مجلة الاقتصاد الإسلامي - المجلد العاشر
البنك الإسلامي : أتاجر هو أم وسيط مالي ؟
محمد علي القري
أستاذ مشارك - مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
كلية الاقتصاد والإدارة - جامعة الملك عبد العزيز- جدة
المستخلص : تحاول الورقة إثبات أن الباعث على السؤال هو أن القوانين الوضعية تفرق من حيث التكليف بين مؤسسات التجارة ومؤسسات الوساطة المالية ، فما كان جائزاً في نشاط الأول ربما لا يكون مسموحاً للثاني بممارسته ، أما الأحكام الشرعية فليس فيها هذا التفريق ، فما كان محرماً كان كذلك لجميع المكلفين ، ولذلك فالسؤال ليس له أهمية من الناحية الشرعية ، ثم ذكرت أن المبرر الاقتصادي للتفريق بين التاجر والوسيط المالي هو حاجة الأخير للمواءمة بين الأصول والخصوم من حيث المخاطر وأن هذه الحاجة ليست ملحة في نموذج المصرف الإسلامي الذي يعتمد على فكرة المضارب يضارب ، ثم حاولت إثبات أن المسلمين قد عرفوا الوساطة المالية التي اعتمدت عندهم على عقد المضاربة .
مقدمة
هذا السؤال كثير التردد في دوائر العمل المصرفي الإسلامي ، وقبل محاولة الإجابة عنه أرى من المناسب البحث في الباعث على هذا السؤال لأن مثل هذا البحث سيساعدنا كثيرا في الإجابة. إن الباعث على هذا السؤال ليس حاجة التصور الشرعي للعمل المصرفي الإسلامي ، ولكنه امتداد للمناقشات التي تجري في دوائر المصارف غير الإسلامية حول العمل المصرفي الإسلامي ، وسبب ذلك أن النظام القانوني الوضعي يعتمد على تقسيم القوانين بحسب أولئك الذين يخضعون لأحكامها، فمثلا هناك القانون التجاري وهو قانون التجار ، وهناك قانون المصارف وهو ينطبق فقط على مؤسسات الوساطة المالية وهناك قانون العمل ولا تسري أحكامه إلا على من ينطبق عليه تعريف العامل ... الخ .
وفي كثير من الأحيان يجيز القانون التجاري للتجار ممارسة تصرفات ونشاطات لا يجيزها لسواهم وهم يتمتعون بها لمجرد أنهم تجار ، ويمنع سواهم من ممارسة نفس ذلك العمل (فمثلا موظف الخدمة المدنية ممنوع من ممارسة التجارة) . ولذلك جرى العرف والقانون على حصر نشاط البنوك التجارية في الوساطة المالية بعيدا عن التجارة ، كما أن القوانين التجارية قامت على حصر نشاط التجار في التجارة بعيدا عن عمل المصارف وعن الوساطة المالية . ومن هنا جاء التساؤل التالي ...
هل المصرف الإسلامي تاجر أم وسيط مالي ؟
فإذا نظرنا إلى المسألة من المنظور الإسلامي ، ومن منطلق الشريعة نجد أن الأحكام الشرعية في العبادات وفي المعاملات ليس فيها جزء مخصوص للتجار وآخر للوسطاء الماليين ولكنها تتعلق بالمكلفين (الإسلام ، العقل ، البلوغ ... الخ) ومن ثم فليس في الشريعة "مكلف" اسمه وسيط مالي له أحكام خاصة به، كما أنه ليس فيها تاجر يختلف في أحكامه عن بقية المكلفين لمجرد أنه كذلك، فالعلاقات بين الناس التي يترتب عليها التزامات وحقوق ينظر إليها من منظار التكليف وما كان محرما على أي واحد منهم فهو محرم على الجميع لا يخرجه من الحرمة أن الممارس له تاجر أو موظف أو وسيط مالي . والمباح مباح للجميع تجارا كانوا أم غير تجار . وكما أن القوانين الوضعية تسأل هل أنت تاجر أم وسيط مالي ، فهي تسأل هل أنت تاجر أم موظف لمن كان يبيع ويشتري وهو في سلك الخدمة المدنية كما أسلفنا ، ولكن السؤال لا يترتب عليه حل ولا حرمة من ناحية الشرعية . وكذلك الحال في الأول ، فلماذا نسأل إذن "هل أنت وسيط مالي أم تاجر" الجواب عن ذلك : لأن هذا السؤال قانوني وليس شرعي . لا ننكر أن لولي الأمر أن يصدر من اللوائح والتعليمات ما يحقق الاستقرار في المعاملات بين الناس وينظم حياتهم الاقتصادية والتي ربما كان فيها منع لمباح لتحقيق مصلحة يراها ولي الأمر أو حصر نشاط معين في فئة محددة. لكن تلك مسألة أخرى .
على ذلك فإن إثبات أن المصرف الإسلامي "تاجر" لا يترتب عليه حكم شرعي وكذلك الحال في إثبات أنه وسيط مالي . إن الحكم على تصرفاته وجواز نشاطه معتمد على النظر في هذه النشاطات للتأكد أنها خلو من المحرمات ومن مفسدات العقود .
