بحث بعنوان :
العقـوبات المـالـيَّـة
أعـدّه
عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
الـمُـقدِّمَـة
الحمد لله الذي شرع لنا الدين القويم ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين .
أما بعد :
فإن شريعة الإسلام لما كانت خاتمة الشرائع اشتملت على مصالح العباد في دينهم ودنياهم ، كما تضمّنت من الآداب والأدب ما تُحْفظ به الحقوق ، وتُردع به النفوس المريضة ، وتُكفّ به النـزّعات الجامحة ، وتنتهي النفوس الضعيفة عما تَروم .
كما أن شريعة الإسلام جاءت بِحِفْظِ الكليات والضرورات الخمس .
قال الشاطبي :
الأصول الكلية
التي جاءت الشريعة بِحِفْظِها خمسة : وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال
() .
وقال : تكاليف الشريعة تَرجع إلى حِفظ مقاصدها في الْخَلْق () .
ومن أجل ذلك شُرِعت الحدود والعقوبات .
والعقوبات تنقسم إلى أقسام ثلاثة :
1 – عقوبات متعلقة بالبدن ، وهي العقوبات البدنية ، كالتعزير دون الحدود () .
2 – عقوبات متعلقة بالمال ، وهي العقوبات المالية ، وهي مَناط البحث .
3 – عقوبات مالية وبدنية ، كإلزام من جَامَع قبل التحلل الأول بإتمام حَجِّهِ وإعادته مِن قابِل () ، وهذا من باب العقوبات .
ولأهمية هذه المسائل فقد أحببت بحث مسألة العقوبات المالية حيث جَرى فيها الخلاف بين الفقهاء ، ولأني لم أرَ من بحثها بحثا مُستقلاً .
وعلاقة هذا البحث بآيات الأحكام أن هناك مَن تناول هذه المسالة في تفسير قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية [الأنفال: 41] () .
وهناك مَن تناوله في تفسير قوله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل:126] .
وقد جَعَلتُ البحث في مقدمة وخاتمة ومبحثين .
فالمبحث الأول في تحرير محل النِّـزاع .
والمبحث الثاني في حُكم العقوبات المالية .
وإذا خرّجت الحديث ، فإن كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيتُ بِذكره لشهرتها ، مُكتفياً برقم الحديث ، وإليه الإشارة بحرف (ح) .
وإن كان الحديث في غيرهما ذكرت تصحيحه وتضعيفه مما وقفتُ عليه من كلام أهل العلم قديما وحديثاً .
وإن كان الحديث في غير الصحيحين خرّجته من مسند الإمام أحمد والسُّنن الأربع المشهورة ، ولا أخرج عنها إلا لزيادة فائدة .
وأسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يُلهمنا رُشدنا ، وأن يُجنِّبنا الزلل .
وهذا أوان الشروع في المقصود ، فأقول مُستعيناً بالله :
المبحث الأول
فـي تحرير مـحـلّ الـنـِّـزاع
المبحث الأول :
فـي تحرير محل النِّـزاع
اخْتَلَف العلماء في العقوبات المالية ، من حيث كونها باقية أو منسوخة ، بعد أن اتّفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَمِل بها .
وفرّق بعض العلماء بين العقوبات المالية وبين الحدود .
قال الشافعي : العقوبات غير الحدود ، فأما الحدود فلا تُعطَّل بِحَال ، وأما العقوبات فللإمام تركها على الاجتهاد () .
منشأ الخِـــلاف :
منشأ الخلاف في هذه المسألة هو :
هل العقوبات المالية منسوخة أو لا ؟
فجمهور أهل العِلم على بقاء العقوبات المالية ، وأنها لم تُنْسَخ .
فَيَرى علماء أهل المدينة وعلماء الحديث أن السُّنن والآثار قد جاءت بالعقوبات المالية كما جاءت بالعقوبات البدنية () .
و " أهل المدينة يَرَون العقوبات المالية مشروعة حيث مَضَتْ بها سنة رسول الله وسنة خلفائه الراشدين " () .
وبعض صُوَر العقوبات المالية قولٌ عند الشافعي باعتبار ما بَلَغَه من الحديث ().
وعلّق القول به على صحة الحديث . قال الشافعي : ولا يُثبِتُ أهل العلم بالحديث أن تُؤخَذ الصدقة وشطر إبل الغالّ لِصَدَقَتِه ، ولو ثَبَتَ قُلنا به () .
ويُفهم من كلام الإمام النووي في المجموع القول به () .
وإن كان الشيرازي ادّعى نسخ العقوبات المالية () .
وحكى القول بالنّسخ غير واحد ، منهم حافظ المغرب ابن عبد البر() ، وابن حجـر () ، والبهوتي () .
" وقد أنكر العقوبات المالية من أنكرها مِنْ أهل الكوفة ومن اتَّبَعهم وادَّعوا أنها منسوخة " () .
فهل ثبت النّسخ ؟
وهل توافرت فيه شروط القول به ؟
وهل صحّت الأحاديث في إثبات العقوبات المالية ؟
هذا ما سيتبيّن – إن شاء الله – مِِن خلال المبحث الثاني .
المبحث الثاني
في حُـكم العقوبات المالية
المبحث الثاني :
في حُكم العقوبات المالية
جاء النصّ على العقوبات المالية في أكثر من حديث ، واختلفتْ أنظار العلماء إليها بين تصحيح وتضعيف ، وبين قول بالنّسخ .
