بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تقسيم القانون من حيث درجة الالزام ( القواعد الامرة والقواعد المكملة)

إن قواعد القانون كلها ملزمة، فكل قاعدة تضمنت أمرا ينطوي على إلزام، وتوجت بجزاء يوقع عند المخالفة. غير أن درجة الإلزام تختلف في بعض القواعد عن البعض الأخر. فالقانون في حالات معينة ينظم سلوك الأشخاص بمقتضى قاعدة محددة ولا يرضى بغيرها بديلا، وقد ينظمه على النحو يترك فيه لأطراف العلاقة حرية إقرار حكم مخالف لما رسمته القاعدة.

وعلى هذا النحو، فإن المشرع وهو يخاطب الأشخاص وبمقتضى قواعد معينة نراه أحيانا يستعمل الأسلوب البات القطعي، فلا يجيز لهم إقرار قاعدة تنظم علاقاتهم على غير ما رسمه وحدده ، وأحيانا أخرى نراه يبيح للأشخاص صراحة أمر مخالفة النص واعتماد قاعدة أخرى يرونها صالحة لتنظيم علاقاتهم.

وقد اصطلح على مجموعة القواعد الباتة التي تلزم كل الأطراف العلاقة بالخضوع الكامل إليها ولا يملكون سلطة أو حرية في مخالفتها، بالقواعد الآمرة . وهناك من أطلق عليها القواعد الباتة . أما مجموع القواعد التي ترك المشرع فيها منفسا للأفراد وحرية في استبعادها ،وتبني حكما يخالفها ، اصطلح على تسميتها بالقواعد المفسرة أو المكملة . وقيل أن المقصود بعبارة المفسرة أن هذه القواعد تفسر إرادة المتعاقدين في حالة اتفاقهم على مخالفة حكم المسألة التي تنطبق عليها القاعدة.

ويبدو جليا أن عبارة القواعد المكملة أكثر دقة وصوابا من عبارة القواعد المفسرة وذلك لدلالة الأولى على أن هذا النوع من القواعد هو مكمل لإرادة المتعاقدين ، فمن خلال القاعدة المكملة لا يخاطب المشرع الأشخاص بمقتضى حكم فريد وحيد جازم بات ، وإنما يقترح على أطراف العلاقة حكم آو حلا،ويجيز لهم إمكانية الاستغناء عنه أو استبداله بحكم آخر ، فان استغنوا على ما رسمه المشرع واعتمدوا قاعدة أخرى الزم كل طرف في العلاقة باحترام ما تم الاتفاق عليه ، وإن غفلوا عن هذه المسالة وحدث نزاع لجأ القاضي للقاعدة التي حددها المشرع واتخذها مصدرا لحل النزاع المعروض عليه .

وطالما يعتمد المشرع أحيانا أسلوب القواعد الآمرة والقواعد المكملة أحيانا أخرى ، فان السؤال الذي يتبادر للأذهان هو متى يستعمل المشرع أسلوب القواعد الآمرة ومتى يستعمل أسلوب القواعد المكملة ؟؟

يلجا المشرع إلى أسلوب القاعدة الآمرة إذا تعلق الأمر بالنظام العام أو بالمصالح العليا والأساسية للمجتمع ، فكل مسألة ذات علاقة بهذا المحور الأساسي وجب أن تصاغ في شكل قاعدة آمرة ، ولا ينبغي ترك المجال للأفراد لمخالفتها ، لأن فتح المجال لهم من شانه أن يسقط مفهوما قانونيا اسمه النظام العام ، فتزول معالمه وسط اتفاقيات الأفراد المختلفة..

وتأسيسا على ما تقدم وللمحافظة على المصالح العليا في المجالات المختلفة، السياسية الاجتماعية الخلقية الاقتصادية ،وجب أن يحصن المشرع مجموعة مبادئ ، بالنظر لأهميتها فلا يجيز للأفراد تجاوزها أو الاعتداء عليها ، ووسيلة المحافظة هي استعمال القواعد الآمرة.



طريقة التمييز بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة:

خلصنا من العرض السابق أن القاعدة الآمرة هي التي تتعلق بالنظام العام، والتي لا يجوز للأشخاص الاتفاق على ما يخالفها. والقاعدة المكملة هي القاعدة التي أجاز فيها المشرع للأفراد الاتفاق على مخالفتها.ومن هنا يطرح سؤال آخر ما هو المعيار الذي يجب اعتماده للتمييز بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة ؟

سلك الفقه للتمييز بين القاعدة الباتة والقاعدة المكملة طريقتين تعتمد الأولى منها على دلالة عبارة النص و الثانية على مدى اتصال النص و علاقته بالنظام العام وقبل استعراض ذلك نفضل في البداية تبيان فائدة التمييز.

فائدة التمييز بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة :

طالما كانت القواعد الآمرة هي مجموع القواعد القطعية الباتة التي لم يجز المشرع للأشخاص مخالفتها ، وان القواعد المكملة هي قواعد اعترف بموجبها المشرع للأشخاص بصلاحية إتمامها وإقرار قاعدة مخالفة لما جاءت به ، فإن فائدة التمييز بين هذين النوعين من القواعد تكمن في الجزاء المترتب على مخالفة القاعدة ، فإذا كانت القاعدة آمرة فان الجزاء قد يظهر إما في صورة بطلان للعقد أو تعويض أو حبس أو غرامة أو غيرها من صور الجزاء التي رأيناها ، فحسب طبيعة المخالفة ودرجة الضرر وآثاره . كما لو فرض المشرع الرسمية في عقد معين وتجاوز أطرافه مثل هذا الركن ، فان العقد يقع باطلا أو كمن يستولي على مال غيره بالسرقة فان جزاء يتحمله المخالف . أما لو تعلق الأمر بقاعدة مكملة فان المشرع أباح فيها صراحة للأفراد إمكانية مخالفتها ، ومن ثم فان اتفق أطراف العلاقة على استبعاد ما اقره المشرع ، أمر رخص به القانون ذاته ، ولهم إتباع ما اتفقوا عليه دون أن يرتب المشرع على هذه المخالفة أي نوع من الجزاء.

