وقف التقادم للحوادث القهرية والظروف المعجزة
مجلة المحاماة – العدد الرابع
السنة الثامنة عشرة
السنة الثامنة عشرة
وقف التقادم للحوادث القهرية والظروف المعجزة
Contra non valentem agere non currit praescriptio
لحضرة صاحب العزة الأستاذ زكي خير الأبوتيجي بك رئيس النيابة لدى محكمة النقض والإبرام (الدائرة المدنية).
Contra non valentem agere non currit praescriptio
لحضرة صاحب العزة الأستاذ زكي خير الأبوتيجي بك رئيس النيابة لدى محكمة النقض والإبرام (الدائرة المدنية).
1 – تمهيد:
غير خافٍ أن وقف سريان التقادم يراد به أن مضي المدة المكسبة أو المسقطة للحقوق يقف ردحًا من الزمن بسبب الأعذار التي ذكر القانون بعضها ثم يستأنف التقادم سيره بعد زوال تلك الموانع وإذا كانت هناك فترة قد سبقت قيام المانع فتضاف إلى الزمن الذي يلحق زواله - ويسري التقادم ما لم يقطعه فعل من صاحب الحق يدل على سهره ويقظته على حقه وأنه ليس بغافل أو تارك له وقد عدد القانون المدني في المادة (82) أحوال انقطاع التقادم وأهمها التكليف بالحضور للمرافعة أمام المحكمة أو التنبيه بالرد تنبيهًا رسميًا مستوفيًا للشروط اللازمة إلى غير ذلك من الأحوال المنصوص عليها ولما كانت هذه الإجراءات القاطعة للتقادم تتطلب أهلية وإدراكًا لذلك رأي الشارع أن لا يكلف مفقودي الأهلية والإدراك ما ليس في وسعهم فنص في المادة (84) مدني على أن لا يسري التقادم على من يكون مفقود الأهلية شرعًا.
إلا أن الشارع وقف عند هذا الحد وصمت عن الأحوال الأخرى التي قد تحول دون اتخاذ مثل هذه الإجراءات القاطعة للمدة وقد تكون هذه الحوائل ناشئة عن مانع قانوني أو حائل من الحوادث والأفعال القاهرة والمثال على الحالة الأولى دائن المفلس الذي لا يستطيع أن يرفع دعواه مطالبًا بدينه بعد الحكم بالإفلاس عملاً بنص المادة (217) تجاري أو اتخاذ أي إجراء طالما أن إجراءات التفليسة قائمة وقد يمضي أثناء ذلك على استحقاق ذلك الدين أو فوائده المدة المقررة للسقوط فهلا يقف سريان التقادم لهذا العذر القانوني.
وكذلك قد يطرأ من الحوادث ما يكون قاهرًا كأسر صاحب الحق في الحرب أو غيابه غيبة منقطعة وهو لا يستطيع طبعًا أن يتخذ أي إجراء لحفظ حقه من السقوط فهلا يقف سريان التقادم في مثل هذه الصور التي أغفل القانون النص عليها.
هذا هو موضع البحث وقد أرسل رجال الفقه من قديم الزمن المثل اللاتيني المأثور كحل لهذه المسائل:
Contra non valentem agere mon currit praescriptio
ومعناه أن التقادم لا يسري ضد من يستحيل عليه اتخاذ أي إجراء ولما كان النص القانوني المصري مقصورًا على حالة فقد الأهلية وجب البحث في هل يسوغ الأخذ بهذه القاعدة في مصر.
ولما كان باب التقادم في القانون المصري منقولاً عن القانون الفرنسي فلا مندوحة من تتبع سير هذه القاعدة في الزمن السابق واللاحق للقانون الفرنسي للتعرف على روح التشريع المنقول إلينا واستجلاء مراد الشارع المصري من النص الذي وضعه في المادتين (82) و (83) من القانون المدني.
2 - التعليل المنطقي:
وقبل الخوض في غمار هذا البحث يبدو لمن يمعن التفكير أن مفقودي الأهلية شرعًا يكون لهم من يذود عن حقوقهم وهم الأوصياء والأولياء وإذا أهمل هؤلاء يجوز الرجوع عليهم بما جنت أيديهم فهم إذن في غنى عن هذه الرعاية ودونهم في ذلك بالطبيعة من تعيقهم الحوادث القهرية أو الموانع القانونية التي تحول استحالة مطلقة دون اتخاذ أي عمل لصون الحق من السقوط – وهذا اعتراض له وجاهته، إلا أن الفقهاء يعللون ذلك بأسباب تاريخية ترجع إلى عصر القانون الروماني إذ يقول كولان وكابتان أن القاصر لم يكن مأذونًا له في العصر الروماني بالخصومة لعدم أهليته ولم يكن رئيس عائلته ممثلاً له قانونًا حتى يستطيع أن يصون حقه من السقوط بالنيابة عنه وإذا رفع الدعوى لم تكن لتقبل منه لانعدام مصلحته فيها لذلك كان من العدل أن يقف سريان التقادم إبان قصره (انظر كولان وكابتان طبعة سادسة ص (897) جزء أول)، على أن هذا الاعتبار لا محل له الآن لزوال علته إذ أن الأولياء والأوصياء والقوام يمثلون مفقودي الأهلية تمثيلاً قانونيًا صحيحًا ولهم بل عليهم أن يصونوا حقوقهم.
على أن الشارع الفرنسي أصر على إعفاء مفقودي الأهلية من سير التقادم في بعض الأحوال وجرى وراءه الشارع المصري ولا اجتهاد مع النص الصريح.
3 - تاريخ التشريع في فرنسا:
أخذت قاعدة الأعذار عن القانون الروماني وأول من قال المثل المأثور contra non valentiem هو برنولي عند شرحه قوانين جوستنيان والمجموعة الرومانية وكانت المحاكم الفرنسية في جميع المقاطعات لا تتردد في تطبيقها تطبيقًا واسع المدى فكانت تأخذ بأحوال القوة القاهرة والغيبة والجهل بالحق وغير ذلك من الأعذار وتعتبرها معطلة لسير التقادم وكان للقاضي سلطان واسع في تقدير هذه الأعذار.
ولما صدر القانون المدني الفرنسي ورد النص في المادة (2252) منه كما يأتي:
La prescription ne court pas contre. Les mineurs et interdits, sauf ce qui est dit à l'article 2278 of à l'exception des autres cas dèterminés par la loi
وورد النص في المادة (2251) هكذا:
La prescription court contre tontes personnes, à moins quelles ….. [(1)]dans quelque exception établie par une loi.
وترجمته أن التقادم لا يسري ضد القصر والمحجور عليهم ما عدا ما نص عليه في المادة (2278) ويستثنى من ذلك الحالات التي حددها القانون وأن التقادم يسري ضد كل شخص إلا من استثنى قانونًا.
وقد آثار هذا النص الخلف في آراء علماء القانون المدني في فرنسا فذهبوا مذاهب ثلاثة في تفسيره.
ومنهم لوران في كتابة القانون المدني جزء 32 وديمانتى وكولمبيه سانتر في الجزء الثامن بند (358) ثم بودرى وتيسيه في كتاب التقادم ص (284) بند (366) وما بعده.
ويقول أصحاب هذا المذهب أن الشارع الفرنسي أراد بالنص الوارد في المادة (2252) أن يحضر أحوال وقف التقادم بحيث لا يجوز الاجتهاد ولا التوسع فيها وأنه إزاء اختلاف الشراح والمحاكم في الأخذ بالأعذار المتعددة أراد الشارع القضاء على هذه الأعذار التي كانت تطيل أمد التقادم والتي كان يترتب عليها عدم استقرار الحقوق وتجدد النزاع على وقائع قديمة توالت عليها السنون.
ويعللون هذا الرأي بأن التقادم لا يقوم على افتراض الإهمال فقط بل على فكرة أسمى وهي المصلحة العامة التي يجب صونها والتي يجب أن تزول أمامها مصلحة الأفراد حتى لو كانت الموانع التي عاقتهم عن حفظ حقوقهم من السقوط قوية وجدية، ولا يجب أن يقال أن هذا مما ينافي العدالة لأن التقادم لا يقوم على أساس من العدالة بل على أساس الصالح العام وأنه إذا اعترض على هذا بأن الشارع راعى العدالة بإعفائه القصر والمحجور عليهم من سريان التقادم وتقاس عليه الأحوال الأخرى التي يقتضيها الإنصاف فإنه يرد على هذا بأن الشارع أظهر تساهلاً مع من ذكرهم على سبيل الحصر فيجب التزام الحد الذي وقف عنده الشارع ولا يسوغ تجاوزه إلى حالات أخرى بعيدة عنها وتختلف عنها في طبيعتها ونوعها، وإذا تُرك للقاضي الحبل على الغارب فإن بواعث العدل والعطف قد تحمله على قبول كل عذر ومانع مثل الجهل أو الغباب أو المرض وبهذا يصبح النص على التقادم حبرًا على ورق (انظر بودرى وتيسيه في شرحه هذا الرأي بالأسباب في المرجع المشار إليه آنفًا).