وقبل عَرض الْحُكم أسوق ما وقفتُ عليه من أدلّـة هذا الباب :
الدليل الأول : حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أثقل صلاة على المنافقين : صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام ، ثم آمر رجلا فيُصلي بالناس ، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار () .
وفي رواية : لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرتُ فِتياني يُحرقون ما في البيوت بالنار () .
الدليل الثاني : حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون ، ولا يُفرّق إبل عن حسابها ، من أعطاها مُؤتجراً فله أجرها ، ومن منعها فإنا آخذوها وشَطْرَ مَالِه ، عَزمة من عزمات ربنا عز وجل لا يحل لآل محمد منها شيء () .
قال ابن القيم : وقد قال علي بن المديني : حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح . وقال الإمام أحمد : بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده صحيح . وليس لمن ردّ هذا الحدث حُجة ، ودعوى نسخه دعوى باطلة إذ هي دعوى ما لا دليل عليه ، وفي ثبوت شرعية العقوبات المالية عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت نسخها بحجة ، وعَمِلَ بها الخلفاء بعده () .
وقال العيني : أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح إلى بهز () .
وقال ابن حجر : رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي من طريق بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده . وقد قال يحيى بن معين في هذه الترجمة : إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة () .
وقال أيضا " وقال ابن الطلاع في أوائل الأحكام : بهز مجهول . وقال ابن حزم : غير مشهور بالعدالة . وهو خطأ منهما ، فقد وثّقَه خَلْق من الأئمة ، وقد استوفيت ذلك في تلخيص التهذيب ، وقال البيهقي وغيره : حديث بهز هذا منسوخ ، وتعقبه النووي بأن الذي ادَّعوه من كون العقوبة كانت بالأموال في الأموال في أول الإسلام ليس بثابت ولا معروف ، ودعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ () .
كما قال : واعتمد النووي ما أشار إليه ابن حبان من تضعيف بهز ، وليس بِجَيِّد ؛ لأنه موثّق عند الجمهور ، حتى قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح إذا كان دون بهز ثقة () . وقال الترمذي : تكلّم فيه شعبة ، وهو ثقة عند أهل الحديث ، وقد حسَّن له الترمذي عدة أحاديث ، واحْتَجّ به أحمد وإسحاق ، والبخاري خارج الصحيح ، وعلّق له في الصحيح () .
وفي الجرح والتعديل : قال أبو زرعة : بَهـز بن حكيم صالح ، ولكنه ليس بالمشهور () .
وقال الذهبي : الإمام الْمُحَدِّث أبو عبد الملك القشيري البصري له عدة أحاديث عن أبيه عن جده () .
ونقل ابن الأثير عن الحربي أنه قال : غَلِط بهزٌ الراوي في لفظ الرواية ، وإنما هو : " وشُطِر مالِه " ، أي يجعل مَاله شطرين ويَتخيّر عليه المصَّدِّق ، فيأخذ الصدقة من خير النِّصْفَين عقوبة لمنعه الزكاة ، فأما مالا تلزمه فلا . ثم ردّه بنقل قول الخطابي في قول الحربي : لا أعرف هذا الوجه () .
ودعوى غَلَط بهز بعيدة ومردودة ، فقد قال ابن القيم :
وقول الحربي إنه " وشُطِر " بوزن شغل - في غاية الفساد ، ولا يَعرفه أحد من أهل الحديث ، بل هو من التصحيف ، وقول ابن حبان : لولا حديثه هذا لأدخلناه في الثقات . كلام ساقط جداً ، فإنه إذا لم يكن لضعفه سبب إلاّ روايته هذا الحديث ، وهذا الحديث إنما رُدّ لضعفه كان هذا دوراً باطلاً ، وليس في روايته لهذا ما يُوجب ضعفه ، فإنه لم يخالف فيه الثقات .
وهذا نظير رد مَنْ رَدّ حديث عبد الملك بن أبي سليمان بحديث جابر في شفعه الجوار ، وضعّفه بكونه روى هذا الحديث . وهذا غير موجب للضعف بحال () .
وإنما يُثبت الغلَط إذا عُرف الْمُقابِل . فأين هي الرواية التي تُقابِل رواية بهز حتى يُحكم على رواية بهز بالغلط ؟
وقد قال الشافعي : ليس الشاذ من الحديث أن يَروي الثقة ما لا يَرويه غيره ، هذا ليس بِشَاذّ ،إنما الشاذ أن يَروِي الثقة حديثاً يُخالِف فيه الناس () .
نعم . لو وُجِد من روى الحديث بخلاف رواية بهز لكان للترجيح أو القول بالغلط وجـه ، أما مع عدم الْمُعارِض فلا وجه لتغليط الراوي .
ولذلك قال ابن عدي : لَم أرَ له حديثا مُنكراً ، ولم أرَ أحداً من الثقات يَختلف في الرواية عنه () .
وقال الشوكاني : وثَبَت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال – فَذَكَرَه – () .
وقال الألباني : حَسَن () .
وخلاصة القول أن هذا الحديث حَسَن من أجل الكلام في رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جدِّه ، " وجَدّ بهز بن حكيم اسمه معاوية بن حيدة القشيري " () .