فإذا نص المشرع في أحكام عقد البيع مثلا ،بأن الثمن ينبغي تسليمه وقت تسلم المبيع أو بحسب الإتفاق ، فانه يجوز لأطراف العلاقة تأجيل مسألة الدفع إلى وقت لاحق عن تسليم المبيع.

وبناء على ما تقدم فان فائدة التمييز بين القواعد الآمرة والمكملة تكمن في أن إرادة أطراف العلاقة بشان القواعد المكملة تتمتع بحرية استبدال القاعدة التي اقترحها المشرع بقاعدة أخرى. لأن المشرع فوض الأطراف سلطة تشريع قاعدة خاصة، وهذه الحرية في مخالفته النص تزول إذا تعلق الأمر بقاعدة آمرة التي سد فيها المشرع كل مجال ومنفذ للمخالفة بالنظر لأهميتها ومدى صلتها بالنظام العام.

وجدير بالإشارة أن القاعدة ولو كانت مكملة تظل تتمتع بصفة الإلزام لأن القول بخلاف ذلك من شأنه أن يخرجها من عداد القواعد القانونية. كما أن المشرع حين يقترح على الأفراد قاعدة لتنظيم مسألة معينة ويفسح أمامهم مجالا لمخالفتها واستبدالها بقاعدة أخرى يقرونها ، لا يعني انه خلع عنها صفة الإلزام بل تظل تتمتع بهذه الصفة فيلزم كل طرف في العلاقة بالخضوع لما تم الاتفاق عليه وفي حالة عدم الاتفاق يطبق حكم المشرع لذلك قال أحد الفقهاء :" إن القواعد المكملة لا تنطبق إلا عند عدم انطباق قانون العقد "







معايير التمييز:

أ- المعيار اللفظي:

قد تدل عبارة النص وصياغته وألفاظه أن القاعدة القانونية الواردة به آمرة ، كما لو صرح النص بعدم جواز الاتفاق على ما يخالف مضمونه ، أو أبطل كل اتفاق على ما يخالف حكمه ، أو عاقب من يخالف هذا الحكم ، فتأتي القاعدة على هذا النحو مثلا بالصيغة التالية : لا يجوز ، يقع باطلا ، لا يصح ، يعاقب ، يتعين ، يلزم...وغير ذلك من الألفاظ ما يفيد الأمر أو النهي.

وقد تأتي بألفاظ تخالف الأولى فتحمل بين طياتها إجازة صريحة للأفراد لإقرار ما يخالف مضمون القاعدة مثلا العبارة التالية : ما لم يوجد اتفاق بين خلاف ذلك ، يجوز الاتفاق بين.....

ويعتبر المعيار اللفظي معيارا جامدا لأنه يحدد طبيعة القاعدة كونها آمرة أو مكملة ، تحديدا لا يحتاج إلى بذل أي مجهود عقلي أو مباشرة أية سلطة تقديرية .

ب- المعيار المرن :

تعتبر القاعدة آمرة وفق هذا المعيار ليس بالنظر لألفاظها وعباراتها ، وإنما بالنظر لموضوعها فهي تحمل موضوعا له علاقة مباشرة بالنظام العام . ويقصد بالنظام العام كما قلنا مجموع المصالح الأساسية لمجتمع سواء كانت هذه المصالح سياسية أو خلقية أو اقتصادية أو اجتماعية . فكل قاعدة تحمل بين طياتها موضوعا له صلة بالمصلحة الأساسية للمجتمع في الجانب الخلقي أو الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي ..اعتبرت قاعدة آمرة .

وغني عن البيان أن فكرة النظام العام اصطلاح شامل فضفاض يصعب تحديده خاصة أمام عدم وضوح ما يسمى بالمصالح العليا ، وعدم ثبات المصلحة وتغيرها من زمن إلى زمن . كما تتأثر فكرة النظام العام بالاتجاه الفلسفي السائد في الدولة ، وأمام جميع هذه المتغيرات وجب بالتبعية أن يكون معيار النظام العام معيارا مرنا يستوعب الكثير أمام سعة مدلوله .

أمثلة عن القواعد الآمرة والمكملة في القانون الجزائري:

سبق القول أن المشرع وهو يخاطب الأشخاص يستعمل أحيانا أسلوب القاعدة الآمرة ، وأحيانا أخرى أسلوب القاعدة المكملة ، فإلى أي مدى تتواجد القواعد الآمرة والمكملة بين فروع القانون العام والخاص.

هناك تعليقان (2):

  1. استفسار حول التعرف علي بعض القواعد الملزمة والغير ملزمة

    ردحذف
    الردود
    1. لا اعرف مذا تقصد بسؤالك لكن التمييز يكون على اساس وجود اتفاق كما ان لقواعد الملزمة او الأمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها

      حذف