ويقول المسيو لا بيه في تعليقه على مجلة سيري سنة 1878 جزء (2) ص (313) ما هي الفائدة من النص الوارد في المادة (2252) إذا كانت المحاكم لا زالت مصرة على التمسك بالقاعدة القديمة..... Contra mort velentem التي كان معمولاً بها قبل القانون والتي قصد الشارع القضاء عليها وحصر مدى تطبيقها.
وأكثر من هذا فإن أصحاب هذا الرأي يستندون أيضًا إلى المراسيم والقوانين التي تصدر أثناء الحروب بوقف سريان التقادم أثناء قيام الحرب ويقولون لو كان التقادم موقوفًا أثناء الحرب وهو من الحوادث القهرية بحكم المادة (2251) ما كانت هناك ضرورة لإصدار مثل هذه القوانين.
ويقول أصحاب هذا الرأي بأن النص الوارد في المادة (2251) لا يمنع تطبيق القاعدة القديمة لأن الشارع إنما أراد حصر الأعذار التي تقوم على حالة الأشخاص فلم يعتبر منها سوى فقد الأهلية أما الأعذار الناشئة عن حوادث القوة القاهرة وغيرها فلم يتعرض لها القانون ولم يحرمها.
ويقول دالوز في المرجع المشار إليه أن القاعدة القديمة إنما تقوم على أساس من العدالة وأن التقادم إنما بنى على افتراض أن الدائن أهمل حقه وتركه فكيف يسوغ عدلاً وعقلاً افتراض مثل هذا الإهمال إذا كان الدائن لا يستطيع مطلقًا أن يعمل شيئًا يصون حقه بسبب القوة القاهرة أو الحوادث المعجزة.
ويقول نرولونج أن أصحاب الرأي المخالف يفسرون المادة (2251) تفسيرًا غير معقول ويفرضون على القاضي أن يحكم بما ينافي الضمير والعدل وهل يعقل أن يجد الشارع متسعًا للنص على جميع صنوف الأعذار والموانع وإذا قيل بأن الشارع لم يقصد سوى ما عدده من الأعذار فيكون عمله هذا ضربًا من ضروب الظلم والعسف.
أما في حالة الموانع القهرية فقد اختلف أصحاب هذا الرأي فيما بينهم فقال أوبرى وروانه لا يجوز للقاضي أن يعفي صاحب الحق من سريان التقادم ضده أثناء وقوع الحادثة القاهرة إذا ظهر أنه بادر واتخذ إجراءات المطالبة بحقه عقب زوال الحادث القهري مباشرة ويخالفه في هذا جويار في الجزء الأول من كتابه التقادم ص (169) ويقول أن هذا الحل لا يرتكز على أي أساس من القانون الذي يحرم ما عدا الأحوال المنصوص عليها في المادة (2251) وما بعدها.
وهذا ما وقع في محاكم فرنسا فإنه بعد صدور النص الوارد في المادة (2251) مدني فرنسي وبالرغم من تفسير الفريق الأول من العلماء فإن تلك المحاكم لم تعبأ بالحصر الوارد في المادة (2251) ولم تأخذ بآراء أولئك العلماء الذين يقصرون أسباب وقف التقادم على الأحوال الواردة في تلك المادة بل أعاد القضاء في فرنسا تطبيق القاعدة القديمة contra non valentem بأوسع معانيها وظل الأخذ بهذه القاعدة راجحًا في الأحكام الفرنسية للآن وقد قالت محكمة للنقض الفرنسية في حكمها الصادر في 22 يونيه سنة 1853 والمنشور في سيرى سنة 1855 جزء أول ص (511) أن التقادم لا يسري ضد من استحال عليه المطالبة بالحق مهما كان نوع الأعذار وسواء كانت ناشئة عن القانون أو عن العقد أو الحوادث القهرية وظلت على مبدئها هذا في أحكامها العديدة (انظر محاكمها الصادر في 12 مايو سنة 1900 والمنشور في سيرى 912 جزء أول من 133) وهاكم بعض الأمثلة على ذلك:
1/ حكم بأن المهلة التي يطلبها المدين من الدائن ليتحقق من صحة مقدار الدين بعد مراجعة المستندات التي ينتظر ورودها إليه والتي لا بد من الاطلاع عليها لمعرفة مقدار الدين معرفة محققة تُعَدُّ مانعًا من سريان التقادم الذي يجب أن يقف في بحر هذه المهلة (حكم دائرة العرائض في محكمة النقض المدنية بتاريخ 28 نوفمبر سنة 1865 ومنشور في دالوز بريودك سنة 1867 جزء أول من 124).
2/ ويقول مجلس الدولة في فرنسا في فتواه الصادرة في 27 يناير سنة 1814 أن الحرب والوباء وغير ذلك يوقف التقادم ما دام أنه يترتب على ذلك استحالة مطلقة للمطالبة بالحق.
3/ وحكم أيضًا بوقف التقادم طوال المدة التي يكون الدائن جاهلاً بحقه قانونًا أي أنه كان لا يعلم موضوع الحادثة التي نشأ عنها حقه (محكمة ييزامسون في 20 مايو سنة 1891 ومنشور في دالوز سنة 1845 جزء أول ص (180).
4/ وحكم أن الجهل المطلق بالحق الذي لا دليلي عليه إلا خريطة ترجع إلى قرون عديدة هو من قبيل الحادث القهري ويجوز معه وقف التقادم على شريطة أن لا يكون هذا الجهل ناشئًا عن الإهمال (انظر الحكم السابق) ولكن محكمة النقض الفرنسية قضت بعكس ذلك في حكمها الصادر في 10 يوليو سنة 1868 والمنشور في سيرى 1869 جزء أول ص (407) إذ قالت أن الجهل بالحق ليس من الحوادث القهرية ولذلك لا يقف سريان للتقادم وفي حكم صدر من محكمة النقض الفرنسية في 11 يونيه سنة 918 ومنشور في سيري 922 جزء أول ص (217) قالت النقض بأن الجهل بالحق لا يقف سير التقادم إلا إذا كان في درجة الحادث القهري.
5/ وحكم بأنه في دعوى التعويض التي يرفعها ضد كاتب العقود من كلفه بكتابه عقد له وظهر بعدئذ أن بالعقد بطلانًا لم يكن ظاهرًا في شكله لا يسري التقادم في هذه الحالة إلا من تاريخ اكتشاف هذا البطلان (حكم محكمة النقض المدنية الفرنسية الصادر في 27 مايو سنة 1857 والمنشور في دالوذ 1857 جزء أول ص (290)).
6/ وحكم بأنه إذا لم يكن هناك استحالة مطلقة من اتخاذ إجراءات المطالبة بالحق فلا يجوز وقف سير التقادم لذلك حكم بأن الغياب لا يقف التقادم (حكم دائرة العرايض في 19 يوليه سنة 1869 ومنشور في دالوز (1870) جزء أول ص (75)).
7/ وقضت دائرة العرائض بمحكمة النقض أنه إذا سرق المدين سند الدين أو بدده، فإن هذا يحرمه من التمسك بالتقادم لأن اختلاسه للسند يمنع الدائن من المطالبة بحقه ويقطع سريان التقادم (حكم دائرة العرائض في 3 يناير سنة 1832 جزء أول ص (352)).
8 - وحكم أيضًا أنه إذا رفعت دعوى بطلب بطلان البيع فلا يسري التقادم بالنسبة للفوائد المستحقة للبائع على الثمن لأن البائع في أثناء نظر هذه الدعوى لا يستطيع المطالبة بالثمن ولا بالفوائد (حكم محكمة النقض الصادر في 5 يوليو سنة 1858 والمنشور في دالوز سنة 1858 جزء أول ص (413)).
9/ وحكم بأن المشتري الحائز للعقار الذي اشترط في عقد البيع بأن البائع لا يستطيع أن يطالبه بالثمن ولا بالفوائد إلا بعد استحضار الشهادات الدالة على شطب جميع الحقوق العينية على العقار المبيع لا يستطيع التمسك بالتقادم بالنسبة للفوائد طالما أن البائع باشر إجراءات التوزيع للتوصل إلى شطب هذه الحقوق (حكم محكمة بارنس الصادر في 2 يناير سنة 1864 سيرى (861) جزء (2) ص(383)) وحكم بوقف التقادم لصالح المقاول الذي يطالب جهة الإدارة بالفوائد المستحقة على التأمين الذي أودعه متى تبين أن الإدارة منعت المقاول منعًا كليًا عن قبض تلك الفوائد (حكم مجلس الدولة الصادر في 10 يناير سنة 1856 والمنشور في دالوز سنة 1856 جزء (3) صرة (57)).
أن نص المادة (2251) فرنسي منقول بحرفيته إلى القانون المدني البلجيكي وقد جرى القضاء البلجيكي وراء المحاكم الفرنسية فقضت محكمة النقض البلجيكية مرارًا بأن الحوادث القهرية تقف سير التقادم كحالة الحرب أو انقطاع المواصلات.
وانظر حكم محكمة النقض البلجيكية الصادر في أول فبراير سنة 1926 والمنشور في البازكريزى سنة 1926 جزء أول ص (208) والحكم الصادر في 20 يوليو سنة 1922 والمنشور في البازكريرى سنة 1922 جزء أول ص (411) والحكم الصادر في 8 يوليو سنة 1919 والمنشور في البازكريزى سنة 1919 جزء أول ص (207).
