أحكام المعاملات المالية في ضوء الشريعة الإسلامية سرحان بن غزاي العتيبي

  

أحكام المعاملات 
المالية في ضوء الشريعة الإسلامية 

تأليف
سرحان بن غزاي العتيبي


((   المقدمة  ))
الحمد لله رب العالمين إله الأولين والآخرين وخالق الخلق ورازقهم أجمعين القائل في كتابه الحكيم {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(6) سورة هود والقائل{وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (60) سورة العنكبوت والصلاة والسلام على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً          أما بعد
فقد جعل الله سبحانه للرزق أسباباً حسية وشرع  للخلق تعاطيها ومنع من الاتكال على المكتوب مع ترك القيام بالأسباب الجالبة للرزق فإن المكتوب علمه عند الله ولن يأتي المخلوق بعد بذله للأسباب إلا المكتوب ، ولكن ترك بذل الأسباب سفه فإنه لو أخبر بعدوٍ في طريقه وأخبر بطريقٍ آخر يوصله إلى مراده ولا عدو فيه ثم سلك الطريق الذي فيه العدو بحجة الاعتماد على المكتوب لعدَّ سفيهاً مجنوناً ، وهكذا من قال رزقي على الله ثم يسر الله له أسباباً للرزق فتركها فإنه يعد سفيهاً مجنوناً قد سعى في إضاعة رزق الله الذي ساقه إليه ، بخلاف من جاءه رزق محرم كرباً وغيره فامتنع منه بحجة أن الرزق عند الله فهذا مأجور لأنها اسباب غير شرعية للرزق ، فتركه لها يدل على ثقةٍ بالله واعتمادٍ عليه بخلاف الأول فإنه متواكل لا متكل ومتكاسل ضعيف العلم بالله ومن هنا يعرف الفرق بين التوكل والاتكال في طلب الرزق .
وإن من الأسباب والوسائل التي يحصل بها الرزق ( المعاوضات المالية والتبادلات التجارية ) كالبيع والإجارة والهبة والقرض والوديعة والعارية وغيرها ولقد جاء ديننا متكاملاً فلم يغفل هذه الأمور بل جعل لها شروطاً وضوابطاً تلبي احتياجات الفرد وتمنع من هضم حق الآخر ولذلك عقدت العزم على تأليف كتابٍ يبين أحكام هذه الأمور وأسميته ( أحكام المعاملات المالية في ضوء الشريعة الإسلامية ) أسأل الله أن ينفع به وأن يجعله خالصاً لوجهه إنه جواد كريم .







الفصل الأول
أحكام البيع 

ويشتمل على :

تعريف البيع 
أركان البيع 
حكم البيع 
صيغ البيع
شروط البيع 
الشروط في البيع 
أحكام الخيار 




((  تعريف البيع  ))
البيع في اللغة : أخذ شيءٍ وإعطاء شيء مأخوذ من الباع لأن كل واحدٍ من المتبايعين يمد باعه للأخذ والإعطاء ، وهو بهذا يكون أعم من البيع اصطلاحاً فهو يشمل البيع والعارية والوديعة وغيرها فكل ما كان فيه أخذ وإعطاء فهو بيعٌ في اللغة .

اصطلاحاً : مبادلة مالٍ مباح النفع بلا حاجة بمثله ولو في الذمة على التأبيد سوى القرض .

شرح المعنى الاصطلاحي /
المراد بالمال هنا ليس النقود فقط بل جميع الأعيان المباحة النفع بلا حاجة كالذهب والفضة والتمر والبر والعقار والمراكب ونحوها .
وقولنا مباح النفع / يخرج ما كان نفعه محرماً كآلات اللهو والطرب والخمر والربا وغيرها ، ويخرج ما لا نفع فيه كالحشرات ونحوها لأن شراء ما لا نفع فيه إضاعة للمال وقد نهينا عن إضاعة المال .
وقولنا بلا حاجة / يخرج ما كان نفعه للحاجة ككلب الحراسة والماشية والصيد ، وما كان للضرورة كالميتة والخمر فلا يجوز بيعها .
وقولنا بمثله / أي بمالٍ اتصف بالصفات المتقدمة .
وقولنا ولو في الذمة / أي وإن كان المال آجلاً سواءً للآخذ أو المعطي أو كليهما .
وقولنا على التأبيد / احترازاً من الإجارة ونحوها فلا تسمى بيعاً لعدم التأبيد فيها .
وقولنا غير القرض / فلا يسمى بيعاً رغم وجود المبادلة ، ولذا لو بعتك ديناراً بدينارٍ مؤجل لم يجز ، لكن لو أقرضتك ديناراً على أن ترده إليَّ بعد أجل فجائز ، ففرق بين العقدين .
تنبيه / هذا التعريف مختصر من تعريف زاد المستقنع حيث قال ( هو مبادلة مالٍ ولو في الذمة أو منفعةٍ مباحة كممرٍ في دار بمثل أحدهما على التأبيد غير رباً وقرض ) لكنه ذكر في التعريف المنفعة المباحة ومثل لها رغم أن معنى المال يشملها ، وأعاد الاحتراز من الربا رغم احترازه منه بقوله أو منفعةٍ مباحة فإن الربا منفعة محرمة .


وقد ذكر في الروض مع الحاشية (4/327) أن البيع يتناول تسع صور نذكرها بتصرف:
1-عينٌ بعين / كهذا الكتاب بهذا الدينار .
2-عينٌ بدينٍ / كهذا الكتاب بدينارٍ في الذمة .
3-عين بمنفعة / كهذا الكتاب بممر في دار .
4-دينٌ بعينٍ / ككتاب موصوف في الذمة بهذا الدينار .
5-دينٌ بدينٍ / ككتابٍ موصوفٍ في الذمة بكتابٍ آخر موصوف في الذمة .
6-دين بمنفعة / ككتابٍ موصوفٍ في الذمة بممر في دار .
7-منفعةٌ بعين /  كممرٍ في دار بهذا الدينار .
8-منفعة بدين /كممرٍ في دار بدينارٍ مؤجل .
9-منفعة بمنفعة / كممرٍ في دار مقابل الانتفاع بسطح دار ونحوه .

((  أركان البيع  ))
أركان البيع ثلاثة :
1- العاقدان وهما البائع والمشتري فلا بد أن يكونا جائزي التصرف بمعنى أن يكونا بالغين عاقلين رشيدين غير محجورٍ عليهما .
2- المعقود عليه وهو المبيع وستأتي شروطه .
3- صيغ البيع وهي قولية وفعلية وتشمل الكتابة والمراسلة والاتصالات ونحوها فيصح بكل صيغةٍ دلت عليه مع تعارف الناس عليها .
مسألة : لا يصح البيع بالإشارة ممن ليس بأخرس وهو قول الجمهور وقال المالكية تصح إذا كانت مفهومة (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-( الفقه الميسر قسم المعاملات 1/21)




 ((  حكم البيع  ))
البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى (( وَأَحَلّ اللَّهُ البَيعَ )) سورة البقرة:275 وقال تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ))(29) سورة النساء وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقة بركة بيعهما ) متفق عليه وقد أجمع المسلمون على جوازه ، والحاجة داعية إليه لأن حاجة الإنسان قد تتعلق بما في يد غيره وهو لا يبذله غالباً إلا بعوض ، فاقتضت الحكمة جواز البيع للوصول إلى الغرض المطلوب .
وسواءً كان المبيع عقاراً  كالدور والأراضي والبساتين سميت بذلك لأنه لا يمكن نقلها فهي كالمعقورة التي لا تنتقل بنفسها ، أو كان حيواناً ويشمل بهيمة الأنعام وغيرها من الحيوانات الأهلية أو البرية ، أو كان أثاثاً كالفرش والمساند والأكسية والأطعمة والأواني ونحوها ، فالأصل فيها الحل إلا ما دل الدليل على تحريمه منها ، فمن قال : لا يجوز بيع كذا منها فعليه الدليل . 

والبيع عقدٌ لازم لأن العقود تنقسم إلى قسمين عقود لازمة ، وعقود جائزة :

فالعقد اللازم / هو الذي ليس لأحدٍ من الطرفين فسخه إلا برضا الطرف الآخر فإذا بعتك سلعة من السلع وحصل التفرّق من مكان التبايع لزم البيع ، ولم يجز الفسخ إلا برضا الطرف الآخر .

وأما العقد الجائز/ فهو الذي يجوز فيه لكلٍ من الطرفين الفسخ بدون رضا الطرف الآخر مثل الوكالة ، فإنه يجوز للموكل والوكيل فسخ الوكالة ولو بغير رضا الطرف الآخر . 

وهناك أنواع من العقود جائزة من وجه ولازمة من وجه آخر ، مثل الرهن فهو لازم في حق من عليه الحق فلا يفسخه ، وجائز عند من له الحق فله فسخه .



((   صيغ البيع  ))
البيع ينعقد بصيغتين :
1-الصيغة القولية عن طريق الإيجاب والقبول يقول البائع بعتك ويقول المشتري قبلت أو ما في معناهما من عبارات ولو عن طريق الاتصال بالهاتف أو الانترنت أو عبر الرسائل العادية أو الإلكترونية أو الفاكس أو نحو ذلك . 

2-الصيغة الفعلية وهي المعاطاة كأن أعطيك كتاباً وتعطيني الدراهم أو أعطيك الدراهم وتعطيني التذاكر مثلاً أو كآلات المرطبات ونحوها التي تضع فيها نقوداً وتخرج لك ما تطلبه منها .

تنبيه / المشهور عند الشافعية أن البيع لا يصح إلا بالقول و لا يصح بالفعل قياساً على النكاح  ، ولكن هذا مرجوح ، فكل ما دل على البيع من قول أو فعل يصح به البيع ، لأن الشارع أطلق لفظ البيع وكل ما كان مطلقاً في الشرع فمرده إلى العرف فما تعارف الناس على كونه بيعاً وليس فيه محذور من جهة الشرع فهو بيع ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : تصح العقود بكلِّ ما دلّ على مقصودها من قولٍ أو فعل . انتهى . ولا يقاس البيع على النكاح للفارق بينهما .

ويستحب الإشهاد على البيع لقوله تعالى (( وأشهدوا إذا تبايعتم )) لأنه أقطع للنزاع وأبعد عن التجاحد وخاصةً في الأشياء العظيمة وأما القليلة فلا يستحب وهو قول الشافعية والحنفية وإسحاق وأيوب ، وقيل بل هو فرض لا يجوز تركه روى عن بن عباس وهو قول جابر وعطاء وغيرهم (1)

ــــــــــــــــــــ
1-( الفقه الميسر قسم المعاملات 1/19)





((  شروط البيع  ))

الشرط لغة / العلامة ومنه قوله تعالى{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا} (1) أي علاماتها الدالة على قربها .

اصطلاحاً / ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود . فالوضوء شرط لصحة الصلاة فيلزم من عدمه عدم صحة الصلاة ، ولا يلزم من وجوده وجود الصلاة .

وشروط البيع هي التي يتوقف عليها صحة البيع وهي سبعة شروط :

الشرط الأول / أن يكون المبيع مملوكاً للبائع وقت العقد أو مأذوناً له فيه كالوكيل والوصي والولي لليتيم والسفيه والمجنون إذا تاجر لمصلحتهم قال تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (2) ويدل لهذا الشرط قول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام ( لا تبع ما ليس عندك ) (3) قال الوزير: اتفقوا على أنه لا يجوز بيع ما ليس عنده ولا في ملكه (4 ) فلا يجوز للإنسان أن يبيع شيئاً لا يملكه ، وبهذا نعرف أن ما يحصل في بعض الشركات والمؤسسات والبنوك من بيع سلع لا يملكونها أن هذا لا يجوز ، فمن أراد أن يشتري شيئاً بالتقسيط مثلاً من شركةٍ أو مؤسسةٍ أو بنكٍ أو غير ذلك فلا بد أن يتأكد أنهم يمتلكون هذه السلعة التي يريدون بيعها .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- (18) سورة محمد
2- (34) سورة الإسراء
3- رواه أصحاب السنن وغيرهم وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 2867 )
4- ( الملخص الفقهي 2/9)




( حكم بيع الفضولي )
إذا باع الإنسان ملك غيره بغير إذنه فهذا يسمى بيع الفضولي أو اشترى لغيره بغير إذنه فيسمى شراء الفضولي ، كأن يعلم أن صاحبه يرغب في بيع سيارته مثلاً ، ثم إن صاحبه غاب فجاء شخص يبحث عن مثل هذه السيارة ، فباعها له بخمسين ألفاً ، ورضي صاحب السيارة ، فهذا يسمى عند الفقهاء ( بيع الفضولي ) .

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول / أنه لا يجوز وهو مذهب الشافعية في الجديد والحنابلة في رواية وأبي ثور وابن المنذر (1) لأنه قد باع ما لا يملك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه عندما أخبره أنه يبيع الشيء وليس عنده ثم يمضي فيشتريه ويسلمه ( لا تبع ما ليس عندك ) (2) أي ما لا تملك ، ولأنه باعه ما لا يقدر على تسليمه لاحتمال عدم رضا المالك .
  
والقول الثاني / أنه يجوز إذا أجاز المالك وهو مذهب مالك والشافعي في القديم ورواية عن أحمد  (3 )  وهذا القول هو الراجح ويدل له ما جاء في صحيح البخاري عن عروة بن الجعد البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً ليشتري له به شاةً فذهب واشترى بهذا الدينار شاتين وباع إحدى الشاتين بدينار وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشاةٍ ودينار فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( بارك الله لك في صفقة يمينك ) فكان عروة لو اشترى تراباً لربح فيه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
ووجه الدلالة من القصة أن عروة اشترى بالدينار شاتين فأصبحت الشاتان ملك النبي صلى الله عليه و سلم ومع ذلك تصرف وباع إحدى الشاتين بدينار وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم فدلَّ ذلك على صحة تصرف الفضولي لكن بإجازة المالك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ( منهاج الطالبين للنووي ص 211 ) ( المغني 6/295 )
2- تقدم تخريجه ص8
3- ( منهاج الطالبين للنووي ص 211 ) ( المغني 6/295 )



ولا يجوز للفضولي أخذ الزيادة لأن المال كله لصاحبه إلا أن يقول له مثلاً بع هذه السلعة بعشرة فما زاد فهو لك . أو يخبره فيقول أنت قلت لي أن أبيعها بكذا وأنا بعتها لك بزيادة فإن رضي بإعطائه الزيادة وإلا لا يجوز له أن يأخذ الزيادة . ومطلوب في أبواب التعامل بين الناس الصدق والبيان والوضوح وهذا من أعظم أسباب حلول البركة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ) متفق عليه

فائدة / في حديث عروة دليل على عدم تحديد الربح لكن يراعى العرف فما عدّه الناس غشاً و غبناً فلا يجوز .


الشرط الثاني من شروط البيع / أن يكون المعقود عليه مباح النفع من غير حاجة .
فلا يجوز بيع ما يلي :
1- ما لا نفع فيه كالحشرات التي لا فائدة فيها كالحيات والعقارب والخنافس ونحوها لأنه إضاعة للمال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ، ولأنه نوع من العبث ، فإن كان فيها منفعة كدودة القز التي تنتج الحرير أو النحلة المنتجة للعسل جاز بيعها . 
2- ما نفعه محرم لعينه كالخمر والميتة وآلات اللهو والطرب والأغاني ونحو ذلك لما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة ( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ) فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ فقال ( لا ، هو حرام ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ( قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه ) متفق عليه . 
3- ما كان نفعه محرماً لما يترتب عليه كالنجش وتلقي الجلب والبيع على بيع المسلم والشراء على شراءه لما يترتب على ذلك من القطيعة والخصومات بين المسلمين ، وكبيع السلاح في الفتنة ولقطاع الطريق وبيع العنب لمن يتخذه خمراً لأن في ذلك إعانة على فعل المنكر .

( حكم اقتناء الكلب وحكم قتله )

لا يجوز اقتناء الكلب إلا في أمرين : الصيد أو الحراسة للماشية أو للزرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط ) (1)   وعن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من اقتنى كلباً ، لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً ، نقص من عمله كل يوم قيراط ) (2) وقال صلى الله عليه وسلم ( لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم وما من أهل بيت يرتبطون كلباً إلا نقص من عملهم كل يوم قيراط إلا كلب صيد أو كلب حرث أو كلب غنم )(3) وفي رواية ( قيراطان ) 

وقاس بعض العلماء المعاصرين ما إذا كان هناك نفع ظاهر ، مثل ما يسمى الآن بالكلاب البوليسية التي يُستفاد منها مثلا في الكشف عن المخدرات ونحو ذلك ، أما اقتناء الكلب لغير هذه الأمور فلا يجوز ، وقد جاء تفسير القيراطين في حديث الجنائز بأن كل قيراط مثل جبل أحد ونجد بعض الناس مع الأسف يتساهلون في هذه المسألة ويقلدون الكفار من النصارى وغيرهم في اقتناء الكلاب مع أن ظاهر الحديث يدل على أن هذا من الكبائر . 

ولا يجوز قتل الكلاب إلا الكلب العادي المؤذي فهذا يُقتل لأنه بمثابة الصائل والكلب الأسود البهيم لأنه شيطان فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب. حتى أن المرأة تقدم من البادية بكلبها فتقتله. ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها. وقال ( عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين ، فإنه شيطان ) (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- متفق عليه
2- متفق عليه
3- رواه أحمد والترمذي والنسائي وبن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 5321 )
4- رواه مسلم



((  حكم بيع وشراء الكلاب  ))
اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول / لا يجوز بيعه ولا شراؤه مطلقاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن ثمن الكلب ) متفق عليه ولمسلم ( شر كسب: مهر البغي وثمن الكلب ) وله أيضاً ( ثمن الكلب خبيث ) وفي الصحيحين ( لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلبٌ ولا صورة ) وهو مذهب الشافعية والحنابلة وهو المشهور عند المالكية .
القول الثاني / الجواز مطلقاً وهو مذهب الحنفية .
القول الثالث / جواز بيع وشراء الكلب المأذون باتخاذه وهو كلب الصيد والماشية والزرع وهو قول بعض المالكية واحتجوا بما رواه النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب صيد ) ولكن قد قال النسائي هذا منكر وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن ثمن الكلب إلا كلب صيد ) قال الترمذي : هذا حديث لا يصح من هذا الوجه وأبو المهزم اسمه يزيد بن سفيان وتكلم فيه شعبة بن الحجاج وضعفه وقد روي عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولا يصح إسناده أيضاً . انتهى كلامه . وقال في المغني : قال أحمد هذا من الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف . وقال الدار قطني : الصحيح أنه موقوف على جابر وذكر كلام الترمذي . قلت : وقد روى مسلم هذا الحديث دون قوله إلا كلب صيد فدل على كون هذه الزيادة ضعيفة عنده .

مسألة : قال بن قدامة : ولا تجوز إجارته نص عليه أحمد وهو قول بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم يجوز لأنه منفعة مباحة فجازت المعاوضة عنها كنفع الحمير ولنا أنه حيوان محرم بيعه لخبثه فحرمت إجارته كالخنزير وقياسهم ينتقض بضرب الفحل فإنها منفعة مباحة ولا يجوز إجارتها ولأن إباحة الانتفاع لم تبح بيعه فكذلك إجارته ولأن منفعته لا تضمن في الغصب فإنه لو غصبه غاصب مدة لم يلزمه لذلك عوض فلم يجز أخذ العوض عنها في الإجارة كنفع الخنزير. انتهى ( المغني ص354 ) وتصح الوصية به وهبته لعدم العوض فيها ، وَيُحْرَمُ قَتْلُ الـمُنْتَفَعِ به منها ولا يجب العوض على القاتل . 


مسألة / ما عدى الكلاب من السباع على قسمين :
الأول / ما يمكن الانتفاع بها وتعليمها الصيد والحراسة ونحو ذلك فيجوز بيعها كاللبوة وهي أنثى الأسد والفهد والصقر والعقاب ونحوها ، لأن الأصل في المبيعات الحل إلا ما دل الدليل على تحريمه منها ولا دليل فيما نعلم على تحريم هذه الأشياء . 
الثاني /  ما لا يمكن الانتفاع به كالأسد والنمر والذئب والحدأة والغراب ونحوها فلا يجوز بيعها لأن في ذلك إضاعةً للمال وقد نهينا عن إضاعة المال .

تنبيه : يشترط في المنفعة أن تكون صحيحة عرفاً وظاهرةً ليست خفية ولا نادرة الوقوع مثل اتخاذ السباع في الألعاب والتفرجة واتخاذ الملوك لها لإخافة الرعية ونحو ذلك فكل ذلك ليست منفعةً صحيحة يباح بيعها وشرائها لأجلها . إنما المنفعة المعروفة الصيد والحراسة للمال لا للنفس .  

الشرط الثالث من شروط البيع / أن يكون المبيع معلومًا برؤية أو صفة .
فلا يجوز بيع المجهول كالحمل في البطن مثلاً لأننا لا ندري هل يخرج حيًّا أو ميتاً ؟ وهل يكون واحدًا أم اثنين؟ ولا بيع المعدوم كبيع ما تنتجه الشجرة من ثمر لأنا لا ندري هل تنتج شيئاً أو لا ؟ وما مقدار ما تنتجه ؟ وكذلك لا يجوز بيع غير المعين كعبدٍ من عبيدة أو شاةٍ من قطيعه ، ولا يجوز بيع الحصاة وهي أن يقول ارمي هذه الحصاة فعلى أي شيءٍ وقعت فهو لك بكذا ، ولا الملامسة وهو أن يقول أي ثوبٍ لمسته فهو لك بكذا ، ولا المنابذة كأن يقول أي ثوبٍ نبذته أي طرحته فهو لك بكذا ، فكل هذا لا يجوز للجهالة والغرر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر . رواه مسلم  

لكن يصح البيع برؤيةٍ أو بصفةٍ منضبطةٍ لعدم الجهالة والغرر . 
فمثال الرؤية / أبيعك هذه السيارة التي تراها أمامك بكذا ، فيجوز .
ومثال الوصف المنضبط / أبيعك سيارةً نوعها كذا وموديلها كذا ولونها كذا ، بذكر الأوصاف التي يختلف بها الثمن فإذا تم العقد ورأى المشتري السلعة على تلك المواصفات فالبيع في حقه لازم أما إذا اختلف أحد الأوصاف التي يختلف بها الثمن ظاهراً فله الخيار في إتمام البيع أو فسخه.
الشرط الرابع من شروط البيع  / أن يكون المعقود عليه مقدورًا على تسليمه . فإن كان غير مقدورٍ على تسليمه لم يصح البيع ، كبيع العبد الآبق ، والجمل الشارد ، والسمك في البحر ، والطير في الجو ، فكل ذلك لا يجوز للجهالة والغرر ، ولا يصح بيع المغصوب إلا لغاصبه أو من يقدر على أخذه منه ، وكون المشتري يقول أنا وحظي إن استطعت أن أحصل عليه وإلا فأنا راضٍ . فهذا لا يبرر الجواز .

الشرط الخامس / الرضا من المتعاقدين ، لقول الله تعالى (( إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ )) (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما البيع عن تراضٍ ) (2) فلا يجوز بيع المُكْره ، ولكن إذا كان الإكراه بحقٍ فيجوز ، كبيع مال المحجور عليه لأجل مصلحة الغرماء .

الشرط السادس / أن يكون العاقد ( وهو البائع والمشتري ) جائز التصرف . ومعنى جائز التصرف أن يكون حراً مكلفاً رشيداً ، فبيع الرقيق لا يصح إلا بإذن سيده ، وبيع الصبي وهو من جاوز السابعة ، والسفيه وهو الذي لا يعرف مصلحة نفسه ، فلا يصح بيعهما إلا بإذن وليهما . وأما المجنون والطفل فلا يصح بيعهم مطلقاً ، وأجاز بعض العلماء بيع الشيء اليسير من الطفل لما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه اشترى من صبيٍ عصفوراً وأطلقه . أي من طفل . والشافعية لا يرون جواز بيع الصبي ولو أذن له وليه . قال النووي : مذهبنا أنه لا يصح سواءً أذن له الولي أم لا , وبه قال أبو ثور . وقال الثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق : يصح بيعه وشراؤه بإذن وليه . وعن أبي حنيفة رواية أنه يجوز بغير إذنه ويقف على إجازة الولي . (3) قالوا : لأن العقل يتزايد تزايداً خفياً ولا يمكن معرفة الحد الذي يصلح به التصرف , فجعل الشارع له ضابطاً وهو البلوغ , فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود البلوغ . ويرد عليهم بأن الله قد قال {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (4) أي اختبروهم لتعلموا رشدهم . وإنما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء ليعلم هل يُغبن أو لا . وقولهم : إن العقل لا يمكن الاطلاع عليه . قلنا : يعلم ذلك بجريان تصرفاته على وفق المصلحة . (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- [النساء: 29]
2- رواه بن ماجة والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 5029 )
3- ( انتهى من المجموع 9/185 نقلاً منه بواسطة موقع الإسلام سؤال وجواب)
4- (6) سورة النساء
5- ( انظر المغني 4/168 موقع الإسلام سؤال وجواب )

الشرط السابع / أن يكون الثمن معلوماً .
لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر . (1 ) والغرر يكون في الثمن والمثمن وينتج عنه الجهالة فيهما ، لكن قال الشيخ سعد الخثلان : الجهالة التي تؤول للعلم يجوز البيع بها فيقول بعت أو اشتريت بما يصل إليه السوم ، قال : وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- رواه مسلم



















(( الشروط في البيع ))
الشرط في البيع / هو إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة .
ولا يصح عند الحنابلة إلا إذا كان في صلب العقد ، وأما إن كان قبله أو بعده فلا يصح إلا في زمن الخيارين : خيار المجلس وخيار الشرط . وقال المالكية يصح إن كان قبله ورجحه العثيمين ( الشرح الممتع 8/224 ) ومثاله أن يقول : بعني بيتك . فيقول أبيعك بشرط أن أبقى فيه عاماً فيفترقا ثم يأتيه من الغد فيقول هل بعتني بيتك فيقول نعم فعند الحنابلة يسقط الشرط وهو اشتراط السكنى لمدة عام وعند المالكية لا يسقط وهو الراجح لأنه لم يبعه إلا بعد أن بيّن له أنه يريد سكناه لمدة عام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( المسلمون على شروطهم ) رواه أبو داود وصححه الألباني .  ولأن البائع لم يرضى بالبيع إلا مقترناً بهذا الشرط والرضى من شروط البيع التي يتوقف عليها صحة البيع .

والشروط في البيع قسمان : شروط صحيحة وشروط فاسدة .
فالشروط الصحيحة هي التي لا تخالف مقتضى العقد ، فهذه يلزم العمل بموجبها حين الموافقة عليها لحديث ( المسلمون على شروطهم ) وهي ثلاثة أنواع :
1-شرطٌ من مقتضى العقد كأن يشترط البائع استلام المبلغ نقداً حالَّاً ، أو يشترط المشتري استلام البضاعة حالَّاً ، أو يشترط وجود صكٍ للأرض مثلاً ، فكل هذا من مقتضيات العقد ، لكن لزيادة استيثاق البائع أو المشتري يشترط مثل هذه الشروط لاحتمال وجود عرفٍ في البلد يمنع من استلام البضاعة مباشرة كأن تبقى السيارة في المعرض يومين أو ثلاثة أو لا يفرغ الأرض أو البيت المباع إلا بعد مضي شهر مثلاً ، فإن كان بقاء السيارة في المعرض بأمرٍ من ولي الأمر أو من ينوب عنه كالمرور لحين استكمال نقل الملكية فيجب طاعة ولي الأمر ونائبه .

2- شرطٌ لمصلحة العقد كاشتراط التوثيق بالرهن أو الضامن وهذا لمصلحة البائع ، وكاشتراط تأجيل الثمن أو بعضه إلى مدةٍ معلومة أو اشتراط صفةٍ معينةٍ في المبيع ككونه من النوع الفلاني أو من صناعة الدولة الفلانية وهذا لمصلحة المشتري ، وله الفسخ مع تخلف الصفة المشترطة أو الإمساك مع التعويض عن فقد الصفة فيقوَّم المبيع مع تقدير وجود الصفة ويقوم مع فقدها ويدفع له الفرق .

3-شرط لمصلحة المتعاقدين كاشتراط أحد المتعاقدين بذل منفعةٍ مباحة في المبيع كأن يشترط البائع سكنى الدار المبيعة مدةً معينة أو أن تحمله الدابة المبيعة إلى موضعٍ معين فعن جابر رضي الله عنه أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة . متفق عليه أو يشترط المشتري كون ثمر النخل المؤبر له أو مال العبد الموجود معه حين البيع له لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ، ومن ابتاع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ) رواه مسلم أو يشترط المشتري توصيل البضاعة إلى موضعٍ معلوم كأن يشتري طعاماً ويشترط على المطعم توصيله إلى البيت أو يشتري ثوباً ويشترط على البائع خياطته ونحو ذلك ( الملخص الفقهي 2/15) 

تنبيه : ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ( شرطان في بيع ) وورد النهي عن ( شرطٍ وبيع ) ولكنه ضعيف والأول صحيح  وقد اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال :

ومحل النزاع فيما ليس من مقتضيات العقد أو من مصلحته ، فإن كان من مقتضيات العقد كأن يشترط التقابض وخيار المجلس أو من مصلحة العقد كأن يشترط الضامن والشهود والرهن ونحو ذلك أو يشترط صفةً في المبيع ككون العبد كاتباً والأمة بكراً ونحو ذلك فهو جائز بلا خلاف .
إنما الخلاف في اشتراط نفعٍ في المبيع كسكنى الدار وحملان الدابة وخياطة الثوب ونحو ذلك .

القول الأول /  للجمهور لا يحل أن يجمع بين عقد وشرط كأن يشترط البائع سكنى الدار المبيعة أو يشترط المشتري للحطب تكسيره أو حمله لحديث النهي عن بيعٍ وشرط . رواه الطبراني في المعجم وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة إلا أن مالكاً استثنى حملان الدابة إلى الموضع القريب لحديث جابر أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة . والبقية على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينفع جابراً بالهبة فاتخذ بيع الجمل ذريعةً إلى ذلك بدليل قوله ( أتراني ماكستك لآخذ جملك ) وأيضاً اختلاف الرواة في حديث جابر يمنع الاحتجاج به في هذا الموضع ففي بعض ألفاظه ( بعته واشترطت حملانه إلى أهلي ) وفى لفظ ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاره ظهره إلى المدينة ) . 

القول الثاني / أنه لا يصح اشتراط شرطين كأن يشترط المشتري للحطب تكسيره وحمله . ويجوز الشرط الواحد لحديث جابر ولضعف حديث النهي عنه وهو قول الأوزاعي وإسحاق والمشهور عند الحنابلة واختاره بن المنذر .

القول الثالث / أن المراد النهي عن الشروط المحرمة ولذلك يصح اشتراط شرطين وأكثر ما لم تكن محرمة وهو رواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام بن تيمية وبن القيم والسعدي والعثيمين والبسام لأنه لا يخالف مقتضى العقد وليس في كتاب الله ما يبطله وأما حديث ( النهي عن بيع وشرط ) فلا يصح وأما حديث النهي ( عن شرطان في بيع ) فيحمل على حديث النهي عن بيعتين في بيعة . قال العثيمين : الصحيح جواز الجمع بين شرطين بل بين ثلاثة شروط وأربعة شروط حسب ما يتفقان عليه ، والحديث لا يدل على هذا بوجهٍ من الوجوه وإنما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ولا شرطان في بيع ) الشرطان اللذان يلزم منهما محذور شرعي ...كالجهل والظلم والربا وما أشبه ذلك . ( الشرح الممتع 8/235 )

الراجح / القول الثالث لقوله تعالى (( يأيها الذين امنوا أوفوا بالعقود )) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ( المسلمون على شروطهم ) وأما حديث ( لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع ) فاختلف فيه فقيل المراد به بيع العينة ، وقيل هي الشروط المحرمة ، وقيل يحمل على حديث النهي عن بيعتان في بيعة لأنه قد ورد عند أحمد بهذا اللفظ ، وحينئذٍ يكون من المتشابه فلا يُرَدُ به ما ثبت في الكتاب والسنة من أن الأصل في المعاملات الحل فيستصحب هذا الأصل حتى يرد دليل صحيح صريح يعارض هذا الأصل فيعمل بالدليل .


وأما الشروط الفاسدة فهي التي تخالف مقتضى العقد وهي على أنواع :
1-شرطٌ فاسد ويفسد العقد ، كاشتراط عقدٍ آخر كأن يقول بعتك هذه السلعة بشرط أن تقرضني أو بشرط أن تؤجرني أو تبيعني دارك أو نحو ذلك فهذا شرطٌ فاسد ويفسد العقد لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة ، أي عقدين ، والنهي يقتضي الفساد . وهذا هو المذهب عند الحنابلة . وقيل إن معنى الحديث بيع العينة فقط لحديث ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) أخرجه أبو داود والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 6116 )  فيحمل المطلق هناك على المقيد هنا ومثاله أن يبيعه سيارة بسبعين ألف إلى أجل ثم يشتريها منه بخمسين ألف حاضرة فهذا بيع العينة ولا يجوز إلا أن يكون بنفس السعر أو أقل لأن معنى ( أوكسهما ) أي أقلهما . وعلى القول بأنه بيع العينة فقط فيجوز أن تعقد مع البيع عقداً آخر كالإجارة والنكاح ونحو ذلك من العقود ما لم يرد نصٌ في تحريم الجمع بينهما ، فتقول أبيعك داري بثمن كذا على أن تؤجرني دارك مدة كذا وكذا أو أن تنكحني ابنتك ونحو ذلك . وهذا قول بعض المالكية ( انظر الفقه الميسر قسم المعاملات 1/18) ورجحه العثيمين ما لم يكن العقد الآخر قرضاً ينتفع به أو حيلةً على الربا ( الشرح الممتع 8/ 239 )

2-شرطٌ فاسد لكن لا يفسد العقد كأن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع السلعة أو يشترط المشتري أنه إذا لم يربح ردها ونحو ذلك لحديث ( كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ) متفق عليه ودليل عدم فساد العقد قصة بريرة في هذا الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل الشرط ولم يبطل العقد . 
والقصة في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : جاءت بريرة فقالت إني كاتبت على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك فعلت ويكون ولاؤك لي فذهبت إلى أهلها فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها وأعتقيها ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( أما بعد ، فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط فقضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق ) متفق عليه  فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء للمعتق وهو هنا المشتري فليس للبائع أن يشترط الولاء ، لأن الولاء يتبع العتق وليس البيع .

مسألة / إن علق البيع بشرط نحو إن جئتني بكذا بعتك كذا أو إن رضي فلان أو نحو ذلك فسد البيع والشرط في مذهب الحنابلة لأن مقتضى البيع نقل الملكية والشرط هنا يمنعه ، وفي رواية : الجواز ما لم يخالف الشرع اختارها بن تيمية . ( الفقه الميسر قسم المعاملات 1/19)


((  الفرق بين شروط البيع والشروط في البيع  ))
1- أن شروط البيع من وضع الشارع وأما الشروط في البيع فمن وضع المتعاقدين .
2- أن شروط البيع كلها صحيحة وأما الشروط في البيع فمنها الصحيح ومنها الباطل .
3- أن شروط البيع لا تسقط بحال وأما الشروط في البيع فيحق للمشترط إسقاطها إن شاء .
4-أن شروط البيع يتوقف عليها صحة البيع ، وأما الشروط في البيع فيتوقف عليها لزوم البيع فالبيع صحيح لكن ليس بلازم فللمشترط إذا لم يوف له بشرطه الخيار في إمضاء البيع أو فسخه . 

وهذه الفروق بين شروط الشيء والشروط فيه تكون في النكاح وفي سائر العقود .

















(( أحكام الخيار ))
الخيار في البيع / هو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه .
وأنواع الخيار سبعة هي كالتالي  :
النوع الأول / خيار المجلس
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( البيعان بالخيار مالم يتفرقا ) متفق عليه أي من مكان التبايع وعبر العلماء عن مكان التبايع بالمجلس اختصاراً فيثبت لكل من المتبايعين الخيار ماداما باقيين في مكان التبايع لأن العقد قد يقع بغتةً فربما حصل ضرر لكون البيع والشراء يتكرر في حياة الناس فيحتاج الناس إلي شيء من الفرصة للتروي والتفكير والتأمل فهذه الفرصة هي خيار المجلس فلكل منهما الخيار في إمضاء ذلك البيع أو فسخه مالم يتفرقا بأبدانهما.

وأنكر إبراهيم النخعي والحنفية والمالكية إلا بن حبيب خيار المجلس وقال بعضهم المقصود به التفرق بالأقوال وليس بالأبدان ، ولكن قولهم ضعيف لمخالفته للحديث المتقدم ولحديث ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً أو يخيِّر أحدهما الآخر فإن خيَّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) متفق عليه ولو كان التفرق بمجرد القول لم يكن ثمة حاجة لأن يخير أحدهما الآخر في إمضاء البيع أو تركه بعد العقد ، ولأن المتبادر من إطلاق لفظ التفرق هو بالأبدان وهذا هو الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم وثبت عملهم به . ( الفقه الميسر1/65)  كابن عمر وأبي برزة الأسلمي رضي الله عنهما ( فتح الباري لابن حجر 4/330 ) قال النووي : هذا الحديث دليل لثبوت خيار المجلس لكل واحدٍ من المتبايعين بعد انعقاد البيع حتى يتفرقا من ذلك المجلس بأبدانهما وبهذا قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وممن قال به علي بن أبي طالب وبن عمر وبن عباس وأبو هريرة وأبو برزة الأسلمي وطاووس وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح القاضي والحسن البصري والشعبي والزهري والأوزاعي وبن أبي ذئب وسفيان بن عيينة والشافعي وبن المبارك وعلى بن المديني وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد والبخاري وسائر المحدثين وآخرون ، وقال أبو حنيفة ومالك لا يثبت خيار المجلس بل يلزم البيع بنفس الايجاب والقبول وبه قال ربيعة وحكي عن النخعي وهو رواية عن الثوري وهذه الأحاديث الصحيحة ترد على هؤلاء وليس لهم عنها جواب صحيح والصواب ثبوته كما قاله الجمهور . ( شرح مسلم 10/ 173 ) 
والضابط في التفرق العرف فما عده الناس تفرقاً كان كذلك وهذا يختلف باختلاف المكان والزمان والأحوال ومن ذلك مثلاً إذا كانا في غرفةٍ فيحصل التفرق بمجرد خروج أحدهما منها ، وإذا كانا في مكان واسع كصحراء أو سوق أو نحو ذلك فبأن يمشي أحدهما خطوات مستدبراً الآخر ، وفي حالة الشراء بالهاتف أو النت فيحصل التفرق عند انقطاع الاتصال بينهما باختيارهما لا إن انقطع بغير اختيارٍ منهما ، ولا ينبغي أن يستعجل في المفارقة بقصد إسقاط الخيار لحديث ( ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله ) رواه أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 6672 )
فإذا حصل التفرق بعد تمام البيع لزم ، ولكن يستحب لمن طلب منه صاحبه إرجاع المبيع سواءً البائع أو المشتري أن يقبل ذلك لقول النبي صلي الله عليه وسلم ( من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته ) رواه أبوداود وبن ماجة وبن حبان والحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ( 1758 ) ولا يلزمه . 
وتجوز الإقالة على عوضٍ وهي أن يقوم البائع برد السلعة مقابل دفع تعويضٍ أو غرامةٍ ذكر ذلك الحافظ ابن رجب وغيره والمشهور من مذهب الحنابلة عدم الجواز والصحيح الأول لأنه ليس فيها ربا ولا جهالة ولا غرر والأصل في المعاملات الحل إلا بدليلٍ على التحريم ولا دليل هنا ، ثم هي من قبيل الصلح ، والصلح جائزٌ بين المسلمين إلا صلحاً يحل حراماً أو يحرم حلالاً وليس هذا منه ، ويمكن قياسها على العربون فإنه إن دفع المشتري عربوناً للبائع ثم لم يستمر في البيع فإن هذا العربون يذهب علي المشتري نظير عدم استمراره فيه فمثله الإقالة بعوض .

مسألة / إن اتفقا علي إسقاط خيار المجلس جاز ذلك وسقط لحديث بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً أو يخيِّر أحدهما الآخر فإن خيَّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) متفق عليه





النوع الثاني / خيار الشرط
ومعناه أن يشترطا الخيار إما لهما جميعاً أو لأحدهما مدة معلومة وإن طالت كأن يقول بعتك هذه السيارة بشرط أن لي الخيار لمدة أسبوع أو يقول المشتري اشتريت هذه السيارة بشرط أن لي الخيار لمدة شهر فهذا جائز ودليله قول النبي صلي الله عليه وسلم ( المسلمون علي شروطهم ) رواه أبو داود وصححه الألباني في إرواء الغليل حديث رقم ( 1303 ) وقوله ( كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل ) متفق عليه فيفهم بالمخالفة أن كل شرط في كتاب الله فهو صحيح ، وفي كتاب الله أن الأصل في المعاملات الحل إلا بدليل على المنع ولا دليل على المنع من اشتراط الخيار .  
وينبغي أن يكون في وقت العقد أو في وقت خيار المجلس فلا يصح قبل العقد ولا بعد التفرق من المجلس وهذا مذهب الحنابلة ورجح العثيمين جواز ذلك لأن الخيار من حق المتبايعين فيعقداه متى شاءا ما لم يرد دليل على المنع ويقاس على النكاح فكما يجوز تقديم الشروط على عقد النكاح فما الذي يمنع من تقديمها على عقد البيع . ( الممتع 8/272 )
ولا بد من تحديد مدةٍ لخيار الشرط ولو طويلة ، وأما إذا لم يحددا مدةً معينة فذهب بعض أهل العلم وهو رواية عن الإمام أحمد إلى أن الخيار في هذه الحال يثبت ثلاثة أيام لحديث حبان بن منقذ رضي الله عنه : أنه كان رجلاً يُخدع في البيوع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا بايعت فقل : لا خلابة ، ثم أنت بالخيار في كل سلعةٍ ابتعتها ثلاث ليال فإن رضيت فأمسك وإلا فارددها على صاحبها ) رواه بن ماجة والبيهقي وحسنه الألباني في بن ماجه حديث رقم ( 1907 ) وأصله في الصحيحين وغيرهما بدون تحديد مدة الخيار ومعنى لا خلابة أي لا خديعة . 
وليس لهما التصرف في المبيع إذا كان خيار الشرط لهما جميعًا لأن البائع لم تنقطع علاقته بالسلعة ويحتمل أن يعود والمشتري لم يملك هذه السلعة ملكًا تامًا ويحتمل أن يردها ، ولكن تصرف المشتري في المبيع بقصد تجربة المبيع جائز والممنوع التصرف الناقل للملكية فلو جرَّب عَدْوَ الفَرَسِ وامتثاله للأمر وحلب الناقة ونحو ذلك جاز ، وإذا كان خيار الشرط للمشتري فقط فله التصرف في السلعة وتصرفه فيها يبطل الخيار كعتق العبد وبيع السيارة وإهداء الدابة ونحو ذلك ، ومثله إذا كان خيار الشرط للبائع وحده دون المشتري فللبائع التصرف في السلعة ولو كانت عند المشتري فله بيعها على آخر واسترجاعها من المشتري بموجب الشرط ، وقال الحنابلة : لا يصح تصرف البائع ولكن القول الصحيح أن البائع كالمشتري .

