه، وبعبارة أخرى يملكان تكييف كل ما يصلح أن يرد عليه التكييف([17]). ولو عرضنا ذلك من وجه آخر أو بعبارة أخرى لقلنا، إنّ التعرّف إلى الواقع سابق على التعرّف إلى الحكم من حيث إنّ الواجب معرفة الواقع أولاً ليتسنى للناظر معرفة الواجب في الواقع من ثمّ، لأنّ الواجب في الواقع هو في حقيقته ما يصلح له هذا الواقع من حكم شرعي أو قانوني يقوم به النظام وتتحقق به المقاصد([18])، بل إنّ في تقسيم القواعد القانونية إلى : قواعد تقريرية وقواعد تقويمية ما يقرر هذا المبدأ ويؤكده. فإذا جمعنا أو ربطنا القواعد التقريرية، وهي التي تتعلق بتقرير ما هو واقع فعلاً على وجه الدوام والاستقرار بغاية القانون أو حكمه التشريع، نتج لنا القواعد التقويميمة، وهي القواعد التي تتحدد نهجاً لسلوك الأفراد في المجتمع أو تبيّن ما يجب أن يكون عليه سلوكهم. فالمشرع إذن يحتاج إلى التعرّف إلى حقيقة الوقائع المراد حكمها بتشريع قانوني فكأن التكيف سابقاً على إنشاء التشريع. أما القاضي والفقيه وأطراف العلاقة فهم مفترقون إلى التكييف لضمّ الوقائع إلى قاعدة قانونية، وليس في ذلك سلطة تشريع بل سلطة تطبيق للقانون.
على أنّ قواعد التعرّف إلى معلوم معيّن يقتضي بحسب القواعد العقلية النزول من الأعم في التصوّر إلى الأخص. فلزم الناظر في الواقعة القانونية أن يتنزل فيها إلى ما هو أخص من مفهوم الواقعة القانونية لغرض التحديد والتعيين، فيحدد هذه الواقعة؛ هل هي من قسم التصرفات القانونية أم من قسم الواقعة المادية ؟ ثمّ يتنزل بعد ذلك إلى ما هو أخص فينظر الواقعة إن كان تصرفاً قانونياً؛ هل هي عقد أم هي إرادة منفردة؟ وإذا كانت عقداً ينتقل إلى أنه من طائفة العقود المساماة أم هو عقد غير مسمى؟ ويسبق هذا ضرورة التعرّف إلى ماهية العقد ومشروعيته من حيث كونه عقداً صحيحاً أو فاسداً، وقد يكون باطلاً. وقد يكون العقد المشروع مركباً، وقد يكون هذا التركيب مثاراً للجدل لكونه مجملاً بحق غير المشرّع مما يتطلب تدخله للبيان([19]). وإذا كانت الواقعة واقعة مادية، هل هي فعل ماديّ أم واقعة طبيعية؟ وإذا كانت فعلاً مادياً هل هي من أفراد الفعل النافع أم من أفراد الفعل الضار؟
ومن هنا كانت وظيفة التكييف الأساسية هي :
"تعيين الوقائع وموضوعها وطبيعتها، وهي دعائم يقوم عليها التشريع وكذلك النظر الفقهي في التشريع؛ ولذلك نراها تفرض في النزاعات القضائية كمسلّمة مستقلة عن إرادة الخصوم والقاضي، فالقاضي لا يمكنه قانوناً أن يقبل تكييفاً خاطئاً ولو اتفق عليه أطراف الخصومة. على أنّ للتكييف في نطاق الخصومة ثلاث وظائف؛ فهو أولاً أساس ادعاءات الأطراف، ثم إنّه بعد ذلك يعدّ أساس القرار القضائي، ويمكن أن يكون أيضاً التكييف المنازع في القرار (الإداري أو القضائي) موضوعاً للخصومة"([20]).

المبحث الثاني : تمييز التكييف من التفسير

التفسير في اللغة : هو الكشف والإظهار والتوضيح. وفي الاصطلاح : لا يخرج عن المعنى اللغوي، وغلب في تفسير القرآن، والمراد به، كما قال الجرجاني: توضيح معنى الآية، وشأنها، وقصتها، والسبب الذي نزلت فيه، بلفظ يدل ّعليه دلالة ظاهرة([21]). ومن اللازم لتطبيق أية قاعدة قانونية على العلاقات القائمة في المجتمع، وما يجدّ فيها من الوقائع تحديد مضمون القاعدة، أي المعنى المراد منها وليس المعنى المراد منها سوى الحكم ونطاقه وشروطه. وهي مرحلة سابقة على مرحلة تطبيق القانون، وذلك هو التفسير([22]). فالتفسير بعبارة أخرى هو إعمال النظر في النصوص الشرعية أو القانونية للكشف عن الحكم المقصود للمشرّع كلما قصرت عبارات النص عن هذا البيان أو الكشف بظاهرها. والكشف عن الحكم الشرعي قد يكون بإزالة غموض نصّ، أو بتحديد نطاقه أو تبيّن أفراده من خلال تخصيص عام أو تقييد مطلق، وقد يكون من خلال توسيع نطاق الحكم كما هو العمل بالقياس([23]). وسنأتي على بيان ذلك قريباً.
ولذلك كان للتفسير عند القانونيين معنيان: ضيق وواسع وهو بمعناه الضيق: إزالة غموض النص أيّاً كان سبب الغموض. أمّا المعنى الواسع له فيراد به : إزالة غموض النص، وإكمال نقصه، وتعديل اضطرابه، ورفع التعارض بينه وبين نصّ آخر([24]).

موازنة بين التفسير والتكيف :

لقد تبيّن لنا في المبحث السابق أنّ متعلّق التكييف هو الواقع، والذي هو مجموع الوقائع القانونية من تصرفات قانونية ووقائع قانونية غير إرادية؛ أفعال مادية ووقائع طبيعية. وأنّ حقيقة وظيفة التكييف أنه وسيلة الكشف عن صفة الواقع لحكمها بقاعدة قانونية تشرّع في ضوئها أو لضمّها إلى نظام قانوني معيّن.والتفسير سواء أكن تشريعياً أم قضائياً أم فقهياً هو وسيلة المفسّر للكشف عن الحكم الشرعي أو القانوني لإيقاعه على أرض الواقع. إلاّ أنّ التفسير يفارق التكييف في أنّ متعلّقه النصوص الشرعية وليس الواقع، فاشتركا في الوظيفة والغاية.
أما اشتراكهما في الوظيفة فمن حيث أنهما وسيلتا كشف، وأما اشتراكهما في الغاية من حيث أنّ المنتهى هو إيقاع الحكم الشرعي أو القانوني على الواقعة بحسب ما كان مراداً للمشرّع أو بما يحقق مقاصد التشريع. ويفارق التفسير التكييف من حيث نوع وسيلة الكشف. فوظيفة التفسير الكشف عن مراد المشرّع وذلك يكون بالكشف عن صفة الخطاب الشرعي أو القانوني من كونه خطاباً؛ عاماً أو خاصاً([25])، وإذا كان عاماً فهل هو مخصوص([26]) ؟ وقد يكون اللفظ خاصاً يراد به العام([27])، وإذا كان اللفظ خاصاً، فهل هو مطلق أم مقيد([28]) ؟ ومن حيث وضوح أو خفاء دلالة اللفظ أو النص هل هي دلالة قطعية أم ظنية أم غامضة([29])؟ ومن حيث علّة الحكم هل هي متعدية حتى يجوز القياس فيها، وهو الأصل في العلل،أم قاصرة لا يجوز إجراء القياس بموجبها([30]). بينما وسائل التكييف في الكشف عن حقيقة الواقعة وصفتها هي عادةً تحليل الواقعة إلى عناصرها المكونة لها، والكشف عن رابط يربط الأسباب التيي تضمنتها الواقعة للتعرّف، يقيناً أو ظناً، إلى حقيقة أنها أفضت إلى أثر معلوم في الواقعة أو نتيجة معلومة، فهي طرق عقلية في دراسة الواقع وفي الكشف عن حقيقة الواقعة المنظورة.
ورغم التباين في محل التفسير والتكييف إلاّ أن ذلك يمثل حالة تكامل في عملية تشريع الأحكام وتطبيقها على أرض الواقع، فلا يمكن فصل أحدهما عن الاخر، ذلك أن اللازم لهذا التشريع والتطبيق سعياً نحو تحقيق مقاصد التشريع معرفة الواقع ومن ثمّ تحديد الواجب في الواقع([31]).
ومعرفة الواقع وظيفة التكييف، ومعرفة الواجب في الواقع تدخل في نطاق وظيفة التفسير. وغالباً ما يكون ذلك للانتقال بالواقع مما هو كائن إلى إلى ما يجب أن يكون عليه .
والأصل أنّ الحاجة قائمة عند النظر لتبيّن الحكم الشرعي في الواقعة إلى التكييف والتفسير معاً، إذا حملنا المراد من التكييف على مطلق تبيّن الواقع، ومن التفسير على مطلق التعرّف إلى الحكم المراد للمشرّع. وهذا هو الأصل .
أما إذا قيدّنا المراد من التكيف بتبيين حقيقة وصفة الواقعة غير الواضحة في ذلك، وقيّدنا التفسير بإزالة غموض النص فقط، فإنّ الحاجة قد تقع إلى أحدهما دون الآخر، كأن تكون الواقعة ظاهرة في صفتها وانتسابها إلى هذا النظام القانوني أو ذاك، ولكن النص الذي يحكمها غير واضح في دلالته، فتظهر الحاجة هنا إلى التفسير دون التكييف، وقد ينعكس الأمر فتظهر الحاجة إلى التكييف دون التفسير .
الفصل الثاني

التفريق القضائي بين الزوجين للعيب وأثر التكييف

في اختلاف الأحكام الفقهية فيه
تمهيد :
أحكام الشريعة معلّلة بتحقيق مصالح العباد، وهذا ما يثبت باستقراء نصوص وأحكام الشريعة الإسلامية، وبإجماع الأمة([32]).
وميزان المصالح شرعي موضوعي وليس شخصياً ذاتياً، فالشرع اعتبر ما به صلاح العباد في معاشهم ومعادهم من المصالح، وألغى ما يحقق نفعاً لشخص وفئة قليلة على حساب ضرر المجتمع، أو ما يغلّب مصلحة دنيوية مادية على مصلحة دينية، أو يغلّب مصلحة خاصة مرجوحة على مصلحة خاصة راجحة، وهكذا([33]).
والمصالح على نوعين؛ أحدهما، إيجابي، وهو جلب منفعة، والثاني: سلبي، وهو درء مفسدة (مضرة) ([34]). وبحثنا ينصبّ على النوع الثاني، درء المفاسد أو المضار المتمثلة بالأثر السلبي للعيب على الحياة الزوجية. على أنه لا يلزم من وحدة العلة وحدة السبب المفضي إليها، فقد تتنوع الأسباب ويبقى حكمها واحداً لوحدة علة حكمها، ذلك أنّ الحكم مرتبط بعلته يدور معها وجوداً أو عدماً، لأنها هي الباعثة على تشريعه، أو الموجبة له، على اختلاف في التعبير عنها عند علماء أصول الفقه الإسلامي([35]).
والضرر([36]) الذي يظهر أو يعلم بعد إبرام عقد الزواج، قد يكون سببه عيباً مادياً أصاب الزوج أو الزوجة يتعذر أو يتعسر معه الاستمرار بالحياة الزوجية بما يحقق الحكمة منها من التناسل أو السكينة والمودة والرحمة.
وقد ينتفي العيب المادي ويظهر عيب معنوي أخلاقي، أو تباين حادّ وتنافر في الطباع بين الزوجين مما يورث شقاقاً ونزاعاً يترتب عليه ما ترتب على السبب الذي قبله من تعسر الاستمرار بالحياة الزوجية بما يحقق حكمها. وقد يتحقق الضرر بإعسار الزوج عن القيام بالتزاماته المالية من النفقة ودفع المهر وقد يكون الضرر مادياً ومعنوياً سببه غياب الزوج أو فقده أو ما في حكمهما، كالهجر والحبس.