(انظر أيضًا الأحكام التي سردها كليمن في رسالة أسباب وقف التقادم سنة 1902 ص (174) و(175).
قد أخذت المحاكم الإيطالية بقاعدة (contra non velentem agere) في أكثر أحكامها (انظر رسالة كليمن ص(181)).
لم ينقل الشارع المصري إلى قانوننا المدني نص المادة (2251) فرنسي بل نص في المادتين (84) و (85) على أن التقادم لا يسري على من يكون مفقود الأهلية شرعًا ولم يشر إلى شيء عن الأعذار القهرية أو المعجزة أو الموانع القانونية التي تحول دون اتخاذ الإجراءات للمطالبة بالحق وورد النص في المادة (205) على أن القواعد المقررة للتقادم بمضي المدة من حيث أسباب انقطاعها أو إيقاف سريانها تتبع أيضًا في التخلص من الدين بمضي المدة.
ويقول فتحي باشا زغلول في كتابه القانون المدني صحيفة (104) أن القوة القاهرة هي عذر شرعي يقف التقادم كالأسر أو الغرق أو إعلان الأحكام العرفية وكذلك هالتون في كتابه جزء أول ص (212) يقول إن المحاكم المصرية تتمتع بحرية أوسع في هذا الصدد لأن القانون المصري لم ينقل النص الذي حرم أحوال وقف التقادم الأخرى وعلى القاضي المصري أن يقضي فيها بمقتضى قواعد العدالة عملاً بنص المادة (29) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
وهذا هو رأي والتون أيضًا في كتابه شرح الالتزامات جزء ثانٍ ص (370) إذ يقول بأن الاستحالة المطلقة في المطالبة بالحق يقف سير التقادم.
ويقول دي هلتس في كتابه القانون المدني جزء (3) ص (329) تحت عنوان التقادم بند (63) أنه يلوح لنا من عدم نقل النص الفرنسي جواز تطبيق القاعدة القديمة مع التحفظ وذلك في أحوال الاستحالة الواقعية أي إذا كانت الأعذار مطلقة ونتيجة الحوادث القهرية التي طرأت على شرط أن لا يعزى أي خطأ أو إهمال إلى صاحب الحق – ويقول أيضًا في بند (95) أن المأمول أن لا تفرط المحاكم في هذا التوسع الذي تحتمه العدالة حتى لا ينقلب إلى سوء استعمال للحق.
(انظر أيضًا كتاب كامل بك مرسي في الأموال ص (552) بند (888) وكتاب عبد السلام ذهني بك في الالتزامات صحيفة (492) بند (486)).
وأكثر من هذا قد كانت أحكام الشريعة الإسلامية معمولاً بها في مصر قبل وضع القانون المدني وهي تقضي بقبول أعذار أخرى لوقف سير التقادم فوق فقد الأهلية فأراد الشارع التوفيق في هذا الصدد بين التشريع الجديد وما استقرت عليه المعاملات في الديار المصرية من قبل ويظهر بجلاء تأثر التشريع المدني المصري بأحكام الشريعة الغراء من اعتبار المدة الطويلة للتقادم 15 سنة بدلاً من 30 سنة وهي المدة المقررة في القانون الفرنسي.
وها هي النصوص التي تظهر بأجلى بيان الحكم الشرعي في وقف التقادم - مادة (151) من مرشد الحيران لقدري باشا – من كان واضعًا يده على عقار أو غيره أو متصرفًا فيه تصرف الملاك بلا منازع ولا معارض مدة 15 سنة فلا تسمع عليه دعوى الملك لغير الإرث من أحد ليس بذي عذر شرعي إن كان منكرًا (راجع أيضًا نص المادتين (152) و (156).
وورد في نص المادة (157) من هذا المرجع ما يأتي: إذا تركت الدعوى لعذر من الأعذار الشرعية في المدة المحدودة كأن كان المدعي غائبًا أو قاصرًا أو مجنونًا ولا ولي له ولا وصي فلا مانع من سماع الدعوى.
وجاء في المادة (375) من لائحة ترتيب المحاكم الصادرة بالمرسوم بقانون رقم (87) سنة 1931 النص الآتي الذي هو ترديد للنص الوارد في اللوائح الشرعية السابقة لها (القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التي مضى عليها 15 سنة مع تمكن المدعي من رفعها وعدم العذر الشرعي).
وكل هذه النصوص تدل على أن الفقهاء كانوا يأخذون بالحوادث القهرية وغيرها.
ويرى بودرى وتيسيه أن التقادم شرع لمصلحة اجتماعية وهي استقرار الأمر الواقع وسدل الستار على ما طواه الزمان من الوقائع والحوادث وفاتهما أن هناك حكمة أخرى لشرع التقادم وهي أهم عنصر في تشريعه أي أن التقادم يقول على افتراض أن صاحب الحق أهمل في حقه وتركه ولم يرعه بالصيانة والمفرط أولى بالخسارة ولذلك أعفي فاقد الأهلية من سريان التقادم لأنه قليل التمييز والإدراك والإهمال لا يصدر إلا عن دراية ويجب أن يقاس عليه منطقيًا من يستحيل عليه بفعل الحوادث القهرية أن يصون حقه فإنه عاجز عجزًا تامًا عن المطالبة به ولا يمكن تصور الإهمال أو القعود عن العمل إلا إذا كان العمل مقدورًا ومستطاعًا ولا يكلف الإنسان بما يستحيل عليه عمله.
ويرد على قول هذين المؤلفين بودرى وتيسيه أن صالح الفرد يجب أن يزول أمام المصلحة العامة بأن القوانين لم تجرِ على مبدأ أن يضحى صالح الفرد تضحية تامة ليتمتع الجمهور به بل يكون ذلك مع مراعاة مصلحة الفرد أيضًا ففي أحوال نزع الملكية للمنافع العامة مثلاً يعطي المالك تعويضًا عما فقده في هذا السبيل، وخير من فناء المصلحة الفردية أمام الصالح العام – خير من ذلك أن يوقف بينهما وأن يراعي كل من الصالحين معًا وهذا ما يقتضيه العدل - من أجل هذا كان من العدالة أن تراعي حالة الاستحالة التي تعيق صاحب الحق عن صونه بفعل الحوادث وأن يوقف سريان التقادم ثم يستأنف سيره بعد زوال هذه الموانع وبهذا تصان المصلحة العامة ومصلحة الفرد فضلاً عن أنه يتمشى مع مقتضيات العدالة.
ويرد على نظرية بودرى وتيسيه أيضًا بأنه لو كان صحيحًا أن التقادم في المواد المدنية يمت بالصلة إلى النظام العام لكان يسوغ للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه ولو صمت صاحب الشأن عن الدفع به كمواعيد الاستئناف مثلاً على أن المجمع عليه فقهًا وقضاءً يتنافى مع هذا القول (انظر دالوز براتيك تحت عنوان تقادم بند (144) وما بعده - وانظر المادة (2223) مدني فرنسي – ويراجع أيضًا حكم محكمة الاستئناف المختلطة بهذا المعنى والمنشور في مجلة المحاماة .... [(1)]، والتفسير الصحيح للنص المصري لا يحرم الأخذ بالأعذار المعجزة عن العمل لوقف سريان التقادم فإن الشارع أطلق النص ولم يقيده بأداة حصر أو استثناء إذ قال في المادة (83) مدني لا يسري حكم تملك العقار على من يكون فاقد الأهلية ولو جاء النص هكذا لا يسري حكم تملك العقار إلا على من يكون فاقد الأهلية، لامتنع كل اجتهاد أو قياس ولكن عندما يتناول الشارع النص عن حالة ويصمت عن الأحوال الأخرى يكون هناك متسع للاجتهاد والقياس in pari ratione وللقاضي بل عليه أن يقضي بمقتضى قواعد العدل عند صمت الشارع عملاً بالمادة (29) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية التي ورد النص فيها كما يأتي:
(إن لم يوجد نص صريح بالقانون يحكم القاضي بمقتضى قواعد العدل).
أما والشارع المصري تعمد رفع القيد والحصر وغض الطرف عن النص الفرنسي وقصد أن يجيء النص خاليًا من الاستثناء فإنه بذلك يترك للقاضي مجالاً ليأخذ من الأعذار ما كان معجزًا أو مقعدًا لصاحبه عن العمل أو ما كان مستحيلاً عليه أن يتخذ إجراءات بالمطالبة لقطع المدة تضاف هنا هذه العبارة مع قيام ذلك العذر.
إنما يجدر بالملاحظة أن القاعدة اللاتينية القديمة يجب أن تحتفظ عند تطبيقها بشدة مدلولها وحكمة وضعها ذلك لأن المراد بالموانع ما كان يستحيل معها بتاتًا اتخاذ إجراءات المطالبة بالحق وأن لا يقترن بها أي إهمال من جانب صاحب الحق - فالمانع الذي لا يضع صاحبه في استحالة مطلقة لا يجب وقف سير التقادم له وإذا كان هناك محل لافتراض أي إهمال أو خطأ من جانب صاحب الحق فهذا كافٍ لعدم سماع دعواه بوقف التقادم.
وسنطرح الآن كل لفيف من الأحكام المصرية الصادرة في هذا الموضوع مع تعليقنا عليها.