والغلة والنماء المنفصل للمشتري ففي حديث عائشة رضي الله عنها  أن رجلاً ابتاع غلامًا فأقام عنده مدة ثم رده لعيبٍ وجده فيه فأتى النبي صلي الله عليه وسلم  فرده بمقتضى هذا العيب فقال البائع: يا رسول الله لقد استغل غلامي فقال النبي صلي الله عليه وسلم ( الخراج بالضمان ) رواه أبو داود وبن ماجة وحسنه الألباني لغيره وقال في الإرواء يتقوى بالطريق التي قبله لا سيما وقد تلقاه العلماء بالقبول . ومعنى ( الخراج بالضمان ) أي الغلة التي تحصل والنماء الذي يحصل مقابل الضمان كما أن هذه السلعة لو تلفت فضمانها علي هذا المشتري فينبغي أيضًا أن يكون الربح له لأن هذا هو العدل ، وأما النماء المتصل كَسِمَنِ الدابة فاختلف العلماء فيه والمشهور من مذهب أحمد أنه للبائع ولكن رجح العثيمين أنه للمشتري كالمنفصل لحديث ( الخراج بالضمان ) ولا فرق بين النماء المتصل والمنفصل وفي هذه الحالة ننظر كم قيمة مثلا ًهذا الحيوان وقت أبرام العقد وكم قيمته بعد السمن فالفرق يكون للمشتري .( الشرح الممتع 10/270 )

واختلف العلماء في خيار الشرط هل يورث أو لا ؟ فمذهب الحنفية أنه لا يورث مطلقاً وقال الحنابلة إنه لا يورث إلا إذا كان قد طالب به قبل موته فيقوم ورثته مقامه ويورث كالشفعة وحد القذف والقول الثالث وهو مذهب المالكية والشافعية أنه يورث مطلقاً وهذا الذي رجحه الخثلان وذلك لأن خيار الشرط حق للميت والوارث يرث جميع الحقوق التي له والله تعالى يقول في آية المواريث ((...مِّمَّا تَرَكَ... ))[النساء:7] فيشمل كل ما ترك من أعيان ومن منافع أو حقوق وخيار الشرط حق من الحقوق فيدخل في الآية الكريمة فيقوم الوارث مقامه في خيار الشرط . 









النوع الثالث / خيار العيب
والعيب ضد السلامة ، فإذا وجد المشتري عيباً فيما اشتراه فيثبت له الخيار فله أن يرد هذه السلعة بمقتضى هذا العيب أو يأخذ أرش العيب أي الفرق ما بين قيمة المبيع صحيحاً وبين قيمته معيباً والقول بالإرش من مفردات المذهب عند الحنابلة كما في الإنصاف وغيره ومعني مفردات المذهب يعني المذاهب الأخرى علي خلافه فالجمهور على أن المشتري ليس له الإرش وإنما هو مخير بين الإمساك أو الرد . 
والضابط للعيب الذي يثبت به الخيار نقصان قيمة المبيع به عادةً في عرف التجار ، أما مالا يُنقِص قيمة المبيع فلا يثبت به الخيار .
وإن اختلف البائع والمشتري فيمن حدث عنده العيب كمن اشترى حيواناً وبعد يوم ادعى أن به عرج أو اشترى طعاماً ففسد ولا يدرى عند أيهما فسد فالقول قول البائع مع يمينه أو يترادان لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا اختلفا المتبايعان فالقول ما قال البائع أو يترادان ) صححه الألباني في الإرواء بمجموع طرقه  وهذا مذهب الجمهور ورواية عن أحمد والمشهور عنه أن القول للمشتري ولا شك أن قول الجمهور أرجح للحديث ( الشرح الممتع للعثيمين 8/326 )
وإن اشترى ما لا يعرف عيبه إلا بكسره كبيض النعام وجوز الهند والبطيخ ونحو ذلك مما يمكن أن ينتفع بقشره كآنية أو كعلف للدواب ونحو ذلك فكسره فوجده فاسداً فإما أن يمسك ويأخذ أرش العيب وإما أن يرد ويلزمه ارش الكسر ، وإن كان مما لا ينتفع بقشره كبيض الدجاج فلا يلزمه ارش الكسر لعدم ثمنية القشر .
وإن تلفت السلعة المعيبة أو عتق العبد المعيب عند المشتري فله أرش العيب فقط .

مسألة / حكم البيع بشرط البراءة من العيب كقول بعضهم أبيعك كومة حديد أو أبيعك الحاضر الناظر يعني أبيعك الذي أمامك ولا تسألني عن العيوب فمذهب الحنابلة أنه لا يجوز مع العقد ويجوز بعده ، فإذا قال بعتك بشرط أن أبرأ من كل عيب فلا ترد عليَّ السلعة إذا وجدت بها عيباً . فقال المشتري قبلت لم يصح الشرط وللمشتري ردها بالعيب ، وأما إذا تم العقد فقال البائع للمشتري أخشى أن تجد بها عيباً فتردها عليَّ فقال المشتري لك البراءة من كل عيب فيصح لأن السلعة أصبحت ملكه فله الحق في تبرئة البائع ، وقال شيخ الإسلام : إن كان البائع عالماً بالعيب فللمشتري الرد بكل حال سواءً كان الشرط مع العقد أو قبله أو بعده لأنه قد غش وخدع  المشتري فيعامل بنقيض قصده ، وأما إن كان جاهلاً بالعيب فله اشتراط البراءة من كل عيب سواءً مع العقد أو قبله أو بعده ورجحه العثيمين ( الشرح الممتع 8/256 )  وقد ورد أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما باع عبداً علي زيد بن ثابت رضي الله عنه واشترط البراءة من كل عيب فقبل زيد ثم إن زيداً وجد به عيباً فأراد رده فلم يقبل ابن عمر فترافعا إلي عثمان رضي الله عنه  فقال عثمان لابن عمر أتحلف أنك عندما بعته هذا العبد لم تعلم بهذا العيب ؟ قال ابن عمر : لا. فقضى عثمان علي ابن عمر بالنكول يعني حكم برد العبد علي ابن عمر مع أنه قد شرط البراءة .

تنبيه / في حوادث السيارات عندما يقيَّم التلف الذي يصيب السيارة يقال كم قيمتها قبل الحادث وبعد الحادث ولا يقال كم قيمة إصلاح السيارة لأن هذا ليس مقتضي العدل هذا يلحق الضرر بالبائع  لأنه قد تكون قيمة الإصلاح ليست كبيرة لكن الضرر الذي لحق بالسيارة كبير فلو باع هذه السيارة بعد الإصلاح ستنقص قيمتها عما هي عليه قبل الحادث فلينتبه لهذا .


النوع الرابع / خيار التدليس

قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تصروا الإبل و الغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها و إن سخطها ردها و صاعاً من تمر) متفق عليه
والتدليس : مأخوذ من الدلسة وهو الظلمة كأن البائع قد دلس علي المشتري و جعله في ظلمة معنوية فلم يعرف حقيقة هذه السلعة وذلك بأن يظهرها بمظهر حسن وهى خلاف ذلك ومثَّل له النبي صلى الله عليه وسلم بالتصرية وهي حبس اللبن في الضرع فيأتي المشتري فيظن أن لبنها كثير فيشتريها فإن علم بتصريتها قبل حلبها ردها و لا شيء عليه وكذا لو حلبها ولم يتغير اللبن فله أن يردها مع اللبن أما إذا تغير اللبن أو شربه فيردها ومعها صاعاً من تمر مقابل اللبن ، ولو وصف المبيع بصفةٍ يزداد بها ثمنه كصناعة في العبد أو كتابة فلم يجدها فيه فهذا تدليس ويثبت للمشتري الخيار.

النوع الخامس / خيار الغبن
والغبن في اللغة النقص والخديعة ، والغبن في البيع أن يخدع في السعر إما بزيادة فاحشة على المشتري وإما بنقصانٍ فاحشٍ على البائع ، فإذا غُبِنَ البائع أو المشتري في البيع غبناً يخرج عن العادة أي في عرف التجار فللمغبون الخيار لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه بن ماجة والدار قطني وصححه الألباني في إرواء الغليل حديث رقم ( 896 ) ولقوله ( لا يحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه ) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 7662 ) والمغبون لم تطب نفسه .

ويثبت خيار الغبن في صورٍ منها :
1-تلقي الركبان لحديث ( لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار ) رواه مسلم لأنه لا يعرف سعر السلعة في السوق فيتلقاه فيبيع عليه أو يشتري منه فيغبنه فشرع له الخيار مع الغبن . 
2-الغرر بسبب زيادة الناجش وهو الذي يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها ، أو يقول صاحب السلعة أعطيت فيها كذا أو اشتريتها بكذا وهو كاذب ، ومن  النجش أن يقول صاحب السلعة لا أبيعها إلا بكذا لأجل أن يأخذها المشتري بقريب مما قال كأن يقول في سلعةٍ قيمتها خمسة لا أبيعها إلا بعشرة ليأخذها المشتري بقريب من العشرة ، ومنه أن يتفق أهل السوق على ترك مساومة البائع لأجل أن يبيع سلعته برخص على واحدٍ منهم ثم يشترك البقية مع المشتري بعد ذلك وهذا غبنٌ وظلم ، ولصاحب السلعة الخيار إذا علم بذلك .
3-غبن المسترسل وهو الذي يجهل القيمة ولا يحسن المماكسة أو يعتمد على صدق البائع ( الملخص الفقهي 2/19)

ويثبت الحق للمغبون بثلاثة شروط :
الأول / أن يكون جاهلاً بثمن المثل في السوق عندما باع أو اشترى السلعة .
الثاني / أن لا يمضي على العقد أكثر من سنة .
الثالث / أن يكون الغبن فاحشاً بحيث يزيد على ثمن المثل قدر الثلث فأكثر . ( الفقه الميسر قسم المعاملات 1/26)

النوع السادس / خيار التخبير بالثمن

فيقول مثلاً رأس مال هذه السلعة كذا وهو كاذب أو أنه قد ربح فيها كذا وهو كاذب أو أنه سوف يبيعها عليه بخسارة وهو كاذب كأن يشتري سيارة من آخر فيقول البائع خذها برأس مالها عشرة آلاف فيشتريها ثم يتبين له بعد ذلك أن رأس مالها تسعة آلاف فيكون للمشتري الخيار وهذا رواية في مذهب أحمد رجحها العثيمين ( الشرح الممتع 8/335 ) والمشهور من مذهب الحنابلة أنه ليس له الخيار ولكن له الرجوع عليه بالزيادة وذلك لأن الأصل في البيع اللزوم وما حصل للمشتري من الضرر بسبب كذب البائع عليه يُمكن أن يُستدرك بمطالبته بالزيادة فيقول أعطني الزيادة فقط وهذا هو القول الذي رجحه بن قدامة في العمدة والخثلان في شرحه لها وكذلك لو غلط البائع فذكر السعر المرتفع غلطاً لا عمداً فحكمه حكم العمد وكذلك لو كان صادقاً أنه سيم منه بكذا لكنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله لأن المؤجل يكون أكثر . أو كان البائع قد أشترى السلعة بأكثر من قيمتها لمصلحةٍ كانت تخصه كتخليص دينه أو توسيع بيته أو اشتراها في موسم غلا كشاة في زمن أضحية ونحو ذلك ثم أراد بيعها فقال اشتريتها بكذا ولم يخبر المشتري بحقيقة الأمر فللمشتري الخيار .

النوع السابع / خيار لاختلاف المتبايعين
سواءً كان الاختلاف في الصفة وذلك عندما يشتري السلعة عن طريق الوصف ثم يتبين له أنها لم تكن على ذلك الوصف فيثبت للمشتري الخيار في إمضاء ذلك البيع وفسخه لأجل الخلف في الصفة والمراد الصفة التي يختلف بها الثمن ، وكذا لو اشتراها بناءً على رؤيةٍ سابقة فوجدها قد تغيرت فله الخيار ( الملخص الفقهي 2/22) أو كان الاختلاف بينهما في الثمن فيقول البائع بعتك هذه السلعة بعشرة ويقول المشتري بل بسبعة . أو لاختلافٍ في عين المبيع فيقول البائع بعتك تلك الناقة فيقول المشتري لا بل تلك . أو كان الاختلاف في الأجل أو في غير ذلك .
فإن كان لأحدهما بينة كشاهد مع يمين أو شاهدان فتكفي ويكون الحق له ، وإن لم توجد بينة أو تعارضت بيناتهما فالقول قول البائع لما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فالقول ما قال البائع أو يترادّان ) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد  وقيل يتحالفان فيحلف البائع أنه ما باعه بسبعة وإنما بعشرة ويحلف المشتري أنه ما اشتراه بعشرة وإنما بسبعة ثم يتفاسخا البيع . وهذا مذهب الحنابلة ووجه هذا أن كلاً منهما مدعٍ ومنكر فالبائع مدعٍ أنها بعشرة ومنكر أنها بسبعة والمشتري مدعٍ أنها بسبعة ومنكر أنها بعشرة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ) والراجح أن القول للبائع لأن الحديث صريح في هذا ولأن ملك المبيع في يده فلا يمكن أن يخرجه من ملكه إلا بما يرضيه فيقال للمشتري إما أن ترضى بما قال البائع أو ترد سلعته إليه .


الفصل الثاني
البيوع المحرمة والجائزة


ويشتمل على :

البيوع المنهي عنها
بعض أنواع البيوع الجائزة
حكم بطاقات الائتمان
حكم تفريق الصفقة
حكم الاحتكار 
حكم التسعير 



((  البيوع المنهي عنها  ))

( الأول / بيع الغرر )

عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر ) رواه مسلم وهو أصلٌ في باب البيوع المنهي عنها ويشمل أنواعاً منها :
1-بيع الملامسة وهي أن يقول البائع للمشتري : بِعتُك هذا الثوب أو هذه السلعة على أنك متى لمسته فهو لك بكذا .
2-بيع المنابذة وهو أن يقول أي ثوبٍ نبذتُه يعني طرحته إليك فهو عليك بكذا . 
ودليلهما ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة ) زاد مسلم ( أما الملامسة فأن يلمس كلٌ منهما ثوب صاحبه بغير تأمل ، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر ولم ينظر واحدٌ منهما إلى ثوب صاحبه الآخر ) وفي الصحيحين أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين ولبستين نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع . والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظرٍ ولا تراض ) . 
3-بيع الحصاة وهو أن يقول ارم هذه الحصاة فعلى أي شيءٍ وقعت أو إلى أي حدٍ وصلت من الأرض أو المزرعة أو غيرها فهي لك بكذا . فذلك محرم لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر ) رواه مسلم
4-بيع ما لا يقدر على تسليمه كالجمل الشارد والعبد الآبق والسمك في الماء والطير في الهواء .
5-بيع المعدوم كحبل الحبلة  وهو ما في بطن الحبلى ، وبيع ما لا يملك لأنه كالمعدوم ودليله قول حكيم بن حزام رضي الله عنه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي ، أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال ( لا تبع ما ليس عندك ) رواه أصحاب السنن وصححه الألباني .


( الثاني / بيع الرجل على بيع أخيه )
فهو محرم بإجماع العلماء لحديث ( ولا يبع بعضكم على بيع بعض ) متفق عليه نحو أن يقول لمشتري سلعةٍ أنا أبيعك مثلها بأقل من ثمنها ، أو أبيعك أحسن منها بسعرها ، وفي معنى ذلك الشراء على شراء أخيه نحو أن يقول لمن باع سلعة بعشرة أنا  أشتريها منك بأحد عشر ، والحكمة من النهي عن ذلك لما فيه من إيقاع الشحناء والبغضاء بين المسلمين فكل ما أدى إلى الشحناء والبغضاء فمنهىٌ عنه .

( الثالث / بيع الحاضر للباد )
من البيوع المحرمة بيع الحاضر للباد لما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال  : نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد . رواه البخاري وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ) رواه الجماعة إلا البخاري وعن أنس رضي الله عنه قال : نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه . متفق عليه وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى أن يبيع حاضر لباد وإن كان أباه أو أخاه ) رواه النسائي وصححه الألباني لأن هذا الذي جاء من خارج البلدة لا يعرف أسعار البلدة فيبيعها بسعرٍ قليل فترخص الأسعار فيكون في ذلك مصلحة للجميع ومصلحة الجميع تقدم على مصلحة الفرد ولذا جاء في الحديث ( دعوا الناس يزرق الله بعضهم من بعض ) . وقد قال الشافعية والحنابلة الحاضر هو المقيم في البلد ، والبادي هو القادم من غير أهل البلد ، سواءً كان بدويًا أو حضرياً ، لأن ذكر الغالب لا عموم له والغالب أن القادم ليبيع في البلد هم أهل البادية ، وهم لا يعرفون الأسعار فَيُلْحَق بهم من لا يعرف الأسعار من أهل الحاضرة ، وخصه المالكية بأهل البادية للحديث ، وخصه الحنفية بزمن الغلاء وحاجة المصر ، وفي رواية عند الحنفية أنه يجوز مطلقاً وأن أحاديث الباب منسوخة بأحاديث النصيحة وأن هذا من النصح للمسلم . وخصه البخاري بما كان بأجرة لما جاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد ) فقيل لابن عباس : ما قوله : لا يبع حاضر لباد ؟ قال : لا يكون له سمساراً  ) رواه الجماعة إلا الترمذي . والسمسار هو الدلال الذي يأخذ أجرةً على البيع . فأما إن قال له السعر كذا وكذا بلا أجره فلا يحرم لأنه من باب النصيحة .

والراجح التحريم وأما دعوى النسخ فلا دليل عليها وأحاديث النصيحة عامة مخصوصة بأحاديث الباب وليس فيه غشٌ للبادي فإنه لن يبيع إلا بثمنٍ قد رضيه فكونه يرضى بالقليل يكون ذلك سبباً في نزول الأسعار بدل أن يتصرف في الأسعار أهل الحاضرة فيضيقوا على الناس . وليس في أحاديث الباب دليل على أنه مخصوص بما كان بأجرة . 



( الرابع / تلقي الركبان )
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التلقي وأن يبيع حاضر لباد ) رواه البخاري وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يُتَلَقى الركبان لبيع ) رواه مسلم وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم ( أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام ) رواه البخاري وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يبيع بعضكم على بيع بعض ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق ) رواه البخاري
الركبان : هم القادمين إلى السوق لبيع بضائعهم ويشمل الراكب والماشي لكن عبر النبي صلى الله عليه وسلم بالغالب لأن الغالب أن القادم للسوق يكون راكبًا ، والعلماء مجمعون على كراهة تلقي الركبان لهذه الأحاديث واشترط الحنفية للكراهة أن يضر التلقي بأهل البلد وأن يلتبس السعر على الواردين ( فتح الباري لابن حجر 4/374 من الشاملة ) 
ويثبت للركبان الخيار إذا غبنوا لقول النبي صلى الله عليه وسلم  ( لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار ) رواه مسلم
وينتهي المنع من التلقي بدخولهم أول السوق وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم وعند الشافعي بدخول البلد سواءً وصلوا السوق أم لم يصلوا إليه بعد لأنهم إذا قدموا البلد أمكنهم معرفة السعر وطلب الحظ لأنفسهم فإن لم يفعلوا ذلك فهو من تقصيرهم . ( فتح الباري لابن حجر 4/375 من الشاملة ) 
ولا شك أن الأول أصح لأن الأحاديث نصت على بلوغ السوق .



( الخامس / النجش )
وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ولا تناجشوا ) متفق عليه قال بن حجر : قال بن بطال : أجمع العلماء على أن الناجش عاصٍ بفعله . واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل بن المنذر عن طائفةٍ من أهل الحديث فساد ذلك البيع وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطأة البائع أو صنعه والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو وجه للشافعية قياساً على المصراة والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم وهو قول الحنفية . ( فتح الباري 4/355 ) 

( السادس / البيع قبل القبض )
قال صلى الله عليه وسلم ( من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه ) أخرجاه في الصحيحين عن بن عمر وبن عباسٍ رضي الله عنهما واللفظ لمسلم وقوله يستوفيه يعني حتى يقبضه ، وعند البخاري من حديث بن عمر رضي الله عنهما قال ( رأيت الناس يشترون الطعام جزافًا يُضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  في أن يؤوه إلى رحالهم ) 

وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز بيع الطعام قبل قبضه ، واختلفوا فيما عدا الطعام فمن العلماء من قال: أنه يجوز بيعه ، وخصوا النهي بالطعام وهو مذهب المالكية واختاره أبو ثور وبن المنذر ( حاشية بن القيم على أبي داود 9/382 ) 

والقول الثاني / أن يشمل كل ما كان مكيلاً أو موزوناً من مطعومٍ وغيره وهو مرويٌ عن عثمان رضي الله عنه وهو مذهب ابن المسيب والحسن والحكم وحماد والأوزاعي وإسحاق وهو المشهور من مذهب الحنابلة . ( حاشية بن القيم على أبي داود 9/382 ) 

والقول الثالث / أن النهي شامل للطعام ولغيره إلا العقار وهو الدور والأرضين لمشقة نقلها وهو مذهب أبو حنيفة وأبو يوسف .

القول الرابع / أن النهي يشمل كل شيء وهو مذهب الشافعي وزفر ومحمد من الحنفية ورواية عند الحنابلة اختارها ابن تيمية وابن القيم وذلك لأمور:
أولا: ما رواه أحمد عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله إني أشتري بيوعاً فما يحل لي منها وما يحرم ؟ قال ( إذا اشتريت بيعاً فلا تبعه حتى تقبضه ) رواه أحمد والنسائي والدار قطني والبيهقي وغيرهم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 342) 
ثانيًا: أن راوي الحديث وهو ابن عباس قال: ولا أحسب كل شيء إلا مثله . متفق عليه يعني مثل الطعام فهذا تفسير من الراوي وهو أعلم بما روى .
ثالثًا: ما جاء عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال :  كان الناس يشترون السلع من السوق ( فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تُباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ) رواه أبو داود والدار قطني وقال الألباني : حسن لغيره .
رابعاً / أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن ربح ما لم يضمن )  لأن علة النهي عن البيع قبل القبض هو عجز المشتري عن تسلم وتسليم السلعة فلم يضمنها لأن البائع قد لا يسلمه السلعة وخاصةً إذا رأى أنه قد ربح فيسعى في رد المبيع إما بجحدٍ أو احتيالٍ على الفسخ مما يؤدي إلى الشحناء والعداوة ، وقد جاء الدين بسد كل بابٍ يؤدي إلى ذلك .

الراجح / أن النهي يشمل الطعام وغيره للأحاديث ، ولأنه قول بعض الصحابة كابن عباسٍ ولم يعرف له من الصحابة مخالف فكان إجماعاً سكوتياً ، ولأن ذلك يوافق مقاصد الشريعة في سدِّ أبواب الخلاف بين المسلمين . 
قال بن القيم : فإن قيل الأحاديث كلها مقيدة بالطعام سوى هذين الحديثين فإنهما مطلقان أو عامان
وعلى التقديرين فنقيدهما بأحاديث الطعام أو نخصمها بمفهومها جمعاً بين الأدلة وإلا لزم إلغاء وصف الحكم وقد علق به الحكم .
قيل عن هذا جوابان : 
أحدهما / أن ثبوت المنع في الطعام بالنص وفي غيره إما بقياس النظير كما صح عن ابن عباس أنه قال ولا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام . أو بقياس الأولى لأنه إذا نهى عن بيع الطعام قبل قبضه مع كثرة الحاجة إليه وعمومها فغير الطعام بطريق الأولى وهذا مسلك الشافعي ومن تبعه .
والجواب الثاني / أن اختصاص الطعام بالمنع إنما هو مستفاد من مفهوم اللقب وهو لو تجرد لم يكن حجة فكيف وقد عارضه عموم الأحاديث المصرحة بالمنع مطلقاً . 

تنبيه / القبض راجع للعرف فما عده الناس قبضًا فهو قبض وهذا يختلف باختلاف السلع فقبض الدار غير قبض الطعام وغير قبض السيارة وغير قبض الأخشاب كل شيءٍ بحسبه ، فمثلاً قبض الدار يكون بالتخلية بمجرد أن يخلي البائع الدار ويسلم للمشتري المفاتيح تحقق القبض ، وقبض ما يمكن نقله يكون بحيازته ونقله . والمقصود أن القبض يرجع إلى العرف .

( السابع / البيع والشراء بعد النداء الثاني من الجمعة )
لقوله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ )) [الجمعة: 9] والمراد النداء الثاني الذي يكون بعد صعود الإمام المنبر والنهي يقتضي فساد البيع ، وهو مذهب أحمد ورواية بن القاسم عن مالك وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي هو آثم والبيع صحيح . ( انظر شرح البخاري لابن بطال 2/500 ) وأما بقية الصلوات فقيل يجوز البيع والشراء بعد النداء إذا كان في الوقت متسع بحيث يمكنه إدراك الصلاة في الوقت ، وقيل لا يجوز خشية فوات الجماعة ولكن يصح البيع مع الإثم وإنما فارق الجمعة لأنها آكد . وأما مع ضيق الوقت فلا يجوز لقوله تعالى (( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ )) (37) سورة النــور ورجح الشيخ عبد العزيز الراجحي جواز البيع ما لم تقم الصلاة . وكذلك الشيخ سليمان الماجد لعدم الدليل على النهي عن ذلك إلا أن يؤدي التشاغل به إلى فوات الجماعة فيمنع منه لأن الجماعة واجبة وما أدى إلى ترك واجب فهو محرم .

( الثامن / البيع والشراء في المسجد )
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك فإن المساجد لم تبن لهذا ) رواه الترمذي والحاكم وغيرهما وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 573 ) وهذا يدل على تحريم البيع والشراء في المسجد وهو مذهب الحنابلة . وروي عن الجمهور القول أن النهي للكراهة وليس ثمة دليل على صرف النهي عن التحريم . وروي عنهم التحريم قال الشنقيطي في شرح زاد المستقنع : الإجماع منعقد على تحريم البيع داخل المسجد (26/ 327 من الشاملة ).وقال بعض الشافعية لا يكره ( نقله الشوكاني في نيل الأوطار 2/166 من الشاملة ) وقال الحنفية يجوز البيع والشراء لفظاً وهو الإيجاب والقبول وإنما الممنوع اتخاذ المساجد متاجر كالسوق يباع فيها وتنقل الأمتعة إليها وحملوا أحاديث النهي على هذا واستدلوا للجواز بما روي عن عليٍ أنه قال لابن أخيه جعفر : هلا اشتريت خادماً قال كنت معتكفاً قال وماذا عليك لو اشتريت . ( ذكره في بدائع الصنائع 4/335 من الشاملة ) فأباح له الشراء في المسجد . وروي عن مالك جواز شراء اليسير كثوبٍ ونحوه ، وعن أحمد في رواية أنه يجوز للمعتكف خاصةً أن يشتري ويبيع ما لا بدَّ له منه في المسجد ( الإنصاف 3/ 273 من الشاملة ) والصحيح إن شاء الله التحريم المطلق والخبر عن عليٍ رضي الله عنه إن ثبت لا يعارض به النص النبوي ثم ليس فيه دليل فإن المعتكف يجوز له الخروج من المسجد لشراء ما يحتاجه والخادم مما يحتاج إليه في ذلك العصر فكأنه اراد منه أن يخرج من المسجد ليشتري الخادم ثم يعود إلى معتكفه . ونقل بن بطال الإجماع على أن البيع المعقود في المسجد لا يُنْقَضْ بمعنى لا يبطل وليس بصحيح فعند الحنابلة في روايةٍ أنه باطل . ( الإنصاف 3/ 273 من الشاملة ) وليس فيه لو ثبت دليل على عدم التحريم . قال الشوكاني : وإجماعهم على عدم جواز النقض وصحة العقد لا منافاة بينه وبين التحريم فلا يصح جعله قرينة لحمل النهي على الكراهة ( نيل الأوطار 2/166 من الشاملة ) 

( التاسع / البيع والشراء لمن يستعين به على معصية الله  )
كبيع السلاح في الفتنة بين المسلمين ، ولقطاع الطريق ، وبيع العنب لمن يتخذه خمراً ، ونحو ذلك ، فلا يجوز لقوله تعالى(( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (2) سورة المائدة وهذا بإجماع العلماء ( موسوعة الفقه الكويتية 8/134 ) إلا ما روي عن سفيان الثوري أنه قال : بع حلالك ممن شئت .  وهو معارضٌ للآية ولقواعد الشريعة ولحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) وروي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلاح في الفتنة رواه البيهقي والطبراني وبن عدي وقال البيهقي الصحيح أنه موقوف وقال البخاري كره عمران بن حصين بيعه في الفتنة .  والسلف يطلقون الكراهة ويريدون بها التحريم .


( العاشر / بيع العبد المسلم لكافر )
فلا يجوز بإجماع العلماء لأن فيه إذلال المسلم للكافر والإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، إلا إن كان يعتق عليه كأبٍ وابنٍ وأخٍ ونحو ذلك لأن المفسدة حينئذٍ منتفية .


( الحادي عشر / بيع العينة )
وهو أن يبيع سلعةً على شخصٍ بثمنٍ مؤجل ثم يشتريها منه بثمنٍ حالٍ أقل ، كأن يبيعه سيارة بعشرين ألف إلى سنة ثم يشتريها منه بخمسة عشر حالاً ، وهذه حيلةٌ على الربا قال بن عباس رضي الله عنهما : دراهمٌ بدراهمٍ وبينهما حريرة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 423 ) وقال ( يأتي على الناس زمانٌ يستحلون الربا بالبيع ) رواه بن بطة عن الأوزاعي مرسلاً قال بن القيم : وهذا وإن كان مرسلاً فهو صالحٌ للاعتضاد به ولا سيما وقد تقدم من المرفوع ما يؤكده . ( حاشية بن القيم على أبي داود 9/345 ) وعن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت : دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم على عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيد بن أرقم : إني بعت غلاماً من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أن يتوب رواه الإمام أحمد و سعيد بن منصور والظاهر أنها لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه إلا بتوقيفٍ سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم فجرى مجرى روايتها ذلك عنه . ( ذكره بن قدامة في المغني4/277 من الشاملة ) 
قالت اللجنة الدائمة السعودية في بحوثها : ووجه الاستدلال به من وجهين :
أحدهما : أنها ألحقت بزيد وعيداً لا يوقف عليه بالرأي وهو بطلان الطاعة بما سوى الردة ، فالظاهر أنها قالته سماعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يلتحق الوعيد إلا بمباشرة المعصية ، فدل على فساد البيع ، لأن البيع الفاسد معصية . 
الثاني : أنها رضي الله عنها سمَّت ذلك بيع سوء وشراء سوء ، والفاسد هو الذي يوصف بذلك لا الصحيح ، ولأن في هذا البيع شبهة الربا ، لأن الثمن الثاني يصير قصاصاً بالثمن الأول فبقي من الثمن الأول زيادة لايقابلها عوض في عقد المعاوضة . وهو تفسير الربا... الخ( البحوث العلمية 5/90 من الشاملة) 
والتحريم هو قول أكثر أهل العلم ، قال بن قدامة : روي ذلك عن ابن عباس وعائشة و الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وبه قال أبو الزناد وربيعة وعبد العزيز ابن أبي سليمة والثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي (المغني4/277)
وذهب الشافعي إلى جوازه مستدلاً بما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري وأبى هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر ، فجاء بتمرٍ جنيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أكُلَ تَمْرِ خَيبرَ هكَذَا؟ فَقالَ: لا واللّه ، يا رسول الله ، إنّا لَنَأخذُ الصَّاعَ مَن هذَا بِالصاعَيْن ، وَالصَّاعَيْن بِالثَّلَاثَةِ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تَفْعَلْ ، بع الجَمعَ بالدراهم ثُم ابتعْ بالدراهم جنيباً ) فيصح أن يشتري منه ذلك البائع ويعود له عين ماله لأنه لـمَّا لم يفصل ذلك في مقام الاحتمال دل على صحة البيع مطلقاً سواء كان من البائع أو غيره وذلك لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يجري مجرى العموم في المقال ويؤيد ذلك أنه قد قام الإجماع على جواز البيع من البائع بعد مدةٍ لا لأجل التوصل إلى عوده إليه بالزيادة . ( سبل السلام للصنعاني 3/42 ) 
ويجاب : بأنه لم يفصل لأن الربا ممنوعٌ بالكتاب والحيل المؤدية إلى الربا وإلى سائر المحرمات ممنوعة بالسنة ، وذلك كله مستقرٌ عند الصحابة فلم يحتج إلى التفصيل . 


 ( الثاني عشر / بيع الثنيا )
عن جابرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن الثنيا ) رواه مسلم ورواه النسائي والترمذي وزادا ( إلا أن تُعْلَمْ ) وقال الترمذي حديث حسن صحيح . 
الثنيا لغةً / من الاستثناء ، والاستثناء مأخوذٌ من الخيط الممتد إذا أثنيته أي أعدت أوله على آخره .
اصطلاحاً / تشمل عند الفقهاء عدة صورٍ منها ما يلي :
الصورة الأولى / أن يستثني من جنس المبيع شيئاً كأن يبيعه مائة شاةٍ إلا شاة أو مائة نخلة إلا تسع نخلات فإن كان المستثنى معلوم العين بأن حدد هذه الشاة أو هذه النخلات بعينها فالبيع صحيح بالإجماع لأن البيع وقع على ما سواها ، وإن كان المستثنى غير معين فالبيع باطل للجهالة والغرر . 

الصورة الثانية / أن يستثني من ثمر هذه البستان كيلاً مجهولاً فلا يصح بالإجماع . فإن كان كيلاً معلوماً كعشرة آصع مثلاً فذهب الجمهور إلى عدم جوازه لما فيه من الجهالة والغرر ، وقال مالك يجوز في ما دون الثلث لأنه يمكن خرص الثمار ولأن الغرر يغتفر في القليل وما دون الثلث قليل . 
قال في المغني : إذَا بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ وَاسْتَثْنَى صَاعًا أَوْ آصُعًا أَوْ مُدًّا أَوْ أَمْدَادًا ، أَوْ بَاعَ صُبْرَةً وَاسْتَثْنَى مِنْهَا مِثْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنِ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَمَالِكٍ  لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَهَذِهِ ثَنَيَا مَعْلُومَةٌ ، وَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَعْلُومًا أَشْبَهَ مَا إذَا اسْتَثْنَى مِنْهَا جُزْءًا .
وَلَنَا{ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَهَى عَنْ الثُّنْيَا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ لَا بِالْقَدْرِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمُشَاهَدَةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَبْقَى فِي حُكْمِ الْمُشَاهَدَةِ ، فَلَمْ يَجُزْ . وَيُخَالِفُ الْجُزْءَ فَإِنَّهُ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمُشَاهَدَةِ وَلَا يَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِهَا . ( المغني 8/174 من الشاملة )

الصورة الثالثة / أن يستثني جزءاً مشاعاً كأن يستثني الثلث أو الربع فيقول بعتك هذا البستان إلا ثلثه فيصح البيع لأنه وقع على الثلثين دون الثلث فهو معلوم القدر ليس فيه جهالة ولا غرر .

الصورة الرابعة / وهو البيع بشرط أن البائع متى ما رد الثمن فإن المشتري يرد المبيع وهو من صور بيع الثنيا عند المالكية وأما الحنفية فيسمى عندهم بيع الوفاء لأن المشتري يلزمه الوفاء بالشرط وعند الشافعية بيع العهدة لأن المبيع في عهدة المشتري حتى يرده ويسمى عند الحنابلة بيع الأمانة لأن المبيع بمثابة الأمانة عند المشتري حتى يردها ويسمى أيضاً بيع الطاعة وبيع المعاملة وقد أجازه بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية وأما المالكية والحنابلة والمتقدمين من الحنفية والشافعية فلا يجيزونه لأنه يخالف مقتضى البيع وهو ملك المشتري للمبيع على سبيل الاستقرار والدوام . وقد قرر المجمع الفقهي عدم جوازه لأن حقيقته أنه قرضٌ جر نفعاً فهو تحايلٌ على الربا . ( الفقه الميسر 1/52)(موسوعة الفقه الكويتية 9/49 من الشاملة )

الصورة الخامسة / وهو البيع بشرط أن المشتري إذا لم يأت بالثمن في وقت كذا فالبيع رد . فاختلف فيه فقيل يبطل الشرط ويصح العقد . وقيل يلزم قائله الشرط وللآخر الخيار . والوجهان مرويان عن مالك .



( الثالث عشر / البيع بكيل البائع الأول )
فلا بد للمشتري إذا أراد أن يبيع أن يكيله للمشتري ولا يكتفي بكيل البائع له لما روي عن عثمان أنه قال : كنت ابتاع التمر من بطنٍ من اليهود يقال لهم بنو قينقاع وأبيعه بربحٍ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( يا عثمان إذا اشتريت فاكتل وإذا بعت فكل ) رواه أحمد وعن جابرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري ) ( رواه بن ماجة ورواه البزار عن أبي هريرة وجود إسناده بن حجر في الدراية 2/155 ) وهذا بالإجماع ولا يعارض أيضاً ما أجمع عليه العلماء من صحة بيع الصبرة من الطعام ونحوها جزافاً لحديث بن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نشتري الطعام من الركبان جزافًا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله . 
فالأول على ما بيع بالكيل فلا بد للمشتري إذا أراد أن يبيعه كيلاً أن يعيد كيله ولا يبيعه بكيل الأول حفاظاً على حقوق الناس وإبراءً لذمته فربما كان البائع الأول قد غش فزاد أو نقص فيقع في الكذب وظلم الآخرين وهو لم يشعر . وأما البيع جزافاً فلم يحصل فيه كذب وإنما المشتري يعتمد على الرؤية لا الكيل فانتفى المحظور .

( الرابع عشر / البيعتان في بيعة )
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيعتين في بيعة ) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه وعن بن مسعودٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن صفقتين في صفقة ) رواه أحمد وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من باع بيعتين في بيعةٍ فله أوكسهما أو الربا ) رواه أبو داود وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد كما قال الشوكاني في نيل الأوطار قال في تحفة الأحوذي : قَدْ تَفَرَّدَ هُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ طُرُقٍ لَيْسَ فِي وَاحِدٌ مِنْهَا هَذَا اللَّفْظُ . فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَيْسَتْ صَالِحَةً لِلِاحْتِجَاجِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 6116 )
وقد ذكر أهل العلم صوراً مختلفة في تعيين المراد بالبيعتين في بيعة منها :
الصورة الأولى / أن يقول خذ هذه السلعة بعشرة دنانير نقداً أو بخمسة عشر نسيئة ويتم العقد دون تحديد أحدهما فيبطل البيع لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد وإذا جهل الثمن بطل البيع . وهذا التفسير رواه أحمد عن سماك بن حرب وهو مرويٌ عن الشافعي . وقالوا إن صورة دخول الربا في هذه المسألة أنه حين تم العقد على هذه الصفة فكأن العشرة دنانير صارت ديناً على المشتري إما أن يسددها في الحال أو يؤجل السداد ويزيد وذلك ربا الجاهلية .

وقال بن القيم : هذا التفسير ضعيف فإنه لا يدخل الربا في هذه الصورة ولا صفقتين هنا وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين.( حاشيته على أبي داود 9/344 )  وقيل إن الثمن ليس بمجهول بل هو معلوم على التخيير .
والصحيح أنه مجهول فلا يدري أيهما الثمن ، وكذلك يدخل في الربا كما في الصورة المذكورة . ولأن هذا التفسير تفسير بعض السلف للنص النبوي وهم أعلم بمراد الشارع ولغة العرب فدخول هذه الصورة في الحديث مما ينبغي أن لا يشك فيه والله أعلم . 
فإن حددا أحد البيعين النقد أو النسيئة قبل العقد صح البيع .

تنبيه / قال الخطابي : إذا باعه شيئين بثمن واحد كدار وثوب أو عبد وثوب فهذا جائز وليس من باب البيعتين في البيعة الواحدة ، وإنما هي صفقة واحدة جمعت شيئين بثمن معلوم .

الصورة الثانية / أن يقول بعتك هذا العبد بعشرين ديناراً على أن تبيعني جاريتك بعشرة دنانير ، فيبطل البيع لأنه لا يلزمه بيع جاريته وإذا لم يلزمه سقط بعض الثمن فيصير الباقي مجهولاً .

الصورة الثالثة / أن يسلفه ديناراً في قفيز حنطة إلى شهر فلما حلَّ الأجل وطالبه بالحنطة قال بعني القفيز الذي لك عليَّ إلى شهرين بقفيزين فصار ذلك بيعتين في بيعة لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فَيُرَدُّ إِلَيْهِ أَوَكْسُهُمَا وهو الأول . قاله الخطابي . 
وهذه الصورة يمكن أن لا تكون من باب بيعتين في بيعة لأن البيعة الأولى غير مرتبطة بالثانية وهي صحيحة بدونها والثانية باطلة لأنها من بيع الدين بالدين وهو محرم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ . أي الدين بالدين . رواه الطحاوي والحاكم والدار قطني . 
( السلف / عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد كأن يدفع لصاحب نخل عشرة الآف دينار نقداً على أن يسلم له تمر من نوع كذا في تاريخ كذا )       ( والقفيز مكيال لأهل العراق يعادل ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف )  ( ومعنى أوكسهما أي أقلهما )

الصورة الرابعة / أن يبيع السلعة ثم يشتريها ممن باعه بأقل من ثمن البيع نحو أن يقول أبيعكها بمائة إلى سنة على أن أشتريها منك بثمانين حالة ، وهذا بيع العينة وهو قول بن تيمية وبن القيم لأنه هو الذي ينطبق عليه حديث ( فله أوكسهما أو الربا ) أي لا يستحق إلا رأس ماله وهو أوكس الصفقتين له فإنه أبي إلا الأحظ له كان قد أخذ الربا .

الراجح / أنه يشمل هذه الصور كلها فتدخل في عموم النهي عن بيعتين في بيعة والله أعلم .


( الخامس عشر / بيع المحرمات )
كالدخان وآلات اللهو والخمر ونحوها لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ) رواه البخاري ويمنع تأجير المحلات أو بيعها لمن يتخذها مركزاً لتجارة المحرمات كبيع الخمور ودور البغايا ومراقص ونحو ذلك لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .


( السادس عشر / بيع المزابنة والمحاقلة )
المزابنة هي : بيع التمر الذي ما زال في النخل بتمرٍ مجذوذ .
والمحاقلة هي : بيع الحب في سنبله بالبر .
فلا يجوز ذلك كله لما روى البخاري في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن المزابنة والمحاقلة ) ولأنه بيع مكيلٍ بمكيلٍ من جنسه مع احتمال عدم المساواة بينهما بالكيل.
ويستثنى من هذا بيع العرايا فهو جائز وسيأتي في الباب التالي .

تنبيه / من المحرمات الربا وسيأتي تفصيل الكلام عنه في مبحثٍ مستقل لتشعبه وكثرة طرق أهل الفساد في التحايل عليه .







((  من أنواع البيوع الجائزة  ))
الأصل في البيوع الحل إلا ما ورد الدليل بتحريمها ولكن نظراً لتنوع أساليب البيوع وتداخلها مما يصعب معه على بعض الناس التمييز بين ما يحلُّ وما يحرم منها أحببنا التنبيه على بعض البيوع التي قد يعتقد بعض الناس أنها محرمة وهي مباحة ومنها :
((  الأول / بيع العرايا  ))
يستثنى من المزابنة المحرمة بيع العرايا وهي بيع الرطب في رؤوس النخل بقدر ما يؤول إليه تمراً يابساً فهي جائزة لما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها من التمر فيما دون خمسة أوسق (الفقه الميسر 1/36)
فلو أن شخصاً عنده تمر من العام الماضي ويريد أن يتفكه بالرطب وليس عنده نقد فهنا يجوز بيع التمر بالرطب بشروط هي كالتالي :

الشرط الأول / أن يكون فيما دون خمسة أوسق . والوسق ستون صاعاً ، فالمجموع ثلاثمائة صاع والصاع يعادل كيلوين وأربعين جراماً تقريباً . 

الشرط الثاني / أن يكون محتاجًا إلى الرطب لأن أصل الصورة ربوية لكن رخص فيها الشارع لأجل الحاجة.

الشرط الثالث / ألا يكون عنده نقد يشتري به الرطب .

الشرط الرابع / أن يخرص الرطب على رؤوس النخل ومعني الخرص: التخمين والتقدير ، وهذا لا يكون إلا من خبير بالخرص فيقول هذا النخل أخرصه بأن يكون فيه كذا صاع أو كذا كيلو ، فيخرصه أولاً ثم يُباع بمثله تمرًا .