نستطيع أن نقرر إذن أن السؤال ليس ذا بال من الناحية الشرعية . هذا لا يعني أنه غير مهم من الناحية العملية لكن لابد من التأكد أننا ننظر إليه من خلال المنظور المناسب .
مبررات التفريق بين عمل الوسيط المالي وعمل التاجر
اعتمدت فكرة المصرف التجاري التقليدي على التوسط بين المدخرين (فئة الفائض) والمستثمرين (فئة العجز) بالاقتراض من الطرف الأول ثم الإقراض إلى الطرف الثاني. هذه الوساطة الغرض منها "فصل" المخاطر بإدخال المؤسسة المصرفية بين أرباب الأموال ومستخدمي هذه الأموال. فالمدخر لا يهتم بالمخاطر في النشاط الذي تستخدم الأموال فيه بل ينظر إلى المخاطر التي يتضمنها التعامل مع هذا البنك ، فيقولون عن المدخر أنه "يأخذ مخاطرة البنك" . أما مخاطرة المستثمر (أي مستخدم الأموال) فيتحملها البنك ، ولذلك يقولون إن البنك "يأخذ مخاطرة العميل". ومن ثم اتجهت القوانين المصرفية إلى ضرورة أن يتوفر المصرف على قدرة مالية تمكنه من الوفاء بالتزاماته تجاه المودعين حتى لو لم يف المستثمرون بالتزامهم تجاهه لانفصال الأمرين عن بعضهما البعض ، ولذلك فإن فكرة المخاطرة في العمل المصرفي التقليدي ، إنما تدور حول هذه المسألة وهو المواءمة بين الأصول والخصوم ، أي موارد البنك ، وأهمها الودائع واستخدامات أمواله وأهمها القروض . يعد المصرف في خطر جسيم مثلا إذا تقبل ودائع بفائدة ثابتة وأعطى قروضا بفائدة متغيرة لأن المخاطر غير متوائمة .
إن مواءمة المخاطر في جانبي الأصول والخصوم هي أهم عمل تقوم به إدارة أي مصرف ، والفرق بين الإدارة الناجحة والإدارة الفاشلة هو في مدى القدرة على "إدارة المخاطر" .
أما فكرة المصرف الإسلامي فهي قائمة على أساس مختلف تماما . ذلك أن أرباب الأموال (المودعين) هم الذين يتحملون مباشرة مخاطر المستثمرين . ولذلك فإن عمل البنك الإسلامي مختلف تمام الاختلاف ، فهو لا يقوم على تحمل المؤسسة المصرفية لمخاطر مستخدمي الأموال ، بل هي وسيط يقوم أرباب الأموال من خلاله بتحمل مخاطر الاستثمار مباشرة .
إن للتفريق بين عمل التجار وعمل الوساطة المالية في النموذج المصرفي التقليدي أسباب وجيهة ومبررات منطقية ، لأن المواءمة بين الأصول والخصوم لا تتأتى إلا إذا تساوى مستوى المخاطرة في الجانبين . فإذا حصل المصرف على ودائع قصيرة الأجل ، فإن استخدامها في التجارة، هو نشاط متدني السيولة بطبيعته ، فيه تحمل للمصرف لقدر من المخاطر أكبر مما يسمح به مطلب استقرار العمل المصرفي. ومن ثم لزم منع البنوك من ممارسة التجارة .
هل نحتاج إلى مثل هذا التفريق في النظام المصرفي الإسلامي ؟
إن المصرف الإسلامي المعتمد على نموذج المضارب يضارب (حتى لو اشتغل بالديون في جانب الأصول) يحتاج إلى مواءمة الأصول مع الخصوم فيما يتعلق بمستوى المخاطرة. إنه لا يفعل ذلك لأنه يتحمل هو مخاطرة مستخدمي الأموال (فهو مضارب وليس مقترض في علاقته مع أصحاب الأموال) إلا أن هناك أسبابا أخرى تستدعي مثل تلك المواءمة ومن ثم تبرر الاهتمام بالتفريق بين التاجر والوسيط المالي ، منها :
أ - لأن هناك مستوى معين من المخاطرة يتوقعه أصحاب الأموال عندما يودعون أموالهم لدى المصرف . وهذا المستوى يحدده العرف والعادة وربما القوانين المنظمة لعمل المصرف . ولما تحدد هذا المستوى للمخاطرة في جانب الخصوم (مصادر الأموال) ، صار على إدارة المصرف أن تتحكم بمستوى المخاطرة في جانب الأصول (استخدامات الأموال) . ولما كان هذا المستوى المطلوب لا يمكن أن يتحقق إذا اشتغل المصرف بالبيع والشراء كما التجار (لأن أولئك الذين يرغبون في تحمل مخاطرة التجارة لا يودعون أموالهم في البنوك) ، كان على هذه المؤسسة أن تكون ذات طبيعة خاصة مختلفة عن عمل التجارة .