إن الغياب ظل مثارًا للخلف في الرأي أمام المحاكم المصرية وذلك بسبب النص الوارد في المادة (152) من مرشد الحيران الذي يلحق الغيبة بالقصر والجنون وبعدها من الأعذار الشرعية التي تمنع سير التقادم.
فحكمت محكمة الاستئناف الأهلية في أول يناير سنة 1914 (مجموعة رسمية سنة 15 عدد (26) بأن لا يسقط حق الغائب الثابتة غيبته قضائيًا في المطالبة بريع الأرض عن 5 سنوات)، وبهذا المعنى صدر حكم من محكمة طهطا في 14 يوليو سنة 1937 (مجلة المحاماة سنة 8 ص (588)) وأيضًا حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 25 مايو سنة 1896 مجموعة مختلطة سنة 7 ص (166) وعلى أنه صدرت أحكام ضد هذا المبدأ وهي:
1/ حكم صدر من محكمة الاستئناف الأهلية في 3 مارس سنة 1914 (مجلة الحقوق سنة 29 ص (227)) جاء فيه أن الغيبة ليست من الحوادث التي تقطع سريان المدة.
2/ وكذلك ورد في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في أول ديسمبر سنة 1910 أن الشخص الذي تحكم المحاكم الشرعية بأنه غائب غيبة منقطعة لا يعتبر بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية الغراء مفقود الأهلية وتسري عليه أحكام تملك العقار بمضي المدة الطويلة ولا يخالف ذلك كون الشريعة الإسلامية الغراء تمنع سريان مدة سقوط الحق في الدعوى بالنسبة للغائب والقاصر والمعتوه لأن السبب في كل هذه الأحوال هو اعتبارهم معذورين وليس لاعتبارهم مفقودي الأهلية.
وجاء في حكم محكمة الاستئناف الأهلية الصادر في 15 مارس سنة 1931 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 1932 عدد (116) أن الغائب غيبة منقطعة ليس كعديم الأهلية متى كان له وكيل يمثله.
يجب التفرقة في حالة الغياب يبن حالتين فإما أن يكون الغياب عاديًا كأن يسافر الرجل إلى جهة معلومة أو مجهولة ثم يعود فإن غيابه هذا ليس من أحوال الاستحالة المطلقة التي تمنع سير التقادم لأنه كان في وسعه أن يتخذ أهبته قبل سفره لصيانة حقوقه عن السقوط وحتى في أثناء ابتعاده عن بلاده يستطيع الآن مع التسهيلات المتفق عليها بين الحكومات المختلفة أن يرسل توكيلاً إلى من ينوب عنه في المطالبة بحقه فإذا لم يفعل فيكون مفرطًا ومهملاً ولا يقف التقادم مع افتراض الإهمال كما سبق القول ويجب أن يستثني من ذلك إذا طرأ على الغائب حادث قهري أثناء غيابه كالأسر أو قطع المواصلات أو الحجر الصحي لوباء أو غير ذلك فإن التقادم يجب أن يقف سيره في هذه الأحوال إنما لا يكون سببه الغياب بل الحادث القهري الذي لا يفترض معه أي إهمال.
وكذلك إذا غاب شخص كرهًا كأن نفى من بلاده فإذا كان في وسعه قبل سفره إقامة وكيل له أو كان في أثناء إبعاده أو نفيه يستطيع إقامة من ينوب عنه في رفع الدعوى للمطالبة بحقه فلا عذر له وبعكس ذلك إذا ثبت أنه أقصى إلى منفى بحيث لا يستطيع فيه نصب وكيل له أو كان في حالة استحالة مطلقة أن يأتي أي عمل يصون حقه فإن هذا يعد من حوادث القوة القاهرة التي تقف سير التقادم.
أما الغائب الذي يعتبره علماء الشرع في حكم المفقود شرعًا فلا يخلو حاله طبقًا للأحكام الشرعية من أحد أمرين فإما أن يترك وكيلاً قبل غيابه لحفظ أمواله وإدارة مصالحه وإما أن لا يكون له وكيل وفي هذه الحالة ينصب له القاضي الشرعي وكيلاً (انظر كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لقدري باشا مادتي (572) و (573)) ففي كلتا الحالتين يجب أن يسري التقادم ضده لأن الوكيل يقوم مقامه في حفظ حقوقه عن السقوط وإذا فرط وكيله فله أو لورثته حق الرجوع عليه.
وربما يعترض على ذلك بأن مفقود الأهلية يقام له وصي أو قيم وهو وكيل عنه في إدارة أمواله وصون حقوقه ومع ذلك لا يسري التقادم ضده، وردًا على هذا نقول أن عديم الأهلية يعوزه الإدراك والتمييز ولا يستطيع أن يقوم بإدارة شؤونه إذا رأى أن وصية أو قيمة مفرط في حقوقه لذلك أحاطه الشارع برعاية خاصة - أما الغائب وهو في صورة كامل الأهلية والإدراك والتمييز يستطيع أن يدبر شؤونه بنفسه وأن لا يغيب عن حقوقه فإذا أقام وكيلاً عنه أو نصب له القاضي وكيلاً والقاضي ولي الغائب شرعًا فعليه أن يتحمل نتيجة سوء اختياره في الصورة الأولى وعدم تولية أموره في نفسه وهو ضرب من ضروب الإهمال لا يقف معه التقادم، وكذلك إذا نصب القاضي وكيلاً للغائب غيبة منقطعة فإذا كان غيابه طوعًا فقد ترك شؤونه بدون تدبر لحفظ حقوقه وفي هذا عنصر التفريط الذي لا يمنع سير التقادم ويستثنى من هذا طبعًا الحادث القهري.
لذلك يكون حكم محكمة الاستئناف الصادر في 15 مارس سنة 1931 والمشار إليه سليمًا في أساسه القانوني إذ قضى بأن الغائب غيبة منقطعة ليس كعديم الأهلية متى كان له وكيل يمثله.
هذا ولا نقر التعليل الذي أخذت به محكمة الاستئناف في حكمها الصادر في أول ديسمبر سنة 1910 ومؤداه أن الغائب غيبة متقطعة هو من المعذورين شرعًا وليس من فاقدي الأهلية لذلك يسري عليه التقادم لأن هذا الحكم يحصر أحوال وقف التقادم في حالة فقد الأهلية فقط وهذا رأي مرجوح ولا يتمشى مع روح التشريع المصري إذ يجوز اعتبار كثير من الأعذار القائمة على حوادث قهرية أو غيرها من أسباب وقف التقادم كما سبق البيان.
وصدر حكم من محكمة الاستئناف الأهلية في 8 ديسمبر سنة 1931 ومنشور في حكم مجلة المحاماة سنة 1912 عدد (267) صحيفة (672) في موضوع شخص أُبعد عن القطر المصري لأسباب سياسية أثناء الحرب الكبرى جاء فيه (أن العذر الموقف لسريان مدة التقادم هو القوة القاهرة التي تمنع صاحب الحق من المطالبة بحقه منعًا كليًا، أما المانع الوقتي فلا يوقف سريان المدة ولكن للقاضي أن يعفي صاحب الحق إذا باشره بمجرد زوال المانع وليست هذه حالة المستأنف لأن العقبات التي كانت قائمة أمامه وحالت دون تمكنه من رفع دعواه زالت في سنة 1928 وجاء أيضًا أنه مما يؤيد هذه النظرية وضوحًا وجوب التفريق بين صاحب حق يخوله القانون مدة لاستعماله فجاءته ظروف قهرية قرب انتهاء هذه المدة منعته عن استعمال حقه وبين صاحب حق خوله القانون مدة لاستعماله فجاءته ظروف قهرية منعته من استعماله فترة من الزمن ثم زالت تلك الظروف ولا زال أمامه مدة لاستعمال حقه فأهمل استعماله حتى انتهت جميع المدة ففي الحالة الأولى يكون صاحب الحق جديرًا برعاية الشارع لأن من حقه أن ينتظر إلى آخر لحظة لاستعمال حقه فمنعه سبب قهري من ذلك - وفي الحالة الثانية يكون صاحب الحق غير جدير برعاية الشارع لأن حقه لا يزال قائمًا وفي وسعه استعماله فأهمله فهو مفرط في حق نفسه وعليه تقع تبعة تفريطه.
سبق البيان أن حوادث القوة القاهرة تعد من الأسباب التي تقف سير التقادم لأنها تضع صاحب الحق في موضع الاستحالة الكلية عن اتخاذ أي إجراءات لصون الحق ولا يمكن أن يُعزى إليه أي تقصير مع وقوع الطارئ القهري.
ولكن تبدو لنا بعض الملاحظات على حكم محكمة الاستئناف الأهلية المشار إليه في البند السابق مع ذلك ما ورد فيه (أن القوة القاهرة هي التي تمنع صاحب الحق في المطالبة بحقه منعًا كليًا أما المانع الوقتي فلا يقف سريان المدة المسقطة) والحكم يقارن بين المانع الكلي والمانع المؤقت مع أن وجه المقارنة يجب أن يكون بين الأضداد فيجب أن تكون المقابلة بين المانع الدائم والمانع المؤقت أو المانع الكلي والمانع الجزئي.
