آثار عقد التأليف

 آثار عقد التأليف
أعداد
الدكتور
نصير صبار لفته
رئيس قسم القانون الخاص
كلية القانون_ جامعة القادسية
بحث منشور في العراق_بغداد، مجلة القانون المقارن :العدد /42 سنة 2006 (مقبول للنشر في 26 / 3 /2005 )
المحتويات
المقدمة 1
المبحث الأول: التزامات المؤلِف 3
المطلب الأول: الالتزام بتقديم المؤلَف 3
المطلب الثاني: الالتزام بالسرية 9
المبحث الثاني:التزامات الناشر 15
المطلب الأول: الالتزام بدفع المقابل 15
المطلب الثاني: الالتزام بالتعاون 18
المطلب الثالث: التزام الناشر بعدم الاعتداء
على الحقوق المقررة للمؤلِف 22
الخاتمة 35
قائمة المراجع 37
المقدمة
يعد عقد التأليف من العقود الملزمة لجانبين، إلى جانب كونه عقداً من عقود المعاوضة
. فهو المصدر الأساسي لالتزامات إطرافه وإن هذه الالتزامات تجد قوتها الملزمة في العقد ويتعين الوفاء بها طبقاً لمبدأ حسن النية وفي كافة مراحل تنفيذ العقد(). وتلك الالتزامات متنوعة يخرج بعضها عن مألوف التزامات الإطراف في العقود القانونية الأخرى.
وتأسيساً على ذلك فإن دراسة آثار عقد التأليف يقتضي منا بيان التزامات كل طرف فيه، هذه الالتزامات التي تتقابل فيما بينها بحيث يمكن القول إن أداء كل طرف لالتزاماته مرتبطة أشد الارتباط بأداء الطرف الآخر لالتزامه. وإذا كنا سنقف على هذه الالتزامات الخاصة، فانه يمكننا القول أن ثمة التزاماً رئيسياً يقع على عاتق المؤلِف هو ما يعبر عنه بالالتزام بالتأليف ((L'obligation de ouvrage)). هذا الالتزام الذي لن يستطيع المؤلِف القيام به إلا إذا كان يقابله قيام الناشر بالوفاء بالالتزام بالتعاون.
هذا الالتزام الذي يقع على عاتق الناشر في اغلب الأحوال ينص عليه صراحة في هذا النوع من العقود، إذ نلزمه بتقديم كل الوسائل اللازمة للمؤلِف خلال فترة أعداده للمؤلِف، على النحو الذي سنعرض منه مضمون الالتزام بالتعاون ((L'obligation de collaboration)).
والحديث عن التزامات طرفي العقد يفرض علينا التعرض لأوليات هذه الالتزامات، إلا وهي التزام الناشر بدفع المقابل لأداء المؤلِف. فعقد التأليف شأنه في هذا الصدد شأن سائر العقود الملزمة لجانبين. والالتزام الرئيسي الذي يقع على الناشر هو دفع المقابل النقدي لخدمة المؤلِف ، فالناشر يطلب المعرفة العلمية من المتخصص. وهو يرمي في أن يستفيد من الخبرة والمعرفة والمعلومات التي ينفرد بها المؤلِف. وفي سبيل ذلك يقوم بدفع ثمن تطبيق هذا الفن الذي يجهله. وليس معنى ذلك أن هذا الالتزام هو الالتزام الوحيد الذي يقع على عاتق الناشر، فالمؤلِف يمنح عميله معرفة علمية تعبر عن خلاصة فكره وتخصصه الفريدين. فهو ابتكار يعبر عن خلاصة عمل ذهني مضنٍ. ومن ثم فهذه الطبيعة الخاصة لالتزام المؤلِف والذي هو جوهر عقد التأليف، فإنه يلقى عليه من ناحية مجموعة من الالتزامات يقابلها على الصعيد الآخر التزامات تقع على عاتق الناشر. ومن هنا كان التزام الناشر بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلِف. من قبيل التزامات المؤلِف التي تفرضها طبيعة هذا العقد ما يعرف بالالتزام بالسرية
L'obligations de confidentialite"، حيث إننا إذا كنا نلزم الناشر بوجوب إعلام المؤلِف بكافة المعطيات التي تساعده في إعداد المؤلِف، وهذا ما يعرف –أيضا- بالالتزام بالأعلام L'obligation de d'information" والذي يعد تطبيقاً لالتزامه بالتعاون، فإن وفاءه بهذا الالتزام يتضمن بالضرورة أن يطرح أمام المؤلِف كافة المعطيات الخاصة بالتأليف المطلوب أعداده من المؤلِف مدعمة بالمستندات معتمداً في ذلك على الثقة التي تولدت في شخص المؤلِف والتي كانت من احد سمات هذا العقد()، والتي تتحقق من خلال عدم قيام هذا المؤلِف او مستخدميه بإفشاء محتويات هذه المستندات في مكان عام أو لمنافسي الناشر. هذا الالتزام الذي يقع على عاتق المؤلِف هو ما يعرف بالتزامه بضمان سرية التعامل.
لذا فإن بحث التزامات أطراف العقد يستلزم تقسيم هذا البحث على مبحثين نتناول في الأول التزامات المؤلِف فيما نبحث في الثاني التزامات الناشر، أما الحقوق فلا داعي لإفرادها بصورة مستقلة على اعتبار ان التزامات كل طرف في العقد تمثل حقوق الطرف الثاني.
المبحث الأول

التزامات المؤلِف

يلتزم المؤلِف بمقتضى عقد التأليف بتقديم المؤلَف إلى الناشر والالتزام بضمان سرية المعلومات المستحصلة بمناسبة العلاقة مع الناشر.
ونبحث كل التزام من هذه الالتزامات في مطلبٍ مستقل وذلك كالآتي:-
المطلب الأول

الالتزام بتقديم المؤلَف

الالتزام الرئيس الذي يترتب في ذمة المؤلِف هو الالتزام بإنجاز العمل المتفق عليه عن طريق قيامه بإعداد المؤلِف وتقديمه للناشر. ولاشك في أن هذا الالتزام يعد جوهر عقد التأليف وغايته، وأن الوفاء به يعتمد بالدرجة الأساس على كفاءة المؤلِف وخبرته وتفوقه العلمي في مجال اختصاصه. وستقتصر دراستنا لهذا الالتزام على جوانبه القانونية والمتمثلة في المضمون والطبيعة ومكان وزمان التسليم وذلك على النحو الآتي:-

اولاً- مضمون الالتزام بتقديم المؤلَف:

يعد الالتزام بتقديم المؤلَف التزاماً اصلياً ناشئاً عن العقد المبرم بين المؤلِف والناشر. وليس مجرد التزام تابع أو واجب ملقى على عاتق المؤلِف فحسب. ويلزم المؤلِف بأن يقدم للناشر مؤلَفاً يحتوي على مجموعة منسجمة من المعلومات، وهذه المعلومات ينبغي إن تكون معبرة عن أداء متميز يتفق وأصول المهنة والقدرة التي ينفرد بها المؤلِف في تخصصه. كذلك ينبغي أن يكون المؤلَف ملائم لحاجة الناشر ويعطيه الخيار الأفضل إزاء ما يروم عمله من فعلٍ أو امتناع.
والوفاء بهذا الالتزام يعد بحق نقلاً للمعرفة العلمية والإخلال به يؤدي إلى عدم تحقيق نتائج هذه المعرفة. وهكذا فإن المعرفة العلمية إذا تم نقلها بحسن نية مع مراعاة الشروط التعاقدية فإنها بلا شك تأتي بالنتائج المتوقعة في نشر المعرفة العلمية للمجتمع.
كما إن خصوصية هذا الالتزام تتمثل في إن عقد التأليف يعطي الحق للناشر في استغلال المعرفة العلمية الخاصة بالمؤلَف. بيد أن الطبيعة المعنوية لهذا الحق تجعل من المتعذر على المؤلِف استرداده عند انتهاء العقد بعد أن يكون الناشر قد علم بهذه المعرفة.
ويثير مدى تنفيذ المؤلِف لهذا الالتزام أساس الخلافات التي تثور مع الناشر، كما هو الشأن في كل العقود، وبسبب الطابع المعنوي للمعرفة العلمية فإنه يصعب تحديد عناصرها بدقة متناهية تحول دون أي خلاف يثور بشأنها. لذا يكون تطبيق مبدأ حسن النية ذا أهمية كبيرة بل ضرورة لامناص منها لحسم النزاع على أساسها.
وقد ينصب عقد التأليف على نقل ملكية المؤلَف إلى الناشر. كما ينصب على إعطاء الناشر حق استغلاله، إذ يخول العقد الناشر حق استغلال المؤلَف. لذا يقع على المؤلِف التزام أساسي هو تمكين الناشر من استغلال المؤلَف في ممارسة النشاط المتفق عليه في العقد وخلال المدة المتفق عليها. كأن يتفق على أن تؤول حقوق الملكية للناشر ويحظر على المؤلِف نشر المصنف والمؤلَف إلا بعد مرور مدة زمنية محددة().
وينبغي أن يلاحظ هنا أن استعمال الناشر للمعلومات من المؤلَف ليس من شأنه سلب المؤلِف الحق في استغلالها فلا يغل عقد التأليف يدَ المؤلِف من التصرف بالمعلومات بما يشاء من التصرفات بأن ينقل ملكيتها للغير أو استغلالها في إعداد مؤلَف آخر، شريطة احترام حقوق الناشر في عدم التجاوز على النطاق الذي يعملون فيه، بغية المحافظة على سرية المعلومات().
كما إن الالتزام بإعداد المؤلَف وتقديمه يمر بالمراحل الثلاث الآتية:-
1) مرحلة البحث عن المعرفة وإعداد تصور عام للخيارات الأنسب للناشر. وتحديد النقاط الرئيسة والفرعية التي تشتمل عليها المشكلة(). ويجد المؤلِف نفسه في هذه المرحلة إزاء عدة خيارات وحلول يمكن طرحها. تكمن الصعوبة في إيجاد الخيار الأنسب للناشر واستبعاد الخيارات التي لا تتوافق مع مصلحة الناشر. ولا يقتصر واجب المؤلِف على وضع تصور مستند إلى ماهو موجود في علمه فحسب، وإنما ينبغي عليه بذل الجهد المعقول في البحث والتقصي للوصول إلى الطرح الامثل للناشر.
2) مرحلة تجميع البيانات والمعلومات اللازمة وتدوينها().
3) مرحلة تقديم المؤلِف والتي ينبغي أن تكون مناسبة ودقيقة بحيث تمكن الناشر من الاعتماد عليها. ويلزم المؤلِف بأن يقدم المؤلَف طبقاً لما تقرره بنود عقد التأليف والطريقة المتفق عليها فيه.
ويقتضي التسليم في عقد المقاولة()، تنفيذ إنجاز العمل المعهود به- إعداد المؤلِف- ومن ثم وضع هذا المؤلَف تحت تصرف الناشر- رب العمل- على وجه يتمكن معه من حيازته والانتفاع به من دون أي حائل.
وأن يكون المعقود عليه-المؤلَف- مطابقاً للمواصفات، وهذا يعني بالضرورة خضوع المؤلَف إلى تقويم لقيمته العلمية والعملية من قبل الخبراء و المقومين لكتابة تقرير في صلاحية هذا المؤلَف من عدمه مع الملاحظات. في ضوء مراعاة المؤلِف للنواحي الموضوعية والشكلية في كتابة المؤلَف().