ب - ورد النهي عن أنواع من البيوع يمكن أن تستخدم ستاراً يخفي وراءه معاملات ربوية مثل بيع العينة ، وبيع ما ليس عند الإنسان ... الخ ، مع توفر شكلية عقد البيع فيها . ولما كانت العبرة بالعقود هي بالمقاصد والمعاني لم يعتد أكثر الفقهاء بمجرد الشكلية بل نظروا إلى المآلات (نقود بنقود وبينهما حريرة!) . وقد نظر بعض المعاصرين إلى عمل المصارف الإسلامية من هذه الزاوية . وتوجسوا خيفة من الإصرار على القول بأن وظيفة المصرف هي الوساطة المالية لظنهم أن ذلك لا يعدو أن يكون نمطا عصريا للالتفاف على تحريم الربا بأدنى الحيل ، وأن الغرض من مثل تلك المقولة هو التهرب من المتطلبات الأساسية للبيع الحقيقي . لكن النظر إلى هذه المسألة بمنظار التجريد بيّن وجهًا مهمًا من حكمة منع تلك البيوع .
إن انتشار مثل تلك المعاملات الصورية المشار إليها أعلاه يؤدي إلى انفصام الارتباط بين النقود وبين عمليات الإنتاج والتبادل ، لأن النقود ستضحى عندئذ بحد ذاتها مصدرا لتوليد قيمة مضافة (ولكنها غير حقيقية) . فإذا منعت تلك المعاملات أضحت القيمة حقيقية لأنها تتولد في الإنتاج والتبادل . هذا هو الضابط للمسألة في هذا العصر الحديث الذي تبدلت فيه طبيعة السلع وطبيعة النقود وارتقى مستوى التكنولوجيا والعلاقات الإنتاجية بين الأفراد في المجتمع . فإذا ارتبطت عمليات التمويل التي يقدمها المصرف دائما بإنتاج أو تبادل وجب أن يتحقق لدينا الاطمئنان إلى أن عمل المصرف لا يتناقض مع الأهداف الكلية والمرامي البعيدة للنظام الإسلامي، حتى لو كان وساطة مالية .
جـ ـ ومع ذلك يمكن للمصرف أن يعمل مثل التجار لكنه عندئذ سيصبح تاجرا، ومن ثم نحتاج إلى وسيط مالي. ولذلك لابد من تخصص مؤسسة في الوساطة المالية . فإذا تخصص المصرف الإسلامي بالوساطة سد هذه الحاجة ، وإذا اشتغل في التجارة بقيت الحاجة قائمة لمؤسسة الوساطة المالية ، ولم يعد ممكنا لنموذج المصرف الإسلامي أن يكون بديلا عن المصرف التقليدي الذي يعمل بالفائدة ويتخصص في الوساطة المالية .
هل عرف المسلمون قديما الوساطة المالية ؟
الوساطة المالية حاجة ضرورية لأي مجتمع في القديم والحديث . وهناك دلائل على أن المجتمعات قد تبنت ، في كل دورات التاريخ الإنساني ، ترتيبات متنوعة الهدف منها النهوض بهذه الحاجة . ذلك أن المجتمعات منذ الأزل مقسومة في كل لحظة من لحظات التاريخ إلى نوعين من الأفراد أولئك الذين لديهم من الموارد المالية ما يفيض عن حاجتهم الآنية وأولئك الذين لديهم من الحاجات ما لا تغطيه مواردهم المالية الحالية . فلو أنه جرى ترتيب طريقة يتم من خلالها نقل هذه الفوائض (والتي ستبقى عاطلة عن العمل) من فئة الفائض إلى فئة العجز لتحسن مستوى الرفاهية في المجتمع ككل ، لأن فئة الفائض ليست أفرادا بعينهم وكذلك الحال فإن فئة العجز ليست أفرادا بعينهم بل إن كل أفراد المجتمع معرضون لأن يكون في عداد الفئة الأولى أو الثانية في أي وقت من الأوقات .
وقد عرف المسلمون ترتيبا للوساطة المالية ، وكانت صيغة العقد التي اعتمدت عليها عمليات الوساطة هي المضاربة وكما هو الحال في المجتمعات القديمة ، لم تتخصص مؤسسة بهذه الوظيفة بل كانت تتم ضمن هيكل العلاقات الاجتماعية السائدة ، والذي يظهر أن العمل بالمضاربة كان بالغ الانتشار في مجتمعات الإسلام (انظر يودوفتشA. Udovitch ) ، والمضاربة بطبيعتها صيغة من صيغ الوساطة المالية ، ولذلك نهضت بحاجة تلك المجتمعات لاسيما أن جل النشاط المولد للربح في تلك الأزمنة كان في التجارة التي هي المجال الرئيس للمضاربة . إن الوساطة المالية وإن كانت قديمة في المجتمعات الإنسانية إلا أن فهم حقيقة هذا النشاط وإيجاد الإطار الذي يمكن من خلاله عزل الوساطة المالية عن مجمل النشاطات والعلاقات الأخرى هو أمر حديث() .
خصائص مهمة لعقد المضاربة
هناك بعض الخصائص المهمة التي جعلت عقد المضاربة تام المناسبة للوساطة المالية، بل من العجيب أننا لم ننتبه لهذه الخصيصة فيه ، منها أنه :
أولا : عقد جائز لا أجل له ، وهذا ضروري للغرض المشار إليه لأن المدخرين بالجملة يحبون أن تتوفر مدخراتهم على قدر كاف من السيولة ، ولا ريب أن قدرة رب المال على فسخ العقد في أي وقت دون الحاجة إلى موافقة العامل يحقق عنصر السيولة المشار إليه (طبعا يستثنى من ذلك الحالات التي يؤدي ذلك الفسخ إلى الإضرار بالعملية التجارية ومن ثم بنصيب العامل من الربح ولكنه عندئذ يجب أن يصفي تلك التجارة القائمة على رأس مال المضاربة ، ولم يكن ذلك عسيرا لأنها كانت تعتمد على الصفقات وليس الاستثمار طويل الأجل) .