الشرط الخامس / التقابض قبل التفرق لأنه بيع تمر بتمر ، فالرطب يعتبر تمرًا ، فهو بيع ربويٍ بجنسه فيشترط التقابض والتماثل .

( الثاني / بيع المقايضة )
وهي بيع سلعةٍ بسلعة كناقةٍ بعشرٍ من الغنم أو بسيارة أو بناقةٍ أخرى وينبغي مراعاة التماثل والتقابض في الأصناف الربوية إذا اتحدت أجناسها والتقابض فقط مع اختلاف أجناسها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل، يداً بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ). رواه مسلم  وكذا كل ما يدخله الربا مما يشارك هذه الأصناف في العلة .

( الثالث / بيع المزايدة )
وهو التنافس في زيادة ثمن السلعة المعروضة فتباع لمن يدفع الثمن الأكثر ويجوز لمن توقف عليه السوم الرجوع بموجب خيار المجلس (الفقه الميسر 1/25) والتواطؤ من جميع الحاضرين على ترك المزايدة لا يجوز لكن أن تواطأ اثنان وفيه غيرهم ولو أن يدفع أحدهم للآخر مالاً لأجل ألا يزايد فأجازه شيخ الإسلام ( المصدر السابق ص27)

( الرابع / بيع المناقصة )
وهو عكس المزايدة وهو التنافس في إنقاص السلعة المعروضة من أكثر من بائع حتى تباع بسرعة ، وعقود المناقصات غالباً تكون في المشاريع ونحوها فمن رغب في إنشاء مشروع أو سكن أو نحو ذلك فإنه يعرض هذا المشروع على المقاولين ليتم التناقص بينهم فهذا جائز .

( الخامس / بيع التقسيط )
وهو جعل ثمن المبيع موزعاً على أقساط محددة ، فيجوز بشرط تحديد الثمن كاملاً في العقد ، وبشرط عدم ربط الفائدة بالأجل ( الفقه الميسر 1/28)  فلا يقول مثلاً إن لم تسدد أحد الأقساط فإني أزيد في الثمن لأن هذا يحيلها إلى ربا الجاهلية . ودليل جوازه قوله تعالى (( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً )) والمكاتبة هو أن يشتري العبد نفسه من سيده بأقساطٍ يدفعها له . وفيه فائدة للمشترى بعدم تكلف دفع الثمن كاملاً بل عن طريق الأقساط التي يستطيعها في كل مدةٍ يحلُّ فيها القسط ، وفيها فائدة للبائع بزيادة ثمن السلعة . والأصل في البيوع الحل .

( السادس / بيع الاسم التجاري والعنوان التجاري والعلامة التجارية )
فهذه كلها جائزة بشرط انتفاء الغرر والتدليس والغبن ( الفقه الميسر 1/28)

( السابع / بيع الأمانة أو البيع بالإخبار عن رأس المال )
وسمي ببيع الأمانة لأن البائع مؤتمن في إخباره برأس ماله وهو ثلاثة أنواع:
الأول / بيع المرابحة وهو أن يحدد رأس ماله في السلعة ثم يزيد عليه فيقول رأس مالي فيها كذا وسأبيعها بكذا بزيادةٍ على رأس ماله .
الثاني / بيع النقيصة أو المحاطة أو الخسارة أو الوضيعة وهي عكس المرابحة فيحدد رأس ماله في السلعة ثم يبيعها بأقل منه فيقول رأس مالي فيها كذا وسأبيعها بكذا بأقل من رأس ماله .
الثالث / بيع التولية وهو أن يبيعها برأس مالها بلا زيادة ولا نقصان .
فإن كذب في إخباره عن رأس ماله كان للمشتري الخيار كما تقدم .


( الثامن / بيع التورق )
وهو أن يشتري سلعةً بثمنٍ مؤجل ثم يبيعها نقداً على غير البائع بثمنٍ أقل ليحصل على النقد فهذه الصورة اختلف فيها العلماء على قولين :

القول الأول / للجمهور والمشهور عند الحنابلة أنها جائزة لأن الأصل في المعاملات الحل كما قال تعالى (( وأحل الله البيع )) ولقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة . 

القول الثاني / أنها محرمة وهو قول عمر بن عبد العزيز ورواية عن أحمد اختارها بن تيمية لأنها حيلة على الربا لأن مقصوده النقد فصار كالمقترض الذي يزيد لأجل الأجل وذلك هو الربا ، والعبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني .
الراجح / الجواز للحديث وأما قولهم أنه كالمقترض فليس بصحيح بل هو مشتري لسلعةٍ إن شاء باعها وإن شاء أبقاها عنده . ففرقٌ بين الصورتين . فالشراء بالتقسيط لأجل جائزٌ ولو زاد في سعر السلعة عن بيعها نقداً بخلاف القرض فلا يجوز الزيادة فيه ولو طال الأجل .
وأما كون المتورق ليس مقصوده السلعة وإنما النقد فكذلك كل التجار فإنهم يقصدون زيادة النقود في تجاراتهم وليس مقصودهم الانتفاع بذات السلعة فيشتري مثلاً مائة سيارة لا ليركبها ولكن ليكسب فيها فمقصوده النقد لا السلعة .

تنبيه : التورق المنظم الذي تقوم به البنوك في زماننا بأن يتولى المصرف ترتيب الحصول على النقد للمتورق فيبيعه سلعة بأجل كمعادن أو أسهم ، ثم يبيعها نيابة عنه نقداً لطرفٍ آخر ، ثم يسلم الثمن النقدي للمتورق على أن يسدد المتورق للمصرف أكثر من هذا الثمن مؤجلاً على أقساط . 
فهذه في الصورة تورق وفي الحقيقة عينه ، وخاصةً إذا كان البنك قد اشترط على المتورق أن يبيعها له أو كان العرف يحكم بذلك حين العقد ولم يشترط المتورق على البنك ألا يبيعها ، والحقيقة أنه لا فرق عند المتورق أن يبيعها البنك لنفسه أو يبيعها لغيره لأن مقصوده النقد . ويضمن البنك للمتورق بيعها بسعرٍ محدد ولولا ذاك لما أقدم العميل على التورق ، فالبنك ضامن وليس بوكيل ، فالوكيل أمين على سلعة العميل ، ولا يضمن له لا بيعها ولا الثمن الذي تباع به ، أما هنا فالمصرف يلتزم ببيع السلعة بالثمن المحدد لتوفير النقد للعميل ، وإذا وجد الضمان لم يعد هناك فرق بين المصرف وبين البائع في العينة لأن الطرفين ضامنان لتصريف السلعة .
فحاصل التورق المنظم التزام المصرف بتوفير النقد للعميل مقابل دين له أكثر في ذمة العميل وذاك هو ربا الجاهلية .

وللتخلص من الربا في هذه الصورة أن يقبض المتورق السلعة التي اشتراها من البنك وينقلها لحوزته ثم يبيعها هو لطرفٍ آخر فإن كانت أسهماً مثلاً فإنه يفتح محفظةً ولو في نفس البنك فينقل الأسهم إليها ثم يبيعها هو في سوق التداول ، أو يوكل البنك بعد ذلك في بيعها بسعر السوق .  



( التاسع / البيع بأخذ العربون )
حيث يقوم المشتري بإعطاء البائع بعض المبلغ على أنه إن أخذ السلعة احتسبه من المبلغ وإلا فهو للبائع ، واختلف فيه أهل العلم على قولين :
القول الأول / أنه لا يجوز وهو قول الجمهور لحديث عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع العربان ) والحديث ضعيف فقد ضعفه بن حجر في تلخيص الحبير والألباني في ضعيف سنن أبي داود وانظر ضعيف الجامع حديث رقم ( 6060 ) وقالوا إنه أكلٌ لأموال الناس بالباطل .
القول الثاني / أنه جائز وهو قول الحنابلة لما روي عن نافع بن الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية على أنه إن رضي عمر وإلا فله كذا قال الأثرم : قلت لأحمد تذهب إليه ؟ قال أي شيءٍ أقول وهذا عمر وحديث عمرو بن شعيب ضعيف . انتهى . وأما قولهم أنه أكل لأموال الناس بالباطل فليس بصحيح لأن الأصل في البيوع الحل ولا دليل على التحريم وقد تعارف الناس عليه وتراضوا به وهو عوضٌ عن التأخير الذي سببه المشتري للسلعة قبل أن يتراجع عنها .  وقد رجح الجواز الشيخ بن باز رحمه الله ( الفقه الميسر 1/38) وإن ردَّ البائع للمشتري النقود عند عدم إتمام البيع فهو أفضل لحديث ( من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته ) رواه أبو داود وبن ماجة وغيرهما وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ( 1758 ) 













أحكام متفرقة في البيع

(( حكم بطاقات الائتمان  ))
نظراً لسهولة الضرب في الأرض للتجارة والبحث عن الكسب وصعوبة حمل النقود الكثيرة والشيكات وخاصة مع انعدام الأمن وكثرة السرقات فقد أنتج الفكر الاقتصادي العالمي ما يسمى ببطاقات الائتمان حيث يقوم التاجر من خلالها بشراء ما يحتاج دون دفع نقود وإنما تكون في ذمته يدفعها للجهة المصدرة للبطاقة في مدةٍ محددة وهي أنواع /

1- بطاقة الخصم الفوري / وهي تعتمد على وجود رصيدٍ كافٍ لدى مصدرها لحاملها يكفي لتغطية كافة حسابات استخدامها وهذا النوع من البطاقات جائز لأنه لا يترتب على التعامل به بيعاً وشراءً محظورٌ شرعي . ( الفقه الميسر بتصرف 1/30)  

2- بطاقة الاعتماد / ولا يتطلب منحها واستخدامها وجود حساب لحاملها لدى مصدرها ولكن يلتزم حاملها بالسداد خلال مدةٍ يجري تحديدها بين الطرفين فإذا انتهت المهلة دون سداده كان لمصدرها حق إلغائها وفرض فوائد على حاملها ، وهذا النوع قال في الفقه الميسر : جائز ولو بأجرة مقابل خدمة بشرط أن تكون ثابتة غير مرتبطةٍ بالمبلغ ، وأما الغرامات المترتبة على التأخير فلا تصح لأنها من الربا . ( الفقه الميسر 1/30 )  قلت : واتفاقه معهم من البداية على هذه الزيادة يجعلها ربا فالأولى أن تحرم مطلقاً .


3- بطاقة الائتمان / لا يلزم وجود حساب جار لحاملها عند مصدرها وإنما يعطى مهلة ليقوم بالسداد خلالها وبعدها يجري عليه احتساب الفوائد وهذا هو ربا الجاهلية ولذا يحرم التعامل بهذه البطاقة مطلقاً لوجود شرط الربا فيها ( المصدر السابق بتصرف يسير )

(( حكم تفريق الصفقة  ))

تفريق الصفقة / هي بيع ما يجوز وما لا يجوز في صفقةٍ واحدةٍ بثمنٍ واحد كان يبيع عسلاً وخمراً بمائة دينار . 
فالواجب أن تفرق الصفقة فيبطل البيع فيما لا يجوز ويصح فيما يجوز ويقسم الثمن بينهما حسب القيمة المعروفةِ لكلٍ منهما ، وهذا أحد القولين عند الشافعية والحنابلة ، والقول الآخر عندهم بطلان العقد فيهما جميعاً لقول بن مسعودٍ ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة ) رواه أحمد وصححه أحمد شاكر  وقال الألباني في الإرواء رواه البزار وأحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات
والراجح الأول / إذا أمكن معرفة سعر كل واحدٍ منهما بمفرده ، وأما الحديث فالمراد به البيعتان في بيعه وقد تقدم الحديث عنها .

قال بن مفلح : تفريق الصفقة له ثلاث صور :
1-أن يبيع معلوماً ومجهولاً فلا يصح لأن المجهول لا يمكن تقويمه فلا طريق إلى معرفة ثمن المعلوم .
2-أن يبيع مشاعاً بينه وبين غيره كأرضٍ بينهما فيصح في نصيبه بقسطه على الصحيح .
3-أن يبيع خلاً وخمراً ففيه روايتان أولاهما لا يصح لأن الصفقة جمعت حلالاً وحراماً والأخرى تصح لأن كل واحدٍ منهما له حكمٌ منفرد فإذا اجتمعا بقيا على حكمهما وهذا هو الراجح . 

تنبيه / يجوز الشراء والبيع مع من كان ماله مخلوط من حلالٍ وحرام إلا إذا علم أن هذا المال الذي اشترى به منه أو هذه البضاعة من ماله الحرام فلا يحل ، وإن ترك التعامل معه مطلقاً فهو أولى خروجاً من المشتبه ، ولأجل أن يرتدع فيترك الحرام ويخرجه عنه .






 ((  حكم الاحتكار  ))
الاحتكار / هو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء ويحبسه ليبيعه بسعرٍ أكثر عند اشتداد الحاجة .
حكمه / التحريم بالإجماع في الطعام لما جاء عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن احتكار الطعام ) رواه البيهقي في السنن الكبرى وعن عمر مرفوعاً ( من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والافلاس ) رواه بن ماجة وحسن إسناده بن حجر في الفتح .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من احتكر حكرةً يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ وقد برئت منه ذمة الله ورسوله ) رواه أحمد والبيهقي والحاكم . 
وعن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يحتكر إلا خاطئ ) فقيل لسعيد فإنك تحتكر ؟ قال سعيد إن معمراً الذي كان يحدث هذا الحديث كان يحتكر . رواه مسلم والترمذي والبيهقي وقال : وكان سعيد يحتكر الزيت ، فكأنهما يحتكران ما لا يكون في احتكاره ضيق يرجع ضرره على أهل البلد ، والله أعلم . وعن أبي الزناد قال : قلت لسعيد بن المسيب : بلغني عنك أنك قلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يحتكر بالمدينة إلا  خاطئ ) وأنت تحتكر ؟ قال : ليس هذا بالذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو أن يأتي الرجل السلعة عند غلائها فيغالي بها ، فأما أن يأتي الشيء وقد اتضع فيشتريه ويضعه فإذا احتاج الناس إليه أخرجه فذلك خير . رواه البيهقي في السنن الصغرى . 
قال البغوي : الحديث وإن جاء باللفظ العام ، فاحتكار الراوي يدل على أنه مختص ببعض الأشياء ، أو بعض الأحوال ، إذ لا يظن بالصحابي أنه يروي الحديث ثم يخالفه ، وكذلك سعيد بن المسيب لا يظن به في فضله وعلمه أنه يروي الحديث ثم يخالفه ، إلا أن يحمل الحديث على بعض الأشياء . ( شرح السنة 8/179)
ولذلك اختلف أهل العلم فيما يمنع من احتكاره فخصه أبو حنيفة والشافعي وأحمد بالطعام والمراد بالطعام القوت وقال مالك والثوري وأبو يوسف من الحنفية يكره الاحتكار في كل شيء .
وقال الحسن والأوزاعي : من جلب طعاماً من بلدٍ ، فحبسه ينتظر زيادة السعر فليس بمحتكر ، إنما المحتكر من اعترض سوق المسلمين .
قال النووي في شرح مسلم : الاحتكار المحرم هو الاحتكار في الأقوات خاصة وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة ولا يبيعه في الحال بل يدخره ليغلوا ثمنه ، فأما إذا جاء به من قريته أو اشتراه في وقت الرخص وادخره أو ابتاعه في وقت الغلاء لحاجته إلى أكله أو ابتاعه ليبيعه في وقته فليس باحتكار ولا تحريم فيه . وأما غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيه بكل حال هذا تفصيل مذهبنا قال العلماء والحكمة في تحريم الاحتكار دفع الضرر عن عامة الناس كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند انسان طعام واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعاً للضرر عن الناس وأما ما ذكر في الكتاب عن سعيد بن المسيب ومعمر راويا الحديث أنهما كانا يحتكران فقال بن عبد البر وآخرون إنما كان يحتكران الزيت وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه والغلاء وكذا حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون وهو الصحيح .( المنهاج 11/43 )
وقال بن قدامة : الِاحْتِكَارُ الْمُحَرَّمُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ : 
أَحَدُهَا / أَنْ يَشْتَرِيَ ، فَلَوْ جَلَبَ شَيْئًا أَوْ أَدْخَلَ مِنْ غَلَّتِهِ شَيْئًا فَادَّخَرَهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَكِرًا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمَالِكٍ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الْجَالِبُ لَيْسَ بِمُحْتَكَرِ لِقَوْلِهِ { الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ } وَلِأَنَّ الْجَالِبَ لَا يُضَيِّقُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَضُرُّ بِهِ بَلْ يَنْفَعُ ، فَإِنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا عِنْدَهُ طَعَامًا مُعَدًّا لِلْبَيْعِ ، كَانَ ذَلِكَ أَطْيَبُ لَقُلُوبِهِمْ مِنْ عَدَمِهِ .
الثَّانِي / أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى قُوتًا . فَأَمَّا الْإِدَامُ ، وَالْحَلْوَاءُ ، وَالْعَسَلُ ، وَالزَّيْتُ ، وَأَعْلَافُ الْبَهَائِمِ ، فَلَيْسَ فِيهَا احْتِكَارٌ مُحَرَّمٌ .قَالَ الْأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ الِاحْتِكَارُ ؟ قَالَ : إذَا كَانَ مِنْ قُوتِ النَّاسِ فَهُوَ الَّذِي يُكْرَهُ . وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ الِاحْتِكَارِ يَحْتَكِرُ الزَّيْتَ . قَالَ أَبُو دَاوُد : كَانَ يَحْتَكِرُ النَّوَى وَالْخَيْطَ وَالْبِزْرَ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا ، فَأَشْبَهَتْ الثِّيَابَ وَالْحَيَوَانَاتِ .
الثَّالِثُ / أَنْ يُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ بِشِرَائِهِ . وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَمْرَيْنِ ، أَحَدِهِمَا : يَكُونُ فِي بَلَدٍ يُضَيِّقُ بِأَهْلِهِ الِاحْتِكَارُ ، كَالْحَرَمَيْنِ وَالثُّغُورِ . قَالَ أَحْمَدُ : الِاحْتِكَارُ فِي مِثْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالثُّغُورِ .فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْبِلَادَ الْوَاسِعَةَ الْكَثِيرَةَ الْمَرَافِقِ وَالْجَلَبِ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَمِصْرَ لَا يَحْرُمُ فِيهَا الِاحْتِكَارُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا غَالِبًا . الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الضَّيِّقِ ، بِأَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ قَافِلَةٌ فَيَتَبَادَرُ ذَوُو الْأَمْوَالِ فَيَشْتَرُونَهَا وَيُضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ . فَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ الِاتِّسَاعِ وَالرُّخْصِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُضَيِّقُ عَلَى أَحَدٍ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ . ( المغني 8/410 )
وتبين أن الاحتكار المحرم هو ما اجتمعت فيه الشروط التالية :
1- أن يكون المحتكر قوت الآدميين . وهو ما يمكن ادخاره كالبر والتمر والزبيب ونحو ذلك فأما ما لا يدخر كالحلواء والإدام فليس فيه احتكار وكذلك ما يستخدم في غير القوت كالزيت الذي يستضاء به ويدهن والنوى والخيط ونحو ذلك فلا يحرم احتكاره .
2- أن يشتريه من سوق البلد الذي احتكره فيه ولو كان مجلوباً إليه من الخارج كأن يبادر إلى القافلة التي قدمت بالطعام إلى هذا السوق فيشتريه منها ليحتكره . وأما إن جلبه هو من البلاد الأخرى أو من مزرعته فليس بمحتكر .
3- أن يشتريه في وقت غلاء الأسعار وحاجة الناس فأما في وقت السعة والرخص فلا يحرم لأنه لن يضيق على الناس وسيجدون من يبيعهم غيره .

ويجبر الإمام أو نائبه المحتكر على البيع كما يبيع الناس دفعاً للضرر . ( الفقه الميسر 1/55)

والخاطئ: الآثم المذنب ، يقال: خطئ يخطأ فهو خاطئ: إذا أذنب ، وأخطأ يخطئ فهو مخطئ: إذا فعل ضد الصواب .


 ((  حكم التسعير  ))
التسعير / هو تقدير السلطان أو نائبه للناس سعراً وإجبارهم على التبايع به .
حكمه / لا يجوز لأنه لا يتحقق به التراضي الذي هو من شروط البيع ولأنه لما طلب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسعر قال ( إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحدكم يطالبني بمظلمةٍ في دمٍ ولا مال ) رواه أبو داود ولو جاز التسعير لأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه .
ومن الفقهاء من يرى جوازه بشروط :
1-أن يبالغ التجار في القيمة مبالغةً كبيرة كالضعف أو قريباً منه .
2-أن يكون بالناس حاجةً إلى هذه السلعة ويكون في التسعير دفعاً للضرر عن العامة .




الفصل الثالث 
أحكام الربا 

ويشتمل على :

تعريف الربا
حكم الربا
أقسام الربا
أصناف الربا
حكم اختلاف العلل والأجناس الربوية
بعض أنواع الربا









((  تعريف الربا  ))
الربا في اللغة / الزيادة ومنه قول الله عز وجل (( فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ )) [الحج: 5] يعني علت وارتفعت وزادت وقال تعالى (( أن تكون أمة هي أربى من أمة ) أي أكثر عددا .
شرعًا / زيادة في التبادل بين أشياء مخصوصة ( وهي الأصناف الستة : الذهب ، والفضة ، والبر ، والشعير ، والتمر ، والملح ، وما يلحق بها قياساً عليها ) .

((  حكم الربا  ))
الربا محرم قال تعالى (( وأحل الله البيع وحرم الربا )) البقرة 275 وقال تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ )) [البقرة: 278، 279] وقال تعالى (( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ )) [البقرة: 276] وقال تعالى (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ )) [البقرة: 275] يعني يقومون من قبورهم يوم القيامة كما يقوم المصروع وهو يتخبط لما كان يتخبط في الأموال بغير حق . وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها أكل الربا ) ولعن صلى الله عليه وسلم ( آكلَ الربا وموكلَه وكاتبَه وشاهديه ) وقال ( هم في الإثم سواء ) رواه مسلم وقال ( درهم ربا أشد من ستٍ وثلاثين زنية ) وورد أن الربا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل أمه . وذكر القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: أن رجلاً رأى سكرانًا يريد أن يصطاد القمر من شدة سكره ، فحلف بالطلاق إن كان يدخل في جوف ابن آدم شيء أخبث وأشر من الخمر . ثم أتى إلى الإمام مالك يستفتيه هل تطلق امرأته أم لا؟ فقال دعني ثلاثًا ثم ائت إلي . فلما انقضت المدة أتى إلى الإمام مالك فقال له الإمام مالك امرأتك طالق إني تصفحت كتاب الله فلم أر شيئًا يدخل جوف ابن آدم أخبث ولا أشر من الربا . 
فالربا خطره جسيم وذنبه عظيم وذلك لأن فيه أكلاً لأموال الناس بالباطل ، وفيه إضرار بالفقراء والمحتاجين في تراكم الديون ومضاعفتها عليهم ، وفيه سدٌ لباب القرض الحسن والمعروف بين الناس ، وفيه تعطيل للتجارات والحرف والصناعات لأن المرابي إذا زاد ماله بواسطة الربا بلا كلفة فسيمنعه ذلك من مزاولة الأعمال التي تكون أكثر كلفةً ومشقة ، وفيه تفكيك للمجتمع وجعله طبقات حيث يتكدس المال بيد طبقةٍ من المجتمع والأخرى ملزمة بدين يتضاعف ولا يستطيعون له سداد .

((  أقسام الربا  ))

الربا ينقسم إلى قسمين:
1-ربا الفضل / والمقصود بالفضل الزيادة كبيع صاع من تمر بصاعين من تمر .
2-ربا النسيئة / مأخوذة من النسأ وهو التأخير كبيع صاع من تمر بصاع من تمر مع عدم التقابض وكربا الجاهلية وهو قلب الدين فإذا حلَّ الأجل قال إما أن تقضي وإما أن تربي ، فهذا محرم والواجب الإنظار لقوله تعالى{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } (280) سورة البقرة 

والدليل على النوعين حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز ) متفق عليه
وعنه أيضاً قال جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمرٍ برني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( من أين هذا ؟ ) قال : كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع فقال ( أوه ، عين الربا ، عين الربا ، لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيعٍ آخر ثم اشتر به ) متفق عليه   











((  أصناف الربا  ))
الربا يقع في ستة أصناف بالإجماع لما ورد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) رواه مسلم وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء ) رواه مسلم  

ولكن هل يجري الربا في غير هذه الأشياء الستة المنصوص عليها ؟ 
من العلماء من حصر الربا في هذه الأنواع الستة فقط كطاوس وقتادة والظاهرية ( المغني 6/54 ) وابن عقيل الحنبلي ( الشرح الممتع 8/395 )  وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم ولو كان الربا يجري في كل مكيل وموزون لبين ذلك لأنه أعم وأخصر من تعداد الأصناف الستة فلمَّا عدد هذه الأصناف دون غيرها علمنا أن هذا مختص بها فلا نتجاوز ما جاءت به السنة .
وأجيب : بأن الشريعة لا تفرق بين متماثلين فأي فرقٍ بين بيع برٍ ببر وبين بيع أرزٍ بأرز وكون الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الأصناف الستة فعلى سبيل التمثيل كحديث ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ) متفق عليه لأنه هو الطعام الموجود عندهم في ذلك الزمن فكذلك الأصناف المذكورة في الربا خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالاسم لأنها هي المتداولة عندهم في ذلك العصر ولا يعني ذلك عدم دخول ما عداها مما يماثلها في العلة إذ القياس ثابتٌ في الشريعة ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم  الحصر لبين ذلك لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .  

وقد اتفق الأئمة الأربعة على أن الربا لا ينحصر في هذه الأشياء الستة بل يدخل فيما شاركها في العلة ولكن اختلفوا في العلة على عدة أقوال :

القول الأول / العلة في الذهب والفضة الوزن وفي البقية الكيل وهو المشهور في مذهب أحمد وعليه أكثر أصحابه وهو قول النخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي لحديث ( ما وزن مثلاً بمثل إذا كان نوعاً واحداً ، وما كيل مثلاً بمثل إذا كان نوعاً واحداً ) رواه الدار قطني وعليه فيجري في كل مكيلٍ أو موزونٍ بجنسه مطعوماً كان أو غير مطعوم كالحديد والنحاس والصوف وغيرها  ، ولا يجري في مطعومٍ لا يكال ولا يوزن كالبيض ( المغني 6/55 )(الشرح الممتع 8/396 )

القول الثاني / العلة في الذهب والفضة الثمنية وفي البقية الطعم وهو قول الشافعي في الجديد ورواية عند الحنابلة لحديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل ) رواه مسلم ولأن الطعم وصف شرف لأن به قوام الأبدان والثمنية وصف شرف لأن بها قوام الأموال فاقتضى التعليل بهما ( المغني 6/55 )( الشرح الممتع 8/397 )

القول الثالث / العلة في الذهب والفضة الثمنية وفي البقية الطعم مع الكيل أو الوزن وعليه فلا يجري في مطعوم لا يكال ولا يوزن كالبيض فإنه يباع بالعدد ، ولا يجري فيما يكال وهو غير مطعوم كالحديد والنحاس ونحوهما وهذا قول الشافعي في القديم ورواية عند الحنابلة لحديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل ) رواه مسلم فقوله ( مثلاً بمثل ) أي في الكيل والوزن لأنهما هما المعيار الشرعي الذي يعرف بهما التماثل . وقد روى الدار قطني عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا ربا إلا فيما كيل أو وزن مما يؤكل أو يشرب ) ولكن قال الدار قطني الصحيح أنه من قول سعيد ومن رَفَعَهُ فقد وَهِمْ . ولأن لكل واحد من هذه الأصناف أثراً في الحكم مقروناً بجميعها والطعم بمجرده لا تتحقق المماثلة به لعدم المعيار الشرعي فيه وإنما تجب المماثلة في المعيار الشرعي وهو الكيل أو الوزن وفي هذا جمع بين الأحاديث ( المغني 6/55 )

القول الرابع / العلة في الذهب والفضة الثمنية وفي البقية الاقتيات والادخار وهو قول مالك .

القول الخامس / العلة الجنس فقط وهو قول بن سيرين وهو مردود بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع عبداً بعبدين رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة . رواه أبو داود وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 2823 ) . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل فقال ( لا بأس به إذا كان يداً بيد ) ( المغني 6/57 ) 

القول السادس / العلة في الذهب والفضة ليس الثمنية بل لأنهما ذهب وفضة سواءً كانا نقدين أو غير نقدين بدليل حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه اشترى قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر ديناراً ففصلها فوجد فيها أكثر ( فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع حتى تفصل ) رواه مسلم والقلادة ليست بنقد فدلَّ على كون الربا يجري فيهما سواءً كانا نقداً أو حلياً أو تبراً . والعلة في البقية الكيل والطعم وهذا قول الشيخ محمد العثيمين ( الشرح الممتع 8/397 )

القول الراجح / العلة في الذهب والفضة الثمنية ، لأنه كانت تثمن بهما الأشياء ويحصل بهما البيع والشراء فالدينار من ذهب والدرهم من فضة ولو لم يكن الثمنية هي العلة فيهما لشاركهما بقية الجواهر والدرر للتماثل في الحلي والزينة ونحو ذلك . وفي البقية الطعم مع الكيل أو الوزن لاجتماع العلتين في المذكورات في الحديث والأصل في البيع والشراء الحل فلا نحرم إلا ما دل الدليل على تحريمه أو ما تأكدنا أنه يماثله تماماً في العلة .
قال بن قدامة : والحاصل أن ما اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم من جنسٍ واحد ففيه الربا رواية واحدة كالأرز والدخن والذرة والقطنيات والدهن والخل واللبن واللحم ، وهذا قول أكثر أهل العلم ... وما انعدم فيه الكيل والوزن والطعم واختلف جنسه فلا ربا فيه رواية واحدة وهو قول أكثر أهل العلم كالتين والنوى والقت والماء ... وما وجد فيه الطعم وحده أو الكيل أو الوزن من جنس واحد ففيه روايتان واختلف أهل العلم فيه والأولى إن شاء الله تعالى حله إذ ليس في تحريمه دليل موثوق به . ( المغني 6/58 )  

تنبيه / المراد بالجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعاً مختلفة والنوع ما يشمل أشياء مختلفة بأشخاصها فالتمر مثلاً جنس وله أنواع منها السكري والخلاص والصفري إلى آخره فالتمر يسمي جنساً وهذه أنواعه . 

حكم اختلاف العلل والأجناس في باب الربا
إن اختلفت العلة والجنس جاز التفاضل والنسأ أي الزيادة وعدم التقابض فيجوز بيع التمر بالذهب بزيادة وعدم تقابض لأن العلة قد اختلفت فالذهب العلة فيه الثمنية والتمر العلة فيه الطعم . ودليله الإجماع ، وقد كان الدينار من ذهب والدرهم من فضة ولاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابة كانوا يشترون بهما ما يقتاتون به من هذه الأطعمة وغيرها .

وأما إذا تحدت العلة فلا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى / أن يتحد الجنس كذهب بذهب وتمرٍ بتمر فلابد من التقابض والتماثل لقول النبي صلى الله عليه وسلم  ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد ) رواه مسلم .
وقد ورد عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال : جاء بلال رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من أين هذا ؟ قال : كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع فقال ( أوه عين الربا عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به ) متفق عليه  وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر فجاءه بتمرٍ جنيب فقال ( أكل تمر خيبر هكذا ؟ ) قال : لا ، والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة . فقال ( لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً ) متفق عليه  

الحالة الثانية / أن يختلف الجنس فيشترط التقابض ولا يشترط التماثل ومثال ذلك بيع التمر بالبر فهنا العلة واحدة وهي الطعم والكيل ، والجنس مختلف فالتمر جنس والبر جنسٌ آخر ، فحينئذٍ يجوز بيع بعضهما ببعض بزيادةٍ في الكيل لكن بشرط التقابض لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) ومثل بيع الذهب بالأوراق النقدية فيشترط التقابض ولا يشترط التماثل لاتحادهما في العلة وهي الثمنية واختلاف جنسيهما .

ويجوز شراء الذهب والفضة عن طريق بطاقة الصراف الآلي لأنها في قوة المصارفة يداً بيد ، وأما عن طريق بطاقة الفيزا فلا يجوز لأن فيها تأجيل . 
وقد قرر كثير من العلماء والهيئات العلمية أن الأوراق النقدية جنس باعتبار جهة مصدره فمثلاً الريال السعودي جنس والدينار الكويتي جنس والجنيه المصري جنس والدولار الأمريكي جنس واليورو جنس فكل هذه أجناس فإذا أردت أن تصارف بين ريالٍ سعودي وجنيهٍ مصري مثلاً فهنا اختلفت الأجناس  فـ( إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ) فلا يشترط التماثل ولكن يشترط التقابض .

وعند التحويل من مكان لآخر كأن تحول مبلغاً من المال من بلدٍ إلى بلدٍ آخر أو من مدينةٍ إلى مدينةٍ أخرى عن طريق البنوك فلا يخلو من حالتين /

الحالة الأولى : أن تكون العملة واحدة كأن تريد أن تحول ريالاتٍ إلى ريالات مثلاً فهذه مثل السُفتجة لأن السفتجة هي أن تقرض إنساناً مبلغاً من المال ليسددك هو أو نائبه في بلدٍ آخر وقد اختلف أهل العلم في السفتجة على قولين :

القول الأول / وهو المشهور عند الأئمة الأربعة أنها محرمة لأنها قرض جر نفعاً وقد جاء في الحديث ( كل قرضٍ جر نفعاً فهو ربا ) ضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم ( 4244 )  والمقرض ينتفع أمن الطريق .

القول الثاني / أنها جائزة وهو مروي عن علي وبن عباس وبن الزبير وقد ورد أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان يقبض النقود من الرجل في مكة ويكتب له خطاباً إلى أخيه مصعب في العراق ليسلمه بدلها ، وهو قول الحسن وابن سيرين ورواية عند المالكية وأحمد وإسحاق واختاره النووي وبن قدامة وبن تيمية وبن القيم وبن باز والعثيمين وأقره المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشر برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ( الفقه الميسر 1/144) ، لأنه لا دليل على تحريمها والأصل في المعاملات الحل وأما حديث ( كل قرضٍ جر نفعاً فهو ربا ) فحديث ضعيف ولا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو قولٌ لبعض الفقهاء أنكره بن حزم غاية الإنكار وبين أنه ما من قرضٍ إلا وهو يجر نفعاً فينتفع المستقرض بالمال مدة القرض وينتفع المقرض بضمان ماله في يد المستقرض وشكره إياه ولو سلمنا لهم لكان كل قرضٍ حرام وهذا باطل .

الراجح / القول بجواز السفتجة لأنها ليست من باب القرض بل هي من باب الحوالة ، ولأن فيها مصلحة لكل من المقرض والمقترض من غير ضررٍ بواحد منهما ، فالمقرض ينتفع أمن الطريق ، والمقترض ينتفع بالقرض ، وما كان فيه مصلحة للجميع ، وليس فيه ضرر فإن الشرع لا يمنعه وإنما يمنع ما كان فيه مصلحة للمقرض دون المقترض وعليه يحمل الأثر ( كل قرضٍ جر نفعاً فهو ربا ) . 


الحالة الثانية : أن تكون العملة مختلفة فتريد أن تحول ريالات إلى جنيهات أو إلى دولارات فلابد من التقابض فلأجل ذلك تقول للبنك خذ هذه الريالات واصرفها لجنيهات ثم تأخذ الجنيهات وتعدها وتقول للبنك حول هذه الجنيهات إلى البنك الفلاني وقد ذكر أهل العلم أن القيد في دفاتر المصرف يعتبر بمثابة القبض فإذا كتب موظف البنك أنك قد صرفت بين الريال وبين الجنيه وأثبت السعر وقت الصرف فهذا يكون بمقام التقابض لكن بشرط أن يكون البنك يملك العملة المحولة وموجودة عنده إما في نفس المكان أو حتى في البنك المركزي لهذا البنك ، وإذا كان لا يملكها يكون قد صرف ما لا يملك والعُمْل المشهورة في الغالب أنها تكون متوافرة عند البنوك مثل الدولار واليورو ولكن بعض العمل ربما لا تكون متوفرة عند بعض البنوك فيحتاط المسلم لدينه بالسؤال .


مسألة / عند الحنابلة في المشهور لا يصح بيع المكيل بجنسه موزونًا ولا الموزون بجنسه مكيلاً لحديث ( الذهب بالذهب وزناً بوزن والفضة بالفضة وزناً بوزن والبر بالبر كيلاً بكيل والشعير بالشعير كيلاً بكيل ) رواه الأثرم وصححه الألباني في الإرواء  وقال بعض أهل العلم لا بأس ببيع المكيل موزوناً أو العكس إذا تحققت المماثلة لأن المقصود هو التماثل وهو اختيار ابن تيمية ، ولا يجوز بيع المكيل ولا الموزون بجنسه جزافاً بلا كيلٍ ولا وزن .


حكم بيع اليابس من الجنس بالرطب منه
لا يجوز بيع اليابس من الجنس بالرطب منه ولو حصل التماثل والتقابض كبيع التمر بالرطب وذلك لأن الرطب ينقص وزنه وكيله إذا يبس ولذلك لما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر استفسر فقال ( أينقص الرطب إذا يبس ؟ ) قالوا : نعم قال ( فلا إذاً ) والمخرج أن يبيع التمر ويشتري بثمنه رطباً .

وفرَّع العلماء على هذه المسألة مسائل فمنها :
أنه لا يجوز بيع رطب الشيء عمومًا بيابسه ، ولا خالصه بمشوبه فلا يجوز مثلاً بيع برٍ خالص ببرٍ مشوب بشعير ولو مع تحقق التماثل والتقابض ولا يجوز بيع الذهب عيار أربعة وعشرين وهو الذهب الخالص أو شبه الخالص بعيار واحد وعشرين أو عيار ثمانية عشر وهو المشوب فهذا لا يجوز لأنه لا تتحقق المثلية على وجه دقيق .
ولا نيئه بمطبوخه ككيلو لحم نيئ بكيلو من اللحم المطبوخ فهنا تحقق التماثل في الوزن والتقابض ومع ذلك لا يجوز لأنه يتعذر تحقق التماثل على وجه دقيق والفقهاء يقولون إن النار تعقد أجزاء المطبوخ فلا يتحقق التماثل فيه على وجه دقيق ولذلك فالمال الربوي لا يجوز بيع نيئه بمطبوخه ولا بعصيره مثل بيع زيت الزيتون بزيتون أو عصير العنب بعنب فلا يجوز لتعذر تحقق المماثلة.



((  بعض أنواع الربا  ))
( الأول / ربا القرض )
وهو أن تقرض إنساناً مبلغاً من المال على أن يسددك ويزيدك ومن صورها الفوائد البنكية فعندما يفتح الإنسان حسابًا جاريًا في البنك فالبنك يسميها وديعة ويكتب قسيمة إيداع وفي الواقع أنها قرضٌ وليست وديعة لأن البنك من حين أن يتسلم منك النقد يتصرف فيه ، ولو كان وديعةً لما تصرف فيه ، ثم أن البنك ضامن لهذا المال سواء تلف بتعدٍ وتفريط منه أو بدون تعد وتفريط منه ولو كان وديعة لما ضمن إلا في حال التعدي والتفريط فدل ذلك على أنه قرض ، ولذلك أي زيادة فيه تكون من قبيل الزيادة في القرض فتدخل في الربا .

( الثاني / ربا الدين )
وهو أن تبيع إنساناً غرضاً بالدين إلى أجل وعندما يحل موعد سداد الدين تقول له إما أن تَقضي وإما أن تُربي فتؤجل له السداد بشرط الزيادة ، وهكذا كلما حلَّ موعد السداد ، وهذا هو ربا الجاهلية وهو محرم كما قال تعالى(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً )) آل عمران: 130 ونظيره الآن بطاقة الفيزا عند بعض البنوك فتشتري بها ما تشاء بالدين ويعطونك فترة سماح مجانية إن سددت فيها الدين في هذه المدة وإلا بدؤوا يحتسبون عليك فوائد ربوية فلسان حالهم يقول : إما أن تقضي وإما أن تُربي ، ولذلك فقد قرر مجمع الفقه الإسلامي عدم جواز إصدار بطاقات الفيزا التي من هذا النوع ، وبعض الناس يقول أنا قادر وأستطيع أن أسدد هذا الدين خلال فترة السماح المجانية نقول هذا ليس بصحيح كم من إنسان قال ذلك وعرضت له عوارض فلم يستطع ثم أيضاً مجرد توقيعك على العقد المتضمن على هذا الشرط يُعتبر إقرارًا منك بالربا .
ومن صوره أن يبيع شخص على آخر سيارة بالتقسيط ويقول إذا تأخرت عن سداد قسط من الأقساط أحتسب عليك غرامة بسبب التأخر كشرط جزائي ، فهذا لا يجوز لأن فرض غرامة على المدين وهو ما يسمى بالشرط الجزائي بسبب تأخره عن السداد هذا هو ربا الجاهلية فلسان حال الدائن يقول إما أن تقضي وإما أن تربي ، وأما الشرط الجزائي في غير الديون فلا بأس به كشخص يبني لآخر عمارة فشرط المالك على المقاول أن ينجز هذه العمارة خلال ستة أشهر وقال أحتسب عليك غرامة عن كل يوم تأخير ، لأجل حثه على الإنجاز فهذا لا بأس به .

















الفصل الرابع

أحكام متفرقة 
في التعاملات المالية








 ((  أحكام القرض  ))
القرض لغة: القطع .
اصطلاحاً: دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله .
العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي / أن المقرض يقطع شيئاً من ماله ليعطيه المقترض .
والقرض جائز بالإجماع للمقترض ومندوب إليه في حق المقرض لأن فيه تفريجاً عن أخيه المسلم وقضاء لحاجته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( ما من مسلم يقرض مسلماً مرتين إلا كان كصدقة مرة ) أخرجه ابن ماجة وابن حبان وحسنه الألباني في الإرواء
وليس الاقتراض من المسألة المكروهة فقد اقترض النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي رافع رضي الله عنه قال : استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً فجاءته إبل من الصدقة قال أبو رافع فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقلت لا أجد إلا جملاً خياراً رباعياً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أعطه إياه فإن خير الناس أحسنهم قضاء ) رواه مسلم . والبَكْرُ هو الصغير من الإبل ، والخيار الجيد ، والرباع هو ما استكمل ست سنين .
ولكن تركه لغير المحتاج أولى لخطر الدين لأن الدين أمره عظيم فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ( بأن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله ) رواه البخاري

مسائل :
1-كل ما صح بيعه صح قرضه إلا بني آدم يعني العبيد والإماء وهذا مذهب الحنابلة ، وقال المالكية والشافعية لا يصح إقراض ما لا ينضبط بالوصف كالجواهر ونحوها ، وقال الحنفية لا يجوز القرض إلا في المثليات أي التي لا تتفاوت آحادها كالنقود وكالمكيل والموزون والمعدود حتى يمكن ضبطه عند الرد ، وأما القيميات التي تتفاوت آحادها تفاوتاً تختلف به قيمتها كالحيوان والعقار فلا يصح إقراضها لأنه لا يمكن إيجاب رد الحيوان نفسه إذا تلف وغيره لا يماثله فتحدث النزاعات . وهذا القول مردود لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد استسلف حيواناً . ( الفقه الميسر 1/107)

2-يشترط لصحة القرض أن يكون المقرض ممن يصح تبرعه بالمال وهو الحر العاقل البالغ الرشيد المالك للمال وهذا بالاتفاق بين الفقهاء . (الفقه الميسر 1/106)

3-اشترط الحنفية والحنابلة كون المال المقترض عيناً ولا يصح عندهم إقراض المنافع وخالف المالكية والشافعية وقالوا بصحة قرض المنافع التي تنضبط بالوصف واختاره شيخ الإسلام . (الفقه الميسر 1/108)

4-يشترط معرفة قدر المال المدفوع في القرض ومعرفة صفته حتى يتمكن من رد بدله وهذا أيضاً بالاتفاق ( الفقه الميسر 1/108) ويجوز أن يرد خيراً منه بدون شرط لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً ورد خياراً رباعياً ، فإذا وجد شرط بالزيادة كان رباً . 