ثانياً- طبيعة التزام المؤلِف بتقديم المؤلَف:-

إذ يعتبر التزام المؤلِف بتقديم أو تسليم المؤلَف- محل العقد-، التزاماً بتحقيق نتيجة وليس ببذل عناية فلا يكفي لإعفائه من المسؤولية عن عدم تقديم المؤلَف أو التأخر فيه أن يثبت انه بذل العناية اللازمة في إنجاز البحث في الميعاد المحدد له ولكنه لم يتمكن من ذلك. بل ينبغي عليه حتى تنتفي مسؤوليته أن يثبت السبب الأجنبي أو أن البحث كان يتوقف على تقديم معلومات من الناشر. فإن استطاع ذلك انتفت علاقة السببية ولم تتحقق المسؤولية(). وحجتنا في هذا الحكم إن المؤلِف ملزم بتقديم المؤلَف –محل العقد- من منظور الشخص الممتهن الخبير وانه مسؤول عن تنفيذ عقد أبرمه ولم يدرك عدم قدرته على تنفيذه.
أما عن الطبيعة القانونية لالتزام المؤلِف في عقد التأليف()، والتي من خلالها يمكن تحديد مسؤولية المؤلِف، فيمكن القول انه وعلى الرغم من أن طبيعة المؤلَف وطريقة أعداده لاتسمح دائماً بتحقيق رغبات واحتياجات الناشر بصورة كاملة أو مطابقة، إلا إن من الصعوبة بمكان إعطاء تكييف واحد يحكم طبيعة التزام المؤلِف بمطابقة المؤلَف- موضوع العقد- للمواصفات، وإنما يمكن الاعتماد على معيار الاحتمالية ومدى دور أطراف العقد في تحقيق النتيجة المطلوبة.
فإذا كانت هذه النتيجة محتملة الوقوع أو أن تحقيقها يتوقف على دور الناشر في تقديم المعلومات، فإن الالتزام يكون التزاماً ببذل عناية، كما إذا تعلق الأمر بإعداد مؤلَف وفقاً للمعلومات التي قدمها الناشر وتلبية لاحتياجاته وتطلعاته. إذ أن الوصول إلى هذه النتيجة يعتمد على دقة هذا الناشر في توضيح احتياجاته من جهة، ومن جهة أخرى على الجهد الذهني والإبداع الفكري للمؤلِف في إعداد المؤلَف المطلوب وليس على الجهد البدني، مما لا يسمح بالسيطرة على جميع نتائج البحث بصورة كاملة ودقيقة، مما يجعل تحقيق النتيجة المبتغاة أمراً محتملاً، وبالتالي يكون التزام المؤلِف بتسليم و أنجاز بحث مطابق لتطلعات الناشر التزاماً ببذل عناية(). ويعتبر انه قد أوفى بالتزامه إذا بذل في تنفيذه من العناية ما يبذله الشخص المعتاد حتى وان لم يتحقق الغرض المقصود()، وفي غير حالة الغش أو الخطأ الجسيم().
أما إذا كانت النتيجة المطلوبة أو الغرض المقصود مؤكد الوقوع، كما إذا تعلق الأمر بتسليم بحث معد سلفاً وكان المؤلِف قد أعلن صراحة عن مواصفات وكفاءة هذا البحث، فإن التزام المؤلِف في هذه الحالة بتسليم بحث مطابق للمواصفات المعلن عنها، يعتبر التزاماً بتحقيق نتيجة، وذلك لعدم توقف توفر هذه المواصفات على دور الناشر، أو على ما سيتم بذله من جهد ذهني في تحقيقها- إذ أن العقد ورد على بحث جاهز معد سلفاً- وبالتالي يسأل المؤلِف عن عدم مطابقة المواصفات حتى وان بذل من العناية ما يبذله الشخص المعتاد، وكذلك الأمر إذا نص العقد على ضرورة تحقيق نتيجة ما، إلا إذا وجد سبب أجنبي حال دون ذلك.

ثالثاً- مكان وزمان تسليم المؤلَف:-

ينبغي أن يتم التسليم في المكان المتفق عليه أو بما ينص عليه القانون، وباعتبار أن معلومات المؤلَف ذات طبيعة غير مادية، فإن تسليمها وتداولها يتطلب تثبيتها على وسيط مادي كالأوراق والأقراص الليزرية أو الضوئية والممغنطة (C.D or Disk)، كما من الممكن تسليم المؤلَف من دون الحاجة إلى الوسيط المادي وذلك من خلال نقله عبر شبكة المعلومات (الانترنت)، أو رسائل البريد الالكتروني أو أية وسيلة الكترونية أخرى. مع ضرورة إعطاء الناشر مفتاح الرسالة الالكترونية حتى يستطيع الوصول إلى المؤلَف (موضوع العقد). لذا ينبغي أن يتضمن اتفاق المتعاقدين تحديد وسيلة تسليم البحث صراحةً أو ضمناً، وبخلاف ذلك تنعقد مسؤولية المؤلِف العقدية.
أما فيما يتعلق بزمان تقديم المؤلَف فالأصل أن المؤلِف يُلزم بتقديمه في الزمان المتفق عليه. فإن لم يكن هناك اتفاق على مدة معينة فيلزم المؤلِف بالإنجاز في المدة المعقولة التي يقررها العرف تبعاً لمقدرة المؤلِف ووسائله وبمراعاة طبيعة العمل ومقدار ما يقتضيه من دقة وحسب عرف المهنة.
وفي حالة تأخر المؤلِف في البدء بالعمل أو تأخره في أنجاز المؤلَف تأخراً لا يتوقع معه مطلقاً أن يتمكن من القيام به كما ينبغي في المدة المتفق عليها، فيجوز للناشر عندئذٍ أن يطلب فسخ العقد من دون انتظار حلول اجل التسليم.
بيد أن إنهاء عقد التأليف سواء بتقديم المؤلَف للناشر أو بفسخه بسبب عدم التنفيذ، لا يعفي المؤلِف من ضرورة مراعاة الالتزام بالمحافظة على سرية التعامل مع الناشر. وهذا ما سنحاول بيانه في المطلب الآتي:-
المطلب الثاني

