بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الشَّكليَّة في القانون والشريعة الإسلامية

 الشَّكليَّة في القانون
والشريعة الإسلامية
المدرس
محمد إقبال ياسين المشهداني
كلية القانون / جامعة الأنبار
الخبير اللغوي
ا.م.د. عامر مهدي صالح العلواني
مقدمة :
أياً كان التعريف الذي يتناول القانون، فإنَّه لا يخرج كثيراً عن كونه: مجموعة القواعد التي تحكم أو تُنظم الروابط الاجتماعية، والتي يُجبر الأفراد على اتِّباعها بالقوةِ عندَ الاقتضاء). وبهذا فهوَّ بمثابة السياج الذي يحمي مصالح الأفراد وحقوقهم، فانعدام وجود القانون في المجتمع أمر معناهُ اضطراب الأمور، وفوضى الحال، لذا كانَ وجود القانون ضرورياً لكلِ مجتمعٍ لأنَّهُ أساس النظام فيه.
ولأهمية القانون وضرورته، فإنَّهُ لم يخل مجتمع من المجتمعات من قواعد قانونية (موضوعية وشَّكليَّة) تُنظم أمور الحياة فيه، وهذا يشمل المجتمعات البدائية منها، لأنَّنا نجدُ أفرادها قد اصطلحوا على مجموعةٍ من القواعد نشأت نتيجة التقليد والعرف، وجعلوا منها أساساً لحياتهم المشتركة، ومن هذهِ القواعد ما يحدد علاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض، ومنها ما ينظم ملكية الأموال والأراضي، واستغلال وانتقال هذه الأموال والأراضي بعدَ الموت، ومنها ما يحدد الأفعال غير المشروعة التي تُصيب الغير بأضرار، والأثر المترتب عليها. وانتقل الجزاء ـ بعدَ تطورٍ استغرق زمناً طويلاً ـ من فكرة (الانتقام الفردي) والأخذ بالثأر إلى (الصلح الاختياري) وفكرة (القضاء الخاص)، ثمَّ إلى سلطات الدولة وحدها، فأصبحت الديَّة إجبارية، وجاءَ دور (الصلح الإجباري)، فالدولة هي التي تُحدِّد مقدار التعويض، ومقدار العقوبة). وفي هذه المراحل كانت القواعد الشَّكليَّة تلعب دورها مع القواعد الموضوعية.
وإلى جانب الروابط الخاصة التي تنشأ بين الأفراد بعضهم بالبعض الآخر ينشأ في المجتمع نوع ثالث من الروابط هي (الروابط العامة) أو (الروابط السياسية)، ذلك أن المجتمع يحتاج إلى تنظيم عام، يحتاج إلى هيئة عليا تقوم على رأسه، تسهر على حاجياته والعمل على استتباب الأمن والنظام فيه، تحتاج إلى أن تعطي سلطة الأمر والنهي كي تتمكن من أداء وظائفها، وتلعب دوراً ما في المجتمع. ومن هنا برزت الحاجة إلى وضع القواعد القانونية في تنظيم شَّكل الهيئة الاجتماعية والشروط الواجبة توافرها في القائمين عليها، وحقوقهم على المواطنين، وحقوق المواطنين عليهم.
ومن هنا تتضح وظيفة القانون في العملِ على حفظِ كيان المجتمع وأمنه وعيش أفراده، أو بعبارةٍ أخرى التوفيق بين نشاط أعضاء الجماعة وإقرار النظام في المجتمع، كذلكَ في أنَّه يُحافظ على بقاء الجماعة، وحماية حريات أفرادها، وإقامة التوازنٍ بين المصالح المتعارضة... بين النزعات المتجددة والنزعات المحافظة، وبين السلطات العامة والحريات الفردية، وهكذا. ولكي يُحقق القانون وظيفته، ويؤدي دوره المنشود، يجب أن تراعى الأمور السابقة، فإذا أخفقَ في تحقيقِ أحدها لم يبلغ قصده، وقصر عن تحقيق وظيفته، وظهر عدم الانسجام بين القانون من جهة، وبين حاجة المجتمع ورغباته من جهة أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى ثورة الرأي العام على النظم القانونية).
ومن المعلوم أنَّ القواعد القانونية تنقسم من حيث الموضوع إلى قواعد موضوعية وقواعد شَّكليَّة، فالقواعد الموضوعية هي التي تضع تنظيماً موضوعياً للعلاقات القانونية، فهي التي تُبين الحقوق والواجبات، وكيفية نشوئها واستعمالها وانقضائها، كقواعد القانون المدني والقانون التجاري والقانون الدستوري. أمَّا القواعد الشَّكليَّة فهي التي تُبين كيفية التقاضي أمام المحاكم التي رتَّبها الشارع، أي طريقة رفع الدعوى، وكيفية الدفاع، وردِّ الدعوى الموجهة دون حق، كما تُبين طريقة إثبات الحقوق التي جار عليها الغير أو أنكرها، والإجراءات التي يجب إتِّباعها والسير بمقتضاها). وهكذا وجدت القواعد الشَّكليَّة جنباً إلى جنبٍ معَ القواعد الموضوعية، وبدت القواعد الشَّكليَّة صارمة في عهدها الأول، وممتزجة بالصبغة الدينية، ثمَّ مرَّت بمرحلةٍ طويلةٍ منَ التهذيب، ويرى البعض: (إنَّ قلة المعاملات ولاسيما في المجتمعات القديمة الزراعية كانت تتطلب شيئاً من العلانية عند إبرام أيَّ عمل قانوني، فضلاً عن أنَّ الإنسان في تلك المراحل من تطوّره كانَ أكثر اهتماماً بالمحسوس من اهتمامه بحقائق الأمور، فكانت العقود المهمة لاتبرم إلِّا بتوافر الشَّكليَّة، فإن توافرت فلا عبرة حينذاك بجوهر الإرادة). ثمَّ أصبحت الشَّكليَّة فيه وسيلة لوصولِ الحقِ إلى صاحبهِ، لاغاية في حدِ ذاتها، وأضحت أمراً ضرورياً لابدََّ منهُ في العملية القضائية من خلال الدعوى، أو كوسيلةٍ من وسائلِ إثبات التصرف القانوني. ولذا فإنَّ المشرِّع عندما وضعَ القيود على بعض التصرفات القانونية إنَّما وضعها لخطورتها وأهميتها، فلا بدَّ أن يُحاطَ مثل هذا التصرف بضوابطَ شَّكليَّة تحميهِ من التلاعبِ أو الإنكار أو العبث. وفي هذا الصدد تقول المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات المدنية المصرية لسنة 1968: (كذلكَ فلئن كانت التشريعات الموضوعية هي موطن العدل بمضمونه وفحواه، فإنَّ التشريعات الإجرائية هي آلية الطريق والأداة، ذلكَ أنَّ الرسالة الأولى والأخيرة للتشريعات الإجرائية أن تكونَ أداة طيعة، ومطية ذلولاً لعدلٍ سهل المنال، مأمون الطريق، لا يحفلُ بالشكلِ ولا يلوذ بهِ إلَّا مضطراً، يصونُ بهِ حقاً أو يردُ باطلاً).
وفي إطار هذه الوظائف تلعب الشَّكليَّة دورها الذي سنتناوله في بحثنا هذا.
أهمية البحث ومبرراته:
نظراً لأهمية الشَّكليَّة والتصاقها في الحياة العملية، وللدور الذي تضطلع به القواعد الشَّكليَّة في القوانين، ولمَّا كانت الشريعة الإسلامية تُعدّ مصدراً لكثيرٍ من قوانيننا، فضلاً عن أهميتها كنظام قانوني يضمُ ثروة قيّمة من النظريات القانونية)، جاء بحثنا هذا مقارناً معها. لهذهِ الأسباب وغيرها، وجدت أهمية معالجة الشَّكليَّة في القانون والشريعة الإسلامية، واختياره موضوعاً للبحث.
هيكلية البحث:
اشتمل البحث على قسمين:
الأول: الشَّكليَّة في القانون والشريعة الإسلامية.
الثاني: الشَّكليَّة في بعض القوانين العراقية وآثار تخلفها.
واشتمل القسم الأول من البحث على:
المبحث الأول: نشوء الشَّكليَّة في القانون الوضعي وتطورها والحاجة إليها.
المبحث الثاني: الشَّكليَّة في القرآن الكريم.
المبحث الثالث: الشَّكليَّة في السنة النبوية.
المبحث الرابع: الشَّكليَّة في القضاء الإسلامي (المجلة العدلية).
المبحث الأول : نشوء الشَّكليَّة في القانون الوضعي وتطورها والحاجة إليها
يتناول هذا المبحث نشوء الشَّكليَّة في القانون ابتداءً في مسيرتها التاريخية الأولى متمثلة بالقانون الروماني بوصفه المصدر الأول للقانون الفرنسي في قواعده ومبادئه، والذي عن طريقه انتقلت تلك المبادئ والقواعد إلى قوانين الدول العربية، حيث يُعدّ من أهم مصادرها إن لم يكن أهمها. ثمَّ يأتي البحث عن الحاجة إلى الشَّكليَّة. عليه انقسم هذا المبحث على مطلبين هما:
المطلب الأول: الشَّكليَّة في القانون الوضعي وتطورها.
المطلب الثاني: الحاجة إلى الشَّكليَّة.
المطلب الأول:

 الشَّكليَّة في القانون الوضعي وتطورها.

كما نشأت القواعد القانونية بسيطة محدودة من أعرافٍ وتقاليد بدائية تبعاً للمجتمع البدائي الذي نشأت فيه، فقد نشأت إلى جانبها بعض الشكليات والإجراءات المحدودة البدائية)، وبالقدر الذي كانت القواعد الموضوعية بحاجة إليها، ومع تطور القوانين ونموّها تبعاً لتطور المجتمعات، وتنوع وتشابك المصالح والعلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، أو بين المجتمعات بعضها مع البعض الآخر، فقد تطوَّرت ونمت الشَّكليَّة القانونية هي الأخرى لتلبي حاجات القواعد الموضوعية، وتعتمد لها آلية التطبيق، حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن من التنظيم الدقيق والتفريعات المختلفة لها.
وإذا أردنا إلقاء نظرة تاريخية لهذا التطوّر، فإنَّنا نجد (أنَّ أسبق القوانين التي كرَّست الشَّكليَّة واهتمَّت بها هوَّ القانون الروماني، فعلى امتداد المراحل التي مرَّ بها هذا القانون، تفاعلت بينها شتى العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومطالبة العامة عندما شعروا بضعف مراكزهم الاجتماعية بالمساواة بينهم وبينَ الأشراف، وبقيت تلكَ الصراعات تفعلُ فعلها داخلَ المجتمع الروماني إلى أن صدر (قانون الألواح الاثني عشر) نتيجة لكفاح العامة، ذلكَ أنَّ القواعد العرفية كانت محاطة بكثيرٍ من الشك والغموض، ولجهل العامة بهذه القواعد فقد استغلَ رجال الدين هذه الفرصة وصاروا يفسرونَ العرف لصالحِ أبناء طبقتهم من الأشراف، وقد دعا هذا أن يقوم العامة مطالبين بتدوين القواعد العرفية حتى يُمكن تلافي ما كان يقع بهم من إجحاف في تطبيقها، وهكذا انتهى الأمر إلى وضع قانون الألواح الاثني عشر ونشره). وقد (صيغت قواعده بشكلٍ موجزٍ، اضطرَ الأفراد معها إلى اللجوء دائماً إلى من يفسّرها ويوضحها، فضلاً عن الرسمية والشَّكليَّة التي كانت تُحيط بإجراءات التصرف القانوني والدعاوى في آن معاً. حتى أنَّ القضاة أنفسهم كانوا يستعينون برجال الدين ويستشيرونهم فيما يستشكل عليهم من مسائل. أمَّا الشَّكليَّة التي كانت تُراعى عند إجراء التصرفات القانونية، وكانت هي المميزة لها في ظل القانون الروماني فقد ظلت طيلة هذا العصر، وفي معظم عصوره اللاحقة مع تجرد الشَّكليَّة من الطابع الديني).
والذي يهم في هذه الدراسة هو التعرض لنظام الدعاوى الذي جاء به قانون الألواح الأثني عشر، والذي كانت قواعده تقوم على الشَّكليَّة والرسمية، إذ كان يتعين على الخصوم التفوه ببعض العبارات الرسمية، وتأدية إشارات شَّكليَّة، بحيث إنَّه إذا أخطأ أحدهم في أدائها ترتَّبَ على ذلك ضياع حقه، وظل رجال الدين حتى بعد صدور قانون الألواح الاثني عشر يحتكرون العلم بالعبارات الرسمية الواجب على الخصوم أداؤها، وكان على هؤلاء الرجوع إليهم قبلَ الذهابِ إلى القضاء. ومن الأمثلة على سير الدعاوى والإجراءات الشَّكليَّة التي كانت تلازمها هي:

أولاً: إذا كانَ النزاع على شيء معين (رقيق مثلاً) فيبدي كل من المتنازعين أنَّ الرقيق مملوك له، ويقوم بحركات ترمز إلى رغبته بالاستيلاء عليه.

