عبد الرحمن تيشوري
aataych@scs-net.org
2005 / 12 / 11
الازمات الدولية المعاصرة
عبد الرحمن تيشوري
دارس في المعهد الوطني للإدارة العامة
باحث في موقع الحوار المتمدن
• مقدمة
عرف الانسان منذ بداية وجوده على سطح الارض اشكالا من الصراع والتناقض سواء اكان هذا الصراع بينه وبين بيئته المحيطة آو بينه وبين ابناء جنسه وكان مطالبا دوما بمجابهة هذه التحديات والخروج منها بما يحقق مصلحته واستمراره ثم اصبح مطالبا بما يحقق مصلحة اسرته ثم قبيلته ثم بلاده وهذا كله هو ما اصبح يعرف اليوم بالازمة واليوم تمر سورية بازمة جراء الضغط الامريكي اليومي عليها لحرفها عن سياستها واضعاف دورها لذا من واجبنا جميعا العمل لمواجهة الازمة
الازمات في عالم اليوم هي السمة المميزة للعصر ولعل اهم مايميز هذه الازمات المعاصرة هو استمراريتها وشمولها في المكان والزمان فاصبحت اكثر محورية في حياة الامم والشعوب كما اخذت نتائجها تخترق الحدود فلم يعد هناك وجود للازمة المحلية البحتة اذ أصبحت كل ازمة في أي مكان هي ازمة دولية تنتشر اثارها في كل مكان ولعل ماحدث من جراء اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري يؤكد صحة كلامي
انطلاقا من هذا اصبح من الاهمية بمكان توفر الوعي والادراك العلمي لهذه الظاهرة القديمة الجديدة حتى يكون بالامكان تتبع مسارها وتطورها ومعرفة ما قد تؤدي أليه من نتائج سواء اكانت سلبية حتى يتم الاستعداد لها وتفنيدها آو ايجابية حتى يتم دفعها وتشجيعها والاستفادة منها
ولابد من الاشارة بان هذه المحاولة ليست كاملة وشاملة واستذكر هنا قول العماد الاصفهاني: اني رايت انه لايكتب انسان كتابا في يومه الاقال في غده لو غير هذا لكان احسن ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان افضل ولو ترك هذا لكان اجمل وهذا من اعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على كل البشر
مفهوم وتعريف الازمة
حاولت العديد من الدراسات التي نشرت في السنوات العشر الاخيرة حول مفهوم الازمة معالجة هذا المفهوم من جوانبه المختلفة ولقد تبلورت هذه الجهود في ثلاثة تيارات وهي:
- مفهوم ترتكز على نظرية النظم
- مفهوم يرتكز على منهج صنع القرار
- مفهوم شمولي متغير للازمة
• مفهوم النظم :
يرتكزهذا المفهوم على فكرة النظام والعلاقات بين عناصر النظام وترى هذه المدرسة آن هناك تأثير متبادل بين النظام الدولي والازمة وابرز الباحثين في هذا المجال تشارلز ماكليلاند الذي يركز على النقاط التالية في وصف الازمة:
- الازمة الدولية هي نقطة تحول هامة في تطور النظام الدولي والنظم الفرعية
- تزيد الازمة الدولية من احتمالات الحرب
- تترك الازمة الدولية منعكسات سلبية على نوعية العلاقات الدولية القائمة في المجتمع الدولي
- الازمة الدولية تؤدي آلي استخدام القوة
- الازمة هي نتيجة لما قبلها اتهام سورية والضغط عليها كان قبل اغتيال الحريري
- قد تؤدي التغيرات التي تحدثها الازمة آلي تغييرات في النظام الدولي
- تبالغ هذه المدرسة في الرط بين الازمة والحرب
• مدرسة صنع القرار ومفهوم الازمة :
- تركز هذه المدرسة على دراسات علم الاجتماع وعلم النفس وتعتبر آن الازمة موقف يهدد الاطراف المشاركة فيها وهذا الموقف يترك اثار هامة على الاطراف المشاركة في الازمة ورائد هذه المدرسة تشارلز هيرمان :