الالتزام بالسرية

يتطلب عقد التأليف الكشف عن بعض المعلومات والعناصر للمؤلِف: أما أثناء المفاوضات لإقناعه بجدوى هذه المعلومات لبحثه وليتمكن من تقدير قيمتها ومدى احتياجه لها أثناء إعداد المؤلَف، أو بعد إبرام العقد في إطار تنفيذ التزامه بإعداد المؤلَف. وهنا يتعرض الناشر لخطر إمكانية قيام المؤلِف بإفشاء هذه الأسرار للآخرين على نحو يضر بمصالحه. وقد يقوم باستخدامها بنفسه- أي المؤلِف- لأغراض أخرى أو بعد انتهاء مدة العقد على نحو يشكل منافسة جدية للناشر.
ومن هنا برزت أهمية الالتزام بالسرية والذي يقصد به ذلك الالتزام الذي يفرض على المؤلِف عدم البوح بخصوص كل ما يصل إلى علمه أو يكتشفه خلال إعداد المؤلَف(). ولم يستقر الفقه القانوني في تحديد مصدر هذا الالتزام وذلك لتحول هذا الالتزام الذي بدأ كواجب أخلاقي إلى التزام قانوني، فمنهم من يرى أن مصدر هذا الالتزام هو الاتفاق بين طرفي العقد سواء كان هذا الاتفاق صريحاً أو ضمنياً(). ومنهم من يذهب إلى أن هذا الالتزام يجد مصدره خارج العقد وعلى أساس فكرة النظام العام التي تحتم على المتعاقد أن يراعي في كل الظروف خلال ممارسته لمهنته الالتزام بالسرية، لذا فإن هذا الالتزام سابق في وجوده على العقد وملازم له في كافة مراحله، فهو التزام قانوني مباشر().
ونرى رجاحة التحليل الذي يسند هذا الالتزام إلى العقد المبرم بين المؤلِف والناشر، سواء عن طريق وجود اتفاق صريح أو ضمني في هذا العقد يلزم المؤلِف بعدم إفشاء المعلومات إلى الغير. وذلك لأننا نبحث هذا الالتزام في إطار آثار عقد التأليف، وهذا العقد الذي نشأ صحيحاً ونافذاً وبالتالي فإننا لا نحتاج إلى الرجوع إلى أي مصدر مادام هذا العقد موجوداً وساري المفعول باعتباره المصدر المباشر لهذا الالتزام.
إلى جانب ذلك إن مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود هو الذي يفرض هذا الالتزام، وحسن النية في هذا الصدد يتمثل من خلال القول إن الأسرار التي تصل الى علم المؤلِف وذلك من خلال عمله أو بمناسبته، عليه (أي المؤلِف) التكتم عليها وعدم الإفصاح عنها حفاظاً على مصالح الناشر().
وأخيراً؛ إن الالتزام بسرية المعلومات ينشأ حتى في الحالات التي لا يرد بشأنها نص. فالعقد يرتب هذا الالتزام بذمة المؤلِف، ويجد هذا الحل أساسه في نص المادة (150) من القانون المدني العراقي التي تقضي بأنه: ((2- ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضا ماهو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام)). فلما كانت المعلومات تتسم بطابع السرية فإن إفشاءها يؤدي إلى الأضرار بالناشر، لذا يمكن القول إن مثل هذا الالتزام يعتبر من مستلزمات العقد. فطبيعة هذا العقد تقضي بوجود هذا الالتزام كونه من العقود التي تقوم على الثقة والاعتبار الشخصي(). فهو إذن من الالتزامات اللصيقة بعقد التأليف يتعين الوفاء به من قبل المؤلِف حتى ولو لم يرد بشأنه نص في العقد.
بيد انه لما كان كشف سرية المعلومات قد يسبق مرحلة أبرام العقد، مما يثير مسألة البحث عن مصدر هذا الالتزام في مرحلة التفاوض. فإنه يمكن القول بوجود التزام عقدي في عدم إفشاء ما اطلع عليه المؤلِف من معلومات لأن إطلاع المتفاوض على السر قد قام على أساس التراضي بين الطرفين(). إلا إن الفقه اختلف في تحديد طبيعة هذا العقد، فذهب جانب منه إلى اعتباره عقد وديعة()، بينما يرى آخرون انه عقد غير مسمى().
أما عن المقصود بأسرار المؤلَف- موضوع العقد- فيلاحظ انه ليس كل ما يصل إلى المؤلِف من معلومات أثناء إعداده للمؤلَف يعدّ واحداً من أسرار العقد، وإنما ينبغي فوق ذلك إن تكون هذه المعلومات غير معروفة لدى الكافة، أي غير معروفة على وجه الخصوص لدى منافسي الناشر، لأنهم الوحيدون الذين يمكن أن يحققوا المنافع إذا توصلوا إليها، فهذه المعلومات التي تصل إلى علم المؤلِف أثناء عمله هي التي ينبغي إلا تكون معلومة لدى الغير لكي تعد سراً من أسرار العقد(). وعليه يمكن القول أن المقصود بأسرار المؤلَف –موضوع العقد- تلك المعلومات غير المعروفة لدى منافسي الناشر، لأنهم المستفيدون من كشف هذه المعلومات لذا ينبغي أن تكون المعلومات غير معروفة لدى الغير لكي تعدّ أسرارا ينبغي المحافظة عليها.
ومن جهة أخرى فإن تساؤلاً يمكن أن يطرح في هذا السياق عن النطاق الزماني للالتزام المتمثل بالحفاظ على سرية المعلومات، أي عن الفترة التي ينبغي فيها المحافظة على هذه السرية أو ما قد يصل إلى المؤلِف من معلومات، وهل تشمل هذه الفترة فترة تنفيذ العقد أو إنها تشمل كذلك ما بعد فترة التنفيذ وانقضاء العقد ؟
وللإجابة عن هذا السؤال لابد أن نبين إن الالتزامات الناشئة عن العقود بصورة عامة يقتصر نطاقها من حيث الزمان على المدة المحددة لتنفيذ العقد، فمتى ماتم تنفيذ العقد انقضت الالتزامات الناشئة عنه.
ولكن لا يؤخذ ذلك على إطلاقه إذ تتصف بعض الالتزامات بخصوصية تجعلها تأبى الانقضاء بمجرد انتهاء تنفيذ العقد. ولقد استقر الفقه الحديث على أن الالتزام بالسرية في العقود المهنية بصورة عامة يتصف بالتأبيد ولا يقتصر على مدة العقد المبرم بين الطرفين، وذلك لأن من موجبات الالتزام بالسرية هو حماية مصالح الناشر المادية و الأدبية، وهذا الأمر لن يتحقق إلا إذا ظلت السرية ملازمة للمعلومات التي بحوزة المهني المتخصص إلى الأبد().
وعليه فإن الفترة التي يسري فيها هذا الالتزام لا تمتد فقط إلى فترة تنفيذ العقد، وإنما تشمل كذلك الفترة التي تلحق تنفيذ العقد، إذ يسأل المؤلِف عن أي ضرر قد يصيب الناشر في حالة ما إذا خالف المؤلِف هذا الالتزام وقام بإفشاء المعلومات بأية طريقة كانت، إذ أن امتداد هذا الالتزام إلى ما بعد انقضاء العقد فيه حماية لمصلحة الناشر، ذلك إن عدم إفشاء أسرار العقد، له أهمية كبيرة بالنسبة لهذا الأخير سواء أكانت العلاقة العقدية قائمة أم لا()، مادام هذا الإفشاء يمكن أن يلحق به ضرراً جسيماً()، وفي هذا الصدد يمكن قياس عقد التأليف بعقد المحامي، إذ يلزم المحامي بالحفاظ على سرية المعلومات التي يحصل عليها من عمله مع موكله حتى بعد انتهاء علاقته بموكله().
وعلى ضوء المعطيات سالفة الذكر، نستطيع القول إن التزام المؤلِف بعدم إفشاء أسرار المؤلَف –موضوع العقد-، (ومن ضمنها المعلومات التي تصل إلى علمه استناداً إلى هذا العقد)، يمكن أن يوصف بأنه التزام بالامتناع عن عمل ويعد التزاماً بتحقيق نتيجة مقتضاها عدم إفشاء أسرار البحث، لأن إفشاء سرية هذه المعلومات تكفي لإثارة خطأ المؤلِف وبالتالي تحقق المسؤولية العقدية في جانبه. ذلك أن الناشر عندما دخل بعلاقة عقدية مع المؤلِف فإن ذلك كان مؤسساً على الثقة التي وضعها في هذا المؤلِف فأطلعه على أسرار البحث()، لذلك فإن التزام المؤلِف بالمحافظة على أسرار البحث أثناء العقد وبعد انقضائه ما يحقق الحماية المادية والمعنوية للناشر لأن عمله مرتكز على بقاء المعرفة العلمية محتفظة بطبيعتها السرية، فالضرر الذي سوف يصيب الناشر من جراء الإفشاء بالأسرار هو في الأغلب غير ممكن إصلاحه، عليه ينبغي احترام هذا السر من قبل المؤلِف طيلة فترة العقد وبعد انتهاء الرابطة العقدية.
كما إن تضمين عقد التأليف أثناء إبرام العقد أو حتى بعد إبرامه شرطاً يقضي من المؤلِف الالتزام بالمحافظة على الأسرار التي تصل إليه نتيجة بحثه لدى الناشر يعد امراً مقبولاً، هذا بالإضافة إلى أن تمكين الناشر للمؤلِف من الحصول على المعلومات التي قد يكون بعضها سرياً يعبر عن الثقة التي يوليها الناشر للمؤلِف التي تعد أحد دعائم عقد التأليف الذي يتميز بكونه عقداً قائماً على الاعتبار الشخصي، ويتعين على المؤلِف أن يكون أهلاً لهذه الثقة بالتزامه بعدم إفشاء هذه المعلومات للغير.
كما أنه قد تؤدي عملية إفشاء الأسرار من قبل المؤلِف إلى نشوء المسؤولية الجنائية بحقه إذا ما توفرت أركانها. ويعرف الفقه الجنائي جريمة إفشاء الأسرار بأنها كشف عن واقعة لها صفة السر صادر ممن علم بها بمقتضى مهنته ومقترن بالقصد الجنائي().
وتعتبر هذه الجريمة من الجرائم الواقعة على الأشخاص، وتناولها قانون العقوبات العراقي ذو الرقم 111 لسنة 1969 المعدل في الفصل الرابع من الكتاب الثالث والمخصص للجرائم الواقعة على الأشخاص. إذ تنص المادة 437 منه على هذه الجريمة بقولها ((يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنتين وبغرامة لاتزيد على مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من علم بحكم وظيفته او مهنته أو صناعته أو فنه أو طبيعة عمله بسر فأفشاه في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو استعمله لمنفعته أو منفعة شخص آخر. ومع ذلك فلا عقاب إذا أذن بإفشاء السر صاحب الشأن فيه أو كان إفشاء السر مقصوداً به الأخبار عن جناية أو جنحة أو منع ارتكابها))().
وتقوم هذه المسؤولية على أركان ثلاثة. أولها ركن مادي يقوم على وجود سر معين تم إفشاؤه. وثانيها صفة خاصة في الجاني هي أن يكون ذا مهنة معينة. فهذه الجريمة لا يرتكبها أي شخص بل شخص ذو صفة مستمدة من نوع المهنة التي يمارسها. أما الركن الثالث وهو الركن المعنوي لجريمة إفشاء الأسرار فيتمثل بالقصد الجنائي على اعتبار إن هذه الجريمة هي من الجرائم العمدية. والقصد المطلوب في هذه الجريمة هو القصد العام. ويتعين أن يعلم المتهم بأن للواقعة صفة السر وأن تتجه إرادة المتهم إلى فعل الإفشاء والى النتيجة التي تترتب عليه().
المبحث الثاني