 فإذا تمَّت تلك الإجراءات الرسمية الدينية وقام بها كلٌّ من الطرفين عُدّ كل منهما مالكاً للرقيق، فتتعارض الحقوق، ولهذا يتدخل الحاكم ويأمرهما بترك الشيء، وبذلك يضع حداً عن طريق هذا العمل الحكومي. وبعد ذلك يبدأ بين الطرفين التداعي إلى اليمين ويقول كلا منهما للآخر: (بما أنَّك أدَّعيت بغير حق فإنَّني أدعوك إلى تقديم نذر). والنذر: عبارة عن مبلغ يدفع لصالح الخزينة يخسره من يُحكم ضده. ثمَّ يعهد بالشيء مؤقتاً إلى أيّ من الطرفين مع تقديم كفيل. فإذا انتهت هذه المراسيم اتفق الطرفان على القاضي الذي ينظر النزاع، ويقوم الحاكم بإقرار ذلك رسمياً، وبعد تعيين القاضي يستشهد الحاضرون على خلاصة الجلسة التي تمَّ فيها تثبيت الخلاف، وهو ما يسمى بـ(الإشهاد على الخصومة). وبعد هاتين المرحلتين يبدأ الدور الثالث أمام القاضي، ويختلف الحال هنا عنه أمام المحاكم، إذ ليست هناك أية شكليات تشرح الدعوى بأية عبارة، ويقوم القاضي ببحث الموضوع، ويصدر الحكم في الملكية بأن يحكم أنَّ يمين أحدهما كانت صادقة، والأخرى غير صادقة. وبذلك يُعدّ المالك هو صاحب اليمن الصادق أو صاحب الرهان الصحيح.

ثانياً: دعوى الإعلان أو الإنذار:

لم ترد هذه الدعوى في (قانون الألواح الاثني عشر)، لكنَّها أدخلت بعده بقانون (سيلياSilia ) وقانون (كال بورينا)، وذلكَ في حال المطالبة بالديون التي يكون موضوعها أداء شئ معين، وكانت إجراءاتها تتم بأن ينذر الخصم خصمه بصورة رسمية يؤجل فيها ظهور الطرفين أمام المحاكمة لمدة ثلاثين يوماً، ثمَّ يظهرون أمامه بعد هذا الميعاد، فإن أنكر المدعى عليه الدين أنذره المدعي مرة أخرى للحضور إلى مجلس الحاكم القضائي بعد ثلاثين يوماً لتعيين قاضٍ للفصل في النزاع. فاختيار القاضي لا يتم في الحال وإنَّما بعدَ أن تمر الدعوى في هذه المرحلة.

ثالثاً: الدعوى التنفيذية:

متى كانَ المدين معترفاً بالحق، أو كانَ الدين ثابتاً ثبوتاً رسمياً، أمكن الالتجاء إلى الدعاوى التنفيذية، وطبقاً للإجراءات التي نظمها قانون الألواح الاثني عشر فإنَّه ينبغي أن يقبض الدائن بجسد مدينه ويصحبه إلى الحاكم القضائي، ويقرر أمامه بالتفوه بعبارات رسمية أنَّه يضع يده عليهِ لأنَّه لم يوفِ دينه، ويقرر الحاكم بعد ذلك إلحاق المدين بدائنه حيث يقوده الدائن إلى منزله ويحبسه مكبلاً بالأغلال، ويستمر المدين هكذا ستون يوماً، يتعين على الدائن خلالها أن يأخذه في ثلاثة أيام لأسواق متتابعة إلى الساحة العامة، ويعلن بصوت مرتفع مبلغ دينه لكي يتيح لأصدقائه وأقاربه أن يحرروه عن طريق الوفاء بدلاًً عنه، فإذا انتهى الميعاد، صار المدين رقيقاً بصفةٍ نهائية لدائنه، ويتضح أنَّ إلحاق المدين بدائنه يكون بقرار من الحاكم بعد أن يقوم الدائن بالإجراءات الشَّكليَّة المطلوبة آنفاً.

رابعاً: دعوى الحرية الصورية في تحرير (الرقيق):

يحصل هذا بأن يتفق السيد مع شخص آخر على أن ينوب هذا الأخير عن الرقيق في دعوى الحرية، فيأتي نائب أو وكيل الرقيق ويقرر أمام الحاكم القضائي أنَّ هذا العبد هو إنسان حر ـ مع لمسه بعصاه في الوقت ذاته ـ ويعترف هذا، أو على الأقل لا يعترض على حرية العبد، وإذا تمت هذه الإجراءات الشَّكليَّة أمام الحاكم وصادق على هذا الاعتراف الصريح أو الضمني اكتسب العبد حريته.

خامساً: الوصية :

ويكون ذلك بأن يوصي السيد بتحرير رقيقه بعد موته، ويجب لتنفيذ الوصية موافقة مجلس الشعب. أي يجب أن تتمَّ بصورة رسمية، كما يجب أن يتمَّ التحرير بهذه الطريقة بعبارات شَّكليَّة ذات صبغة دينية محددة ينبغي أن تدرج في صلب الوصية).
بهذا القدر نكتفي بإيراد الأمثلة على الشَّكليَّة في القانون الروماني، الذي يُعدّ أهم مصادر القوانين الوضعية في العالم والمورد الذي أخذت منه معظم قوانين الدول الحديثة سواء تلكَ التي أخذت عن القانون الفرنسي أم عن غيره من القوانين الأخرى كالقانون الألماني. (ففي (فرنسا) انتقلت أحكام القانون الروماني إلى المجموعة المدنية الفرنسية عن طريق ما كتبه الفقيه الفرنسي (بوتيه). ومنذ أن صدرت تلك المجموعة سنة 1804 أخذت كثير من الدول عنها، بل إنَّ من بين هذه الدول ما نقلها نقلاً تامَّاً، وبذلك كانَ للقانون الفرنسي دور الوسيط بين القانون الروماني وقوانين الدول الحديثة، وعدّ بذلك القانون الروماني مصدراً تاريخياً لتلك القوانين. ولم يقتصر الأمر على القانون المدني الفرنسي، بل كانَ للقانون الروماني أثر في طائفة القوانين الجرمانية، وصدى في الأنظمة السائدة في البلاد الانكلوسكسونية).
وبعد أن تناولنا الشَّكليَّة في القانون الوضعي ننتقل بعدها إلى بحث لماذا الشَّكليَّة اليوم؟ وما مدى الحاجة إليها؟ وذلك في المطلب الآتي.
المطلب الثاني:

 الحاجة إلى الشَّكليَّة.