التفريق للضرر بسب العيب :

تتمايز العقود فيما بينها بتمايز حِكَمِها أو الغايات المترتبة عليها، وهي تراد لغاياتها إذ العقود وسائل، فهي غير مرادة لذاتها بل لغيرها. فعقد الزواج مراد لتحقيق التناسل لحفظ النوع البشري، ولتحقيق التكامل بين الزوجين، والذي يعبّر عنه بالسكينة والمودّة والرحمة وهو ما جاء به النص القرآني([37]). وعقد الزواج عقد رضائي من حيث أن الأصل في العقود الرضائية، ورضا كل طرف من أطرافه رضاً منه بالعمل لتحقيق غاية هذا العقد، وليس رضاءً قاصراً على إبرام العقد بإكمال صيغته فقط. فأمكن، بناء على ذلك، استصحاب عدم الرضا متى قام سبب في أحد الأطراف يعطل حكمة العقد أو يضعف جانبها، وهوا ما نسميه بـ (العيب)، ولم يعلم به الطرف الآخر.
وبالتالي كان قبول من ثبت له الخيار بهذا العقد مع وجوب العيب بالطرف الآخر وعلمه به رضاء إضافياً، نقطع به استصحاب حكم عدم القبول لقيام الدليل على ما يخالفه . والشرع أو القانون لا يتدخل بمنع انعقاد العقد للعيب لأنّ بناء العقد لم يختل من حيث توافر أركانه، ولأنّ حكم التفريق للعيب جاء مراعاة لمصلحة خاصة بمن ثبت له الخيار، وهو أولى به، فله استعماله أو الامتناع عن استعماله.
ولما كان في إنشاء الزواج وديمومته مراعاة لمصلحة عامة من حيث أنّ الأسرة نواة المجتمع وتمساكها عماد تماسكه، حاول الشرع التضييق من نطاق العمل بالتفريق للعيوب. فذهب رأي فقهي إلى محاولة إغلاق أي باب يفضي إلى توسيع هذا النطاق الضيق بظنه بالقول أن لا خيار في غير العيوب المذكورة في كتب فقه الأقدمين، من حيث إنّ حكم الخيار قاصر على ما ذكر فيها من العيوب,، وبالتالي لا يجري القياس عليها. بينما ذهب أنصار الرأي الآخر إلى القول بعدم قصر التفريق على ما ذكر من العيوب عند المتقديمن، من حيث إن هذه العيوب جاءت بصيغة التمثيل لا الحصر، لأنّ الجامع فيها أنّ مصالح النكاح لا تقوم معها أو تختلّ بها، وبالتالي هي معللة بالضرر الفاحش، أو بالضرر بسبب العدوى، أو بالضرر المعنوي لعدم القدرة على الوطء، ومن ثم جاز القياس عليها([38]). وبهذا الاتجاه أخد (المشروع) في المادة 106/أ منه ونصّها:
"إذا وجد أحد الزوجين في الآخر علة مستحكمة من العلل المنفردة أو المضرة، كالجنون والبرص والجذام، أو التي تمنع حصول المتعة الجنسية كالعنة والقرن ونحوهما......، جاز له أن يطلب فسخ الزواج، سواء أكانت تلك العلة موجودة قبل العقد أم حدثت بعده".
ومن خلال ذلك نجد أنّ العيب بالوصف المذكور معيب للرضا، مخلّ بتوازن الالتزامات المتقابلة لأطراف العقد، مخلّ بحكمة الزواج أو معطل لها فيتعذّر أو يتعسّر معه الاستمرار بالحياة الزوجية. وذلك له بعد سلبي على طرفي العلاقة التعاقدية وعلى نسلهما حال إلزامهما بهذه العلاقة المختلة مع رفض القبول بها، وعلى المجتمع الذي تمثل الأسرة فيه نواته. ولو تحققنا لوجدن أنّ مردّ كل هذه الآثار أمر أصاب الواقع وتعلّق بأحد أطراف العقد أو بكليهما ألا وهو العيب، رغم أن العقد مكتمل البناء بأركانه وشروط انعقاده وصحته ونفاذه. وإدراك هذا الواقع بهذه الآثار وما يلزم فيه من أحكام للانتقال به إلى ما يجب أن يكون عليه الزواج هو عملية تكييف.
وهذه العيوب منها ما يخصّ به الرجال، ومنها ما تخصّ به النساء، ومنها ما هو مشترك بينهما، وفي ضوء ذلك نقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث .

المبحث الأول : التفريق للعيوب القاصرة على الزوج

العيوب التي إذا أصابت الزوج جاز للزوجة طلب التفريق من القاضي بسببها هي : الجَبّ، والعنّة، باتفاق الفقهاء، واختلفوا في عيب الخصاء. معللين ذلك بأن : "عامة مصالح النكاح يقف حصولها على الوطء،فإنّ العفة عن الزنا والسكن والولد لا يحصل إلاّ بالوطء ولهذا يثبت الخيار"([39]).

المطلب الأول: الجَبًُّ

الجّبُّ، معناه القطع، والمجبوب: من استؤصل ذكره وخصياه([40]). وهو كذلك عند الحنفية والمالكية([41]). وعند الشافعية والحنابلة، هو من قطع ذكره كله أو بعضه من بقاء ما لا يمكن الوطء به([42])، وهو مخل بالاستمتاع (الوطء) الذي هو مقصود أصلي في النكاح.
والواقع في هذه الجزئية لا ينصلح بغياب المقصود الأصلي. ولما كان المجبوب لا أمل له بتغير حاله لفقده لآلة الجامع، لم يؤذن للقاضي بتأجيل المجبوب سنة كما في حالة العنين الذي سنتبين أحكامه في المطلب القادم، "لأن التأجيل في العنين لرجاء الوصول، وذلك في المجبوب لا يوجد، فالمقطوع من الآلة لا ينبت، فلهذا فرّق بينهما في الحال"([43]). فكان الفيصل في اختلاف حكمهما هو إمكانية أداء حق الزوجة بالوصول إليها، وهو متعذر في المجبوب ومرجو حصوله في العنين.
وإذا ثبت كون الزوج مجبوباً قبل الدخول إما بإقراره أو بثبوته بعد التحري من أهل الخبرة ثبت للزوجة خيار التفريق. وأما إصابته بالجب بعد الدخول فمحل خلاف بين الفقهاء من حيث ثبوت خيار الزوجة به، فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في أحد الوجهين إلى أن لا خيار لها، لأنّ حق الزوجة في الوطء يحصل بمرة واحدة، وما زاد على ذلك لا يجب على الزوج قضاء ويجب ديانة([44]). وفي ذلك تقييد لحق الزوجة في الاستمتاع.
وذهب الشافعية والحنابلة في الوجه الآخر إلى ثبوت الخيار للزوجة مطلقاً، لأن الجّبّ يورث اليأس من الوطء، واستدامة الوطء، بعقد النكاح حق للزوجة كما هو حق للزوج([45]). فكان اختلافهما في ضمّ واقعة استدامة وطء الزوجة إلى نظام الواجب ديانة أو الواجب قضاء، وهو عملية تكييف، سبباً لاختلاف الأحكام الفقهية بهذا الصدد. وبالاتجاه الأخير أخذ (المشروع) في المادة 106/ج ونصها: "على أنّ حق الزوجة في طلب الفسخ للعلة المانعة عن المتعة الجنسية لا يسقط بحال".
وفي ضوء ما تقدم تبيّن لنا أنّ إيجاب الخيار لها لما في الجبّ من تفويت حقها في الاستمتاع، وقد ثبت لها عدم قدرته على أداء حقها المذكور وهو حق خالص لها فكان لها الخيار. وثبوت الخيار في نطاق العقود عموماً يعني أنّ العقد قد ضُمّ إلى نظام العقد غير اللازم – لطرف واحد – بعد أن كان قبل العيب لازماً لطرفيه. وظاهر أنّ مصدر هذا الخيار أو سببه ليس طبيعة العقد لأنّه عقد لازم من حيث الأصل، وليس سببه اتفاق الطرفين، بل مصدره الشرع الذي جعل من اختلال تعادل الحقوق أو الالتزامات المتقابلة سبباً لظهور خيار التفريق وهو الذي أختلف في صفته؛ هل هو تطليقه بائنة أم فسخ للعقد؟، سنورد أقوال العلماء في ذلك قريباً. فإذا ثبت الخيار للزوجة فهل تثبت الفرقة بين الزوجين باختيارها أم يتوقف على حكم حاكم؟ والجواب عن ذلك مبني على تكييف الواقعة. وبيانه الآتي:
ذهب عامة الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية، على الأصح، عندهم إلى أنّ التفريق يتوقف وقوعه على حكم حاكم، لأن هذه الفرقة أمر مجتهد فيه، فهي محل نظر وتحرّ وبذل جهد في تحرير سببه، والقاضي أهل لذلك بخلاف الزوجة. وهذا ما نهجه (المشروع) في المادة 72/أ ونصها "فسخ الزواج في جميع الأحوال يتوقف على قضاء القاضي، ولا يثبت حكم له قبل القضاء".
بينما ذهب الإمامان أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة – في غير رواية الأصول – والشافعية في القول الصحيح المقابل للأصحّ عندهم([46]) إلى أن الفرقة تقع بنفس اختيار الزوجة، لأنها تملكه كمن خيرها زوجها في تطليق نفسها فطلقت نفسها، فلا تتوقف الفرقة على حكم حاكم([47]) وهذا الراي هو ظاهر الرواية عند القاضي في شرحه لمختصر الطحاوي، وقيل إن ظاهر الرواية يفيد أن :
"إن تخيير المرأة من القاضي هو تفويض الطلاق إليها، فكان اختيارها الفرقة تفريقاً من القاضي من حيث المعنى لا منها، والقاضي يملك ذلك لقيامه مقام الزوج، وهذه الفرقة تطليقه بائنة لأنّ الغرض من هذا التفريق تخليصيها ممن لا يتوقف منه إيفاء حقها دفعاً للظلم والضرر عنها وذا لا يحصل إلاّ بالبائن" بينما هي فسخ عند الشافعي وفي ذلك اختلف الأمر([48]).
وعليه فصفة الفرقة بالجَبّ طلاق بائن عند الحنفية والمالكية؛ لأنّ الواجب على الزوج أحد أمرين، "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، "ومعلوم أنّ استيفاء النكاح عليها مع كونه محرومة الحظ من الزوج ليس من الإمساك بالمعروف في شيء، فتعيّن عليه التسريح بالإحسان، فإن سرح بنفسه، وإلا ناب القاضي منابه في التسريح" ([49]) وعد الطلاق بائناً ليتحقق دفع الظلم عنها؛ لأنه إذا كان رجعياً، أمكن مراجعتها فبقي الظلم عليها. والنكاح الصحيح النافذ اللازم لا يحتمل الفسخ عندهم. والملاحظ أنّهم عللوا الحكم الموجب للتفريق بالضرر النازل بالزوجة بسبب العيب إلاّ أنّ الفرقة تقع عندهم بحكم القاضي حقيقة لا باختيار الزوجة من حيث لأنها تملك خيار التفريق ابتداءً.
أما الشافعية والحنابلة فقد عدّوا هذه الفقرة فسخاً وليس طلاقاً، لأنه ردّ لعيب فكان فسخاً كردّ المشتري، واحتجوا بالحديث الذي يدل ظاهره على الفسخ وهو أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام، ردّ امرأة لأنه رأى بياضاً في كشحها([50]) وهذا ردّ لعيب.
وأرى أنّ المتحصّل مما ذكر اتجاهات أربعة مردّها الاختلاف في التكييف :
أحدها : يرى توقّف وقوع الفرقة على قرار القاضي، مكيّفين قراره بالكاشف عن الحكم لا المنشئ له، بمعنى أنّ دور القاضي هو التثبّت من وقوع سبب الفرقة وشروط تحقق الخيار واستعماله. ويمكن القول إنّ هذا الرأي مبنيّ على اعتبار ثبوت خيار الزوجة شرعاً في هذا المقام إلاّ أنّ وقوع الفرقة بالفعل مترتب على واقعة مركبة من استعمال الزوجة لخيارها وصدور قرار قضائي به. ولما كانت الواقعة المركبة لا تتحقق إلاّ بالأمرين معاً كان تاريخ وقوع الفرقة هو تاريخ صدور القرار القضائي بخصوصها.
الثاني: يرى أنّ الفرقة يملكها القاضي لرفع الظلم عن الزوجة، مكيّفين ذلك على أنّ القاضي يقوم مقام الزوج في هذا المقام حال امتناعه عن التسريح بإحسان لما للقاضي من الولاية العامة. وبالتالي جاز له بموجب ما ذكر تفويض الزوجة بإيقاع الفرقة بإرادتها، كما هو الحال في تفويض الزوج زوجته في تطليق نفسها. وهذا التكييف ربط خيار الزوجة من حيث مصدره بالولاية العامة للقاضي وهي التي بموجبها يقوم مقام الزوج، مبتعداً من هذه الحيثية عن الاتجاه السابق، واللازم لهذا التكييف أنّ الفرقة تقع من تاريخ استعمال الزوجة لخيارها الثابت لها بموجب التفويض المذكور.
الثالث : يرى أنّ الفرقة تقع باختيار الزوجة دون توقف على حكم حاكم، مكيّفين ذلك على أنه حق مقرر شرعاً لها تحقق سببه فملكت استعماله من غير قيد، كحقها في تطليق نفسها بإرادتها عندما يخيّرها أو يفوّضها زوجها تطليق نفسها.
الرابع : يرى أنّ الفرقة فسخ، مكيّفين ذلك بأنه وسيلة يملكها المتعاقد لدفع الضرر عنه والناشئ من حالة عدم التعادل في الالتزامات المفضي إلى اختلال الرضا بالعقد كما في ردّ المبيع للعيب.
وننبّه وبحسب ما ورد في أول المطلب، إلى أنّ الجبّ علّة كافية لإيقاع الفرقة فلم يعط للقاضي، عند من يعلّق وقوع الفرقة على قراره، سلطة تقديرية في عدم الحكم بموجبها حال ثبوتها.