وقول محكمة الاستئناف بأن المانع الذي يمنع صاحب الحق من المطالبة بحقه هو ما يمنعه منعًا كليًا قول صحيح وسليم ولكن قولها أن المانع الوقتي لا يوقف سريان المدة فيه نظر لأنه قد يجوز أن يكون المانع كليًا ومطلقًا ولكنه وقتي أيضًا ويزول بعد فترة من الزمن والغالب أن معظم الحوادث القهرية والموانع الكلية مؤقتة فالحرب قد يزول والمواصلات قد تعود إلى مجراها بعد انقطاعها وقد يفك الأسير إلى غير ذلك فهذه حوادث قهرية ومانعة منعًا كليًا ومع ذلك فهي مؤقتة لذلك لا يجب أن يقاس العذر بمدته أن كان مؤقتًا أو دائمًا بل أن مناطه ينحصر في درجة أثره على قدرة المرء واستطاعته وهل يمنعه منعًا باتًا عن صون حقه أم يترك له سبيلاً للعمل فأغفله، كذلك جاء في الحكم المشار إليه أيضًا التفرقة بين حالتين أولاهما حالة صاحب حق جاءته ظروف قهرية مانعه قرب انتهاء المدة المحددة لسقوطه والثانية حالة صاحب حق جاءته الظروف القهرية المانعة فترة من الزمن ثم زالت تلك الظروف ولا زال أمامه مدة لاستعمال حقه وورد في الحكم أن الأول أحق برعاية الشارع لأن من حقه أن ينتظر إلى آخر لحظة.
ولكن يرد على هذا القول بأن وقف التقادم عبارة عن هدنة تعطل سيره في أثناء العذر القهري وتسقط مدته من حساب التقادم بحيث لا يكون لها أي أثر على ما سبق ذلك المانع من المدة وما يلحقه ولا فرق عندنا بين أن يكون تعطيل سير التقادم طارئًا في بدء المدة أو في وسطها أو في نهايتها وحكمة وقف التقادم كما بينا تقوم على الاستحالة المطلقة على العمل لصون الحق وهذه الاستحالة لا يجب أن نتقيد بزمن حدوثها فهي استحالة على كل حال وطبيعتها العجز والمنع الكلي في أي زمن وقع فيه الحادث القهري ولا تتغير هذه الطبيعة بتغير الزمن - ثم إذا صح القول بأن صاحب الحق قصر ولم يقم بحفظ حقه من السقوط بعد زوال الحادث القهري حتى انتهت مدة التقادم ألا يقال أيضًا مثل هذا في الصورة الأخرى أي أنه أهمل إذ لم يقم بحفظ حقه وتراخى حتى قربت المدة على الانتهاء وفاجأه الحادث القهري فلماذا يختص صاحب الحق في الصورة الأولى برعاية الشارع دون الآخر وما الفرق بين إهمال يقع أولاً وآخر يقع أخيرًا_ ثم إذا كانت حالة القوة القاهرة مأخوذة بطريق القياس على روح التشريع في صورة فقد الأهلية فإن القانون في نص المادة (83) مدني لم ينص على التمييز بين فقد الأهلية في بحر مدة التقادم أو في قرب انتهائها بل جاء النص مطلقًا (لا يسري حكم تملك العقار على من يكون مفقود الأهلية شرعًا).
مما تقدم نرى أن لا محل للتفريق الذي ارتأته محكمة الاستئناف في حكمها المشار إليه آنفًا.
قضت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 22 مايو سنة 1902 أن المجنون الذي أُدخل في مستشفى المجاذيب يسري ضده مدة التقادم طالما أنه لم يصدر قرار بالحجر عليه (مجموعة مختلط سنة 14 صحيفة (325)).
لا نرى هذا الرأي لأن المجنون فاقد الإرادة والإدراك ولا يمكن أن يستطيع إطلاقًا صون حقوقه عن السقوط وهو في حالة استحالة مطلقة ولا يمكن أن يعزي إليه تقصير أو إهمال في المطالبة بحقه فلا يجب أن يسري التقادم ضده وإذا كان الشارع ينص على وقف التقادم بالنسبة إلى المجنون المحجور عليه والذي نصب له قيم يدير شؤونه ألا يكون أولى بالرعاية المجنون الذي ليس له من يحافظ على حقوقه ؟
على أنه لا يجب التمادي في هذه الرعاية واعتبار حالة المرض إطلاقًا من الموانع والأعذار فالأمراض التي لا تعطل التميز والإدراك ولو أقعدت الجسم عن الحركة لا تعد من أحوال وقف سير التقادم لأن المريض في هذه الأحوال لا يستحيل عليه إنابة غيره في المطالبة بحقه فالمانع ليس إذن مانعًا كليًا ولا يعد من قبيل حوادث القوة القاهرة.
يراد بهذه الأعذار الأسباب القانونية التي يتعذر معها المطالبة بالحق كالدين المعلق على شرط ولأجل مسمى فإن التقادم لا يسري إلا متى تحقق الشرط أو حل الأجل ولا يتناول بحثنا هذه الأحوال لأنها في الواقع ليست من أحوال وقف التقادم بل هي مما تؤخر بدء مسيره إذ أن المطالبة بالحق لا تتأتى إلا متى أصبح حالاً ومستحقًا لذلك يبدأ سير التقادم عندئذ.
ولكن قد يرفع المدين أو غيره بعض الدعاوى التي لا يستطيع معها الدائن أن يطالب بحقه إلا بعد الفصل فيها أو قد تنشأ علاقة قانونية تحدث مثل هذا المنع أيضًا وها بعض الأحكام التي صدرت من المحاكم المصرية في هذا النوع من الموانع.
قضت محكمة استئناف الأهلية في 15 ديسمبر سنة 1933 (محاماة سنة 12 عدد 431 صحيفة 878) أنه إذا استأجر المشرف على الوصية أطيان القصَّر فليس له أن يتمسك قبل القصَّر بسقوط الحق في الإيجار بمضي خمس سنوات لأنه وإن كان مستأجرًا ويستفيد من التقادم الخمس إلا أنه من واجبه مراقبة الوصية في اتخاذ اللازم نحو الحصول على حقوق القصر ومنع أي إهمال يؤدي إلى سقوط تلك الحقوق.
وجاء في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف الأهلية بتاريخ 28 مايو سنة 1930 (محاماة سنة 11 صحيفة (158)) أنه إذا تعين المؤجر حارسًا قضائيًا على العين المؤجرة فلا يبدأ ميعاد سقوط الحق في الأجرة إلا من تاريخ انتهاء الحراسة وليس للمستأجر أن يدفع بسقوط الحق لمضي أكثر من خمس سنوات من تاريخ عقد الإيجار لأنه من المقرر علمًا أن المدة المسقطة لا تبدأ إلا من الوقت الذي يمكن للدائن فيه أن يطالب بدينه ولا يستطيع المؤجر اتخاذ إجراءات تنفيذية عن دين الإيجار ما دام أن عملية الحراسة لم تنيه.
وحكم أيضًا بوقف سريان التقادم عن حق المطالبة بالغلة التي استولى عليها الدائن المرتهن من العين المرهونة ما دام الرهن قائمًا ولأنه بالنظر لكون الدائن مسؤولاً عما يستغله من الرهن فإن الدين يبقى مبهمًا حتى ينتهي الرهن ويصفى الحساب بين الدائن والمدين (حكم محكمة الاستئناف الصادر في 6 يناير سنة 1920 والوارد في المجموعة الرسمية سنة 19 صحيفة (106)).
وحكمت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا كان الدائن المحكوم له بالدين قد حَصُلَ على دينه من طريق نزع الملكية الذي تلاه توزيع الثمن إذا طرأ بعد ذلك أن حكم بإبطال إجراءات نزع الملكية فإن المدين لا يدفع ضد الدائن بسقوط الحق للتقادم إذا ما رفع دعواه يطالب بدينه وفوائده لأنه ما كان يستطيع المطالبة بالدين ولا كان يقبل منه ذلك طالما أن دعوى إبطال إجراءات البيع الجبري لم يفصل فيها (انظر الحكم الصادر في 27 إبريل سنة 1922 والمنشور في مجموعة التشريع والقضاء المختلط سنة 43 صحيفة (373)).
وحكمت أيضًا محكمة الاستئناف المختلطة في 25 يناير سنة 1925 (مجلة التشريع والقضاء المختلط سنة 17 صحيفة (89)) أن الدعوى التي يرفعها الموكل بالمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من أعمال وكيله لا يسقط الحق فيها بالتقادم طالبًا أن دعوى تقديم الحساب قائمة وهي الدعوى التي يدور فيها البحث حول إثبات هذا الضرر ودعوى الحساب هذه لا يبدأ سقوطها إلا بعد انتهاء الوكالة.
وحكمت أيضًا بأن المفلس لا يسوغ له التمسك بسقوط الفوائد بالتقادم الخمسي ضد دائنه طوال مدة التفليسة لأن نص المادة (225) تجاري تمنع الدائن عن مطالبة المفلس شخصيًا عقب الحكم بإشهار الإفلاس (حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 4 مارس سنة 1914 مجموعة مختلطة سنة 26 صحيفة (258)).