رأينا أنَّ القواعد الموضوعية قد تكفّلت بتقرير الحقوق للأفراد وتنظيمها، وأنَّه كلما كانَ يظهر عجزاً أو قصوراً في تلك القواعد كانَ المشرع يُبادر إلى سدِّ ذلكَ النقص وتلافيه بقواعد قانونية أخرى، فلماذا إذن القواعد الشَّكليَّة؟ ولماذا يتولاها المشرِّع بالتغيير والإلغاء بينَ الحينِ والآخر وهي في حدِّ ذاتها لا تقرر حقاً ولا تفرض واجباً؟ ولماذا امتدَ وجودها منذ وجود القواعد القانونية الموضوعية ولحد الآن؟ (كانَ ذلك لأنَّه لايكفي أن يُحدِّد القانون الموضوعي ـ أي قانون ـ حقوق كل فرد من أفراد الأمة تجاه باقي الأفراد والمؤسسات العامة للدولة، بل يجب أن يُبيِّن القانون السبيل التي بفضلها يستطيع الفرد أن يقهر غيره على احترام تلك الحقوق، والقانون الذي يبين هذه السبل هو القانون الشكلي، والقواعد الشَّكليَّة. متمثلاً بقانون المرافعات وقانون أصول المحاكمات الجزائية. 
ومن هنا فإنَّ مهمة قانون المرافعات، وبقية القوانين الشَّكليَّة هي تبيان كيفية إيصال الحقوق إلى أصحابها، وكذلك الاحتراس من ضياعها في المستقبل إذا ما ثار نزاع حولها، وذلك برسم طريق محدَّد بطريقة رسمية لإنشاء تلك الحقوق ابتداءً حيث تحول الطريقة الرسمية دون إنكار الخصم لحقوق خصمه، وبذلك تكون سياجاً وضماناً للحقوق منذ بداية إنشائها. وهذه المهمة وإن كان يستهين بها بعض المعترضين على ضرورة تشريع قانون المرافعات، فهي في الحقيقة مهمة خطيرة، وعسيرة، ومفيدة جداً، هدفها خطير وهو إيصال الحق إلى صاحبه، فإذا لم يصل الحق إليه كانَ الحكم ظالماً، وعسيرة جداً لأنَّ زلة قاضٍ عن غير قصد قد تُسبب ضياع الحق، ومفيدة جداً لأنَّها تكفل تمتع صاحب الحق بحقه، فينجو من مدعي الباطل.
ولاريب أنَّ القانون الموضوعي الذي يبين في أحكامه الحقوق، ويُعين الالتزامات هو أداة تطوير المجتمع الأولى، ولكنَّ قانون المرافعات بالذات وبقية القواعد الشَّكليَّة التي توصل الحقوق إلى أصحابها كان ومايزال ذا أثراً فعالاً وعميقاً في تطوير هذه الحياة. فليس كل قاضٍ يمتلك القدرة بأن يتحمل عبء إيصال الحقوق إلى أصحابها قادراً على أن يطبق القواعد الموضوعية بطريقة ذاتية بنفسه، فيوصل الحق إلى أصحابه الحقيقيين دون أن تكون هناك طريقة رسمية محددة تسير عليها جميع الاجتهادات الفردية ويستطيع أن يحتج بها المحامي والخصم ببطلان الإجراءات التي تتخذها المحاكم في حالة مخالفتها لتلك القواعد المحددة.
وقد تعرضت الشَّكليَّة القانونية إلى تحديات كبيرة، لعلَّ أكبرها ما نتج عن الفكر الشيوعي، فالقانون حسبَ تصور هذا الفكر ظاهرة اجتماعية شأنها شأن أي ظاهرة في المجتمع، تتطور وتتبدل في أية صغيرة أو كبيرة من أموره، ووسائل الإنتاج هي التي تتحكم في إيجاده، وتصرِّفه على مشيئتها، فعندما كانت البشرية تمر بمرحلة الشيوعية الأولى لم تكن هناك أي حاجة أو وجود للقانون، ولكن نتيجة لتطور وسائل الإنتاج وحسب المراحل الثلاث (الإقطاع، الرق، الرأسمالية) فقد ظهرت القواعد القانونية، وكل مرحلة من هذه المراحل الثلاث إنَّما تفرز من القواعد القانونية ما تمليه وسائل الإنتاج والنمو الاقتصادي لتلك المرحلة حتى تولد (الشيوعية الثانية)، وهي المرحلة الخامسة والأخيرة للبشرية والتي هي النهاية الحتمية التي لا حياد للبشرية عنها كما يرى ذلك الفكر، وفيها ستنحل الحكومات، وتضمحل سلطات الدولة، وتُحل مؤسساتها، وتُلغى كل ما أنتجته البشرية على مدار التاريخ من قوانين، وفي تلك المرحلة سيحل النظام، كلٌ يعملُ حسب طاقته دونَ قانون يلزمه، وكلٌ يأخذ حاجته دونَ قانون يمنحه ذلكَ الحق، ودونَ محاسب أو رقيب يمنعه. وهكذا تنعدم بالنهاية جميع القوانين، وتنهار صروح القواعد القانونية التي شيدتها البشرية منذ بدايات التاريخ الموغلة في القدم في تلك المرحلة، وبانهيار صرح القواعد القانونية ستنهار تبعاً لها القواعد الشَّكليَّة فلا يبقى منها شيء. وهذه النتيجة تتعارض مع حاجة المجتمع للقانون.
أمَّا في (الشريعة الإسلامية) الغراء فإنَّ الحاجة إلى الشَّكليَّة مطلوبة، ولكن يجب أن يلاحظ أنَّ الشَّكليَّة لم تُعرف في نطاقها بالصورة الصارمة التي عرفها القانون الروماني)، فأي دعوى كانت تتوافر فيها شروط المصلحة المشروعة يلزم قبولها دون تحديد لنوع الدعاوى، ولذلك فإنَّ أظهر سمة للقضاء الإسلامي هو تجرده من الأمور غير المقبولة والشكليات غير المنطقية، كذلك اتسمت إجراءات التقاضي في ظل الشريعة الإسلامية باليسر، وقلة التكاليف، مما أتاح للقضاة أن يقدموا أروع صفحات العدل في التأريخ الضارب في أغوار القِدم). وليسَ معنى قولنا هذا أنَّ القضاء الإسلامي جاءَ خالياً من أصولٍ في حقل المرافعات، وأصول تقديم الدعاوى وطرق إثبات الحقوق، فلاتزال القواعد العامة في الإثبات وسير الدعوى التي وردت في (المجلة العدلية) المستقاة بالكلية من المذهب الحنفي أهم المصادر التي تستند إليها قوانين الإثبات الحديثة كما جاء في (فصل الدعاوى) و(فصل القضاء) في المجلة مؤكداً ما بلغه الفقه الإسلامي في هذا المجال من مستوى رفيع، (غير أنَّ معظم المؤلفات والشروحات الحديثة وحتى القديمة منها نسبياً تتجاهل الفقه الإسلامي في حقل المرافعات، ولكنَّ الشريعة الإسلامية لا تفتقر في ميدان المرافعات، فهناك كتب عديدة خصصت في هذا الباب منها (تبصرة الحكام) لابن فرحون، و(معين الحكام) للطرابلسي، و(جامع الفصولين) (لابن قاضي سماوانه)، فضلاً عن الكتب الفقهية التي خصصت أبواباً لها في القضاء والدعوى تناولت فيها بعض القواعد الأصولية)، والتي تؤكد لكل مطلع كما يقول الدكتور السنهوري: (إن في ذخائر الفقه الإسلامي من المبادئ والنظريات ما لا يقل في رقي الصناعة، وفي أحكام الصنعة عن أحدث المبادئ والنظريات الفقهية التي نتلقاها اليوم عن الفقه الوضعي الحديث).
ولمَّا كنا بحثنا الشَّكليَّة في القانون الوضعي وتطورها، لابدَّ أيضاً من بحث الشَّكليَّة في الشريعة الإسلامية، حيث سنتناولها في القرآن الكريم مقتصرة على (آية الدين) و (آيات اللعان). وذلك في المبحث الآتي:
المبحث الثاني: 

الشَّكليَّة في القرآن الكريم.

اشتمل هذا المبحث على:
أولاً: الشَّكليَّة في آية الدين.
ثانياً: الشَّكليَّة في آيات اللعان.
حيثُ سنتناول كلاً منهما في مطلبٍ مستقل.
المطلب الأول:

 الشَّكليَّة في (آية الدين).