ثانيا : أن العقد لم يلزم رب المال (المدخر) بأن يساهم بأي شيء في هذه الشركة إلا بالمال فحسب . وهذا أمر أساسي في عقد الوساطة المالية لأن المدخر بعيد عن مجالات الاستثمار بسبب العجز كالأيتام والأرامل أو عدم الرغبة (لأنه يستثمر مدخراته بينما هو مشغول بعمل منتج آخر) . ومن ثم فقد تفوّق عقد المضاربة على عقود الشركة الأخرى وعلى عقد العمل (إجارة الآدمي) اللذين يتطلبان جهدا إشرافيا من جانب المدخر .
ثالثا : إن أهم ميزات القرض كصيغة للوساطة المالية (وهو ما اعتمد عليه نموذج المصرف التقليدي) هو انتقال الملك فيه إلى المقترض ، ومن ثم إطلاق يده في الاستثمار المولد للربح لا يحركه في ذلك إلا مصلحته الذاتية . وقد توفرت هذه الخصيصة في المضاربة . ذلك لأن عقد المضاربة يمنع رب المال من التصرف في المال مادام في يد المضارب ، ويطلق يد الأخير في اتخاذ القرارات الاستثمارية فيه كماله الخاص .
رابعا : وأسوأ خصائص القرض كصيغة للوساطة المالية أنه يعزل صاحب المال (المدخر) عن النتائج الحقيقية لعملية الاستثمار. فإذا تحققت الأرباح الكثيرة حرم منها لأنه لا يستحق إلا الفائدة. وإذا تحققت الخسارة لم يتعرض لها ، مما يؤدي إلى إخراج عامل الربح من عملية اتخاذ القرار باختيار المقترض من قبل المدخر . جاءت المضاربة فتفادت وتخلصت من هذه الخصيصة بأن جعلت طرفي العقد يشتركان في الربح والخسارة (لأن العامل سيخسر وقته وجهده) .
خامسا : ومن أقوى ميزات الفائدة المصرفية أنها سعر ، ولذلك تساعد على تحقيق تخصيص للموارد المالية يحقق أهداف عامة ويعكس الندرة النسبية لرأس المال والمخاطرة في عمليات الاستثمار. فجاءت المضاربة لكي تجعل طريقة اقتسام الربح غير محددة بل متروكة لطرفي العقد بحيث يتمكنان من الأخذ بالاعتبار جوانب المخاطرة، والندرة النسبية لرأس المال بحيث تصبح أداة لتحقيق التخصيص المطلوب للموارد المالية .
سادسا : وليس القرض هو الصيغة الوحيدة الصالحة للوساطة المالية . فالوكالة بأجر يمكن أن تكون أساسا لذلك . إلا أنها أقل كفاءة من القرض ، لأنها لا تولد الحوافز المناسبة . ذلك أن عدم ارتباط أجر الوكيل بمعدل الربح (لأن الوكالة بأجر يلزم فيها معلومية الأجر بحيث تجعله مبلغا مقطوعا) فلم يعد لدى الوكيل الحافز لتعظيم الربح . والمضاربة فيها معنى الوكالة لأن العامل فيها وكيل . لكنه وكيل من نوع خاص . فأجره مرتبط بالربح ولذلك فإنها تولد الحوافز المناسبة الصالحة لغرض الوساطة المالية . أخذت المضاربة محاسن الوكالة وتخلصت من أسوأ ما فيها . من كل ذلك نرى أن عقد المضاربة هو عقد وساطة مالية . إلا أننا لم نكتشف بعد الإمكانيات العظيمة التي تتوفر عليها هذه الصيغة .
المراجع
• Udovitch, Abraham L. (1970) Partnership and Profit in Medieval Islam, Princeton. N.J. : Princeton University Press.
________________________________________
The Islamic Bank:
Merchant or Intermediary?
Mohammed Ali Elgari
Associate Professor
Department of Economics
Faculty of Economics and Administration
King Abdulaziz University - Jeddah
Abstract. The paper shows that the motive for the above question is that prevailing laws differentiate between obligations of two types of institutions: mercantile institutions and those of financial intermediation. Certain activities may be permissible for the former institutions and not the latter. But from a Shariah stand point, no such differentiation is entertained. What is permissible or not is equally applicable to all economic entities, hence such a question is irrelevant..
The economic justification for differentiating mercantile from financial intermediary institutions is that the latter need to match the risks of their assets and liabilities. The paper finds this matching much less urgent in an Islamic bank model which is based on the principle of al-mudareb-yudareb (manager/recipient of funds on profit-sharing basis, assigns the funds to another on the same basis).
The paper also shows that early Muslims have known financial intermediation through the madarabah contract.