- هي موقف ينطوي على درجة عالية من التهديد للاهداف والقيم والمصالح الجوهرية للدول الاطراف فيه
- هي موقف يدرك فيه صانع القرار آن الوقت المتاح لصنع واتخاذ القرار هو وقت قصير والا فان القرار يفقد فاعليته
- هي موقف مفاجئ ينتج عن تفاعل الاحداث المؤدية للازمة
- انعزال الازمة عن المسار العام لتطور العلاقات بين اطرافها
- قد تزيد الازمة من احتمالات الحرب بين اطرافها لكنها لا تؤدي اليها بالضرورة
• المفهوم المتغير الشمولي للازمة:
- ترى هذه المدرسة آن الازمة تمر بعدة مراحل هي :
- 1- مرحلة الاعداد للازمة
- 2- مرحلة التصعيد
- 3- مرحلة زوال التصعيد بين طرفي الازمة
- 4- مرحلة التأثر بالازمة
- 5- الازمة تنجم عن الاسباب التالية :
- اعمال خارجية موجهة
- اعمال خارجية غير موجهة
- اعمال عدائية داخلية
وبشكل عام يمكن تحديد مفهوم الازمة بعد الاطلاع على المدارس الثلاثة بما يلي:
هي موقف حاد مفاجئ ينتج عن تطور التناقض والاختلاف وهي مرحلة متقدمة من الصراع بين اطراف الازمة علنية كانت آم خفية انية آم مفاجئة آم قديمة مستمرة عرضية آو نتيجة وعي آو تخطيط مسبق تتداخل في حدوثها وتطوراتها عوامل عديدة موضوعية وذاتية وبشكل عام مظاهر الازمات هي التالية:
• ازمات دولية واقليمية ومحلية
• ازمات اساسية تهدد الامن والسلم الدوليين
• ازمات هامشية لاتهدد الامن والسلم الدوليين
• ازمات شاملة وازمات جزئية
• ازمات معقدة متعددة المظاهر ذات عوامل سياسية واقتصادية وعسكرية وحضارية وثقافية وتاريخية
• ازمات جزئية تشغل مظهر واحد فقط قد تكون سياسية آو ثقافية آو غير ذلك
الازمات الدولية المعاصرة
لم تكن الازمات التي عاصرتها البشرية على مر العصور وليدة مفاجئة آو متعلقة بجيل دون اخر بل كانت ولم تزل بانواعها واشكالها سمة اساسية رافقت الانسانية منذ الوجود ولكنها تختلف وتتنوع من جيل لاخر ومن حين لاخر باسباب وتطورات وعوامل الظرف المعاش فذا كانت الازمات القديمة تتكز وتنحصر على جوانب العيش آو بالاحرى على الجانب الاقتصادي فهي تختلف عن نوع الازمات التي عاشها ويعيشها الانسان الحديث حيث تتصف هذه الازمات بالشمولية والتعقيد والحركة والدينامية
ومما لا يدعو آلي الشك شهد انسان القرن العشرين وانسان القرن الحادي والعشرين ازمات تركت في خياله وذاكرته دروس وعبر لما خلفته من ويلات وكوارث على البشرية جمعاء
فاللحرب العالمية الاولى التي كانت بادرة انذار لتحول العالم آلي ساحة معركة استمرت اربع سنوات زعزعت القارة الاوربية والقارات الأخرى حيث شاركت في الحرب اليابان والصين وامريكا وخسرت البشرية ملايين الضحايا
وكنتيجة لعدم فعالية عصبة الامم المتحدة اندلعت الحرب الكونية الثانية التي كانت اكثر تدميرا من الاولى حيث ظهرت دعوات آلي تأسيس منظمة دولية جديدة فعالة لمنع الحروبفكانت هيئة الامم المتحدة عام 1945
لكن لم تنتهي الحالة العالمية الخطيرة حيث استمر التوتر بين عام 1946 و1990 بين امريكا والاتحاد السوفيتي وبرزت الحرب الباردة التي حملت الكثير من القضايا الدولية والاقليمية والمحلية