إذا كان العائق القانوني مما يستحيل معه المطالبة بالحق استحالة مطلقة فيجب وقف سير التقادم أثناء قيام هذا العائق، أما إذا كان ممكنًا لصاحب الحق المطالبة أو الاحتياط لحفظ حقه ولم يفعل يكون مقصرًا ولا يستأهل الرعاية التي أراد القانون أن يحيط بها ذوي الأعذار القهرية وفي أحد الأحكام المشار إليها آنفًا وهو حكم محكمة الاستئناف الأهلية الصادر في 28 مايو سنة 1930 قضى بوقف التقادم عن دين الأجرة لصالح المؤجر الذي عين حارسًا على الأطيان المؤجرة وذلك بسبب قيام الحراسة بمقولة أنه يتعذر معرفة الدين وتحديد مقداره بسبب الحراسة، ومن رأينا أن هذا ليس مانعًا كليًا بمنع المؤجر عن المطالبة بالأجرة حتى مع قيام الجلسة فإذا كان دين الأجرة محددًا في العقد ولم يدفع المستأجر شيئًا منه فما المانع من مطالبته به وإذا كان قد سدد جزءًا من الأجرة فمن السهل أن يخصم ما سدده ثم يطالب المؤجر بالباقي والحراسة لا تمنع ذلك وعلى أي حال كان يتحتم على المؤجر أن يطالب بدينه ولو إجمالاً لحفظه من السقوط وإذا دفع المستأجر بأنه سدد جزءًا منه فللمحكمة الفصل في ذلك وتصفية الحساب.
أما حالة الراهن والمرتهن فالمرتهن يضع يده على العقار المرهون ويستغله طوال مدة الرهن ويكون الراهن مجهلاً لمقدار ما استغله ومقدار ما يبقى من دين الرهن إلا بعد أن يقدم له حسابًا وطالما أنه لا يعلم ذلك وأنه لا سبيل له للعلم إلا من طريق تقديم الحساب فلا يمكن أن يعزى إليه إهمال ما لذلك يوقف سريان التقادم طوال مدة الرهن لأن لديه مانعًا كليًا.
وكذلك الحال في صورة المطالبة بالدين بعد إبطال إجراءات نزع الملكية فإن الدائن الذي قبض دينه من توزيع ثمن العقار الذي نزعت ملكيته لا يستطيع المطالبة بالدين أثناء دعوى إبطال الإجراءات لأنه سبق أن قبض دينه ولا يجوز له أن يطالب به مرة أخرى إلا إذا صدر حكم بإبطال إجراءات نزع الملكية ورد ما توزع عليه من الثمن فعندئذ يحق له أن يطالبه مرة أخرى بالدين والفوائد ولو فعل ذلك قبل الفصل في دعوى بطلان الإجراءات لحكم بعدم قبول دعواه لرفعها قبل الأوان وهذا عذر قانوني يحول دون اتخاذ إجراءات المطالبة بالدين إحالة باتة.
نقصر البحث هنا على بعض أحوال التقادم الواردة في القانون المدني والجديرة بالشرح والبيان.
ويخرج بذلك التقادم المنصوص عليه في القانون التجاري وكذلك المواعيد المقررة لسقوط الحق في إجراءات المرافعات المدنية إذ يضيق هذا المقال عنها.
ونرى أنه قبل البدء في بيان أنواع التقادم أن نشير إلى القاعدة الأساسية وهي أن مناط اعتبار العذر مانعًا عن سير التقادم ينحصر في الحكمة من تشريعه فهي القياس الذي يقاس به العذر وسنرى كيف أن هذا الاعتبار يختلف أثره في كل نوع من أحوال التقادم باختلاف حكمة التشريع فيه.
جرى القضاء الفرنسي والمصري على تطبيق القاعدة اللاتينية القديمة على هذا النوع من التقادم (تراجع الأحكام الفرنسية والمصرية التي أشرنا إليها أيضًا) ومع أن الشارع الفرنسي نص في المادة (2278) من القانون المدني وجاراه الشارع المصري في المادة (841) مدني - على أن التقادم الخمسي المسقط لا يقف بالنسبة لمفقودي الأهلية إلا أن القضاء جرى على وقفه أيضًا للحوادث القهرية أو الموانع الكلية.
وحكمة تشريع المادة (211) ترجع إلى اعتبار مصلحة المدين كأهم عنصر في هذه الحالة إذ أن تراكم هذه الديون من سنة إلى أخرى قد يؤدي إلى خراب المدين ماليًا ومع هذا الاعتبار فلا يقف التقادم بالنسبة لمفقودي الأهلية لأنه لو أُبيح الوقف لهذا السبب تفوت حكمة التشريع أي منع تراكم الديون على المدين ويقولون أيضًا أن مفقود الأهلية له من يدافع عن حقه وهو الولي أو الوصي أو القيم وإذا أهمل أحد هؤلاء فيجوز الرجوع عليه.
إلا أننا نرى أن هذا التعليل غير وافٍ لأنه يدور أيضًا مع أحوال التقادم الأخرى.
على أنه إزاء النص الصريح لا يجوز التوسع أو الاجتهاد في التفسير وعلى الأخص إذا أدى هذا التفسير إلى مخالفة النص القانوني.
وقد يكون من المنطق السليم لو لم تقبل الأعذار القهرية في هذا التقادم الذي يبنى على اعتبار مصلحة المدين دون سواه ومنع تراكم الديون عليه لأن حكمة التشريع تفوت إذا طالت المدة ولو لأعذار قهرية لدى الدائن فإن التراكم واقع لا محالة غير أن القضاء لم يعبأ بهذا التعليل المنطقي وسار على قاعدة الأخذ بالأعذار القهرية واستقر على هذا المبدأ ويظهر أن عاطفة العدل سادت عليه فلم تقبل المحاكم أن تكلف المرء إلا وسعه إذا طرأت عليه الموانع الكلية.
تنص المادة (409) مدني على أن المهندس المعماري والمقاول مسؤولان مع التضامن عن خلل البناء في مدة عشر سنين.
وقد قضت محكمة الهافر في حكمها الصادر في تاريخ 4 مارس سنة 1923 (والمنشور في جازيت المحاكم الفرنسية ستة 927 جزء ثانٍ ص (630)) بأن التقادم لا يقف بالنسبة لمسؤولية المهندس والمقاول ولا يمتد بسبب وقوع الحرب.
وهذا المبدأ لا غبار عليه ذلك لأن المدة التي ذكرها الشارع في المادة (409) هي عبارة عن زمن حدده القانون لاستمرار الضمان على عاتق المهندس والمقاول بل هو وقت أوسع في مداه لاختبار البناء فيه والتحقق من سلامته إذ يجوز أن لا تظهر عيوبه إلا بعد بضع سنوات فهي إذن مدة ضمان وتجربة، وإذا ساغ وقف التقادم إذا طرأ على المالك حادث قهري فيترتَّبُ على هذا إطالة مدة الضمان والتجربة أكثر من عشر سنين وبذلك تمتد مدة المسؤولية أكثر مما أراده الشارع.
تنص المادة (212) مدني على أنه في حالة ما إذا كانت المدة المقررة لسقوط الحق 260 يومًا فأقل فلا تبرأ ذمة من يدعي التخالص لمضي المدة إلا بعد حلفه اليمين على أنه أدى حقيقة ما كان في ذمته.
ويؤخذ من هذا النص أن التقادم المسقط لهذه الديون إنما يقوم على افتراض أن المدين قد قام بسداد الدين لأن هذه الديون مما جرى العرف على دفعها فورًا بمجرد إنهاء العمل وأن الدائن لا يسكت عليها زمنًا لذلك أوجب الشارع أن يحلف المدين اليمين على براءة ذمته.
ومتى تبين هذا فلا تكون هناك محل لمظنة إهمال الدائن أو ترك حقه ويتفرع على هذا منطقيًا أنه لا يسوغ للدائن أن يتعلل بالحوادث القهرية لأن هذا النوع من التقادم ليس له أساس من التفريط أو التقصير في صون الحق من السقوط حتى يلتمس العذر لمن أعجزته الموانع القهرية بحيث لا يمكن إسناد الإهمال إليه.
وأكثر من هذا فإن الشارع فرض ضمانًا للدائن إذا ما انقضت مدة التقادم القصيرة إذ أوجب أن يحلف المدين على براءة ذمته من الدين بالرغم من مضي مدة التقادم فلو فرضنا دائنًا طرأ عليه حادث قهري كالأسر في الحرب مثلاً ثم عاد بعد سنتين وطالب بدينه ودفع المدين ضده بسقوط الحق لمضي أكثر من 360 يومًا فيتحتم على المدين أن يحلف اليمين على براءة ذمته فإذا نكل عن اليمين حكم عليه بالدين ولا يضير الدائن إذن انقضاء المدة ولا وقوع الحوادث القهرية التي أقعدته عن المطالبة بحقه أثناءها فاليمين إذن هو ضمان لصون الحق في هذا النوع من التقادم والشارع قد أحاط الدائن بهذه الرعاية فلا محل لأن يشمله برعاية أخرى وهي إعفاءه من سير المدة التي حل لها الحادث لقهري - فضلاً عن أن هذه المدة قصيرة المدى كما أرادها الشارع ومد أجلها يذهب بحكمة التشريع فلا تجب إطالتها بأي حال - لذلك من رأينا أن لا يقف سير التقادم في هذه الصورة ولو أن هناك رأيًا يقول بغير هذا ويعمم وقف التقادم لكل مانع قهري وفي كل نوع من أنواع التقادم.