وسبق القول بأنه " احْتَجّ به أحمد وإسحاق ، والبخاري خارج الصحيح ، وعلّق له في الصحيح " .
وتعليق البخاري له في باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ، ومن تَسَتَّر فالتستّر أفضل . وقال بهز عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يُستحيا منه من الناس () .
فهذا تعليق بصيغة الجزم .
وقال الترمذي : حديث بهز عن أبيه عن جده حديث حسن () .
فَثَبَت بهذا الحديث من جهة إسناده .
وبقي الكلام في النّسخ ، وسيأتي لاحقـاً – إن شاء الله - .
الدليل الثالث : حديث سويد بن مقرن رضي الله عنه قال : لقد رأيتني سابع سبعة من بني مُقرِّن مالنا خادم إلا واحدة لطمها أصغرنا ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها
وفي رواية : لقد رأيتني وإني لسابع إخوة لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما لنا خادم غير واحد فَعَمِدَ أحدُنا فَلَطَمَهُ ، فأمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقه () .
ومثله حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال : كنت أضرب غلاماً لي بالسوط ، فسمعت صوتا من خلفي اعلم أبا مسعود ، فلم أفهم الصوت من الغضب . قال : فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول : اعلم أبا مسعود . اعلم أبا مسعود . قال : فألقيت السوط من يدي ، فقال : اعلم أبا مسعود أن الله أقـدر عليك منك على هـذا الغلام . قال : فقلت : لا أضرب مملوكا بعده أبداً .
وفي رواية : فقلت يا رسول الله هو حُـرٌّ لوجه الله ، فقال : أما لو لم تفعل للفحتك النار ، أو لمستك النار () .
وفي معناه حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال : كانت لي جارية تَرعى غنماً لي قِبَل أُحُدٍ والجوانية فاطّلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسَفُون ! لكني صككتها صَكّة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظَّم ذلك عليّ . قلت : يا رسول الله أفلا أعتقها ؟ قال : ائتني بها ، فأتيته بها ، فقال لها : أين الله ؟ قالت : في السماء . قال : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله . قال : أعتقها فإنها مؤمنة () .
الدليل الرابع : حديث البراء بن عازب قال : لقيت خالي ومعه الراية ، فقلت : أين تريد ؟ قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ مالَـه () .
قال الشوكاني : " وفيه أيضا متمسك لقول مالك أنه يجوز التعزير بالقتل . وفيه دليل أيضا على أنه يجوز أخذ مال من ارتكب معصية مُستَحِلاً لها بعد إراقة دمه () .
والحديث احتجّ به ابن حزم () .
وقال الألباني : صحيح () .
الدليل الخامس : حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلَّق . فقال : من أصاب منه بِفِيهِ من ذي حاجة غير مُتّخِذ خُبْنَة () فلا شيء عليه ، ومن خَرَج بشيء فعليه غرامة مِثليه والعقوبة ، ومن سَرَق منه شيئا بعد أن يؤويه الْجَرين () فبلغ ثمن الْمِجَنّ فعليه القطع () .
وفي رواية قال سمعت رجلاً من مُزينة يَسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الْحَرِيسَة () التي تُوجد في مراتعها . قال : فيها ثمنها مرتين وضَرْب نكال ، وما أُخِذ من عَطَنِه () ففيه القطع إذا بلغ ما يُؤخذ من ذلك ثمن المجن .
قال : يا رسول الله فالثمار وما أُخذ منها في أكمامها ؟ قال : إن أخذ بِفَمِه ولم يَتَّخِذَ خَبنة فليس عليه شيء ، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال ، وما أُخِذ مِنْ أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يُؤخذ من ذلك ثمن الْمِجَنّ .
" قال الطحاوي : هذا الحديث تلقّت العلماء مَتْنَه بالقبول " () .
وقال الألباني : حسن () .
الدليل السادس :
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثوبين مُعصفرين ، فقال : أأمك أمرتك بهذا ؟! قلت : أغْسِلْهُما . قال : بل أحرقهما () .
الدليل السابع : عَمَل الصحابة رضي الله عنهم بالعقوبات المالية () .
الدليل الثامن : دليل عقلي : وهو إذا كان يجوز أن يُعزّر بالقتل ، فالمال لا شك أنه دون الـنّفس فيُمكن أن يُعزّر به .
وممن يُجوِّز التعزير بالقتل في الذنوب الكبار - أصحاب أبى حنيفة في مواضع يُسَمُّون القتل فيها سياسة ، كقتل من تكرر لواطه ، أو قَتْله بالمثقل ، فإنهم يُجوِّزون قتله سياسة وتعزيرا () .
كما أن الصحابة رضي الله عنهم قاتَلُوا من فرّق بين الصلاة والزكاة ، وقاتلوا من مَنَع الزكاة .
فهذه الأحاديث بمجموعها صحيحة ، وإن تُكلِّم في بعض أسانيدها ، إلا أن ما يُخص البحث هو ما يتعلّق بالعقوبات المالية ، وهذا واضح في الأحاديث إجمالاً .
أما على تفصيل الدلالات فأقول :
الحديث الأول : صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم هَمَّ بتحريق بيوت الذين يتخلّفون عن صلاة الجماعة ، وما مَنَعه عليه الصلاة والسلام من ذلك إلا لما فيها من النساء والذّريّة ، كما تقدّم بيانه .
