العالم الرأسمالي في مواجهة أزمات ما بعد الحرب العالمية الأولى

العالم الرأسمالي في مواجهة أزمات ما بعد الحرب العالمية الأولى

مقدمة
شهد العالم الرأسمالي بعد الحرب العالمية الأولى أزمات اقتصادية ونقدية أبرزها أزمة1929،وكان لها أثر على الحياة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا.  تم تجاوزها بنهج سياسات مختلفة.

1- شهد العالم الرأسمالي أزمة اقتصادية بعد الحرب تلتها مرحلة ازدهار اصطناعي

- أزمة 1920/1921:

حدث تدمير للبنية الاقتصادية لدول أوربا بسبب ح ع الأولى،واستفادت من ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا التي منحت قروضا للدول المتضررة،وأدى تزايد حجم القروض إلى حدوث تضخم نقدي(ارتفاع متزايد للأسعار)،وقامت الو.م.أ.بالرفع من الإنتاج لتلبية حاجيات الدول الأوربية،لكن تجميد القروض أدى إلى تراجع الاستهلاك بدول أوربا،ونتج عن ذلك حدوث فائض كبير في الإنتاج،وتراجع الأسعار،وإفلاس عدة مؤسسات صناعية وفلاحية،(في سنة1920ارتفع الإنتاج العالمي للحبوب خاصة في استراليا وكندا)وانتشار البطالة والفقر(هجرة كبيرة من البوادي بسبب الأزمة وتزايد عدد العمال وانخفاض الأجور)،وكان ذلك مجالا لانتشار الأفكار والتنظيمات الفاشية والعنصرية. - ازهار1922/1929:نهج الحزب الجمهوري(الرئيس هاردينغ وكوليدج وهوفر)الليبرالية المطلقة وتم الرفع من الرسوم الجمركية(59%)وعاد الرخاء إلى البلاد بحدوث تطور في وسائل المواصلات وطرق الإنتاج(طريقة العمل المتسلسل) واستعمال واسع لمصادر الطاقة وخاصة الفحم والبترول وإنتاج الكهرباء،ونتج عن ذلك ارتفاع الإنتاج الصناعي والفلاحي،وإذا كانت أسعار المنتجات الفلاحية قد انخفضت وأثر ذلك سلبيا على الفلاحين وانخفض الدخل الفلاحي،فإن ارتفاع أسعار المنتجات الصناعية مقابل ضعف أجور العمال جعل الدول الرأسمالية تقدم على تشجيع الاستهلاك عن طريق الإشهار والبيع بالمصارفة فحدث رواج اقتصادي،واستخدمت القروض في الاستهلاك وتنمية الإنتاج وكذلك في شراء الأسهم،وحدث إقبال كبير على شراء الأسهم من أجل الربح وارتفعت أسعار الأسهم أكثر من حجم الإنتاج الاقتصادي إضافة إلى عدم مسايرة القدرة الشرائية لسرعة تطور الإنتاج.وبدا أن الرخاء الأمريكي مؤقت وظاهري.

2- عرف العالم الرأسمالي أزمة اقتصادية انطلاقا من بورصة وول ستريت سنة1929

- حدوث أزمة1929:

انطلقت الأزمة من بورصة وول ستريتWall Streatيوم الخميس الأسود24/10/1929حيث عرض 16مليون سهما دون أن تجد من يشتريها،فانخفضت قيمة الأسهم،وعجز المضاربون ورجال الصناعة عن تسديد ديونهم للبنوك فانتقلت الأزمة إلى البنوك(إغلاق40ألف بنك ما بين1929-1932)،وتراجع الاستهلاك،وتزايد فائض الإنتاج،وتم توقف عدد من المصانع وتعرض العمال للبطالة،وانتقلت الأزمة إلى الميدان الفلاحي.وحدثت الأزمة في دول أوربا بسبب سحب البنوك الأمريكية لأموالها من البنوك الأوربية،وبسبب العلاقات التجارية.وانتقلت الأزمة إلى المستعمرات بسبب تراجع طلب المواد الأولية.وظل الاتحاد السوفياتي بعيدا عن تأثير الأزمة بسبب نهج سياسة التخطيط،وعدم ارتباطه بالدول الرأسمالية. - تجاوز الأزمة:تعاملت الدول مع تأثيرات الأزمة بطرق مختلفة،ففي الو.م.أ.اعتبر الرئيس الأمريكي هوفر أن الأزمة عابرة، ورفض تدخل الدولة واقتصر على اتخاذ إجراءات تهم مواجهة التضخم وتقليص النفقات العمومية والأجور،وساهم ذلك في تفاقم الأزمة،وانتصار الحزب الديمقراطي في الانتخابات،وقام الرئيس الأمريكي روزفلت(1932-1945)بالاستعانة بفئة من الباحثين الجامعيين(تروست الأدمغة)وبتبني آراء الليبراليين الجدد(نظرية كينز)ووضع الخطة الجديدة New Dealالتي ترتكز على مراقبة الدولة لعملية الإنتاج والتسويق وتقديم المساعدة للقطاعات الاقتصادية المتضررة وتنظيم البنوك والبورصة والمؤسسات الصناعية،وتخفيض ساعات العمل لفتح المجال للتشغيل،وتخفيض قيمة الدولار لتشجيع الصادرات وإنجاز الدولة للأشغال الكبرى لمواجهة البطالة.وفي ألمانيا تدخلت الدولة النازية وأخضعت لها مختلف المجالات الاقتصادية،وتم تشغيل واسع للعاطلين في الجيش والشرطة. عرف العالم الرأسمالي أزمات سياسية ساهمت في توسع نفوذ الديكتاتوريات شهدت الدول الليبرالية تراجعا لصالح التنظيمات اليمينية المتطرفة