قد أخذ كثير من القوانين الأوربية بهذه القاعدة القديمة وورد النص فيها بصراحة على بعض الأعذار القهرية التي تقف سير التقادم كما يأتي.
ورد النص في المادة (2107) من القانون الألماني أن سير التقادم يقف إذا كان الدائن يستحيل عليه كلية المطالبة أو طرأ عليه حادث قهري.
وفي المادة (2120) من القانون الإيطالي ورد النص على أن التقادم لا يسري ضد رجال الجيش أثناء وقوع الحرب حتى ولو كانوا في أراضي الدولة.
وجاء في نص المادة (2349) من القانون النرويجي أنه إذا جهل الدائن الحوادث أو الظروف التي يتولد فيها حقه أو استحقاق ديونه أو إذا أخفاها المدين عنه فلا يجري التقادم إلا بعد مضي ثالثة سنوات من علم الدائن بهذه الظروف - ونص أيضًا في المادة (2351) من هذا القانون على أنه في حالة موت أو اختفاء المدين أو الدائن في السنة الأخيرة من مدة التقادم فيمتد سير التقادم سنة أخرى بعد هذه الحوادث.
وورد أيضًا في المادة (2511) من القانون السويسري أن سير التقادم يقف طالما أنه يستحيل على الدائن أن يلجأ إلى المحاكم ثم يستأنف التقادم سيره من تاريخ زوال هذا المانع.
4 - خلاف الفقهاء في تفسير النص الوارد في القانون الفرنسي:
وقد آثار هذا النص الخلف في آراء علماء القانون المدني في فرنسا فذهبوا مذاهب ثلاثة في تفسيره.
5 - المذهب الأول:
ومنهم لوران في كتابة القانون المدني جزء 32 وديمانتى وكولمبيه سانتر في الجزء الثامن بند (358) ثم بودرى وتيسيه في كتاب التقادم ص (284) بند (366) وما بعده.
ويقول أصحاب هذا المذهب أن الشارع الفرنسي أراد بالنص الوارد في المادة (2252) أن يحضر أحوال وقف التقادم بحيث لا يجوز الاجتهاد ولا التوسع فيها وأنه إزاء اختلاف الشراح والمحاكم في الأخذ بالأعذار المتعددة أراد الشارع القضاء على هذه الأعذار التي كانت تطيل أمد التقادم والتي كان يترتب عليها عدم استقرار الحقوق وتجدد النزاع على وقائع قديمة توالت عليها السنون.
ويعللون هذا الرأي بأن التقادم لا يقوم على افتراض الإهمال فقط بل على فكرة أسمى وهي المصلحة العامة التي يجب صونها والتي يجب أن تزول أمامها مصلحة الأفراد حتى لو كانت الموانع التي عاقتهم عن حفظ حقوقهم من السقوط قوية وجدية، ولا يجب أن يقال أن هذا مما ينافي العدالة لأن التقادم لا يقوم على أساس من العدالة بل على أساس الصالح العام وأنه إذا اعترض على هذا بأن الشارع راعى العدالة بإعفائه القصر والمحجور عليهم من سريان التقادم وتقاس عليه الأحوال الأخرى التي يقتضيها الإنصاف فإنه يرد على هذا بأن الشارع أظهر تساهلاً مع من ذكرهم على سبيل الحصر فيجب التزام الحد الذي وقف عنده الشارع ولا يسوغ تجاوزه إلى حالات أخرى بعيدة عنها وتختلف عنها في طبيعتها ونوعها، وإذا تُرك للقاضي الحبل على الغارب فإن بواعث العدل والعطف قد تحمله على قبول كل عذر ومانع مثل الجهل أو الغباب أو المرض وبهذا يصبح النص على التقادم حبرًا على ورق (انظر بودرى وتيسيه في شرحه هذا الرأي بالأسباب في المرجع المشار إليه آنفًا).
ويقول المسيو لا بيه في تعليقه على مجلة سيري سنة 1878 جزء (2) ص (313) ما هي الفائدة من النص الوارد في المادة (2252) إذا كانت المحاكم لا زالت مصرة على التمسك بالقاعدة القديمة..... Contra mort velentem التي كان معمولاً بها قبل القانون والتي قصد الشارع القضاء عليها وحصر مدى تطبيقها.
وأكثر من هذا فإن أصحاب هذا الرأي يستندون أيضًا إلى المراسيم والقوانين التي تصدر أثناء الحروب بوقف سريان التقادم أثناء قيام الحرب ويقولون لو كان التقادم موقوفًا أثناء الحرب وهو من الحوادث القهرية بحكم المادة (2251) ما كانت هناك ضرورة لإصدار مثل هذه القوانين.
6 - المذهب الثاني:
وزعيم هذا المذهب دالوز في موسوعاته تحت عنوان تقادم مدني بند (684) وما بعده وترولنج بند (701) وميرلان في موسوعاته تحت عنوان التقادم.ويقول أصحاب هذا الرأي بأن النص الوارد في المادة (2251) لا يمنع تطبيق القاعدة القديمة لأن الشارع إنما أراد حصر الأعذار التي تقوم على حالة الأشخاص فلم يعتبر منها سوى فقد الأهلية أما الأعذار الناشئة عن حوادث القوة القاهرة وغيرها فلم يتعرض لها القانون ولم يحرمها.
ويقول دالوز في المرجع المشار إليه أن القاعدة القديمة إنما تقوم على أساس من العدالة وأن التقادم إنما بنى على افتراض أن الدائن أهمل حقه وتركه فكيف يسوغ عدلاً وعقلاً افتراض مثل هذا الإهمال إذا كان الدائن لا يستطيع مطلقًا أن يعمل شيئًا يصون حقه بسبب القوة القاهرة أو الحوادث المعجزة.
ويقول نرولونج أن أصحاب الرأي المخالف يفسرون المادة (2251) تفسيرًا غير معقول ويفرضون على القاضي أن يحكم بما ينافي الضمير والعدل وهل يعقل أن يجد الشارع متسعًا للنص على جميع صنوف الأعذار والموانع وإذا قيل بأن الشارع لم يقصد سوى ما عدده من الأعذار فيكون عمله هذا ضربًا من ضروب الظلم والعسف.
7 - المذهب الثالث:
وهو مذهب أوبرى ورو في كتاب القانون المدني جزء (2) بند (214) وهامش نمرة (29) ونمرة (53) وجويار في التقادم جزء أول بند (153) ونمرة (165) وهذا المذهب يفرق بين حالتين فإما أن يكون العذر قانونيًا أي أن له سببًا من القانون أو واقعيًا أي أن يكون منشؤه الوقائع والحوادث ففي الحالة الأولى يقف التقادم ومثال ذلك دائن المفلس الذي لا يستطيع مقاضاته أثناء قيام التفليسة فإن التقادم لا يسري حتى تقفل التفليسة ولا تسقط الديون التي استحقت في أثنائها ولا فوائدها أيضًا.أما في حالة الموانع القهرية فقد اختلف أصحاب هذا الرأي فيما بينهم فقال أوبرى وروانه لا يجوز للقاضي أن يعفي صاحب الحق من سريان التقادم ضده أثناء وقوع الحادثة القاهرة إذا ظهر أنه بادر واتخذ إجراءات المطالبة بحقه عقب زوال الحادث القهري مباشرة ويخالفه في هذا جويار في الجزء الأول من كتابه التقادم ص (169) ويقول أن هذا الحل لا يرتكز على أي أساس من القانون الذي يحرم ما عدا الأحوال المنصوص عليها في المادة (2251) وما بعدها.
8 - مذهب القضاء في فرنسا:
ليس العالم الشارح للنظريات القانونية الصرفة كالقاضي الذي يجابه الوقائع ويَلْمَسُ الظروف في الدعوى وما تحويه من عسف فالأول يبسط آراءه العلمية ونتائجه المنطقية بدون تطبيقها على الوقائع أما الثاني فعند تطبيق القانون تطبيقًا حرفيًا قد يصطدم أحيانًا بما يبعده عن جادة العدل والإنصاف بعدًا شاسعًا عندئذ لا يرى القاضي مندوحة من الاجتهاد والتوسع في تفسير النص القانوني حتى يرى مخرجًا لتحرج ضميره.وهذا ما وقع في محاكم فرنسا فإنه بعد صدور النص الوارد في المادة (2251) مدني فرنسي وبالرغم من تفسير الفريق الأول من العلماء فإن تلك المحاكم لم تعبأ بالحصر الوارد في المادة (2251) ولم تأخذ بآراء أولئك العلماء الذين يقصرون أسباب وقف التقادم على الأحوال الواردة في تلك المادة بل أعاد القضاء في فرنسا تطبيق القاعدة القديمة contra non valentem بأوسع معانيها وظل الأخذ بهذه القاعدة راجحًا في الأحكام الفرنسية للآن وقد قالت محكمة للنقض الفرنسية في حكمها الصادر في 22 يونيه سنة 1853 والمنشور في سيرى سنة 1855 جزء أول ص (511) أن التقادم لا يسري ضد من استحال عليه المطالبة بالحق مهما كان نوع الأعذار وسواء كانت ناشئة عن القانون أو عن العقد أو الحوادث القهرية وظلت على مبدئها هذا في أحكامها العديدة (انظر محاكمها الصادر في 12 مايو سنة 1900 والمنشور في سيرى 912 جزء أول من 133) وهاكم بعض الأمثلة على ذلك:
1/ حكم بأن المهلة التي يطلبها المدين من الدائن ليتحقق من صحة مقدار الدين بعد مراجعة المستندات التي ينتظر ورودها إليه والتي لا بد من الاطلاع عليها لمعرفة مقدار الدين معرفة محققة تُعَدُّ مانعًا من سريان التقادم الذي يجب أن يقف في بحر هذه المهلة (حكم دائرة العرائض في محكمة النقض المدنية بتاريخ 28 نوفمبر سنة 1865 ومنشور في دالوز بريودك سنة 1867 جزء أول من 124).