التزامات الناشر

اذا كنا قد تناولنا في المبحث السابق التزامات المؤلِف، فإن التزامات الناشر يمكن حصرها في التزام رئيسي هو دفع المقابل النقدي لقاء الحصول على المؤلَف. كما إن اعتماد عقد التأليف على تخصص المؤلِف وكفاءته العلمية هو الذي كان وراء سعي الناشر له، إلا أن ذلك لن يتحقق إلا بتعاون الناشر معه. وهذه الخصوصية فرضت التزاماً آخر على الناشر وهو ما يوصف بواجب التعاون. فضلاً عن الالتزام بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلِف. وهذا ما سنبحثه في ثلاثة مطالب وذلك كالآتي:-
المطلب الأول

الالتزام بدفع المقابل

يعد التزام الناشر بدفع الأجر التزاماً رئيساً، وهذا الالتزام الرئيسي مفترض الوجود سواء اشترطه المتعاقدان أم لم يشترطاه. فتحديد الأجر ليس شرطاً لصحة عقد التأليف وقت إبرامه، إذ ينعقد هذا العقد متى ما توفرت أركانه العامة مضافاً إليها عدم وجود اتفاق صريح على استبعاد الأجر مقدماً، أما إذا أغفل المتعاقدان تحديد الأجر فينبغي اعتبار أن هناك اتفاقاً ضمنياً على وجود الأجر وذلك برأينا يتم من خلال إمكانية إعمال نص الفقرة الثانية من المادة (880) من القانون المدني العراقي بصدد الأجر في عقد المقاولة على اعتبار أن عقد التأليف ماهو في حقيقته إلا عقد مقاولة().
على أن افتراض وجود الأجر في عقد التأليف لا يمنع في الواقع من أن يقوم المؤلِف بإبراء ذمة الناشر من الالتزام بدفع الأجر، وهذا الإبراء لا يؤثر أطلاقا على وصف العقد بأنه عقد تأليف.
كما إن الالتزام بدفع الأجر يعد من أهم مميزات عقد التأليف بحيث إن الاتفاق على عدم اقتضاء الأجر صراحةً أو ضمناً يؤدي إلى انتفاء وصف عقد التأليف على الاتفاق المبرم بين الطرفين. وان هذا الاتفاق الخالي من الأجر ماهو إلا جزء من مرحلة تفاوض سابقة على وجود العقد. وهذا الأمر مرده إلى أن عقد التأليف يدرج ضمن العقود المحددة الاداءات إذ ينبغي أن يعرف كل طرف فيه مقدار ما يلتزم به وما يحصل عليه(). وإن انعدام الأجر ينفي عن عقد التأليف صفة المقاولة ويجعله يندرج في سياق ما يسمى في الفقه الحديث بعقود الخدمة المجانية.
وبخصوص تحديد زمان دفع الأجر ومكانه فإننا نرى إمكانية الرجوع إلى الأحكام العامة في القانون المدني عموماً وأحكام عقد المقاولة خصوصاً لتقارب عقد التأليف مع عقد المقاولة كما بينا سابقاً. فالناشر يلتزم بدفع الأجر إلى المؤلِف في الوقت الذي اتفقا عليه في العقد. أما إذا لم يتم الاتفاق على تحديد هذا الوقت فيحدد عندئذ استناداً إلى ما يقرره العرف في المهنة التي يمارسها المؤلِف. وعموماً فإنه في حالة غياب الاتفاق وانعدام العرف فإن المؤلِف يستحق الأجر عند تسليم المؤلَف- موضوع العقد- إلى الناشر().
ويلتزم الناشر بدفع الأجر في المكان الذي اتفق عليه مع المؤلِف، وفي حالة غياب هذا الاتفاق فيكون مكان الوفاء في موطن الناشر أو في المكان الذي يوجد فيه محل أعماله إذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الأعمال().
وانطلاقاً من وصف عقد التأليف بأنه عقد رضائي، لذا فإن تحديد الأجر يتم باتفاق الطرفين. وذلك من خلال تحديد الأجر بمبلغ إجمالي قبل تنفيذ العقد يلزم الناشر بدفعه حال قيام المؤلِف بتنفيذ التزامه بتقديم المؤلَف. وعليه فالمؤلِف يستحق هذا الأجر الإجمالي من دون أن يرتبط هذا الأجر بمقدار الجهد الذي يبذله المؤلِف في إعداد المؤلَف أو حتى الوقت الذي يستغرقه في ذلك().
أما الناشر فإنه يلتزم بدفع الأجر المتفق عليه من دون أن يكون للمؤلِف الحق في طلب زيادة هذا الأجر بحجة تضاعف الجهد المبذول أو زيادة الوقت المهدور في إعداد المؤلَف. ويلاحظ أن هذه القاعدة ليست عامة إذ يستطيع المؤلِف، استناداً إلى أحكام عقد المقاولة، أن يطالب بزيادة الأجر، إذا كان الناشر قد ارتكب خطأ أدى إلى زيادة الجهد المبذول أو الوقت المهدور(). أو انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من المؤلِف والناشر انهياراً تاماً بسبب حوادث لم تكن في الحسبان وقت التعاقد().
وتجدر الإشارة إلى أن تحديد الأجر أجمالا لا يمنع في الواقع من أن يتفق الطرفان على أن يقوم الناشر بدفع جزء من هذا الأجر مقدماً والجزء المتبقي عند انتهاء تنفيذ العقد، أو أن يتفقا على تحديد الأجر على شكل أقساط دورية طيلة فترة تنفيذ العقد.
بيد أنه إذا كان الأصل في عقد التأليف أن يتم تحديد الأجر فيه باتفاق طرفيه فإن المحكمة في بعض الحالات قد تتدخل في تحديد هذا الأجر. ومن هذه الحالات الفرضية التي يغفل فيها المتعاقدان تحديد أجر المؤلِف أو في حالة اختلافهما حول مقداره. ويمكن أن يعتمد القاضي على الأسس المعتمدة في عقد المقاولة في تحديد الأجر. وعليه فإن تحديد أجر المؤلِف سيتم بالاعتماد على عنصرين رئيسيين هما قيمة العمل الذي قام به المؤلِف وما تكبده من نفقات في إنجازه، وتسترشد المحكمة بوجه خاص بالعرف الجاري في المهنة التي يمتهنها المؤلِف في تحديد قيمة العمل().
المطلب الثاني

الالتزام بالتعاون

مما لاشك فيه أن إبرام عقد التأليف كان لغاية في نفس الناشر يبتغي قضاءها، وأن البحث هو في الحقيقة وضع الحل لمشكلة تعترض سبيل الناشر، لذا فإن من الضروري أن يكون المؤلِف على علم تام بأبعاد أهداف الناشر ومشاكله في الموضوع المطروح أمامه للبحث لكي يتسنى له أداء مهمته على أتم وجه. من هنا برزت أهمية الالتزام بالتعاون في إطار عقد التأليف. والذي يعد من الالتزامات ذات الطبيعة الخاصة التي تفرضها خصوصية هذا العقد، تلك الخصوصية النابعة من جوهرية العقد المعتمدة على الجهد الذهني والإبداع الفكري والكفاءة العلمية للمؤلِف المتخصص.
والآن لنا أن نتساءل ماهو مضمون هذا الالتزام ؟ وهل يعد التزام بتحقيق نتيجة أم التزام ببذل عناية ؟
ونتساءل أيضاً عن طبيعة ذلك الالتزام وهل هو التزام إرادي أم التزام قانوني ؟ وأخيراً ماهو الجزاء المترتب على الإخلال به ؟ نجيب على هذه التساؤلات في ثلاث فقرات على النحو الآتي:-