- الأزمة السياسية:

حدث بعد نهاية الحرب العالمية الأولى تزايدت
الأنظمة الديمقراطية بأوربا،واسترجعت البرلمانات سلطاتها التشريعية،غير أن تعرض الدول الرأسمالية للأزمات الاقتصادية جعلها تعرف عدم استقرار سياسي بسبب تعرض الحكومات لسحب الثقة من طرف البرلمانات،واصطدمت الأحزاب في الغالب بعدم القدرة على تشكيل أغلبية برلمانية لممارسة الحكم في ظروف مريحة،وتكونت أغلبيات غير منسجمة(تحالف العمال والمحافظين في بريطانيا). - ظهور تنظيمات متطرفة:ساهم عدم الاستقرار السياسي في ظهور حركات وتنظيمات معادية للديمقراطية الليبرالية.وشجع نجاح الثورة البلشفية الروسية في تصاعد دور النقابات والأحزاب المتبنية للفكر الماركسي،وانشقت مجموعة من الأحزاب الشيوعية عن الأحزاب الاشتراكية،ونهجت بعضها سياسة العنف لمواجهة الأنظمة الرأسمالية وخاصة في ألمانيا(أحداث1919، 1921،1923)،وتمكن الشيوعيون الإيطاليون من رفع عدد مقاعدهم في البرلمان. - وساهم تدهور الوضعية الاجتماعية في توسع نفوذ التنظيمات اليمينية المتطرفة،ففي إيطاليا تأسس الحزب الوطني الفاشي بزعامة بينيتو موسوليني الذي استخدم العنف للوصول إلى السلطة حيث عينه الملك الإيطالي إيمانويل IIIرئيسا للحكومة سنة1922.وفي ألمانيا أسس أدولف هتلر الحزب الوطني الاشتراكي الألماني وعينه الرئيس هندنبورغ مستشارا للرايخالألماني سنة1933.
تصاعد المد الديكتاتوري في العشرينيات والثلاثينيات

- صعود الأنظمة الديكتاتورية:

لم تستطع دول أوربا الشرقية والجنوبية الحفاظ على الأنظمة الديمقراطية إذ صعدت إلى الحكم أنظمة ديكتاتورية محافظة(إسبانيا والبرتغال وهنغاريا والنمسا ..)وهي دول ليس لها تقاليد ديمقراطية وضعيفة التصنيع. - ألمانيا النازية:تمكن هتلر بعد وفاة رئيس ألمانيا هندنبورغ أن ينصب نفسه رئيسا سنة1934،واتخذ لقب الفوهرر وتحكم في كافة السلطات التنفيذية والتشريعية.وأسس فرق الأمن العسكرية والشرطة السرية( الجستابو)التي تخصصت في متابعة المعارضين وقتلهم.واعتبر هتلر أن الألمان(الجرمان)هم عنصر الأسياد.ورأى ضرورة توفير المجال الحيوي للألمان بالتوسع.

خاتمة
عرفت الدول الرأسمالية أزمات اقتصادية،كان لها أثر على الأوضاع الاقتصادية
والاجتماعية،وساهمت في صعود التنظيمات الفاشية والنازية إلى الحكم،وفي عودة التوتر
الدولي من جديد.

دروس من طرف ABDELGHANI
AMHIOUAH
www.lfraja.on.ma

ابحث عن موضوع