وهذه عقوبة مالية .
والحديث الثاني : أصرح شيء في الباب ، ولذلك كثُر الكلام حوله ، وادّعاء نسخه .
والحديث الثالث : فيه أمْر النبي صلى الله عليه وسلم بعتق الخادم () ، وهو عقوبة مالِيّة ، فإنه إذا أعتقه من أجل عقوبته إياه كانت عقوبة له ، فلم ينتفع به من ناحية خدمته ولا من ناحية بيعِه .
ومثله حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم لـه : أما لو لم تفعل للفحتك النار ، أو لمستك النار .
وهذا يعني أن أبا مسعود عُوقِب في مالِه لينجو من العقوبة الأخروية .
وكذلك أمْر النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن الْحَكَم السلمي بإعتاق الجارية ، هو عقوبة في مالِه .
فمُلك اليمين يُعتبر من مالِ الإنسان ، فإذن اُعتِق عليه فقد عُوقِب في مالِه .
والحديث الرابع : سبق فيه قول الشوكاني : وفيه أيضا متمسك لقول مالك أنه يجوز التعزير بالقتل . وفيه دليل أيضا على أنه يجوز أخذ مال من ارتكب معصية مُستَحِلاً لها بعد إراقة دمـه .
فإذا أُريق دمـه لم يكن ماله بأعزّ من دمِـه ، وهو قياس الأولى .
والحديث الخامس : فيه " ومن خَرَج بشيء فعليه غرامة مِثلَيه والعقوبة " .
فهذه عقوبتان : مالية وبدنية .
فالمالية : غَرامة مثليه ، وهي صريحة أنها في مالِه .
والبدنيّة : العقوبة المطلَقَة ، ويُرجع في تقديرها إلى الحاكم .
وفي بعض رواياته : " فيها ثمنها مرتين وضَرْب نكال " .
وهذا صريح في التّغريم ، وهو مُتعلّق بالمال .
والحديث السادس : صريح في إحراق الثياب المعصْفَرَة ، وهو عقوبة مالية واضحة
وقال النووي : قال بعضهم : في هذا الحديث دليل على أن العقوبة كانت في أول الأمر بالمال ، لأن تحريق البيوت عقوبة مالية ، وقال غيره : أجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغالّ من الغنيمة ، واختلف السلف فيهما ، والجمهور على منع تحريق متاعهما () .
والدليل السابع : عَمَل الصحابة رضي الله عنهم ، دليل على عدم النسخ ، خاصة وانه لا يُعرف لهم مُخالِف .
وعَمل الصحابي حجّة على الراجح () .
والدليل الثامن : دليل عقلي ، وهو موافق للأدلة النقلية المتقدِّمـة .
فإذا ثبتت الأدلة من الناحية الحديثية ، وشهِد بعضها لبعض ، فهل هي منسوخة ؟
هذا ما سوف يتبيّن في المسألة التالية :
مسـألــة :
هل ثبت القول بالنسخ في هذه الأحاديث ؟
أولاً : لا يُقال بالنّسخ إلا بشروط ثلاثة :
أحدها : أن يتعذّر الجمع بين النصوص ، فإن أمكن الجمع فلا يُعدل عنه .
وثانيها : أن يُعرف التاريخ ، فيُعرف الْمُتقدِّم من المتأخِّر .
وثالثها : أن تتكافأ الأدلة من حيث الصحة .
قال ابن حزم : القولين إذا تَعارضا وأمكن أن يُستَثْنَى أحدهما من الآخر فيُسْتَعملان جميعاً لم يَجُز غير ذلك ، وسواء أيقنّا أيهما أول أو لم نُوقِن ، ولا يجوز القول بالنسخ في ذلك إلا ببرهان جلي من نص أو إجماع أو تعارض لا يمكن معه استثناء أحدهما من الآخر () .
وقال في مناقشة خصومه : فنقول لهم - وبالله تعالى نتأيد - : إن كان هذا الخبر عندكم حجة فخُذُوا بما فيه من أن مانع الزكاة تؤخذ منه وشطر إبله زيادة !
فإن قلتم : هذا منسوخ . قلنا لكم : هذه دعوى بلا حجة () .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومن قال : إن العقوبات المالية منسوخة وأطلق ذلك عن أصحاب مالك وأحمد فقد غلِط على مذهبهما ، ومن قاله مُطلقا من أي مذهب كان فقد قال قولاً بلا دليل ، ولم يجيء عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء قط يقتضى أنه حرّم جميع العقوبات المالية ، بل أخْذ الخلفاء الراشدين وأكابر أصحابه بذلك بعد موته دليل على أن ذلك مُحْكَم غير منسوخ ، وعامة هذه الصور منصوصة عن أحمد ومالك وأصحابه ، وبعضها قول عند الشافعي باعتبار ما بلغه من الحديث ، ومذهب مالك وأحمد وغيرهما أن العقوبات المالية كالبدنية تنقسم إلى : ما يُوافق الشرع ، وإلى ما يخالفه . وليست العقوبة المالية منسوخة عندهما ، والْمُدَّعون للنسخ ليس معهم حجة بالنسخ لا من كتاب ولا سنة ، وهذا شأن كثير ممن يخالف النصوص الصحيحة والسنة الثابتة بلا حجة إلا مجرد دعوى النسخ ، وإذا طُولِبَ بالناسخ لم يكن معه حجة () .