5-لا يجوز شرط شيءٍ ينتفع به المقرض كبيع فلو قال أقرضك بشرط أن تبيعني بيتك لم يجز لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يحل سلف وبيع ...) أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 7644 ) والسلف هو القرض ، وورد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا أقرض أحدكم قرضاً  فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك ) رواه بن ماجة والبيهقي وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم (2831 ) (وانظر الملخص الفقهي 2/50 ) وقال عبد الله بن سلام لأبي بردة بن أبي موسى : إنك بأرضٍ فيها الربا فاشٍ ، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حبل قت فلا تأخذه فإنه ربا ) رواه البخاري .
ويستثنى من ذلك أن يشترط رهناً أو كفيلاً فيجوز لكن لا يجوز له الانتفاع بهذا الرهن .
والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً فإذا كانت الزيادة أمراً متعارفاً عليه كما عند البنوك الربوية فيكون كالمشترط ولو سموه فائدة أو هدية أو غير ذلك فلا يجوز .

تنبيه / كريم الأخلاق الذي يطمع من أقرضه في حسن رده فالصواب أنه لا يكره إقراضه بل ينبغي أن لا يعاقب على حسن تعامله مع الناس بأن نقول إنه يكره إقراضه بشرط ألا يكون هذا عادة مطردة بالنسبة له كلما أُقرض أهدى لكن بحسب ما يتيسر له إن تيسر له أن يهدي لهذا المتعامل معه هدية بعد الوفاء أهدي له وإن لم يتيسر لم يهدِ له فهذا لا يكره إقراضه .

حكم تحديد زمن لسداد القرض
اختلف العلماء في هذه المسألة فقال الجمهور : لا يحدد القرض بأجلٍ لا يبدأ المقرض بالمطالبة إلا بعده ، وقال المالكية : إن التأجيل من تمام العقد وليس منافياً لمقتضى العقد لأن الغرض من القرض هو الإحسان والتكافل بين المسلمين فكان تأجيله من تمام ذلك الإحسان فكان من تمام مقتضى العقد وليس منافياً للعقد وهذا القول اختاره شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم وبن عثيمين وصالح الفوزان ( الفقه الميسر 1/109 ) وهو الراجح فلو طلب المقترض من المقرض أن يمهله إلى سنة قال أقترض منك على أن أسدد لك بعد سنة فعلى قول الجمهور  أنه لا يحدد بأجل فللمقرض أن يطالب المقترض بالسداد في أي وقت ولو في اليوم الثاني وليس للمقترض الممانعة . أما على القول الثاني وهو قول المالكية وهو أن القرض يتأجل بالتأجيل فليس للمقرض مطالبة المقترض إلا بعد مضى الأجل لحديث ( المسلمون على شروطهم ) وهذا عقد وقد قبل به المقرض والله تعالى يقول (( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )) المائدة1















((  أحكام الدين  ))

الدين هو: كل ما ثبت في الذمة من حقوقٍ لله أو لآدمي .
فدين الله سبحانه كالزكاة والحج والصيام قال النبى صلى الله عليه وسلم ( اقضوا الله فإن الله أحق بالوفاء ) رواه البخاري وأما ديون الآدميين فهي ما تثبت فى الذمة بسبب القرض أو بسبب شراء شيء أو غير ذلك . وقد عظم النبى صلى الله عليه وسلم شأن الدين حتى أخبر أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين . رواه مسلم وقال ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ) متفق عليه وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا صل عليها فقال هل عليه دين ؟ قالوا لا فصلى عليها ثم أتي بجنازة أخرى فقال هل عليه دين ؟ قالوا نعم فقال فهل ترك شيئاً ؟ قالوا ثلاثة دنانير فصلى عليها ثم أتي بالثالثة فقال هل عليه دين ؟ قالوا ثلاثة دنانير قال هل ترك شيئاً ؟ قالوا لا قال صلوا على صاحبكم قال أبو قتادة صلي عليه يا رسول الله وعلي دينه فصلى عليه . رواه البخاري  حتى إذا كثرت الفتوح وكثرت موارد بيت مال المسلمين قال النبى صلى الله عليه وسلم ( من ترك ديناً فعليَّ ومن ترك مالاً فلورثته ) متفق عليه

مسائل :

1-ليس للدائن أن يطالب بالدين قبل حلول أجله وليس له أن يطالب بالحجر على المدين إذا خاف فلاس المدين مادام لم يحل الأجل ، فلا ينتهي الأجل بتفليس المديون واختلف العلماء هل يحل الأجل بموت المديون ؟ فقال الجمهور: يحل ، وقال الحنابلة : لا يحل بشرط أن يوثقه الورثة برهن أو كفيل حتى يزول ما يخشى منه وهو عدم حصول الوفاء للدائن .

2- إذا أراد المدينُ سفراً أو الغزوَ تطوعاً فلغريمه منعه إلا أن يوثق هذا الدين برهن أو كفيل وذلك حماية للدائن من أن يضيع حقه ، وهذا من مراعاة الشريعة لحقوق الناس .


مسألة ضع وتعجل / وهي أن يقترح الدائن على المدين أن يضع عنه بعض الدين نظير أن يتعجل في السداد قبل الأجل ، فقد اختلف فيها أهل العلم على قولين : 
القول الأول / للجمهور أنه لا يجوز واعتمدوا على أحاديث تنص على تحريم هذه الصورة ولكنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فكلها ضعيفة .

القول الثاني / الجواز وهو رواية عند الحنابلة واختارها بن تيمية وتلميذه بن القيم ( الفقه الميسر 1/113) لأنه لا دليل صحيح على التحريم والأصل في المعاملات الحل ولا يقاس على الربا لأن الربا يتضمن الزيادة وهنا النقصان فيكون من باب الهبة فكما أن للدائن أن يتنازل عن كامل المال للمديون هبةً له فله أن يتنازل عن بعضه ويستفيد تعجيل الأجل وللمديون أن يتنازل عن حقه في الأجل ويستفيد تقليل الدين .











( أحكام الاستصناع )
الاستصناع معناه في اللغة / طلب صناعة الشيء  .
اصطلاحاً / أن يطلب شخص من آخر شيئاً لم يصنع لكي يقوم الآخر بصناعته طبقاً لمواصفات محدده بمواد من عند الصانع مقابل عوض محدد ويقبل الصانع بذلك .
وأما إذا كانت العين ليست من الصانع وإنما من المستصنع و العمل من الصانع فإن هذا ليس باستصناع وإنما هو إجارة ، فلو أن شخصاً ذهب إلي خياط ليخيط له ثوباً فإن كان القماش والعمل من الخياط فهذا يعتبر عقد استصناع لكن لو أتى الشخص بقماش وقال للخياط أريد منك أن تخيط لي هذا القماش ليكون ثوباً على مواصفات معينة فهذا إجارة وليس باستصناع .
وجمهور الفقهاء يعتبرون الاستصناع سلماً ويشترطون له شروط السلم ومنها تعجيل جميع الثمن ففي خياطة الثوب إذا كان القماش والخياطة من الخياط لابد أن يسلم له ثمن الثوب مقدماً ولكن عند الحنفية أن عقد الاستصناع عقد مستقل بذاته مستقل بأحكامه وبمسائله وأنه لا يشترط تسليم رأس المال بل يجوز تأجيل رأس المال كله أو بعضه وقول الحنفية في هذا هو الأقرب والأظهر وهو الذي عليه عمل المسلمين من قديم ولا يسع الناس إلا هذا القول خاصةً وأن المسألة ليس فيها دليل ظاهر والأصل في المعاملات الحل ، والجمهور قالوا إنه بيع معدوم وربما يكون في ذلك شيءٌ من الجهالة  والغرر . فنقول السَّلَم أيضاً فيه جهالة وغرر حيث يقع على شيءٍ معدوم غير موجود فعندما يعطيه عشرة آلاف على أن يسلم له مائة كيلو تمر غير موجود ومع ذلك أجازه الشارع لما فيه من المصلحة ولحاجة الناس إليه وما فيه من الجهالة والغرر مغتفر في مقابل ما يترتب عليه من المصلحة العظيمة وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ( اصطنع خاتماً ) رواه النسائي وصححه الألباني وليس في الاستصناع رباً ولا جهالة ولا غرر ولا ميسر والأصل هو الإباحة والحل ، أما ما قد يوجد فيه من جهالة أو غرر يسيران فيغتفران بجانب المصالح العظيمة المترتبة عليه ، وعقد الاستصناع عقدٌ لازم على القول الراجح إذا كان مطابقاً للشروط والمواصفات وهو قول أبو يوسف وغيره وقال جمهور المجيزين أنه عقدٌ غير لازم فللمستصنع الفسخ ولو جاء المصنوع موافقاً للطلب وهذا فيه إضرار بالصانع ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه بن ماجة وغيره وصححه الألباني 


شروط الاستصناع /
1-أن يكون المستصنع معلوماً جنسه ونوعه وعدده .
2-أن يكون مما يجري فيه التعامل بين الناس .
3-ألا يحدَدَ فيه أجل وإلا لصار سلماً وحينئذٍ تجب فيه شروط السلم وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن بل يجوز أن يحدد في الاستصناع أجل لجريان التعامل به بين الناس عرفاً وأخذ بذلك مجمع الفقه الاسلامي في قراره رقم 65(3/7) قاله في الفقه الميسر (1/99)



















( حكم الشرط الجزائي )
يجوز الشرط الجزائي في الأشياء التي لا يكون الالتزام فيها ديناً ، أما ما كان الالتزام فيها ديناً فإنه لا يجوز فيها ، فمثلاً في البيع بالتقسيط لا يجوز الشرط الجزائي كأن يقول أقسط عليك هذه السيارة لكن إذا تأخرت في سداد الأقساط فعليك غرامة مقابل التأخير فهذا لا يجوز لأن هذا هو ربا الجاهلية ، وأما في غير الديون فلا بأس به فمثلاً في عقد المقاولة عندما يتفق شخص مع مقاول على بناء بيت ويشترط على المقاول أن ينجز بناء هذا البيت خلال مدة معينة ويشترط عليه شرطاً جزائياً عن كل يوم تأخير فيجوز لأنه مقابل عمل وليس مقابل دين ، لكن لو قال المقاول أنا أفرض عليك شرطاً جزائياً مقابل التأخر في دفع أقساط المقاولة فلا يجوز لأنه مقابل دين وليس مقابل عمل .



( عقود التوريد )
عقود التوريد أربع صور :
1-أن تكون عقد بيع وحينئذٍ لابد من التأكد أن المورد يملك السلعة .
2- أن تكون عقد سلم وهنا لابد أن يدفع لهذا المورد الثمن كاملاً في مجلس العقد ويطلب منه توريد سلعة معينة بمواصفات معينة في وقت معين وإذا كان لا يثق به فيمكن أن يأخذ منه ضمانات رهناً أو كفيلاً أو غيره .
3-أن تكون عقد استصناع وذلك إذا كان المورد يقوم بالصناعة وحينئذٍ لا يلزم تسليم الثمن مقدماً وهذا هو الفرق بينه وبين السلم .
4-أن يكون على سبيل الوعد غير الملزم فيعده وعداً غير ملزم بأنه إذا قام باستيراد سلع معينة على مواصفات معينة أنه سوف يشتريها منه وحينئذ إذا قام بتوريدها فلابد من إبرام عقد جديد لأن المتقدم ليس عقداً وإنما هو وعدٌ غير ملزم .



((  أحكام الحجر  ))
الحَجر لغةً / المنع والتضييق ومنه سُمى العقل حِجْراً كما قال تعالى{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} (5) سورة الفجر لأنه يمنع صاحبه من السفه وارتكاب ما يقبح ويشين ، ومنه سمى حِجُر الكعبة لأنه يمنع الطائفين من أن يطوفوا فيه وإنما يطاف من ورائه ، ومنه سمي الحرام حجراً لأنه ممنوع منه قال تعالى (( ويقولون حجراً محجوراً )) أي حراماً محرماً .
الحَجر اصطلاحا : منع الإنسان من التصرف في ماله.(الفقه الميسر 1/152)
والدليل على جواز الحجر قول الله تعالى {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} (5) سورة النساء وقوله تعالى{وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (6) سورة النساء وقد حجر النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ وباع ماله . رواه البيهقي والدار قطني والحاكم
والحجر ينقسم إلى قسمين :
1- حجر على الإنسان لمصلحة نفسه كالسفيه والمجنون واليتيم .
2- حجر على الإنسان لأجل مصلحة غيره .
ومنه الحجر على المفلس وهو من عليه دين أكثر من ماله الموجود وسمي مفلساً لأنه وإن كان ذا مالٍ فإن ماله مستحق الصرف في جهات دينه فكأنه معدوم المال ، فيمنع من التصرف في ماله الموجود لكي لا يضر بأصحاب الديون . 
أما المعسر الذي لا يقدر على وفاء شيءٍ من الدين فهذا لا يطالب بالدين بل يجب إنظاره كما قال تعالى (( وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَة إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْر لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ))[البقره 280] فأمر الله عز وجل بإنظار المعسر والأمر يقتضى الوجوب ، وسمى إسقاط الدين عنه صدقة وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على إنظار المعسر ففي صحيح مسلم عن أبى قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر ، أو يضع عنه ) وجاء في الصحيحين من حديث حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا له أعملت من الخير شيئاً ؟ قال : لا . قالوا : تذكر . قال : كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر . قال فقال الله تجاوزوا عن عبدي نحن أحق بذلك منه ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أنظر معسراً أو وضع عنه أنجاه الله من كرب يوم القيامة ) رواه مسلم ولا يجوز التعرض له ولا حبسه  لأن الله عز وجل أمر بإنظاره ولأنه إذا حبس انقطع عن العمل الذي يستطيع به السداد وانقطع عن أهله وأسرته فلا يجوز للدائن أن يشتكي هذا المعسر ويرفع أمره للقضاء حتى يحبس وإن فعل فقد أثم لأن القضاة في الوقت الحاضر أصبحوا يحبسون مدعي الإعسار لأن هناك من يدعى الإعسار وليس بمعسر ، فإذا تأكد الدائن أن صاحبه معسر فلا ينبغي أن يشتكيه وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أنه لا يثبت الإعسار إلا بثلاثة شهود واحتج بحديث ( إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه . لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً ) رواه مسلم قال الإمام ابن القيم إذا كان هذا في باب أخذ الزكاة وحل المسألة ففي باب دعوى الإعسار المسقط لأداء الدين أولى لأن دعوى الإعسار من الأمور التي تقوى فيها التهمة .
وأما الموسر الذي له قدرة على وفاء الدين فإنه لا يحجر عليه ولكن يؤمر بوفاء الدين إذا طالب الغرماء بذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مطل الغنيِّ ظلم ) متفق عليه ويستحق العقوبة وهى حبسه حتى يسدد ما عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 2919 ) وإذا حبس فأصرَّ على المماطلة وعنده مال فإنه يعزر بضربٍ ونحوه حتى يسدد . قال بن تيمية : ومن كان قادراً على وفاء دينه وامتنع أُجْبِرَ على وفائه بالضرب والحبس نص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم ولا أعلم فيه خلافاً . ( نقله الفوزان في الملخص الفقهي 2/69) قال الشيخ صالح الفوزان : فإن أصر على المماطلة فإن الحاكم يتدخل فيبيع ماله ويسدد منه ديونه  ( نفس المصدر )

مسائل في باب الحجر /
1-حق الغرماء يتعلق بالمال الموجود قبل الحجر وكذلك الحادث بعد الحجر بإرثٍ أو وصيةٍ أو غيرهما فلا ينفذ تصرف المحجور عليه في ماله بعد الحجر ببيعٍ ولا هبةٍ ولا غيرهما .
2-لا يصح تبرع المفلس قبل الحجر وهو مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام بن تيمية لأن حق الغرماء قد تعلق بماله فوجب تقديمه على الصدقات .
3-يتولى الحاكم قضاء دينه ويبدأ بمن له أرش جنايةٍ من رقيقة فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من الأرش أو قيمة الجاني فإن كان أرش الجناية هو الأقل فيدفع له الأرش وإذا كانت قيمة الجاني الذي هو الرقيق هي الأقل  فيعطى الرقيق ، ثم يعطي من له رهن من الغرماء فيقدم على غيره ويدفع إليه أقل الأمرين من دينه أو ثمن رهنه ، وإذا كان الرهن لا يفي فيكون في بقية الدين أسوة الغرماء .
4-من وجد متاعه الذي باعه أو آجره أو أقرضه لهذا المفلس بعينه لم يتلف بعضه ولم يزدد زيادةً متصلة ولم يأخذ من ثمنه شيئاً فله أخذه فهو أحق به من غيره فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ( من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره ) أخرجه البخاري ومسلم  فإن كان المفلس قد مات فإنه لا يكون أحق بمتاعه والدليل على ذلك أنه قد جاء في رواية أبي داود قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فإن مات فصاحب المتاع أسوة الغرماء ) صححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 2720 ) والشرط السادس كون السلعة لم يتعلق بها حق الغير فإن تعلق بها حق الغير بأن يكون المفلس مثلاً قد رهنها فليس لصاحب السلعة أخذها .
فإذاً من وجد متاعه فلا يأخذه إلا بهذه الشروط الستة وهي باختصار :
1-أن يجد المتاع أو المال بعينه   2-لم يتلف منه شيء    3-لم يزدد زيادة متصلة كالسمن  4-لم يكن قد أخذ من ثمنه شيئاً     5-كون المفلس حياً   6-كون السلعة لم يتعلق بها حق الغير كرهنٍ ونحوه .
وعلى الحاكم أن يبيع مال المفلس ويقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه لا يقسمها بالتساوي فلو كان له دائنان أحدهما يطلبه الثلثين والآخر يطلبه الثلث فيعطى هذا بقدر الثلثين وهذا بقدر الثلث ، ويترك الحاكم ما يحتاج إليه المفلس من نفقته هو ومن تلزمه نفقته من زوجة وأولاد وغيرهم .
ويستحب عند بيع المال إحضار المفلس لمعان أربعة :
أحدها إحصاء ثمنه وضبطه ، والثاني أنه أعرف بثمن متاعه وجيده ورديئة ، والثالث أن الرغبة تكثر فيه فإن شراءه من صاحبه أحب إلى المشترين فيرتفع الثمن ، والرابع أنه أطيب لقلبه وأحسن مما لو بيع في غيبته وقيل له قد بعنا مالك .
ويستحب أيضاً إحضار الغرماء عند البيع وذلك أيضاً لمعان أربعة :
أولاً أنه يباع لمصلحتهم ، والثاني أنهم ربما رغبوا في شيءٍ فزادوا في ثمنه فيكون أصلح لهم وللمفلس ، والثالث أنه أطيب لقلوبهم وأبعد عن التهمة ، والرابع لعل فيهم من يجد عين ماله فيأخذه .
وهذا كله ليس بواجب وإنما مستحب . 

وأما الصبي فيحجر عليه حتى يبلغ وعلامات البلوغ هي :
1-إنزال المني يقظة أو مناماً قال الله عزّ وجلّ (( وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ )) [النور 59]
2-بلوغ خمس عشرة سنة ويدل له قول بن عمر رضي الله عنهما ( عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ) وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وأما الحنفية فحد بلوغ الذكر عندهم ثمانية عشر والأنثى سبعة عشر والمالكية ثمانية عشر للذكر والأنثى .
3-إنبات الشعر الخشن حول الفرج وهو مذهب الجمهور ودليله قصة حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه في يهود بني قريظة في أن تقتل مقاتلتهم ، قال عطية القرظي : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكّوا في أمري فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ( أن ينظروا إليّ هل أنبت أم لا ؟ فنظروا إليّ فلم يجدوني قد أنبت فألحقوني بالذرية ) ومذهب أبو حنيفة عدم اعتباره علامة على البلوغ والراجح الأول للحديث .
4-الحيض عند النساء فإذا حاضت المرأة فقد بلغت .
ويشترط لفك الحجر عنه أن يكون رشيداً ، والرشد معناه الصلاح في المال لقول الله تعالى (( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )) [ النساء : 6] فيمتحن فيسمح له بشيءٍ من التصرف فإذا تصرف مراراً ولم يغبن غبناً فاحشاً ولم يبذل ماله في حرام أو فيما لا فائدة فيه فهذا دليل على رشده فإذا تحقق هذان الأمران البلوغ والرشد وجب على ولي اليتيم أن يدفع إليه ماله لقول الله عزّ وجلّ (( فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ))  [ النساء 6] 
والمجنون يزول الحجر عنه أيضاً بأمرين: زوال الجنون والرشد . والسفيه : بزوال السفه والرشد .

ومن أعطى السفيه أو المجنون أو الصغير ماله فأتلفه فلا ضمان عليه لأن المعطي فرط بتسليطهم على ماله برضاه واختياره ، وأما لو تعدوا على نفسٍ أو مالٍ فإنهم يضمنون لعدم تفريط المجني عليه .

((  أحكام الحوالة  ))
الحوالة فى اللغة / مشتقة من التحول وهو الانتقال من موضع إلى موضع ومنه قول الله عزّ وجلّ (( خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا )) [ النساء : 6] يعني تحولاً وانتقالاً .
اصطلاحاً /  نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ( الفقه الميسر 1/140)
وله أربعة أركان :
1-المحيل : وهو الناقل للدين الذي عليه إلى غيره .
2-المحال عليه : وهو المنقول إليه الدين .
4-المحال : صاحب الدين .
3-المحال به : وهو الدين الذي ينتقل من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه .
والأصل في جواز الحوالة السنة والإجماع ففي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مطل الغني ظلم ، وإذا أُتبع أحدكم على مليءٍ فليتبع ) وفى لفظ ( وإذا أحيل أحدكم على مليءٍ فليحتل ) يعني فليقبل الحوالة . وقد أجمع المسلمون على جواز الحوالة في الجملة . ومشروعية الحوالة فيها توسعة على الناس وتسهيلاً لسبل معاملاتهم وسداد ديونهم .
وقد قال بعض العلماء إنها بيع ، والصحيح أنها عقد إرفاق مستقل بنفسه ، لأنها لو كانت بيعاً لما جازت لأنه بيع دين بدين ، ولما جاز التفرق قبل القبض وغير ذلك مما يترتب على أحكام البيع ولذلك فالصواب أن الحوالة عقد مستقل بنفسه لا يراد بها المعاوضة إنما يراد بها التيسير والتسهيل والإحسان والتعاون بين أفراد المجتمع الإسلامي ، ولذلك نعرف أن نظرة الإسلام للحوالة تختلف عن نظرة البنوك لها فهي ليست من وسائل الربح والاستثمار وإنما هي من باب عقود الإرفاق ولذلك فأخذ عمولة لأجل الحوالة لا يجوز إلا إذا كان أخذ العمولة لأجل أجرة تكاليف فعلية حقيقية تقوم بها البنوك أو غيرها لتوصيل الحوالة فهذا لا بأس به .
ويشترط رضا المحيل ، أما المحال عليه فلا يشترط رضاه لأن عليه في ذمته دين لهذا المحيل وسيدفع المال لأيٍ منهما في وقت السداد فلا فرق وهذا قول الجمهور ، وقال الحنفية بل يشترط رضاه لأن الناس يتفاوتون في تقاضي ديونهم شدةً وتيسيراً (الفقه الميسر 1/143) وأما المحال ففيه تفصيل فإن كان المحال عليه مليئاً فلا يعتبر رضاه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل ) و ( إذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع ) وأما إذا كان غير مليء فلابد من رضاه وهذا مذهب الحنابلة وأما الجمهور فيشترطون رضاه مطلقاً لأن الدين حقه فلا ينتقل من ذمةٍ إلى ذمةٍ إلا برضاه إذ الذمم تتفاوت يساراً وإعساراً وبذلاً ومطلاً ، ويمكن الجمع باشتراط كونه مليئاً باذلاً (الفقه الميسر 1/142)
تنبيه / قال الإمام أحمد في تفسير المليء: هو أن يكون مليئاً بماله وقوله وبدنه ، وقال الزركشي: المليء بالمال معناه أن يقدر على الوفاء ، والمليء بالقول يعني ألا يكون مماطلاً ، وبالبدن أن يكون ممن يمكن حضوره إلى مجلس الحكم .
مسألة / إذا رضي المحال بالحوالة على أن المحال عليه مليء فتبين أنه ليس بمليء فهنا اختلف العلماء فقال بعضهم ليس له الرجوع على المحيل لأنه قد رضي بهذه الحوالة فانتقل الحق لذمة المحال عليه وهو قد فرط بعدم اشتراط الملاءة في المحال عليه وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة وذهب بعض الفقهاء وهو رواية عن الإمام أحمد إلى أن له الرجوع على المحيل في هذه الحالة وذلك لأن الفلس والمماطلة عيب فهو كمن اشترى شيئاً يظنه سليماً فبان معيباً ولأن المحيل قد غره بذلك في تلك الحوالة . 

شروط الحوالة /
1-أن تكون على دينٍ مستقرٍ في ذمة المحال عليه لأن مقتضى الحوالة إلزام المحال عليه بالدين وإذا كان هذا الدين غير مستقر فهو عرضة للسقوط فلا تثبت الحوالة عليه ، فلا تصح على ثمن مبيع في مدة الخيار ونحو ذلك ( الملخص الفقهي 2/62)
2-اتفاق الدينين المحال به والمحال عليه في الكمية كعشرة دنانير بعشرة دنانير ، والكيفية كريالات سعودية بريالات سعودية ، والوقت بأن يكون وقت حلولهما واحد ، فلو كان احدهما حالاً والآخر مؤجلاً ، أو يحل أحدهما بعد شهر والآخر بعد ثلاثة أشهر لم تصح الحوالة ، وكذا لو أحال بمائة على تسعين إلا أن تكون ببعض ماله أو ببعض ما عليه من الدين فتصح .
3-رضا المحيل وتقدم الكلام عنه .





((  أحكام الضمان  ))
الضمان في اللغة / مشتق من الضمن فتصير ذمة الضامن ضمن ذمة المضمون عنه ، وقيل مشتق من الانضمام لأن ذمة الضامن تنضم إلى ذمة المضمون عنه ، وقيل مشتق من التضمن لأن ذمة الضامن تتضمن الحق ، ويسمى كفيل وملتزم وغارم وزعيم .
اصطلاحاً / هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق الواجب حالاً أو مستقبلاً فيثبت في ذمتيهما جميعاً ( الفقه الميسر 1/120)
وكثير من الفقهاء يطلقون الضمان ويريدون به التزام المال ويطلقون الكفالة ويريدون بها إحضار النفس أو إحضار البدن ، فيكون الضمان متعلقاً بالمال بينما الكفالة متعلقة بالبدن ، وبعض الناس في الوقت الحاضر يسمون الضمان كفالة غرامية والكفالة يسمونها كفالة حضورية فإذا اجتمع الضمان والكفالة يقولون كفالة غرامية حضورية وعلى كل حالٍ فلا مشاحة في الاصطلاحات .
والضمان جائز بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول يوسف لإخوته (( وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ )) [يوسف :72] أي ضامن وكفيل كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الزعيم غارم ) يعني الضامن أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 4116 ) وقد أجمع المسلمون على جواز الضمان وأنه من عقود الإرفاق والإحسان لقضاء حوائج المسلمين وتفريج كرباتهم وهو كالحوالة وكالقرض لا يجوز أخذ عوض في مقابلته لأن أخذ عوض مقابل الضمان يؤول إلى أن يكون من قبيل القرض الذي جر نفعاً .

ويشترط لصحة الضمان :
1-أن يكون الضامن جائز التصرف وهو الحر المكلف الرشيد لأنه تحمل مال فلا يصح من صغير ولا سفيه لأنه محجور عليهما ولا عبد لأنه وماله لسيده .
2-رضا الضامن فلا يصح من مكره لأنه تبرع بالتزام حق فاعتبر له الرضا كالتبرع بالأموال .

ويصح الضمان بكل لفظٍ دل عليه كقول ( أنا ضمين ، أنا حميل ، أنا زعيم ، ضمنته ، هو عندي ، تحملت دينك ... الخ ) 
مسألة / إن ضمن عن المديون ضامن لم يبرأ وصار الدين عليهما ، ولصاحبه مطالبة من شاء منهما لحديث ( الزعيم غارم ) ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الزعيم غارم ومعني كونه غارماً يعني ملزماً نفسه ما قد ضمنه وبمقتضى هذا الالتزام يكون للدائن الحق في مطالبته بالدين ولو مع عدم تعذر مطالبة المضمون عنه ، وذهب بعض المالكية إلى أن الدائن ليس له مطالبة الضامن إلا إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه إما لموته أو لغيبته أو لإفلاسه أو لمماطلته ونحو ذلك ، وقد رجح الإمام بن القيم رحمه الله هذا القول وقال إن الضمان استيثاق بمنزلة الرهن فلا يطالب الضامن إلا إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه وذلك لأن الضامن في الحقيقة فرع بينما المضمون عنه أصل ولا يصار إلى الفرع إلا عند تعذر الأصل ، كالتراب يلجأ إليه في الطهارة عند تعذر الماء ( ذكره الخثلان في شرحه للعمدة من دروس صوتية ) وقال بعض الحنفية إن ذمة الضامن ذمة مطالبة لا ذمة أداء ( الفقه الميسر 1/129)

((  من المسائل المتعلقة بالضمان  ))
1- لا تبرأ ذمة الضامن حتى تبرأ ذمة المضمون عنه بإبراءٍ أو قضاء فهي فرعٌ عن ذمة المضمون وتبعٌ لها ولذلك فإن الضمان لا يسقط بموت الضامن بل ينتقل حق المطالبة إلى تركته وذلك لأن الدين المضمون صار ديناً على الضامن ولأن الغرض من الضمان هو الاستيثاق والطمأنينة وسقوط الضمان بموت الضامن ينافي هذا المعني .
2-الضمان من العقود اللازمة ودليله ما رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة ليصلي عليها فقال هل عليه من دين قيل ديناران يا رسول الله فلم يصلي عليه حتى قال أبو قتادة الديناران عليَّ يا رسول الله فلو كان لأبي قتادة أن يرجع لما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يوفى الدين لاحتمال أن يرجع ، فدل على أنه ليس له أن يرجع .
3-أن الكفالة تنقلب إلى ضمان عند تعذر إحضار المكفول إلا أن يشترط الكفيل البراءة من الضمان فلا يلزمه ضمان الدين حينئذ عملاً بشرطه لأن المسلمون على شروطهم ، وإن مات المكفول برأت ذمة الكفيل بخلاف الضمان لأن الضمان مرتبط بالمال بينما الكفالة مرتبطة بالبدن .
4-أنه يجوز تعدد الضامنين فيجوز أن يضمن الحق اثنان فأكثر سواءً ضمن كل واحد منهما جميع الدين المضمون أو جزءاً منه ، ولا يبرأ أحد منهم إلا ببراءة الآخر أو سداد الجزء الذي ضمنه ويبرؤون جميعاً ببراءة المضمون عنه ( الملخص الفقهي 2/59)
5-لا يشترط على الضامن معرفة المضمون عنه ولا المضمون له فلو قال من استدان منك فأنا أضمنه أو قال للمديون عليَّ دينك ، صح ذلك كله .
6-يصح ضمان المعلوم وكذلك يصح ضمان المجهول إذا آل للعلم فحمل البعير الذي ضمنه يوسف غير معلوم لكنه آيلٌ للعلم فدلت الآية على جواز ذلك .
7-يضمن الإنسان بالمعرفة عند الحنابلة فإذا قال أنا أعرف من هو وأين هو ضمن ويبحث عنه ويدل عليه ويضمن إن لم يفعل ذلك ( الفقه الميسر 1/128)

8-من الصور المعاصرة للضمان والكفالة / كفالة الاستقدام بحيث يستقدم عاملاً ويكفل إحضاره عند الطلب والتبليغ عنه عند الهرب ثم يتفقان على صورة عملٍ معينة ومنها :

أ-أن يتفق الكفيل مع العامل أن يعمل عنده بسعرٍ أقل أو أكثر فيصح برضا الطرفين .

ب-أن يتفق الكفيل مع العامل على أن يتكفل الكفيل بالأدوات كالحديد والأخشاب وغيرها ويتكفل العامل بالعمل على نسبةٍ محددة للكفيل من دخل العامل  فيصح إذا لم يخالف نظام الدولة التي يكونان فيها .

ج-أن يتفق الكفيل مع العامل على أن يترك الكفيل العامل يعمل عند من يشاء وكيفما يشاء على أن يكون للكفيل مبلغاً معيناً أو نسبةً من دخل العامل فهذا لا يجوز حيث لا يوجد مشاركة في الكسب فيكون ما يأخذه الكفيل أكلاً للمال بالباطل وتحرم من وجهٍ آخر لأن ولي الأمر قد منع مثل هذه التعاملات للمصلحة العامة ودرءاً للمفاسد الأمنية والاقتصادية وبتحريمه أفتت اللجنة الدائمة في قرارها رقم (4505)(11617)(الفقه الميسر 1/139)





((  أحكام الرهن  ))
الرهن لغةً / الثبوت والدوام يقال ماء راهن أي راكد ، ونعمة راهنة أي دائمة ، ويطلق أيضاً على الحبس ومنه قول الله عز وجل ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ )) [المدثر: 38] يعني محبوسة بكسبها وعملها ، والمحبوس ثابتٌ في مكانه .
اصطلاحاً / هو توثقة دين بعين يمكن استيفاءه منها أو من ثمنها ( الملخص الفقهي 2/53) إذا تعذر الوفاء .
كأن تشتري جملاً وليس معك نقود فتقول لصاحب الجمل خذ سيارتي رهناً عندك حتى آتيك بالثمن فإن أحضرت الثمن وإلا فله أن يبيع السيارة ويأخذ حقه من ثمنها .

والرهن جائزٌ بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى (( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهانٌ مقبوضة )) سورة البقرة من الآية 283 وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ( اشترى من يهوديٍ طعاماً ورهنه درعه ) رواه البخاري ومسلم وأجمع المسلمون على جوازه مطلقاً عدا مجاهد قال لا يجوز في الحضر وإنما في السفر مستدلاً بالآية والحديث حجة عليه ( الفقه الميسر 1/115)

وأركان الرهن أربعة ( المرهون ، والمرهون به ، والصيغة ، والعاقدان وهما الراهن والمرتهن )

وشروط الرهن خمسة :
1-أن يكون العاقدان جائزا التصرف بأن يكونا بالغين عاقلين رشيدين .
2-أن يكون الرهن بدين واجب .
3-أن يكون المرهون متمولاً يمكن إستيفاء الدين منه أو من ثمنه فلا يصح رهن الوثائق الرسمية مثل جواز السفر وبطاقة الأحوال ودفتر العائلة وغيرها حيث لا يمكن استيفاء الدين منها ولا من ثمنها .
4-أن يكون المرهون ملكاً للراهن أو مأذوناً له في رهنه . ( الفقه الميسر 1/116)
5-أن يعرف قدره وجنسه وصفته . ( الملخص الفقهي 2/53)



والرهن من عقود التوثيق ولذلك إن امتنع الراهن من بيع الرهن فقال الشافعية والحنابلة يعزره الحاكم بالحبس حتى يبيع فإن لم يفعل باع الحاكم المرهون وقضى الدين من ثمنه ، وقال المالكية لا يحبس الراهن وإنما يبيع الرهن مباشرةً وهو الراجح لأن المقصود سداد الدين ، وقال الحنفية يحبسه حتى يسدد ولا يبيع لأن في ذلك نوع حجرٍ على الراهن وفي ذلك إهدارٌ لأهليته ( الفقه الميسر 1/119)

ولا يلزم الرهن إلا بالقبض في قول الجمهور الحنفية والشافعية والحنابلة واستدلوا بقول الله عز وجل (( فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ )) [البقرة: 183] وهذا يدل على اشتراط القبض للزوم الرهن وبناء على ذلك فالرهن قبل القبض صحيح ولكن ليس بلازم فلو أن المدين الذي هو الراهن تصرف فيه فيبطل الرهن . وقال المالكية والحنابلة في رواية : الرهن يلزم بمجرد العقد ولا يشترط للزومه القبض واستدلوا بقول الله عز وجل (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )) [المائدة: 1] والرهن عقد وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود وقياساً على البيع فإن البيع يلزم بمجرد العقد والتفرق بالأبدان ولو لم تقبض السلعة ، وأما الآية الكريمة التي استدل بها الجمهور وهي آية الدين فقد ذكر الله عز وجل فيها كمال التوثقة لجملة من الأمور التي تحصل بها توثقة الدين فذكر الله تعالى شهادة رجلين أو رجل وامرأتين وكذلك في الرهن فالمذكور كمال التوثقة وليس فيها دلالة على أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض . ( الفقه الميسر 1/117)

وحقيقة القبض النقل في المنقولات والتخلية فيما لا يمكن نقله ، فالسيارة مثلاً تنقل ويحوزها المرتهن وأما العقار فلا يمكن نقله فقبضه يتحقق بالتخلية بينه وبين المرتهن .
وقيل المرجع العرف فما عده الناس قبضاً فهو قبض ، وما لا فلا .

ويصح اشتراط الرهن في صلب العقد وبعده لا قبله لقوله تعالى (( ولم تجدوا كاتباً فرهان )) فجعل الرهن بدلاً من الكتابة والكتابة إنما تكون بعد وجوب الحق ( الملخص الفقهي 2/53)

والرهن أمانة عند المرتهن أو أمينه لا يضمنه إلا إذا تعدى أو فرط وهو قول الشافعية والحنابلة لحديث ( لا يغلق الرهن ، لصاحبه غنمه وعليه غرمه )رواه البيهقى فحكم بغرمه على صاحبه وليس على المرتهن وقال الحنفية : يد المرتهن يد ضمان فيضمن الأقل من قيمته ومن الدين لحديث عطاء بن أبي رباح أن رجلاً رهن فرساً فنفق في يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرتهن ( ذهب حقك ) رواه أبو داود في المراسيل ونقل الزيلعي في نصب الراية عن ابن القطان أنه ضعف الراوي عن عطاء (الفقه الميسر 1/118) وفرق المالكية بين ما يمكن إخفاؤه كالحلي فيضمنها وبين ما لا يمكن إخفاؤها كالعقار والحيوان فلا يضمن إلا بتفريط والراجح الأول لأن الراهن قد رضي أمانة المرتهن فأشبه المودع . ( الفقه الميسر 1/118)
ولا ينتفع المرتهن بشيءٍ منه إلا ما كان مركوباً من الدواب أو محلوباً فللمرتهن أن يركب ويحلب بمقدار العلف لأن الحيوان يحتاج إلى نفقةٍ للعلف والسقي ولذا رخص الشارع بأن يركبه إن كان يصلح للركوب وأن يحلبه إن كان يصلح للحلب بشرط أن ينفق عليه يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الظهر  يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً وعلى الذي يركب ويشرب النفقة ) رواه البخاري  وقال الجمهور لا ينتفع بشيءٍ منه مطلقاً لحديث ( له غنمه وعليه غرمه ) وقول الحنابلة أصح للحديث ، قال الشيخ سعد الخثلان : وما عدا الحلب والركوب من المنافع فلا تحل للمرتهن إلا بالاتفاق مع الراهن فإن اتفقا على الانتفاع بالرهن بنحو تأجيره وغير ذلك جاز وإلا فإن للراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه المتصل كالسمن وتعلم الصنعة ونمائه المنفصل كالثمرة والولد وكلها تتبع الرهن فتكون مرهونةً معه حتى يتم التسديد وعلى الراهن غرمه من مؤونته ومخزنه وكفنه إن مات وحراسته وأجرة رعي الماشية وغير ذلك مما يحتاجه المرهون ، لأن المرتهن لا يملكه في الحقيقة وإنما هو مجرد أمانة كالوديعة عنده فالغنم والغرم يكون لصاحبه ، وإن أتلفه المرتهن وأخرجه من الرهن بعتقٍ أو نحوه فعليه قيمته. وإذا حل الدين فلم يوفيه الراهن بيع الرهن ووفي الحق من ثمنه وباقيه للراهن قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه ) فإغلاق الرهن كان موجوداً في الجاهلية فكانوا إذا عجز المدين عن أداء ما عليه استولى المرتهن على الرهن وأخذه كله ولو كان أكثر من الدين ، ولو أن شخصاً باع آخر بدين وشرط على المشتري أن يحضر رهناً أو كفيلاً ثم باعه بناء على هذا ثم لما طلب البائع من المشتري إحضار الرهن رفض أن يسلمه الرهن ولم يحضر الكفيل فهنا يخير البائع بين الفسخ أو الاستمرار بلا رهن ولا ضمين .



مسائل في باب الرهن /
1-إذا كان الدين قرضاً فطلب الدائن من المدين رهن فليس له أن ينتفع بالرهن حتى لا يكون من القرض الذي جر نفعاً .
2-الرهن يلزم من جهة الراهن لأن الحظ فيه لغيره فليس له فسخه بغير رضا المرتهن ، وأما المرتهن فليس بلازمٍ من جهته فله فسخه لأن الحظ فيه له ، ولا ينفذ تصرفهما جميعاً بغير الفسخ كالبيع والهبة وغيرها إلا برضا الطرف الآخر لأن تصرف الراهن يبطل حق المرتهن في التوثيق وتصرف المرتهن تصرفٌ في ملك غيره .
3-يجوز أن يرهن نصيبه من عينٍ مشتركةٍ بينه وبين غيره لأنه يجوز بيع نصيبه عند حلول الدين ويوفى منه الدين .
4-للبائع أن يرهن المبيع عنده حتى يستوفي ثمنه من المشتري لأنه صار ملكاً للمشتري وثمنه دينٌ في ذمته .
5-إن تلف بعض الرهن وبقي بعضه فيبقى الباقي رهناً بجميع الدين .
6-إن وفى المدين ببعض الدين لم ينفك الرهن حتى يوفي الدين كله .













((  أحكام الصلح  ))
الصلح لغةً / قطع المنازعة .    اصطلاحاً / معاقدة يتوصل بها إلى إصلاحٍ بين متخاصمين .
وهو جائزٌ بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما بينهما )) الحجرات 9 وقال تعالى (( والصلح خير )) النساء 128 وقد وعد الله عز وجل من سعى في الإصلاح بين الناس بأن يؤتيه أجراً عظيماً فقال سبحانه (( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً )) [النساء: 114] وقال تعالى (( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ )) [الأنفال: 1] ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً ، أو حرم حلالاً ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وبن ماجة والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 3862 ) وكان عليه الصلاة والسلام يصلح بين الناس ، ومن مبالغة الشارع في الحث عليه أنه رخص فيه الكذب فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً ) رواه البخاري ومسلم فمن كذب لأجل الإصلاح فهو مأجورٌ غير مأزور إذا كان الصلح لا إثم فيه وأما إن كان فيه هضم لحق مسلم أو مصالحة على محرم أو نحو ذلك فهذا الصلح محرم ومن ثمَّ يكون الكذب فيه محرم .
وقد أجمعت الأمة على جواز الصلح بين الخصوم ( الفقه الميسر 1/146)
والصلح لا يتناول حق الله عز وجل كالحدود والزكاة ونحوهما وإنما يكون في حقوق الآدميين التي تقبل المعاوضة والإسقاط ويشمل خمس صور هي :
الصورة الأولى / الصلح بين المسلمين وأهل الحرب من الكفار .
الصورة الثانية / الصلح بين أهل العدل وأهل البغي من المسلمين .
وهاتان الصورتان موضع الحديث عنهما في كتاب الجهاد .
الصورة الثالثة / الصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما .
وهذا موضع الحديث عنه في كتاب المعاملات الزوجية .
الصورة الرابعة / الصلح بين الناس في غير الأموال .
وهذا متفرق في كتب متنوعة ككتاب القضاء والشهادات والإقرارات وغيرها .
الصورة الخامسة / الصلح بين الناس في الأموال وهذه موضعها هنا في كتاب المعاملات المالية ، ولذا سيكون الحديث هنا عن هذه الصورة ، فنقول / ينقسم الصلح إلى قسمين :
القسم الأول / صلح عن إقرار وهو نوعان :
النوع الأول / صلحٌ يقع على جنس الحق كأن يقر له بدينٍ فيصالحه على إسقاط بعضه فيصح إن كان صاحب الدين يصح تبرعه وأما إن كان الدين ليتيمٍ أو سفيهٍ فلا يحل لوليه الصلح على إسقاط بعض الدين لأنه تصرفٌ فيما لا يملك ، ولا يصح إذا منع المديون الدائن حقه بدونه فيقول إذا لم تسقط بعضه وإلا فلن أعطيك . فيحرم لأنه أكل لمال صاحب الدين بغير حق ، ودليل جواز هذا النوع من الصلح أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر رضي الله عنه أن يضعوا عنه .