المطلب الثاني :العُنّة

العُنّة عدم القدرة على إتيان النساء مع وجود الآلة([51]). وسمي المصاب بذلك عنيناً لأنّ ذكره يسترخي فيعينّ يميناً وشمالاً ولا يقصد للمأتي من المرأة ([52]). ويطلق المالكية على هذا المعنى مصطلح (الاعتراض)، ويطلقون العنّة على صغر الذكر بحيث لا يسمح بالإيلاج([53]). والعنّة تكون لمانع، فعدم انتشار الذكر قد يكون لمرض عضوي أو نفسي، أو لضعف، أو لسحر([54]). ولكنه مع استمراره عيب مخل بمقصود النكاح أيّاً كان سببه.
وعيب العنّة حال استمراره يمنع لزوم النكاح لوقوع الخلل في تقابل الحقوق والالتزامات التي يوجبها العقد، والخلل هنا قد وقع على الأداء الذي هو محل التزام الزوج تجاه زوجته، ومع قدرتها على أداء ما التزمت به ثبت لها الخيار بين البقاء مع زوجها أو طلب التفريق. فإذا طلبت التفريق وثبت للقاضي وجود علّة العنّة في الزوج لم يفرق بينهما في الحال بل يؤجلها سنة رجاء زوال العلة خلالها ومن ثم حصول الوطء. وفي هذا محاولة للكشف عن حقيقة هذه الواقعة هل هي علة موجبة للحكم أم هي عارض، والعارض طارئ لا دوام له. وهذه كما هو ظاهر مسألة تكييف . وبهذا أخذ (المشروع) في المادة 107 ونصها: "إذا كانت العلل المذكورة في المادة السابقة غير قابلة للزوال تفسخ المحكمة الزواج للحال دون إمهال. وإن كان زوالها ممكناً تؤجل المحكمة القضية مدة مناسبة لا تتجاوز سنة، فإذا لم تزل العلة خلالها وأصرّ طالب الفسخ، فسخت المحكمة الزواج".
وعلّة التأجيل لسنة هو أنّ الأبدان تختلف نشاطاً وضعفاً باختلاف الفصول الأربعة، فـ"العجز عن الوصول يحتمل أن يكون خلقه ويحتمل أن يكون من داء أو طبيعة غالبة من الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة، والسنة مشتملة على الفصول الأربعة، والفصول الأربعة مشتملة على الطبائع الأربع، فيؤجل سنة لما عسى أن يوافقه بعض فصول السنة، فيزول المانع، ويقدر على الوصول"([55]).
وبالتأجيل سنة مضى قضاء عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهم، وكان قضاؤهم بمحضر من الصحابة، رضى الله عنهم، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد منهم، فيكون إجماع"([56]) سكوتياً. واختلف في بدء السنة([57])، وهل هي سنة شمسية أو قمرية؟ روي عن أبي حنيفة أنها سنة شمسية؛ لأنّ الفصول الأربع لا تكتمل إلا بالسنة الشمسية لأنها تزيد على القمرية بأيام، فيحتمل زوال العارض في هذه الأيام ([58]).
فإذا انتهت السنة لم يفرق القاضي بينهما إلا بشرطين، أحدهما : إصرار الزوجة على طلبها التفريق بينهما، والثاني: ثبوت عدم وصول الزوج لها بالوطء خلال السنة، والعلة في التفريق هو ما ذكر في الجَبّ من دفع الضرر والظلم عن الزوجة. وصفة الفرقة هنا هي صفة الفرقة في الجبّ والاختلاف فيها من حيث كونها طلاقاً بائناً أو فسخاً هو نفسه أيضاً.
إلا أنّ العنّة تفترق عن الجبّ في كونها علّة غير مستقلة أو غير كافية لإصدار القرار القضائي بالفرقة بمجرد رفع الدعوى والتحقق من حصول العيب بالزوج، وذلك لأمل زوال العيب، بخلاف الجبّ الذي لا أمل بزواله. كذلك يثبت بينهما فرق آخر يتعلّق بعمل القضاء، يتمثّل في لزوم إقحام القضاء لإثبات الفرقة بالعنّة، بينما ذلك في الجبّ محل خلاف .

المطلب الثالث : الخِصاء

الخصيّ، من سُلَّت خصيتاه وبقي ذكره، هذا عند جمهور الفقهاء، وعند المالكية هو من قطع ذكره ذون أنثييه([59])، ومن كان هذا حاله سمي مجبوباً عند الجمهور، وبالتالي يأخذ حكمه الوارد ذكره في المطلب الأول، وأبرز أحكامه التفريق في الحال دون تأجيل وذلك لانقطاع الرجاء بالوطء لعدم وجود الآلة.
واختلف الفقهاء في الخصاء في كونه عيباً يبيح التفريق على قولين، بناؤهما على الاختلاف في تكييف واقعة الخصاء، هل حقيقتها بقاء قدرة الذكر على الانتشار معه أو عدم قدرته على ذلك. ويترتب على هذا التكييف نتيجةً له الحكم بأنّ الخصاء يخلّ بحق الزوجة في الوطء أم لا يخلّ به.
فمن رأى أنّ الخصاء يمنع الوطء أو يضعفه إلى درجة كبيرة، بحيث لا يستطيع الزوج الخصيّ معه وطء زوجته، قال بأنه عيب يبيح التفريق بعد التأجيل لمدة سنة؛ لأن حال الخصيّ حال العنين فيأخذ حكمه([60]) ومبناه الخيار كما سبق، وبهذا حكم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حيث بعث رجلاً على السقاية فأتاه فقال تزوجت امرأة، فقال : أخبرتها أنك عقيم لا يولد لك؟ قال : لا، قال فأخبرها وخيّرها([61]).
وأرى أن هذه الرواية افادت فضلاً عن مسألة القدرة على الوطء أنّ العقم من الزوج، بمعنى أنه لا يولد له، لسلّ خصيتيه، عيب يبيح للزوجة طلب التفريق من زوجها إذا كانت لا تعلم بهذا العيب وقت العقد، لأنه مخلّ بمقصود أصلي في النكاح.
ومن رأى أنّ الخصاء يمنع النسل لكنه لا يمنع الانتشار والوطء، بل هو يقويه لأن الزوج لا ينزل ماءً بجماعه فلا يعتريه ضعف أو فتور لذلك، قال بأنه ليس بعيب مبيح للتفريق لأن عدم الإنجاب لا يضر بالاستمتاع([62]). وأرى تعقيباً على تخريجهم الذي مفاده أنّ الاستمتاع يملكه الزوج السليم لأن بمقدوره، والإنجاب لا يملكه لأنه ليس بمقدوره، فلم يكن التزاماً عليه لزوجته وبالتالي لم يكن حقاً لها، فروعي هذا الأمر في الحكم عندهم، أنّ الزوج سواء أكان سليماً أو غير سليم لا يملك حصول؛ الولد لأنه ليس بمقدوره، إلاّ أن السليم يملك سببه وهو بمقدوره على خلاف غير السليم فافترق الأمر. فالزوجة تأمل من السليم حصول الولد ولا تأمله من الخصي. والتناسل أحد المقاصد الرئيسة في النكاح. وأضيف أيضاً أن الخلاف بين الرأيين في حكم الخصيّ شكلي وليس جوهرياً لأنه لا ينصب على معنى واحد .
وبعد؛ فإنّ تكيف الفقهاء لواقعة الخصاء من حيث كونها عيباً موجباً للتفريق أو ليست كذلك، مقصور على إمكانية تحقق الوطء من عدمه، على اعتبار أنّ غالب مصالح الزواج واستدامته تتوقف على الوطء، وأنّ الوطء حق للزوجة وهو التزام على الزوج قضاء أو ديانة أو الاثنين معاً بحسب ما ذكر سابقاً من خلاف فقهي بهذا الشأن.

المبحث الثاني : التفريق للعيوب القاصرة على الزوجة

العيوب التي تختص النساء بالإصابة بها دون الرجال وهي على العموم :
الرتق([63])، والقرن([64])، والعفل([65])، والإفضاء([66])، والاستحاضة المستدامة، أما الأمراض الحديثة كالإيدز والزهري وغيرهما مما تصاب به النساء والرجال فسيأتي الكلام بخصوصها في العيوب المشتركة .
وقد اختلف الفقهاء بخصوص هذه العيوب في أمرين :
أحدهما: هل يقع بها التفريق، بمعنى هل يملك الزوج خيار التفريق كما تملكه الزوجة في العيوب التي تصيب الزوج أم لا يملك ذلك؟.
والثاني: هل يملك الزوج خيار التفريق – عند من يقول به – بجميع العيوب المذكورة، أم يقتصر حقه على بعضها؟
أما بخصوص الأول فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التفريق بعيوب النساء، فالزوج والزوجة سواء في هذا الحق، أي خيار التفريق للعيب. على اعتبار أنّ مبنى ذلك عدم التعادل بين الالتزامات المتقابلة لطرفي العلاقة التعاقدية، وحكم الخيار مرتبط بذلك، وبهذا الاتجاه أخد (المشروع) في المادة 106/أ منه وقد مرّ ذكرها.
بينما ذهب الحنفية إلى قصر خيار التفريق للعيب على الزوجة دون الزوج، لأنه يملك الطلاق فيستطيع مفارقتها به، بينما هي لا تملك الطلاق فسبيلها طلب التفريق منه للعيب لدفع الضرر عنها([67]).
وهذا خلاف فقهي مبني على اختلاف تكييف التفريق؛ هل هو حق لمن وقع عليه الضرر ينقلب العقد بموجبه غير لازم؟ أم هو وسيلة رفع أو دفع الضرر، تدرؤه الزوجة عن نفسها بواسطة القاضي، خاصة عند الحنفية، والزوج يملك درؤه عن نفسه بنفسه بواسطة الطلاق، فلا حاجة تدعو عندئذ لتعليقه على حكم حاكم؟
ولا يخفى أنّ آثار التفريق بناء على استعمال خيار التفريق للعيب تختلف عن آثار إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق، وهي التي ستكون أشدّ على الزوج، وليس من مجال لبحث ذلك في هذا الموضوع. أما بخصوص الأمر الثاني : فقد ذهب المالكية إلى أنّ العيوب التي يقع بها الخيار هي : الرتق، والقرن، والعفل، والإفضاء،. ووافقهم عليها الحنابلة. ولم يجز الشافعية التفريق بعيبي العفل والإفضاء([68]).
وذهب بعض الشافعية والحنابلة إلى جواز التفريق بعيب الاستحاضة وبقبول أخرى منفّرة([69]). ومبنى هذا الخلاف الخلاف في تحديد موجب الحكم؛ هل هو تعطّل حكمة الزواج والتي مبناها الوطء أم تعرّضها للخلل والنقصان؟
أما (المشروع) فقد أطلق مفهوم العلة المبيحة لطلب الفسخ قضاءً من العدد، وقيّدها بوجوب كونها مستحكمة ومنفرة أو مضرة حسب ما قرره في المادة 106/أ منه . والذي يُلاحظ في هذه العيوب أنّ ما يمكن علاجه خاصة مع تطور علوم الطب ووسائله لا يجوز التفريق به لانتفاء علّة الحكم؛ لأن هذه الأحكام تدور مع عللها وجوداً وعدماً. مع ملاحظة أنّ القواعد تقضي بعدم إلزام الزوج نفقات العلاج إلا أن يكون متبرعاً لأنّ من حقه استيفاء منفعة المحل كاملة بالعقد لا بغيره.