وقال الشيخ أحمد شاكر : إذا تعارض حديثان ظاهراً ، فإن أمكن الجمع بينهما فلا يُعدَل عنه إلى غيره بِحالٍ ، ويجب العمل بهما () .
وقال الشنقيطي ، حيث قال : وإنما قلنا إن هذا القول أرجح عندنا لأن الجمع واجب إذا أمكن ، وهو مقدم على الترجيح بين الأدلة كما علم في الأصول () .
وقال الشيخ ابن باز تعليقاً على قول ابن حجر : " وتُعُقِّب بأنه منسوخ كما قيل في العقوبة بالمال " () : وجزم الشارح بالنّسخ ليس بجيِّد ، والصواب : عدم النسخ لأدلة كثيرة معروفة في محلِّها ، منها : حديث الباب ، وإنما المنسوخ التعذيب بالنار ()
فَثَبت بهذا أن الأحاديث مُحْكَمة وليست بمنسوخة ، وذلك لأمور :
1 – ثبوت الأحاديث ولا مُعارِض لها .
2 – عدم معرفة الْمُتقدِّم من المتأخِّر .
3 – إمكانية الجمع بين الأحاديث .
4 - عمل الصحابة والتابعين بها ، بل وعمل الخلفاء والأئمة من بعدهم .
حُـكْم المسـألـة :
جواز العقوبة بالمال ، وهي الغرامـة .
وعَمِل به الصحابة رضي الله عنهم فَمَن بعدهم من التابعين والخلفاء من بعد .
ذِكْر مَن قال بذلك :
قال ابن خويز منداد : ورُوي أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ضَرَبا الغالّ وأحْرَقَـا متاعه () .
وغرّم عُمرُ بن الخطّاب حاطبَ بن أبي بلتعة ضعف ثمن ناقة الْمُزني لما سَرَقها رَقِيقُه ورُوي عن جماعة من الصحابة أنهم جَعَلوا دِية من قُتِل في الحرم – دِية وثُلثاً ، وهو مذهب أحمد بن حنبل () .
ولما قدم علينا عمر بيت المقدس أعطى عبادةُ بن الصامت رجلاً من أهل الذِّمة دابته يمسكها فأبى عليه فَشَجَّه موضِّحَة ، ثم دخل المسجد ، فلما خرج عمر صاح النبطي إلى عمر ، فقال عمر : من صاحب هذا ؟ قال عبادة : أنا صاحب هذا ، فقال: ما أردت إلى هذا ؟ قال : أعطيته دابتي يُمسِكها فأبى وكنت امرءاً فيّ حدّ . قال : أمّا لا ، فاقْعُد للقَوَد . فقال له زيد بن ثابت : ما كنت لِتُقِيد عبدك من أخيك . قال : أما والله لئن تَجَافَيْتَ لك عن القَوَد لأُعنِّتُك في الدِّيَة ، أعطه عَقْلَها مرتين ().
والشاهد أن عُمر ضاعف الدِّية على عُبادة ، وهذه عقوبة مالية .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : والتعزير بالعقوبات المالية مشروع أيضا في مواضع مخصوصة في مذهب مالك في المشهور عنه ، ومذهب أحمد في مواضع بلا نزاع عنه ، وفى مواضع فيها نزاع عنه ، والشافعي في قول ، وإن تنازعوا في تفصيل ذلك كما دلّت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل إباحته سَلْب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وَجَدَه ، ومثل أمْره بِكسْر دِنان الخمر وشقّ ظُروفه ، ومثل أمره عبد الله بن عمر بِحَرْق الثوبين المعصفرين ، وقال له : أغْسِلْهُما ؟ قال : لا ، بل أحرقهما . ... ومِثْل أمْر عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر ومثل أخذ شطر مال مانع الزكاة ، ومثل تحريق عثمان بن عفان المصاحف المخالفة للإمام ، وتحريق عمر بن الخطاب لكُتب الأوائل ، وأمْره بتحريق قصر سعد بن أبى وقاص الذي بناه لما أراد أن يحتجب عن الناس ، فأرسل محمد بن مسلمة وأمره أن يُحَرّقه عليه ، فذهب فَحَرّقه عليه ، وهذه القضايا كلها صحيحة معروفة عند أهل العلم بذلك ، ونظائرها متعددة
() .
وكان سالم بن عبد الله بن عُمر في غزاة فَوَجَدَ رجلاً قد غَلّ ووُجد في متاعه مُصحفاً ، فأُحْرِق متاعه كله إلا المصحف . قال سالم : بيعوه فتصدقوا به () .
وعن الْحَسَن في الذي يَغُلّ . قال : يَحْرَق رَحْله () .
وعن إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبى فروة أن رجلا يُقال له زياد غَلّ شَعراً من الغنم ، فأُتي به سعيد بن عبد الملك فجمع ماله فأُحْرِق ، وعمر بن عبد العزيز حاضر ذلك فلم يَعِبْه () .
وروى عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد قال : أخبرني صالح بن محمد أنه شهد رجلا يقال له زياد يتبع غلا في سبيل الله في أرض الروم ، فاستُفتي فيه سالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز ورجاء بن حيوة ، فكلهم أشاروا أن يُجلَد جَلْداً وجيعاً ، ويُجمع متاعه إلا الحيوان فيُحْرَق ، ثم يُخْلَى سبيله في سراويله ، ويَعطى سيفه قط () .