النوع الثاني / صلح يقع على غير جنس الحق كأن يقر له بدينٍ فيصالحه على شيءٍ خارج عن هذا الدين كسكنى دار أو إجارة سيارةٍ أو غير ذلك فيصح بالشروط المتقدمة في الصلح على جنس الحق . 

القسم الثاني / صلح عن إنكار : وهو أن يدعي شخص على آخر دين أو نحوه ثم ينكر الآخر لكنه لا يريد أن يشوه سمعته بالمخاصمة في المحاكم ونحوها فيصالح المدعي على مالٍ أو نحوه لأجل أن يتنازل عن الدعوى فهذا جائز في حق الصادق منهما محرم في حق الكاذب لأنه أكلٌ لمال الآخر بغير حق .
وهذا قول الجمهور العلماء ، وأما الشافعية قالوا لا يصح وقول الجمهور هو الصواب لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ) وهذا لا يحل الحرام ولا يحرم الحلال ، ولأن الصلح على إنكارٍ بالنسبة للمدعى عليه يدفع المال افتداءً ليمينه وإزالة للضرر عنه وقطعاً للخصومة وصيانة لنفسه من التبذل والمخاصمات لأن ذوي النفوس الشريفة يأنفون من ذلك ويصعب عليهم فيدفعون المال للإبراء من ذلك وربما يطلب منه اليمين وهو لا يريد أن يحلف ولو كان صادقاً ، فهذا الصلح يصح أمام القاضي لكن فيما بينه وبين الله عز وجل حرام على الكاذب لقوله تعالى (( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ )) [البقرة: 188]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار ) متفق عليه   فحكم القاضي لا يحل الحرام .


( الصلح عن المجهول )
الشريكان اللذان يكون بينهما ديون مثلاً ولم يمكن ضبطها فيصطلحان على شيءٍ معين ثم يحل كل منهما الآخر وذلك لقصة الرجلين من الأنصار الذين أتيا يختصمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مواريث درست بينهما ولا بينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم  ( إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فإني أقضى بينكم على نحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها أسطاماً في عنقه يوم القيامة ) فبكى الرجلان وقال كل واحدٍ منهما حقي لأخي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أما إذا قلتما هذا فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه )رواه أبو داود وأحمد ويسمى الصلح عن المجهول وقد أنكره الشافعية وقالوا لا يصح مطلقاً لأن الصلح فرع البيع ولا يصح بيع المجهول ، وفرق الحنفية بين ما يحتاج إلى تسليم فلا يجوز لئلا يفضي إلى المنازعة وأما إن كان لا يحتاج إلى تسليم كترك الدعوى مثلاً فيجوز لكونها لا تفضي إلى المنازعة والراجح جوازه لهذا الحديث ولأن الصلح هنا إبراء وليس بيعاً والإبراء عن المجهول جائز ولئلا يضيع حق أحدهما أو تبقى ذمته مشغولة والصلح يحل مثل هذه المشكلة وهذا مذهب المالكية والحنابلة .

حكم الصلح عن القصاص والحدود
يصح الصلح عن القصاص بالدية أو أكثر منها ، ولا يصح عن الحدود لأن فيها حق لله تعالى وحق للمجتمع فالصلح يبطلها ويحرم المجتمع من فائدتها ويفسح المجال للمفسدين .








((  أحكام الوكالة  ))
الوكالة لغةً /  التفويض ، تقول وكلت أمري إلى الله أي فوضته إليه .
اصطلاحاً / هي استنابة جائز التصرف ( وهو الحر المكلف الرشيد ) مثله فيما تدخله النيابة( الفقه الميسر 1/160) سواء كانت من حقوق الله كتفريق الزكاة ، أو من حقوق الآدميين كالبيع والشراء ، فتجوز فيها الوكالة لقول الله تعالى في أصحاب الكهف (( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ )) [الكهف: 19] فهذه وكالة في الشراء وقول يوسف للملك (( اجعلني على خزائن الارض )) أي وكلني فيها ، وقد وكل النبي صلى الله عليه وسلم أبا رافع في تزويجه ميمونة ووكل عروة بن الجعد في شراء الشاة وكان يبعث عماله في قبض الزكاة ، وذكر الموفق وغيره إجماع الأمة على جواز الوكالة ( الملخص الفقهي 2/64)

والوكالة من العقود الجائزة وليست من العقود اللازمة فيجوز لكل واحدٍ من الطرفين فسخ الوكالة بدون رضا الطرف الآخر إلا أن الفقهاء استثنوا مواضع تكون الوكالة فيها لازمة وهي :

1-الوكالة ببيع الرهن وذلك لتعلق حق صاحب الدين بهذه الوكالة فليس للوكيل التراجع .
2-الوكالة في الخصومة كما لو وكل المدعى عليه وكيلاً في الخصومة وكان هذا التوكيل بطلبٍ من المدعي فلا تفسخ الوكالة ولو بطلبٍ من المدعى عليه حتى يرضى المدعي .
3-الوكيل على تسليم عينٍ لمعين مع غياب الموكل فلا يجوز له فسخ الوكالة حتى يسلم العين للمعين لئلا يضيع حقه .
وهذا عند الحنفية وأما عند الشافعية فلا تلزم إلا في الحالتين التاليتين والراجح لزومها في الجميع ( الفقه الميسر 1/162)
4-إذا كانت بجعل وشرع الوكيل في العمل فلا يجوز للموكل فسخها لأن فيه مضرة على الوكيل . 
5-إذا كانت الوكالة بلفظ الإجارة واستكملت شرائطها فإنها تكون لازمة . ( الفقه الميسر 1/162)




وتبطل الوكالة بأمورٍ منها :
1-موت الموكل أو الوكيل أو جنونهما لاعتمادها على الحياة والعقل .
2-فسخهما للوكالة لاعتمادها على الاستمرارية واشترط الأحناف علم الطرف الآخر .
3-إذا حجر عليهما أو على أحدهما لزوال أهلية التصرف كالسفيه دون المحجور عليه لدينٍ ونحوه فتصح وكالته .
4-الانتهاء من تنفيذ العمل المطلوب فيها .

والوكالة تنعقد بالإيجاب وهو كل قولٍ يدل على الإذن نحو ( افعل كذا أو أذنت لك في فعل كذا ) أو غير ذلك من العبارات ، والقبول وهو كل قول أو فعل يدل على القبول ، وتصح كذلك بمجرد كتابة صك الوكالة والتوقيع عليه . 
ولا يشترط لقبول الوكالة أن يكون على الفور بل يصح على التراخي .
ولا يشترط حضور الوكيل بل يصح ولو بالمراسلة أو الاتصال أو غير ذلك .
ولا بد من تعيين الوكيل فلو قال وكلت أحد هؤلاء لم يصح .

وقد ذكر الفقهاء أنه يصح التوكيل في النكاح والطلاق فيصح للولي أن يوكل من شاء من قريب أو أجنبي ويصح للمرأة أن توكل مثلاً أخاها في أن يعقد لها وأيضاً الزوج يصح أن يوكل من يقبل عنه واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمر بن أمية في قبول نكاح أم حبيبة ووكل أبا رافع في قبول نكاح ميمونة قال الحافظ بن حجر رحمه الله في تلخيص الحبير : اشتهر في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن أمية للنجاشي فزوجه أم حبيبة وهو يحتمل أن يكون هو الوكيل في القبول يعني عمرو بن أمية أو النجاشي وعلى كلا التقديرين هذا دليل على صحة التوكيل في النكاح لأن أم حبيبة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي في الحبشة قطعاً لكن الخلاف فيمن توكل فيقول وكيل الولي زوجت فلانةً لفلان ويقول وكيل الزوج قبلت لموكلي .

ويصح التوكيل في النكاح مطلقاً ومقيداً فالمقيد التوكل في تزويج امرأةٍ معينةٍ لرجلٍ معين ، والمطلق أن يوكل في تزويج من يرضاه الوكيل فيزوج وكيل المرأة المرأة من يرضاه من الرجال ويزوج وكيل الرجل الرجل من يرضاه من النساء ، وقد روي أن رجلاً من العرب وكل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تزويج ابنته وقال لعمر إذا وجدت كفأً لها فزوجه ولو بشراك نعله فزوجها عمر عثمان بن عفان .
ويصح في الطلاق فيوكل من يطلق زوجته عنه ولو امرأة فيصح أن يوكل أمه أو أخته في تطليق زوجته بل يصح أن يوكل الزوجة نفسها في تطليق نفسها فإن أطلق من غير نية لا تملك إلا واحدة وإن نوى اثنتين أو ثلاثاً فيقع الطلاق بنيته .
ويصح التوكيل في الرجعة والخلع ولكن لابد أن يذكر الموكل للوكيل العوض الذي تقع عليه المخالعة .

وتصح الوكالة في المطالبة بالحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها سواء كان الموكل حاضراً أو غائباً وهو ما يسمى في الوقت الحاضر بالمحاماة ، فالمحامي هو الوكيل في الخصومة وفي سنن البيهقي عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: كان على بن أبى طالب رضي الله عنه يكره الخصومة فكانت إذا كان له خصومه وكَّل فيها عقيل بن أبى طالب رضي الله عنه ، وكان عليٌ رضي الله عنه يقول : إن للخصومة قحماً ( أي مهالك ) وإن الشيطان يحضرها وإني لأكره أن أحضرها .

وبهذا يتبين أن الوكالة تصح في العقود كالبيع والشراء والإجارة والقرض والمضاربة والنكاح وغيرها ، وتصح في الفسوخ كالطلاق والخلع والعتق والإقالة وغيرها ، وتصح فيما يدخله النيابة من حقوق الله كإخراج الزكاة وتفريق الصدقات وأداء الحج والعمرة وذبح الأضاحي وإثبات الحدود واستيفائها لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ) متفق عليه ولا تصح فيما لا يدخله النيابة من العبادات كالطهارة والصلاة والإيمان ، ولا تصح في العقود التي لا تقبل النيابة كالظهار والأيمان واللعان والنذر ( الفقه الميسر 1/164)  

وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً أو عرفاً وليس له توكيل غيره إلا أن الفقهاء استثنوا من هذا مسائل:
الأولى: أن يكون العمل الموكل فيه لا يتولاه مثله كما لو وكل شخصاً في بناء بيت وهذا الشخص معروف أنه لا يتولى هذا العمل بنفسه فلا بأس أن يوكل فيه.
الثانية: أن يعجز عن العمل الذي وكل فيه فله أن يوكل فيه .
الثالثة: إذا كان لا يحسن العمل الذي وكل فيه فله أن يوكل فيه.

وليس للوكيل أن يشتري من نفسه ولا أن يبيع من نفسه إلا بإذن موكله وذلك لأنه متهم في البيع لنفسه أو في الشراء لنفسه ، وألحق الفقهاء بذلك بيعه وشراؤه لمن لا تصح شهادته له كولده وزوجته وسائر من لا تصح شهادته له ، فليس له أن يبيع لهم إلا بإذن الموكل ، واستثنى بعض الفقهاء من هذا ما إذا كان البيع في المزايدة في الحراج فللوكيل أو ولده أو سائر من لا تقبل شهادته له أن يشترى كغيره من الناس من غير مجاملة له لأن التهمة حينئذ تنتفي .

والوكيل أمينٌ لا ضمان عليه فيما يتلف إلا إذا تعدى أو فرط والقول قوله في الرد والتلف ونفي التعدي ، فلو وكل شخصٌ آخر في بيع سيارة ثم إن هذه السيارة تلفت أو سرقت من غير تعدٍ ولا تفريط من الوكيل فقال الموكل فرطت حتى سرقت السيارة أو حتى تلفت فقال الوكيل ما فرطت فإن وجد بينة فالقول قول صاحب البينة لكن إن لم توجد بينة فالقول قول الوكيل لأنه أمين .

وإذا قضى الوكيل الدين بغير بينة ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل لأن هذا يعتبر تفريط لأنه مظنة للجحود إلا إذا كان قد قضاه بحضرة الموكل فإن هذا يعتبر إذن له من الموكل .

ويجوز التوكيل بجعل أو بدونه ، فلو قال بع هذا بعشرة فما زاد فلك صح .









((  أحكام الشراكة  ))
ينبغي التعرف على أحكام الشراكات لفائدتها وخطرها في نفس الوقت فهي تنمي المال وتولد التعاون بين الناس وتبادل الخبرات بينهم واستثمار الطاقات ويحصل فيها البركة عند عدم الخيانة والصدق في المعاملة ، ولكنها في نفس الوقت قد تكون مظنة للنزاع خاصة إذا وجد خيانة أو تلاعب من أحد الأطراف قال تعالى (( وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ )) [ص:21-24] والخلطاء هم الشركاء . وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى ( أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ) رواه أبو داود والحاكم وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم ( 1748 )
وقال السائب بن أبي السائب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ( كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك لا تداريني ولا تماريني ) رواه أبو داود وبن ماجة وصححه الألباني ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم الشراكة في الإسلام فكان إقراراً منه لها .

والشراكة أنواع :
1-شراكة الإباحة / وهي الاشتراك في المباحات كقول النبي صلى الله عليه وسلم ( المسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار ) رواه أحمد وأبو داود وبن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 6713 )
2-شراكة الأملاك / وهي الاشتراك في الأملاك كالعقار والمصانع والمؤسسات .
3-شراكة العقود / وهي الاشتراك في العقود كالبيع والشراء والتأجير .

وشراكة العقود أربعة أنواع :
1-شركة العنان / وهي أن يشتركا بماليهما وبدنيهما .
2-شركة المضاربة / وهي أن يكون من أحدهما مال ومن الآخر عمل .
3-شركة الوجوه / وهي اشتراك في التحمل بالذمم دون مال .
4-شركة الأبدان / وهي اشتراك بما يكسبان بأبدانهما .


شروط صحة الشراكة :
1-أهلية العاقدين بأن يكونا حرين بالغين عاقلين رشيدين لأن كل واحدٍ منهما يعتبر أصلاً لحصته ووكيلاً لحصة شريكه .

2-أن يكون رأس مال الشركة معلوماً وحاضراً فلا يصح أن يكون مجهولاً ولا ديناً ولا مالاً غائباً حين الاتفاق على الشركة لأنه لا يؤمن أداء الدين وحضور المال الغائب عند الحاجة إليه .

3-معرفة مقدار الربح بينهما وأن يكون جزءاً شائعاً كالنصف والثلث ونحوهما فلا يصح اشتراط ربح إحدى السفرتين أو مبلغاً معيناً لأنه يؤدي إلى جهالة حق الطرف الآخر أو فواته بالكلية وهذا يفضي إلى التنازع والاختلاف وقد جاء الشرع بسد أبواب الفرقة ، وكذلك لا يصح اشتراط ضمان الربح أو رأس المال إن لم يوجد ربح أو عند تلف المال ، لأن هذا ليس من مقتضيات عقد الشراكة .

4-اشترط الشافعية أن يكون رأس مال الشركة مثلياً وهو ما يمكن حصره بالكيل أو الوزن ويجوز فيه السلم كالنقدين وخالفهم المالكية والحنابلة في رواية وأجازوه في غير المثليات كالعروض ، وعند الحنفية والحنابلة في رواية أنه لا بد أن يكون من الأثمان ولا يصح من العروض ولو مثلياً .

5-اشترط المالكية والشافعية في قسمة الربح أن تكون مبنية على مقدار نصيب كل شريك في رأس مال الشركة وخالفهم الحنفية والحنابلة فقالوا إن قسمة الربح يجوز أن تكون مبنيةً على اشتراط الشركاء  (الفقه الميسر 1/170)

ملاحظة / الشركات التي تطرح المساهمة للناس وكل يساهم فيقال مثلاً قيمة السهم بمائة أو مائتين أو أكثر أو أقل ومن أراد أن يساهم بسهم أو سهمين أو عشرة أو أكثر فله ذلك ثم تجمع أموال المساهمين وتكون رأس مال ضخم بالملايين فهذه الشركات تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شركات ذات أغراض وأنشطة مباحة كالزراعة والصناعة والتجارة ونحو ذلك ، ولا تتعامل بالربا مطلقاً ، فهذه الشركات لا بأس بالمساهمة فيها لأن مثلها كمثل مجموعةٍ من الأقارب أو غيرهم اجتمعوا ودفع كل واحدٍ مبلغاً معيناً فجمعوها وتاجروا فيها وجعلوا نصيب كل واحدٍ منهم بنسبة ما دفع فهذا جائز .

القسم الثاني: شركات ذات أنشطة محرمة كتصنيع الخمور والدخان أو المتاجرة فيها فهذه يحرم المساهمة فيها .

القسم الثالث: شركات أنشطتها الأساسية مباحة ومشروعة لكنها تتعامل بالربا كأن تضع أموال المساهمين في بنوك ربوية وتأخذ عليها فوائد فالعلماء المعاصرين اختلفوا في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: الجواز وحددوا لذلك نسبةً معينة واختلفوا في تحديد هذه النسبة منهم من قال بشرط ألا تتجاوز نسبة الربا الثلث وقيل خمسة وعشرون بالمائة ومنهم من قال أقل من ذلك واشترطوا أن يخرج المساهم الفوائد الربوية إن كان يعلم قدرها وإن كان لا يعلم قدرها فقيل يخرج نصف الربح وحكي هذا القول عن الشيخ محمد العثيمين ويخرج الربا بنية التخلص لا بنية التصدق لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً .

والقول الثاني: عدم الجواز  مطلقاً وهذا الرأي قد قرره مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي وذلك لأن كل مساهم هو في الحقيقة يملك جزءاً من الشركة ولو واحد من عشرة ملايين وجميع المساهمين قد وكّلوا مجلس الإدارة في أن يعمل نيابةً عنهم في جميع أعمال الشركة ومنها الربا فكأنك لما ساهمت في تلك الشركة وكَّلت من يأخذ ويعطي الربا نيابة عنك فتعاملت بالربا لكن ليس بصفةٍ مباشرة وإنما بوكالة والذي يقوم به الوكيل ينسب للموكل وهذا هو الراجح .

مسألة / الربح يكون بين الشريكين أو الشركاء بنسبة كالثلث أو الربع أو النصف على حسب الاتفاق ، أما تحديد الربح بمبلغٍ معينٍ فهذا لا يجوز لأن هذا يتنافى مع حقيقة المضاربة ، ولأنه يجعلها قرضاً بفائدة ، ولأن الربح قد لا يزيد على ما جعل لرب المال فيستأثر به كله ، أو يكون الربح أقل مما جعل لرب المال فيغرم المضارب ، وأما الخسارة فتكون على قدر رأس المال فهو أفضل للعموم .

وهذه الشركات المساهمة تعتبر من قسم شركة العنان حيث ينفذ تصرف الشريكين في شركة العنان بحكم الملك في نصيب أحدهما وبحكم الوكالة في نصيب الآخر ، والمساهمون وإن كانوا لا يباشرون الأعمال بأنفسهم لكنهم قد وكلوا من يقوم بالأعمال نيابة عنهم وهو مجلس الإدارة .

((  شركة العِنان  ))

العنان لغةً / من عنَّ يعنُّ إذا ظهر أمامك وذلك لظهور مال كلٍ من الشريكين لصاحبه أو لأنها أظهر أنواع الشركات وأكثرها انتشاراً .
اصطلاحاً / هي عقدٌ يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كلٌ منهم بدفع حصةٍ معينة في رأس مالٍ يتجرون به ويقتسمون ما ينتج عنه من أرباح ( الفقه الميسر 1/178)
سميت بذلك لتساوي الشريكين فكل واحدٍ منهما قد اشترك ببدنه وماله في هذه الشركة فتساويا كما يتساوى الفارسين في السير فيكون عنان فرسيهما سواء .

وهي جائزةٌ بالإجماع ( الملخص الفقهي 2/98) وينفذ تصرف الشريكين في شركة العنان بحكم الملك في نصيب أحدهما وبحكم الوكالة في نصيب الآخر ، ويشترط أن يكون الربح بين الشريكين أو الشركاء بنسبة كالثلث أو الربع أو النصف على حسب الاتفاق ، أما تحديد الربح بمبلغ معين فهذا لا يجوز لأنه يجعلها قرضاً بفائدة ، ولأنه قد يربح المعين وقد لا يربحه فتحصل الخصومة والنزاع ، وأما الخسارة فتكون على قدر رأس المال ، ويصح أن يكون رأس المال من النقد المضروب بالإجماع ويصح أن يكون من العروض على الراجح . ( الملخص الفقهي 2/98)







(( شركة المضاربة ))
المضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض كما قال الله عز وجل (( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ )) من الآية (20) سورة المزمل أي يطلبون الرزق في المتاجر والمكاسب .
وتسمى شركة المضاربة عند بعض الفقهاء بشركة القِراض أخذاً من قرض الشيء أي قطعه كأن رب المال اقتطع للعامل قطعة من ماله ليعمل فيها ، وتسمى أيضاً شركة المعاملة أخذاً من العمل وهو الاتجار بالمال .
اصطلاحاً / هي دفع مالٍ معلومٍ لمن يتجر به ببعض ربحه .
وهي جائزةٌ بالإجماع لأنها كانت موجودةً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكرها .
قال بن القيم : المضارب أمين وأجير ووكيل وشريك فأمين إذا قبض المال ووكيل إذا تصرف فيه وأجير فيما يباشره بنفسه من العمل وشريك إذا ظهر فيه الربح ( ذكره في الملخص الفقهي2/100 )  ولذلك الخسارة لا تكون على المضارب وإنما تكون على رب المال لأن المضارب أمين يقبل قوله في عدم تعديه وتفريطه ويقبل قوله في الخسارة والربح  وقد خسر جهده فإن حصل من المضارب تعدٍ وتفريط ضمن ما وقع بسبب ذلك من خسارة ، وتكون على قدر المال ، وإذا كان فيها خسارة وربح فإن الخسارة تجبر من الربح فالربح الحقيقي ما كان بعد جبر رأس المال .
وليس لأحد الشريكين البيع بنسيئة ولا أخذ شيءٍ من الربح إلا بإذن الآخر لأن البيع بنسيئة ربما لا يقبل به الطرف الآخر وربما يكون فيه ضرر عليه لأنه ربما أن هذا الشخص المشتري لا يسدد ولا يفي ولذلك لابد أن يرضى صاحبه بذلك .
وللعامل أن يشترط جزءاً معلوماً من الربح كثلث وربع ونصف ونحو ذلك ولا يسمي دراهم معدودة ولا ربحاً مجهولاً فإن ذلك يفسد عقد المضاربة كما قاله بن المنذر ( ذكره الفوزان في الملخص الفقهي 2/100 ) وإن اختلفا لمن الربح المحدد فهو للعامل لأن تقدير حصته بالشرط بخلاف رب المال فإنه يستحق الربح بالمال لا بالشرط فلأجل ذلك كان الشرط للعامل .

ويصح توقيت المضاربة بوقت محدد نحو أن يقول صاحب المال للعامل خذ هذا المال فضارب به لمدة عام ولك ثلث الربح مثلاً ، ويصح معلقاً بشرط نحو إذا جاء مالي الذي عند فلان فضارب به ولك ربع ربحه ، ولا يجوز للعامل أن يأخذ مضاربةً من آخر إذا كان ذلك يضر بالمضارب الأول كأن يكون مال الثاني كثيراً فيشغله عن المضاربة بمال الأول أو يكون مال الأول كثيراً ومتى شغل عنه تعطلت بعض تصرفاته فيه إلا أن يأذن له الأول أو لا ضرر عليه من ذلك .

ولا يجوز للعامل أن ينفق من مال المضارب لسفرٍ أو غيره ما لم يشترط ذلك أو تجري به العادة في البلد الذي اتفقا فيه على ذلك ، ولا يقسم الربح قبل إنهاء العقد إلا بتراضيهما لأن الربح وقايةٌ لرأس المال ولا يؤمن أن يقع في خسارةٍ في بعض مضارباته فيجبرها من الربح فلا يستحق العامل من الربح شيئاً حتى ينتهي العقد إلا إن رضي صاحب المال .


((  شركة الوجوه  ))

وهي أن يشترك اثنان فأكثر فيما يشتريان بذمتيهما وما ربحا فهو بينهما على ما شرطاه ، سميت بذلك لأنها ليس لها رأس مال وإنما تبذل فيها الذمم والجاه وثقة التجار بهما فيشتريان ويبيعان بذلك ويقتسمان ما يحصل لهما من ربح على حسب الشرط ، وكل واحدٍ منهما يعتبر وكيلاً عن الآخر في البيع والشراء ما لم يقتسما ، ومقدار ملكه في الشركة على حسب الشرط وكذلك توزيع الخسارة فمن شرط النصف مثلاً ووافق صاحبه فله نصف الشركة والربح ، وعليه نصف الخسارة ، وله من الصلاحيات كما للشركاء في شركة العنان ( الملخص الفقهي 103) ورأي المالكية والشافعية عدم مشروعية هذا النوع من الشركات وأنها باطلة لأنه ليس فيها مالٌ ولا عمل ففيها غرر . وقال الحنفية والحنابلة بجوازها لأنها وكالةٌ وكفالة وفيها عمل فهي بيعٌ وشراء وفيها مالٌ من طرفٍ آخر وهم وكلاء له بالوجه والذمة ، فليس فيها غرر وفيها من المصالح الشيء الكثير وما زال الناس يتعاملون بها منذ القدم دون نكير ( الفقه الميسر 1/184)





(( شركة الأبدان  ))
هي أن يشترك اثنان فأكثر فيما يكتسبان بأبدانهما .
سميت بذلك لأن الشركاء بذلوا أبدانهم في العمل لتحصيل المكسب ، وما تقبَّله واحد منهم من عمل لزم البقية العمل معه فيه لأن هذا هو مقتضاها وهم شركاء في الربح على قدر ما يشترطون ، وقد روى أبو داود والنسائي عن بن مسعودٍ قال : اشتركت أنا وسعد وعمار فيما نصيب يوم بدر فجاء سعدٌ بأسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء . قال أحمد : أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم . فدل على صحة هذا النوع من الشراكة ( الملخص الفقهي 104) وكل واحدٍ وكيلٌ عن الآخر .

وتجوز مع اختلاف صنائعهم كخياطٍ مع نجارٍ أو حداد فيعمل كل واحدٍ منهم في مجال عمله ويشتركان في الربح ، وإن مرض أحدهم وعمل الآخر فإن كسبه بينهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عمار وبن مسعود مما كسبه سعد رغم أنهما لم يأتيا بشيء ، وللصحيح أن يطالب المريض بأن يقيم مقامه من يعمل بدله لأنهما اشتركا على أن يعملا فإن أبى أن يقيم مقامه أحد فللصحيح أن يفسخ العقد .

وإن اشترك أصحاب دوابٍ أو سيارات على أن يشتغلوا عليها بأجرة كحمل ركابٍ ونحوه وما حصل فهو بينهم صح لأنه نوع اكتسابٍ بأبدان  وكذا لو كانت الدابة أو السيارة لأحدهم ودفعها للآخر ليعمل عليها وما حصل عليه فهو بينهما ، وتصح شركة الدلالين كأن يقوم أحدهم بإحضار السلع والآخر ينادي عليها والثالث يحضر الزبائن فتصح ( الملخص الفقهي 105)

ملاحظة / يصح الاشتراك في كل هذه الشركات دفعةً واحدة فيشارك بماله وبدنه وجاهه وتسمى هذه الشركة شركة المفاوضة لأن كل شريك وكيلٌ عن الآخر قد فوض له كل تصرف مالي وبدني وجاهي في هذه الشركة ويقتسمون ما يحصل بينهم على حسب ما اشترطوا وكذلك الخسارة ، وإن لم يشترط المشتركون شيئاً فالربح والخسارة بينهم على قدر أملاكهم فإن لم يكن لهم أملاك فيقتسمونه بالسوية .


(( أحكام الشفعة  ))
الشفعة لغةً / مأخوذة من الشفع وهو الزوج لأنه يضم المبيع إلى ملكه الذي كان منفرداً . وقيل إنها مشتقة من الزيادة لأن الشفيع يزيد ملكه ، وقيل إنها مأخوذة من الشفاعة لأن الرجل في الجاهلية كان إذا أراد أن يبيع داره أتاه جاره وشريكه يشفع لديه فيما باع فيجعله أولى بالمبيع من غيره. ( الملخص الفقهي 2/89)(الفقه الميسر 1/234)
اصطلاحاً / استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوضٍ مالي بثمنه الذي استقر عليه العقد . ( الملخص الفقهي 2/89)(الفقه الميسر 1/234)
مثال ذلك: اشترى محمد وزيد أرضاً بمائة ألف ثم إن محمداً تفاجأ بأن شريكه زيد قد باع نصيبه على عمرو فهنا سوف يدخل شريك جديد على محمد وهو لا يرضى بهذا الشريك فدفعاً لضرر الشراكة الجديدة جعل الإسلام الحق لهذا الشريك في انتزاع حصة شريكه من الطرف الثالث بنفس قيمتها التي باعها به فتكون الأرض كلها له ولو لم يرض زيد أو عمرو لكن لا تثبت  إلا بشروط سبعة :
1-أن يكون الانتقال من زيد إلى عمرو عن طريق البيع فلا تجب في موهوب ولا موقوف ولا عوض خلع ولا صداق ولا إرث فلو انتقلت إلى عمرو بهذه الطرق فلا شفعة لمحمد ، ولا يجوز التحايل لإسقاط الشفعة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ) فمن الحيل أن يظهر أنه وهب نصيبه لآخر وهو في الحقيقة قد باعه عليه ونحو ذلك وهذا مذهب الأحناف ويرى الجمهور ثبوتها في البيع وكل عقدٍ جرى مجراه كالصلح والهبة بعوض ، ويرى المالكية في رواية أخرى أنها تثبت في كل ملكٍ انتقل بعوضٍ أو بغير عوض عدا الميراث ( الفقه الميسر 1/240)
2-أن يكون المبيع عقاراً وما يتصل به من البناء والغراس فلا يكون منقولاً لمفهوم حديث جابر حيث قال : قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة . رواه البخاري فإيقاع الحدود وتصريف الطرق إنما يكون في العقار لا في المنقول كالمكيل والموزون ولأن الضرر فيه أكبر لحاجة الشريك إلى إحداث أبنية ومرافق وأما المنقول فضرره لا يدوم وهذا قول الجمهور ، وذهب بعض العلماء إلى أن الشفعة تثبت في المنقولات لأن ضرر الشراكة فيها متحقق والحديث عام وقد روي عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الشفعة في كل شيء )رواه الترمذي وقال الألباني ضعيف منكر ورجح في الفقه الميسر 1/238 التفصيل في المنقولات فإن كانت مما يتضرر الشريك بها لاستمرار مدتها كالسيارات والمقتنيات المهمة فتثبت الشفعة فيها وإن كانت مما يمكن تلافي ضررها كالمكيل والموزون فلا تثبت فيها ويرجع في ذلك إلى تقدير الحاكم الشرعي .
3-أن يكون الشقص وهو النصيب لكلٍ منهما مشاعاً أي غير مقسومٍ ولا محدد فأما المقسوم المحدود فلا شفعة فيه لقول جابر رضي الله عنه ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لا يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ) متفق عليه لأنه ينتفي الضرر حينئذٍ فكلٌ قد عرف نصيبه .
4-أن يكون مما ينقسم ، أما ما لا ينقسم كالبئر والطريق والدكان فلا شفعة فيه وهو رواية في مذهب مالك والشافعي وأحمد وفي رواية أخرى لهم أن الشفعة تثبت فيما يمكن قسمته وما لا يمكن قسمته وهو مذهب الأحناف وهو أصح لأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر المشاركة والضرر متحقق فيما لا ينقسم أكثر ( الفقه الميسر 1/236)
5-أن يأخذ الشقص كله فإن طلب بعضه سقطت شفعته لأن في تجزئة هذا الشقص ضرر على المشتري وعلى الشريك .
6-إمكان أداء الثمن فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته ، فإن كان نقداً أعطاه الثمن نقداً وإن كان مؤجلاً شفع بنفس الأجل .
7-أن يطالب بالشفعة على الفور فإن تأخر مع علمه بالبيع بطلت إلا أن يكون عاجزاً عنها لغيبة أو حبس أو مرض أو صغرٍ فيكون على شفعته متى قدر عليها ويستدل الفقهاء بحديث ( الشفعة كحل العقال ) رواه ابن ماجة وضعفه الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم ( 3439 ) وقيل لا يشترط الفورية في الشفعة بل يصح أن تكون على التراخي وهو مذهب المالكية وقول الشافعي في القديم ورواية عند الحنابلة. ورجحه الشيخ عبد الرحمن السعدي .

وقد اختلف الفقهاء في إثبات الشفعة للجار
فقال الجمهور المالكية والشافعية والحنابلة لا شفعة للجار لحديث جابر ( فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة )
وقال الحنفية بإثبات الشفعة له لحديث ( الجار أحق بصقبه )رواه البخاري والصقب القرب وحديث ( جار الدار أحق بالدار )رواه الترمذي ولأنه اتصال ملكٍ يدوم فكان كالشريك .
والقول الصحيح في هذه المسألة التفصيل فإذا لم يكن بين الجارين اشتراك في أي حق من الحقوق فلا تثبت الشفعة ، أما إذا كان بينهما اشتراك في أي حق من الحقوق فإن الشفعة تثبت كما لو كان بينهما اشتراك في بئر أو في طريق أو في جدارٍ ونحو ذلك وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم رحمهما الله تعالى ويدل لذلك حديث ( الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحد ) رواه أحمد وأبو داود وبن ماجة وغيرهم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 3103 ) ولذلك قال الإمام ابن القيم رحمه الله الصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه إذا كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك من طريق أو ماء أو نحو ذلك ثبتت الشفعة وإن لم يكن بينهما حق مشترك بل كل واحد منهما متميز ملكه وحقوقه فلا شفعة .

مسألة / اختلف العلماء في كيفية توزيع المشفوع فيه على الشفعاء عند تعددهم ، فقال الشافعية والحنابلة في رواية عنهما أن الشفعة توزع عليهم بقدر أملاكهم وهذا مذهب المالكية لأن الشفعة مستحقةٌ بالملك فتقسط بينهم على قدره .
وقال الشافعية والحنابلة في رواية عنهما أنها تقسم على عدد الرؤوس وهو مذهب الحنفية لأن سبب الشفعة الشراكة وقد استووا فيها .
والراجح الأول لأنه حقٌ أستفيد بسبب الملك فكانت قسمته على قدره . ( الفقه الميسر 1/242)

مسألة / يجوز التنازل عن الشفعة مجاناً أو مقابل عوض .
مسألة / اتفق الفقهاء على ثبوت الشفعة للذمي على الذمي وللمسلم على الذمي واختلفوا في ثبوتها للذمي على المسلم فقال الحنابلة لا تثبت لحديث ( لا شفعة لنصراني ) رواه الدار قطني ونُقِلَ عن بن عديٍ إعلاله
وقال الجمهور تثبت لأن شريحاً قضى به وكتب إلى عمر بذلك فأقره بمحضرٍ من الصحابة ولم ينكره أحد فكان إجماعاً وهو الراجح لموافقته لعدالة الإسلام ( الفقه الميسر 1/243)
مسألة / إن اختلف الشفيع والمشفوع منه وهو البائع فادعى الشفيع عقداً موجباً للشفعة وادعى الآخر عقداً لا تجب فيه الشفعة ولا بينة لأحدهما فالقول للمشفوع منه بيمينه ، وكذلك لو اختلفوا في قدر الثمن ، وإن كان الاختلاف في الغرس والبناء الموجودين في المشفوع فيه فادعى المشتري إحداثه وأنكر الشفيع فالقول للمشتري ( الفقه الميسر 1/243 )

مسألة / لا يثبت الملك للشفيع في المشفوع فيه إلا بتسليم المشتري أو بقضاء القاضي وهذا مذهب الحنفية وزاد المالكية أو الإشهاد بالأخذ بالشفعة ، وقال الشافعية والحنابلة يملك بكل لفظٍ يدل على أخذه بالشفعة وهو الراجح . ( الفقه الميسر 1/244)

مسألة / اختلف الفقهاء هل تورث الشفعة على أقوال :
القول الأول / تورث وهو مذهب المالكية والشافعية لأن المقصود بالشفعة دفع الضرر عن المال والمال موروث وهذا يشبه الرد بالعيب .
القول الثاني / لا تورث وهو قول الحنفية لأن ملكه للمشفوع فيه الذي هو سبب الأخذ بالشفعة قد زال بموته إلا أن يكون الحاكم قد حكم له بها قبل موته .
الثالث / التفصيل فإن طالب بالشفعة ثم مات فينتقل حق المطالبة إلى الورثة وإن مات قبل الطلب فتسقط وهو قول الحنابلة ولعلهم أسقطوه قبل الطلب لاحتمال أنه لم يطالب لأنه ربما أراد الإبراء أو التنازل عن الشفعة أو نحو ذلك فلأجل هذا الاحتمال سقط حق الورثة .
الراجح / القول الأول لأن حق الشفعة شرع لدفع الضرر عن الشريك وهو متحقق على المالك المشارك سواءً كان مالكاً أصلياً أو وارثاً . ( الفقه الميسر 1/245)

مسألة / إن تلف الجزء المشفوع فيه أو بعضه في يد المشتري فهو من ضمانه وللشفيع أن يأخذ الموجود بحصته من الثمن سواءً كان التلف بفعل الله تعالى أو بفعل آدمي وسواءً كان باختيار المشتري كنقضه للبناء أو بغير اختياره كانهدام المبنى وهو مذهب الحنابلة والثوري وقولٌ للشافعي ، والقول الآخر للشافعي أنه إن كان التلف بفعل الله فعلى الشفيع أن يأخذه بكل الثمن أو يترك وهو مذهب الحنفية وهو الراجح لأنه إن كان التلف بفعل آدمي فسيغرم ما أتلفه ويخصم الشفيع قيمة المتلف من الثمن ، وأما ما كان بفعل الله فبأي حق نغرمه والقاعدة الشرعية لا ضرر ولا ضرار . ( الفقه الميسر 1/246)





((  أحكام الإجارة  ))
الإجارة لغةً / مشتقة من الأجر وهو العوض ومنه قوله تعالى (( قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ))(77) سورة الكهف أي عوضاً ، ومنه سمي الثواب أجراً .
اصطلاحاً / عقد على منفعةٍ مباحةٍ من عينٍ معينةٍ أو موصوفةٍ في الذمة مدةً معلومةً أو على عملٍ معلومٍ بعوضٍ معلوم . ( الملخص الفقهي 2/114)
فقولنا ( عقد على منفعة ) يخرج به العقد على العين فلا يسمى إجارة وإنما هو بيع .
وقولنا ( مباحة ) يخرج بها العقد على المنفعة المحرمة كالزنا .
وقولنا ( من عين معينة ) يخرج به العين المبهمة المجهولة فلا يصح العقد عليها .
وقولنا ( أو على عمل معلوم ) يدل على أن الإجارة على نوعين :
الأول / أن تكون الإجارة على منفعة عين معينة نحو آجرتك هذه الدار أو على منفعة عينٍ موصوفة نحو آجرتك بعيراً صفته كذا للحمل أو الركوب .
الثاني / أن تكون الإجارة على أداء عملٍ معلوم كأن يحمله إلى موضع كذا أو يبني له جدار.
ويشترط أن تكون للإجارة مدة محددة كيوم أو شهر أو سنة ، وكذلك أن يكون العوض معلوماً .

( حكم الإجارة )
الإجارة جائزة قال تعالى (( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ))سورة الطلاق 6 وقول أحدى البنتين اللتين سقى لهما موسى عليه السلام لأبيها (( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ))القصص26 وقال موسى للخضر (( لو شئت لاتخذت عليه أجرا )) ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ) رواه البخاري وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى ( ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة رجلٌ أعطى بي ثم غدر ورجلٌ باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره ) رواه البخاري وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط يدله الطريق في الهجرة  وحكى بن المنذر الإجماع على جوازها ( ذكره في الملخص الفقهي 2/115) وكذا بن قدامة ( ذكره في الفقه الميسر 1/205) والحاجة داعيةٌ إليها .

أركان الإجارة /
1-الصيغة / وهي الإيجاب والقبول فتنعقد بكل ما يدل عليها ولو بلفظ الهبة والعارية وغيرهما بعوض كقول وهبتك هذه الدار شهراً بكذا أو أعرتك إياها شهراً بكذا أو صالحتك عليها شهراً بكذا لأن الشارع لم يحدد لفظاً معيناً فيرجع إلى العرف .
2-العاقدين / ويشترط كونهما جائزي التصرف وأن يقع العقد عن رضاً منهما .
3-المعقود عليها / فيشترط أن تكون منفعتها معلومة وأن تكون عينها باقية بعد النفع فلا إجارة على عينٍ مستهلكةٍ كالطعام ونحوه ، ويشترط كون منفعة العين مباحة فلا يصح استئجار بضع امرأةٍ ، ولا آلة لهوٍ ، ولا إجارة المغصوب ، وأن تكون المنفعة مقدوراً على استيفاءها فلا تصح إجارة الدابة الشارد والعبد الآبق .
4-الأجرة / وهي ما يلتزم به المستأجر عوضاً عن المنفعة التي يتملكها ، وكل ما يصلح ثمناً لمبيع يصلح أن يكون أجرة ، ويجب العلم به جنساً ونوعاً وصفةً وقدراً فإن لم يحددا أجراً وجب أجرة المثل بعد استيفاء المنفعة . ( الفقه الميسر 1/205)
حكم فسخ الإجارة
عقد الإجارة عقد لازم لا يملك أحد المتعاقدين فسخه إلا بما تنفسخ به العقود اللازمة كعيبٍ أو ذهاب محل استيفاء المنفعة لقوله تعالى (( يا أيها الذين امنوا أوفوا بالعقود ))المائدة 1 فلو ذهبت للمكتب العقاري لاستئجار بيت ولما استأجرته وكتبت العقد عدت في اليوم الثاني وقلت له : قد بدا لي أن لا أستأجر هذا البيت فليس لك ذلك إلا برضا المالك لأن عقد الإجارة قد لزم بمجرد التفرق بالأبدان لأن الإجارة نوعٌ من البيع فهي بيع منافع ، ولكن للمستأجر أن يؤجر البيت لأنَّه ملك منافعه . ولا تنفسخ الإجارة بموت المؤجر أو المستأجر ولا جنونهما لأن الإجارة عقدٌ لازم فلا تنفسخ مع سلامة المعقود عليه وهذا قول الجمهور وقال الحنفية والشعبي والليث تنفسخ بموتهما أو أحدهما ( الفقه الميسر 1/209) وتنفسخ الإجارة عند الجميع بتلف العين المعقود عليها كما لو استأجر دابةً لحملٍ فماتت أو داراً فانهدمت أو ظهرت عيوب يتعذر معها الانتفاع بها ، وتنفسخ الإجارة أيضاً بانقطاع نفع العين المؤجرة كما لو استأجر طبيباً لعلاج مرض فبرء منه فينفسخ عقد الإجارة لذلك ، وللمستأجر الفسخ بالعيب قديماً كان أو حديثاً وذلك لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا شيئاً فشيئاً فإذا حدث العيب فقد وجد قبل قبض الباقي من المعقود عليه فيثبت الفسخ فيما بقي .