أولاً- مضمون الالتزام بالتعاون:-

يلتزم الناشر بالقيام بما هو ضروري لكي ينفذ المؤلِف العمل المكلف به، بما يتفق وظروف كل عقد على حدة(). فالمؤلِف ينتظر التعاون من الناشر حتى يمكنه الوقوف على العقد المراد إبرامه سواء من ناحية شروطه أو أوصاف الشيء محله أو مدى سعة التعهدات المتبادلة الناشئة عنه. وهذا يعني إننا بصدد التزام ايجابي منذ لحظة بدء المفاوضات العقدية التمهيدية، من خلال أحاطته علماً بكافة تفصيلات العقد المراد إبرامه(). فواجب التعاون هو دعوة للمشاركة بين المتعاقدين في تنفيذ العقد من خلال التزام الناشر بإعطاء معلومات معينة، لاسيما بالنسبة للعقود المستمرة(). ويتحقق ذلك من خلال تقديم كافة البيانات التي تجعل المؤلِف يقف على حقيقة المشكلة. وينبغي أن تكون هذه البيانات تتسم بالصدق من واقع المستندات التي بين يديه. ويقع على الناشر عبء إثبات وفائه بهذا الالتزام.
بل إن هذا الالتزام لا يقتصر الوفاء به على مجرد أن يقدم ما يطلب منه، ولكن عليه- هو- أن يقوم بالاستعلام ويتحرى من المؤلِف عن النقاط التي يمكنه أن يدلي بها ويتعاون بصددها معه بما لديه من مستندات يمكن تقديمها تساهم في عمل المؤلِف().
وفي ضوء هذا التأكيد لواجب الناشر بالتعاون، فإنه لا يسعنا إلا أن نضم صوتنا إلى ذلك الاتجاه الفقهي الذي ذهب إلى أن هذا الالتزام يعد التزاماً بنتيجة(). ومن ثم فالمؤلِف لا يكون مسؤولاً عن فشل البحث إذا كان الناشر لم يسهم بإيجابية نحو تحقق الحل المرضي والذي يتحقق من خلال الهدف المنشود من البحث. وبالتالي فإنه يفترض خطأ الناشر بمجرد عدم تحقق النتيجة المتمثلة بتقديم المعونة اللازمة للمؤلِف وعليه يقع عبء إثبات وجود السبب الأجنبي ليمنع المسؤولية عنه().

ثانياً- طبيعة الالتزام بالتعاون:-

لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضاً ماهو من مستلزماته، وفقاً للقانون والعرف والعدالة(). فللقاضي وفقاً لهذه القاعدة العامة أن يضيف إلى مضمون العقد ما يقضي به القانون أو العرف أو العدالة في إطار المبدأ العام الذي يقضي بضرورة تنفيذ العقود بطريقة تتفق مع حسن النية مراعياً في ذلك المرغوب فيه اجتماعياً لأن القانون نظام اجتماعي يهدف إلى حماية الفرد وتحقيق التوازن بين المصالح المختلفة()، ويتعين من ثم على القاضي أن يقدر ما إذا كان إضافة التزام إلى مضمون العقد يحقق تنظيما أفضل للعلاقات بين طرفيه. ويعد الالتزام بالتعاون من تلك الالتزامات التي وان لم ينص عليها صراحة في العقد فإن للقاضي أن يضيفها إليه أما تنفيذاً لنص في القانون() أو أقراراً للعرف() أو لاعتبارات العدالة() وذلك في إطار ما يقتضيه حسن النية في تنفيذ العقود وما ينبغي أن يتوافر من ثقة بين المتعاقدين.
وسواء أكان نص القانون أو العرف أو اعتبارات العدالة وراء إضافة الالتزام بالتعاون إلى العقد فإنه يعد من مستلزماته ويلتزم المتعاقدان به كما يلتزمان بما ورد فيه صراحة. أي أن الالتزام بالتعاون التزام عقدي إرادي().

ثالثاً- جزاء الإخلال بالالتزام بالتعاون*:-

بينا فيما سبق أن الالتزام بالتعاون التزام عقدي يتعين على المدين به في العقد أن ينفذه على الوجه المتفق عليه أو حسبما يقضي القانون، أو العرف، أو العدالة، وألا كان للدائن (المؤلِف) أن يسأل المدين (الناشر) عن عدم تنفيذه، وتقوم مسؤولية هذا الأخير عنه مالم يثبت رجوعه إلى سبب أجنبي لايد له فيه فيحكم عليه بتعويض الضرر الذي لحق المؤلِف نتيجة له.
فالمسؤولية العقدية هي جزاء الإخلال بتنفيذه كالتزام ناشئ عن العقد، ويلزم لقيام المسؤولية العقدية- بصفة عامة- توافر أركانها الثلاثة الخطأ العقدي والضرر وعلاقة السببية(). ويستحق المؤلِف تعويضاً عن الضرر الذي لحقه من عدم تنفيذ الناشر لالتزامه كلياً أو جزئياً أو من تأخره في تنفيذه.
ولكن المسؤولية العقدية ليست الجزاء الوحيد للإخلال بهذا الالتزام وخاصة نحن أمام عقد ملزم للجانبين بل يضاف إليها جزاءات أخرى، كحق المتعاقد في حالة إخلال المتعاقد الآخر بالتزامه أن يطلب فسخ العقد لتنحل الرابطة القانونية، التي ولدها ويتخلص بانحلالها من التزاماته الناشئة عنه في جانبه().كما انه قد يتضمن عقد التأليف شرط جزائي يقضي لمصلحة المؤلِف جزاء أخلال الناشر بالتزامه بالتعاون.
المطلب الثالث

التزام الناشر بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلِف

يرجع مصدر هذا الالتزام إلى قانون حماية حق المؤلِف والذي يقرر للمؤلِف في حالة توفر شروط الحماية حقوقاً أدبية وأخرى مالية على المصنف (المؤلَف)(). مما يفرض واجباً تجاه الكافة باحترام هذه الحقوق وعدم الاعتداء عليها، ولما كان من الجائز قانوناً للمؤلِف التصرف بالحقوق المالية دون الأدبية(). فإن على المتصرف له (الناشر) الالتزام ضمن نطاق هذا التصرف وهو ما تقرره القواعد العامة في القانون المدني، وترتب المسؤولية على الإخلال به(). وفضلاً عن ذلك تضمنت التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلِف جزاءات خاصة في حالة الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلِف، مما يستدعي بيان مضمون التزام الناشر بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلِف في فقرة أولى، واستعراض الجزاءات التي تترتب على الإخلال بذلك في فقرة ثانية.

أولاً- مضمون الالتزام بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلِف:-

يختلف مضمون هذا الالتزام باختلاف الحقوق محل الاعتداء، باعتبار إن من غير الجائز التصرف بالحقوق الأدبية لكونها حقوقاً لصيقة بالشخصية وغير قابلة للسقوط أو التقادم، مما يعني عدم جواز المساس بأي من هذه الحقوق،
ولا يتمتع سوى المؤلِف وحده –وورثته من بعده- بدفع أي اعتداء عليها. أما الحقوق المالية فلكون من الجائز قانوناً التصرف فيها للغير، فإن واجب عدم الاعتداء على حقوق المؤلِف ينحصر على الحقوق غير المتنازل عنها أو المرخص بها للغير.
كما يتأطر الحق بعدم الاعتداء على الحقوق المالية ضمن مدة سريان الحماية القانونية، إذ بانقضاء هذه المدة تدخل الحقوق المالية- حقوق استغلال المؤلِف مالياً- في الملك العام ويصبح معها استغلال المؤلِف مالياً مباحاً للكافة من دون الحاجة إلى الحصول على موافقة المؤلِف أو ترخيصه، ومن دون ان يشكل ذلك اعتداء على حقوق المؤلِف()، كما ليس بالضرورة أن يقتصر الحق بدفع الاعتداء على الحقوق المالية على المؤلِف وحده، وإنما ينتقل هذا الحق، في حالة التنازل عن حقوق الاستغلال المالي، إلى المتنازل له.
ومن المفيد أن نشير إلى صور الاعتداء على الحقوق الأدبية والمالية تباعاً:-

آ)صور الاعتداء على الحقوق الأدبية:-

تتمثل أغلب صور الاعتداء على الحقوق الأدبية المقررة للمؤلِف، بقيام الغير بنشر المؤلِف قبل أن يقرر المؤلِف نشره، أو أن تتم عملية النشر بصورة تختلف عن تلك التي عينها المؤلِف. ووفقاً لهذا الغرض يكون هناك اعتداء على حق الاستغلال المالي للمؤلِف فضلا عن الاعتداء على حق تقرير طريقة نشر المؤلِف(). كذلك إذا حدد المؤلِف موعداً للنشر قبل وفاته فإن من غير الجائز لورثته أو المتنازل له عن حقوق الاستغلال المالي، نشر المؤلِف قبل انقضاء ذلك الموعد().
وفيما يتعلق بحق المؤلِف في نسبة مؤلَفه إليه، فإنه يمتنع على الغير بما فيهم الورثة –الخلف العام- والخلف الخاص الادعاء بنسبة هذا المؤلِف إليهم. ومن الأمثلة على ذلك أيضاً قيام الغير باستنساخ أجزاء من المؤلِف والاعتماد عليها لإعداد بحث جديد ونسبته إليه، إذ نكون في هذه الحالة أمام اعتداء على الحق بنسبة البحث لباحثه الأصلي، واعتداء على الحق باستنساخ و/أو تحوير البحث().
وبموجب حق المؤلِف في احترام كيان بحثه، فإنه يمتنع على الغير المساس بهذا البحث بأية صور من شأنها الإساءة إلى سمعة المؤلِف الفكرية أو الإبداعية. وإذا ما تنازل المؤلِف عن حقوق استغلال البحث فإنه يمتنع على المتنازل له (الناشر) إجراء أي تعديل- بالحذف أو بالإضافة- في المؤلَف إلا إذا كان مصرحاً له بذلك من قبل المؤلِف().
ولما كان من حق المؤلِف سحب بحثه من التداول إذا طرأت أسباب أدبية خطيرة أو بإدخال تعديلات جوهرية عليه، فان من غير الجائز لمن آلت إليه حقوق استغلال هذا المؤلَف أن يمتنع عن السماح بذلك، ولاسيما إذا عرض المؤلَف عليه التعويض الذي تقدره المحكمة().