جميع الحقوق محفوظة لمركز النشر العلمي © 2000 جامعة الملك عبد العزيز
البنك الإسلامي : أتاجر هو أم وسيط مالي ؟
محمد علي القري
أستاذ مشارك - مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
كلية الاقتصاد والإدارة - جامعة الملك عبد العزيز- جدة
المستخلص : تحاول الورقة إثبات أن الباعث على السؤال هو أن القوانين الوضعية تفرق من حيث التكليف بين مؤسسات التجارة ومؤسسات الوساطة المالية ، فما كان جائزاً في نشاط الأول ربما لا يكون مسموحاً للثاني بممارسته ، أما الأحكام الشرعية فليس فيها هذا التفريق ، فما كان محرماً كان كذلك لجميع المكلفين ، ولذلك فالسؤال ليس له أهمية من الناحية الشرعية ، ثم ذكرت أن المبرر الاقتصادي للتفريق بين التاجر والوسيط المالي هو حاجة الأخير للمواءمة بين الأصول والخصوم من حيث المخاطر وأن هذه الحاجة ليست ملحة في نموذج المصرف الإسلامي الذي يعتمد على فكرة المضارب يضارب ، ثم حاولت إثبات أن المسلمين قد عرفوا الوساطة المالية التي اعتمدت عندهم على عقد المضاربة .
مقدمة
هذا السؤال كثير التردد في دوائر العمل المصرفي الإسلامي ، وقبل محاولة الإجابة عنه أرى من المناسب البحث في الباعث على هذا السؤال لأن مثل هذا البحث سيساعدنا كثيرا في الإجابة. إن الباعث على هذا السؤال ليس حاجة التصور الشرعي للعمل المصرفي الإسلامي ، ولكنه امتداد للمناقشات التي تجري في دوائر المصارف غير الإسلامية حول العمل المصرفي الإسلامي ، وسبب ذلك أن النظام القانوني الوضعي يعتمد على تقسيم القوانين بحسب أولئك الذين يخضعون لأحكامها، فمثلا هناك القانون التجاري وهو قانون التجار ، وهناك قانون المصارف وهو ينطبق فقط على مؤسسات الوساطة المالية وهناك قانون العمل ولا تسري أحكامه إلا على من ينطبق عليه تعريف العامل ... الخ .
وفي كثير من الأحيان يجيز القانون التجاري للتجار ممارسة تصرفات ونشاطات لا يجيزها لسواهم وهم يتمتعون بها لمجرد أنهم تجار ، ويمنع سواهم من ممارسة نفس ذلك العمل (فمثلا موظف الخدمة المدنية ممنوع من ممارسة التجارة) . ولذلك جرى العرف والقانون على حصر نشاط البنوك التجارية في الوساطة المالية بعيدا عن التجارة ، كما أن القوانين التجارية قامت على حصر نشاط التجار في التجارة بعيدا عن عمل المصارف وعن الوساطة المالية . ومن هنا جاء التساؤل التالي ...
هل المصرف الإسلامي تاجر أم وسيط مالي ؟
فإذا نظرنا إلى المسألة من المنظور الإسلامي ، ومن منطلق الشريعة نجد أن الأحكام الشرعية في العبادات وفي المعاملات ليس فيها جزء مخصوص للتجار وآخر للوسطاء الماليين ولكنها تتعلق بالمكلفين (الإسلام ، العقل ، البلوغ ... الخ) ومن ثم فليس في الشريعة "مكلف" اسمه وسيط مالي له أحكام خاصة به، كما أنه ليس فيها تاجر يختلف في أحكامه عن بقية المكلفين لمجرد أنه كذلك، فالعلاقات بين الناس التي يترتب عليها التزامات وحقوق ينظر إليها من منظار التكليف وما كان محرما على أي واحد منهم فهو محرم على الجميع لا يخرجه من الحرمة أن الممارس له تاجر أو موظف أو وسيط مالي . والمباح مباح للجميع تجارا كانوا أم غير تجار . وكما أن القوانين الوضعية تسأل هل أنت تاجر أم وسيط مالي ، فهي تسأل هل أنت تاجر أم موظف لمن كان يبيع ويشتري وهو في سلك الخدمة المدنية كما أسلفنا ، ولكن السؤال لا يترتب عليه حل ولا حرمة من ناحية الشرعية . وكذلك الحال في الأول ، فلماذا نسأل إذن "هل أنت وسيط مالي أم تاجر" الجواب عن ذلك : لأن هذا السؤال قانوني وليس شرعي . لا ننكر أن لولي الأمر أن يصدر من اللوائح والتعليمات ما يحقق الاستقرار في المعاملات بين الناس وينظم حياتهم الاقتصادية والتي ربما كان فيها منع لمباح لتحقيق مصلحة يراها ولي الأمر أو حصر نشاط معين في فئة محددة. لكن تلك مسألة أخرى .
على ذلك فإن إثبات أن المصرف الإسلامي "تاجر" لا يترتب عليه حكم شرعي وكذلك الحال في إثبات أنه وسيط مالي . إن الحكم على تصرفاته وجواز نشاطه معتمد على النظر في هذه النشاطات للتأكد أنها خلو من المحرمات ومن مفسدات العقود .