ما تصح إجارته وما لا تصح
لا تصح الإجارة إلا على نفعٍ معلوم كسكنى دارٍ أو خياطة ثوب أو بناء حائط أو حمل شيء إلى موضعٍ معين ، وإذا استأجر شيئاً بالوصف فلابد من ضبط الصفات فلو استأجر سيارةً ولم يرها لكن وصفت له وصفاً دقيقاً فيصح ، وكذا البيت وغيره من المنافع المعلومة . 
ولا تجوز الإجارة لمن ينتفع به في حرام كمن يؤجر داره ودكاكينه لمن يبيع الخمر أو الدخان أو لمصور ذوات الأرواح ولو كان تصويراً فوتوغرافياً عند من يقول بحرمته أو لحلاقٍ يحلق اللحى ونحو ذلك . 
واختلفوا في أخذ الأجرة على أعمال العبادة فقال الشيخ صالح الفوزان : لا تصح الإجارة على أعمال العبادة والقربة كالحج والأذان لأن هذه الأعمال يتقرب بها إلى الله وأخذ الأجرة عليها يخرجها عن ذلك ، ويجوز أخذ رزق من بيت المال على الأعمال التي يتعدى نفعها كالحج والأذان والإمامة وتعليم القران والفقه والقضاء والفتيا لأن ذلك ليس معاوضة وإنما هو إعانة على الطاعة ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة ولا يخل بالإخلاص قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : والفقهاء متفقون على الفرق بين الاستئجار على القرب وبين رزق أهلها فرزق المقاتلة والقضاة والمؤذنين والأئمة جائز بلا نزاع وأما الاستئجار فلا يجوز عند أكثرهم . ( الملخص الفقهي 2/116)  وقال في الفقه الميسر (1/210) ما ملخصه : اختلفت أقوال الأئمة في حكم الاستئجار على تعليم القران والحديث والفقه فقال الحنفية لا يجوز وعند الشافعية والمالكية يجوز وعند أحمد في روايةٍ اختارها شيخ الإسلام يجوز بشرط الحاجة والراجح الجواز وهو ما عليه الفتوى في السعودية لأن في ذلك مصلحة للفرد والأمة في نشر العلم ولأن من يقوم بالتعليم غالباً قد فرَّغ نفسه للقيام بهذا العمل وانقطع عن البحث عن أسباب الرزق .








حكم بيع وإجارة رباع مكة
اختلف العلماء في ذلك على قولين : 
القول الأول: لا يجوز والناس فيها سواء ومن سبق إلى شيء منها فهو أحق به ، وهذا قول مالك وأبي حنيفة ورواية عن أحمد. وأدلتهم كما يلي : 
1ـ قوله تعالى (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ )) (25) سورة الحـج فقوله ( سواء ) أي : مستوين لا يستبد به أحد. والعاكف: المقيم . والباد: القادم . فهم سواء. ( والمسجد الحرام ) هو الحرم كله بدليل قوله تعالى (( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى )) (1) سورة الإسراء وقد أسري به من بيت أم هانئ .

2ـ قوله تعالى (( إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) (91) سورة النمل والبلدة هي مكة. والذي حرمها : دليل على أنها محرمة لا يجوز بيعها وشراؤها ، فالتحريم عام يشمل تحريم بيعها وشرائها واستباحتها وغير ذلك. 
3ـ قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( منى مناخ من سبق ) رواه الترمذي وبن ماجة وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 6620 ) وهي من الحرم فيدل على أن الحرم كله مناخ لمن سبق. 
4ـ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( مكة حرم حرمها الله لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها ) رواه بن أبي شيبة في مصنفه عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد مرسلاً .
5 ـ أن أراضي مكة موقوفة لأنها فتحت عنوة ولم تقسم ولا يجوز بيع الوقف . 

القول الثاني: وهو قول الشافعي ورواية عن الإمام أحمد أنه يجوز بيع رباع مكة ومن أدلتهم: 
1-قوله تعالى (( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )) (8) سورة الحشر وديار جمع دار وديارهم في مكة وقد نسبت إليهم والنسبة للتمليك وهي من الأموال أيضاً . 
2ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قيل له: أتنزل غداً في دارك؟ فقال ( وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟.) فدل على أن رباع مكة ودورها تباع وتورث . 
3ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ) فدل على ملكية أبي سفيان وغيره للدور. 
4ـ أنه كان للصحابة دور في مكة تختص بهم كبيت أبي بكر والزبير والأرقم وغيرهم كثير. 
5ـ أن الصحابة باعوا دورهم في مكة ، فقد باع حكيم بن حزام دار الندوة على معاوية ، وباع صفوان بن أمية داره على عمر واتخذها عمر سجناً. 

والراجح القول الثاني لظهور أدلته وأما قوله تعالى (( وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً )) فهذا خاص بالمصلى وهو مسجد الكعبة وأما قوله تعالى(( هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا )) أي حرم الصيد فيها واللقطة وقطع الشجر وغير ذلك. وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( منى مناخ من سبق ) فهذا في أماكن المشاعر وهي وقف على المسلمين بخلاف بقية أرض الحرم ، وأما حديث مجاهد فهو مرسل والمرسل ضعيف وله شواهد ولكن كلها ضعيفة لا تقوم بها حجة . 

قال في الفقه الميسر : ولا يجوز إجارة دور مكة ولا بيع رباعها في قول الجمهور لأنها فتحت عنوة ورأي الشافعية الجواز لأنها فتحت صلحاً ، وقال شيخ الإسلام يجوز بيع رباعها ولا يجوز إجارتها . والراجح قول الشافعية للمصلحة العامة وللحاجة وعمل الناس عليه ( الفقه الميسر 1/211)

حكم تأجير المستأجر لغيره
من استأجر شيئاً فله أن يؤجره على غيره بشرط أن يكون مثله أو دونه فما استأجره سكناً فلا يؤجره ليكون مصنعاً أو ورشة أو نحو ذلك .  
ويلزم المؤجر بذل كل ما يتمكن به المستأجر من الانتفاع بما استأجره فيلزم المؤجر إصلاح السيارة المؤجرة وتهيئتها للسفر والحمل ونحوه مما أجرها له ، ونحو عمارة الدار المؤجرة وإصلاحها وتهيئة مرافقها للانتفاع ، وعلى المستأجر عندما ينتهي من الإجارة أن يزيل ما حصل بسببه من ضرر وتلف .






حكم إجارة الآدمي
تصح إجارة الآدمي ويكون الأجير على قسمين :
1-أجير خاص وهو من قدر نفعه بالزمن كالسائق الخاص وكالخادم فيعتبر الواحد منهما أجيراً خاصاً يقدر نفعه بالزمن فتعطيه كل شهر مرتباً ولا يضمن ما تلف بيده إلا إذا تعدى أو فرط فلو أن السائق خرج بالسيارة ثم حصل للسيارة تلف من غير تعد منه ولا تفريط فإنه لا يضمن لأنه أمين والخادم في البيت إذا سقط منه الإناء وانكسر فلا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط وهذا الحكم باتفاق العلماء.
2-أجير مشترك وهو من قدر نفعه بالعمل فهو الذي يتقبل أعمالاً لجماعة في وقت واحد كالغسال أنت تعطيه ملابسك وغيرك يعطيه ملابسه ويغسلها ، وكالطباخ يطبخ لك ويطبخ لغيرك ، وهل يضمن الأجير المشترك؟ محل خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال إنه يضمن التلف مطلقاً حتى وإن لم يتعدى ولم يفرط ، وهذا القول ذهب إليه الحنفية والمالكية والراجح من مذهب الحنابلة وقد رُوي هذا القول عن على رضي الله عنه وقال: لا يصلح الناس إلا على هذا :
والقول الثاني لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط وهذا هو مذهب الشافعية وهو رواية عند الحنابلة وهو الراجح وما روي عن علي فمحمولٌ على من فرط .
ومن استؤجر لعملٍ فمرض أقام من يعمل بدله برضا المستأجر فإن لم يرضى المستأجر خيِّر بين انتظار برئه أو فسخ العقد .
وتجب أجرة الأجير بالعقد ولا يملك المطالبة بها إلا بعد التسليم أو استيفاء المنفعة مع عدم المانع لأن الأجرة عوض فلا تستحق إلا بتسليم المعوض ، ويجب عليه إتقان العمل وعدم الغش ، ويجب على المؤجر إعطاءه أجره كاملاً بلا مماطلة لحديث ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم  القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره ) رواه البخاري

وأما من يؤخذ قوله من المتعاقدين عند الاختلاف فعلى ثلاث حالات :
1-أن يختلفا في قدر الأجرة فيقول أجرتنيها سنةً بألف فيقول بل بألفين فهنا يتحالفان ويبدأ بيمين المؤجر لأن الإجارة نوعٌ من البيع .
2-أن يختلفا في المدة فيقول أجرتكها سنةً بألف فيقول بل أجرتنيها سنتين بألفين فالقول للمالك لأنه منكرٌ للزيادة .
3-أن يختلفا في التعدي على العين المستأجرة فيقول تعديت وفرطت حتى تلفت ويقول المستأجر ما تعديت ولا فرطت فالقول قول المستأجر لأنه مؤتمن والأصل عدم العدوان والبراءة من الضمان . ( الفقه الميسر 1/208)


حكم التأجير المنتهي بالتمليك
وصفتها أن يتفق طرفان على أن يقوم أحدهما بتأجير الآخر سلعةً معينةً مقابلَ أجرةٍ معينةٍ تُدْفَعُ على أقساطٍ مفرقةٍ في مدةٍ محددةٍ وعند نهاية المدة وسداد جميع الأقساط ينتهي عقد الإجارة بتملك المستأجر لتلك السلعة بناءً على شرطٍ اقترن بعقد الإجارة .
وقد اختلف أهل العلم المعاصرين في هذه المسألة على قولين :
القول الأول / عدم الجواز وصدر بذلك قرار من هيئة كبار العلماء بالمملكة في دورتها الثانية والخمسين وكذلك مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، واستدلوا بما يلي
1-أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيعتين في بيعة ) وقالوا المراد النهي عن الجمع بين عقدين في بيعةٍ واحدة ، والتأجير المنتهي بالتمليك قد جمع عقدين في عقدٍ واحد عقد إجارة وعقد بيع .
2-أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ( نهى عن بيع الغرر ) والتأجير المنتهي بالتمليك فيه غرر فلو حصل في السلعة ضرر فلا ندري هل هو عقد إجارة فيكون الضمان على المؤجر أم عقد بيع فيكون الضمان على المشتري وحينئذٍ تحصل الخصومات والشقاق والدين قد جاء بسد كل أبواب الخصومات بين المسلمين .  وفي الغالب أن الأجرة تكون أكثر من أجرة المثل لكونه سيتحصل على السلعة في الآخر ، وإن حصل أن لم يسدد سحبت البضاعة منه فكان قد خسر أكثر من أجرة المثل وفي ذلك ضرر على المشتري .
3-أنهم يشترطون شروطاً تخالف مقتضى العقد فإنهم يشترطون مثلاً أن تكون الصيانة وضمان التلف الفني على المستأجر ، وهذا يخالف مقتضى عقد الإجارة الذي يجعل الضمان والصيانة على المؤجر ، وربما جعلوه على شركات التأمين التجارية وفي ذلك إعانة لهم على باطلهم .


القول الثاني / أنها جائزة ودليلهم أن الأصل في المعاملات الحل إلا ما دلَّ الدليل على تحريمه ولا دليل هنا وأما الأدلة التي ذكرها المانعين فحديث النهي عن بيعتين في بيعة قد فسره شيخ الإسلام وتلميذه بأنه بيع العينة بدليل قوله عليه الصلاة والسلام ( من باع بيعتين في بيعةٍ فله أوكسهما أو الربا ) ولا ينطبق ذلك إلا على بيع العينة وحينئذٍ يجوز أن تعقد عقدين أو أكثر في عقد ولا حرج .
وأما النهي عن بيع الغرر فليس في التأجير المنتهي بالتمليك غرر فهو عقد إجارة في مدة التسديد فإن حصل خلل بسبب المستأجر فضمانه على المستأجر كما هو معلومٌ في عقد الإجارة وإذا حصل عطلٌ صناعي في السلعة فعلى المؤجر . وبذلك تصحح الشروط التي تخالف مقتضى العقد لتكون موافقةً لمقتضى العقد .  

ـــــــــــــــــــــــــ















((  أحكام الجعالة  ))
الجعالة: هي أن يجعل جائز التصرف شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً مباحاً معلوماً أو مجهولاً .
فمثال العمل المعلوم كأن يقول من بنى لي هذا الحائط فله كذا . ومثال العمل المجهول كأن يقول من وجد ضالتي فله كذا . والعوض لابد أن يكون معلومًا فإن كان مجهولاً فللعامل أجرة المثل ، مثل أن يقول من وجد ضالتي فله جائزة ولم يبين هذه الجائزة فلو قُدر أن أحد الناس بحث عنها ووجدها فهنا عند التخاصم نرجع إلى أجرة المثل . 
فالجعالة تصح على العمل المعلوم وعلى العمل المجهول ، وتصح على مدةٍ معلومة وعلى مدةٍ مجهولة مثل أن يقول من بنى لي هذا الحائط في يومٍ فله كذا والمدة المجهولة ألا يحدد مدة لبناء الحائط . 

والأصل في الجعالة قوله تعالى (( وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ )) يوسف: 72 أي من أتى بصواع الملك فله حمل بعير . وفي الصحيحين من حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أنهم نزلوا على حيٍ من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فأتوا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل فيكم من راقٍ؟ فقالوا: قد استضفناكم فلم تضيفونا فما نحن براقين لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً فصالحوهم على قطيعٍ من الغنم فجعل رجل منهم يقرأ بفاتحة الكتاب ويرقي فكأنما نشط من عقال فأوفوهم جعلهم وسألوا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( وما يدريكم أنها رقية ؟ خذوا واضربوا لي معكم بسهم )

والعقد في الجعالة عقدٌ جائزٌ وليس بلازم فيجوز لأحد الطرفين الرجوع دون علم الطرف الثاني لكن إذا فسخ الجاعل بعد أن شرع العامل في العمل فيقول العلماء إن للعامل أجرة المثل ، هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة ، وقال بعض الفقهاء إن العامل يستحق بقدر ما عمله من المسمى فإن كان مثلاً ألف دينار وأنجز النصف فيكون له خمسمائة دينار وهذا هو الأقرب للعدل ، ويلزم العقد بعد تمام العمل لأن الجعل قد استقر على الجاعل ، وإن فسخ العامل فلا شيء له ، وإن مات أحدهما أو جن انفسخ العقد ، وقال المالكية لا ينفسخ إن شرع العامل في العمل ويلزم العقد ورثة الجاعل ، ويلزم العامل إن كان ورثة العامل أمناء . ( الفقه الميسر 1/267)
شروط الجعالة /
1-أن يكون العمل المجاعل عليه مباحاً فلا يصح على غناء وخمرٍ ونحوهما .
2-أن يكون الجعل مالاً معلوماً جنساً وقدراً .
3-أن يكون الجعل مملوكاً للجاعل قادراً على تسليمه .
4-أن ينتهي العامل من العمل ويسلمه للجاعل .

الفرق بين الجعالة والإجارة /( ذكرها الفوزان في الملخص الفقهي 148)(وانظر الفقه الميسر1/264)
1-الجعالة لا يشترط لصحتها العلم بالعمل المجاعل عليه ولا بمدته بخلاف الإجارة فإنه يشترط أن يكون العمل المؤاجر عليه معلوماً وأن تكون مدة العمل معلومة .
2-أن الجعالة يجوز فيها الجمع بين المدة والعمل كأن يقول من خاط هذا الثوب في يومٍ فله كذا فإن خاطه في اليوم استحق الجعل وإلا فلا ، بخلاف الإجارة فلا يصح فيها الجمع بين العمل والمدة .
3-أن الجعالة لا يشترط فيها تعيين العامل بخلاف الإجارة فيشترط فيها تعيين العامل .

بعض التطبيقات للجعالة
1-مسابقات القرآن والسنة التي يُرصد عليها جوائز للمتسابقين كأن يُقال من حفظ القرآن فله كذا من المال ومن حفظ كذا حديث فله جائزة قدرها كذا ، هذا يُعتبر من قبيل الجعالة لكن بشرط ألا تكون الجائزة من المتسابقين إلا فيما ورد به النص ( لا سبق إلا في خفٍ أو نصلٍ أو حافر ) 
2-أن تطلب من شخصٍ دينًا وقد يئست منه فتقول لآخر إن حصلت لي الدين الذي على فلان فلك ربعه . 
3-ما تُعلن عنه بعض الجهات الأمنية مثل رصد جوائز لمن يُساعدها مثلا في الكشف عن تجار المخدرات أو نحو ذلك .

مسائل / 
1-من عمل عملاً لآخر بغير جعلٍ ولا أذن لم يستحق شيئاً إلا أن يخلص متاع غيره من هلكةٍ كغرقٍ وحرقٍ ونحوهما فله أجرة المثل في أصح القولين عند أحمد واختاره شيخ الإسلام وتلميذه بن القيم رحمهما الله ، وكذلك إن كان العامل قد أعد نفسه للإجارة كالدلال والحمال ونحوهما فإن وضع الشيء عندهما يكفي في الإذن ما لم يشر صاحب المتاع بالمنع .

2- إن اختلف المتعاقدين في الجعالة فقال العامل بذلت جعلاً وأنكر الجاعل ولا بينة فالقول للجاعل بيمينه لأن الأصل براءته ، وإن اختلفا في قدر الجعل أو جنسه أو صفته ولا بينة فقال الشافعية يتحالفان وينفسخ العقد ويكون للعامل أجرة المثل إن كان قد شرع في العمل أو أنهاه وهو قولٌ للحنابلة والقول الآخر لهم أن القول للجاعل بيمينه لأن الأصل عدم الزائد المختلف فيه ، وقال المالكية إن ادعى أحدهما ما يكون جعلاً مناسباً فالقول قوله بيمينه وإلا تحالفا ووجب للعامل جعل مثله ، وإن اختلفا في حصول العمل أو قدره ولا بينة فالقول للجاعل بيمينه لأنه منكر والأصل براءته . ( الفقه الميسر 1/266)

3- لو وجد شخص لقطةً وأتى بها لصاحبها ولم يعلم أن صاحب اللقطة قد وضع عليها جُعْلا فإنه لا يستحق الجعل وإلا تكرماً من صاحبه ، وكذا لو عمل عملاً لم يعلم أن عليه جعل لم يستحق الجعل ، وإن عمل جماعة العمل الذي عليه جعل لتحصيل الجعل اقتسموه بينهم .












(( بيع الأصول والثمار ))
الأصول : المراد بالأصول في هذا الباب الدور والأراضي والأشجار .
والثمار : هي ثمار الأشجار من أي نوعٍ كان .
فإذا بيعت الأصول فيتبعها الأشياء المتصلة دون المنفصلة فيتبع بيع الدار مثلاً بناء الدار وسقفه وأبوابه ونوافذه وسلالمه وكل ما يكون في محيط الدار من زروعٍ وبناء ، وأما الأشياء المنفصلة فلا يشملها البيع كأواني المطبخ والأَسرَّة والفرش والدواليب والمكيفات الغير مركزية لكن استثنى الفقهاء من الأشياء المنفصلة ما كان مُتعلقًا بمصلحة المبيع كالمفاتيح ونحو ذلك .
وهذا إذا لم يوجد شرط وأما إذا وُجد شرطٌ فالمسلمون عند شروطهم .
وإن باع عبداً شمل البيع ما عليه من ثيابٍ ونحوها ولا يشمل ما معه من مال لحديث ( من باع عبداً وله مال فماله لبائعه إلا أن يشترط المبتاع ) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ولأن العبد وماله لسيده فإذا باع العبد بقي المال الذي اكتسبه قبل البيع . 
وإن باع دابةً شمل البيع اللجام والمقود والنعل ونحوه مما جرت به العادة أنه تابعٌ للبيع ولا يشمل ما على ظهرها من مالٍ ومتاع . 
وإن باع أرضاً زراعيةً أو تجاريةً أو سكنيةً شمِل البيع كل ما هو موجود في تلك الأرض من شجرٍ وبناء. 
وأما الثمار فلها حالتين :
الحالة الأولى / إن باع الشجر بعد تلقيحه فالثمر للبائع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع نخلاً بعد أن تُؤبَّر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ) متفق عليه ومعنى تُؤَبَّر أي تلقح ، والحكمة من هذا والله أعلم أن النخل إذا بيع بعد تلقيحه فإن نفس البائع تتعلق به لأنه قد تعب عليه وأبَّره فكان من الحكمة أن يكون له ، وقيس على هذا سائر ثمار الشجر فإذا كان ثمره باديًا فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع وهو المشتري .

الحالة الثانية / أن يبيع الشجر قبل تلقيحه وقبل بدو ثمره فحينئذٍ تكون الثمار للمشتري ، ولا يجوز بيع الثمر مستقلاً قبل بدو صلاحه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ( نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها نهى البائع والمبتاع ) متفق عليه وفي الصحيحين أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الثمار حتى تزهو قيل وما زهوها قال ( تحمار أو تصفار ) وعلل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ( أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه ) وذلك لأن الثمرة قبل بدو صلاحها يغلب تلفها وبعده يغلب سلامتها فجعل الشارع الحكم للغالب  .

مسألة / إن كان بعض النخل في المزرعة الواحدة مؤبراً وبعضه لم يؤبر فقال أحمد ما أُبِّر للبائع وما لم يؤبر للمشتري وذهب الشافعي وأحمد في رواية أن الكل للبائع وهو الراجح لأن البستان إذا بدا صلاح ثمرةٍ منه جاز بيع جميع ثمره إلحاقاً لما لم يبدو صلاحه بما صلح فكذلك هنا يلحق ما لم يؤبر بما أُبِّر ، ولأن اشتراك الأيدي في البستان قد يؤدي إلى المنازعات والشرع قد جاء بسد كل الطرق التي تؤدي إلى النزاع بين المسلمين . (الفقه الميسر 1/85)

وأما الزرع فله حالتين :
الأولى / أن يكون مما لا يُحصد إلا مرةً كالبر والشعير فهو للبائع ما لم يشترطه المبتاع .
الثانية / أن يكون مما يحصد مراراً كالقثاء والباذنجان فالأصول للمشتري والجَزَّةُ الظاهرة عند البيع للبائع. 

ولا يجوز بيع الزرع مستقلاً قبل اشتداد حبه لما روى مسلم عن بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري ) والحكمة كما تقدم في الثمر ، وأيضاً لقطع المنازعات والخصومات بين المسلمين .

فلا يجوز بيع الثمر قبل بدو صلاحه ولا بيع الزرع قبل اشتداد حبه إلا في حالتين :
1-إذا باعها بشرط الجزِّ في الحال لجعله علفًا للدواب والبهائم ، لأن الحكمة التي لأجلها النهي غير متحققة هنا ، فإن باعها ولم يشترط جزاً ولا تبقيةً فقال الجمهور ببطلان البيع وقال الحنفية البيع جائز وعلى المشتري الجز في الحال لأن إطلاق العقد يقتضي البيع على الطريقة الصحيحة والطريقة الصحيحة في بيع الثمار قبل بدو صلاحها هو الجز في الحال فيعمل بهذه الطريقة ولو لم يكن هناك شرط ، وإن شرط عدم الجز بطل بالإجماع .

2-إذا باع الأصل فيدخل الثمر معه تبعًا كأن يبيع المزرعة كاملة بشجرها وزرعها .

مسألة / الجذاذ يكون على المشتري ويصح أن يشترط المشتري أن يكون الجذاذ على البائع على القول الراجح فيكون بيع وإجارة وكلاً منهما يصح منفرداً فيصح جمعهما وقال بعض أهل العلم لا يصح ويبطل البيع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ( عن بيعٍ وشرط ) ولكن الحديث لم يصح قال الألباني في السلسلة الضعيفة ضعيف جداً حديث رقم ( 491 ) والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ( شرطين في بيع ) رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ( 1212 ) وأما الشرط الواحد فلا وقد باع جابر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة . متفق عليه (انظر الفقه الميسر 1/90)

مسألة / يصح أن يبيع شيئاً ويستثني بعضه ، كما لو باع بستاناً واستثنى نخلة أو شجرة معينة أو استثنى جزءاً كالربع أو الثلث أو استثنى عدداً معيناً  كخمسين صاعاً من التمر مثلاً فيصح إن كان موجوداً في البستان حال البيع .













((  وضع الجوائح  ))
إن باع الثمر مستقلاً بعد بدو صلاحها وقبل نضجها أو الزرع بعد اشتداده وقبل جزه فأصابتهما جائحة سماوية وهي الآفة التي لا صُنع للآدمي فيها كالصاعقة أو البرد أو المطر أو الجراد أو الريح أو غيرها فتلف الثمر والحب فالضمان على البائع ، لما في حديث جابر الذي رواه مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح ) أي يجب على البائع أن يضع هذه الجائحة وذلك بأن يرد ما أخذه من المشتري إليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبره أخذًا بغير حق ولا يقول أن البيع قد تم والبيع عقد لازم لأن المشتري لم يستولي على المبيع استيلاءً كاملاً لأن الثمرة لازالت في أصولها عند البائع ، والمشتري لم يقبضها بعد ، وإن كان التالف يسيراً يقع التساهل فيه عرفاً كما لو سقط بعض الثمر أو أكل منه طير ونحو ذلك لم يضمن البائع ولا يعدَّ هذا الثمر قد أصابته جائحة فالجائحة يحددها العرف .
وأما إن كانت الجائحة غير سماوية وإنما من صنع الآدمي كأن تسرق أو تحرق ، فهنا قال الفقهاء إن المشتري مُخير بين أن يرجع على هذا المتلف ، وبين أن يرجع على البائع ، والبائع يرجع على المتلف ، إلا إذا كان هذا الآدمي مما لا يمكن مطالبته لكونه مثلاً له سلطة فيُعتبر في حكم الآفة السماوية ، وهذا هو مُقتضى العدل لأن هذا المشتري قد دفع المال ليتسلم الثمرة من البائع ولم يتسلمها بعد فكان مُقتضى العدل والحكمة أن البائع هو الذي يتحمل هذه الآفة وهذه الجائحة السماوية التي وقعت على ثمره الذي باعه ولم يسلمه للمشتري ، لكن إن حصل من المشتري تفريط كتأخره في الجذاذ مع تنبيه البائع له بدخول وقت الجذاذ فهنا لا يتحمل البائع الجائحة لأن هذا إنما حصل بتفريط المشتري .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ






(( معرفة صلاح الثمر ))
ما كان من الثمر يتغير لونه مثل النخل فصلاحه يُعرف بتغير اللون فالنخل إما أن يحمر أو يصفر وهكذا ما كان مثله فتغير اللون علامة على صلاح الثمرة .
وصلاح العنب أن يتموه حلوًا لأن العنب قبل أن يبدو فيه الصلاح لا يكون حلوًا وإنما يميل للحموضة أو المرارة لكن بعدما يبدو فيه النضج يتموه حلوًا فهذه علامة بدو الصلاح في العنب وإذا كان العنب مما يتغير لونه فتغير اللون علامة الصلاح .
وصلاح سائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله . قال في المغني : ما كان من الثمر يتغير لونه عند صلاحه كثمرة النخل والعنب غير الأبيض والإجاص فبدو صلاحه بذلك ، وإن كان العنب أبيض فصلاحه بتموهه وهو أن يبدو فيه الماء الحلو ويلين ويصفو لونه ، وإن كان مما لا يتلون كالتفاح فبأن يحلو ويطيب ، وإن كان بطيخًا أو نحوه فبأن يبدو فيه النضج ، وإن كان مما لا يتغير لونه ويؤكل طيبًا صغارًا وكبارًا كالقثاء والخيار ونحوهما فصلاحه بلوغه أن يؤكل عادةً . انتهى .

وإن كان الثمر مستوراً في الأرض كالخضار والبقول ونحوها كالبصل والكراث والجزر والفجل وغيرها فقد اختلف العلماء في حكم بيعها على أقوال :
الأول / عدم الجواز حتى يقلع ويشاهد لأنه بيع مجهول وفيه غرر وهذا قول الحنفية والشافعية والحنابلة. 

الثاني / الجواز لأن الحاجة داعية إليه فأشبه بيع ما لم يبدو صلاحه تبعاً لما بدا وهذا قول الأوزاعي ومالك وقول في مذهب أحمد .

الثالث / إن كان المبيع مما تقصد فروعه وأصوله كالبصل والكراث والفجل أو كان المقصود فروعه فقط فهو جائز وإن كان المقصود أصوله كالجزر فلا يجوز . (الفقه الميسر 1/88)




((  أحكام  السَّلَم ))
السَّلَم في اللغة / مأخوذ من التسليم والاستلام يقال السَّلَم ويقال السلف ، فالسَّلَم لغة أهل الحجاز ، والسلف لغة أهل العراق ، كذا قالوا ولكن اعترض بأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر السلف وهو يتكلم بلغة أهل الحجاز فدل على أن السلف أيضاً لغة عند الحجازيين فكلاهما سلم وسلف تقال عند أهل الحجاز ، وسمي سلماً لتسليم رأس المال في مجلس العقد ، وسمي سلفاً أيضاً لتقديم رأس المال الذي هو الثمن لأن هذه المادة أيضاً تدل على التقديم فقول أنتم لنا سلف أي متقدمون وسلف هذه الأمة متقدموها من الصحابة والتابعين .
اصطلاحاً: عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد .
مثاله : أن يدفع لصاحب نخيلٍ مثلاً عشرة آلاف دينار نقداً على أن يسلم له تمراً من نوع خلاص قدره ألف صاع في وقت كذا ( الصيف القادم مثلاً أو عند جودته أو نحو ذلك ) لكن لو قال : أعطيك عشرة آلاف دينار على أن تسلم لي تمراً من المزرعة الفلانية فهذا لا يصح لأنها قد تثمر هذه المزرعة وقد لا تثمر . فلابد أن يكون موصوفاً في الذمة بكيلٍ معلوم ووزن معلوم إلى أجلٍ معلوم كما في الحديث ولا يحدده بالمكان كمزرعةٍ معينة لأنها قد تثمر وقد لا تثمر وحينئذٍ يكون البائع قد أكل مال المشتري بغير حق ، ولا يجوز أيضاً أن يؤخر المشتري من رأس المال شيئاً لأنه إذا أخر شيئاً من رأس المال أصبح من قبيل بيع الدين بالدين وهو ممنوع فلو قال أعطيك خمسة آلاف الآن وبعد شهرين أعطيك خمسة آلاف أخرى فهذا لا يجوز لأنه يكون من قبيل بيع الدين بالدين. فالتمر دين والمال دين فهذا لا يجوز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ . أي الدين بالدين .

والدليل على  جواز السلف ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسْلِفُون في الثمار السنة والسنتين فقال ( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) متفق عليه قال بن عباس: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله تعالى في كتابه (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ )) [البقرة:282] هذا يشمل السلم لأن السَّلَم يعتبر دين إلى أجل مسمى ، وجاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قال: كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزبيب والتمر فقيل أكان لهم زرع ؟ قال: ما كنا نسألهم . يعنى لا يشترط أن يكون هذا الشخص الذي تُسْلِم إليه في الثمار والزروع أن يكون فلاحاً ، المهم أن يأتي بهذا اليء من أي مكان ، قال بن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز . ( الفقه الميسر 1/93) وجواز السَّلَم من محاسن هذه الشريعة لأن فيه مصلحة للطرفين ولذلك يسميه بعض العلماء بيع المحاويج وذلك لأنه في الغالب لا يلجأ له إلا المحتاج وفيه مصلحة للطرفين فالمشتري ينتفع بالسَّلَم من جهة أن ثمن المسلم فيه يكون عادة أقل من ثمنه الذي يباع به في حينه والمسلم إليه الذي هو البائع ينتفع بالسَّلَم من جهة أنه يحصل على الثمن النقد مقدماً فينتفع به في قضاء حوائجه وما كان فيه مصلحة وليس فيه مضرة فإن الشريعة الإسلامية تبيحه ولا تمنع منه .
والسَّلَم نوع من البيع ولذلك يصح بألفاظ السَّلَم ويصح بألفاظ البيع ويصح بكل ما دل عليه.

  شروط صحة السَّلَم  
1-جميع شروط البيع التي سبق الكلام عنها .
2- أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته كالمكيل والموزون لأن ما لا يمكن ضبط صفاته يفضي إلى المنازعة والخصومة بين الناس والشريعة الإسلامية تسد كل ما أفضى إلى الخصومة والنزاع لأنها تسبب الفرقة والبغضاء بين أفراد المجتمع والإسلام يدعو إلى كل ما يقوي أواصل المحبة والمودة بينهم  فلا يصح السلم فيما تختلف صفاته والفقهاء المتقدمون يمثلون لما لا يمكن ضبط صفاته بأمثلة لما هو موجود في زمنهم فيقولون مثلا:لا يجوز السَّلَم في القدور والأواني لأنه لا يمكن ضبط صفاتها لأن القدور والأواني في زمنهم كانت تصنع يدوياً فتختلف من قدر إلي قدر لا يمكن ضبط صفاتها لكن في الوقت الحاضر يمكن ضبط صفات القدور والأواني بدقة كبيرة بمجرد ذكر اسم الشركة والنوع والرقم والحكم يدور مع علته ولذلك نقول في الوقت الحاضر يجوز السَّلَم في القدور والأواني ، وأما في الحيوان  فذهب جمهور الفقهاء إلي أنه يصح السَّلَم فيه وروي عن عدد من الصحابة منهم ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم . وقال الحنفية لا يصح ولكن قول الجمهور هو الصحيح لما في صحيح مسلم عن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً فقدمت عليه أبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فقال يا رسول الله : لم أجد إلا خياراً رباعياً فقال ( أعطه فإن خير الناس أحسنهم قضاءً ) .

3- ذكر قدر المسلم فيه فيما يقدر به من كيل أو وزن أو عد لحديث ( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم ) .

4-أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهراً وذلك بأن يذكر جنسه ونوعه وقدره وحداثته أو قدمه وبلده وجودته أو رداءته ونحو ذلك ، فيذكر الأشياء التي يختلف بها الثمن ظاهراً وذلك لأن العلم شرط لصحة البيع إما برؤية أو بصفة ، والرؤية هنا في السَّلَم متعذرة فبقي الصفة .

5-ذكر أجلٍ معلوم لأن السلم لا بد أن يكون مؤجلاً وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة ، وذهب الشافعية إلى أنه يصح أن يكون حالاً وهو مروي عن أبي ثور واختاره ابن المنذر وابن تيمية وقالوا هو عقد مؤجل فصح حالّا كبيوع الأعيان ولأنه إذا صح مؤجلا فحالّاً أجوز ومن الغرر أبعد ، واتفقوا على أنه إن كان لأجل فلا بد أن يكون الأجل معلوماً للطرفين .

6-أن يوجد المسلم فيه غالباً وقت حلول أجله ليمكن تسليمه في وقته فمثلاً الرطب والعنب نضجهما في الصيف فلو أَسْلَمَ في رُطَبٍ أو عنبٍ إلى الشتاء لم يصح في الزمن المتقدم أما الآن فيمكن تخزينه في الثلاجات إلا أن يريده طازجاً فلا .

7-أن يقبض الثمن في مجلس العقد وذلك لأنه إذا لم يقبض الثمن في مجلس العقد يصبح ذلك من قبيل بيع الدين بالدين وهو لا يجوز لأن المسْلَمَ فيه أصلاً دين فالرطب والعنب دين وإذا أصبح الثمن ديناً أصبحت المسألة كلها من قبيل بيع الدين بالدين وهو محرم ، وهذا الحكم ذهب إليه جميع الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلا أن المالكية استثنوا من هذا تأخير تسليم رأس المال إلى يومٍ أو يومين أو ثلاثة وقد أخذ بهذا مجمع الفقه الإسلامي وكأنهم وجدوا في هذا توسعة على المسلمين لأنه أحياناً تكون الصفقة كبيرة بالملايين وقد لا يستطيع أن يحضر رأس المال في مجلس العقد .
مسألة / عندما تريد أن تتفق مع موردٍ أن يورد لك بضاعة معينة فلا بد أن يكون هذا المورد يملك هذه البضاعة لكن الغالب أن الموردين لا يملكونها فلا يجوز أن تعقد معه عقد بيع مباشرة لكن يمكن أن تعقد معه عقد سلم تعطيه مبلغاً من المال على أن يورد لك سلعة معينة بمواصفات معينة في وقت معين لكن كثير من الناس يقول: أنا لا أريد أن أُسْلِم له كل الثمن حتى يورد لي السلعة فنقول: إذاً اختل هذا الشرط فتكون المسألة من قبيل بيع الدين بالدين وهذا محرم لا يجوز .

8-أن يكون المسلم فيه غير معين فلا يصح السَّلَم في شجرة معينة أو في بستان معين وذلك لأنه قد لا يثمر أو يصاب بجائحة فلا يؤمن تلفه وانقطاعه وقد حكى ابن المنذر الإجماع على هذا ، وجاء في سنن ابن ماجه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمرٍ مسمى وقال اليهودي من تمر حائط بني فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما من حائط بني فلانٍ فلا ، ولكن كيل مسمى إلي أجل مسمى ) ضعفه الألباني في الإرواء . وأن يكون تسليم السلعة المسلم فيها في مكان العقد إن أمكن وإلا ذكرا في العقد مكان الوفاء .

مسائل مهمة في باب السلم /
1-يصح أن يكون السلم في أشياء تقبض على شكل دفعات نحو أن يدفع له كل شهر مثلاً صاعاً من تمر حتى تنتهي الكمية المتفق عليها .

2- لا يجوز أن يسلم في شيئين ثمناً واحداً حتى يبين ثمن كل جنس ، كأن يقول هذه عشرة آلاف في برٍ وتمرٍ فلا يصح حتى يبين ثمن البر وثمن التمر ، لأنه قد يتعذر أحدهما فيرد ثمنه .

3-من أسلم في شيءٍ فلا يصرفه إلى غيره كأن يقول أعطيك بدل مائة كيلو تمر مائة كيلو بر أو مائة كيلو شعير فلا يصح .

4-لا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه لأنه لم يدخل في ضمانه فإذا باعه على غيره فقد ربح ما لم يضمن وقد ( نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن ربح مالم يضمن ) رواه أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 7644 ) ولأنه باعه قبل قبضه وقد ( نهى النبي  صلى الله عليه و سلم عن ( بيع الطعام قبل قبضه) رواه أصحاب السنن وحسنه الألباني في الإرواء وفي المسألة قول آخر رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو جواز بيع المسلم فيه قبل قبضه بثمن المثل لا أكثر منه ، لأن العلة هي ربح ما لم يضمن ، وإذا باع بثمن المثل أو أقل فإنه لم يربح فيما لم يضمن .

5-لا تصح الحوالة بالسَّلَم ولا الحوالة عليه فلو قال لدائنه أحيلك على فلان الذي استسلف منه لا يصح ، وكذلك لو قال أحيلك على فلان لكي يسلم لك فلا تصح الحوالة به ولا الحوالة عليه لأنه دين غير مستقر ، وقال بعض أهل العلم تصح الحوالة به وعليه لأن السَّلَم دين مستقر وذلك لأنه إذا تعذر تسليم المسلم فيه فإنه يفسخ العقد أو ينتظر المسلم إن رضي فلا نقول أنه غير مستقر .

6-تجوز الإقالة فيه أو في بعضه ، والإقالة هي طلب فسخ العقد من أحد المتعاقدين فلو أسلم إلى آخر عشرة آلاف سلماً في مائة كيلو تمر وفي اليوم الثاني ندم المسلم أو ندم المسلم إليه وقال أريد منك أن تفسخ عقد السَّلَم فيستحب ذلك ولكنه لا يلزم لأن السَّلَم نوع من البيع كما مر معنا فالعقود اللازمة لا تجب فيها الإقالة ولكنها تستحب وتصح الإقالة بعوضٍ على الصحيح من قولي العلماء قياساً على العربون وقد سئل الإمام أحمد عن العُرْبُون فقال أي شيءٍ أقول هذا عمر فعله و ذلك أنه جاء في صحيح البخاري أن نافع بن عبد الحارث اشتري من صفوان بن أمية داراً لعمر للسجن بمكة على أنه إن رضي عمر و إلا فلصفوان أربعمائة دينار و قد أقره عمر وأقره الصحابة رضي الله عنهم فدل ذلك على صحة العُرْبُون ، وهكذا أيضا الإقالة بعوض .











(( أحكام المساقاة والمزارعة  ))
المساقاة : هي دفع شجرٍ مغروس أو غير مغروس مع أرض إلى من يغرسه فيها ويقوم بسقيه وما يحتاج إليه حتى يثمر ويكون للعامل جزء مشاع من ثمر ذلك الشجر ، وتسمى أيضاً مغارسة ومناصبه .
والمزارعة : هي دفع أرضٍ لمن يزرعها أو أرض وحب لمن يزرعه فيها ويقوم على الأرض بجزء مشاع من الثمر أو الزرع والباقي لمالك الأرض وتسمى أيضاً مخابرة ومواكرة . ( الملخص الفقهي 112) 

والأصل في جواز المساقاة والمزارعة ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضى الله عنهما قال ( عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرع ) وأجمع المسلمون على مشروعيتهما .

وتجوز المساقاة في كل شجر له ثمر بجزء من ثمره مشاع معلوم ، وكذا المزارعة في الأرض بجزء من زرعها سواء كان البذر منهما أو من أحدهما ، ومطلوب من العامل ما جرت العادة بعمله من السقيا وتعاهد الزرع والثمر وما يحتاجا إليه مما جرت العادة والعرف به ، ومطلوب من صاحب الأرض حفظ الأصل وهو الشجر بحفر بئر أو إحضار المياه وبناء حائط وإحضار سماد ونحو ذلك مما جرت به العادة على صاحب الأرض ، وهذا إذا لم يتفقا على شيء فإن اتفقا على شيءٍ معين فعلى ما اتفقا عليه ، واشترط الحنابلة كون البذر من المالك وليس بصحيح إذ الأصل في جواز المساقاة والمزارعة قصة خيبر وليس فيها اشتراط كون البذر على المسلمين .

والمساقاة والمزارعة عقدان لازمان لدخولهما في الأمر بالوفاء بالعقود لأن المقصود منهما الكسب والعوض وليستا من عقود التبرعات أو من الوكالات التي يحل لأحدهما فسخها ولذلك لا بد من تحديد مدةٍ ينتهي بها العقد كعند الإنتاج أو نحو ذلك . ( الملخص الفقهي 111)

ويشترط لصحة المساقاة تقدير نصيب العامل بجزء معلوم مشاع من الثمر كالنصف والثلث والربع فلا يكون جزءاً معيناً كثمر شجرٍ معين لأنه ربما لا ينبت أو يتلف أو ربما يكون هو كل الإنتاج فيختص به المشترط وهذا من الغرر والظلم ولذا لم تبحه الشريعة ، وكذا لا يصح بمقدارٍ معين كعشرة آصع أو عشرين كيلاً ونحو ذلك لما تقدم ، وكذا لا يصح بدراهم معلومة من إنتاج الثمر كأن يقول لك ألف درهم مما تنتجه الثمار والزروع التي تساقيها وتغارسها .

ويشترط أيضاً أن يكون موضع ما اتفقا على مزارعته ومساقاته معلوماً بالرؤية أو بالصفة التي لا يختلف معها لأنه لا يصح العقد على مجهول . ( الفقه الميسر 1/199)

وإن اختلف المالك والعامل في نصيب العامل فقال الإمام مالك القول للعامل لأنه أقوى سبباً وقال الإمام الشافعي يتحالفان وقال الحنابلة القول قول المالك لأنه منكر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ) رواه الترمذي وصححه الألباني . 