صور الاعتداء على الحقوق المالية:-

القاعدة التي تحكم الحقوق المالية، أن المؤلِف يبقى يتمتع بكل مالم يتنازل عنه أو يرخص به من حقوق للغير. إذ تفسر التصرفات الصادرة عن المؤلِف تفسيراً ضيقاً، وبالتالي يعتبر أي تجاوز على الحقوق محل التصرف اعتداء على حقوق المؤلِف أو صاحب الحق عليها، ولا يتصور مثل هذا الاعتداء، في حالة التصرف بكافة الحقوق المالية المقررة، إذ يتنازل بموجب هذا الفرض المؤلِف عن جميع صور الاستغلال المالي بحيث لا يعود له أياً منها، وهنا يلتزم المؤلِف فضلاً عن الغير، بعدم الاعتداء أو التعرض للناشر().
أما في إطار عقود ترخيص استغلال المؤلَف، فإنه ينظر إلى مضمون هذا الترخيص، فإذا كان محدداً بمكان معين أو وقت محدد، فينبغي على المرخص له عدم مباشرة حقوق الاستغلال المرخص بها خارج هذا النطاق، فضلاً عن ضرورة الالتزام بطريقة الاستغلال المسموح بها().
وفيما يتعلق باستخدام المؤلَف، فإن من غير الجائز للغير استخدام المؤلَف من دون ترخيص من المؤلِف أو صاحب الحق على المؤلَف، على الرغم من سماح قانون حماية حق المؤلِف باستعمال المصنف للأغراض الشخصية أو الخاصة أو الأغراض التعليمية()، والذي يشكل تهديداً خطيراً في مجال المؤلَف (المصنف). إذ قد يؤدي ذلك إلى الاعتداء على حقوق المؤلِف أو من آلت إليه حقوق الاستغلال المالي.
وبخصوص الحق بتحوير المؤلَف أو تطويره أو إعادة صياغته بلغة غير تلك التي كتب فيها، فإن مثل هذه الأعمال لابد من أن تتم بموافقة أو ترخيص المؤلِف، أو صاحب الحق بذلك، وبخلافه تشكل انتهاكاً لحقوق المؤلِف().
المؤلِف:-
توفر أغلب التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلِف حماية فعالة لمؤلفي المصنفات المبتكرة()، وتتجلى هذه الحماية بالنص على بعض الإجراءات التحفظية والوقائية، وتقرير عقوبات جزائية، فضلاً عن المطالبة بالتعويض، وهو ما سنتولى بيانه تباعاً:-

أ) الإجراءات التحفظية:-

تتعدد صور الإجراءات التحفظية التي يستطيع المؤلِف أو الناشر المتنازل له عن حقوق الاستغلال المالي، اللجوء إليها باعتبارها وسائل وقائية لمنع وقوع الاعتداء على هذه الحقوق أو لكونها وسائل تمهيدية للتنفيذ. ومن أهم هذه الوسائل والتي تختلف بحسب مضمون الاعتداء(): طلب وقف نشر المؤلَف وتداوله، وطلب إجراء التعديل فضلاً عن طلب الحجز، وطلب إتلاف النسخ. وهو ما سنتطرق إليه وعلى النحو الآتي:-

1) طلب وقف نشر المؤلَف وتداوله:-

في الأحوال التي يتمثل فيها الاعتداء على حقوق المؤلِف أو صاحب الحق على المؤلَف، بنشر المصنف بصورة غير مشروعة، كعدم الحصول على موافقة أو أذن صاحب الحق على المصنف، أو تجاوز مضمون الترخيص بالنشر، فان من حق المؤلِف أو من آلت إليه حقوق الاستغلال المالي تقديم طلب للمحكمة المختصة (محكمة البداءة) عن طريق القضاء المستعجل، بوقف نشر المصنف وتداوله كإجراء تحفظي إلى حين الفصل في الدعوى. ويتطلب لصحة تقديم هذا الطلب أن يُقدم من صاحب الحق على المصنف (المؤلِف أو من آلت إليه حقوق الاستغلال المالي)، وذلك بتقديم ما يثبت صحة الخصومة من المدعي. مع بيان وصف تفصيلي للمصنف الذي نشر أو أعيد نشره بوجه غير مشروع(). فضلاً عن تقديم كفالة لضمان نتيجة الدعوى تتضمن ما يلحق المدعى عليه من ضرر إذا تبين أن المدعي غير محق في دعواه. فإذا وجدت المحكمة مبرراً لذلك حكمت بوقف نشر المصنف وتداوله، وتنظر المحكمة في هذا الطلب بوصفه من الأمور المستعجلة من دون الدخول في أساس الحق أو أصل النزاع().

2) طلب إدخال التعديل على المؤلَف:-

ينحصر نطاق هذا الطلب في الأحوال التي يتمثل فيها الاعتداء بتحريف او تعديل او تشويه المؤلَف المطروح للتداول (للنشر) من دون وجه حق، أي بأن يتضمن هذا التحريف إساءة إلى سمعة المؤلِف وانتهاكاً لسلامة كيان المصنف بالصورة التي أرادها المؤلِف(). فمن المتصور أن يقوم الناشر أو المتنازل له عن حقوق الاستغلال المالي بإجراء تعديلات على المؤلَف أو ربطه مع بحوث أخرى ومن دون أن تدخل مثل هذه العمليات ضمن الحقوق المتنازل عنها، مما يسمح للمؤلِف بالرجوع على الناشر أو الناشر بالتعويض. وله في سبيل ذلك وكأجراء تحفظي أو وقائي، أن يتقدم بطلب إجراء التعديلات على المصنف والتي من شأنها إرجاع هذا المصنف إلى الحالة التي أجاز فيها المؤلِف نشره، وهو ما ينصب على نسخ المؤلَف التي لم يتم تصريفها، أما تلك التي تم تصريفها فأنها تخرج عن نطاق هذا الطلب، وإن كان للمؤلِف الرجوع على حائزيها وذلك بما له من حق أدبي في احترام سلامة كيان مؤلَفه، وان كان من النادر اللجوء إلى ذلك لصعوبة الوصول إلى هؤلاء الحائزين.
وتجدر الإشارة إلى أن طلب إجراء التعديل على المؤلَف على النحو المبين أعلاه يعتبر كذلك من صور التعويض العيني وذلك بإعادة الحال إلى ماكان عليه()، إلا إن هذا الأجراء هنا يمثل إجراءاً تحفظياً سابقاً على الفصل في الدعوى، وليس حكماً تنفيذياً.

3) طلب إيقاع الحجز الاحتياطي:-

يعتبر طلب إيقاع الحجز الاحتياطي من أهم الوسائل التي توفر الحماية للمؤلِف أو من آلت إليه حقوق الاستغلال المالي، لمنع الاعتداء. مما يتطلب ابتداءاً وجود اعتداء على حقوق المؤلِف أو صاحب الحق على المؤلَف، كما يشترط ان يتم تقديم طلب الحجز من صاحب الحق وهو المؤلِف ابتداءاً (وورثته من بعده)، ومن آلت إليه حقوق استغلال المؤلَف، وذلك بعد إجراء وصف تفصيلي للمؤلَف الذي نشر بوجه غير مشروع(). ويقدم طلب الحجز مشفوعاً بكفالة تتضمن ما يلحق المدعى عليه من ضرر إذا تبين إن المدعي غير محق في دعواه()، ويجوز تقديم طلب الحجز قبل إقامة الدعوى أو عند إقامتها أو أثناء السير في الدعوى أو بعد صدور الحكم فيها(). ويكون القرار الصادر قابلاً للتظلم أمام نفس المحكمة التي أصدرت أمر الحجز().
وينصب طلب الحجز على نسخ المؤلَف المنشورة بصورة غير مشروعة وكذلك المواد التي تستعمل في إعادة نشر واستنساخ المؤلَف موضوع الدعوى، أو استخراج نسخ منه بشرط أن تكون المواد المذكورة غير صالحة إلا لإعادة نشر المؤلَف(). ومن الجائز للمحكمة المختصة أن تأمر بحصر الإيراد الناتج من عمليات نشر واستنساخ المؤلَف وإيقاع الحجز عليه. وفي هذه الحالة يتم إيداع الإيرادات المتحصلة في خزينة المحكمة حتى يتم الفصل في اصل النزاع من قبل محكمة الموضوع().