المبحث الثالث: العيوب المشتركة

وهي ما يمكن قيامها بالزوج أو بالزوجة على السواء، وتقدم أن الحنفية لا يُملّكون الزوج خيار التفريق للعيب لأنه يملك الطلاق، وبالتالي يبقى رأي الجمهور الذي يبيح للزوج والزوجة.
وهذه العيوب وردت على سبيل الحصر على رأي، وعلى سبيل المثال على رأي فقهي آخر. ورجّح الرأي الثاني لأنّ النظر منصرف، لا إلى ذات المرض، بل إن العلة الموجبة لإباحة حكم الخيار فيه، وهو كون الحياة الزوجية لا تستقيم مع قيام العيب واستمراره، وقد تقدم الكلام في ذلك. والعيوب التي بحث فيها الفقهاء هي :
الجنون، والجذام([70])، والبرص([71])، وقطع الأطراف أو بعضها، والعرج، والشلل، والطرش، والخرس، والعمى، وبخر الفم والصنّان، والباسور، والناسور.
ويرى جمهور الفقهاء جواز التفريق بعيب الجنون، والجذام، والبرص، لأن الجنون لا يحصل مقصود النكاح معه. وأما البرص والجذام فلأنهما عييان منفران ومعديان([72])، ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تزوج بإمرأة من بني غفار، فلما دخل عليها ووضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضاً فانحاز على الفراش ثم قال: خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئاً([73]) واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام : "لا عدوى ولا طيرة ولا هامّة ولا صفر، وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد"([74])، والفرار من المجذوم يدل على جواز فسخ النكاح أو الفرقة بهذا العيب.
وبناءً على ذلك انقلب حكم العقد من عقد صحيح لازم لطرفيه، إلى عقد صحيح غير لازم لطرف واحد، لظهور الخيار بسبب العيب، على أساس قاعدة: إنّ الأصل سلامة المحل بخلوّه من العيوب. والسلامة صفة مستصحبة حتى يقوم الدليل على خلافها، وقد قام. ووافق الإمام محمد بن الحسن من الحنفية الجمهور بجواز التفريق بهذه العيوب إذا أصابت الزوج، أما إذا أصابت الزوجة فللزوج مفارقتها بالطلاق([75]).
أما الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف، فذهبا إلى عدم جواز التفريق بهذه العيوب مستدلين على ذلك بما يأتي :
1. أنّ فوات جميع ثمرات العقد بالموت قبل الدخول أو عقيب العقد لا يوجب فسخ النكاح، ففوات بعضها بهذه العيوب لا يوجب الفسخ من باب أولى([76]).
وأرى أنّ هذا قياس مع الفارق، فموت الزوج أو أحد أسباب انتهاء العقد مع أنّ الضرر لم يلحق بالزوجة بالفعل بسبب انتهاء العقد سواء بالموت قبل الدخول أو عقيب العقد. بينما العقد قائم في حالة العيب الملحق بالزوج الحي، وضرر الزوجة قائم مستمر، لأنها محبوسة لصالحه، إن لم نبح لها الفرقة عنه.
2. أنّ الضرر في هذه العيوب غير دائم لقابليتها للزوال، فإن لم تكن قابلة للزوال فهي كالعمى وسائر العيوب التي لا يفسخ النكاح بها عندهما.
أقول: ليس كل ضرر موجب للفرقة، بل الموجب منها للفرقة هو الضرر الذي لا تستقيم معه الحياة الزوجية. مع ملاحظة أن إدراك هذه العلة في الواقع مسألة إدراك للواقع، أي مسألة تكييف، وهو تكييف مسند إلى جهة أو سلطة تشريع الأحكام من حيث تشريع الحكم بحقّه، وهو تكييف مسند إلى جهة الفقه والقضاء من حيث إيقاع الحكم بموجبه بعد إدراك وقوعه على حقيقته على أرض الواقع.
ولما لم يكن كل عيب موجب للفسخ أو الطلاق، اختلفوا في التفريق بالعيوب التي لم يرد ذكرها فيما تقدم، فقد قال بعض الحنابلة يجوز التفريق بسبب عيب بخر الفم والصنان والباسور والناسور، والقرح السيالة في الفرج، لأنها تثير النفرة، وتعدي بنجاستها([77])، ولا يرى الشافعية في الراجح من المذهب التفريق لهذه العيوب([78]).
ومضى القول أنّ العيوب التي تتم معالجتها لا يجوز التفريق بها لانتفاء علة الحكم. أما العمى والطرش والخرس وقطع اأطراف فهي عيوب غير مخلة بمقصود النكاح عند جمهور العلماء، وهم فقهاء المذاهب الأربعة([79]).
وذهب إلى ثبوت حق التفريق حق التفريق بها فقهاء؛ منهم : القاضي شريح والزهري، حسب ما ذكره ابن القيم وانتصر لرأيهم، لأنها لا تقل خطراً عن العيوب الأخرى، ولأنها تُعدّ مشروطة عرفاً([80]) بحسب رأي هذا الفريق من الفقهاء.
ولكي يثبت الخيار لطالب التفريق يشترط عدم ثبوت رضاه بالعيب لا صراحة ولا دلالة وإلا سقط حقه بالخيار، ولزم العقد، وهذا ما سار عليه (المشروع) في المادة 106/ب ونصها : "ويسقط حقه في الفسخ إذا علم بالعلة قبل العقد أو رضي بها بعده".
يُعدّ رضاه دلالة إذا كان عالماً بالعيب وسكت عنه أو قام بما يدل على رضاه كوطء الزوج لزوجته المصابة بعيب يبيح التفريق، إلا في مسألة العنين فإن المالكية – ويسمون العنّة بالاعتراض – والشافعية يبيحون للزوجة طلب التفريق لعنّة زوجها وإن علمت بعنته قبل العقد، لأنّ العنة تحصل في حق إمرأة دون أخرى وفي نكاح دون نكاح([81]).
وأرى أنّ ذلك لا يشكّل رضاً بالعيب؛ لأنّ الرضا به يحصل حال العلم به وباستمراره والقبول به رغم ذلك. وبعد، ففيما تقدم نجد أنّ تدخّل القضاء للتفريق أمر ضروري للتثبت من وجود العيب أولاً، وكونه من العيوب المبيحة للتفريق ثانياً، وأن شروط المطالبة بالتفريق متوافرة في طالب التفريق ثالثاً، ثم توقف الحكم بالتفريق بعد ذلك على صدور القرار القضائي به وثبوته من تاريخ الحكم أو من تاريخ استعمال الخيار أمر محتمل للخلاف .
وأخيراً فإن هناك اليوم أمراضاً حديثة لم يتكلم عنها الفقهاء لعدم ظهورها في زمانهم وفي مقدمتها مرض (الإيدز)([82]) والسارس([83])، وكذلك الزهري وغيره، فإذا أصيب به أحد الزوجين فهل يجوز للزوج الآخر أن يطلب التفريق؟
قد تقدم أن الحنفية لا يجيزون للزوج طلب التفريق ويجيزونه للزوجة، لأن الزوج يملك حق الطلاق، أما الجمهور فإنهم يجيزون طلب التفريق لكل من الزوجين، وتقدم أيضاً أن الفقهاء انقسموا فريقين بشأن العيوب التي يجوز بسببها طلب التفريق: فريق المضيقين الذين يرون الاقتصار على العيوب التي ذكرت في كتب الفقه، وفريق الموسعين الذين يرون القياس عليها والاعتداد بكل عيب لا تستقيم به أو معه الحياة الزوجية، وهو الراجح، وبه أخذ (المشروع) في المادة 106/أ منه وقد مرّ ذكرها.
وتأسيساً على ما تقدم فإنه يجوز لكل من الزوجين على رأي الجمهور طلب التفريق إذا ثبت أن الزوج الآخر مصاب بالإيدز أو بأي مرض حديث تتوفر فهي العلة التي تجيز التفريق.
وتأكيداً في بيان ما مضى في هذا الفصل فإنّ مما دخل نطاق التكييف أمكن إيراده موجزاً في التالي :
1. إدراك أنّ العيب سبب موجب للضرر متى أخلّ بحكمة تشريع الزواج. وهذا نوع تخصيص لعموم الضرر مدركه، أي المخصص، الواقع.
2. أنّ من الضرر ما يتسامح فيه شرعاً أو عرفاً، وهو ما لا يخلّ بحكمة الزواج .
3. ولما كان من العيوب ما يخلّ وجوده أو استمراره بمقصود النكاح، ومنها ما لا يخلّ به كان المعيار في ذلك موضوعياً وليس شخصياً.
4. والعيوب المخلّة بمقصود النكاح هي التي تخلّ بميزان التعادل في الحقوق والالتزامات المتقابلة التي يرتبها العقد على أطرافه.
5. أنّ هذا الخلل في ميزان تقابل الحقوق والالتزامات وفي مقصود العقد يؤثر حتماً في صفة العقد، وهو ما حصل فعلاً في نطاق بحثنا هذا فقلب العيب العقد من كونه لازماً لطرفيه، إلى كونه غير لازم لطرف واحد، وهو الطرف غير المعيب، مراعاة لحقه.
6. أنّ صفة التفريق محتملة كونها طلاقاً بائناً أو فسخاً، ولذلك وقع الاختلاف فيها.
7. خيار التفريق هل هو حق يثبت لمن لا سبيل له إلى إنهاء العقد بغير هذا الخيار، وهي الزوجة، أم هو خيار يثبت لكل من قام سببه بحقه؟ مسألة محتملة للخلاف.
8. وقوع أثر خيار التفريق هل يتوقف على إرادة من له الخيار بإعلانه رغبته باستعمال الخيار أم يتوقف الأمر على قرار القضاء. مسألة محتملة للخلاف أيضاً.
9. العيوب التي ذكرت عند المتقدمين من الفقهاء هل يجري القياس فيها أم لا يجري؟ وهذه مسألة تفسير كما تقدم في الفصل الأول المراد منها توسيع نطاق دائرة الحكم ليشمل كل حادثة أو واقعة غير منصوص على حكمها تشترك في الواقعة المنصوص على حكمها في علّة الحكم، وبالتالي في الحكم، إلاّ أن إدراك العيوب غير المنصوص عليها وعظم خطرها وتهديدها لحكمة الزواج، مسألة تكييف .
10. وفي كل ما تقدم نجد أنّ المسائل متوقف إدراك حقيقتها وصفتها وحكمها على النظر. وتقدم في الفصل الأول أنّ التكييف، وكذلك التفسير، عملية اجتهادية. ولما كان التكييف كذلك أمكن وقوع الاختلاف في نتائجه كلما تعدت الأنظار في الكشف عن حقيقة واقعة منظورة لها، وتنوعت زوايا النظر، وتفاوتت قوة ملكة العقول في إدراكها الحقائق على ما هي عليه في الواقع.
خاتمة البحث
وأذكر فيها النتائج والتوصيات.
أولاً: نتائج البحث :
ونوردها تفصيلاً في النقاط التالية :
1. أنّ الوقائع غير متناهية بينما النصوص الشرعية أو القانونية متناهية، ولا بدّ من ضمّ جميع الحوادث تحت مظلّة الأحكام، وذلك يستلزم الاجتهاد ضرورة.
2. مبنى الاجتهاد السليم على دعامتين ورابطة. إحدى الدعامتين تتمثل في معرفة الواقع، وتتمثل الثانية في معرفة الشرع وطرق الاستنباط. وأما الرابطة فتتمثّل في أنّ هذا الواقع يقتضي هذا الحكم دون سواه من الأحكام لتحقيق مقاصد الشرع، وبعبارة أخرى؛ إنّ كل واقع يفتقر في إصلاحه إلى أحكام معينة دون باقي الأحكام الشرعية. واللازم من ذلك؛ أنّ الاجتهاد ماضٍ لحاجة كلّ واقع إلى إصلاح وفق منهج الأحكام، وأنّ تعطيله تعطيل للإصلاح وإخلال بالبناء.
3. التكييف عملية اجتهادية يحتاج إليها كل مختصّ بإصلاح الواقع، خاصة علماء ورجال الشريعة والقانون سواء في ذلك المنتسبون إلى السلطات الثلاث؛ التشريعية والقضائية والتنفيذية. ولما كانت حقيقة التكيف إدراك الواقع على ما هو عليه وما يقتضيه انصلاحه، أي ما يجب أن يكون عليه، فإن طرق بلوغ هذا الإدراك هي الطرق العقلية من : تصوّر وتصدق وبناء المقدمات وترتيبها وربط بعضها ببعض للوصول إلى النتائج الصحيحة .
4. أما التفسير فهو نظر ينصبّ على النصوص الشرعية أو القانونية لتوسيع نطاق الأحكام فيها. ومن هنا فارق التفسير التكييف مع قيام التلازم بينهما في إقامة الاجتهاد السليم في حكم الواقع.
5. وبناءً على ما ذكر فإنّ معيار الإصابة في الاجتهاد إصلاح الواقع. وإصلاح الواقع يعني إقامة المصالح الشرعية بميزانها الشرعي. فالمصالح الشرعية علل الأحكام الشرعية بحسب استقراء النصوص الشرعية وأحكامها وبموجب إجماع الأمة. وهذا هو معيار ما يجب أن يكون عليه القانون ليوصف بالعدل.
6. أن الحكم مرتبط بعلته وجوداً وعدماً، وأنّ الحكم يندفع بحكم آخر إذا كانت علّة الحكم الثاني أقوى من الأوّل ولم يمكن رفع التعارض إلاّ بإهدار إحدى المصلحتين. وهذا هو معيار النظر السليم والاجتهاد القويم. وقد مرّت بنا تطبيقات فقهاء المسلمين لهذا المبدأ في موضوع الفصل الثاني.
7. وعقد الزواج سبب شُرّع لتحقيق غاية كبقية الأسباب، وغايته المودة والرحمة والسكينة والنسل، فإن أفضى إلى ما يناهض هذه الحكمة أو يعارضها كان العقد صورة بلا معنى أو مادة بلا روح.
8. وإذا انتفت العلّة أو انقلبت ثمرة السبب من مصلحة إلى مفسدة أو اختلت العلة وضعفت، كان درء المفاسد أولى بالاعتبار من استمرار صورة عقد يضعف عن تحقيق حكمته. ففي الإبقاء عليه مصحلة موهمة ومفاسد محققة، ولا اعتبار بالموهوم أمام المحقق، مع ملاحظة أنّ درء المفسدة مصلحة (بالسلب).
9. وميزان المصالح شرعي منضبط بضوابط موضوعية، لئلا تقع الأحكام عموماً وفي نطاق موضوع البحث البالغ الأهمية خصوصاً رهينة اعتبارات وأهواء شخصية فلا يجمعها عندئد جامع ولا يضبطها ضابط من حيث النطاق والمشروعية.
ثانياً: التوصيات :
وفي ضوء ما تقدم في هذا البحث أرى ضرورة مراعاة وتنفيذ ما يأتي :
1. إقامة مناهج علمية، ومقررات دراسية، تبيّن أصول النظر السليم في الواقع، وفي النصوص الشرعية، وكيفية الربط بين الشرع والواقع لإصلاح الواقع في ضوء ضوابط المصلحة.
2. إلزام المختصين بتشريع القوانين وتطبيقها وبموجب نصوص قانونية قاطعة في دلالتها بضرورة الاجتهاد في كل واقعة وفي ظلّ ما هو عليه واقعهم، والابتعاد عن الاقتباس الحرفي لنصوص قانونية تحكم واقعاً مغايراً، والابتعاد كذلك عن التطبيق الحرفي المادي لنصوص الشريعة أو القانون دون إمعان النظر في روحها وغايتها. فالقانون غير مراد لذاته بل هو وسيلة لتحقيق المقاصد من وراء تشريعه، ألا وهي مصالح العباد.
المراجع
1. أحمد، محمد شريف، نظرية تفسير النصوص القانونية، مطبعة وزارة الأوقاف العراقية، 1982.
2. الأسنوي، جمال الدين، نهاية السول في شرح منهاج الإمام البيضاوي، مطبعة التوفيق الأدبية، مصر، (بلا.ت) .