وفي المنطقة العربية كانت الحرب اللبنانية والاحتلال العراقي للكويت وحرب الخليج الثانية هذه الظواهر وغيرها حملت العالم آلي حالة عالمية اخرى بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 احد اقطاب الصراع الدولي الثنائي وانفراد امريكا بالقرار الدولي والتأثير عليه والانتقال آلي وضعية عالمية جديدة
خصائص الازمات الدولية المعاصرة
• ازمات شاملة ومتبادلة بين الانسان ووجوده وذات جذور تاريخية وحدودية
• نزاعات اقليمية المنشأ متعلق معظمها بالاستقلالات السياسية
• الازمات لاتشكل تهديد لدولة المنشأ آو الاطراف بل تشكل تهديد للجوار وللمجتمع الدولي وهذا ادى آلي ازدياد واتساع المنظمات الدولية والوطنية الحكومية وغير الحكومية الخاصة بالعمليات الانسانية
• اختراق مبدأ سيادة الدول عن طريق شرعنة تدخل القوى الغربية الاعضاء في مجلس الامن الدولي في شؤونها الداخلية تحت ذريعة اعتبارات السلم العالمي آو محاربة الارهاب آو نزع السلاح آو مسألة احترام الديموقراطية وحقوق الانسان
• هناك تبادل في الازمات المعاصرة بحيث تتطور نزاعات محلية آلي نزاعات اقليمية آو دولية كالمشكلة الكورية ومشكلة اغتيال الحريري كما تتراجع نزاعات عالمية آلي اقليمية كالتنافس على الثروة
• تطور القتال في النزاعات الاقليمية من الاسلحة العادية التقليدية آلي الاسلحة الاستراتيجية النووية كما هو الحال بين الهند والباكستان
• تفاهم الدول الكبرى فيما بينه حول الازمات المحلية آو الاقليمية آو إدارة الازمات بما يحقق مصالحها والضغط على الغير كما تفعل امريكا في موضوع اغتيال الحريري وتسيس التحقيق للضغط على سورية وتحقيق مكاسب سياسية لاسيما في موضوع تورطها في المستنقع العراقي
• تعمل الدول الكبرى في احتمال تورطها في ازمة آو قضية معينة على تدويل الازمة واشراك اكثر من طرف فيها من اجل عدم الخسارة الكبيرة في تطويق الازمة
• تم تهميش دور الامم المتحدة ومجلس الامن لاسيما دور المنظمة الخاص بالامن والسلم الدوليين حيث غابت المنظمة الدولية واصبح العالم بلا امم متحدة وانما هناك سيطرة على مجلس الامن والمنظمة الدولية لاسيما من قبل امريكا حيث اصبح مجلس الامن مجلس للظلم والطغيان والقهر الدولي وتم تحويل المنظمة آلي مسرح لتبادل الاتهامات وسوء النية للقوى الكبرى وخاصة امريكا وبريطانيا الللتان ذهبتا آلي ضرب العراق دون موافقة مجلس الامن ورغم اعتراض العالم كله
• ادى تراجع وانهيار الدور السوفيتي آلي انفراد وسيطرة امريكا على العالم وتحولت الازمات من الرعاية والاشراف الدولي آلي الاشراف والادارة الامريكية
• تناقص دور الحركات المناهضة للاستعمار والداعية آلي الحياد الايجابي وبدأت تهتم باوضاعها الداخلية وابتعدت عن الازمات الاقليمية والدولية
ازمة اغتيال رفيق الحريري
من المعلوم للجميع الدور السوري الممانع للمخططات الامريكية والاسرائيلية للمنطقة لاسيما اعادة ترتيب وتقسيم الشرق الاوسط الذي عرض على الرئيس الحريري رحمه الله لكنه لم يقبل آن يكون جزء منه ويكون رئيس لدولة آو دويلة صغيرة في المنطقة كما كان له دور كبير في منع ادراج اسم حزب الله على قائمة الارهاب الاوربية لذلك قرروا التخلص من الحريري وازاحته من امام المشروع الامريكي للمنطقة كما ياخذون العراق اليوم آلي التفتيت والتمزيق والتقسيم لذا اغتالوا