4) طلب إتلاف نسخ المؤلَف المستنسخ بوجه غير مشروع:-

في الأحوال التي يتم فيها استخراج نسخ من المؤلَف بوجه غير مشروع أي من دون موافقة أو ترخيص المؤلِف أو صاحب الحق على المصنف، فإن لهذا الأخير أن يطلب من المحكمة المختصة إتلاف نسخ المؤلَف الذي نشر بوجه غير مشروع والمواد التي استعملت لنشره بشرط إلا تكون صالحة لعمل آخر، على انه إذا كان حق المؤلِف (حق الاستغلال المالي) سينقضي في فترة تقل عن سنتين ابتداءاً من تاريخ صدور الحكم، فإن أمر الإتلاف يستبدل بوضع حجز حتى تنتهي الفترة الباقية. كما يجوز للمتضرر (المؤلِف أو صاحب الحق بالاستغلال المالي) أن يطلب بدلاً من الإتلاف وفي حدود ماله من تعويض مصادرة نسخ المؤلَف والمواد التي لا تصلح إلا لإعادة نشره، وبيعها لحسابه ويجوز له كذلك أن يطلب وضع الحجز على الإيراد الناشئ من الإيقاع أو الإلقاء غير المشروع().
على أن اللجوء إلى هذه الوسيلة لا يمنع من المطالبة بالتعويض، ويقرر قانون حماية حق المؤلِف العراقي على ثمن بيع الأشياء ومبالغ النقود المحجوزة عليها ديناً ممتازاً، لا يتقدم عليه سوى امتياز الرسوم القضائية والمصاريف التي تنفق على تلك الأشياء ولتحصيل ذلك المبلغ().

ب) الجزاءات الجنائية:-

اهتمت التشريعات العربية بالحماية الجنائية بحقوق المؤلِف وخصصت المواد لتأمين هذه الحماية فقد نصت المادة (476) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 على انه: ((مع عدم الإخلال بأية عقوبة اشد ينص عليها القانون، يعاقب بالغرامة كل من تعدى على حق من حقوق الملكية المعنوية للغير يحميها القانون أو اتفاقية دولية انضم إليها العراق ويحكم بمصادرة الأشياء التي أنتجت تعدياً على الحق المذكور))(). وتنص المادة (25) من الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلِف على أن:- ((الاعتداء على حقوق المؤلِف جريمة ينص التشريع الوطني على عقوبتها))().
ومن ابرز صور الاعتداء على حقوق المؤلِف في التشريعات العربية، تقليد المصنف، وهو طريق من طرق التزوير المادي: الذي هو تغيير الحقيقة بقصد الغش، تغييراً من شأنه إحداث الضرر بالمصلحة العامة أو بشخص من الأشخاص(). وسنقتصر على الإشارة إلى الأفعال المكونة لهذه الجريمة والعقوبات المقررة على ارتكابها تباعاً كالآتي:-

1) الأفعال المكونة لجريمة التقليد:-

حددت التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلِف الأفعال المكونة لجريمة التقليد وذلك بالنص على انه:- ((يعتبر مكوناً لجريمة التقليد….. كل من ارتكب احد الأفعال الآتية:-
1- من اعتدى على حقوق المؤلِف المنصوص عليها في المواد الخامسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة من هذا القانون.
2- من باع أو عرض للبيع مصنفاً مقلداً أو ادخل إلى العراق دون إذن المؤلِف أو من يقوم مقامه مصنفات منشورة في الخارج وتشملها الحماية التي يفرضها هذا القانون.
3- من قلد في القطر العراقي مصنفات منشورة بالخارج أو باع هذه المصنفات أو صدرها أو تولى شحنها إلى الخارج….))().
ويتحقق الركن المادي في جريمة التقليد بقيام المعتدي بارتكاب فعل من الأفعال المذكورة في النص أعلاه والتي حرمها القانون لتعلقها بحقوق المؤلِف الأدبية والمالية. أما الركن المعنوي فيراد به توافر القصد الجنائي لدى المعتدي.
ولاشك أن حسن النية لا يفترض في جريمة التقليد، بل يقع عبء إثباته على المتهم إذ يفترض فيه سوء النية أو الإهمال الشديد في المقلد لمجرد ارتكابه الفعل المادي للتقليد().

2) العقوبات المقررة على جريمة التقليد:-

تفرض التشريعات التي تنص على جزاءات في حالة ارتكاب جرائم انتهاك حقوق المؤلِف والتي عبر عنها المشرع العراقي بجريمة التقليد. وتقسم هذه العقوبات إلى عقوبات أصلية وأخرى تبعية:-

* العقوبات الأصلية:-

يفرض القانون غرامات مالية على المعتدي لارتكابه جريمة التقليد، وتكون العقوبة الحبس في حالة العود، وقد تحكم المحكمة بالغرامة والحبس معاً أو بإحدى هاتين العقوبتين وفقاً لتقدير القاضي، وفي حالة العود تكون العقوبة اشد().

** العقوبات التبعية:-

فضلاً عن عقوبة الحبس والغرامة، فإن من الجائز للمحكمة أن تقضي بمصادرة جميع الأدوات المخصصة للنشر غير المشروع وإتلاف المصنفات المقلدة وإغلاق المؤسسة التي ارتكبت فيها الجريمة او وقف ترخيصها().
جـ- التعويض:-
يرتب الاعتداء على المؤلَف –محل العقد- أضراراً أدبية ومالية بحقوق المؤلِف، ومن هنا الزم القانون المخطيء بالتعويض. إذ تنص المادة (44) من قانون حماية حق المؤلِف العراقي على انه:- ((لكل مؤلف وقع الاعتداء على حق من حقوقه المبينة بهذا القانون الحق في التعويض المناسب)).
إذ يعد التعويض أثراً لترتب المسؤولية المدنية على المخطيء ، وتختلف طبيعة هذه المسؤولية بحسب نوع العلاقة مع المؤلِف. إذ تقوم المسؤولية التعاقدية إذا كان الاعتداء صادراً من شخص تربطه بالمؤلِف أو بمن آلت إليه حقوق الاستغلال المالي رابطة تعاقدية، ويسأل بموجبها المتعاقد عن الضرر المباشر المتوقع في غير حالتي الغش والخطأ الجسيم. في حين تقوم المسؤولية التقصيرية إذا كان الاعتداء قد وقع من الغير، ويسأل بموجبها الشخص المسؤول عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع.
ويشترط لقيام المسؤولية المدنية وقوع ضرر()، والذي يتمثل بالضرر الأدبي، كالإساءة لسمعة المؤلِف الأدبية ومكانته الفكرية، كما قد يكون الضرر الواقع مالياً، بأن يشكل انتقاصاً من عناصر الذمة المالية للشخص، كتفويت الفرصة على المؤلِف أو من آلت إليه حقوق استغلال المؤلَف للانتفاع بالمؤلَف فضلاً عن الضرر يشترط لقيام المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية وجود خطأ، يتمثل في الحالة الأولى بالإخلال بالالتزامات التعاقدية، وفي الحالة الثانية بالإخلال بالواجبات القانونية وفقاً لمعيار الشخص المعتاد. إلا انه في نطاق قانون حماية حق المؤلِف، فإن الخطأ يفترض وجوده بمجرد الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلِف، الأدبية والمالية، سواء أكان المعتدي تربطه علاقة عقدية مع المؤلِف أم لا توجد مثل هذه الرابطة، إذا ما تعلق الأمر بالمؤلِف. في حين يخضع حكم الخطأ للقواعد العامة إذا وقع الضرر على من آلت إليه حقوق الاستغلال المالي(). ولابد من أن تكون ثمة رابطة سببية تجمع الخطأ بالضرر الواقع.
ويلاحظ أن المحكمة قد تلجأ عند قيام المسؤولية التعاقدية، إلى التنفيذ بواسطة الغرامات التهديدية لدفع المدين المعاند إلى تنفيذ عين ما التزم به()، متى ما كان التنفيذ العيني لا يزال ممكناً كإلزام الناشر بإضافة فقرات معينة حذفها من البحث، خلال اجل معين والالتزام بدفع مبلغ محدد عن كل فترة معينة تمر من دون تنفيذ. وقد يطلب المؤلِف فسخ العقد مع التعويض إذا تمثل الاعتداء بالامتناع عن القيام بما أوجبه العقد.
ويحكم بالتعويض وفقاً لما تم الاتفاق عليه فإن لم يكن التعويض مقدراً في العقد أو بنص القانون فالمحكمة هي التي تتولى تقديره ولها أن تستعين في سبيل ذلك بالخبراء(). ويشمل التعويض ما لحق الدائن (المؤلِف) من خسارة وما فاته من كسب بسبب ضياع الحق عليه أو بسبب التأخر في استيفائه، بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية لعدم وفاء المدين (الناشر) بالالتزام أو لتأخره عن الوفاء به. وفي حالة غش الناشر أو ارتكابه خطأً جسيماً فإن التعويض يشمل أيضاً مالم يكن متوقعاً عادة وقت التعاقد من خسارة أو كسب فائت().
ولا يختلف كثيراً تقدير التعويض في نطاق المسؤولية التعاقدية عنه في المسؤولية التقصيرية. إذ يقدر بما لحق المتضرر من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع، ولكن في حالة المسؤولية التقصيرية يحكم بالتعويض عن الضرر غير المتوقع طالما كان نتيجة للعمل غير المشروع، ويدخل في تقدير التعويض الحرمان من منافع الأعيان().
وعادة ما يقدر التعويض بالنقد، إلا انه من الجائز للمحكمة وبناءً على طلب المتضرر أن تأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، أو أن تحكم بأداء أمرٍ معين، كنشر الحكم في جريدة أو مجلة أو أكثر على نفقة المسؤول().
ويرمي التعويض عن الضرر المالي إلى إزالة الضرر الحاصل بما يقابل الخسارة أو الكسب الفائت، أما التعويض عن الضرر الأدبي فيهدف إلى التخفيف عن المتضرر بما لحقه من إساءة لسمعته أو حريته أو شرفه أو مكانته الاجتماعية، وليس بديلاً عما أصابه من ضرر. كما إن هذا النوع من الضرر يصعب أحياناً تقدير مداه وأثره على المتضرر مما يجعل من الصعوبة أيضاً تحديد التعويض المناسب بصورة دقيقة().
وثمة اعتبارات عديدة تؤخذ بنظر الاعتبار عند تقدير التعويض للمؤلِف المتضرر جراء الاعتداء على حقوقه()، وتتجلى بمكانة المؤلِف العلمية وقيمة لمؤلَفه ومدى تأثير الاعتداء على ذلك. كما يراعى عند تقدير التعويض مدى استفادة المعتدي من استغلال المؤلَف أو استخدامه أو تحويره أو تطويره. فضلاً عما لحق المؤلِف (أو من آلت إليه حقوق الاستغلال المالي) من خسارة أو فاته من كسب. ويعتبر التعويض المحكوم به للمؤلِف (دون غيره ممن تؤول إليهم حقوق الاستغلال المالي) ديناً ممتازاً على صافي ثمن بيع الأشياء التي استخدمت في الاعتداء على حقه وعلى المبالغ المحجوزة في الدعوى، إلى جانب المقابل المالي المتحصل من تصريف نسخ البحث المحجوزة().