3. الآمدي، على بن أبي علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر، 1938.
4. أميرباداشاه، محمد أمين، تيسير التحرير على كتاب التحرير، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1351هـ.
5. الأنصاري، محمد بن نظام الدين، فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، دار العلوم الحديثة، بيروت.
6. ابن رشد، محمد بن أحمد بن محمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
7. ابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار، دار الفكر، بيروت، 1412هـ.
8. ابن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، دار الفكر، بيروت، 1412هـ.
9. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد، المغني على مختصر الخرقي، مكتبة الرياض، السعودية، 1400هـ.
10. ابن القيّم، أعلام الموقعين عن رب العالمين، ط2، دار الفكر، بيروت، 1977، (بلا.ت).
11. ابن القيّم، محمد بن أبي بكر، زاد المعاد في هدى الخير العباد، ط13، مؤسسة الرسالة، سوريا، 1406هـ.
12. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، (بلا.ت) .
13. البار، محمد علي، الأمراض الجنسية؛ أسبابها وعلاجها، ط1، دار المنار، السعودية، 19885.
14. البدراوي، عبد المنعم، المدخل للعلوم القانونية، 1962.
15. البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، الروض المربع شرح زاد المستنقع، مكتبة الرياضش الحديثة، الرياض، 1390 هـ.
16. البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى، مطبعة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ.
17. التفتازاني، مسعود بن عمر، شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح، دار الكتب العلمية، بيروت (بلا.ت) .
18. تناغو، سمير عبد السيد، النظرية العامة للقانون، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1973.
19. الجرف، طعيمة، نظرية الدولة والأسس العامة للتنظيم السياسي/الكتاب الثاني، القاهرة، 1966.
20. الحطاب، محمد بن محمد، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، ط2، دار الفكر، لبنان، 1982.
21. خلاف، عبد الوهاب، ط8، علم أصول الفقه، دار القلم، الكويت، (بلا.ت).
22. داماذ أفندي، عبدالله بن محمد، مجمع الأنهر في ملتقى الأبحر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (بلا.ت).
23. الدريني، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده..، ط1، مطبعة جامعة دمشق 1967.
24. الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي بتحقيق محمد عليش، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
25. الرازي، محمد بن عمر، المحصول في أصول الفقه، ط1، من مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، السعودية، 1981.
26. الرملي، محمد بن أحمد، نهاية المحتاج في شرح المنهاج، دار الفكر، بيروت، 1404هـ.
27. الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، الكويت، 1965.
28. الزلمي، مصطفى إبراهيم، أصول الفقه في نسيجه الجديد، وتطبيقاته على التشريعات القانونية وخاصة القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976م (للباحث)، ط1، المركز القومي للنشر، 1999.
29. زيدان، عبد الكريم، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم، ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1995.
30. الزيلعي، عثمان بن علي، تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق – بحاشية الشلبي، ط2، دار المعرفة طبعة بالأوفسيت على طبعة مصرية، 1313هـ.
31. السرخسي، محمد بن أبي سهل، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1406.
32. السرطاوي، محمود علي، شرح قانون الأحوال الشخصية، ط1، دار الفكر، الأردن، 1997.
33. سلطان، أنور، المبادئ القانونية العامة، ط4، دار النهضة العربية، 1983.
34. السنهوري، عبد الرزاق وحشمت أبو ستيت، أصول القوانين، دار الفكر العربي، القاهرة، 1952.
35. السيّواسي، محمد بن عبدالله، شرح فتح القدير، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
36. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، تفسير الاجتهاد، ط1، دار الدعوة، الاسكندرية، 1403.
37. السيوطي، الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983.
38. الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر، 1969.
39. شحاته، محمد نور عبد الهادي، سلطة التكييف في القانون الإجرائي دراسة مقارنة في القوانين الإجرائية المدنية والجنائية والإدارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993.
40. الشربيني، محمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني الفاظ المنهاج، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
41. الشربيني، محمد الخطيب، الإقناع في حلّ ألفاظ أبي الشجاع، دار الفكر، بيروت، 1415هـ.
42. الشرقاوي، جميل، دروس في أصول القانون، دار النهضة العربية، القاهرة، 1971.
43. الشرواني، عبد الحميد، حاشية الشرواني، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
44. الشوكاني، محمد بن علي، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
45. الشيرازي، التنبيه، ط1، عالم الكتب، بيروت، 1403.
46. الشيرازي، إبراهيم بن علي بن يوسف، المهذب، دار الفكر، بيروت، (بلا .ت).
47. صادق، هشام علي، تنازع القوانين منشأة المعارف، الاسكندرية، 1993.
48. الصراف، عباس وجورج حزبون، المدخل إلى علم القانون، ط4، دار الثقافة، عمان – الأردن، 1997.
49. عبدالله، عز الدين، القانون الدولي الخاص، ط7، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972.
50. عبيد، رؤوف، المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية، ط3، دار الفكر العربي، مصر، 1980.
51. العدوين علي الصعيدي، حاشية العدوى على كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، (بلا.ت).
52. الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى من علم الأصول، دار العلوم الحديثة، بيروت، (بلا.ت).
53. فتاوى، قاضي خان بهامش الفتاوى الهندية في مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، ط3، المكتبة الإسلامية، تركيا، 1973.
54. فرج، توفيق حسن، المدخل للعلوم القانونية، ط2، بيروت، 1975.
55. الفيروزأبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، دار الفكر، بيروت، 1983.
56. القضاة، عبد الحميد، الإيدز حقائق وأرقام، ط2، إربد، الأردن، 1995.
57. القليوبي وعميرة، أحمد بن أحمد بن سلامة وأحمد البرلسيّ، حاشيتا القليوبي وعميرة على منهاج الطالبين، دار الفكر، بيروت، (بلا.ت).
58. الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط2، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982.
59. كيرة، حسن المدخل إلى القانون، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1971.
60. المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف، دار إحياء التراث العربي، بيروت (بلا.ت).
61. مرقس، سليمان، المدخل للعلوم القانونية، المطبعة العالمية، القاهرة، (بلا.ت).
62. مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للإقليمين المصري والسوري، تم وضعه على يد لجنة خاصة مع مذكرته.
63. الإيضاحية ما بين 1959-1961، ط1، دار القلم والدار الشامية، 1416.
64. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1، الكويت، مطابع دار الصفوة، 1416.
65. النسفي، عمر بن محمد بن أحمد، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، دار الطباعة العامرة، (بلا.ت).
66. النووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين، ط3، المكتب الإسلامي (بيروت، دمشق، عمان)، 1412.
67. الهداوي، حسن، تنازع القوانين، ط2، دار الثقافة، عمان، الأردن، 2001.
(* ) أستاذ مساعد، كلية الحقوق، جامعة الزرقاء الأهلية، الزرقاء – الأردن.
([1] ) كيرة، حسن، المدخل إلى القانون، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1971، ص19. وفرج، توفيق حسن، المدخل للعلوم القانونية، ط2، بيروت، 1975، ص13-14.
([2] ) فالفلسفة الفردية تعتدّ بالحق الخاص ولا تعرف للحق العام وجوداً مستقلاً بل هو بنظرها محصلة الاعتداد بحق الفرد. وتذهب إلى نقيض ذلك الفلسفة الاشتراكية التي تعتدّ بالحق العام دون الحق الخاص وهو الذي يعدو بنظرها عن كونه مجرد واجب أو وظيفة يقوم بها الفرد لصالح الجماعة. وقد ورد هذا المعنى ونقد الاتجاهين في : السنهوري، عبد الرزاق وحشمت أبو ستيت، أصول القوانين، دار الفكر العربي، القاهرة، 1952ـ ص68-70، والبدراوي، عبد المنعم، المدخل للعلوم القانونية، 1962، ص37، والجرف، طعيمة، نظرية الدولة والأسس العامة للتنظيم السياسي – الكتاب الثاني -، القاهرة، 1966، ص132 و 141 . والدريني، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ط1، مطبعة جامعة دمشق، 1967، ص43 و 50-52.
([3] ) وبالنظر إلى الاتجاهين السابقين يمكن القول بغياب الحق المشترك الذي يستند في وجوده والاعتداد به على وجود الحقين العام والخاص باستقلالية والاعتداد بهما معاً.
([4] ) تناغو، سمير عبد السيد، النظرية العامة للقانون، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1973، ص7-8. وسلطان، أنور، المبادئ القانونية العامة، ط4، دار النهضة العربية، 1984، ص15-19. وكيرة، حسن، المدخل للعلوم القانونية، ص19-22. وفرج، توفيق حسن، المدخل للعلوم القانونية، ص14-17.
([5] ) الصراف، عباس وجورج حزبون، المدخل إلى علم القانون، ط4، دار الثقافة، عمان، الأردن، 1997، ص9.
([6] ) يقول السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر؛ "نعلم قطعاً ويقيناً أنّ الحوادث والوقائع في العبادات والتصرفات مما لا يقبل الحصر والعدّ ونعلم أيضاً أنه لم يرد في كل حادثة نصّ ولا يتصور ذلك أيضاً. و النصوص متناهية والوقائع غير متناهية، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى، علم قطعاً أنّ الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد". تفسير الاجتهاد، ط1، دار الدعوة، الاسكندرية، 1403، ص30.
([7] ) وهذا يصدق على الحكم القانوني بمفهوم الحكم في القانون الوضعي، وعلى الحكم بمفهومه عند فقهاء المسلمين وهو الذي لا يعدو عن كونه الأثر المترتب على الوقائع، فهو حادث لذلك. إلا أنه لا يصدق على الحكم بمفهومه عند علماء أصول الفقه الإسلامي لأنّ الحكم عندهم هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، والخطاب بموجب هذه النسبة قديم، بينما الواقع أو الوقائع حادثة لأنها مخلوقة.
([8] ) العدوي، علي الصعيدي، حاشية العدوى على كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1/80، وجاء في باب الفاء فصل الكاف؛ (الكيف: القطع.. وكيّفه قطعه، وقول المتكلمين كيّفته فتكيّف قياس لا سماع فيه..).
الفيروزأبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، دار الفكر، بيروت، 1983. الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، الكويت، 1965.
([9] ) الهداوي، حسن، القانون الدولي الخاص. تنازع القوانين، دار الثقافة، عمان، ص52.
([10] ) صادق، هشام علي، تنازع القوانين، منشأة المعارف، الاسكندرية، ص111.
([11] ) شحاتة محمد نور عبد الهادي، سلطة التكييف في القانون الإجرائي دراسة مقارنة في القوانين الإجرائية المدنية والجنائية والإدارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993، ص5.
([12] ) عبيد، رؤوف، المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية، ط3، دار الفكر العربي، مصر، 1980، ص243. و شبّه الدكتور هشام علي صادق في المرجع السابق ص112 التكييف بالتشخيص الطبي بقوله" والتكييف وفقاً للمعنى الذي حددناه في إطار العلوم القانونية قريب الشبه إلى حدّ كبير بالتشخيص في مجال الطب. فإذا كان من اليسير على طالب كلية الطب أن يفرق بوضوح بين العلاج المقرر لمرض معيّن، والعلاج الذ يتعيّن اتباعه لمرض آخر، فإن تشخيص حالة المريض وما إذا كان يشكو من هذا المرض أو ذاك هو أمر لا يسهل على المبتدئ تبينه في جميع الأحوال، رغم ما لهذه المسألة من أهمية جوهرية غير خافية بوصفها مسألة أولية لازمة لتحديد العلاج الصحيح، والأمر لا يختلف كثيراً في مجال العلوم القانونية، فقد يسهل على الكثيرين الإحاطة بالأحكام التي يتضمنها قانون معيّن، فطالب كلية الحقوق يعرف جيداً الأحكام الخاصة بكل من عقد البيع وعقد الإيجار أو عقد الهبة مثلاً. أما إدراك التكييف الحق والوصف السليم للعقد محل البحث، فهي عملية ذهنية تحتاج إلى خبرة خاصة وبصيرة نافذة، إضافة إلى تتطلبه من حاسة قانونية مرهفة. وعلى هذا النحو يمكن القول بأن القدرة على التكييف السليم في نطاق القانون، أسوة بالتشخيص الصحيح في مجال الطب، هي الشرط الجوهري للنبوغ في كل من هذين الفرعين من فروع المعرفة، إضافة إلى كونه الأساس الذي لا غنى عنه لحسن تطبيق ما يتضمنه كلّ من الفرعين السابقين من أحكام".