نستطيع أن نقرر إذن أن السؤال ليس ذا بال من الناحية الشرعية . هذا لا يعني أنه غير مهم من الناحية العملية لكن لابد من التأكد أننا ننظر إليه من خلال المنظور المناسب .
مبررات التفريق بين عمل الوسيط المالي وعمل التاجر
اعتمدت فكرة المصرف التجاري التقليدي على التوسط بين المدخرين (فئة الفائض) والمستثمرين (فئة العجز) بالاقتراض من الطرف الأول ثم الإقراض إلى الطرف الثاني. هذه الوساطة الغرض منها "فصل" المخاطر بإدخال المؤسسة المصرفية بين أرباب الأموال ومستخدمي هذه الأموال. فالمدخر لا يهتم بالمخاطر في النشاط الذي تستخدم الأموال فيه بل ينظر إلى المخاطر التي يتضمنها التعامل مع هذا البنك ، فيقولون عن المدخر أنه "يأخذ مخاطرة البنك" . أما مخاطرة المستثمر (أي مستخدم الأموال) فيتحملها البنك ، ولذلك يقولون إن البنك "يأخذ مخاطرة العميل". ومن ثم اتجهت القوانين المصرفية إلى ضرورة أن يتوفر المصرف على قدرة مالية تمكنه من الوفاء بالتزاماته تجاه المودعين حتى لو لم يف المستثمرون بالتزامهم تجاهه لانفصال الأمرين عن بعضهما البعض ، ولذلك فإن فكرة المخاطرة في العمل المصرفي التقليدي ، إنما تدور حول هذه المسألة وهو المواءمة بين الأصول والخصوم ، أي موارد البنك ، وأهمها الودائع واستخدامات أمواله وأهمها القروض . يعد المصرف في خطر جسيم مثلا إذا تقبل ودائع بفائدة ثابتة وأعطى قروضا بفائدة متغيرة لأن المخاطر غير متوائمة .
إن مواءمة المخاطر في جانبي الأصول والخصوم هي أهم عمل تقوم به إدارة أي مصرف ، والفرق بين الإدارة الناجحة والإدارة الفاشلة هو في مدى القدرة على "إدارة المخاطر" .
أما فكرة المصرف الإسلامي فهي قائمة على أساس مختلف تماما . ذلك أن أرباب الأموال (المودعين) هم الذين يتحملون مباشرة مخاطر المستثمرين . ولذلك فإن عمل البنك الإسلامي مختلف تمام الاختلاف ، فهو لا يقوم على تحمل المؤسسة المصرفية لمخاطر مستخدمي الأموال ، بل هي وسيط يقوم أرباب الأموال من خلاله بتحمل مخاطر الاستثمار مباشرة .
إن للتفريق بين عمل التجار وعمل الوساطة المالية في النموذج المصرفي التقليدي أسباب وجيهة ومبررات منطقية ، لأن المواءمة بين الأصول والخصوم لا تتأتى إلا إذا تساوى مستوى المخاطرة في الجانبين . فإذا حصل المصرف على ودائع قصيرة الأجل ، فإن استخدامها في التجارة، هو نشاط متدني السيولة بطبيعته ، فيه تحمل للمصرف لقدر من المخاطر أكبر مما يسمح به مطلب استقرار العمل المصرفي. ومن ثم لزم منع البنوك من ممارسة التجارة .
هل نحتاج إلى مثل هذا التفريق في النظام المصرفي الإسلامي ؟
إن المصرف الإسلامي المعتمد على نموذج المضارب يضارب (حتى لو اشتغل بالديون في جانب الأصول) يحتاج إلى مواءمة الأصول مع الخصوم فيما يتعلق بمستوى المخاطرة. إنه لا يفعل ذلك لأنه يتحمل هو مخاطرة مستخدمي الأموال (فهو مضارب وليس مقترض في علاقته مع أصحاب الأموال) إلا أن هناك أسبابا أخرى تستدعي مثل تلك المواءمة ومن ثم تبرر الاهتمام بالتفريق بين التاجر والوسيط المالي ، منها :
أ - لأن هناك مستوى معين من المخاطرة يتوقعه أصحاب الأموال عندما يودعون أموالهم لدى المصرف . وهذا المستوى يحدده العرف والعادة وربما القوانين المنظمة لعمل المصرف . ولما تحدد هذا المستوى للمخاطرة في جانب الخصوم (مصادر الأموال) ، صار على إدارة المصرف أن تتحكم بمستوى المخاطرة في جانب الأصول (استخدامات الأموال) . ولما كان هذا المستوى المطلوب لا يمكن أن يتحقق إذا اشتغل المصرف بالبيع والشراء كما التجار (لأن أولئك الذين يرغبون في تحمل مخاطرة التجارة لا يودعون أموالهم في البنوك) ، كان على هذه المؤسسة أن تكون ذات طبيعة خاصة مختلفة عن عمل التجارة .