الخاتمة
استهدف هذا البحث في الواقع، الوصول إلى فكرة واضحة ودقيقة قدر الامكان،حول اثار عقد التأليف.و الذي ما زال الحديث عنه محل جدل عند رجال القانون و الباحثين حول مدى أهمية هذا العقد،ومدى الحاجة إلى تأطيره بنظام قانوني محدد. وهذا ما حاولنا ان نلقي عليه الضوء خلال بحثنا هذا ،من خلال تحديد التزامات أطراف العقد وتوصلنا في الخاتمة إلى أنه:
1-يستد عقد التأليف بالدرجة الأساس على تخصص احد أطرافه وهو (المؤلِف)،حيث يكون لهذا الأخير دوراً إبداعياً مبتكراً لمؤلَف يوافق أهداف المتقاعد الأخر والذي يسمى بالناشر.
2-يعد التزام المؤلِف بتقديم الأداء الرئيسي في عقد التأليف. وهذا الالتزام يعد التزاماً بتحقيق نتيجة وليس ببذل عناية، وذلك لأن المؤلِف ملزم بتقديم المؤلَف (محل العقد). من منظور الشخص الممتهن الخبير و أن المنطق السليم يقضي بمساءلته عند تنفيذه عقد أبرمه ولم يدرك عدم قدرته على تنفيذه.
3-أما عن الطبيعة القانونية لالتزام المؤلِف في عقد التأليف ، والتي من خلالها يمكن تحديد مسؤولية المؤلِف في ضرورة مطابقة المؤلَف لرغبات الناشر أو للمواصفات المتفق عليها والتي يتطلع الناشر لتحقيقها. فأنه يمكن الاعتماد على معيار الاحتمالية ومدى دور أطراف العقد في تحقيق النتيجة المطلوبة، وذلك على النحو الأتي:
أ=إذا كانت هذه النتيجة محتملة الوقوع أو أن تحقيقها يتوقف على دور الناشر في تقديم المعلومات ، فأن الالتزام يكون التزاماً ببذل عناية.
ب=أما إذا كانت النتيجة المطلوبة أو الغرض المقصود مؤكد الوقوع كما إذا تعلق الأمر بتسليم مؤلَف معد سلفاً و كان المؤلِف قد أعلن صراحةً عن مواصفات وكفاءة هذا المؤلِف ، فأن التزام المؤلِف في هذه الحالة يعتبر التزاماً بتحقيق نتيجة .
4- ينبغي على المؤلِف الاستعلام من المتعاقد الأخر ((الناشر)) عن طبيعة حاجته وغرضه من استخدام المؤلَف ، وان يقوم بتوجيه اختياره نحو ما يتناسب وهذه الاحتياجات ، كما يتوجب بالمقابل على الناشر الإفضاء عن حاجته بصورة واضحة ويسمى هذا الالتزام بالتعاون.
وتوصلنا الى أن التزام الإطراف يعتبر التزاماً بتحقيق نتيجة في الأحوال التي لا يرتبط فيها الوفاء بهذا الالتزام تدخل المتعاقد الأخر أو شخص من الغير.
5- وينبغي على المؤلِف المحافظة على أسرار المؤلَف وعدم استعمالها أو إفشائها حتى في حالة غياب شرط أو أتفاق عدم الاستعمال الشخصي للمعلومات التي وصلت إلى علمه بسبب أبرام عقد التأليف . ويستمر الالتزام بالمحافظة على سرية المعلومات والبحث حتى بعد انتهاء مدة العقد مالم يتم الاتفاق على عكس ذلك .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قائمة المراجع
أولاً// باللغة العربية :-
د. أحمد عبد الكريم أبو شنب – شرح قانون العمل الجديد، مكتبة دار الثقافة، عمان، 1999 .
د. أحمد محمود سعد – نحو إرساء نظام قانوني لعقد المشورة المعلوماتية، القاهرة، 1995 .
د. حسام الدين الاهواني – الحق في احترام الحياة الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1978 .
د. حسن علي الذنون –المبسوط في المسؤولية المدنية، ج1، الضرر، مطبعة التايمس، بغداد، 1991 .
د. حسن كيرة – أصول قانون العمل، عقد العمل، ط3، الإسكندرية، 1979.
حسن محمد علوب – استعانة المتهم بمحام في القانون المقارن،القاهرة،1970
زهير البشير – الملكية الأدبية والفنية (حق المؤلف)، الموصل، 1989 .
د. سهيل حسين الفتلاوي – حقوق المؤلف المعنوية في القانون العراقي، بغداد، 1970 .
د. صالح بن بكر الطيار – العقود الدولية لنقل التكنولوجيا، ط2، مركز الدراسات العربي_الأوربي، 1999 .
د. طلبة وهبة خطاب –المسؤولية المدنية للمحامي، القاهرة، 1986 .
عبد الرشيد مأمون شديد – عقد العلاج بين النظرية والتطبيق، القاهرة، بلا سنة طبع .
_______________ - أبحاث في حق المؤلف، الكتاب الأول، القاهرة،1986 .
د. عدنان العابد و د. يوسف الياس –قانون العمل، ط1، بغداد، 1980 .
د. عصمت عبد المجيد بكر – المدخل إلى البحث العلمي، وزارة الثقافة، بغداد، 2001 .
_______________ و د. صبري حمد خاطر – الحماية القانونية للملكية الفكرية، ط1، بيت الحكمة، بغداد، 2001 .
د. محسن شفيق –نقل التكنلوجيا من الناحية القانونية، القاهرة، 1984 .
د. محمد عبد الظاهر حسين – المسؤولية المدنية للمحامي تجاه العميل، القاهرة، 1993 .
د. محمد لبيب شنب – شرح أحكام عقد المقاولة، القاهرة، 1962 .
د. محمود الكيلاني – عقود التجارة الدولية في مجال نقل التكنلوجيا، مطبعة عبير حلوان، 1988 .
محمود مصطفى – مدى المسؤولية الجنائية للطبيب إذا أفشى سراً من أسرار مهنته، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد، السنة(11)، العدد الأول، 1945 .
د. محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات –القسم الخاص، ط2، القاهرة، 1994 .
د. نزيه محمد الصادق المهدي – الالتزام قبل التعاقدي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1982 .
نصير صبار لفته – التعويض العيني،دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة النهرين، 2001 .
نواف كنعان – حق المؤلف ( النماذج المعاصرة لحق المؤلف ووسائل حمايته )، ط3، عمان، 2000 .
د. وفاء حلمي أبو جميل – الالتزام بالتعاون، دراسة تحليلية وتأصيلية، القاهرة، 1988 .
ثانياً// باللغة الفرنسية:-
Jourdain (p) – Devoir de Renseigner " Contribution a L'etude de L'obligation du Renseignement " , Paris, 1983 .
N. Rebul –Le contrars des conseil , Paris, 1997 .
Starck – Les obligations, ed Paris, 1972 .
Vivant et Lucas ( A) –Chronique droit de L'informatique, J.C.P,1992 .

ابحث عن موضوع