([13] ) عبدالله، عز تالدين، القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين، ط7، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972، ص114.
([14] ) الهداوي، حسن، تنازل القوانين، ص52، وشحاته، محمد نور، سلطة التكييف في القانون الإجرائي، ص5.
([15] ) صادق، هشام علي، تنازع القوانين، ص111-112.
([16] ) ونورد هنا تطبيقات قانونية وقضائية اختلفت فيها النتائج تبعاً لاختلاف الوصف القانوني الملحق بالواقعة محل التكييف. فمن الأمثلة على ذلك في مسائل الأحوال الشخصية ما ورد بشأن الشكلية في الوصية من اختلاف في تكييفها بين القانونين الفرنسي والهولندي في قضية أثار فيها "ورثة هولنديون أمام المحاكم الفرنسية نزاعاً يتعلق بوصية حررها هولندي في فرنسا بالشكل العرفي، إلاّ أنها كانت غير موثقة رسمياً كما يشترط القانون الهولندي، فطعنوا فيها لعدم صحة هذه الوصية لمخالفتها للمادة 992 من القانون الهولندي التي تمنع الهولنديين ولو في الخارج من إجراء الوصية بكتابتها بخط الموصي – دون توثيق رسمي-. وتختلف النتيجة باختلاف الوصف القانوني للمسألة. فإن كان الحظر المقرر في القانون الهولندي يتعلق بفرض شكل معيّن لإجراء الوصية فإن النزاع ينصب على شكل الوصية، وعندئذ يخضعه كلا القانونين الفرنسي والهولندي للقانون المحلي، وهو في هذه الحالة القانون الفرنسي الذي فيه مثل هذه الوصية صحيحة في حين أن هذا الحظر لو كان يرمي إلى حماية أهلية الموصي فإنّ النزاع والحالة هذه ينصبّ على الأهلية، ولا يعود الاختصاص فيه إلى قانون إجراء الوصية بل إلى قانون جنسية الموصي وهو هنا القانون الهولندي، والذي تعدّ فيه مثل هذه الوصية باطلة..). الهداوي، حسن، تنازع القوانين، ص53.
ومن المسائل الجنائية في هذا الصدد نورد ما ذكره الدكتور رؤوف عبيد، المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية، ص192-193، وفيه "استفزاز المجني عليه كعذر قانوني يعرفه قانوننا المصري في حالة واحدة فقط هي حالة مفاجأة الزوجة حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال وهي من يزني بها. فإنه طبقاً للمادة 237ع يعاقب الجاني بالحبس بدلاً من عقوبة الجناية الواردة في المادتين 234 و 236 ومن باب أولى في المادة 240ع، وتنشئ المادة 237ع هذه قرينة قانونية لمصلحة الزوج المخدوع على أنه كان في وقت الاعتداء على زوجته أو من يزني بها، أو عليهما معاً في حالة من الانفعال الوقتي التي أثرت في حريته في الاختيار، وهو اعتبار شخصي بحت يمثل الحكمة من العذر وعلة وجوده. وهو لا يمس في شيء موضوع الجريمة وماديتها التي لا تخرج عن كونها قتلاً عمداً أو ضرباً مفضياً إلى الموت؛ بكل أركانها القانونية ونتائجها المادية الجسمية. – موقف الفقه من ناحية أثره في التكييف –" لذا كان الاتجاه الغالب، أو شبه الإجماع، بين الشراح في مصر وفرنسا يميل إلى اعتبار عذر الزوج في قتل زوجته المتلبسة بالزنا عذراً شخصياً بحتاً لا صلة له بالأحوال المادية اللاصقة بالجريمة؛ أو كما يقال لها أحياناً الظروف العينية فيها. ويرى فريق من شراح القانون المصري أن هذا العذر يعدّ لذلك من قبيل الظروف الشخصية البحت التي لا تقتضي تغيير وصف الجناية إلى جنحة رغم تغيير العقوبة ورغم أنه عذر قانوني ملزم للقاضي، فهو لا يمت بصلة إلى الظروف القضائية المخففة المشار إليها في المادة 17ع، وذلك رغم أنّ الأعذار القانونية الأخرى قد تقتضي تغيير الوصف؛ خصوصاً عندما تكون ملزمة للقاضي فلا خيار له فيها. إلاّ أن فريقاً آخر يرى غير هذا الرأي في عذر المادة 237ع ويقول أنه بحكم طبيعته القانونية الملزمة للقاضي من شأنه إنشاء جريمة من نوع خاص هي جنحة قتل الزوجة المتلبسة بالزنا، أو جنحة ضربها ضرباً مفضياً إلى موتها.
ويمكننا إبراز مسائل في القانون المدني الأردني النافذ من حيث مذهب المشرع في التكييف أو قيامه بهذه العملية؛ من ذلك اعتباره الإكراه سبباً لوقف التصرف وليس مفسداً له كما ذهب إليه الإمام أو ابو حنيفه وصاحباه، وأورد المشرع هذا الحكم في المادة 141 من القانون المدني الأردني النافذ ونصّها: "من أكره بأحد نوعي الإكراه على إبرام عقد لا ينفذ عقده ولكن لو أجازه المكره أو ورثته بعد زوال الإكراه صراحة أو دلالة ينقلب صحيحاً"، ونورد هنا ملاحظتنا على عيب الصياغة إذا ختمت المادة بـ : ينقلب صحيحاً. مع كون العقد النافذ أحد أقسام العقد الصحيح وأنّ ما ينقلب صحيحا هو العقد الفاسد بعد رفع موجب الفساد . ويبدو أن المشرّع بقيامه بعملية التكييف هنا قاس المكره على الصغير المميز أو المحجور عليه في الحكم بجامع عدم اكتمال الإرادة في الأول أو لوجود مانع قانوني في الثاني .
ومثال آخر هو؛ تكييفه العربون على أنه انصراف إرادة المتعاقدين على اعتباره جزاء العدول وليس جزءاً من الثمن. مستنداً في حكمه هذا على كون البيع، وهو من حيث الأصل عقد لازم لطرفيه، انقلب إلى عقد غير لازم بسبب هذا العربون، وما كان للعربون هذا الأثر لو كان جزءاً من الثمن. وذكر المشرع هذا الحكم في المادة 107/1 ونصها : "دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أنّ لكل من المتعقادين الحق في العدول عنه"، وهذا التكييف يستصحب حتى يقوم الدليل على خلافه لأنها قاعدة مفسّرة يجوز الاتفاق على خلافها أو أنّ ما ذكره المشرع لا يعدو عن كونه قرينة بسيطة. ويقوم الدليل على خلاف هذه القرينة حال صرّح المتعاقدان بأنّ المدفوع جزء من الثمن، أو جرت العادة بينهما على اعتباره كذلك، أو جرى العرف بين أهل صنعة على أنه كذلك.
ومثال آخر؛ اعتباره الإرادة المنفردة سبباً مستقلاً وكافياً لنشوء الالتزام والحق الشخصي وليس سببه نص القانون. وذلك لأنه نظر إلى العقد فوجده سبباً كافياً لإنشاء الالتزام، والعقد بنظره لا يعدو عن كونه إرادة منفردة اجتمعت بإرادة منفردة، فكانت الإرادة المنفردة هي مصدر الالتزام.
وكذلك اعتباره الشكلية شرط انعقاد وليس ركناً في العقد بحسب منطوق المادة 105/2 ونصها: "وإذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل تجب مراعاته" والمادة 168/1 ونصها : "العقد الباطل ما ليس مشروعاً بأصله ووصفه بأن اختلّ ركنه أو محله أو الغرض منه أو الشكل الذي فرضه القانون لانعقاده" فميّز بين الركن والمحل والغرض والشكل بـ (أو) التي تفيد المغايرة. ونصّ على أن الشكلية شرط قانوني للانعقاد. وهو بذلك أخذ بالعتمد من الفقه الإسلامي بأن ركن العقد هو التراضي فحسب، وأن المحل والعاقدين من لوازم العقد. وقد تكون مستنده في ذلك أنّ ماهية الشيء هي حقيقته في الخارج، أي على ما هو عليه في الواقع. وهذه الحقائق تدرك على ما هي عليه عقلاً أو بكشف الشرع عنها. فكان ما يورده الشرع بشأنها ليس تعديلاً في حقيقتها بل أحكاماً تؤدي تنظيما معيناً مقصوداً، ويتوصل إلى ذلك بأمور منها الشروط الشرعية أو القانونية. وبموجب هذا التكييف يكون العقد قد ولد بالتراضي واكتمل بناؤه بالشكلية، فأمكن نسبة آثار العقد حال اكتماله إلى وقت نشوئه (ولادته) أو إلى وقت اكتماله، فذلك محتمل للنظر بخلاف ما لو كان المقصود بالشكلية ركنيتها في العقود الشكلية، فذلك يقتضي إضافه الآثار إلى وقت اكتمال العقد بإيراد الشكلية حتماً، فلحظة ولادة العقد عندئذ هي لحظة اكتماله وليس هناك من مدة تتوسط بينهما. وعدّ المشرع أيضاً، وهو نوع تكييف، تسجيل المبيع تسليماً حكمياً، وهو ما نصّت عليه المادة 497 : "يتم التسليم حكماً بتسجيل المبيع باسم المشتري عندما تعلق النصوص التشريعية نقل الملكية على التسجيل الرسمي". جاعلاً تسجيل المبيع باسم المشتري نوعاً من أنواع التخلية بين المشتري والمبيع، أو صورة من صور تمكين المشتري من المبيع، وليس للتسليم معنى غير ذلك.
ومثال آخر في ضمان العيوب الخفية؛ إذ قام المشرع البيع على أساس سلامة المبيع من العيوب، وأن هذه الصفة مستصحبة حتى يقوم الدليل على خلافها، وهذا تكييف منه لواقعة البيع من هذه الحيثية، وأورد المشرع هذا الحكم في المادة 512/1 ونصها : "يعتبر المبيع منعقداً على أساس خلو المبيع من العيوب إلاّ ما جرى العرف على التسامح فيه".
([17] ) شحاته، محمد نور، سلطة التكييف في القانون......، ص3 و 17.
([18] ) وعلى سبيل المثال فإن تحديد مشروعية العقد يتطلّب التعرّف إلى عناصر العقد المكوّنة له، أي ركنه ولوازمه غير المنفكّة عنه كالمحل، بحسب نظر الحنفية. ثم التعرّف إلى النهي الشرعي أو القانوني ومحلّه، بمعنى أنّ النهي انصبّ على عناصر العقد كأن يمنع الشرع أو القانون التعامل بمحال معينة كالمخدرات مثلاً، أو أنّ النهي انصبّ على أمر خارج عن ذاتيات العقد كالنهي الشرعي عن البيع وقت النداء إلى صلاة الجمعة أو النهي عمّا يصيب الإرادة بعيب من الإكراه والتغرير مع الغبن والاستغلال، وفي ضوء ذلك كان تقسيم العقد من حيث المشروعية عند الحنفية إلى : عقد صحيح وهو المشروع بأصله ووصفه، وعقد فاسد وهو المشروع بأصله دون وصفه، وعقد باطل وهو اللامشروع بأصله ووصفه. وأصل العقد ذاتياته. وقد أخذ بهذا التكييف المشرع الأردني في المواد 167 و 168/1 و 170/1 من القانون المدني رقم 43 لسنة 1976.
([19] ) مثال ذلك ما ورد في مجلة الأحكام العدلية بشأن بيع الوفاء وقسمة المال الشائع. فقد غلّب المشرّع أحكام الرهن على أحكام البيع في بيع الوفاء، وذلك تكييفاً منه على أنّ هذا البيع في حقيقته صورة من صور عقد الرهن. فذكر في المادة 369: "كما أنّ للبائع وفاءً أن يرد الثمن ويأخذ المبيع كذلك المشتري أن يرد المبيع ويسترد الثمن". وجاء في شرح المادة للأستاذ سليم رستم باز. وإذا اتفق المشتري مع البائع على أن يرد له المبيع إذا رد له مثل الثمن في وقت كذا، ثم جاء الوقت وامتنع البائع عن رد مثل الثمن فإنه يؤمر ببيع المبيع وقضاء الثمن من ثمنه، فإن أبى باعه الحاكم عليه. وإن كان البيع بغبن فاحش مع علم البائع به فهو رهن وكذا لو وضع على أصل المال ربحاً أفاده في البزازية. وذكر في موضوع آخر أنه لو آجره من البائع، قال صاحب الهداية: الإقدام على الإجارة بعد البيع دلّ على أنهما قصدا بالبيع الرهن لا البيع، فلا يحل للمشتري الانتفاع به. وننبه إلى أنّ ما ذكر أخيراً هو تكييف فقهي.
قلت : وظاهر أنّ هذه الأحكام لا تجري على عقد البيع المحض والذي هو أبرز عقود التملك، لأنه عقد لازم لطرفيه، فضلاً عن كونه عقد معاوضة وملزم للجانبين . وأكّدت سلطة تشريع المجلة هذا الاتجاه في مواد أخرى. فقد جاء في المادة 399 : "إذا كانت قيمة المال المبيع وفاءً مساوية للدين وهلك المال في يد المشتري سقط الدين في مقابلته". وفي المادة 400 "إذا كانت قيمة المال المبيع وفاءً ناقصة عن الدين وهلك المبيع في يد المشتري سقط من الدين بقدر قيمته واسترد المشتري الباقي وأخذه من البائع". وفي السياق ذاته جاء حكم المادة 401 "إذا كانت قيمة المال المبيع وفاءً زائدة عن مقدار الدين، وهلك المبيع في يد المشتري سقط من قيمته قدر ما يقابل الدين وضمن المشتري الزيادة إن كان هلاكه بالتعدي، أما إذا كان بلا تعدّ فلا يلزم المشتري أداء تلك الزيادة .
أما بخصوص قسمة المال الشائع فقد جاء في المادة 1114: "القسمة هي تعيين الحصة الشائعة. يعني إفراز الحصص بعضها من بعض بمقياس ما، كالذراع والوزن والكيل". فغرّفت المادة القسمة وبينت معنى تعيين الحصة الواردة في التعريف. وإذا كان حقيقة القسمة بحسب منظور المجلة إفراز الحصص بعضها عن بعض وإرجاع الحال إلى ملكيات مفرزة، فإن ذلك يفيد أنّ الأصل في الملكية كونها ملكية مفرزة وأنّ الشيوع لا يعدو عن كونه اجتماع أكثر من ملكية مفرزة في وضع قانوني جديد يعرف بالملكية الشائعة، وأنّ القسم لا تعدو عن كونها إنهاء لهذا الوضع الطارئ وإعادة الأمر إلى أصله من كونه مكلية مفرزة .