جاءت آية الدين في القرآن ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فإن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فإنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
[البقرة : 282] (وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فإن أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة:283] ـ جاءت بالأحكام الخاصة بالدين والرهن والتجارة مع ربط التشريع القانوني بالوجدان الديني ربطاً وثيقاً، لطيف المدخل، عميق الإيحاء، قوي التأثير، حيث يلحظ كل المؤثرات المحتملة في موقف طرفي التعاقد، وموقف الشهود، والكتّاب، فينفي هذه المؤثرات كلها، ويحتاط لكل احتمال من احتمالاتها)، (فجاءت هذه الآيات في سياق الحديث عن الأموال، فبدأ الترغيب في الصدقات، والإنفاق في سبيل الله، وذلك محض الرحمة، وثنى بالنهي عن الربا، الذي هو محض القساوة، ثمَّ جاء بأحكام الدين والتجارة والرهن. وهي محض العدالة، وأمرنا الله ببذل المال حيث ينبغي البذل، وبتركه حيث ينبغي الترك وهو الربا، وبتأخيره حيث ينبغي التأخير وهو إنظار المعسر، وبحفظه حيث ينبغي الحفظ وهو كتابة الدين والإشهاد عليه وعلى غيره من المعاوضات، وأخذ الرهن إذا لم يتيسر الاستيثاق بالكتابة والإشهاد. ولمَّا كانت سلطة صاحب الربا قد زالت بتحريمه، ولم يبق إلَّا رأس المال، وقد أمر بإنظار المعسر فيه، وكانَ لابد من حفظه من كتابته، إذ ربما يخشى ضياعه بالأنظار إلى أجل). فجاءت هذه الآيات تضم عدداً من الأحكام والشكليات منها:
1. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ). وهذا هو المبدأ العام الذي يريد الله سبحانه تقريره. فالكتابة أمر مفروض بالنص، غير متروك للاختيار في حالة الدين إلى أجل. ليكون ذلك أحفظ لمقدارها، وميقاتها، واضبط للشاهد فيها، وتوثيقاً له وحفظاً). قال الامام (القرطبي): (فَاكْتُبُوهُ) للندب والارشاد، لأنَّ لرب الدين أن يهبه ويتركه إجماعاً، فالندب إلى الكتابة فيه إنَّما هو على جهة الحيطة للناس). وسواء أكانت الكتابة فرضاً أو ندباً فإنَّها اقصى متطلبات الشَّكليَّة.
2. (وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ). وهذا تعيين للشخص الذي يقوم بكتابةِ الدين، فهوَ (كَاتِبٌ)، وليسَ أحد المتعاقدين، وحكمة استدعاء شخص ثالث وليسَ أحد الطرفين هو للاحتياط والحيدة المطلقة، وهذا الكاتب مأمور أن يكتبَ بالعدلِ دونَ ميلٍ لأحدِ الطرفين أو إدخال زيادة أو نقصان على بنودِ العقد.
3. (وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ). فالتكليف هنا من الله بالقياسِ للكاتب، كي لايتأخر أو يأبى، ولا يُثقل على نفسهِ العمل، فتلكَ فريضة من اللهِ بنص التشريع. ويقول السيد (محمد رشيد رضا): فهذهِ قاعدة شرعية لإيجاد المقتدرين على كتابة العقود، وهو ما يسمونه اليوم بـ (العقود الرسمية). ومن علل وجوب (الكتابة) للديونِ في صكٍ هوَّ لحفظه لئلا يقع فيه نسيان أو جحود، فتكون الكتابة توثقة للحق، ونظراً للذي له الحق وللذي عليه، وللشهود، وذلك لأنَّ الدين الذي يدخل فيه الأجل تتأخر فيه المطالبة، ويتخلله النسيان، ويدخله الجحود، فصارت الكتابة كالسبب لحفظ المال من الجانبين، لأنَّ صاحب الحق إذا علم أنَّ حقه قد قيد بالكتابة والإشهاد يحذر من طلب الزيادة، ومن تقديم المطالبة قبل حلول الدين في تحصيل المال).
4. (فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئا فإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل). إنَّ المدين ـ الذي عليه الحق ـ هو الذي يملي على الكاتب اعترافه بالدين، ومقداره، وشرطه، وأجله، مخافة أن يقع الغبن عليه لو أملى الدائن، لأنَّ المدين في موقف ضعيف قد لا يملك معه إعلان المعارضة رغبة منه في إتمام الصفقة لحاجته إليها فيقع عليه الغبن. فإن كان المدين سفيهاً لا يُحسن تدبير أمره، أو صغيراً أو ضعيف العقل، أو لا يستطيع أن يملِ لعاهةٍ أو لسببٍ من الأسباب المختلفة فليمل ولي أمره القيِّم عليه بالعدل، وهنا ينتهي الكلام عن الكتابة من جميع نواحيها فينتقل الشارع إلى نقطة أخرى في العقد وهي (الشهادة).
5. (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فإن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى). إنَّه لابدَّ من شاهدين على العقد، والرضا يشمل معنيين:
الأول: أن يكون الشاهدان عدلين مرضيين من الجماعة.
والثاني: أن يرضى بشهادتهما طرفا التعاقد. ولكنَّ ظروفاً معينة قد لا تجعل وجود الشاهدين أمراً ميسوراً، وهنا ييسر التشريع، فيستدعي النساء إلى الشهادة، ولا يدعنا النص أن نحدس لماذا (امرأتان) فيجيء السبب محدداً، واضحاً، معللاً:(أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى). وما أمر بالإشهاد مع الكتابة إلَّا لزيادة التوثقة. وقوله (مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء) فيه دلالة على اشتراط العدالة في الشهود). وعن هذه الشهادة قال الإمام (إبن رشد): واتفقوا على أنَّه تثبت الأموال بها). وقال الإمام (النووي) عن تلك الشهادة (ويثبت المال وما يقصد به كالبع والإجارة والهبة والوصية والرهن والضمان).
6. (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ). فتلبية الدعوة إلى الشهادة فريضة وليست تطوعاً، فهي وسيلة لإقامة العدل وإحقاق الحق. والله هو الذي يفرضها كي يلبيها الشهداء عن طواعية تلبية وجدانية بدون تضرر أو تلكؤ. وهنا ينتهي الكلام عن الشهادة فينتقل بنا الشارع إلى الغرض العام للتشريع، حيث يؤكد ضرورة الكتابة، كبر الدين أم صغر، ويعالج ما قد يخطر في النفس من استثقال للكتابة بحجة أنَّ الدين صغير لا يستحق ذلك.
7. (وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ). وأوضح أنَّ الكتابة أعدل وأفضل (ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ). وأكّد أنَّ الشهادة على شيء مكتوب أقوم من الشهادة الشفوية التي تعتمد على الذاكرة وحدها (وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ). وأنَّ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين أقوم كذلك للشهادة، وأصحّ من شهادة الواحد، أو شهادة الواحد والواحدة (وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ). أمَّا التجارة الحاضرة فإنَّها مستثناة من قيد الكتابة، وتكفي فيها شهادة الشهود، تيسيراً للعمليات التجارية التي يعرقلها التعقيد، والتي تتمّ في سرعة، وتتكرر في أوقات قصيرة (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ).
وبعد أن انتهى تشريع الدين المسمى، والتجارة الحاضرة، والتقى كلاهما عند شرطي الكتابة والشهادة، فإنَّه يقرر حقوق الكتَّاب والشهداء كما قرر عليهم الواجبات من قبل، فالآن يوجب إليهم الحماية والرعاية ليتوازن الحق والواجب في أداء التكاليف العامة (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فإنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، أي يجب أن لا يقع ضرر على كاتب أو شهيد بسبب أدائه لواجبه الذي فرضه الله عليه، وإذا ما وقع فإنَّه يكون خروجاً عن شريعة الله، ومخالفة عن طريقه، وهو احتياط لابدَّ منه لأنَّ الكتاب والشهداء معرضون لسخط أحد الفريقين في أحيان كثيرة.
8. (وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ) وذلك حينما يكون الدائن والمدين على سفر، فلا يجدون كاتباً فتيسيراً للتعامل مع ضمان الوفاء رخص الشارع في التعاقد الشفوي بلا كتابة مع تسليم رهن مقبوض للدائن ضامن للدين.
9. (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ). ويتكأ التعبير هنا على القلب، فينسب إليه الإثم، تنسيقاً بين الإضمار للإثم والكتمان للشهادة، فكلاهما عمل يتم من أعماق القلب).
وبعد أن انتهينا من بحث الشَّكليَّة في آية الدين، ننتقل لبحثها في آية (اللعان)، وهو مدار المطلب الآتي:
المطلب الثاني : الشَّكليَّة في (آية اللعان).
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [6] وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [7] وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ [8] وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ[9]). [النور:6- 9].
واللعان لغة: الإبعاد والطرد من الخير. وقيل الطرد والإبعاد من رحمة الله. ومن الخلق: السب والدعاء. ولعنه يلعنه لعناً: طرده وابعده).
وشرعاً: شهادات مؤكدات بالأيمان، مقرونة باللعن، قائمة مقام حدّ القذف في حقه. ومقام حدّ الزنا في حقها).
جاءت آيات اللعان بعد بيان حكم القذف: (وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏(‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏‏‏:‏ ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَقْذُوفَةُ الْحُرَّةَُ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْتِ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُخْرِجُونَهُ مِنْ الْحَدِّ). وقيل في مشروعيته: إنَّما شرع اللعان من جانب الزوج لدفع العار عنه لأنَّه لا يمكنه أن يثبت الزنا على زوجته بالبينة).
استثناءً من حكم القذف العام، جاء قذف الرجل امرأته. فإنَّ مطالبته بأن يأتي بأربعة شهداء فيهِ إرهاق له وإعنات، والمفروض أن لا يقذف الرجل امرأته إلّا صادقاً لما في ذلكَ من التشهيرِ بعرضهِ وشرفهِ وكرامةِ أبنائهِ. لذلكَ جُعلَ لهذا النوع من القذفِ حكمٌ خاص. وفي هذهِ النصوص تيسير على الأزواج، يُناسبُ دقةَ الحالِ وحرج الموقف. ذلكَ حينَ يطّلع الزوج على فعلةِ زوجتهِ، وليسَ لهُ من شاهدٍ إلّا نفسه). جاءت هذهِ الآيات الأربع، بأحكامٍ وتفصيلاتٍ زخرت بها كتب الفقه. فأبانت عن طريقة الملاعنة وشروطها، وأي من الزوجينِ يبدأ اللعان، وعدد الشهادات، وما يقول الزوج في الشهادات الأربع، وما يقول في الشهادة الخامسة منها، وما تقوله الزوجة في شهاداتها الأربع، وما تقوله في الشهادة الخامسة. وكل هذه التحديدات بمن يبدأ اللعان، وعدد الشهود، والألفاظ المخصوصة لكلٍ من الطرفين في كل شهادة، إنَّما هي من الشَّكليَّات:
1. (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ). والملاعنة لا تكون إلّا بينَ الأزواج بنصِ الآية. والأصلُ أنَّ الزوج إذا جاءَ بأربعةِ شهداء حُدّت الزوجة ولا لعان، واللعان لا يكون إلّا عندَ انتفاءِ الشهود، ‏وهي استثناء من قَولهِ تَعَالَى: ‏(وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً).
2. (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ). والملاعنة لا تكون إلّا بصيغة (أشهد)، وتسمى هذه (شهادات) لأنَّ الزوج هو الشاهد الوحيد)، وتقترن الشهادة (بِاللَّهِ)، وقد حدّدت بأربعِ شهاداتٍ لتقومَ كل شهادةٍ من الزوجِ مقامَ شاهد، وهذه الشهادات الأربع تكونُ بصيغةِ مخصوصة: (إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ). (ويبدأ الرَّجُلُ بِاللَّعَّانِ حَتَّى يُكْمِلَهُ. وكَمَا أَخْرَجَ قَاذِفَ الْمُحْصَنَةِ غَيْر الزَّوْجَةِ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا بِمَا قَذَفَهَا بِهِ، فيَخْرَج الزَّوْج مِنْ قَذْفِ الْمَرْأَةِ بِشَهَادَاتِهِ الأربع. ويتبع شهاداته الأربع بشهادة خامسة ـ (وَالْخَامِسَةُ) تكون بصيغة شَّكليَّة محددة، ولفظ مخصوص أيضاً، وهي: (أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ) ـ‏ وَكَانَتْ في ذلك دَلاَلَةٌ أَنْ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَلْعَنَ حَتَّى تَطْلُبَ الْمَرْأَةُ الْمَقْذُوفَةُ حَدَّهَ)، وما تدل عليه الآية من ترتيب شهادة الزوج أولاًً، وأنَّه من يبدأ اللعان، وبلفظ (أشهد)، مع اقترانها الشهادة (بالله)، وبأربع شهادات (إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)، كله هذا من الشَّكليَّة.
3. (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ). وهذه الآية دالة على أنَّ شهادة الزوجة تأتي بعد شهادة الزوج، فإن أبت الزوجة الملاعنة حدَّت، لأنَّ ذلك إقرار منها بالتهمة. ولها أن تدفع عن نفسها التهمة. فَإِذَا أَكْمَلَ الزوج خَمْسًا الْتَعَنَتْ الْمَرْأَةُ من بعده. فتشهد أربع شهادات، مقرونة (بالله): (إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ). قال الشافعي في ذات الموضع: (وذلك أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَدَأَ بِالرَّجُلِ فِي اللِّعَانِ فَلاَ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِعَانٌ حَتَّى يُكْمِلَ الرَّجُلُ اللِّعَانَ لِأَنَّهُ لاَ مَعْنَى لَهَا في اللِّعَانِ إلَّا رَفْعَ الْحَدِّ عَنْ نَفْسِهَا، وَالْحَدُّ لاَ يَجِبُ حَتَّى يَلْتَعِنَ الرَّجُلُ ثُمَّ يَجِبُ لِأَنَّهَا تَدْفَعُ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهَا بالا لتعان. وإذا بدأت الزوجة باللعان لم يصح). وشهادة المرأة بهذا العدد المحدد، واللفظ المعين، والترتيب المقرر، كل هذا من الشَّكليَّة.
4. (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ). وإذا كانت الشهادة الخامسة للرجل: (أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ). فإنَّ شهادة الزوجة الخامسة: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ). ومن الصيغة الخامسة لشهادة الرجل جاءت تسمية (اللعان). وما تقرر في الشهادة الخامسة من الفاظ خاصة هو من الشَّكليَّة أيضاً.
وقد ضمت كتب الفقه شروط دعوى اللعان، ومنها:
1ـ أن يكون بين الزوجين. ولا لعان إلَّا بينهما.
2ـ أن يكون الزوجين بالغين عاقلين.
3ـ أن يقذف الزوج زوجته. ولا لعان إلَّا من قذف.
4ـ أن تُكذِّب الزوجة زوجها. فإن صدقته أو لم تلتعن حُدَّت ولا لعان.
5ـ أن يكون اللعان بين الزوجين بألفاظه الواردة وترتيبه المذكور.
6ـ أن يكون اللعان بحضرة الحاكم أو من ينوبه).
وإذا تمَّ اللعان بالشَّكليَّة المعروفة ترتَّب عليه عدة أحكام منها:
أ ـ سقوط الحدّ عن الزوجة.
ب ـ الفرقة بين المتلاعنين. والتحريم المؤبد ولو كذَّب نفسه وقال: إنِّي كذبت عليها.
ج ـ انتفاء الولد عن الزوج. ولا ينسب إليه بل إليها.
وبعد التطرق إلى الشَّكليَّة في القرآن الكريم، واستكمالاً للبحث، فإنَّنا سنتطرق إلى الشَّكليَّة في السنة النبوية، وهو مدار المبحث الآتي:
المبحث الثالث: 

الشَّكليَّة في السنة النبوية.

إلى جانب ما ورد في القرآن الكريم من الشَّكليَّات في (آية الدين) و(اللعان)، هناك جانب منها في السنة النبوية، لذا انقسم هذا المبحث على:
أولاً: الشَّكليَّة في العقود.
ثانياً: الشَّكليَّة في (اللعان).
ثالثاً: الشَّكليَّة في (القَسَامَة).
حيثُ سنتناول كلاًً منهم في مطلبٍ مستقل.
المطلب الأول:

 الشَّكليَّة في العقود.

ومن شواهد الشَّكليَّة المتمثلة بالتسجيل والمكاتبة ما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في نسخة كتاب البيع للعداء بن خالد بن هوذة:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد (رسول الله) اشترى منه عبداً ـ أو أمة ـ لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم للمسلم).
والكتابة في العقود أقصى متطلبات الشَّكليَّة وحدّها الأعلى.
المطلب الثاني:

 الشَّكليَّة في (آية اللعان).