وإن ادعى العامل الهلاك فالقول قوله لأنه أمين فإن اتهم حلف . ( الفقه الميسر 1/198) 

وقد ورد في فضل الزراعة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ) متفق عليه  وقال ( ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان من أُكلَ منه له صدقة وما سُرق منه إلا كان له صدقة وما أكل السبع منه كان له صدقة وما أكلت الطير منه كان له صدقة ولا يرزأه – يعني ولا ينقصه – أحد إلا كان له به صدقة ) رواه مسلم  ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم مبشر الأنصارية في نخل لها فقال : من غرس هذا ؟ أمسلم أم كافر؟ قالت : بل مسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة ) رواه مسلم وروى نحوه عن أم معبد 







(( أحكام إحياء الموات ))
الموات / هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم .
فالمقصود بالاختصاصات يعني منفكة عما تتعلق به مصالح المسلمين كالطرق مثلاً ومسايل المياه والمحتطبات والبقاع المعدة للصلاة كصلاة العيدين مثلاً والاستسقاء فهذه لا تعتبر مواتاً ولا يصح إحياؤها وكذلك موات الحرم وعرفات لا يصح أحياؤها لما فيها من التضييق على الحجيج ، ومعنى ملك معصوم : العصمة تحصل إما بالإسلام وإما بالعهد أو بالذمة أو بالأمان فمن كانت له أرض من هؤلاء يملكها بشراء أو هبة أو إرث أو غير ذلك لم تكن مواتاً ولا يجوز أخذها  .
ومن أحيا الموات ملكها لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحيا أرضاً ميتة فهي له ) رواه الترمذي وصححه الألباني في الإرواء وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من عمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها ) قال عروة وقضى به عمر في خلافته . رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم ( من أحاط حائطاً على أرض فهي له ) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في الإرواء 
وهذا الحكم محل إجماع بين العلماء ولكن اختلفوا هل يشترط إذن الإمام أو لا ؟
القول الأول : أنه لا يشترط إذن الإمام وهذا هو قول جمهور الفقهاء .
القول الثاني : أنه يشترط إذن الإمام وهو مذهب الحنفية .
وأصحاب القولين يستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحيا أرضاً ميتة فهي له ) فقوله من أحيا أرضاً ميتة هل خرج مخرج الإذن السلطاني أو التشريع للأمة فالحنفية يقولون خرج مخرج الإذن السلطاني فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا السلطان وقد أذنت لكم في إحياء الموات في زماني ولذلك قالوا إنه يفتقر إحياء الموات إلى إذن الإمام ، وأما الجمهور فيقولون خرج مخرج التشريع للأمة .
القول الثالث : أنه لا يفتقر إحياء الموات إلى إذن الإمام لكن للإمام أن يمنع من إحياء الموات إلا بإذنه وتجب طاعته في ذلك ، نظراً لما قد يحصل من الفوضى والاضطراب فيما لو ترك الأمر للناس . 
  
وإحياؤها عمارتها بما تتهيأ له كأن يحوطها بسور أو يحفر فيها بئر أو يسوق الماء إليها من عينٍ أو نهر أو غيرهما إن أرادها للزرع ونحو ذلك ومرجعه إلى العرف فما عده الناس إحياء في عرفهم فهو إحياء وما لا فلا  وهذا يختلف باختلاف الأزمان والبلدان والأحوال .
ولإمام المسلمين إقطاع الأراضي الموات لمن يحييها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق وأقطع وائل بن حجر أرضاً بحضر موت وأقطع عمر وعثمان وجمعاً من الصحابة ، ولكن لا يملكه بمجرد الإقطاع حتى يحييه بل هو أحق به من غيره فإن أحياه ملكه وإن عجز عن إحيائه فللإمام استرجاعه وإقطاعه لغيره ممن يقدر على إحيائه لأن عمر رضي الله عنه استرجع الإقطاعيات من الذين عجزوا عن إحيائها .
ومن سبق إلى مباحٍ غير الأرض فهو أحق به كالحطب والصيد ونحوه . ( الملخص الفقهي 145)

والبئر تنقسم إلى قسمين بئر ماشية وبئر زرع أما بئر الماشية فحريمها أربعون ذراعاً ففي حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته ) قال بن حجر في البلوغ رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف وذكر الألباني له في السلسلة الصحيحة عدة شواهد يرتقي بها إلى الحسن 
أما بئر الزرع فتنقسم إلى قسمين :
1-بئر عادية ومعنى عادية يعني قديمة قد انطمت وذهب ماؤها منسوبة إلى عاد ولا يراد عاداً بعينها ولكن لما كانت في الزمن الأول وكانت لها يدٌ في الأرض نسب إليها كل قديم فمن أحياها فإنه يملك البئر مع خمسون ذراعاً من كل جانب .
2-بئر بادية وهي الجديدة التي لم يسبق حفرها فلمن أحياها خمسة وعشرون ذراعاً .
لحديث ( حريم البئر البادي خمسة وعشرون ذراعاً وحريم العادي خمسون ذراعاً ) وهو مرسل عن سعيد بن المسيب لكن أخذ به جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة .
وأما الماء المباح الغير مملوك الذي يمر بأملاك الناس كماء النهر والوادي ونحوهما فللأعلى أن يسقي من الماء ثم يحبسه إلى الكعب ثم يرسله لمن يليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر ) قال الزهري : فنظرنا إلى محبس الماء في الجدر فكان إلى الكعبين . رواه عبد الرزاق  وإن كان الماء مملوكاً لهم فيقتسمونه بقدر أملاكهم فيه . ( الملخص الفقهي 145)
ولإمام المسلمين أن يحمي أرضاً لمواشي بيت المال كإبل الصدقة وخيل الجهاد والضوال ونِعَمِ الجزية ونحو ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين ، ولكن لا يضر بالمسلمين ويضيق عليهم .

((  أحكام اللقطة  ))
اللقطة اصطلاحاً / مالٌ أو مُختصٌ ضاع من ربه . ( الفقه الميسر 1/268)
فقولنا ( مال ) هو ما يصح تملكه ويجوز بيعه ، وقولنا ( أو مختص ) ما لا يصح تملكه ولا يصح بيعه ككلب الصيد مثلاً وقولنا ( ضاع من ربه ) يعني فقده صاحبه ويسمى ضالة وقيل إن الضالة اسمٌ للحيوان خاصة دون سائر اللقطة والجمع ضوال ويُقال لها الهوامي والهوامل .
والأصل في اللقطة قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد الجُهني لما سُئل عن لقطة الذهب والورق قال ( اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تُعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فادفعها إليه ) وسئل عن ضالة الإبل فقال ( ما لك ولها ، معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها ) وسئل عن ضالة الغنم فقال ( خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ) رواه البخاري ومسلم  
والوكاء هو ما يُربط به الوعاء أو الكيس الذي توضع فيه النفقة .
والعفاص هو الوعاء نفسه أو الكيس الذي توضع فيه النفقة .
واللقطة على ثلاثة أضرب :
1-أن تكون مما لا تتبعها همة أوساط الناس أي ما تقل قيمتها فيجوز أخذها والانتفاع بها من غير تعريف لقول جابر رضي الله عنه : رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به . رواه أبو داود وضعفه الألباني وعن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق فقال ( لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها ) متفق عليه أما إذا كنت تعرف صاحبها فليس لك أن تأخذها ولو كانت شيئاً يسيرًا كالقلم والسواك فلا تعتبر من اللقطة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من اقتطع حق امريءٍ مسلم بيمينه فقد أوجب له النار فقال رجل وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله فقال وإن كان قضيباً من أراك ) رواه مسلم .
2-الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع إما لضخامته كالإبل والخيل ونحوهما أو لطيرانه كالطيور أو لسرعة عدوه كالظباء أو لدفعه عن نفسه كالفهود والكلاب فلا يجوز أخذها لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال ( مالك ولها؟ دعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها ) متفق عليه ومن أخذها لم يملكها ولو عرفها ولزمه ضمانها ولم يبرأ منها إلا بدفعها إلى الإمام أو نائبه ، ويُلحق بها ما يحتفظ بنفسه من الآلات والأدوات الكبيرة والمعدات الثقيلة وما لا ينتقل عن مكانه كالأخشاب والأسمنت وغيرهما .
3-ما تكثر قيمته من الأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع فيجوز أخذه  كما لو وجدت مبلغًا من النقود في الطريق مثلاً ، أو وجدت ذهبًا أو فضةً أو نحو ذلك ، أو وجدت أغنامًا فتأخذها مع وجوب التعريف حولاً كاملاً في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد لا داخلها لأنه محرم فيعرفها كل يوم في الشهر الأول ثم كل أسبوع في الشهر الثاني ثم مرةً كل شهر حتى تمام الحول قال بهذا بعض الفقهاء ولكن هذا ليس عليه دليلٌ ظاهر وإنما يرجع للعرف فما عده الناس تعريفًا فهو تعريف ويمكن في الوقت الحاضر أن يُستفاد من الصحف والإذاعة والتلفاز ونحوها في التعريف لكن أجرة الإعلان تكون على المعرف وليس على صاحب اللقطة  فقد نص الفقهاء على أن أجرة التعريف تكون على الملتقط لا على صاحب اللقطة.
ومتى جاء صاحب اللقطة ووصفها وصفاً دقيقاً دفعها له من غير بينة وقال بعض العلماء إن مجرد وصفه لها هو في حد ذاته بينة لأن البينة هي اسم لما يُبين الحق ويوضحه ولا تنحصر في شهادة الشهود ويدفع معها نمائها المتصل والمنفصل ، وإن لم يعرف صاحب اللقطة ولم يأت صاحبها فيتملكها حينئذٍ ولا يتصرف فيها حتى يعرف وعاءها ووكاءها وصفته فمتى جاء طالبها يوماً فوصفها دفعها إليه أو دفع مثلها إن كانت قد هلكت فهو ضامن .
وإن كان حيوانًا يحتاج إلى مؤونة أو شيئًا يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف أو بيعه فمثلاً لو أن اللقطة شاةً فإذا أراد أن يُعرفها سنةً كاملة ربما أنه يُنفق عليها مثلاً كل يوم ريالين معنى ذلك أنه في السنة سينفق عليها قرابة سبعمائة ريال ولنفترض أن قيمة الشاة خمسمائة ريال فإذا أتى صاحبها قال له قبل أن أسلم لك الشاة سلم سبعمائة ريال فيقول الشاة أصلاً قيمتها خمسمائة فيقول من وجدها إني أنفقت عليها سبعمائة فلحل هذه الإشكالية قال الفقهاء إن مُلتقط الشاة ونحوها مما يحتاج إلى نفقة مُخيرٌ بين ثلاثة أمور بين أكلها وحفظ ثمنها وبين بيعها وحفظ ثمنها وبين إبقائها مع ماله والإنفاق عليها إن كان الإنفاق لا يزيد عن قيمتها ، فهو مُخيرٌ بين هذه الأمور الثلاثة ويفعل ما فيه الأصلح بما لا يدع مجالاً للخصومة . وإن خشي فساد الملتقط كأن يلتقط بطيخاً أو نحوه فيلزمه فعل الأصلح لمالكه فإما أن يأكله أو يبيعه ويعطي صاحبه ثمنه في الحالتين .
وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد ولا تفريط فلا ضمان لأن الملتقط يعتبر أميناً ، إلا أن يكون تصرف فيها باتجارٍ أو استقرض منها على نية الإرجاع فهنا لا يعد أميناً ويضمنها إذا تلفت ولو لم يتعد أو يفرط ويمكن أن يعتبر متعدٍ ومفرط بفعله ذلك إذ أنه فعل ما لا يجوز له ، وإن مات قبل الحول قام وارثه مقامه . ( الفقه الميسر 1/272)
ولقطة الحرم لا تملك ولو عرفها لحديث ( ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ) متفق عليه  بل لا يجوز التقاطها إلا لأجل التعريف وهذا قول الشافعية ورواية عند أحمد وذهب الجمهور إلى أن حكمها حكم سائر اللقطات والأول الصحيح للدليل ويلحق بها لقطة الحاج ولو كانت خارج الحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن لقطة الحاج ) رواه مسلم ( الفقه الميسر 1/271)

مسألة / من ترك حيواناً بفلاة لانقطاعه بعجزٍ عن المشي وعجز صاحبه عنه ملكه آخذه لحديث ( من وجد دابةً قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له ) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 6584 ) لأنها تركت رغبةً عنها فأشبهت سائر ما ترك رغبةً عنه .

مسألة / إذا وجد الصبي والسفيه لقطة فأخذها فإن وليه يقوم مقامه في تعريفها ويلزمه أخذها منهم لعدم أهليتهم للحفظ ، فإن تركها في يدهم فتلفت ضمنها لأنه مفرط فإن عرفها ولم تعرف فهي لهما بالضمان كسائر المكلفين .
واختلف العلماء هل الأفضل الالتقاط أم تركه فقال الحنفية والشافعية إذا خاف عليها الضيعة لو تركها فالأولى أخذها لحفظها لصاحبها لأن في ذلك حفظاً لمال مسلم وقال المالكية والحنابلة بكراهية الالتقاط لأن في ذلك تعريضاً لنفسه لأكل الحرام أو تضييع الواجب من تعريفها فكان الترك أفضل ، والراجح أنه إن كان واثقاً من نفسه بتحمل الأمانة من التعريف والحفظ فالأولى الأخذ وإن خاف الفتنة وعدم القيام بالواجب من التعريف والحفظ فالأولى الترك وفي هذا جمعٌ بين الأقوال ( الفقه الميسر 1/269)

مسألة / إذا عرف الملتقط اللقطة حولاً فإنه يستنفقها بالإجماع إن كان فقيراً ويضمن وإن كان غنياً فانفرد الحنفية بالقول بعدم جواز أكلها والراجح قول الجمهور بجواز استنفاقها لقوله في حديث اللقطة ( فشأنك بها ) متفق عليه ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين غنيٍ وفقير ( الفقه الميسر 1/271)


( أحكام اللقيط )
هو الطفل غير البالغ الذي يوجد منبوذاً أو ضالاً عن أهله ولم يعرف نسبه .
وحكم التقاطه فرض كفاية لأن فيه إحياء نفس قال تعالى{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } (32) سورة المائدة فإما أن يربيه أو يسلمه لمن يقوم بتربيته كدور الحضانة والملاجئ أو المتبرعين ونحو ذلك .
والطفل اللقيط محكوم بحريته وإسلامه إن وجد في بلاد المسلمين أو في بلاد أكثر أهلها مسلمين أما إذا وجد في دار كفرٍ أو أكثر أهلها غير مسلمين فهو كافر تبعاً للدار ، وما وجد عنده من المال فهو له ، وأحق الناس بولايته هو ملتقطه إن كان أميناً كما قال عمر رضي الله عنه لأبي جميلة حين وجد لقيطاً قال اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته . ومعنى ولاؤه أي ولايته وتربيته ونتاجه عدا الميراث ففيه خلاف فقيل لملتقطه وقيل لبيت المال ، وقول عمر وعلينا نفقته يعني من بيت مال المسلمين فتجب النفقة على اللقيط من بيت مال المسلمين وفي الوقت الحاضر توجد دور الرعاية الاجتماعية التي ترعى اللقطاء وينفق عليهم من بيت مال المسلمين .
وإن وجده كافر أو فاسق وهو مؤمن لم يقر بيده لفتنتهم له عن دينه ، ولا يقر بيد بدويٍ متنقل لأن في ذلك إتعابٌ للصبي فيؤخذ منه ويدفع للمستقر بالبلد لأن مقام الطفل أصلح له في دينه ودنياه وأحرى للعثور على أهله ومعرفة نسبه ، وميراث اللقيط وديته إذا جنى بما يوجب الدية على بيت مال المسلمين إلا إن وجد له وارث من زوجةٍ أو ولد ، ووليه في القتل العمد الإمام فيخير بين القصاص وأخذ الدية لبيت المال ، وإن جني عليه بما دون النفس انتظر بلوغه ورشده حتى يقتص عند ذلك أو يعفو ، ومن ادعى نسبه ألحق به بشرط أن ينفرد بدعوته ولا يطالب ببينة لأن الشريعة تتشوف لحفظ الأنساب إلا إن كان كافراً ألحق به نسباً لا ديناً ولم يسلم إليه ، أما لو ادعاه اثنان فيقدم من كانت له بينة فإن تساوت بيناتهم أو لم توجد لهم بينة فيؤتى بالقافة ويكفي قائفٌ واحد والقافة هم الذين يعرفون الأنساب بالشبه ويشترط في القائف أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة فإذا ألحقت القافة به واحد منهما ألحق به ، ولكن لو ألحقت القافة هذا اللقيط بهما جميعاً فهل ينسب إليهما؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: وهو مذهب الجمهور الحنفية والمالكية والحنابلة أنه ينسب إليهما جميعاً فيقال هو فلان ابن فلان وابن فلان وهذا قد وقع في عهد عمر رضي الله عنه وذلك في قصة امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف قد اشتركا فيه جميعاً وجعله عمر بينهما رواه سعيد بن منصور وقال بن القيم في زاد المعاد إسناده في غاية الصحة وأيضاً علل الجمهور فقالوا كما أن الولد ينعقد من ماء الرجل ومن ماء المرأة فلا مانع عقلاً من أن ينعقد من ماء رجلين.

القول الثاني / للشافعية قالوا لا يمكن أن ينسب الولد إليهما جميعاً لأن الله تعالى قد أجرى العادة أن للولد أباً واحداً وأماً واحدةً ولو قيل لأحد من الناس فلان ابن فلان وفلان لعد هذا قذفاً ويوم القيامة ينصب لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان ابن فلان ولم يأت فلان بن فلانٍ وفلان .

ويمكن أن يستفاد من أهل الطب في هذه المسألة فيسألون هل لو وطأ امرأة رجلان هل يمكن أن يتخلق هذا الولد من ماء الرجلين جميعاً ؟ فإن قالوا ممكن ولو بنسبة ضئيلة فقول الجمهور أرجح وإن قالوا ليس بممكن بشكل قاطع فيكون قول الشافعية أرجح وهذا إذا كانت المسألة قطعية عند أهل الطب وأهل الاختصاص وأما إذا كانت ظنية فلا شك أن قول الجمهور في هذه المسألة هو الأقرب  ويمكن الاستفادة أيضاً من التقدم الطبي في اكتشاف النسب عن طريق الحمض النووي والخلايا الجينية الوراثية ونحو ذلك .










(( أحكام السبق  ))
السبْق بإسكان الباء هو بلوغ الغاية قبل غيره قال تعالى(( وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ )) (25) سورة يوسف أي ابتدراه أي انطلق كلاً منهما يريد بلوغ الباب قبل صاحبه .
والسبَق بفتح الباء هو العوض الذي يسابق عليه ، ويسمى خطراً وجعلاً ونوالاً ورهاناً وغير ذلك ( انظر المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية للشيخ سعد الشثري ص17)
والمسابقة هي المنافسة بين شيئين فأكثر في تحقيق أمر ،كالمجاراة بين حيوانٍ وغيره وكالمسابقة في رمي السهام ونحو ذلك وهي جائزة بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى مخبراً عن إخوة يوسف (( قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ )) (17) سورة يوسف وقال تعالى (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا إن القوة الرمي ) وقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم بين الخيل المضمرة من الحقباء إلى ثنية الوداع وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق . رواه البخاري وأجمع المسلمون على جواز السباق في الجملة . ( انظر المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية للشيخ سعد الشثري ص33)
والحكمة من مشروعية المسابقة التدريب على الفنون العسكرية والكر والفر والرمي وتقوية الأجسام وتهيئتها إستعداداً للجهاد في سبيل الله ، وتعلم أمور الشرع نصرةً للدين .

وقد قسم العلماء المسابقات من جهة العوض في المال إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يجوز بعوض وبدون عوض وهو المسابقة في الإبل والخيل والسهام ودليله حديث ( لا سبَق إلا في خف أو نصل و حافر )رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 3874 ) والمراد بالخف الإبل والنصل السهم  والحافر الخيل كذا قال في المغني وقال الشافعية الخف الإبل والفيلة وكل ما له خف والحافر الخيل والبغال والحمير وكل ما له حافر والنصل السهام والحراب والمنجنيق وكل نافع في الحرب قال الجويني : العدول عن ذكر البعير والفرس إلى الخف والحافر لا فائدة فيه غير قصد التعميم . ( انظر موسوعة الفقه الكويتية مادة سباق )
القسم الثاني: ما لا تجوز المسابقة فيه مطلقاً وهو كل ما أدخل في محرم أو ألهى عن واجب وهذا باتفاق العلماء ، كالمسابقات التي يتخذ فيها ذوات الأرواح غرضاً أو تكون بالتحريش بين ذوات الأرواح كمناطحة البهائم ومناقرة الديكة وما يعرف بالمصارعة الحرة والملاكمة ونحو ذلك . وأما المصارعة بمعناها العربي وهو المطارحة  فجائزة فقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة فصرعه وكان لا يُصرع فأسلم لما رأى من قوة النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه مؤيدٌ من ربه ، وكذلك ما لا يؤثر ضرراً على الآخر كالتبادح بالبطيخ ونحوه فقد كان السلف يصنعونه .
القسم الثالث: ما تجوز المسابقة فيه بدون عوض ولا تجوز بعوض وذلك كل ما كان فيه منفعة مباحة وليس فيه مضرة راجحة كالمسابقات الرياضية كالعدو والسباحة وحمل الأثقال ونحوها ، ودليل عدم جواز أن تكون بعوض حديث ( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر ) أي لا سبق بجعلٍ إلا على هذه ، وقيل المراد أحق ما بذل فيه الجعل هذه الثلاثة لكمال نفعها ولا يمنع هذا أن يكون ما عداها بجعل وهو الراجح إذا كانت هذه المسابقات مما يعين على الجهاد ونصرة الدين . قال بن القيم : الرهان على ما فيه ظهور الإسلام ودلالته وبراهينه من أحق الحق وأولى بالجواز من الرهان على النضال وسبق الخيل ( نقله الفوزان في الملخص الفقهي 2/123) ويستدل على ذلك بقصة مراهنة الصِديِّق رضي الله عنه لقريش حين نزلت سورة الروم .
وقال الحنفية / لا تجوز المسابقة إلا في أربع الخف والنصل والحافر للحديث المتقدم والمسابقة بالقدم لحديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قالت ( فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني قال هذه بتلك السبقة ) رواه أبو داود وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 3251 ) وما عدى ذلك فلا يجوز لأنه لعب واللعب محرم لحديث ( كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته ) رواه أصحاب السنن وضعفه الألباني  لكن رواه الطبراني بلفظ ( كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال مشي الرجل بين الغرضين وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة ) صححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 1282 )
وأجيب : بأن الحديث يدل على أن اللعب في هذه المذكورات مسنون يثاب عليها المرء ولا يعني أنما عداها محرم وإنما لا يثاب عليها المرء إلا إذا نوى التقوي على الجهاد وأمور الدين فيثاب لهذه النية لا للنفس اللعب ، وقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة .  فدل على أنه كل ما ينفع في الجهاد ونصرة الدين يجوز المسابقة فيه بعوض وبدون عوض .
  
ويشترط لصحة المسابقة خمسة شروط /
الأول / تعيين المتسابقين والمركوبات في المسابقة بالرؤية فلا يجوز إبدالهما أثناء السباق .
الثاني / اتحاد المركوبات في النوع فلا يسابق بين خيلٍ وإبل وإنما بين خيلٍ وخيل وبين إبل وإبل .
الثالث / تحديد موضع الإصابة بالنسبة للرمي وتحديد المسافة للعدو ونحوه بحيث يكون للبداية والنهاية حدٌ معلوم حتى يعرف الأسبق ولا يشترط عند المالكية تساوي المسافة بين المتسابقين فلو اشترط أحدهم أن يبتدئ من نصف المسافة أو نحوها جاز ذلك .
الرابع / أن يكون العوض معلوماً بمشاهدة أو صفةٍ أو قدر وأن يكون مباحاً كعشرة دنانير لا عشرة جرار خمر ، ويصح أن يكون حالاً أو مؤجلاً أو بعضه حال وبعضه مؤجل .
الخامس / أن يكون العوض من غير المتسابقين أو من أحدهم ، وأما إن كان منهم جميعاً لم يجز إلا أن يدخلوا بينهم متسابقاً لم يدفع شيئاً ويسميه الفقهاء محللاً لئلا يكون قماراً لكن بشرط أن يكافئ خيله خيلهم وإبله إبلهم ورميه رميهم ، وهذا قول الجمهور ومرويٌ عن سعيد بن المسيب والزهري والأوزاعي وإسحاق لحديث (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار ) لكن هذا الحديث ضعيف رواه أبو داود وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 3875 ) ولذلك قال المالكية: لا يجوز ولو مع وجود محلل لأنه قمار والحديث ضعيف فيرجع إلى الأصل وهو حرمة القمار ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الخيل ثلاثة ففرس للرحمن وفرس للشيطان وفرس للإنسان فأما فرس الرحمن فالذي يرتبط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله في ميزانه وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها فهي ستر من الفقر ) رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 3350 ) 
وأجيب : بأن المراد الرهان والقمار فيما عدا السبق .
وقال الحنفية وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يجوز ولا يشترط وجود محلل ، وقالوا : القول بالمحلل مذهب تلقاه الناس عن سعيد بن المسيب ، وأما الصحابة فلا يحفظ عن أحدٍ منهم قط أنه اشترط المحلل ولا راهن به مع كثرة تناضلهم ورهانهم  بل المحفوظ عنهم خلافه ( نقله الفوزان في الملخص الفقهي 2/123)( وذكره الخثلان في شرحه للعمدة) ( وانظر الفقه الميسر 1/215) قال الشيخ سعد الخثلان : يجوز في المسابقة بهذه الثلاثة أن تكون بعوض منهم جميعاً ولا يشترط على الصحيح إدخال محلل لأن هذا القول ليس عليه دليل ظاهر ولم يكن معروفاً عن الصحابة ، ويقاس عليها آلات الجهاد في الوقت الحاضر لأن المقصود ما كان معيناً على التدرب على الجهاد فلو قدِّر سباق على دبابة ونحوها جاز بالشروط المتقدمة . وما عدا ذلك فلا يصح بعوضٍ من أحد المتسابقين فكل مسابقة يدخل فيها الإنسان ويبذل عوضاً وهو متردد بين الربح والخسارة فإنها من الميسر حتى ولو كان المال قليلاً ، فمن أمثلة ذلك ما تفعله بعض المحلات التجارية من إقامة مسابقات وتشترط للدخول فيها شراء قسائم أو كوبونات هذا يجعلها من الميسر ، وإن كانت زهيدة بالنسبة للمتسابق ، ومنها المسابقات التي تكون عن طريق الاتصال الهاتفي الذي يترتب عليه بذل مال من ذلك مثلاً الرقم 700 مثلاً الاتصال عن طريقه مكلف الدقيقة ربما تصل إلى عشرة ريالات أو أكثر أو أقل وقد يربح هذا المتسابق وقد يخسر وهذا من الميسر ، وأما إن كان الذي يدخل في المسابقة إما غانم وإما سالم فلا بأس بذلك ومن هذا الباب ما تجعله بعض محطات الوقود أو بعض المحلات التجارية من تقديم هدية للزبائن هذا لا بأس به ، يجعل مثلاً إن ذهبت إلى هذه المحطة وطلبت منهم تعبئة خزان بنزين يعطونك مثلاً هدية علبة مناديل أو شيء من هذا القبيل هذا لا بأس به لأن هذا في الحقيقة هو أشبه بالتخفيض لقيمة البنزين أو لقيمة هذه السلعة  لكن بدل ما يكون التخفيض مباشرة يكون بهذه الطريقة وأنت لم تبذل عوضاً فأنت إما سالم على الأقل وإما رابح فهذا لا بأس به ، فإذًا القاعدة في المسابقات المشتملة على الميسر هي كل مسابقة أو مغالبة يدخل فيها الإنسان وهو متردد بين الربح والخسارة . انتهى كلامه من شرح العمدة .
وبهذا يتبين أن القول بالمحلل قولٌ باطل إذ لا دليل عليه بل الأدلة تدل على بطلان المحلل في الزواج وأنه تيسٌ مستعار وكالمحلل في الربا وهو بيع العينة فإن كان السبق بهذه الثلاث محرماً فلا يجوز التحايل على فعل المحرم بالمحلل وإن كان جائزاً وقد دلت الأدلة على جوازه وعلى استثناءه من القمار المحرم فلا حاجة إلى المحلل .
ويتلخص أن المسابقات فيما فيه عز للإسلام والمسلمين من تعلم فنون القتال وتعلم أمور الدين كالقران والسنة وسائر العلوم الشرعية ونحو ذلك فتجوز بعوض من المتسابقين أو من أحدهم أو من غيرهم وبغير عوض أولى بالجواز ، وما عدى ذلك مما هو غير محرم ولا يؤدي إلى فعل محرم فيجوز بغير عوض .
وعقد المسابقة عقد جائز وهو قول الحنفية والحنابلة وقول عند الشافعية فلكل واحد من المتسابقين الفسخ قبل الشروع في المسابقة وأما بعد الشروع في المسابقة فيجوز لمن يظهر أنه سيسبق دون المتأخر لأنا لو أجزناه للطرفين لفات الغرض من المسابقة لأنه متى بان لأحدهم أنه مسبوق فسيترك المسابقة وحينئذٍ تحصل المنازعة . وقال المالكية عقد المسابقة عقد لازم للطرفين فليس لأحدهما فسخه إلا برضى الطرف الآخر . وقال الشافعية في الأظهر هو عقد لازم لمن التزم العوض وجائز لمن لم يلتزم بشيء . ( موسوعة الفقه الكويتية مادة سباق )   

(( أحكام  الوديعة  ))
الوديعة لغةً / من ودع الشيء إذا تركه وسميت بذلك لأنها متروكة عند المودع . ( الفقه الميسر1/247)
اصطلاحاً / هي اسم للمال المودع عند من يحفظه بلا عوض . ( الملخص الفقهي 2/137)
والوديعة جائزة قال تعالى(( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) (58) سورة النساء وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 240 ) وأجمع المسلمون على جوازها ( الفقه الميسر 1/247) وتستحب لمن علم من نفسه الأمانة والقدرة على حفظها لأن في ذلك عون لأخية وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) رواه مسلم والفرق بين الوديعة وبين القرض أن القرض دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله وأما الوديعة فلا ينتفع بها بل تبقى عنده كأمانة لا يجوز له التصرف فيها ولذلك فوضع المال في البنك قرض وليس بوديعة فيترتب عليه أحكام القرض لا أحكام الوديعة . (انظر الفقه الميسر1/252)0
والوديعة أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها لحديث ( من أودع وديعةً فلا ضمان عليه ) رواه بن ماجه وقد أجمع الفقهاء على ذلك ذكره بن رشد ( بداية المجتهد2/311 نقلته من حاشية الفقه الميسر 1/248) ولأنه يحفظها تبرعاً ولو ضمن لامتنع الناس من قبول الودائع فيترتب على ذلك تعطل هذه المصلحة ، إلا إذا تعدى أو فرط ومعني التعدي فعل مالا يجوز ، والتفريط ترك ما يجب . ولكن روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضمن أنس بن مالك وديعة سرقت من بين ماله . أخرجه البيهقي وحمل تضمين عمر لأنس على أنه حصل من أنس رضي الله عنه نوع تفريط ولذلك قال البيهقي رحمه الله : يحتمل أن أنساً كان قد فرط في حفظها فضمنه إياها بالتفريط وكذا قال الموفق بن قدامة ولذلك يضمن المودع إذا لم يحفظها في حرز مثلها أو مثل الحرز الذي أمر بإحرازها فيه أو تصرف فيها لنفسه كأن يركب الدابة أو يلبس الثوب المودع عنده أو خلط الوديعة بما لا تتميز منه أو أخرجها لينفقها ثم ردها أو كسر ختم كيسها أو ترك الإيصاء بها عند حضور أجله وهو قادرٌ على الإيصاء فإنه يضمنها لأنه متعدٍ أو مفرط  ، والمودع أمين فيقبل قوله إذا ادعى تلف الوديعة من غير تفريط مع يمينه ويقبل قوله إذا ادعى أنه ردها لأن الأصل براءته ما لم تقم بينةٌ على كذبه ، وإن قال تلفت بحادث ظاهر كحريق فعليه إثبات وجود ذلك الحادث ، ولو طلب منه صاحب الوديعة ردها فتأخر من غير عذرٍ فتلفت ضمن لأنه فعل محرماً بإمساكها بعد طلب صاحبها ، وإن قال ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه  بخلاف ما لو قال مالك عندي شيء ثم ادعى ردها أو تلفها قبل لأن كلمة مالك عندي شيء كلام مجمل يحتمل أنه أراد أنه ردها قبل أو أنها تلفت لكن قوله ما أودعتني صريح في خيانته ولذلك لا يصدق بعدها ، وإن شرط المودِع على المستودع ضمان الوديعة فقبله أو قال أنا ضامن لم يضمن إن ضاعت تلك النفقة أو سرقت أو تلفت من غير تعد ولا تفريط لأن هذا الشرط شرط غير صحيح لأن الوديعة ليس من شأنها الضمان وهذا شرط ينافي مقتضى العقد .
وإن كانت الوديعة دابةً لزمه إعلافها فإن تركها ولم يعلفها حتى ماتت ضمن لأنه قد تعدى وفرط وأثم لأن لها حرمة ، ويضمن أيضاً إذا سلم الوديعة أياً كانت إلى أجنبي فتلفت عنده إلا إذا اضطر لذلك كأن يحضره الموت أو أراد سفراً وخاف عليها إذا أخذها معه فلا يضمن حينئذ والأولى أن يردها لصاحبها إن استطاع أو يسلمها للحاكم فإن لم يستطع أودعها عند ثقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة أودع الودائع التي كانت عنده عند أم أيمن وأمر علياً أن يردها إلى أصحابها .
ويشترط لصحة الإيداع ما يشترط في التوكيل كالبلوغ والعقل والرشد لأن الإيداع توكيل في الحفظ ، ويشترط أن تكون بصيغةٍ دالةٍ على الاستحفاظ كقول استودعتك أو احفظ لي هذا وما في معناهما ولا يشترط في القبول لفظ بل يكفي القبض . (الفقه الميسر 1/248)

مسألة / التأمين نوعان تعاوني وتجاري فالتعاوني هو إسهام أشخاص بمبالغ مالية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر منهم أو من غيرهم تعاوناً منهم على الاشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث فهذا جائز لأنه يعد عقد تبرع ولخلوه من الربا والغرر ، وأما التأمين التجاري فهو عقد يلزم بموجبه أن يؤدي أحد الطرفين إلى الآخر عوضاً مادياً عن الخسائر التي تصيبه نظير أن يدفع الطرف الآخر رسوم ماليه شهريه أو حسب ما يتفقان عليه تسمى أقساط التأمين فهذا النوع محرم لاشتماله على الغرر ولأنه ضرب من المقامرة والرهان المحرم وبذلك صدر قرار هيئة كبار العلماء في المملكة وقرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي وكذا المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ( الفقه الميسر1/255)
ــــــــــــــــــــــــ




((  أحكام العارية  ))
العارية لغةً / مأخوذة من التعاور وهو التداول والتناوب في الانتفاع بالشيء . وقيل مأخوذة من العريّ وهو التجرد سميت بذلك لتجردها عن العوض . (القاموس المحيط مادة عور)
اصطلاحاً / إباحة نفع عينٍ يحل الانتفاع بها مع بقاء عينها .
خرج بهذا التعريف ما لايباح الانتفاع به كآلات الطرب والشيشة وغيرها فلا تحل إعارتها ، وخرج ما لا يمكن الانتفاع به إلا بتلف عينه كالأطعمة والأشربة فلا تعار .
وقد أجمع المسلمون على جواز العارية للمستعير بلا كراهة واستحبابها للمعير ( الفقه الميسر 1/220) والنبي صلى الله عليه وسلم قد استعار أدرعاً من صفوان ابن أمية واستعار فرساً لأبى طلحة لما كان بالمدينة فزعٌ ولو كانت الاستعارة مكروهة لكان النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عنها والإعارة من الإحسان والله سبحانه وتعالى يقول (( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين )) [البقرة: 195] وقال بعض أهل العلم إن العاريّة تجب مع غناء المالك وحاجة المستعير وقد اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم ويدل لذلك قول الله تعالى (( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ )) [الماعون:7] وقد فسر الماعون بمنع الزكاة وفسر بمنع العاريّة وقيل إنه يشمل ذلك كله وهذا يقتضي وجوب العاريّة لأن الوعيد يكون على ترك واجب ويدل لذلك أيضاً ما جاء عند النسائي من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا وقف لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الأظلاف بأظلافها وتنطحه ذات القرون بقرونها ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن قلنا يا رسول الله وماذا حقها قال إطراق فحلها وإعارة دلوها وحمل عليها في سبيل الله ) صححه الألباني 

والعارية مضمونة وإن لم يتعدى فيها المستعير وهذا القول هو المشهور من مذهب الحنابلة والشافعية والقول الثاني في المسألة أن العارية أمانة في يد المستعير لا يضمنها إلا إذا تعدى أو فرط وهذا هو مذهب الحنفية وقول عند المالكية واختاره ابن تيميه وابن القيم فتكون العاريّة كالوديعة ودليلهم حديث صفوان ابن أمية ( لما استعار من النبي صلى الله عليه وسلم أدرعاً يوم حنين فقال أغصباً يا محمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل عارية مضمونة ) فقوله بل عاريّة مضمونة استدل بها أصحاب القول الأول وقالوا إن كلمة مضمونة صفة كاشفة أي أن العارية من شأنها الضمان. وقال أصحاب القول الثاني صفة مقيدة وليست كاشفة يعني اشترط على نفسي أن تكون مضمونة وإلا فالأصل أن العارية لا تضمن إلا في حال التعدي فتكون صفة مقيدة وقد جاء في رواية أخرى عند أبي داود بسند صحيح (بل عاريّة مؤداه ) وهذا يدل على أنها أمانة تؤدى كالودائع .
قال الفوزان : اختلف العلماء في ضمان المستعير للعارية إذا تلفت في يده في غير ما استعيرت له كما لو ماتت الدابة أو احترق الثوب أو سرقت العين المعارة فذهب جماعة إلى وجوب ضمانها سواءً تعدى أو لم يتعدى لعموم حديث ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) وذهب جماعة آخرون إلى عدم ضمانها إذا لم يتعد ولعل هذا هو القول الراجح .  انتهى بتصرف ( الملخص الفقهي2/129)

وقال في الفقه الميسر 1/222 ما ملخصه : اختلف العلماء في مسألة تلف العارية على ثلاثة أقوال :

الأول / يجب ضمانها سواءً تعدى المستعير أو لم يتعد لحديث ( بل عاريةٌ مضمونة ) وحديث ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) ولأن المستعير قد أخذ ملك غيره لنفع نفسه ولم يأذن له في الإتلاف فكان مضموناً وهو قول بن عباس وأبو هريرة وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وقولٌ لمالك ، وهو الراجح لأن المصلحة في الانتفاع بها للمستعير دون المعير وتضمينه يدفعه إلى المحافظة عليها وليكون ذلك دافعاً للناس لبذل العارية لثقتهم من سلامة ملكهم إما بعودٍ أو ضمان .

الثاني / لا يجب إلا بالتعدي لحديث ( ليس على المستعير غير المغل ضمان ) والمغل هو الخائن ولأنه قبضها بإذن مالكها فكانت أمانةً كالوديعة وهو قول الحسن والنخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة .

الثالث / تضمن فيما يغاب عليه كالثياب والحلي ما لم يكن على التلف بينة ولا يضمن فيما لا يغاب عليه كالعقار والحيوان وهو المشهور في مذهب مالك . انتهى .




وأركان العارية أربعة هي :
1-المعير / وهو مالك العين المعارة .
2-المستعير / وهو طالب الإعارة .
3-المعار / وهي العين المعارة للانتفاع بها .
4-الصيغة / وهي كل قولٍ أو فعلٍ يدل على الإعارة .

ويشترط لصحة الإعارة أربعة شروط :
الأول / أهلية المعير لأن فيها نوع من التبرع فلا تصح من صغير ولا مجنون ولا سفيه .
الثاني / أهلية المستعير لأنها أمانة تحتاج إلى حفظ .
الثالث / أن تكون العين المعارة مباحة النفع فلا يعير عوداً لمغني ولا عبداً مسلماً لكافر .
الرابع / كون العين المعارة يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها .

ويجوز للمعير استرجاع العارية في أي وقت إلا إذا ترتب على ذلك ضرر بالمستعير فيجب عليه أن يستأني حتى يزول الضرر عن المستعير بسحب العارية .

ويجب على المستعير أن يحفظ العارية لأنها أمانة وقد قال الله تعالى (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أد الأمانة إلى من أئتمنك ) وقال ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) فلا يستعملها فيما لا يصلح استعمالها فيه لعدم إذن صاحبها بذلك ولأن ذلك قد يؤدي إلى إتلافها فإن فعل وتلفت وجب عليه ضمانها وإن انتفع بها بما هو معروف وتلفت لم يضمن على الراجح لأنه مأذون له ولو عرفاً في هذا الاستعمال وما ترتب على المأذون فهو غير مضمون ، ولا يجوز للمستعير أن يعير ما استعاره لأن في ذلك تعريضاً لها للتلف .