ب - ورد النهي عن أنواع من البيوع يمكن أن تستخدم ستاراً يخفي وراءه معاملات ربوية مثل بيع العينة ، وبيع ما ليس عند الإنسان ... الخ ، مع توفر شكلية عقد البيع فيها . ولما كانت العبرة بالعقود هي بالمقاصد والمعاني لم يعتد أكثر الفقهاء بمجرد الشكلية بل نظروا إلى المآلات (نقود بنقود وبينهما حريرة!) . وقد نظر بعض المعاصرين إلى عمل المصارف الإسلامية من هذه الزاوية . وتوجسوا خيفة من الإصرار على القول بأن وظيفة المصرف هي الوساطة المالية لظنهم أن ذلك لا يعدو أن يكون نمطا عصريا للالتفاف على تحريم الربا بأدنى الحيل ، وأن الغرض من مثل تلك المقولة هو التهرب من المتطلبات الأساسية للبيع الحقيقي . لكن النظر إلى هذه المسألة بمنظار التجريد بيّن وجهًا مهمًا من حكمة منع تلك البيوع .
إن انتشار مثل تلك المعاملات الصورية المشار إليها أعلاه يؤدي إلى انفصام الارتباط بين النقود وبين عمليات الإنتاج والتبادل ، لأن النقود ستضحى عندئذ بحد ذاتها مصدرا لتوليد قيمة مضافة (ولكنها غير حقيقية) . فإذا منعت تلك المعاملات أضحت القيمة حقيقية لأنها تتولد في الإنتاج والتبادل . هذا هو الضابط للمسألة في هذا العصر الحديث الذي تبدلت فيه طبيعة السلع وطبيعة النقود وارتقى مستوى التكنولوجيا والعلاقات الإنتاجية بين الأفراد في المجتمع . فإذا ارتبطت عمليات التمويل التي يقدمها المصرف دائما بإنتاج أو تبادل وجب أن يتحقق لدينا الاطمئنان إلى أن عمل المصرف لا يتناقض مع الأهداف الكلية والمرامي البعيدة للنظام الإسلامي، حتى لو كان وساطة مالية .
جـ ـ ومع ذلك يمكن للمصرف أن يعمل مثل التجار لكنه عندئذ سيصبح تاجرا، ومن ثم نحتاج إلى وسيط مالي. ولذلك لابد من تخصص مؤسسة في الوساطة المالية . فإذا تخصص المصرف الإسلامي بالوساطة سد هذه الحاجة ، وإذا اشتغل في التجارة بقيت الحاجة قائمة لمؤسسة الوساطة المالية ، ولم يعد ممكنا لنموذج المصرف الإسلامي أن يكون بديلا عن المصرف التقليدي الذي يعمل بالفائدة ويتخصص في الوساطة المالية .
هل عرف المسلمون قديما الوساطة المالية ؟
الوساطة المالية حاجة ضرورية لأي مجتمع في القديم والحديث . وهناك دلائل على أن المجتمعات قد تبنت ، في كل دورات التاريخ الإنساني ، ترتيبات متنوعة الهدف منها النهوض بهذه الحاجة . ذلك أن المجتمعات منذ الأزل مقسومة في كل لحظة من لحظات التاريخ إلى نوعين من الأفراد أولئك الذين لديهم من الموارد المالية ما يفيض عن حاجتهم الآنية وأولئك الذين لديهم من الحاجات ما لا تغطيه مواردهم المالية الحالية . فلو أنه جرى ترتيب طريقة يتم من خلالها نقل هذه الفوائض (والتي ستبقى عاطلة عن العمل) من فئة الفائض إلى فئة العجز لتحسن مستوى الرفاهية في المجتمع ككل ، لأن فئة الفائض ليست أفرادا بعينهم وكذلك الحال فإن فئة العجز ليست أفرادا بعينهم بل إن كل أفراد المجتمع معرضون لأن يكون في عداد الفئة الأولى أو الثانية في أي وقت من الأوقات .
وقد عرف المسلمون ترتيبا للوساطة المالية ، وكانت صيغة العقد التي اعتمدت عليها عمليات الوساطة هي المضاربة وكما هو الحال في المجتمعات القديمة ، لم تتخصص مؤسسة بهذه الوظيفة بل كانت تتم ضمن هيكل العلاقات الاجتماعية السائدة ، والذي يظهر أن العمل بالمضاربة كان بالغ الانتشار في مجتمعات الإسلام (انظر يودوفتشA. Udovitch ) ، والمضاربة بطبيعتها صيغة من صيغ الوساطة المالية ، ولذلك نهضت بحاجة تلك المجتمعات لاسيما أن جل النشاط المولد للربح في تلك الأزمنة كان في التجارة التي هي المجال الرئيس للمضاربة . إن الوساطة المالية وإن كانت قديمة في المجتمعات الإنسانية إلا أن فهم حقيقة هذا النشاط وإيجاد الإطار الذي يمكن من خلاله عزل الوساطة المالية عن مجمل النشاطات والعلاقات الأخرى هو أمر حديث() .
خصائص مهمة لعقد المضاربة
هناك بعض الخصائص المهمة التي جعلت عقد المضاربة تام المناسبة للوساطة المالية، بل من العجيب أننا لم ننتبه لهذه الخصيصة فيه ، منها أنه :
أولا : عقد جائز لا أجل له ، وهذا ضروري للغرض المشار إليه لأن المدخرين بالجملة يحبون أن تتوفر مدخراتهم على قدر كاف من السيولة ، ولا ريب أن قدرة رب المال على فسخ العقد في أي وقت دون الحاجة إلى موافقة العامل يحقق عنصر السيولة المشار إليه (طبعا يستثنى من ذلك الحالات التي يؤدي ذلك الفسخ إلى الإضرار بالعملية التجارية ومن ثم بنصيب العامل من الربح ولكنه عندئذ يجب أن يصفي تلك التجارة القائمة على رأس مال المضاربة ، ولم يكن ذلك عسيرا لأنها كانت تعتمد على الصفقات وليس الاستثمار طويل الأجل) .