ومعلوم أن هذا التكييف يرتب أحكاماً تناسبه منها: أنّ التصرفات التي أجراها الشريك وقت الشيوع على جزء وقع في نصيبه بالقسمة تعتبر تصرفات صحيحة نافذة لأنها صدرت من مالك بحسب ما كشفت عنه القسمة، وكذلك لو بني في الجزء الذي وقع في نصيبه، وتعدّ تصرفات باقي الشركاء دون إذن هذا المالك في هذا الجزء موقوفة على إجازته؛ لأنها تصرف في ملك الغير، وكذلك لو بني شريك في هذا الجزء دون إذن باقي الشركاء ولم يقع في ملكه، لزمه أحكام الاتصال وبالأخص ما يتعلّق منها بسيء النية، فيلزمه رفع هذه المحدثات على نفقته، فإن كان ذلك مضراً بالأرض تملّكها صاحب الأرض بقيمتها مستحقة للقلع. إلاّ أن الشيوع حالة واقعة، فكان لا بدّ أن يكون لها نصيب من الآثار في هذا الصدد على أن لا تتعارض هذ ه الآثار مع الأصل المذكور آنفاً ما أمكن ذلك. وفي هذا النطاق نصّت المادة 1116؛ "القسمة من جهة إفراز ومن جهة مبادلة"، وجاء في شرح المادة لسليم رستم : أي أن القسمة سواء كان من المثليات أو من القيميات تشتمل، على معنى الإفراز وهو أخذ عين حقه، وعلى معنى المبادلة وهو أخذ عوض حقه. وذلك ما من جزء معيّن إلا وهو مشتمل على نصيبين فكان ما أخذه كل منهما نصفه ملكه ولم يستفد منه صاحبه فكان إفرازاً، والنصف الآخر كان لصاحبه فصار له عوضاً عما في يد صاحبه فكان مبادلة. وللمحافظة على الأصل في القسمة وردت أحكام المادتين 1117 و 1118. فجاء في الأولى : "جهة الإفراز في المثليات راجحة"، وجاء في الثانية:"جهة المبادلة في القيميات راجحة". وجاء في شرحهما لسليم رستم: أنّ المثلي إذا أخذ بعضه كان المأخوذ عين المأخوذ عنه حكماً لوجود المماثلة بخلاف القيمي : أما بشأن القيمي؛ فلوجود التفاوت بين أبعاضها فلا يمك أن يجعل كأنه أخذ حقه .
([20] ) شحاته، محمد نورن سلطة التكييف في القانون،....ص15، 105-106 بتصرف.
([21] )الموسوعة الفقهية، ط1، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، 1995، 13/92.
([22] ) الشقاوي، جميل، دروس في أصول القانون، دار النهضة العربية، القاهرة، 1971، ص192-193. والسنهوري وأبو ستيت، أصول القانون، ص235. مرقس، سليمان، المدخل للعلوم القانونية، المطبعة العالمية، القاهرة، ص235-236. وكيرة، حسن، المدخل إلى القانون، ص397.
([23] ) ويشتبه التأويل بالتفسير إلا أنّ لكل منهما مفهوم مستقل عن الآخر. فـ"التأويل : مصدر أوّل، وأصل الفعل؛ آل الشيء يؤول أولاً: إذا رجع، تقول آل الأمر إلى كذا، أي رجع إليه. ومعناه : تفسير ما يؤول إليه الشيء ومصيره. وفي اصطلاح الأصوليين، التأنويل: صرف اللفظ عن المعنى الظاهر إلى معنى مرجوح، لاعتضاده بدليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الظاهر". الموسوعة الفقهية 10/135، نقلاً عن؛ المستصفى 1/387، وروضة الناظر ص 92، والأحكام للآمدي 2/135، والتعريفات للجرجان، ولسان العرب والمصباح المنير مادة (أول)، وإرشاد الفحول، ص176. ويشترك التأويل والتفسير في آنّ كلاً منهما عملية اجتهادية باستثناء التفسير التشريعي فإنه تفسير له قوة المفسّر في الإلزام. وكذلك يشتركان في أن الغرض من كل واحد منهما هو بيان ما هو المقصود من تطبيق النص في خصوص القضية التي يسري عليهما. ورغم هذا الشبه فإنهما يختلفان في فروق جوهرية أهمها ما يأتي :
· التأويل عدول عن المعنى الظاهر للنص إلى معناه غير الظاهر لدليل يقتضي ذلك، في حين أن التفسير هو استجلاء الغموض الموجود في النص.
· التفسير قد يكون من الشارع (أو المشرع) ويسمى تفسيراً تشريعياً، وقد يكون من الفقيه ويسمى تفسيراً فقهياً، وقد يكون من القاضي ويسمى تفسيراً قضائياً، في حين أن التأويل لا يتصوّر من الشارع (أو المشرع) إلاّ عند من يرى أن التخصيص والتقييد تأويل.
· القاضي ملزم بالتفسير عندما يجد النص غامضاً، في غير المسائل الجنائية، لأن ليس له إهماله بحجة الغموض وإلاّ اعتبر ناكراً للعدالة بخلاف التأويل فهو عملية اجتهادية خاضعة للسلطة التقديرية للقاضي .
· التفسير التشريعي يجعل النص المفسّر قطعي الدلالة على المعنى (الحكم) المراد في حين أن النص المؤول يبقى ظني الدلالة في كلا معنييه (الراجح والمرجوح) .
· النص المؤول يحتمل معنيين فأكثر (المعنى الراجح والمرجوح) بخلاف المفسّر.
· وسائل التفسير والإيضاح تكون أقوالاً وأعمالاً كما فسّر الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة والحج بأقواله وأفعاله ثم قال لأصحابه :"صلّوا كما رأيتموني أصلّي" و "خذوا عني مناسككم" في حين أن التأويل لا يكون إلا بالأقوال.
· الباعث الدافع للتفسير إزالة غموض النص أما التأويل فابعثه مصلحة أو حاجة أو ضرورة تقتضي العدول بالنص عن معناه الظاهر إلى معناه غير الظاهر. الزلمي، مصطفى، أصول الفقه في نسيجه الجديد..، ط1، المركز القومي، الأردن، 1999، ص 412-413.
([24] ) السنهوري وأبو ستيت، أصول القانون، ص163، وشريف، محمد، نظرية تفسير النصوص المدنية، مطبعة وزارة الأوقاف العراقية، 1982، ص11-13.
([25] ) الخاص هو اللفظ الموضوع لمعنى واحد معلوم على الانفراد أو لعدد محصور، وهو إما واحد بالشخص أو بالصنف، أو واحد بالنوع أو واحد بالجنس. والعام في اللغة بمعنى الشامل، يقال مطر عام أي شامل. وفي اصطلاح الاصوليين هو لفظ موضوع لمعنى واحد بحيث يشمل جميع ما من شأنه أن يندرج تحته من الأفراد دفعة واحدة ما ليم يقم دليل على خلاف ذلك. والمعنى الأعمّ مما ذكر أنّ العام : هو الأمر الشامل لكل ما يمكن أن يتناوله دفعة؛ لغة أو عرفاً أو عقلاً، الزلمي، مصطفى، أصول الفقه في نسيجه الجديد، ص257 و 293 – 294.
([26] ) التخصيص عند الأصوليين هو قصر (حكم) العام على بعض أفراده بإخراج بعض مما يتناوله بدليل متصل بالنص أو مستقل عنه. فالتخصيص بمثابة عملية الطرح في الرياضيات. الزلمي، مصطفى، أصول الفقه في نسيجه الجديد، ص314.
([27] ) قد يكون النصّ خاصاً في صياغته ولكنه عام في حكمه؛ كالخطاب الموجّه إلى النبي المراد به كل إنسان متزوج يريد أن يطلق زوجته في قوله تعالى : "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهنّ لعدتهنّ..."، ومن قبيل الخاص المراد به العام أيضاً قوله تعالى : لئن أشركت ليحبطنّ عملك"، وقوله تعالى : "ولا تكن للخائنين خصيما". الزلمي، أصول الفقه في نسيجه الجديد، ص306-307.
([28] ) المطلق؛ لفظ دال على ماهية مشتركة بين عدة أنواع أو أصناف (أو أفراد) يصلح لأن يراد به أي واحد منها على سبيل التناوب قبل التقييد؛ فإذا قيل : فلان ارتكب جريمة، أو زرع زراعة أو اشترى حيواناً أو عمل تزويراً، أو باع سيارة أو غرس نخلة، يكون كل من : جريمة وزراعة وحيوان، مطلقاً وجنساً شاملاً لكل نوع من أنواعه على سبيل المناوبة، كما يكون كل من؛ تزوير وسيارة ونخلة أيضاًن مطلقاً ونوعاً يحتمل صنف مندرج تحته على سبيل التناوب. وبهذا التعبير يُعدّ المطلق الخاص باعتبار معناه، ومن المشترك المعنوي باعتبار ما يندرج تحت هذا المعنى من الأنواع والأصناف. الزلمي، أصول الفقه في نسيجه الجدي، ص279. وفي مجلة الأحكام العدلية (م64) والمنصوص عليها في المادة 218 من القانون المدني الأردني أن المطلق : يجري على إطلاقه إذا لم يقم دليل التقييد نصّاً أم دلالة. أما المقيذد فهو عبارة عن المطلق مع إضافة قيد أو أكثر يقلل من شيوعه ويبيّن أن المراد منه نوع من أنواعه أو صنف من أصنافه أو غير ذلك.
ومن الأمثلة القانونية على ذلك ما ذكرته المادة (149) من القانون المدني العراقي: لا يجوز الطعن بالصورية في التصرفات الواقعة على العقار بعد تسجيلها في دائرة الطابو. فعدم الجواز مقيّد بحالة ما بعد التسجيل أما قبله فإنه جائز. وإذا ورد لفظ في نص مطلقاً وفي نص آخر مقيّداً فإنّ المطلق يحمل على المقيّد بالإجماع في حالة اتحادهما في الحكم والسبب إذا كانا مثبتين ولم يكن تشريع المقيد متأخراً عن العمل بالمطلق، وإذا كانا منفيين أو كان المقيد متأخراً عن العمل بالمطلق فمذهب الجمهور حمل المطلق على المقيّد في هذه الحالة أيضاً، واختلف الأصوليون في حمل المطلق على المقيّد إذا اتحدا في الحكم واختلفا في السبب، وإذا اتحدا في السبب واختلفا في الحكم الزلمي، أصول الفقه في نسيجه الجديد، ص281-292.
([29] ) المراد بقطعية الدلالة هو أن اللفظ أو الكلام أو النص يدل على المعنى أو الحكم المراد به دلالة يقينية بحيث لا يحتمل غيره ما لم يقم دليل على خلاف ذلك. وهذه القطعية أو اليقينية إما ذاتية نابعة من ذات الصيغة الدالة وإما عرضية ناتجة عن تفسيرها تفسيراً غير اجتهادي كالتفسير التشريعي..... وتكون دلالة النصوص وصيغ العقود ووسائل الإثبات ظنية إذا كان الدال محتملاً لأكثر من معنى أو حكم، ولو كانت هذه الدلالة متفاوتة وضوحاً أو خفاءً. وقد أجمع علماء الأصول والفقهاء على جواز الاكتفاء بالظن في الفروع (الأحكام الفقهية والقضائية). أما الغامض فهو لفظ أو كلام لا تكون دلالته على المعنى أو الحكم المراد واضحة وهو يشمل الأقسام الأربعة لغير واضح الدلالة (الخفي والمشكل والمجمل والمتشابه) في التقسيم الرباعي، والمجمل والمتشابه في التقسيم الثنائي. الزلمي، أصول الفقه في نسيجه الجديد، ص 398 و 404 و 413.
([30] ) القياس في اصطلاح علماء الأصول له تعاريف كثيرة تدور حول معنى واحد وهو إلحاق أمر لم يدلّ على حكمه نصّ خاص ظاهر بأمر آخر منصوص على حكمه في حكمه لاشتراكهما في العلة الموجبة لتشريع هذا الحكم. فالقياس هو استدلال بعلة حكم مسألة منصوص عليه على وجوده في مسألة مشابهة تتوفر فيها هذه العلة. والعلّة، في حقيقتها، هي المصلحة المتوخاة من تشريع الحكم المعلل بها من جلب منفعة للإنسان أو دفع المضرّة عنه، غير أنّ هذه المصالح أو العلل منها ما يدركه العقل فتسمى : معقولة المعنى ويجري فيه القياس، ومنها ما لا يدركها العقل فتسمى تعبدية ولا يجري فيها القياس، لأنّ القياس فرع تصوّر العلة وهي ركن من أركانه. الزلمي، أصول الفقه في نسيجه الجديد، ص 112-113و 116-117.
أقول؛ إلا أنّ السابق لإلحاق الواقعة غير المنصوص على حكمها بحكم الواقعة المنصوص عليه إدراك هذه الواقعة، وإدراك أنها تنزوي أو تنضم إلى نظام تشريعي أو قانوني معيّن لتأخذ حكمه، وذلك هو التكييف. ويراد بالعلة القاصرة بأنها التي : لا توجد في غير الأصل فلا يمكن أن تكون أساساً للقياس. ولهذا لما عللت الأحكام التي هي من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنها لذات الرسول لم يصح فيها القياس. كذلك لا يصح تعليل الخمر بأنها نبيذ العنب تخمّر، ولا تعليل تحريم الربا في الأموال الربوية بأنها ذهب أو فضة. وبعض الأصوليين خالف في اشتراط هذا الشرط في العلة. وينبغي أن لا يكون في اشتراط هذا الشرط خلاف، ما دام المقصود هو شروط العلة التي هي ركن القياس وأساسه. لأنه لا تكون العلة أساساً للقياس إلا إذا كانت متعدية، أي أمراً غير خاص بالأصل ويمكن وجوده في غيره. خلاّف عبد الوهاب، ط8، علم أصول الفقه، دار القلم، الكويت، ص70.
([31] ) ابن القيم، محمد بن أبي بكر، أعلام الموقعين عن رب العالمين، ط2، دار الفكر، بيروت، 1977، 1/87-88.
([32] ) الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر، 1969، 2/3-4. والآمدي، علي بن أبي علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر، 1968، 3/62 و 81. والرازي، محمد بن عمر، المحصول في أصول الفقه، ط1، من مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، السعودية، 1981، 2ق2/391، والأسنوي، جمال الدين، نهاية السول في شرح منهاج الإمام البيضاوي، مطبعة التوفيق الأدبية، مصر، 3/44. وأميرباداشاه، محمد أمين، تيسير التحرير على كتب التحرير، طبعة مطصفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1351، 3/306.
([33] ) الزلمي، مصطفى، أصول الفقه في نسيجه الجديد .........، ص136-137.
([34] ) الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى من علم الأصول دار العلوم الحديثة، بيروت، 1/268 – 287 .
([35] ) التفتازاني، مسعود بن عمر، شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح، دار الكتب العلمية، بيروت، 2/62-63. والأنصاري، محمد بن نظام الدين، فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، دار العلوم الحديثة، بيروت، 2/260. والآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، 3/186. والأسنوي، نهاية السول، 3/28-30. والشوكاني، محمد بن علي، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، دار الفكر، بيروت، ص207.