فضلاً عما تضمنته آية (اللعان) من شَّكليَّة في القرآن الكريم، فإنَّ السنة النبوية تضمنت جانباً منها. ومن صور الشَّكليَّة التي جاءت بها السنة النبوية بإيجاز:
1ـ أن يكون الوقت والمكان معظمين: وذلك بأن يكون اللعان في المسجد. قال الإمام (الشافعي): وَيُلاَعِنُ بَيْنَ كلِّ زَوْجَيْنِ فِي مَسْجِدِ كُلِّ بَلَدٍ. وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَالزَّوْجَةُ مُشْرِكَةً الْتَعَنَ الزَّوْجُ فِي الْمَسْجِدِ وَالزَّوْجَةُ في الْكَنِيسَةِ وَحَيْثُ تُعَظِّمُ. وَإِذَا كَانَا مُشْرِكَيْنِ لاَ دِينَ لَهُمَا تَحَاكَمَا إلَيْنَا لاَعَنَ بَيْنَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْم)‏.‏ وهذا الوقت والمكان المخصوصين من صور الشَّكليَّة.
2ـ وقوف الزوج عند اللعان. ويسن تلاعنهما قياماً. قال الإمام (الشافعي): وَيَبْدَأُ فَيُقِيمُ الرَّجُلَ (قَائِمًا) وَالْمَرْأَةُ ) جَالِسَةٌ)، فَيَلْتَعِنُ، ثُمَّ يُقِيمُ الْمَرْأَةَ (قَائِمَةً) فَتَلْتَعِنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَحَدِهِمَا عِلَّةٌ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ مَعَهَا فَيَلْتَعِنُ جَالِسًا أَوْ مُضْطَجِعًا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجُلُوسِ. ووقوف أحد الأزواج عند اللعان وجلوس الآخر من الشَّكليَّة.
3ـ أن يضع يده على فمه في الشهادة الخامسة ويخوفه القاضي الله. (فَإِذَا أَكْمَلَ الزوج أَرْبَعًا وَقَفَهُ الإمام وَذَكَّرَهُ اللَّهَ وَقَالَ ‏"‏ إنِّي أَخَافُ إنْ لَمْ تَكُنْ صَدَقْت أَنْ تَبُوءَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ ‏"‏ فإن رَآهُ يُرِيدُ أَنْ يَمْضِيَ أَمَرَ مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَيَقُولُ إنَّ قَوْلَك: ‏(‏ وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ)‏ مُوجِبَةٌ إنْ كُنْت كَاذِبًا ـ أي موجبة اللعنة ـ فإن أَبَى تَرَكَهُ وقال قُلْ ‏"عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ فُلاَنَةَ مِنْ الزِّنَا"‏‏.‏ أمَّا الزوجة فيكون بلفظ (الغضب).
ووضع اليدِّ على فم الزوج في قبل شهادته الخامسة، وكذلك قسمه مع لفظ (اللعن) المخصوص في شهادة الزوج الخامسة، ولفظ (الغضب) المخصوص في الشهادة الخامسة للزوجة، كل ذلك من الشَّكليَّة.
4ـ أن يكون بحضرة جماعة. ووجود الجماعة لا يؤثر في الحكم ولكنَّه للتعظيم، وهو يدخل في الشَّكليَّة.
بعد هذا، ننتقل الى بحث الشَّكليَّة في (القَسَامَة)، وعلى مدار المطلب الآتي:
المطلب الثالث:

 الشَّكليَّة في القَسَامَة.

القَسَامَة بفتح القاف وتخفيف المهملة مصدر أقسمَ قسماً وقسامة. لغة: ومعناه حلفَ حلفاً. والمراد به الأيمان. وتطلقُ أيضاً عند أهل اللغة على القوم الذين يحلفون. سمو باسم المصدر. قال (ابن منظور): والقسم بالتحريك: اليمين. وكذلك المقسم وهو المصدر، مثل المخرج، والجمع أقسام).
وفي الاصطلاح: هي اليمين بالله تعالى، بسببٍ مخصوصٍ، وعددٍ مخصوصٍ، وعلى شخصٍ مخصوصٍ، وهو المدعى عليهِ، بأن يُقسم خمسون شخصاً من أهل المحلة إذا وجد قتيل فيها: بالله ما قتلناه، ولا علمنا لهُ قاتلاً. فإن حلفوا يغرمونَ الدية. هذا تعريف الحنفية. وعرَّفها غيرهم: أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم).
والقَسَامَة موجودة قبل الإسلام، ولها نظام متعارف عند القبائل في الجاهلية، كما أخرج البخاري والنسائي صفة القَسَامَة عن ابن عباس أنَّ أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم كانَ رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذٍ أخرى، فانطلق معه في إبله، فمرَّ به رجل من بني هاشم قد انقطعت به عروة جوالقه فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل، فأعطاه عقالاً فشدَّ به عروة جوالقه، فلمَّا نزلوا عقلت الإبل إلَّا بعيراً واحداً، فقال الذي استأجره: ما بال هذا البعير لم يُعقل من بين الإبل، قال: ليسَ لهُ عقالّ، قال: فأين عقاله؟ فحذفه بعصا كانَ فيه أجله، فمرَّ به رجل من أهل اليمن فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهده وربما شهدته. قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرَّة من الدهر؟ قال: نعم. قال: فإذا شهدت فناد: يا قريش. فإن أجابوك فناد: يا آل هاشم. فإن أجابوك فسل عن أبي طالب فاخبره أنَّ فلاناً قتلني في عقال. ومات المستأجر. فلمّا قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب، فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض فأحسنت القيام عليه ووليت دفنه. قال: قد كان أهل ذاك منك، فمكث حيناً ثمَّ إنَّ الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال: يا قريش، قالوا: هذه قريش. قال: يا آل بني هاشم. قالوا: هذه بنو هاشم. قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أمرني فلان أن أبلّغك رسالة أنَّ فلاناً قتله في عقال. فأتاه أبو طالب فقال: اختر منّا أحدى ثلاث: إن شئت أن تودي مائة من الإبل فإنَّك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به، فأتى قومه فأخبرهم، فقالوا: نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحتَ رجلٍ منهم كانت قد ولدت منه، فقالت: يا أبا طالب أحبُ أن تجير ابني هذا برجلٍ من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان، ففعل. فأتاه رجلٌ منهم فقال: يا أبا طالب أردت خمسين رجلاً أن يحلفوا مكان مائة من الإبل فيصيب كل رجل منهم بعيران، هذان البعيران فاقبلهما منى ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان، فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا، قال ابن عباس: فوالدي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرف انتهى. قال ابن عباس: إنَّ اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع. يعني إذا تجرؤوا وحلفوا وهم كاذبون لم يؤمن أن يسلط الله عليهم فيموتوا). وقد اقرَّ الإسلام القسامة)، ووردت صفتها بألفاظ كثيرة، منها ما روي عن رافع بن خديج. قال: خرجَ عبد الله بن سهل بن زيد، ومحيصة بن مسعود ابن زيد حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك، ثمََّ أنَّ محيصة يجد عبد الله ابن سهل قتيلاً فدفنه، ثمََّ أقبلَ إلى رسول الله (صلى الله عليهِ وسلمَ) هو وحويصة بن مسعود، وعبد الرحمن بن سهل، وكانَ أصغر القوم، فذهبَ عبد الرحمن ليتكلم قَبلَ صاحبهِ. فقالَ لهُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم): كبر (أكبر في السن). فقمتُ فتكلمَ صاحباه، وتَكلمَ معهما الرسول (صلى الله عليه وسلم) مقتل عبد الله بن سهل، فقالَ لهم: تحلفونَ خمسينَ يميناً فتستحقونَ صاحبكم، أو قاتلكم؟ قالوا: كيفَ نحلف، ولم نشهد. قال: فتبرئكم يهود بخمسين يميناً. قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فلمَّا رأى ذلكَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أعطى عقله. أي: ديّته.
وجاءَ في روايةٍ أخرى أنَّه (عليه السلام) قالَ: أجمعُ منهم خمسينَ فيحلفونَ باللهِ ما قتلوه، ولا علموا لهُ قاتلاً. فقالَ: يا رسول الله: ليسَ لي من أخي إلّا هذا؟ فقالَ: بل لكَ مائة من الإبل).
ومن قراءة ما ورد في حديث (ابن عباس) في صفة قَسَامَة الجاهلية، وما ورد في القَسَامَة التي حكم بها النبي (صلى الله عليهِ وسلمَ) نرى :
1 ـ اقراره (صلى الله عليهِ وسلمَ) للقسامة.
2 ـ اقراره لصفة الخمسين يميناً.
3 ـ اقراره لديَّة المائة من الابل.
قال (ابن القيم): وليس (القَسَامَة) إعطاء بمجرد الدعوى، وإنَّما هو بالدليل الظاهر الذي يغلب على الظن صدقه، فوق تغليب الشاهدين، وهو اللّوْث والعداوة الظاهرة والقرينة الظاهرة). واللّوْث: قرينة حالية أو مقالية يغلب على الظن معها صدق المدعي في دعواه، فتقوى التهمة أنَّهم الذين قتلوا هذا القتيل، لذا قوّى الشارع هذا السبب باستحلاف خمسين من أولياء المقتول الذين يستحيل اتفاقهم كلهم على رمي البريء بدمٍ ليسَ منه. واشترط الفقهاء لوجوب القَسَامَة وجود (لوث). وجعلوا لها حالات عدة، وفيها تفصيل، منها:
1. وجود قتيل أو بعضه كرأسه في محلة منفصلة عن بلد كبير، أو في محلة أو قرية صغيرة لأعدائه أو أعداء قبيلته إذا كانت العداوة تحمل على الانتقام بالقتل، ولم يساكنهم بالقرية غيرهم.
2. وجود قتيل تفرق عنه جمع محصور في زحام، أو مكان ثمَّ تفرقوا عن قتيل لقوه ظن أنَّهم قتلوه.
3. وجود قتيل متشحطاً بدمه وبقربه إنسان بيده سكين أو غيرها من آلة القتل ملطخة بالدماء.
4. شهادة شاهد واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أنَّ فلاناً قتلني. وشهادة الواحد في القتل العمد الموجب للقصاص لوث محصور الظن بصدقه. وكذلك شهادة النساء أو الصبيان أو الفسقة أو غير المسلمين لوث، لأنَّ ذلك يفيد غلبة الظن، وهذا يُعدّ من قبيل القرينة المقالية.
5. قول المقتول: إنَّ فلاناً قتلني ثمَّ مات قبل أن يفيق. قال الإمام مالك: يُقبل قوله، وإن لم يكن بهِ أثر، أو يقول: جرحني ويذكر العمد، وادَّعى الإمام (مالك) أنَّه مما أجمع عليه الأئمة قديماً وحديثاً. واحتج أصحابه بأنَّ القاتل يطلب غفلة الناس فلو لم يقبل خبر المجروح أدى ذلك إلى إبطال الدماء غالباً، ولأنَّها حالة يتحرى فيها المجروح الصدق، ويتجنب الكذب والمعاصي، ويتحرى التقوى والبر، فوجب قبول قوله.
6. إذا كان الشهود جماعة غير عدول، أو كان الشاهد واحداً.
7. شهادة شاهدين على عداوة بين القاتل والمقتول، أو تهديد له منه، أو نحو ذلك.
واشترط الحنفية لوجوب إقامة دعوى القَسَامَة:
1 ـ أن يكون الموجود قتيلاً آدمياً. فلا يجري مجراها ما دون النفس والجراح. ولا قسامة في بهيمة).
2 ـ أن يكون القتيل بهِ أثر القتل من جراحة، أو أثر ضربٍ أو حتفٍ).
3 ـ أن يوجد القتيل ولا يُعلم قاتله. ولا تقوم عليه بينة. فإن عُلم قاتله فلا قسامة فيه.
4 ـ أن يدّعي ولي القتيل قتله على واحد أو جماعة.
5 ـ أن يكون الموضع الذي وجدَ فيه القتيل مُلكاً لأحدٍ أو في يدِ أحد.
6 ـ أن يقترن بالحال ما يشعر بصدق الولي.
7 ـ أن تقام دعوى القتل من أولياء المقتول، لأنَّ القَسَامَة يمين، واليمين لا تجب بدون الدعوى، ولأنَّ ذلك حق الآدمي. وحق الآدمي لا يثبت لشخص إلَّا بعد دعواه أنَّه له).
8 ـ أن يكون المدعى عليه القتل مكلفاً، فلا يصحّ الدعوى فيها على صغير ولا مجنون.
9 ـ إمكان القتل من المدعى عليه، فإن لم يمكن منه القتل، لم تسمع الدعوى.
وإذا وجدت شروط القَسَامَة، وأقيمت الدعوى، قامت صفتها. ومن شَّكليّات صفتها:
1. أن يبدأ المدعي الوارث اليمين ابتداء). لقوله (صلى الله عليه وسلم): أتحلفون وتستحقون صاحبكم؟). وحكم القَسَامَة على خلاف ما عليه سائر الدعاوى، وخلاف الحديث: (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر). ويدلّ له حديث أبي هريرة: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلَّا في القَسَامَة) أخرجه البيهقي. وروى عن (عمر بن الخطاب رضي الله عنه): أنَّه قضى بالبينة على الطالب والأيمان على المطلوب إلَّا في الدم. قال الإمام (ابن حزم) رحمه الله: اتفق القائلون بالقَسَامَة على أنَّه يحلف فيها الرجال، الأحرار، البالغون، العقلاء من عشيرة المقتول، الوارثين له). لأنَّ جنبة المدعي إذا قويت بشهادة أو شبهة صارت اليمين له).
2. أن تكون اليمين (بالله) على (قتل) (ادعى). فلا قسامة إلَّا في الدماء، ولا تصح إذا عرف القاتل.
3. تكون الأيمان المستحقة في القَسَامَة خمسون يميناً. مع وجود اللّوْث. وتكلم الفقهاء في علّة تعدّد اليمين في جانب المدّعي فقيل: لأنَّ تصديقه على خلاف (الظاهر)، فأكّد بالعدد، وقيل: سببه تعظيم شأن الدم).
4. أن تكون أيمان المدعين على رجل واحد، لما ورد في الحديث (يقسم خمسون منكم على [رجل منهم]..).
5. أن تكون أيمان المدعين بحضور المدعى عليهم.
6. إذا نكل المدعي باليمين، غلّظت الأيمان على المدعى عليه. لقوله (صلى الله عليه وسلم): (فتبرئكم يهود بخمسين يميناً). وهذا لأنَّ الأولياء هم الذين يطلبون أخذ الثأر من المتهم بالقتل، فإن نكل المدّعون ولا بينة حلف المدعى عليه خمسين يميناً وبريء، فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال. قال (ابن دقيق العيد): وفي هذه المسألة طريقان:
أحدهما: إجراء قولين، فإن نكوله يبطل اللّوْث، فكأن لا لوث.
الثانية: وهي الأصح: القطع بالتعدد للحديث فإنَّه جعلَ أيمان المدّعى عليهم كأيمان المدّعين.
7. أن تكون صفة يمين المدعى عليهم قول كل واحد منهم: بالله ما قتلت، ولا علمت له قاتلاً.
8. أن يكون الحلف في مجلس الحاكم وهم قعود حيث كانت وجوههم).
وأحكام القَسَامَة متداخلة في كل ذلك كما يقول الإمام (ابن حزم). روى (البخاري) عن (أبي قلابة): قضى بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء بعده، وإنَّ للناسِ في القَسَامَة حياة).
المبحث الرابع:

 الشَّكليَّة في القضاء الإسلامي (المجلة العدلية).

يقول العلّامة (منير القاضي) في شرحهِ (لمجلة الأحكام العدلية): إنَّ مجلة الأحكام العدلية وتسمى (المجلة العدلية) هي الجزء الأهم من القانون المدني للدولة العراقية الموروث من الدولة العثمانية، وقد أخذت أحكامها من الفقه الحنفي، ملاحظاً فيها حاجة العصر، ومقتضيات الزمان عندَ وضعها قدر الإمكان، وهي قانونٌ لا كتاب فقه، وقد أيّدَ الدستور العراقي قوانينها).
ولهذا فحينما ندرس ما جاء في المجلة من نصوص شَّكليَّة، إنَّما ندرس الشَّكليَّة في القضاء العراقي، وإذا تصفحنا بعضاً مما جاء فيها نجد الأمثلة الرائعة في كيفية التقاضي، والدعوى، وطرق الإثبات، ولنا بعض الأمثلة من القواعد الكلية العامة تعداداً فقط:
القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها (م2).
القاعدة الثانية: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني (م3).
القاعدة الثالثة: اليقين لا يزول بالشك(م4).
القاعدة الرابعة: الأصل بقاء ما كان على ما كان (م5).
القاعدة الخامسة: القديم يترك على قدمه (م6).
القاعدة السادسة: الضرر لا يكون قديماً (م7).
القاعدة السابعة: الأصل براءة الذمة).(م8).
القاعدة الثامنة: الأصل في الصفات العارضة العدم (م9).
القاعدة التاسعة: ما ثبت بزمان يحكم ببقائه مالم يوجد دليل على خلافه (م10).
القاعدة العاشرة: الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته (م11).
القاعدة الحادية عشرة: الأصل في الكلام الحقيقة (م12).
القاعدة الثانية عشرة: لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح (م13).
القاعدة الثالثة عشرة: لا مساغ للاجتهاد في مورد النص (م14).
القاعدة الرابعة عشرة: ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه (م15).
القاعدة الخامسة عشرة: الاجتهاد لا ينقضي بمثله (م16).
القاعدة الثامنة عشرة: لا ضرر ولا ضرار(م19).
القاعدة الحادية والعشرون: الضرورات تقدر بقدرها (م22).
القاعدة الرابعة والعشرون: الضرر لا يزال بمثله (م25).
القاعدة السادسة والعشرون: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف (م27).
القاعدة الثامنة والعشرون: يختار أهون الشرين (م29).
القاعدة التاسعة والعشرون: درء المفاسد أولى ممن جلب المصالح (م30).
القاعدة الثانية والثلاثون: الاضطرار لا يبطل حق الغير (م33).
القاعدة السادسة والثلاثون: استعمال الناس حجة يجب العمل بها (م37).
القاعدة الثامنة والثلاثون: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان (م39).
القاعدة الثالثة والأربعون: المعروف بين التجار كالمشروط بينهم (م44).
القاعدة الخمسون: الساقط لا يعود كما أنَّ المعدوم لا يعود (م51).
القاعدة السادسة والخمسون: التبرع لا يتم إلا بالقبض (م57).
القاعدة الثالثة والستون: المطلق يجري على إطلاقه إذا لم يقم دليل التقييد نصاً أو دلالة (م54).
القاعدة الثامنة والسبعون: المرء مؤاخذ بإقراره (م79).
القاعدة التاسعة والتسعون: من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه (م100).
هذا بعض ما جاء في الجزء الأول من المجلة من القواعد الكلية التي لا يزال القانون المدني العراقي ومعظم القوانين المدنية في الدول العربية مرتكزاً عليها، وكلها من القواعد الشَّكليَّة.
ولقد ضمَّ الجزء الرابع من المجلة ثلاثة كتب في مجال القضاء. وهي:
1ـ كتاب الدعوى.
2ـ كتاب البينات.
3ـ كتاب القضاء.
ونستعرض في هذا البحث وبصورة موجزة بعض الأحكام التي وردت في هذه الكتب.

أولاً: كتاب الدعوى.

1ـ تناول هذا الكتاب أحكام الدعوى، وتنظيم الدعوى بصورة تفصيلية دقيقة، حيث تناول الدعوى وتعريفها، وتعريف المدعي، والمدعى عليه، وحكم الدعوى، وشروط صحة الدعوى، والتي هي:
أـ الأهلية القانونية لطرفي الدعوى.
ب ـ حضور الشخص حقيقة أو حكماً.
ج ـ أن يكون المدعى به معلوماً مع استثناء خمس مسائل من هذا الشرط وهي:
1. دعوى الغصب. (م1612).
2. دعوى الرهن. (م1612).
3. دعوى الوصية بمجهول. (م1579).
4. دعوى الإقرار بمجهول. (م1579).
5. دعوى الإبراء بمجهول. (م1579).
د ـ معلومية المدعى عليه.
هـ ـ أن لا يستند سبب الملك في الدعوى إلى الإقرار.
وـ أن يكون المدعى به محتمل الثبوت عقلاً وعادة وقانوناً ومشرعاً).
زـ إمكان إلزام المدعى عليه بالمدعى به على تقدير ثبوت الدعوى.
ح ـ أن لا يكون هناك تناقض.
ط ـ أن تكون الدعوى في مجلس القضاء.

2 ـ أقسام الدعوى:

تقسم الدعوى على ثلاثة أنواع.
أـ الدعوى الصحيحة: وهي التي توافرت فيها الشروط السالفة الذكر.
ب ـ الدعوى الفاسدة: وهي الدعوى الصحيحة في ذاتها وجوهرها غير أنَّها لبعض العوارض الخارجية أصبحت غير مشروعة، وحكم هذا النوع من الدعاوى، أنَّه قابل للتصحيح.
ج ـ الدعوى الباطلة: وهي غير صحيحة في ذاتها وجوهرها.

3ـ دفع الدعوى وأنواعها: وهو على ثلاثة أنواع:

أ ـ دفع الدعوى.
ب ـ دفع الخصومة.
ج ـ دفاع استماع الدعوى (مرور الزمان).
جاء البحث في الخصومة، ومن يصلح أن يكون خصماً أو لا يصلح أن يكون كذلك بصورة دقيقة ومفصلة لا تقل دقة وتفصيلاً عن أحدث ما جاء في قوانين المرافعات إن لم تتفوق عليه.

4 ـ التناقض: وقد تناولت المجلة بحث التناقض بالمواضيع الآتية:

أ ـ تعريف التناقض وشروطه.
ب ـ حكم التناقض.
ج ـ ما يرتفع به التناقض.
د ـ المواطن التي يفتقر فيها التناقض.
5 ـ مرور الزمان: بحثت المجلة مرور الزمان تحت المواضيع الآتية:
أ ـ تعريف مرور الزمان وحكمه.
ب ـ مدة مرور الزمان ومبدؤها.
ج ـ الأعذار الدافعة لمرور الزمان.
د ـ مالا يجري عليه مرور الزمان.

ثانياً: كتاب البينات.