وروى عن الثوري عن يونس بن عبيد قال : كان يُؤمر بالرجل إذا غلّ ، يُؤمر ِرَحْلِه فيُبْرَز فيُحْرَق . قال : وقال عمرو عن الحسن : ويُحْرَم نصيبه من المغنم () .
وروى عن ابن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول قال : يَجمَع رَحْله فيُحْرَق () .
قال القرطبي : لم يَختَلِف مذهب مالك في العقوبة على البدن ، فأما في المال فقال في الذمي يبيع الخمر من المسلم : تُراق الخمر على المسلم ويُنْزَع الثمن من الذمي عقوبة له لئلا يبيع الخمر من المسلمين ، فعلى هذا يجوز أن يُقال تجوز العقوبة في المال ، وقد أراقَ عمر رضي الله عنه لَبَنَاً شِيب بماء () .
قال ابن عبد البر : وقد اختلف العلماء في عقوبة الغالّ .
فقال الأوزاعي ومحمد بن عبد العزيز ، وهو قول مكحول : يَحْرَق متاع الغالّ كله .
قال الأوزاعي : إلا سلاحه وثيابه التي عليه وسَرجه ، ولا تُنتزع منه دابة ، ويُحْرَق سائر متاعه كله إلا الشيء الذي غلّ فإنه لا يُحرَق . قال : ولا عقوبة عليه غير ذلك .
وقال أحمد وإسحاق في عقوبة الغال : يُحرَق متاعه ورَحْله ، كقول الأوزاعي .
ورُوي عن الحسن البصري أنه قال : يُحرَق جميع رحله إلا أن يكون حيوانا أو مصحفاً .
وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والليث بن سعد : لا يُحرّق رَحْل الغالّ ، فلا يعاقب إلا بالتعزير على اجتهاد الأمير .
وقال الشافعي وداود : إن كان عالما بالنهي عُوقِب ، وهو قول الليث () .
وقال الخطابي : وقال أحمد في الرجل يَحمل الثمرة في أكمامها : فيه القيمة مرّتين ، وضَرْب نَكال . وقال : مَن درأنا عنه الحدّ ضاعفنا عليه الغُرْم () .
قال ابن العربي : إذا غلّ الرجل في المغنم فوجدناه أخذناه منه وأدَّبناه ، خلافا للأوزاعي وأحمد وإسحاق من الفقهاء وللحسين من التابعين حيث قالوا : يُحرَق رحله إلا الحيوان والسلاح . قال الأوزاعي : إلا السَّرج والإكاف لحديث أبي داود عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه () .
وقال ابن القيِّم في فوائد أقضيته صلى الله عليه وسلم : إثبات العقوبات المالية ، وفيه عِدة سنن ثابتة لا معارض لها ، وقد عمل بها الراشدون وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وأكثر من عَمِلَ بها عمر رضي الله () .
وهذا ما رجّحه الشنقيطي ، حيث قال : الذي يظهر لي رجحانه في هذه المسألة هو ما اختاره ابن القيم قال في (زاد المعاد) بعد أن ذكر الخلاف المذكور في المسألة والصواب أن هذا من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة إلى اجتهاد الأئمة فإنه حرق وترك وكذلك خلفاؤه من بعده ونظير هذا قتل شارب الخمر في الثالثة أو الرابعة فليس بحد ولا منسوخ وإنما هو تعزير يتعلق باجتهاد الإمام () .
وقال الحافظ العراقي في حديث تحريق البيوت على الْمُتخلِّفين عن الصلاة :
فِيهِ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ مِنْ قَوْلِهِ " نُحَرِّقُ بُيُوتًا " وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْعُقُوبَاتِ بِالْمَالِ مَنْسُوخَةٌ بِنَهْيِهِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَقَدْ يُقَالُ : هَذَا مِنْ بَابِ مَا لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلا بِهِ ؛ لأَنَّهُمْ قَدْ يَخْتَفُونَ فِي مَكَان لا يُعْلَمُ فَأَرَادَ التَّوَصُّلَ إلَيْهِمْ بِتَحْرِيقِ الْبُيُوتِ () .
وقد تقدّم قول شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا القول لم يقُل به الجمهور .
وأما التعليل بالمنع من العقوبات المالية بإضاعة المال لا يستقيم ؛ فلا يستقيم أيضا لأن الذي نهى عن إضاعة المال هو الذي أمَرَ بالعقوبات المالية .
فدعوى النسخ لا يُسلَّم بها ، ولم يدلّ دليل على النّسخ .
فإن قيل :
ما هي حُدود العقوبات المالية ؟
وهل تـَسْري على كل أحـد ؟
فالجواب :
أن " العقوبة إنما تَسُوغ إذا كان المعاقب مُتَعَدِّيـاً بِمَنْعِ واجب أو ارتكاب محظور ، وأما ما تولّد من غير جنايته وقَصْدِه فلا يُسَوِّغ أحدٌ عقوبته عليه " () .
فَمَنْع الواجب كَمَن امتنع عن أداء زكاته ، فإنها تؤخذ منه وشطر مالِه .