((  أحكام الغصب  ))
الغصب لغةً / أخذ الشيء ظلماً. ( الفقه الميسر 1/226)
اصطلاحاً / هو الاستيلاء على حق غيره قهراً بغير حق ، سواءً بالقوة أو بالخصومة الفاجرة والأيمان الكاذبة وهو محرم قال تعالى (( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ))البقرة 188  وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) متفق عليه وقال ( لا يحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفس منه ) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 7662 ) وأجمع المسلمون على تحريمه ( الفقه الميسر 1/227) والمال المغصوب قد يكون عقاراً وقد يكون منقولاً لقوله صلى الله عليه وسلم ( من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين ) متفق عليه فمن غصب شيئاً فعليه رده والتوبة إلى الله وأن يطلب من صاحبه العفو لحديث ( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلله منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ) رواه البخاري وهذا إن كان المغصوب باقياً بحاله وأما إن كان تالفاً فيرد بدله وأجرة مثله إن كان له أجرة مدة مقامه في يده ، وعليه مؤونة رد المغصوب إن احتاج إلى حملٍ ونحوه ، ويلزمه أيضاً رد المغصوب بزيادته المتصلة كتعلم صنعة والمنفصلة كالكسب ، وإن كان قد بنى في الأرض المغصوبة أو زرع فيها لزمه قلع البناء والغرس إن طالبه صاحبها بذلك لحديث ( ليس لعرق ظالمٍ حق ) وإن كان يؤثر في سعر الأرض هذا البناء والهدم غرم النقص وكذلك لو نزلت الأسعار مدة حبسه لها غرم النقص الذي حصل قاله الخثلان وقال الجمهور لا يغرم لأنه رد العين بحالها لم ينقص منها شيء ( أنظر الفقه الميسر 1/230) وإن كان الغاصب قد زرع زرعاً فقام فهنا يخيَّر مالك الأرض بين تركه إلى الحصاد بأجرته وبين أخذه بعوضه لأن الزرع لا تطول مدته كالشجر ، وإن عمل الغاصب في المغصوب عملاً زادت به قيمته فإن ذلك يعد تبرعاً منه لا يستحق عليه عوضاً  ويرده إلى حالته إن طلب المالك واستطاع ذلك فإن لم يستطع لم يلزمه ذلك ، وقال شيخ الإسلام  إن اتجر الغاصب بالمال المغصوب فربح فأعدل الأقوال أن يكون الربح مناصفةً بينه وبين صاحب المال وهذا قضاء عمر الذي وافقه عليه الصحابة وقد اعتمد عليه الفقهاء وهو العدل لأن النماء حصل بمال هذا وعمل هذا فلا يختص أحدهما بالربح . (ذكره في الفقه الميسر 1/227)  ولكن هذا قد يجرئُ على اغتصاب أموال التجار ليربح فيها فيأخذ نصف الربح وما جرَّ إلى محرمٍ فهو محرم ، ويجب رد المغصوب بعينه فإن تلف وكان مثلياً كالموزونات والمكيلات وجب رد مثله لأن المثل أقرب من القيمة ، وإن كان المغصوب متقوماً كالذهب والفضة فيضمن قيمته ، واختلفوا في العروض كالأواني والأثاث والسيارات ونحوها فقال المالكية يقضى فيها بالقيمة وقال الجمهور بل المثل ولا تلزم القيمة إلا عند عدم المثل لقوله تعالى (( فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا )) (11) سورة الممتحنة  ولحديث ( إناءٌ بإناءٍ ) حين كسرت القصعة عائشة رضي الله عنها ، وإن خلط المغصوب بما يتميز عنه كبرٍ مع أرز لزمه تخليصه ورده خالصاً وإن لم يتميز كأن خلط أرزاً بأرز لزمه رد مثله كيلاً أو وزناً من غير المخلوط وإن خلطه بغير جنسه ولم يتميز باع المخلوط وأعطي كلاً منهما قدر حصته .
والأيدي المترتبة على يد الغاصب كلها أيدي ضمان فمن اشترى من الغاصب أو استأجر أو وهبه الغاصب أو غيرهم ممن انتقلت إليهم العين المغصوبة فإن علموا بأنها مغصوبة ضمنوا بأنفسهم لتعديهم بتملكهم هذه العين ممن يعلمون أنه لا يملكها ، وإن لم يعلموا فالضمان على الغاصب ، وتصرف الغاصب في المغصوب ببيع أو هبةٍ أو إجارةٍ أو غيرها لا يصح وقال الحنابلة في رواية إنه كتصرف الفضولي تتوقف على إجازة المالك فإن أجازها صحت وإن ردها بطلت . ( الفقه الميسر 1/227) وإن غصب شيئاً ثم نسي صاحبه أو جهله سلم المغصوب إلى الحاكم أو تصدق به عن صاحبه . وإن غصب من غير المسلمين شيئاً محرماً على المسلمين كخمرٍ ونحوه فقال الحنفية يجب رده وضمانه إن تلف لما روى عن عمر أن عامله كتب له عن الخمر عند أهل الذمة فقال له : ولوهم بيعها وخذوا منهم عشر ثمنها.  فما عدَّ مالاً لهم وجب ضمانه كسائر أموالهم وقال الشافعية والحنابلة لا ضمان على متلفها لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ) متفق عليه وما حرم بيعه لم يكن مالاً فلا ضمان في إتلافه .  (الفقه الميسر 1/232)
وإن اختلف الغاصب والمالك فادعى الغاصب تلف المغصوب وأنكر المالك فالقول قول الغاصب بيمينه وحينئذٍ يكون للمالك البدل ، وكذلك لو اختلفا في قيمة المغصوب لأن الأصل براءة ذمة الغاصب ، وإن اختلفا في رد المغصوب أو رد قيمته فالقول قول المالك لأن الأصل عدم ذلك واشتغال الذمة به . ( الفقه الميسر 1/233)
ويبرأ الغاصب برد المغصوب إلى مالكه أو وكيله وبرده إلى الحاكم إن لم يعرف صاحبه وبإبراء المالك له ، وللغاصب أن يتصدق بها عن صاحبها إن لم يعرفه بشرط الضمان كاللقطة .
وإن جنى المغصوب فأرش جنايته على الغاصب لأن ذلك نقصٌ في المغصوب فكان مضموناً على الغاصب كسائر نقص المغصوب ، وإن جنى على المغصوب أجنبي فللمالك تضمين أيهما شاء لأن الجاني متلف والغاصب حصل النقص والمغصوب في يده . (الفقه الميسر 1/233)
ومن اُعتدي عليه لأخذ ماله فيجوز له الدفاع عن ماله ولو بقتل المعتدي ، ولكن يدفعه أولاً بأسهل ما يمكن دفعه فإن لم يندفع إلا بالقتل فله أن يقتله كما في صحيح مسلم ( قيل يا رسول الله أرأيت إن جاء رجلاً يريد أخذ مالي قال : فلا تعطه مالك قال أرأيت يا رسول الله إن قاتلني؟ قال: قاتله ، قال : أرأيت إن قتلني ، قال : فأنت شهيد ، قال: أرأيت إن قتلته ، قال: هو في النار ) وفي الحديث الأخر ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) متفق عليه لكن لابد أن يقيم البينة أن هذا كان صائلاً عليه لئلا يدعي كل قاتل أن قتيله كان صائلا عليه ، ولا يلزم المسلم الدفاع عن ماله وأما نفسه وعرضه فيلزمه ذلك ، واستثنى بعض الفقهاء من ذلك حال الفتنة وقالوا إن الدفاع عن النفس فيها جائز وليس بواجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً القاعد فيها خير من القائم والماشي فيها خير من الساعي فإن أدركتك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ) وفي رواية ( فكن كخيري ابني آدم ) .
تنبيه / ما أفسدته الدواب ليلاً فهو مضمونٌ على أربابها وما أفسدته نهاراً غير مضمون وهو قول المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة وهو الراجح لما روى مالك عن الزهري عن حرام بن سعد أن ناقةً للبراء دخلت حائط قومٍ فأفسدت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت ليلاً فهو مضمونٌ عليهم ) قال بن عبد البر : هذا الحديث وإن كان مرسلاً فهو مشهور وحدث به الأئمة الثقات وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول . وقد صدر قرار اللجنة الدائمة بالسعودية رقم (1016) بوجوب ضمان ما تتلفه البهائم ليلاً دون ما تتلفه نهاراً .
وقال الحنفية لا ضمان مطلقاً لحديث ( العجماء جبار ) وقال الليث بالضمان مطلقاً على ألا يتجاوز قيمة الماشية والراجح الأول . ( الفقه الميسر 1/230)




((  أحكام الوقف  ))
الوقف لغةً / الحبس . 
اصطلاحاً / تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة . ( الفقه الميسر 1/275)
والأصل الذي يحبس لابد أن يكون باقياً ينتفع به مع بقاء عينه وأما ما لا يبقى بعد الانتفاع فلا يوقف كالمطعومات والمشروبات والأطياب ونحوها  وكالأثمان وهي الذهب والفضة والنقود في قول الجمهور ، وقال الحنفية يصح وقفها واختاره شيخ الإسلام ابن تيميه لأنه يمكن أن يوقف الإنسان وقفاً لإقراض المحتاجين وهذا عمل خيري فيقترض شخص ثم يعيده ثم يقترض آخر ثم يعيده وهذا عمل طيب يؤجر عليه الواقف .
والوقف من أفضل الأعمال الصالحات ففي الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله : أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس عندي منه فما تأمرني فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن شئت حبّست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية وعلمٌ ينتفع به وولدٌ صالحٌ يدعوا له ) رواه مسلم قال جابر رضي الله عنه :لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف . وقد أجمع المسلمون على جوازه . ( الفقه الميسر 1/276)

ويشترط لصحة الوقف ما يلي :
1-أن يكون على جهة بر كالمساجد وكتب العلم وعلى الأقارب والمساكين ونحو ذلك لأن المقصود به التقرب إلى الله فلا يصح الوقف على معابد الكفار وكتب الزندقة ولا الوقف على الأضرحة لتنويرها والبناء عليها .
2-أن يكون الواقف جائز التصرف بأن يكون بالغاً حراً رشيداً فلا يصح الوقف من الصغير والسفيه والمملوك .
3-أن يكون الموقوف مما يمكن الانتفاع به انتفاعاً مستمراً مع بقاء عينه فلا يصح وقف ما لا يبقى بعد الانتفاع به كالطعام .
4-أن يكون الموقوف معيناً فلا يصح وقف غير المعين كأن يقول وقفت عبداً من عبيدي أو بيتاً من بيوتي .
5-أن يكون الموقوف عليه معيناً فلا يصح على مجهول كرجل ويملك ملكاً ثابتاً فلا يصح الوقف على من لا يملك كالميت والحيوان .
6-أن يكون الوقف غير مؤقت ولا معلق إلا إذا علقه بموته فيصح كأن يقول إذا مت فبيتي وقف على الفقراء لما روى أبو داود أن عمر أوصى ( إن حدث به حادث فإن سمغاً ( أرض له ) صدقة ) واشتهر ولم ينكر فكان إجماعاً لكن يكون من ثلث المال لأنه في حكم الوصية .

مسألة / اختلف الفقهاء هل يصح الوقف المؤقت أم لا ؟
فقال الشافعية والحنابلة لا يصح بل لا بد أن يكون مؤبداً ودليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الوقف أنه ( لا يباع ولا يوهب ولا يورث ) فدل على تأبيده ، لكن يجوز الوقف على جهةٍ تنقطع ويصرف بعد على قربى الواقف المساكين ثم على غيرهم من المساكين .
وقال المالكية يجوز وهو مرويٌ عن أبي يوسف وهو الذي رجحه في الفقه الميسر (1/281) حيث أن في القول بمنعه إغلاقٌ لباب خير ، فمن الناس من يرغب في الخير ولا يريد زوال ملكه فكونه يسبل المنفعة زمناً قد يستغني فيه عن ملكه ثم يعود إليه عند حاجته خيرٌ من تعطيل ذلك بالكلية وحرمانه من فعل الخير والله تعالى أعلم .

ويصح الوقف بالقول كأن يقول وقفّت هذا البيت أو وقفّت هذه الأرض لتكون مسجداً ، ويصح كذلك بالفعل مثل أن يبني مسجداً ويأذن للناس بالصلاة فيه أو يجعل الأرض مقبرة ويأذن للناس بالدفن فيها فينعقد الوقف وحينئذٍ ليس للواقف أن يتراجع في وقفه بعد انعقاده .

والوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث لكن إذا تعطلت منافعه جاز بيعه ونقله إلى مكان آخر .

ويرجع في الوقف ومصارفه وشروطه وترتيبه إلى شرط الواقف ولذلك ينبغي أن تكون شروطه واضحة بينة وأن تكتب وتقيد وأن يُشهد عليها .

وأركان الوقف أربعة :
1-واقف / وهو مالك المال الموقوف ولا بد أن يكون أهلاً للتبرع .
2-موقوف / وهي كل عينٍ مملوكةٍ للواقف .
3-موقوف عليه / وهو المستفيد وقد يكون شخصاً أو أكثر وقد يكون جماعةً أو جهة .
4-الصيغة / فيلزم الوقف بمجرد اللفظ وألفاظ التوقيف قسمان :
أ-ألفاظ صريحة / كأن يقول وقفت وسبلت وحبست ونحو ذلك فمتى أتى بصيغةٍ منها صار وقفاً من غير انضمام أمرٍ زائد إليها .
ب-ألفاظ كناية / كأن يقول تصدقت وحرمت وأبدت ونحوها مما يحتمل معنى الوقف وغيره فهذه يشترط لها اقتران نية الوقف أو اقتران أحد الألفاظ الصريحة نحو أن يقول تصدقت صدقةً موقوفة أو محبسة أو مسبلة ونحو ذلك أو اقتران أحد ألفاظ الكناية بها نحو تصدقت صدقةً مؤبدة أو محرمة ، أو اقتران لفظ الكناية بحكم الوقف نحو تصدقت بكذا صدقةً لا تباع ولا تورث .

ويجب العمل بشرط الواقف ما لم يخالف الشرع لحديث ( المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ) ولأن عمر وقف وقفاً وشرط فيه شرطاً ، فإن لم يشترط استوى في الاستحقاق الغنى والفقير والذكر والأنثى إن كان الوقف على ذوي القربى ونحوهم .

وإن وقف على أولاده وأطلق استوى ذكرهم وإناثهم لأن إطلاق التشريك يقتضي الاستواء في الاستحقاق فإن استمر فعلى أولاد أبناءه دون أولاد بناته لقوله تعالى (( يوصيكم الله في أولادكم )) في الميراث وهو خاصٌ بأولاد البنين ، ومن العلماء من يرى دخولهم لقوله تعالى (( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم )) وأولاد البنات من المحارم فتشملهم الآية . ( الملخص الفقهي 2/161)(الفقه الميسر1/286) وإن وقف على عقبه شملهم جميعاً وإن وقف على صلبه فهو للبنين وأولادهم ، وإن قال على أبنائي اختص بالذكور لقوله تعالى (( أم له البنات ولكم البنون )) إلا أن يكون الموقوف عليهم قبيلة كبني هاشم وبني تميم فيشمل الإناث لأن اسم القبيلة يشمل الذكور والإناث ، ثم إن وقف على جماعة واستطاع حصرهم وجب تعميمهم والمساواة بينهم وإن لم يستطع جاز الاقتصار على بعضهم وتفضيل بعضهم على بعض .

والوقف يعتبر من العقود اللازمة فلا يجوز التراجع فيه بعد عقده وهو قول عامة الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد من الحنفية وقال أبو حنيفة هو عقدٌ جائز يجوز له الرجوع فيه في حياته مع الكراهة ويورث عنه ولا يلزم إلا إذا حكم القاضي به أو أخرجه مخرج الوصية بعد الموت والراجح أنه عقدٌ لازم لحديث ( لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث ) ولا يشترط إذا كان الوقف لمعين أن يقبل ويقبض المال الموقوف على الراجح وهو قول جمهور الفقهاء وقال الحنابلة في رواية يشترط ذلك (الفقه الميسر 1/278) ويصح وقف جميع المال في زمن صحته ولا يصح عند مرض الموت .
ولا يجوز نقله إلا أن تتعطل منافعه بالكلية كدارٍ انهدمت ولم تمكن عمارتها من ريع الوقف أو أرض زراعية خربت فيباع الوقف ويصرف الثمن في مثله لأنه أقرب إلى مقصود الواقف فإن تعذر مثله فيصرف في بعض مثله ، فلو كان الموقوف مسجداً وتعطل لخراب الحي ونحو ذلك بيع وعمِّر بثمنه مسجد آخر وهكذا لما روي أن عمر كتب إلى سعد لما بلغه أن بيت المال الذي بالكوفة قد نقب قال له : أنقل المسجد الذي بالتمَّارين واجعل بيت المال في قبلة المسجد وكان هذا بمحضرٍ من الصحابة ولم ينكر أحد وهذا قول الحنابلة وهو قول الحنفية والشافعية في غير المسجد واشترطوا إذن القاضي وقال المالكية لا يجوز ، وأما المسجد فلا يجوز استبداله في قول الجمهور ، والراجح قول الحنابلة لأن جمودنا على العين مع تعطل نفعها تضييعٌ لغرض الواقف . ( الفقه الميسر 1/289)

مسألة / ملكية الوقف لا تنتقل للموقوف عليه بل تبقى للواقف بدليل أنه مسئولٌ عن المخاصمة عن أوقافه ويكون للموقوف عليه المنافع فقط وهو قول مالك وقولٌ عند الشافعي وأحمد والقول الآخر لهما أنها تنتقل للموقوف عليه وعند الشافعية قولٌ ثالث أنه خرج من ملك الواقف ولم يدخل في ملك أحدٍ من العباد فهو ملكٌ لله وهو مذهب الحنفية والظاهرية وفصَّل في الفقه الميسر (1/280) فقال : إن كان الوقف على جهات برٍ كالمساجد ونحوها فتنتقل ملكيته إلى الله وإن كان على أشخاصٍ معينين فيبقى في ملكية الواقف . والراجح عندي قول الحنفية والظاهرية لأنه أخرجه كصدقة والصدقة لا تعود لملك المتصدق ولو قلنا أنها تبقى في ملكه لترتب على ذلك إرثها وجواز الرجوع فيها وهذا لا يصح ، ولو ملكه الموقوف عليه لأمكنه بيعه وهذا لم يقل به أحد .

مسألة / لا يجوز للواقف الانتفاع بشيءٍ من الوقف إلا أن يشرط النفقة منه على نفسه وأهله لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرط ذلك في صدقته وشرط عمر أن يأكل منه ويطعم صديقاً ، وإن وليها أحدٌ غير الواقف ولو من أهل بيته فله أن يأكل منها ويطعم صديقاً ، وإن لم يشترط شيئاً فلا ينتفع به إلا أن يكون الوقف على المسلمين فيكون كواحدٍ منهم لأن عثمان رضي الله عنه سبَّل بئر رومة وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين . ( الفقه الميسر 1/286)

مسألة / يصح الوقف على أهل الذمة لأنه يجوز أن يتصدق عليهم فكذلك الوقف ولأن صفية بنت حيي أم المؤمنين رضي الله عنها وقفت على أخٍ لها يهودي . أخرجه عبد الرزاق في مصنفه

مسألة / إن عين الواقف ناظراً للوقف فهو المسئول عنه وهو أمانة يجب أن يحسن الولاية فيه ، وإن مات ولم يحدد ناظراً أو عينه ومات الناظر ولم يعين غيره فإن كان الوقف على جهة عامة كالمساجد والقناطر ونحوها أو على ما لا يمكن حصره من المعينين كالمساكين فالنظر للحاكم يتولاه أو ينيب عنه من يتولاه ، وإن كان الوقف على شخصٍ أو أشخاصٍ معينين محصورين كأولاده أو فقراء قرابته ونحوهم فاختلف أهل العلم فيه فقال المالكية والحنابلة النظر يكون للموقوف عليهم لأنه يختص بهم وهو قولٌ للشافعية والقول الآخر  وهو مذهب الحنفية ورواية عند الحنابلة أن النظر يكون للحاكم الشرعي وهو الراجح فيما لو كان الوقف على أكثر من واحد لأنه أبعد عن النزاع وضياع الوقف .

ويشترط في الناظر أن يكون أميناً قادراً على القيام بما وكل إليه وزاد الحنابلة أن يكون مسلماً إذا كان الموقوف عليه مسلماً ، وإن تبين عدم صلاحيته أو فسقه عزل مراعاة لحفظ الوقف ومصالحه ، وللناظر أجرة المثل إن لم يحدد له الواقف شيئاً وإلا أخذ ما حدد له (الفقه الميسر 1/293)

ـــــــــــــــ




((  أحكام الهبة  ))
الهبة لغةً / أصلها من هبوب الريح أي مروره . والاتهاب قبول الهبة .
اصطلاحاً / تمليك المال في الحياة من جائز التصرف لغيره بغير عوض .

والهبة من الأمور المرغب فيها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويرد أفضل منها قالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله يقبل الهدية ويثيب عليها . وكان يقول ( تهادوا تحابوا ) رواه البخاري في الأدب المفرد وقال ( تهادوا فإن الهدية تسل السخيمة ) أي الضغينة ، وتنعقد الهبة بالإيجاب والقبول وبالمعاطاة وبكل ما يدل عليها ، ولكنها لا تلزم إلا بالقبض فلو أنه تراجع في هبته قبل أن يقبضها الموهوب كان له ذلك ، ويدل لذلك ما رُوي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالعالية فلما حضرته الوفاة قال : يا بنية  قد كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً ولو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك وإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله . رواه مالك وصححه الألباني في الإرواء .

ولا يجوز الرجوع فيها بعد القبض لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ) متفق عليه إلا الأب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لأحدٍ أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وصححه الألباني ويجوز للأب أن يأخذ من مال ابنه بلا إذنه بشروط :
1-ألا يضر ذلك بالابن ، فلا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته .
2-ألا يأخذ من مال ابنه لابنه الآخر لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية 
من ماله فبمال ولده من باب أولى .
3-أن يكون الأب محتاجاً إلى ما يأخذه من ولده وهو قول الجمهور الحنفية والمالكية والشافعية ، وأما الحنابلة فقالوا: للأب أن يأخذ من مال ابنه مع حاجته وعدمها لأن الله تعالى جعل الابن موهوباً لأبيه فقال (( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ))الأنعام: 84 وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أنت ومالك لأبيك ) وهذا الحكم خاص بالأب أما الأم والجدة فليس لهم ذلك .

وهبة الأولاد تنقسم إلى قسمين:
1-هبة مجردة كالمال فهذه يجب العدل فيها قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ولا يجوز أن يعطي بعضهم دون بعض لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة النعمان بن بشير رضي الله عنهما حينما أراد والده أن يعطيه دون سائر أولاده ويشهد رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أكل ولدك نحلت مثل هذا ؟ ) قال : لا . قال ( فأشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور ) والعدل أن يعطي الذكر ضعف الأنثى ، وهذا مذهب الحنابلة  قال بن عثيمين : فلو أعطاهم بالسوية لكان جوراً لأنه زاد الأنثى ونقص الذكر ، وقال الجمهور بالتسوية بين الذكر والأنثى . ( الفقه الميسر 1/308)
2-هبة مرتبطة بالنفقة فيعطي كل واحدٍ ما يحتاج إليه فحاجة الأنثى تختلف عن حاجة الذكر وحاجة الصغير تختلف عن حاجة الكبير . ( الفقه الميسر 1/310 )

ولا تصح الهبة المؤقتة كأن يقول : وهبتك هذا شهراً أو سنةً . لأن الهبة تمليكٌ للعين فلا تقبل التوقيت كالبيع ، ولا يصح تعليق الهبة بشيءٍ مستقبل نحو إن أمطرت السماء وهبت لك هذا البيت أو إن حضر أخوك الغائب أو نحو ذلك وهذا مذهب الفقهاء عدا المالكية . ( الفقه الميسر 1/297)

ولا ينبغي رد الهدية ولو قلَّت وتسن الإثابة عليها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو من مكارم الأخلاق ومحاسن الدين .
ويشترط في الواهب أن يكون حراً بالغاً عاقلاً مالكاً للموهوب .
ويشترط في الموهوب كونه موجوداً ومقبوضاً وقت الهبة فلا يصح أن يهبه ما تلده دابته مستقبلاً أو ما تنتجه نخلته مستقبلاً أو أن يهبه عبداً آبقاً أو جملاً شارداً أو مغصوباً لغير غاصبه أو لقادرٍ على أخذه منه ، وهذا قول الجمهور عدا المالكية لأنه مجهول ومعجوزٌ عن تسليمه وقت العقد وقيل إن ذاك خاصٌ بالمكيل والموزون ، قال في المغني : روي عن عليٍ وابن مسعود أنهما قالا : الهبة جائزة إذا كانت معلومة قبضت أو لم تقبض . وهو قول مالك وأبي ثور وعن أحمد رواية أخرى لا تلزم الهبة في الجميع إلا بالقبض وهو قول أكثر أهل العلم . ( ذكره في الفقه الميسر 1/299)


العُمرى والرقبى وهما نوعان من الهبة
العمرى / هي أن يقول الرجل لآخر أعمرتك داري هذه أو هي لك عمري أو ما عشت أو مدة حياتي أو حياتك أو نحو ذلك سميت بذلك لتقييدها بالعمر .
الرقبى / هي أن يقول أرقبتك هذه الدار أو هي لك حياتك على أنك إن مت قبلي عادت إليَّ وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك سميت رقبى لأن كلاً منهما يرقب موت صاحبه .
وقد اختلف العلماء في حكمهما على أقوال :
الأول / عدم جوازهما وهو قول داود لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تعمروا ولا ترقبوا ) . رواه أحمد .
الثاني / جواز العمرى دون الرقبى وهو قول أبو حنيفة ومالك ومحمد بن الحسن لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى دون الرقبى . رواه بن ماجه لأن الرقبى تعليق للتمليك بالموت وهذا لا يجوز .
الثالث / جوازهما وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف من الحنفية لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( امسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أُعْمِرَهَا حياً وميتاً ولعقبه ) رواه مسلم وعن جابر رضي الله عنه قال ( قضى رسول الله بالعمرى لمن وهبت له ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( العمرى جائزةٌ لأهلها والرقبى جائزةٌ لأهلها ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه ورجحه في الفقه الميسر ( الفقه الميسر 1/305) 

واتفق المجيزون للعمرى على أنه إن قال هي لك ولعقبك أنها تكون كالهبة يتملكها وتورث منه ، واختلفوا فيما لو قال هي لك حياتك أو قال هي لك دون عقبك على أقوال :
القول الأول / أن الشرط ملغي ولا ترجع للواهب وهو قول زيد بن ثابت وابن عمر ، وبه قال عروة بن الزبير وسليمان بن يسار ومجاهد ، وإليه ذهب الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي . لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( امسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أُعْمِرَهَا حياً وميتاً ولعقبه ) وعن جابرٍ رضي الله عنه قال ( قضى رسول الله بالعمرى لمن وهبت له ) رواه البخاري ومسلم  قال حبيب بن أبي ثابت : كنا عند عبد الله بن عمر ، فجاءه أعرابي ، فقال : إني أعطيت بعض بني ناقةً حياته وإنها تناتجت ، فقال هي له حياته وموته ، قال : فإني تصدقت بها عليه ، قال : فذلك أبعد لك منها . ( انظر شرح السنة للبغوي 8/293 من الشاملة )  وأما الشرط فباطل لحديث ( كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل ...)

القول الثاني / أن الشرط صحيح وتعود للواهب وهو قول الزهري ومالك وداود ورواية عن أحمد رجحها بن تيمية والعثيمين والجبرين والبسام لحديث ( المسلمون على شروطهم ) (تيسير العلام شرح عمدة الأحكام للبسام 2/27 )( أيقاظ الأفهام شرح عمدة الأحكام للهيميد ص76 ) وحينئذٍ لا تكون هبةً وإنما عارية فيتملك المنافع دون الرقبة . وقد روى مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال : إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : هي لك ولعقبك . فأما إن قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها .

والراجح / أنها تكون هبةً يتملكها الطرف الآخر مباشرة سواءً قال : هي لك ولعقبك من بعدك أو لم يقل ذلك . لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( العمرى لمن وهبت له ) متفق عليه وقوله ( امسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أُعْمِرَهَا حياً وميتاً ولعقبه ) رواه مسلم فهذا قضاءٌ قضى به النبي صلى الله عليه وسلم وكل أمرٍ يخالفه فهو باطل .
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَالْمُرَادُ بِهِ إِعْلَامُهُمْ أَنَّ الْعُمْرَى هِبَةٌ صَحِيحَةٌ مَاضِيَةٌ يَمْلِكُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ مِلْكًا تَامًّا لَا يَعُودُ إِلَى الْوَاهِبِ أَبَدًا . فَإِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ فَمَنْ شَاءَ أَعْمَرَ وَدَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُتَوَهَّمُونَ أَنَّهَا كَالْعَارِيَةِ وَيَرْجِعُ فِيهَا . اِنْتَهَى . وقال صلى الله عليه وسلم ( لا ترقبوا أموالكم فمن أرقب شيئاً فهو لمن أرقبه ) وقال ( العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها والعائد في هبته كالعائد في قيئه ) وقال ( لا عمري ولا رقبى فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فهو له حياته ومماته ) قال عطاء هو للآخر . وهذه الأحاديث رواها النسائي وصححها الألباني وهي تدل على تملك تام دون نظرٍ في الحياة والموت فكانت كالهبة ولذا قال بعدها ( والعائد في هبته كالعائد في قيئه ) فدل على عدم جواز الرجوع في العمرى والرقبى من حين عقدهما . 
وأما حديث جابر فهو موقوف عليه وقد جاء عنه ما يخالفه ففي صحيح مسلم أن طارقاً مولى عثمان حكم بالعمرى لبني الـمُعَمَرِ بشهادة جابرٍ رضي الله عنه .
وأما حديث ( لا تعمروا ولا ترقبوا ) فقيل نقضٌ لما كان في الجاهلية من رد العطية بعد موت المعطي وعلى كلٍ فالحديث يدل على كراهة هذا النوع من العطايا لمنافاته لمقصود العطية وهي زرع التآلف بخلاف هذا النوع فإنه ربما أوجب تمني كلاً منهما موت صاحبه حتى يمتلك الهبة . 

( العطية )
العطية / هي الهبة في مرض الموت .
فالمريض ومن في حكمه كالواقف بين الصفين في المعركة ومن قدِّم ليُقتل وراكب البحر حال هيجانه ومن وقع الطاعون ببلده ، فهؤلاء حكمهم واحد وحكم عطيتهم كحكم الوصية ليس لهم أن يعطوا قبل قضاء ديونهم وليس لهم أن يعطوا أكثر من الثلث ولا تكون العطية لوارث إلا بإجازة بقية الورثة سواءً كانت أقل أو أكثر من الثلث فإن كان هو الوارث الوحيد فتصح العطية له عند الحنفية وإن كان المعطى غير وارث وللمعطي ورثة فتنفذ العطية في الثلث وما زاد عن الثلث لا تنفذ إلا بإجازة الورثة وإن لم يكن له وارث فتنفذ ولو استغرقت كل المال عند الحنفية وأما المالكية والشافعية فلا تنفذ إلا في الثلث لأن ميراثه للمسلمين ولا مجيز له منهم . ( الفقه الميسر 1/306)

وتفارق العطية الوصية في أحكام منها /
1-أن العطية تنفذ في حينها ، أما الوصية فتنفذ بعد الموت .
2-أن العطية يعتبر قبولها وردها حين وجودها ، وأما الوصية فلا يعتبر إلا بعد موت الموصي. 
3-أن العطية تقع لازمة لا يملك المعطي الرجوع والتغيير فيها بخلاف الوصية فيجوز أن يعدل فيها ويزيد ما شاء .
ولو وهبه شيئاً وعلقه بالموت فله حكم الوصية .









((  أحكام الوصية  ))
الوصية لغةً / مأخوذةٌ من وصيت الشيء إذا وصلته لأنها وصلٌ لما كان في الحياة بما بعد الموت لأن الموصي وصل بعض التصرف الجائز له في حياته ليستمر بعد موته .
اصطلاحاً / هي التبرع بالمال بعد الموت . ( الملخص الفقهي2/172والفقه الميسر 1/311)
والوصية مشروعة قال تعالى (( من بعد وصيةٍ يوصي بها أو دين )) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادةً في حسناتكم ) وأجمع العلماء على جوازها ( الملخص الفقهي 2/172) وقد تكون الوصية واجبة وقد تكون مستحبة وقد تكون مكروهة وقد تكون محرمة فتكون واجبةً لمن عليه دين أو حقوق ليس فيه إثباتات ، ولمن كان غنياً وترك أقارب فقراء غير وارثين قاله السعدي في تفسيره لقوله تعالى (( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين )) (180) سورة البقرة  وتكون مستحبة لمن أوصى في أعمال بر ، وتكون مكروهة إذا كان ماله قليل وورثته محتاجون ، وتكون محرمة إذا أوصى بمحرم أو أوصى لوارث لحديث ( لا وصية لوارث ) رواه أحمد وأبوداود والترمذي  أو أوصى بأكثر من الثلث وله ورثه ولو أجازوه أو أراد المضارة للورثة في الوصية قال تعالى (( غير مضار )) وفي الحديث ( إن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة ثم يحضره الموت فيضار في الوصية فتجب له النار ) قال بن عباس : الإضرار في الوصية من الكبائر . انتهى . ومن الإضرار أن يقرَّ بشيءٍ كدينٍ وليس عليه شيء . ( الملخص الفقهي 2/174)
وأركان الوصية أربعة / موصٍ وموصاً له وموصاً به وصيغة الوصية .
شروط الموصي / ( الفقه الميسر 1/314)
1-اشترط الحنفية والشافعية في قول البلوغ وعند المالكية والحنابلة تصح من المميز بإذن وليه .
2-أن يكون عاقلاً فلا تصح وصية المجنون وتصح وصية من يفيق من جنونه وإغمائه في حال إفاقته دون حال جنونه وإغمائه عند الحنابلة ولا تصح وصية السكران .
3-أن يكون حراً فلا تصح وصية الرقيق ولو مكاتباً .
4-أن لا يكون مديناً دينه يستغرق جميع المال لأن سداد الدين مقدم على تنفيذ الوصية قال علي رضي الله عنه ( قضى رسول الله بالدين قبل الوصية ) رواه أحمد والترمذي ولو كان ديناً لله ككفارة ونحوها لحديث ( اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) (الملخص الفقهي2/176)
5-أن يكون مختاراً قاصداً غير مكره ولا مخطئ ولا هازل .
6-أن لا يكون محجوراً عليه لسفه فلا يصح أن يختار لأولاده وصياً وهذا قول الحنابلة وقال المالكية تصح وصيته  .

شروط الموصى له :( الفقه الميسر 1/316)(الملخص الفقهي2/178)
1-أن يكون أهلاً للتملك فلا يوصي لميت أو جني أو لدابة بمالٍ إلا لعلفها أو نحوه فهنا يقبلها صاحب الدابة لأنه هو المقصود ، وتصح لكافرٍ معين لأن صفية أم المؤمنين أوصت بثلث مالها لأخٍ لها يهودي قال محمد بن الحنفية في قوله تعالى (( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً )) قال : هو وصية المسلم لليهودي والنصراني . ولا تصح لغير معينٍ منهم كما لو أوصى لليهود أو النصارى أو فقرائهم ولا تصح لمعينٍ بما لا يجوز له تملكه كالمصحف والعبد المسلم والسلاح ونحوها .
2-أن يكون الموصى له حياً وقت الوصية ولو تقديراً كالجنين والغائب ، فتصح لحملٍ تحقق عند الوصية إلا أن تضعه ميتاً فتبطل . ولا تصح لحملٍ غير موجود كما لو قال أوصيت لما ستحمل به هذه المرأة لأنها وصيةٌ لمعدوم فلا تصح .
3-أن لا يكون الموصى له قاتلاً للموصي وهو قول الحنفية وقال المالكية ورواية عند الحنابلة تبطل إن كانت الوصية قبل القتل وإن كانت بعد الضربة صحت .
4-كون الموصى له معلوماً ولو صنفاً كالفقراء أو الأيتام أو الأرامل ولا يصح نكرة كرجل .
5-ألا يكون الموصى له جهة معصية ككنائس ومعابد الكفار وكعمارة الأضرحة وإسراجها وطباعة الكتب المحرفة كالتوراة والإنجيل وكذا كتب الزندقة والكفر وسواءً كان الموصي مسلماً أو كافراً فلا يحكم بصحته لأنه من التعاون على الإثم والعدوان وقد نهى الله عنه .

شروط الموصى به : (الفقه الميسر 1/318)
1-أن يكون مملوكاً للموصي فلا تصح الوصية بما لا يملك .
2-أن يصل بعد موت الموصي فإن وصل قبل موت الموصي فهو هبة وليس وصية .
3-أن يكون مالاً أو منفعةً مباحةً ولو معدومةً أو معجوزاً عن تسليمها فمتى وجدت أو قدر على تسليمها وجب تنفيذها وإن لم يحصل شيءٌ من ذلك بطلت  .
شروط الناظر وهو المنفذ للوصية  : (الملخص الفقهي2/180)
أن يكون مسلماً مكلفاً أميناً قادراً ، وتصح من عاجز لكن سليم الفكر وضم إليه قادر أمين يتعاون معه ، ولا تصح من صبيٍ ومجنون ، وتصح من امرأة لأن عمر أوصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة فيصح الإيصاء إليها كالرجل  . وإن أوصى لجماعة فليس لأحدهم التصرف في الوصية دون الآخر ، وإن مات أحدهم أو غاب أقام الحاكم مقامه من يصلح ، وليس للموصى إليه أن يوصي لغيره إلا أن يجعل الموصي ذلك إليه فيقول : أذنت لك أن توصي من تشاء ، وإن أوصاه في قضاء ديونه فقط لم يكن وصياً على أولاده ولا على شيءٍ غير قضاء الدين ، وهكذا من وصِّيَ في شيء لم يكن وصياً في شيءٍ غيره حتى يكون وصياً عاماً ، وتصح وصية الكافر لمسلم إن كانت تركته مباحة فإن كانت محرمة كخمرٍ وخنزير لم يجز له أن يتولى ذلك ، وإن قال ضع ثلثي حيث شئت لم يجز له أن يأخذ منه لنفسه ولا لولده منه شيء .

والوصية تثبت بالإشهاد وبالكتابة المعرفة بخط الموصي بالثلث فأقل لحديث ( الثلث والثلث كثير ) وقد كان السلف ينقصون عن الثلث لهذا الحديث قال بن عباس : لو أن الناس غضوا من الثلث على الربع فإن رسول الله قال ( الثلث والثلث كثير ) وقال أبو بكر رضيت بما رضي الله به لنفسه في قوله تعالى (( واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه )) قال علي : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع . (الملخص الفقهي 2/173)

وإذا أوصى لعدة أشخاص بمبالغ معينة فنقص ثلث ماله عنهم فإن النقص يدخل عليهم جميعاً ويتحاصون ولو كان قد أوصى لبعضهم قبل بعض لأن الوصية إنما وجبت بالموت فلو أوصى لثلاثة أشخاصٍ لكل واحدٍ مائة دينار فلمَّا مات كان ثلث ماله مائة دينار فإنهم يتحاصون فيأخذ كل واحدٍ منهم ثلث المائة وهكذا . ( الملخص الفقهي 2/175)

وإنما يكون الاعتبار بصحة الوصية وعدمها عند الموت فلو أوصى لوارثٍ ثم كان عند الموت غير وارث فتصح الوصية له كأخٍ حجب بابنٍ جاء بعد الوصية .
وهكذا العكس لو أوصى لغير وارث فكان عند الموت وارثاً لم تصح الوصية كما لو أوصى لأخ مع وجود ابن ثم مات الابن بعد الوصية قبل موت الموصي فتبطل الوصية  .

ويصح للموصي أن يغير الوصية أو يبطلها لأنها لا تستقر إلا بالموت كما تقدم ، وإن أوصى بثلث ماله فاستحدث مالاً بعد الوصية قبل الموت فإنه يدخل في الثلث ، وإن تلف بعض ماله دخل النقص في الثلث وإن تلف ماله كله بطلت الوصية  . ( الملخص الفقهي2/175)

وإن أوصى أن يحج عنه بثلث ماله صرف من ثلث ماله مؤونة حجةٍ بعد أخرى حتى ينفد الثلث ، وإن قال يصرف في حجة صرف كله في حجةٍ واحدةٍ وما زاد فهو لمن حج عنه لأنه قصد إرفاقه ولا يصح أن يحج الوصي أو الوارث عنه في هذه الصور لأن الموصي قصد غيرهما في الظاهر وإن لم يكف الثلث لحجة واحدة حج به من حيث يبلغ . (الملخص الفقهي2/178)(الروض المربع ص242)

مسألة في الوصية بالأنصباء والأجزاء / إذا أوصى بمثل نصيب وارثٍ معين أو بنصيب وارثٍ معين فله مثل نصيب ذلك الوارث مضموماً إلى المسألة فتصحح مسألة الورثة وتزيد عليها مثل نصيب ذلك المعين وهي الوصية فلو أوصى بمثل نصيب ابن وله ابنان فللموصى له الثلث وإن كانوا ثلاثة فله الربع  وإن كانوا ثلاثةً وبنت فله التسعان لأن مسألة الورثة من سبعة لكل ابن سهمان وللبنت سهم ويزاد عليها مثل نصيب ابن فتصير تسعة للبنت تسعٌ ولكل ابنٍ مع الوصي تسعان ، وإن أوصى له بمثل نصيب وارث ولم يبين كان له مثل ما لأقلهم لأنه المتيقن وما زاد مشكوكٌ فيه فيعمل باليقين فمع ابن وبنت له الربع مثل نصيب البنت ومع الزوجة والابن له التسع مثل نصيب الزوجة وهكذا ، وإن وصى بضعف نصيب ابن فله مثلاه وبضعفيه له ثلاثة أمثاله وبثلاثة أضعافه له أربعة أمثاله وهكذا على أن لا يزيد على ثلث ما ترك . 
وإن أوصى بشيءٍ من ماله لفلان ولم يبين مقداره فإن الوارث يعطيه ما شاء مما يتمول لأن الشيء لا حد له في اللغة والشرع فيصدق على أقل شيء ، وإن قال : له سهمٌ في مالي . فله السدس لأن السهم في كلام العرب هو السدس ولأن السدس أقل سهمٍ مفروض فتنصرف الوصية إليه وبه قال عليٌ وابن مسعود ، وقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد عن عبد الله بن مسعود أن رجلاً أوصى لآخر بسهمٍ من المال فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس . ( الروض المربع ص 244) ( الملخص الفقهي2/179)


(( أهم المراجع  ))
1-القران الكريم 
2-كتب الحديث ( الصحاح والسنن والمسانيد )
3- الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان دار بن الجوزي بالدمام الطبعة 12/ 1421 هـ
4- الروض المربع لمنصور البهوتي دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الأولى 1425هـ
5-شرح عمدة الفقه للشيخ سعد الخثلان دروس صوتية مفرغة .
6- الفقه الميسر تأليف الشيخ محمد بن إبراهيم الموسى والشيخ عبد الله المطلق والشيخ عبد الله الطيار الطبعة الثانية عام 1426 هـ بمكتبة مدار الوطن للنشر  الرياض
7-مكتبة الشاملة الإصدار البحريني .
8-الشرح الممتع لابن عثيمين اصدار دار بن الجوزي .




الفهرس
العدد الموضوع الصفحة
1 المقدمة 2
2 تعريف البيع وأركانه 4
3 حكم البيع وصيغه 6
4 شروط البيع وحكم بيع الفضولي 8
5 حكم اقتناء الكلب وحكم بيعه وشراءه 11
6 الشروط في البيع والفرق بينها وبين شروط البيع 16
7 أحكام الخيار ( خيار المجلس ) 21
8 خيار الشرط 23
9 خيار العيب 25
10 خيار التدليس 26
11 خيار الغبن 27
12 خيار التخبير بالثمن 28
البيوع المنهي عنها
13 بيع الغرر 31
14 البيع على بيع أخيه 32
15 بيع الحاضر للباد 32
16 تلقي الركبان 33
17 بيع النجش 34
18 البيع قبل القبض 34
19 البيع بعد نداء الجمعة 36
20 البيع والشراء في المسجد 36
21 البيع لمن يستعين به على معصية الله 37
22 بيع العبد المسلم للكافر 37
23 بيع العينة 38
24 بيع الثنيا 39
25 البيع بكيل البائع الأول 41
26 البيعتان في بيعة 41
27 بيع المحرمات 43
28 بيع المزابنة والمحاقلة 43
من أنواع البيوع الجائزة
29 بيع العرايا 44
30 بيع المقايضة والمزايدة والمناقصة والتقسيط 45
31 بيع الاسم التجاري وبيع الأمانة وبيع التورق 46
32 أخذ العربون 48
أحكام متفرقة في البيوع
33 حكم بطاقات الائتمان 49
34 حكم تفريق الصفقة 50
35 حكم الاحتكار 51
36 حكم التسعير 53
أحكام الربا
37 تعريف الربا وحكمه 55
38 أقسام الربا ( الفضل والنسيئة ) 56
39 أصناف الربا 57
40 اختلاف العلل والأجناس 60
41 حكم بيع اليابس بالرطب من جنسه أو العكس 63
42 ربا القرض وربا الدين 64
43 أحكام القرض 66
44 أحكام الدين 69
45 أحكام الاستصناع 71
46 حكم الشرط الجزائي 73
47 عقود التوريد 73
48 أحكام الحجر 74
49 أحكام الحوالة 78
50 أحكام الضمان 80
51 أحكام الرهن 83
52 أحكام الصلح 87
53 أحكام الوكالة 90
54 أحكام الشراكة 94
55 أحكام الشفعة 101
56 أحكام الإجارة ( حكم التأجير المنتهي بالتمليك ) 105
57 أحكام الجعالة 113
58 بيع الأصول والثمار 116
59 أحكام السلم 121
60 أحكام المساقاة والمزارعة 126
61 أحكام إحياء الموات 128
62 أحكام اللقطة واللقيط 130
63 أحكام السبق 135
64 أحكام الوديعة والعارية والغصب 139
65 أحكام الوقف والهبة والعطية 147
66 أحكام الوصية 157
67 أهم المراجع 161
68 الفهرس 162


ابحث عن موضوع