وقد تعرضت المجلة لأحكام الإثبات تحت عنوان (كتاب البينات والتحليف). وقد بدأ هذا الكتاب في بيان وتعريف بعض المصطلحات مثل البينة، القَسَامَة، والشهادة، مقارنة الشهادة بالإقرار، التواتر، الملك المطلق والملك بسبب، والفرق بينهما في الحكم، ذو اليد (الحائز)، الخارج، التحليف، التحالف، والفرق بين التحليف والتحالف، تحكيم الحال، كل هذا جاء في مقدمة هذا الكتاب.
وقد عقدت المجلة الباب الأول للشهادة. وفي هذا الباب تعرضت إلى:
1. تعريف الشهادة.
2. شروط الشهادة. وهي:
أـ شروط التحمل: وهي العقل والبصر والمعاينة.
ب ـ شروط الأداء: وهي:
1ـ البلوغ.
2 ـ البصر.
3 ـ النطق.
4 ـ ألا يكون محدوداً بقذف. وهذا شرعاً.
5 ـ أن لا يكون في الشهادة جر مغنم أو دفع مغرم.
6 ـ أن لا يكون الشاهد خصماً.
7 ـ أن يكون الشهادة على دعوى سبقت. وأن توافق الدعوى.
ج : شروط الاعتبار.
1 ـ أن تكون الشهادة بلفظ (أشهد).
2 ـ أن يتعدد الشهود.
3 ـ أن تؤدى في مجلس القضاء.
3ـ نصاب الشهادة.
وتعرضت إلى نصاب الشهادة. ونصابها في حقوق العباد رجلان، أو رجل وامرأتان، مع تفصيل دقيق لانجده في قوانين الإثبات النافذة ما يوازيه دقة وتفصيلاً).
4 ـ رد الشهادة.
وقد وردت جملة أشياء ترد فيها الشهادة. ومنها الفسق، وقرابة الولاء، والزوجية، وشدة الغفلة، وارتكاب ما يخالف المروءة، وكذلك ترد الشهادة الواردة على السماع لأنَّ من شروط الشهادة بناءها على المعاينة.
5 ـ شروط الشهادة الأساسية.
أ ـ لا تقبل الشهادة على خلاف المحسوس.
ب ـ لا تسمع الشهادة على النفي. لأنَّ الشهادة شرعت لإثبات الحق لانفيه.
ج ـ لا تقبل شهادة شخص على آخر بينهما عداوة دنيوية.
د ـ لا تقبل شهادة أحد على فعله.
هـ ـ لا تقبل شهادة غير العدول. فلا تقبل شهادة الفاسق شرعاً، ولا المشهود له بالكذب، ولا فاقد المروءة (كالرقاص والمسخرة).
وـ لابد لقبول الشهادة من موافقتها للدعوى.
6 ـ تزكية الشهود:
من المبادئ الثابتة في قانون الإثبات (لا يزكى الشاهد). هذا المبدأ إنَّما يمثل نقصاً خطيراً في عملية الإثبات، فقد أخذ بالحضور لأداء الشهادة من هو ليس أهلاً لها في وقتنا، وهو وقت خراب الذمم، أمَّا في الشريعة الإسلامية فلا بد من أن يكون الشاهد عدلاً، مشهوداً له بالحياد.
وفي حقيقة الأمر، أنَّ تزكية الشهود عملية صعبة في تحقيقها من الناحية الواقعية، غير أنَّ هذه الصعوبة وما تجره من تطويل في المرافعات لا يتناسب مع ما تجره الشهادات الباطلة من ويلات، وإضاعة الحقوق، واتهام الأبرياء، وإفلات المجرمين من العقاب، علماً أنَّ التزكية لم تكن ضرورية في الصدر الأول من الإسلام، ولكنها وضعت كشرط بعد فساد الذمم، وخراب الضمائر.
وفي الباب الثاني من (كتاب البينات والتحالف) جاء البحث في بيان الحجج الخطية، والقرينة القاطعة، وجاء فيها من التفصيلات البديعة التي لا يستغني أي دارس للقانون عن الرجوع إليها. وفي الباب الثالث جاء (فصل التحليف)، وضم مواضيع كثيرة، منها القاعدة في توجيه اليمين إلى المدعى عليه، وما يحلف به المسلم، وما يحلف به النصراني، وما يحلف به اليهودي، والنيابة بالتحليف وعرض اليمين، حيث لا توجه إلا بطلب من الخصم، وليس للقاضي أن يوجه اليمين من دون طلب إلِّا في حالات وردت على سبيل الحصر.
ثمَّ تناول موضوع التحليف على البينات، والتحليف على العلم، وكذلك عقد فصلاً ليمين الأخرس ونكوله إذا كان مدعياً أو مدعاً عليه، وليس شاهداً، لأنَّه لا يقبل شاهد أصلاً.
ثمَّ عقد فصلاً عن (النكول عن اليمين)، وأثره، وفصلاًَ عن القضاء بشاهد ويمين، وفصلاً في ترجيح البينات، ومواطن الترجيح.

ثالثاً: كتاب القضاء.

استهلت المجلة هذا الكتاب بأركان القضاء، وهي ستة:
1ـ حكم.
2 ـ محكوم به.
3 ـ محكوم عليه.
4 ـ محكوم له.
5 ـ حاكم.
6 ـ طريق الحكم.
أطراف كل قضية حكمية
حكم، ومحكوم به، وله
ست يلوح بعدها التحقيق
ومحكوم عليه، وحاكم، وطريق
وعقدت فصلاً في صفات الحاكم. وهي:

1. الناحية الخلقية.

لمَّا كان علم القضاء ـ كما يقول (ابن فرحون) ـ من أجلِّ العلوم قدراً، وأعزاها مكاناً، وأشرفها ذاكراً، لأنَّه مقام علي، ومنصب نبوي، به الدماء تعصم وتسفح. والابضاع تحرم وتنكح، والأموال يثبت ملكها أو يسلب، والمعاملات يعلم ما يجوز منها ويحرم، ويكره ويندب) ولأنَّ (خطة القضاء أعظم الخطط قدراً، وأنَّها إليها المرجع في الجليل والحقير بلا تحديد، وأنَّ على القاضي مدار الأحكام، وإليه النظر في جميع وجوه القضاء من القليل والكثير، وأنَّه يختص بالنظر في الجراحات والتدميات). فقد وجب في الحاكم أن يكون:
أـ حكيماً، تقياً، عاقلاً، عادلاً.
ب ـ فقيها، عالماً بوجود الفقه والقانون، وله ملكة الاجتهاد في الرأي).
ج ـ مستقيماً: أي حسن السيرة والسلوك.
د ـ أميناً غير متصف بالخيانة.
هـ ـ مكيناً. أي من ذوي المكانة والشرف، فلا يليق للحاكمية السافل اللئيم والمسخرة.
و ـ متيناً. أي قوياً شديداً بلا عنف، لا فضا سيء الخلق، ولا غليظاً جاف القلب).

2. آداب القاضي:

عقدت (المجلة) فصلاً في هذا الموضوع، فأوضحت أنَّ آداب القاضي هي:
أـ أن يتجنب في مجلس القضاء ما يخل بمهابة المجلس من الأعمال.
ب ـ أن يتجنب ما يخل بالوقار خارج مجلس القضاء.
ج ـ أن لا يقبل هدية من أحد الخصمين).
د ـ أن لا يذهب إلى ضيافة أحد الخصمين.
هـ ـ أن لا يلابس حالة تدعو إلى التهمة وسوء الظن كقبول أحد الخصمين إلى داره، وأن يساوي بين الخصمين في إجراءاته).
وقضت المادة (1812) أنَّ:(على الحاكم أن يتجنب إصدار حكمه وهو مشوش الذهن بعارض لصحة التفكير، كالعطش، والجوع، والغضب، والتعب، والسرور، وغلبة النوم، والبرد الشديد، والحر الشديد). ولا غرابة فيما نجد من الدقة في شروط اختيار القاضي، والعناية بها، وبيان صفاته، وآدابه، لأنَّ القاضي في مفهوم الشريعة الإسلامية نائب عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في إقامة الشرع، وتطبيق حكم الله بين المتخاصمين.
وعقدت المجلة فصلاً مهماً بكيفية المحاكمة من المادة (1815 ـ 1828). وهي تخص إجراءات المحاكمة، وما يترتب على ذلك.
وعقدت المجلة باباً في (التحكيم وشروطه، وعزل المحكم، وقوة حكمه).
إنَّ استعراض ما جاء في مجلة الأحكام العدلية المستقاة من المذهب الحنفي من أحكام بصورة موجزة، إنَّما جاء مختصراً على القواعد القانونية الشَّكليَّة لتعلقها بالبحث، وعدم التعرض للأحكام أو القواعد الموضوعية التي تحدد أو تمنح الحقوق للأفراد لعدم وجود علاقة بينها والبحث. ونجد أنَّ ما ذكر بإيجاز لو تيسر لراغب في المعرفة الاطلاع عليه في المجلة بصورة مفصلة لرأى من الثروة الفقهية والقانونية ما تفوق جميع ما توصل إليه فقهاء القانون. ولأدرك أنَّ المسلمين قد فرطوا في حق الشريعة الإسلامية عندما حكّموا غيرها من القوانين الوضعية، وأنَّهم في الوقت ذاته فرطوا بحق أنفسهم عندما أضاعوا هذه الثروة واتجهوا إلى مصادر أخرى أقل شأناً، وأقل مكانة من الشريعة الإسلامية، ليقتبسو منها التشريع، جاهلين أو متناسين عظمة الشريعة الإسلامية.
الاستنتاجات
بعد أن انتهينا من بحثنا هذا، نسجل عدداً من الاستنتاجات والتوصيات:
1. أنَّ وجود القانون ضروري في كل مجتمع لتنظيم أمور الحياة فيه، وأنَّهُ لم يخل مجتمع من قواعد قانونية (موضوعية وشَّكليَّة)، وهذا يشمل المجتمعات البدائية منها، وذلك من خلال ما أصطلحوا عليه من قواعد نشأت نتيجة التقليد والعرف، التي جعلوا منها أساساً لحياتهم المشتركة. وأنَّ وظيفة القانون هي العملِ على حفظِ كيان المجتمع وأمنه وعيش أفراده من خلال التوفيق بين نشاط أعضاء الجماعة وإقرار النظام في المجتمع، والمُحافظة على بقاء الجماعة، وحماية حريات أفرادها.
2. أنَّ القواعد الشَّكليَّة وجدت جنباً إلى جنبٍ معَ القواعد الموضوعية، وبدت صارمة في عهدها الأول، وممتزجة بالصبغة الدينية، ثمَّّ نمت وتطورت بنمو وتطور المجتمع، ومرَّت بمرحلةٍ طويلةٍ منَ التهذيب. حتى صارت وسيلة لحماية الحقوق، لا غاية في حدِّ ذاتها. فالقواعد الشَّكليَّة هي الوسيلة لتطبيق القواعد الموضوعية، فهي التي تُبين كيفية التقاضي أمام المحاكم وطريقة رفع الدعوى، وكيفية الدفاع، وردِّ الدعوى الموجهة دون حق، كما تُبين طريقة إثبات الحقوق التي جار عليها الغير أو أنكرها، والإجراءات التي يجب إتِّباعها والسير بمقتضاها.
3. أنَّ من القواعد الفقهية وسياقات اجراءات الدعوى هو: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. غير أنَّ القسامة تعدّ استثناءً على تلك القاعدة. فالمدعي والمدعى عليه مطالبون بالقسم، لَّانَّ قسم المدعي يحل محل البينة لانتفاء الدليل. وأنَّ الخلاف في كون القسامة دليل إثبات تهمة القتل أو نفيها تنبع من طبيعة الاجراءات الشَّكليَة فيها ونتائج الحكم.
4. أنَّ الشريعة الإسلامية في علاقتها مع المجتمع الجاهلي كانت على محاور ثلاثة لإصلاحه، وهي:
الأول: نقض كامل البناء الذي يستند على عقيدة الوثنية، وما نتج عنها كذلك من ظلم الانسان للإنسان.
الثاني: تصحيح الكثير من القيم والأعراف في ذلك المجتمع وتصويبها، لأنَّها بناء معوج يجب تقويمه.
الثالث: إقرار الكثير من قيم واعراف ذلك المجتمع التي حافظت على شَّكليّتها، خصوصاً ما يتعلق بنظام القسامة وأحكام الديّات.
5. اختلاف دواعي التدرج في إصدار الأحكام والقوانين بين النظم الوضعية والشريعة الإسلامية، فالتدرج في القانون الوضعي جاء لمسايرة ركب المدنية المتطور، والرقي بالنص القانوني ليكون بمستوى حاجات المجتمع، أمَّا في الشريعة الاسلامية فإنَّ التدرج جاء لرفع قيم المجتمع وأفهام الناس والارتقاء بها إلى المستوى الذي تريده الشريعة الاسلامية.
6. أنَّ الشريعة الإسلامية حريصة على إقرار الحقوق، وأن لا يهدر دم في الاسلام، لذا عالجت حالات انعدام وجود البينة كما في (القسامة)، وكذلك حالة نقصانها كما في (اللعان)، فجاءت بوسائل جديدة لمعالجة الحالات المستجدة، فقامت أيمان الزوج الأربعة مقام الشهود. كما أقرَّت وسائل موجودة سلفاً (القسامة) لحالات ينعدم فيها الدليل مع وجود الشبهة، فإقامها على غلبة الظن مع القسم. وذلك زجراً للمعتدي، وحفظاً على أرواح الناس، واستتباب أمن المجتمع.
7. تعدّ الشَّكليَّة ضرورة من ضرورات القانون، لأنَّها الآلية والوسيلة لتطبيق النصوص الموضوعية، وايصال الحقوق لأصحابها، لَأنَّ النص القانوني المجرد من شَّكليَّات تطبيقه لا يعدو كونه كلمات وعبارات منسقة بإطار جامد ينظم حالات معينة، ويضع لها أحكامها، دون أن يعطي تصوراً عن الكيفية التي يتم بموجبها تحقيق ذلك النص.
8. أنَّ من غايات القوانين الارتقاء بمستوى النص القانوني، والتخفيف من الشَّكليَّة المتبعة في تطبيقه، لأنَّ الشَّكليَّات ليست دائماً عاملاً ايجابياً، وإنَّما تعدّ في بعض الأحيان عبئاً على النص القانون، وعائقاً أمام حسن تطبيقه، وسرعة تنفيذه، لذا يعمد المشرِّع على التخفيف من تلك الشَّكليَّات دون الاخلال بالنتائج والغايات التي يراد تحقيقها.
9. لمَّا كان القانون معبراً عن الجماعة التي اصدرته، فإنَّ الشَّكليَّات تختلف باختلاف القوانين والبيئات حتى في ضمن الدولة الواحدة أحياناً كما هو شأن الولايات المتحدة، فلكل ولاية قوانينها وشَّكليَّاتها في تطبيق تلك القوانين، مما يحدث إرباكاً في بعض الأحيان، ويهضم كثيراً من الحقوق في أحيان أخرى، فقد يخسر رجل أجنبي كامل حقوقه لأنَّه يجهل أنَّ التهمة تسقط عنه في (الولايات المتحدة) إذا لم تتلى عليه حقوقه (لحظة اعتقاله) وذلك لعدم وجود مثل تلك الشَّكليَّة في بلده الأم. لذا من الضروري أن يطَّلع الأجنبي على شكليات قوانين البلاد التي يقيم فيها حفظاً لحقوقه.
10. أنَّ الشَّكليَّة القانونية تعرضت إلى تحديات كبيرة، لعلَّ أكبرها ما نتج عن الفكر الشيوعي، الذي يقسم مراحل البشرية إلى خمسة أقسام، تبدأ بالشيوعية الأولى فالإقطاع، والرق، والرأسمالية، ثمَّ تولد (الشيوعية الثانية)، وهي المرحلة الخامسة والأخيرة للبشرية التي ستنحل فيها الحكومات، وتضمحل فيها سلطات الدولة، وتُحل مؤسساتها، وتُلغى كل ما أنتجته البشرية على مدار التاريخ من قوانين، وتنهار صروح القواعد القانونية التي شيدتها البشرية منذ بدايات التاريخ الموغلة في القدم، وبانهيار صرح القواعد القانونية ستنهار تبعاً لها القواعد الشَّكليَّة فلا يبقى منها شيء. وهذه النتيجة تتعارض مع حاجة المجتمع للقانون.
المصادر
أولاً: المصادر الشرعية.
1. شهاب الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالله المعروف بابن أبي الدم الحموي الشافعي ـ أدب القضاء ـ دار الكتب الثقافية ـ بدون مكان طبع أو سنة الطبع.
2. الإمام علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ـ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ـ الطبعة الثانية ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان ــ1424هـ ـ 2003م.
3. الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير القريشي الدمشقي ـ تفسير القرآن العظيم ـ دار المنار للطبع والنشر والتوزيع ـ الطبعة الاولى ـ القاهرة ـ 1423هـ ـ 2002.
4. أحمد النجدي ـ الفواكه العديدة في المسائل المفيدة ـ الطبعة الاولى ـ دمشق ـ 1960. 
5. أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ـ الطبعة الاولى ـ بيروت ـ لبنان ـ1975.
6. برهان الدين ابن فرحون ـ تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام ـ القاهرة ـ 1302هـ.
7. الإمام تقي الدين إبن دقيق العيد ـ إحكام الأحكام في شرح عمدة الاحكام ـ بيت الأفكار الدولية ـ بيروت ـ لبنان ـ2005.
8. جمال الدين محمد بن عبدالله بن مكرم ابن منظور ـ لسان العرب ـ الجزء الخامس عشر ـ دار صادر ـ بيروت.
9. سيد قطب ـ في ظلال القرآن ـ دار احياء التراث العربي ـ الطبعة الخامسة ـ بيروت ـ لبنان ـ1386هـ ـ1967.
10. سيدي محمد الأمين الشنقيطي ـ أضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن ـ دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت ـ لبنان ـ 1415هـ ـ 1995.
11. د. عبد الكريم زيدان ـ أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام ـ الطبعة الأولى ـ بغداد ـ 1963.
12. د. عبد الكريم زيدان ـ المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ـ مؤسسة الرسالة ـ الطبعة الاولى ـ بيروت ـ لبنان ـ 1426هـ ـ 2006م.
13. د. عبد الكريم زيدان ـ مجموعة بحوث فقهية ـ الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ لبنان ـ 1976.
14. د. عبد الكريم زيدان ـ نظام القضاء في الشريعة الإسلامية ـ مطبعة العاني ـ الطبعة الأولى ـ بغداد ـ 1404هـ ـ1984.
15. د. عبد الله محمد الجبوري ـ فقه المعاملات والجنايات ـ2/الجنايات ـ مطبعة التعليم العالي ـ الطبعة الاولى ـ بغداد ـ 1409هـ ـ 1989هـ.
16. عبدالله بن محمود الحنفي الموصلي ـ الاختيار لتعليل المختار ـ دار المعرفة للطباعة والنشر ـ الطبعة الثالثة ـ بيروت ـ لبنان ـ 1395هـ 1975م.
17. الإمام علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ـ المُحلى في شرح المُجلىّ بالحجج والآثار ـ بيت الأفكار الدولية ـ عمان ـ 1424هـ ـ 2003م.
18. الإمام محمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي المعروف بابن القيم الجوزية ـ إعلام الموقعين عن رب العالمين ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان ـ 1417هـ ـ1996.
19. محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي ـ القوانين الفقهية ـ دار العلم للملايين ـ بيروت ـ لبنان ـ 1979.
20. الإمام القاضي محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير بابن الحفيد ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ـ دار إحياء التراث العربي ـ الطبعة الاولى ـ بيروت ـ لبنان ـ1412هـ ـ 1992.
21. الإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ الأم ـ الطبعة الثانية ـ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان ـ 1403هـ ـ 1983م.
22. الإمام محمد بن إسماعيل اليمني الصنعاني ـ سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام ـ تحقيق محمد عبد القادر عطا ـ دار الكتب العلمية ـ الطبعة الثالثة ـ لبنان ـ 2008.
23. محمد الشربيني الخطيب ـ مغني المحتاج ـ مطبعة المكتبة التجارية ـ مصر.
24. السيد محمد رشيد رضا ـ تفسير المنار ـ دار الكتب العلمية ـ الطبعة الاولى ـ بيروت ـ لبنان ـ1420هـ ـ 1999.
25. الإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني ـ نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار ـ بيت الافكار الدولية ـ بيروت ـ لبنان ـ 2004.
26. د. مصطفى إبراهيم الزلمي ـ أسباب اختلاف الفقهاء في الأحكام الشرعية ـ مطبعة شفيق ـ بغداد ـ 1406هـ ـ 1986.
27. الإمام موفق الدين أبو عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي ـ المُغني ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان ـ 1347 هـ.
28. الإمام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ـ شرح المهذب ـ دار الفكر ـ بيروت ـ لبنان.
ثانياً: المصادر القانونية:
1. د. آدم وهيب النداوي ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ مطبعة جامعة بغداد ـ بغداد ـ 1988.
2. د. آدم وهيب النداوي ـ شرح قانون الإثبات ـ جامعة بغداد ـ بغداد ـ 1986.
3. د. آدم وهيب النداوي ود. هاشم الحافظ ـ تاريخ القانون ـ بغداد ـ 1410هـ ـ 1989م.
4. د.باسم محمد صالح ـ القانون التجاري ـ مطبعة جامعة بغداد ـ بغداد ـ 1987.
5. د. توفيق حسن فرج ـ القانون الروماني ـ دروس لطلاب السنة الأولى جامعة بيروت العربية ـ مكتب كريديه إخوان ـ بيروت ـ 1968.
6. د. توفيق حسن فرج ـ قواعد الإثبات في القواعد المدنية والتجارية ـ محاضرات مطبوعة لطلاب جامعة بيروت العربية.
7. حسن عكوش المسؤولية العقدية والتقصيرية في القانون المدني الجديد وفقاً لأحدث التشريعات المعدّلة وأحكام الفقه والقضاء ـ دار الفكر الحديث للطباعة والنشر ـ القاهرة ـ 1973.
8. د. صوفي حسن أبو طالب ـ مبادئ تاريخ القانون ـ القاهرة ـ1971.
9. المرحوم عبد الرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969ـ الطبعة الأولى ـ بغداد ـ 1977.
10. د. عبد السلام الترمانيني ـ الوسيط في تاريخ القانون والنظم القانونية ـ الطبعة الثالثة ـ 1982.
11. عبد القادر عودة ـ التشريع الجنائي في الإسلام ـ الطبعة الثانية ـ مكتبة دار العروبة ـ القاهرة ـ 1378هـ ـ 1959.
12. د. عبد المنعم البدراوي ـ النظرية العامة للقانون والنظرية العامة للحق ـ دار النهضة الطريق الجديد ـ بيروت ـ 1966.
13. د. عبد المنعم البدراوي – المدخل إلى العلوم القانونية ـ دار النهضة العربية الطريق الجديد ـ بيروت ـ 1966.
14. د.عبد المنعم بدر ود. عبد المنعم البدراوي ـ مبادئ القانون الروماني ـ القاهرة ـ 1956.
15. د. علي بدوي ـ أبحاث في التاريخ العام للقانون ـ مصر .
16. علي حيدر ـ درر الأحكام شرح مجلة الأحكام ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان. 
17. د. علي غالب الداودي ـ المدخل إلى علم القانون ـ الطبعة السابعة ـ دار وائل للطباعة والنشر ـ عمان ـ2004.
18. د. فتحي والي ـ قانون القضاء المدني اللبناني ـ بيروت ـ 1970.
19. د. محمد عبد المنعم بدر وعبد المنعم البدراوي ـ مبادئ القانون الروماني ـ القاهرة ـ 1954.
20. د. محمود عبد المجيد المغربي ـ تاريخ القوانين ـ المؤسسة الحديثة للكتاب ـ بيروت.
21. د. منذر الفضل ـ تاريخ القانون ـ مطابع الأرز ـ الطبعة الثانية ـ 1998.
22. المرحوم منير القاضي ـ شرح المجلة ـ الجزء الأول.
23. د. منير محمود الوتري ـ القانون ـ مطبعة الجاحظ ـ بغداد ـ 1989.
24. د. هشام على صادق ود. عكاشة محمد عبد العال ـ تاريخ التنظيم القانوني والاجتماعي ـ الدار الجامعية ـ 1987.
ثالثاً: المجلات:
1. د. عبد الرزاق السنهوري ـ مجلة القضاء ـ العدد الأول ـ السنة الثانية ـ مارس ـ 1936.
رابعاً: المصادر الأجنبية
-Travauo de La Semaine interational de Droit Muslman de paris 2-7 jalley,1953,L.Milliot paris,1953.)
الهوامش

0 تعليق:

إرسال تعليق