وارتكاب المحظور كَمَن أخذ من حائط غيره ، أو تعدّى على ماشية غيره في مراتعها
أما ما عدا ذلك مما لم يكن فيه تفريط ولا تعدّي فإنه لا يُعاقَب في مالِه .
وهذا بخلاف الدِّيات والأرْش () .
أما ما يتعلق بالحقوق المالية :
فقد قال الإمام النووي:
" الحقوق المالية الواجبة لله تعالى ثلاثة أضرب ، وقد أشار إليها المصنف :
ضَرْبٌ يجب لا بسبب مباشَرة من العبد ، كزكاة الفطر ، فإذا عجز عنه وقت الوجوب لم يَثبت في ذِمّته ، فلو أيْسَر بعد ذلك لم يجب .
وضَرْبٌ يجب بسبب من جهته على جهة البدل ، كجزاء الصيد ، وفِدية الْحَلْق والطيب واللباس في الحج ، فإذا عجز عنه وقت وجوبه ثَبَتَ في ذِمّته تغليباً لمعنى الغرامة ؛ لأنه إتلاف محض .
وضَرْبٌ يجب بسببه لا على جهة البدل ، كَكَفّارَةِ الجماع في نهار رمضان ، وكفارة اليمين ، والظهار ، والقتل " () .
وهذا يُبيِّن الفرق بين الحقوق المالية والعقوبات المالية .
كما سبقت الإشارة إلى الفرق بين الحدود والعقوبات .
وبالله التوفيق .
الـخاتـمـة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
هذه خاتمة المطاف ، ومن خلال هذا البحث اتّضحت أمور ، وتبيّنت معالم ، أوجزها في هذه النُّقاط :
1 – ثبوت العقوبات المالية ، والعمل بالغرامات المالية ، وأن ذلك مُحكَم لم يُنسخ وأن الأدلة فيه كثيرة ، إذ بلغت في هذه العُجالة ثمانية أدلّة من غير استقراء تام ، ومن غير تتبّع كامل .
2 – حِكمة الشريعة الإسلامية في تنويع العقوبات التي تُلائم كل زمان ومكان ، وتُوافق طبائع النفوس ، فبعض النفوس لا يردعها العقاب البدني ، وإنما يردعها العقاب المالي ، فتُردع بالعقوبة المالية في محلِّها .
وللإمام أن يُعاقِب بالعقوبة المالية إذا رأى أن ذلك أدعى للرّدع .
3 – ينبغي التفريق بين العقوبات المالية وبين المكوس ( الضرائب ) ، فالعقوبات المالية بِحقّ وقد عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده .
أما المكوس فقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم منها أبلغ تحذير ، ويكفي في هذا الباب قوله عليه الصلاة والسلام : لا يدخل الجنة صاحب مَكس . يعني : العَشَّار ()
4 – كما ينبغي التفريق بين العقوبات والحدود والكفّارات .
5 – أنه ينبغي لطالب العِلم البحث والتحرِّي والتدقيق ، وان لا يكتفي بقول عالمٍ واحد ، بل عليه أن يَجمع الأقوال لتستبين له المسائل .
الـمـراجـِــع
الأحاديث المختارة ، تأليف الحافظ ضياء الدين المقدسي . ط. مكتبة النهضة الحديثة ، مكة ، الأولى ، 1410 تحقيق عبد الملك بن دهيش .
الإحكام في أصول الأحكام ، تأليف ابن حزم الظاهري . ط. دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1405
إراواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل ، تأليف الشيخ الألباني . ط. المكتب الإسلامي ، الأولى ، 1399
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار ، تأليف الحافظ ابن عبد البر القرطبي . ط. مؤسسة الرسالة .
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، تأليف الإمام الشنقيطي . ط.دار الكتب العلمية ، بيروت ، الثانية ، 1424 ، تخريج محمد بن عبد العزيز الخالدي .
الأم ، تأليف الإمام الشافعي . ط. دار المعرفة ، بيروت ، الثانية ، 1393
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ، تأليف الشيخ أحمد شاكر . ط. دار العاصمة ، الرياض ، الأولى 1415 ، تحقيق علي بن حسن الحلبي .
تاريخ ابن معين رواية الدوري . ط. مركز البحث العلمي ، مكة ، الأولى 1399 ، تحقيق أحمد نور سيف .
تاريخ ابن معين رواية عثمان الدارمي . ط. دار المأمون للتراث ، 1400 ، تحقيق أحمد نور سيف .
التعاريف ، تأليف الحافظ المناوي . ط. دار الفكر الراقي ، بيروت ، دمشق ، الأولى 1410 ، تحقيق د. محمد رضوان .
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ، تأليف الحافظ ابن حجر ، 1384 تحقيق السيد عبد الله هاشم اليماني .
جامع الترمذي . تأليف الإمام محمد بن عيسى الترمذي . ط . دار إحياء التراث ، بيروت . تحقيق أحمد شاكر وآخرون .
الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأيامه . تأليف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري . ط . دار ابن كثير ودار اليمامة . الثالثة 1407
الجامع لأحكام القرآن ، تأليف الإمام محمد بن أحمد القرطبي . ط. دار الشعب ، القاهرة .