([36] ) الضرّ ضد النفع، والضرر النقصان في الشيء يقال : دخل عليه ضرر في ماله الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس، فصل الضاد من باب الراء. يقول الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية، ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت 1995، ج: 8/437 "لم يعرّف الفقهاء الضرر في الاصطلاح الشرعي، وكأنهم تركوه لمعناه اللغوي وأن هذا المعنى هو المراد من الضرر شرعاً. وبما عرفوه بذكر بعض الأمثلة له، وبقولهم: إنه لا يجوز شرعاً..". أقول الشيء يعرف بضدّه. فالضرر هو ما يناهض حكمة الزواج (السكن والمودة والرحمة)، فلزم أنّ كل سبب يفضي إلى مناهضة حكمة الزواج هو سبب موجب للضرر شرّع درؤه ما لم يرض من وقع عليه الضرر بتحمله .
([37] ) قال تعالى : "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة". الروم : 21.
([38] ) الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط2، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982، 2/327. وابن رشد، محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر، بيروت، 2/38-39. والشربيني، محمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الفكر، بيروت، 3/203. وابن قدامة، عبدالله بن أحمد، المغني على مختصر الخرقي، مكتبة الرياض، السعودية، 1400، 6/652-653. وبالاتجاه الواسع أخذ قانون الأحوال الشخصي الأردني في المادة 116 منه. السرطاوي، محمود، شرح قانون الأحوال الشخصية، ط1، دار الفكر، عمان، الأردن، 1997، ص483.
([39] ) الكاساني، بدائع الصنائع، 2/327.
([40] ) ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1/429.
([41] ) النسفي، عمر بن محمد، طلبة الطلبة، دار الطباعة العامرة، ص101.
([42] ) الشربيني، محمد الخطيب، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، دار الفكر، 1415، 2/421. منصور بن يونس، الروض المربع شرح زاد المستنقع، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1390، 3/94. وهو أحد معانيه أيضاً عند الحنفية. السيواسي، محمد بن عبدالله، شرح فتح القدير، دار الفكر، 4/300.
([43] ) السرخسي، محمد بن أبي سهل، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1406، 5/103. السيواسي، شرح فتح القدير، 4/300، الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب، دار الفكر، بيروت، 2/49.
([44] ) داما أفندي، عبدالله بن محمد، مجمع الأنهر في ملتقى الأبحر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1/463. وابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على المختار، دار الفكر، بيروت، 4/495. والدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي، دار الفكر، بيروت، 2/279. وابن قدامة، الغني، 6/653.
([45] ) الرملي، محمد بن أحمد، نهاية المحتاج، دار الفكر، بيروت، 1404، ج6/311. ا لشرواني، عبد الحميد، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج، دار الفكر، بيروت، 7/347. ابن قدامة، عبدالله بن أحمد، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، دار الفكر، بيروت، 1412، 3/44. وابن قدّامة، الغني، 6/653-654.
([46] ) الكاسني، بدائع الصنائع، 2/325. الحطاب، محمد بن محمد، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، ط2، دار الفكر، لبنان، 1982، 3/489. وقليوبي وعميرة، أحمد بن أحمد بن سلامة وأحمد البرلسيّ، حاشيتا قليوبي وعميرة على منهاج الطالبين، دار الفكر 3/264. ا بن قدامة، الغني، 6/654.
([47] ) قليوبي وعميرة، الحاشية على منهاج الطالبي، 3/264. والشلبي، حاشية الشلبي بهامش تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، والزيلعي، عثمان بن علي، ط2، دار المعرفة طبعة بالأوفسيت على طبعة مصرية، 1313. 3/24.
([48] ) الكاساني، بدائع الصنائع، 2/326.
([49] ) الكاساني، بدائع الصنائع، 2/323. فتاوى قاضي خان بهامش التفاوى الهندية في مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، ط3، المكتبة الإسلامية، تركيا 1973، 1/413. وابن عابدين، ردّ المحتار، 3/73.
([50] ) السيوطي، عبد الرحمن، الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983، ص: 289. وذكر صوراً للفرقة ومنها فرقة العيب ثم قال : "وكلها فسخ". ابن قدامة، الكافي، 3/45. والبهوتي، الروض المربع، 3/94. والحديث ورد في السنن الكبرى للبيهقي 7/214، وسيأتي نصه قريباً.
([51] ) السيواسي، فتح القدير، 4/297. وداماذا أفندي، مجمع الأنهر، 1/461.
([52] ) ابن منظور، لسان العرب، 13/290.
([53] ) الدسوقي، حاشية الدسوقي، 2/279. و جاء عند أبن قدامة، المغني 6/667: "العنين هو العاجز عن الإيلاج وهو مأخوذ من عنّ أي اعتراض لأنّ ذكره يعنّ إذا أراد إيلاجه أي اعترض، والعنن الاعتراض".
([54] ) السيواسي، شرح فتح القدير، 4/279، والشربيني، محمد الخطيب، الإقناع، 2/421.
([55] ) الكاساني، بدائع الصناعئ، 2/323.
([56] ) المرجع السابق، 2/323.
([57] ) فمنهم من قال إنها تبدأ من حيث يترافعان، ومنهم من قال من حين تسليم الزوجة نفسها للزوج بعد رفع الدعوى، أو من وقت برء الزوج إن كان مريضاً. ا لسيواسي، فتح القدير، 4/298. وابن قدامة، المغني، 6/669. الشيرازي، إبراهيم بن علي، التنبيه، ط1، دار الكتب، بيروت، 1403، ص163. والنووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين، ط3، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، عمان، 1991، 7/198.
([58] ) وهو رأي الحنفية والحنابلة والشافعية في قول لهم. السيواسي، شرح فتح القدير، 4/298 و 302-303. الكاساني، بدائع الصنائع، 2/323. وابن قدامة، المغني، 6/669.
([59] ) الكاساني، بدائع الصنائع، 2/327.
([60] ) وهو رأى الحنفية والحنابلة والشافعية في قوله لهم. السيواسي، شرح فتح القدير، 4/301. وابن قدامة، المغني، 6/670. والنووي، روضة الطالبين، 7/200.
([61] ) الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، مصنف عبد الرزاق، ط2، المكتب الإسلامي، بيروت، 1403، رقم (10346). ولما كان هذا الرأي منسوباً إلى الحنفية فهو المعتمد في (المشروع) بموجب الإحالة الثابتة في المادة 409 منه لأنه لم يذكر معنى الخصاء بعدم شمله بالحكم العام في العيوب والعلل في المادتين 106 و 107 منه. وتنص المادة 409 على ما يأتي: "تطبق نصوص هذا القانون على جميع الحوادث التي تشملها بلفظها أو بفحواها، وكل ما لا تشمله يرجع فيه إلى القول الأرجح في المذهب الحنفي".
([62] ) وهو رأي آخر للحنفية والشافعية وذكره بعض الحنابلة مع ملاحظة أنّ الخلاف شكلي وليس جوهرياً لاختلاف متعلق الحكم. (الشيرازي، التنبيه، ص162. والنووي، روضة الطالبين، 7/195. وابن قدامة، المغني، 6/670. والسيواسي، شرح فتح القدير، 4/301-302. وداماذ أفندي، مجمع الأنهر، 1/463).
([63] ) هو انسداد محل النكاح، فلا يمكن معه الوطء، وربما كان ذلك لضيق في عظم الحوض أو لكثرة اللحم فيه الموسوعة الفقهية، ج29/67. والمرأة الرتقاء هي التي تلاحم الشفراءت منها وتلاصقا حتى لا يكاد الذكر يجوز فرجها لشدة انضمامه أو نسداد الفرج بلحم لا يمكن معه الجماع. ابن منظور، لسان العرب، 10/144.
([64] ) نتوء في الفرج يسده ويمنع الوطء، وهو عظم غالباً. السيواسي، شرح فتح القدير، 4/303. الدردير، الشرح الصغير، 1/425.
([65] ) رطوبة تمنع الزوج من لذة الجماع، أو هو رغوة في الفرج تحدث عند الجماع، وقيل هو ورم في اللحمة التي بين مسلكي المرأة فيضيق به فرجها فلا ينفذ به الذكر.....(البهوتي، الروض المربع، 3/95 ) وقيل هو القرن. الموسوعة الفقهية، ج29/67.
([66] ) انخراق ما بين السبيلين، القبل والدبر. وفي الروضة للنووي 7/178 "الإفضاء: رفع ما بين مخرج البول، ومدخل الذكر، بمعنى هو اختلاط مسلك النكاح مع مسلك البول. الموسوعة الفقهية ج 29/67، وأطلق عليه في الروض المربع 3/95 مصطلح (الفتق)
([67] ) السيواسي، شرح فتح القدير، 4/304، والكاساني، بدائع الصنائع، 2/327.
([68] ) المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 8/193، والنووي، روضة الطالبين، 7/177. وابن قدامة، المغني، 6/651.
([69] ) البهوتي، الروض المربع 6/96.
([70] ) الأجذم: المقلوع، ابن منظور، لسان العرب، 7/87، والجذم علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم يتقطع ويتناثر، ويتصور ذلك في كل عضو، لكنه في الوجه أغلب، الموسوعة الفقهية، 29/68.
([71] ) بياض شديد يظهر بالجلد على شكل بقع، النّسفي، طلبة الطلبة ص 100، والشربيني، الإقناع، 2/420، وتزداد هذه البقع اتساعاً مع الأيام، وربما نبت عليها شعر أبيض أيضاً، وربما كانت بقعاً سوداء، الموسوعة القهية، 29/68.
([72] ) الرملي، محمد بن أحمد، نهاية المحتاج في شرح المنهاج، 6/310. والشربيني، مغني المحتاج، 3/203.
([73] ) البيهقي، أحمد بن الحسين، السنن الكبرى، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414، ج7/214.
([74] ) رواه البخاري، باب الجذام.
([75] ) السيواسي، شرح فتح القدير، 4/304.
([76] ) الكاساني، بدائع الصنائع، 2/327-328. والسيواسي، شرح فتح القدير، 4/305.
([77] ) البهوتي، الروض المربع، 3/96، المرداوي، الإنصاف، 8/195. وابن قدامة، المغن، 6/652 – 653.
([78] ) النووي، روضة الطالبين، 7/177. والشربيني، مغني المحتاج، 3/302.
([79] ) المرداوي، الإنصاف، 8/199. والدردير، الشرح الصغير، 1/425. والنووي، روضة الطالبين، 7/177. وابن عابدينن رد المحتار، 3/501.
([80] ) ابن القيم، محمد بن أبي بكر، زاد المعاد في هدى خير العباد، ط13، مؤسسة الرسالة، سوريا، 1406، 5/182، 184.
([81] ) الشربيني، مغني المحتاج، 3/203، والشرواني، عبد الحميد، حاشية الشرواني، 7/346. وابن قدامة المغني، 6/654.
([82] ) الإيدز: ويسمى بمرض فقدان المناعة المكتسبة، هو مرض جنسي معدي فتاك، سببه المباشر الزنا والشذوذ الجنسي وحقن المخدرات، وهو مرض ينتقل بالعدوى بوسائل شتى وهو يتلف جهاز المناعة في جسم الإنسان فيصبح جسم المريض مستباحاً للجراثيم الانتهازية تنهشه من كل جانب، والنتيجة تلف في كل جهاز، وهزال رهيب، وجراثيم بالمليارات تسرح وتمرح وتعيث فساداً في جسم المريض وبالتالي هلاك محقق. وقد بدأ هذا المرض بالظهور عام 1981 وتسارع انتشاره في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الغرب عامة وكذلك في أفريقيا بشكل مرعب جداً حيث بلغ عدد المصابين المعلن عنه (43) مليوناً وتوقع بعض العلماء أنه مع نهاية عام 2000 يصبح عدد الإصابات المعلنة وغير المعلنة حوالي مائة مليون على الأقل، القضاة، عبد الحميد، الإيدز حقائق وأرقام، ط2، اربد، الأردن، 1995، ص6 و 7 و 75. والبار، محمد علي، الأمراض الجنسية؛ أسبابها وعلاجها، ط1، دار المنار، السعودية، 1985، ص : 129. والدكتور البار يعتبر بدء ظهور المرض عام 1978 بحالات فردية تسارعت بشكل مذهل. ومعلوم أن سبب هذا الوباء الخطير: العلمانية وما ترتب عليها من الحياة البهيمية والاستسلام للشهوات وإباحة الزنا واللواط بالتراضي في القوانين الغربية تحت شعار حق الحرية الشخصية كواحد من حقوق الإنسان، فإذا بضحاياه تفوق من قتلوا في الحربين العالميتين معاً! ولا يفوتني هنا أن أذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" . أخرجه الحاكم، والبزار، وابن ماجة : (4009).
([83] ) يعني الـ SARS ( متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد)، ظهر لأول مرّة في قارة آسيا، وأول ما تمّ التعرّف عليه في مدينة هانوي في فيتنام بتاريخ 26/2/2003م. وقد تمّ التبليغ عن وقوعه في هونج كونج وأندونيسا وسنغافورة وتايلند والفلبين وكندا، وأكثر الإصابات بالمرض سجّلت في الصين. وهو مرض جديد لم يتمّ التعرّف على العامل المسبب له إلى يومنا هذا، كما أنّ طرق انتقال العدوى ما تزال مجهولة إلى الآن إلا أنه من المحتمل أن تكون إحدى طرق العدوى عن طريق الرذاذ والهواء من مفرزات المصابين. وللمرض أعراض أبرزها؛
حمى مرتفعة، السعال وصعوبة التنفس يتطور في بعض الحالات إلى التهاب رئوي شديد يحتاج المصاب فيها إلى تنفس اصطناعي، صداع، تيبّس عضلي، فقدان الشهية، ضعف عام، تشوّش ذهني، طفح جلدي، إسهال. نقلاً عن نشرة علمية صادرة عن اللجنة العلمية والثقافية / نقابة الأطباء الأردنيين / فرع الزرقاء.

ابحث عن موضوع