الحريري والقرار 1559 كان جاهزا وقالوا آن سورية هي التي اغتالت الحريري وانها يجب آن تخرج من لبنان ويجب آن تحاكم دوليا ويجب تشكيل لجنة دولية للامر هم يحددون رئيسها واسلوب عملها ودورها في شق العلاقات الاخوية السورية اللبنانية بالاعتماد على بعض الجهات اللبنانية التي تاجرت بدم الحريري وتعودت الخيانة والدس والقبض من السفارات لكن الامر لن يمضي كما يخططون والقوى الوطنية السورية واللبنانية تعرف ما يجري وما يخطط وماهي ابعاد هذه الازمة التي افتعلوها للقضاء على لبنان وسورية والمنطقة ثم الالتفات لدولة عربية اخرى تالية في المخطط الذي يريدونه لذا ادعو هنا جميع الاخوة والاشقاء للتركيز عما يخطط للامة العربية التي لايريدون التوحد والخير لها وعلى العرب آن يقرروا قمة حقيقية تجنب العرب الوحش الامريكي الكاسر المفترس
الخاتمة
يمكنني القول في نهاية هذه المقالة السريعة المقتضبة آن الازمات بصفتها العامة هي ظاهرة ملازمة للانسان على مر العصور ولكن التحولات المجتمعية والتطورات الهائلة التي رافقت الانسان المعاصر من شرارة الحرب الكونية الاولى 1914 آلي الوقت الراهن وقت اغتيال الحريري كان عليها آن تترك اثرا في الازمات المعاصرة بل آن تحول هذه الازمات آلي نموذج اخر من حيث النشوء والاسباب والادارة والنتائج.
فالازمات المعاصرة التي انطلقت من القارة الاوربيةمثلا لم تكن لتتوقف نتائجها في تلك المنطقة بل اتسعت لتأخذ بعدا عالميا وليشهد المجتمع الدولي المعاصر التبادل الممكن بين الازمات المحلية الداخلية والاقليمية والدولية وفي الخلاصة أقول :
آن النزاعات التي كانت تتر كز في القارة الاوربية باشكالها ودوافعها تحولت آو تم نقلها وتصديرها آلي مراكز اخرى في القارة الاسيوية والافريقية وامركا اللاتينية , ولم تعد اوربة تسمح بمشاهدة أي بؤر توتر داخلي آو اقليمي قد تؤدي آلي عرقلة مسيرتها المعاصرة والعودة آلي الماضي القريب ولذا فان دول العالم الثالث ( اسيا – افريقية – امريكا اللاتينية – العالم العربي – العالم الاسلامي - )أصبحت التربة الخصبة لاستثمار الصراع الدولي واستعراض القوة لقوى الدول الكبرى كما حصل في العراق حيث تم تجريب كل صنوف الاسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا والامم المتحدة تتفرج وتصفق لامريكا على الرغم من كل مايقولونه عن الامن الجماعي والسلم الدولي والديموقراطية وحقوق الانسان
آن الازمات الدولية المعاصرة لم تعد تحمل صفاتها وسماتها التقليدية بل تنوعت هذه الازمات بنظام عالمي جديد وصراع نوعي جديد بل لنقل نظام امريكي وحيد وجديد فعمت وانتشرت ظاهرة الازمات المحلية والاقليمية سيادية كانت آو سياسية آم اقتصادية آم اجتماعية .......الخ . وهذا دعى آلي تطور مفهوم الظاهرة العالمية في كل الجوانب لما تتركه كل ازمة من اثر في المجتمع الدولي فاتخذت مبد ا التدخل الدولي للوصول آلي التطور والنمو من مجل تطويق الازمات المعاصرة التي تجتاح الدول كالحروب والضائقة الاقتصادية والكوارث الطبيعية واغتيال الزعماء من امام ماتخطط له القوى العظمى المتغطرسة
عبد الرحمن تيشوري
باحث في موقع الحوار المتمدن
دارس في المعهد الوطني للإدارة العامة
باحث في موقع نساء سورية
aataych@scs-net.org