حاشية ابن القيم على سُنن أبي داود ، تأليف الإمام بن قيم الجوزية . ط. دار الكتب العلمية ، بيروت ، الثانية ، 1415
زاد المعاد في هدي خير العباد ، تأليف الإمام ابن قيم الجوزية . ط. مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الرابعة عشر ، 1407 ، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤوط .
سنن أبي داود . تأليف الإمام سليمان بن الأشعث السجستاني . ط . المكتبة العصرية .
السنن الكبرى ، تأليف الإمام البيهقي . ط. مكتبة دار الباز ، مكة ، 1414 ، تحقيق محمد عبد القادر عطا .
سُنن النسائي ، تأليف الإمام النسائي . ط. مكتب المطبوعات ، حلب ، الثانية ، 1406 ، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة .
سنن سعيد بن منصور ، تأليف سعيد بن منصور . ط. دار الصميعي ، الرياض ، الأولى 1414 ، تحقيق الشيخ سعد الحميد .
سير أعلام النبلاء ، تأليف الإمام محمد بن أحمد الذهبي . ط. مؤسسة الرسالة ، بيروت السابعة 1410 تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرون .
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ، تأليف الإمام الشوكاني . ط. دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1405 ، تحقيق محمود زايد .
شرح مُختصر الروضة ، تأليف الإمام الطوفي . ط. وزارة الشؤون الإسلامية . الثانية ، 1419 ، تحقيق د . عبد الله التركي .
شرح منتهى الإرادات ، تأليف الإمام البهوتي . ط. عالم الكتب ، بيروت ، الثانية ، 1996
صحيح سنن
أبي داود ، تأليف الشيخ الألباني .
صحيح سُنن النسائي ، تأليف الشيخ الألباني .
صحيح مسلم . تأليف الإمام مسلم بن الحجاج القشيري . ط . دار الحديث . الأولى 1412
ضعيف سُنن أبي داود ، تأليف الشيخ الألباني .
طرح التثريب في شرح تقريب الأسانيد ، تأليف الحافظ العراقي وولده . ط. مكتبة نزار الباز ، مكة ، الثانية ، 1420 ، تحقيق حمدي الدمرداش .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري ، تأليف الإمام العيني . ط. دار إحياء التراث ، بيروت .
غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود ، تأليف أبو إسحاق الحويني . ط. دار الكتاب العربي ، بيروت ، الأولى ، 1408
فتح الباري بشرح صحيح البخاري . تأليف الحافظ أحمد بن علي العسقلاني . ط . بتحقيق الشيخ / عبد القادر شيبة الحمد ، وَ ط. دار المعرفة .
الكامل في ضعفاء الرِّجال ، تأليف الحافظ ابن عدي . ط. دار الفكر ، بيروت ، الثالثة 1409 ، تحقيق يحيى مختار غزاوي .
كشاف القناع تأليف الإمام البهوتي . ط. دار الفكر ، بيروت ، 1402
لسان العرب ، تأليف ابن منظور الأفريقي . ط. دار صادر ، بيروت ، الأولى .
المجموع شرح المهذب ، تأليف الإمام النووي . ط. دار الفكر ، بيروت ، 1997
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد . ط. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، 1415
المحلى ، تأليف الإمام ابن حزم الظاهري . ط. دار الآفاق الجديدة ، بيروت .
مسند الإمام أحمد بن حنبل ، تأليف الإمام أحمد بن محمد بن حنبل . ط. مؤسسة قرطبة مصر . وَ ط. مؤسسة الرسالة ، الأولى 1420
مصنف عبد الرزاق ، تأليف الإمام عبد الرزاق الصنعاني . ط. المكتب الإسلامي ، بيروت ، الثانية 1403 ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي .
مصنَّف ابن أبي شيبة ، تأليف ابن أبي شيبة . ط. دار الرشد ، الرياض ، الأولى 1409 تحقيق كمال الحوت .
معالم السنن شرح سُنن أبي داود ، تأليف الإمام الخطابي . ط. دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1411 ، بعناية عبد السلام عبد الشافي .
معرفة علوم الحديث ، تأليف الإمام الحاكم . ط. دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1397 ، تحقيق السيد معظم حسين .
المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، تأليف الإمام النووي . ط. دار إحياء التراث ، بيروت ، الثانية ، 1392
المهذب ، تأليف الإمام الشيرازي . ط. دار الفِكر ، بيروت .
الموافقات ، تأليف الإمام الشاطبي . ط. دار المعرفة ، بيروت ، الثانية ، 1395
النهاية في غريب الحديث ، تأليف الإمام المبارك بن محمد الجزري ( ابن الأثير ) . ط. المكتبة العلمية ، بيروت ، 1399 ، تحقيق طاهر الزواوي ، ومحمود الطناحي .
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ، تأليف الإمام الشوكاني . ط. دار الجيل ، بيروت ، 1973
الفهـارس
الرقم
الموضوع
الصفحة
الـمقَـدِّمَــة
3
المبحث الأول : فـي تحرير محل النِّـزاع
6
المبحث الثاني : في حُـكم العقوبات المالية
9
سياق الأدلـة
9 - 16
دلالات الأدلّـة
16
هل ثبت القول بالنسخ في هذه الأحاديث ؟
19
حُـكْم المسـألـة وذِكْر مَن قال بذلك
21
ما هي حُدود العقوبات المالية ؟
25
ما يتعلق بالحقوق المالية
26
الخاتـمـة
27
المراجع
28
الفهارس
32