ثانيا : أن العقد لم يلزم رب المال (المدخر) بأن يساهم بأي شيء في هذه الشركة إلا بالمال فحسب . وهذا أمر أساسي في عقد الوساطة المالية لأن المدخر بعيد عن مجالات الاستثمار بسبب العجز كالأيتام والأرامل أو عدم الرغبة (لأنه يستثمر مدخراته بينما هو مشغول بعمل منتج آخر) . ومن ثم فقد تفوّق عقد المضاربة على عقود الشركة الأخرى وعلى عقد العمل (إجارة الآدمي) اللذين يتطلبان جهدا إشرافيا من جانب المدخر .
ثالثا : إن أهم ميزات القرض كصيغة للوساطة المالية (وهو ما اعتمد عليه نموذج المصرف التقليدي) هو انتقال الملك فيه إلى المقترض ، ومن ثم إطلاق يده في الاستثمار المولد للربح لا يحركه في ذلك إلا مصلحته الذاتية . وقد توفرت هذه الخصيصة في المضاربة . ذلك لأن عقد المضاربة يمنع رب المال من التصرف في المال مادام في يد المضارب ، ويطلق يد الأخير في اتخاذ القرارات الاستثمارية فيه كماله الخاص .
رابعا : وأسوأ خصائص القرض كصيغة للوساطة المالية أنه يعزل صاحب المال (المدخر) عن النتائج الحقيقية لعملية الاستثمار. فإذا تحققت الأرباح الكثيرة حرم منها لأنه لا يستحق إلا الفائدة. وإذا تحققت الخسارة لم يتعرض لها ، مما يؤدي إلى إخراج عامل الربح من عملية اتخاذ القرار باختيار المقترض من قبل المدخر . جاءت المضاربة فتفادت وتخلصت من هذه الخصيصة بأن جعلت طرفي العقد يشتركان في الربح والخسارة (لأن العامل سيخسر وقته وجهده) .
خامسا : ومن أقوى ميزات الفائدة المصرفية أنها سعر ، ولذلك تساعد على تحقيق تخصيص للموارد المالية يحقق أهداف عامة ويعكس الندرة النسبية لرأس المال والمخاطرة في عمليات الاستثمار. فجاءت المضاربة لكي تجعل طريقة اقتسام الربح غير محددة بل متروكة لطرفي العقد بحيث يتمكنان من الأخذ بالاعتبار جوانب المخاطرة، والندرة النسبية لرأس المال بحيث تصبح أداة لتحقيق التخصيص المطلوب للموارد المالية .
سادسا : وليس القرض هو الصيغة الوحيدة الصالحة للوساطة المالية . فالوكالة بأجر يمكن أن تكون أساسا لذلك . إلا أنها أقل كفاءة من القرض ، لأنها لا تولد الحوافز المناسبة . ذلك أن عدم ارتباط أجر الوكيل بمعدل الربح (لأن الوكالة بأجر يلزم فيها معلومية الأجر بحيث تجعله مبلغا مقطوعا) فلم يعد لدى الوكيل الحافز لتعظيم الربح . والمضاربة فيها معنى الوكالة لأن العامل فيها وكيل . لكنه وكيل من نوع خاص . فأجره مرتبط بالربح ولذلك فإنها تولد الحوافز المناسبة الصالحة لغرض الوساطة المالية . أخذت المضاربة محاسن الوكالة وتخلصت من أسوأ ما فيها . من كل ذلك نرى أن عقد المضاربة هو عقد وساطة مالية . إلا أننا لم نكتشف بعد الإمكانيات العظيمة التي تتوفر عليها هذه الصيغة .
المراجع
• Udovitch, Abraham L. (1970) Partnership and Profit in Medieval Islam, Princeton. N.J. : Princeton University Press.
________________________________________
The Islamic Bank:
Merchant or Intermediary?
Mohammed Ali Elgari
Associate Professor
Department of Economics
Faculty of Economics and Administration
King Abdulaziz University - Jeddah
Abstract. The paper shows that the motive for the above question is that prevailing laws differentiate between obligations of two types of institutions: mercantile institutions and those of financial intermediation. Certain activities may be permissible for the former institutions and not the latter. But from a Shariah stand point, no such differentiation is entertained. What is permissible or not is equally applicable to all economic entities, hence such a question is irrelevant..
The economic justification for differentiating mercantile from financial intermediary institutions is that the latter need to match the risks of their assets and liabilities. The paper finds this matching much less urgent in an Islamic bank model which is based on the principle of al-mudareb-yudareb (manager/recipient of funds on profit-sharing basis, assigns the funds to another on the same basis).
The paper also shows that early Muslims have known financial intermediation through the madarabah contract.
جميع الحقوق محفوظة لمركز النشر العلمي © 2000 جامعة الملك عبد العزيز