2/ ويقول مجلس الدولة في فرنسا في فتواه الصادرة في 27 يناير سنة 1814 أن الحرب والوباء وغير ذلك يوقف التقادم ما دام أنه يترتب على ذلك استحالة مطلقة للمطالبة بالحق.
3/ وحكم أيضًا بوقف التقادم طوال المدة التي يكون الدائن جاهلاً بحقه قانونًا أي أنه كان لا يعلم موضوع الحادثة التي نشأ عنها حقه (محكمة ييزامسون في 20 مايو سنة 1891 ومنشور في دالوز سنة 1845 جزء أول ص (180).
4/ وحكم أن الجهل المطلق بالحق الذي لا دليلي عليه إلا خريطة ترجع إلى قرون عديدة هو من قبيل الحادث القهري ويجوز معه وقف التقادم على شريطة أن لا يكون هذا الجهل ناشئًا عن الإهمال (انظر الحكم السابق) ولكن محكمة النقض الفرنسية قضت بعكس ذلك في حكمها الصادر في 10 يوليو سنة 1868 والمنشور في سيرى 1869 جزء أول ص (407) إذ قالت أن الجهل بالحق ليس من الحوادث القهرية ولذلك لا يقف سريان للتقادم وفي حكم صدر من محكمة النقض الفرنسية في 11 يونيه سنة 918 ومنشور في سيري 922 جزء أول ص (217) قالت النقض بأن الجهل بالحق لا يقف سير التقادم إلا إذا كان في درجة الحادث القهري.
5/ وحكم بأنه في دعوى التعويض التي يرفعها ضد كاتب العقود من كلفه بكتابه عقد له وظهر بعدئذ أن بالعقد بطلانًا لم يكن ظاهرًا في شكله لا يسري التقادم في هذه الحالة إلا من تاريخ اكتشاف هذا البطلان (حكم محكمة النقض المدنية الفرنسية الصادر في 27 مايو سنة 1857 والمنشور في دالوذ 1857 جزء أول ص (290)).
6/ وحكم بأنه إذا لم يكن هناك استحالة مطلقة من اتخاذ إجراءات المطالبة بالحق فلا يجوز وقف سير التقادم لذلك حكم بأن الغياب لا يقف التقادم (حكم دائرة العرايض في 19 يوليه سنة 1869 ومنشور في دالوز (1870) جزء أول ص (75)).
7/ وقضت دائرة العرائض بمحكمة النقض أنه إذا سرق المدين سند الدين أو بدده، فإن هذا يحرمه من التمسك بالتقادم لأن اختلاسه للسند يمنع الدائن من المطالبة بحقه ويقطع سريان التقادم (حكم دائرة العرائض في 3 يناير سنة 1832 جزء أول ص (352)).
8 - وحكم أيضًا أنه إذا رفعت دعوى بطلب بطلان البيع فلا يسري التقادم بالنسبة للفوائد المستحقة للبائع على الثمن لأن البائع في أثناء نظر هذه الدعوى لا يستطيع المطالبة بالثمن ولا بالفوائد (حكم محكمة النقض الصادر في 5 يوليو سنة 1858 والمنشور في دالوز سنة 1858 جزء أول ص (413)).
9/ وحكم بأن المشتري الحائز للعقار الذي اشترط في عقد البيع بأن البائع لا يستطيع أن يطالبه بالثمن ولا بالفوائد إلا بعد استحضار الشهادات الدالة على شطب جميع الحقوق العينية على العقار المبيع لا يستطيع التمسك بالتقادم بالنسبة للفوائد طالما أن البائع باشر إجراءات التوزيع للتوصل إلى شطب هذه الحقوق (حكم محكمة بارنس الصادر في 2 يناير سنة 1864 سيرى (861) جزء (2) ص(383)) وحكم بوقف التقادم لصالح المقاول الذي يطالب جهة الإدارة بالفوائد المستحقة على التأمين الذي أودعه متى تبين أن الإدارة منعت المقاول منعًا كليًا عن قبض تلك الفوائد (حكم مجلس الدولة الصادر في 10 يناير سنة 1856 والمنشور في دالوز سنة 1856 جزء (3) صرة (57)).
10 - رأي القضاء البلجيكي:
أن نص المادة (2251) فرنسي منقول بحرفيته إلى القانون المدني البلجيكي وقد جرى القضاء البلجيكي وراء المحاكم الفرنسية فقضت محكمة النقض البلجيكية مرارًا بأن الحوادث القهرية تقف سير التقادم كحالة الحرب أو انقطاع المواصلات.
وانظر حكم محكمة النقض البلجيكية الصادر في أول فبراير سنة 1926 والمنشور في البازكريزى سنة 1926 جزء أول ص (208) والحكم الصادر في 20 يوليو سنة 1922 والمنشور في البازكريرى سنة 1922 جزء أول ص (411) والحكم الصادر في 8 يوليو سنة 1919 والمنشور في البازكريزى سنة 1919 جزء أول ص (207).
(انظر أيضًا الأحكام التي سردها كليمن في رسالة أسباب وقف التقادم سنة 1902 ص (174) و(175).
11 - رأي القضاء الإيطالي:
قد أخذت المحاكم الإيطالية بقاعدة (contra non velentem agere) في أكثر أحكامها (انظر رسالة كليمن ص(181)).
12 - التشريع المصري:
لم ينقل الشارع المصري إلى قانوننا المدني نص المادة (2251) فرنسي بل نص في المادتين (84) و (85) على أن التقادم لا يسري على من يكون مفقود الأهلية شرعًا ولم يشر إلى شيء عن الأعذار القهرية أو المعجزة أو الموانع القانونية التي تحول دون اتخاذ الإجراءات للمطالبة بالحق وورد النص في المادة (205) على أن القواعد المقررة للتقادم بمضي المدة من حيث أسباب انقطاعها أو إيقاف سريانها تتبع أيضًا في التخلص من الدين بمضي المدة.
13 - رأي الفقه المصري:
يكاد يجمع شراح القانون المدني المصري على الرأي القائل بأن الشارع المصري أراد بإغفال النص الفرنسي الوارد في المادة (2251) أن يترك للقاضي سلطة الأخذ بالأحوال الأخرى كالقوة القاهرة وأن لا يتحرج عن تطبيق القاعدة القديمة (Contra non valentem.....ويقول فتحي باشا زغلول في كتابه القانون المدني صحيفة (104) أن القوة القاهرة هي عذر شرعي يقف التقادم كالأسر أو الغرق أو إعلان الأحكام العرفية وكذلك هالتون في كتابه جزء أول ص (212) يقول إن المحاكم المصرية تتمتع بحرية أوسع في هذا الصدد لأن القانون المصري لم ينقل النص الذي حرم أحوال وقف التقادم الأخرى وعلى القاضي المصري أن يقضي فيها بمقتضى قواعد العدالة عملاً بنص المادة (29) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
وهذا هو رأي والتون أيضًا في كتابه شرح الالتزامات جزء ثانٍ ص (370) إذ يقول بأن الاستحالة المطلقة في المطالبة بالحق يقف سير التقادم.
ويقول دي هلتس في كتابه القانون المدني جزء (3) ص (329) تحت عنوان التقادم بند (63) أنه يلوح لنا من عدم نقل النص الفرنسي جواز تطبيق القاعدة القديمة مع التحفظ وذلك في أحوال الاستحالة الواقعية أي إذا كانت الأعذار مطلقة ونتيجة الحوادث القهرية التي طرأت على شرط أن لا يعزى أي خطأ أو إهمال إلى صاحب الحق – ويقول أيضًا في بند (95) أن المأمول أن لا تفرط المحاكم في هذا التوسع الذي تحتمه العدالة حتى لا ينقلب إلى سوء استعمال للحق.
(انظر أيضًا كتاب كامل بك مرسي في الأموال ص (552) بند (888) وكتاب عبد السلام ذهني بك في الالتزامات صحيفة (492) بند (486)).
14 - رأينا:
إن الشارع المصري لم يغفل نقل المادة (2251) مدني فرنسي عفوًا بل جاء ذلك منه عن حكمة رمى إليها فقد كان ماثلاً أمامه وقت وضع القانون المدني ذلك الخلف في الرأي في الفقه الفرنسي ثم إحجام المحاكم الفرنسية عن الإقلاع عن القاعدة اللاتينية القديمة بالرغم من النص الوارد في المادة (2251) فرنسي فأراد أن يقضي على مثار هذا الخلاف فطرح نص تلك المادة جانبًا وبذلك مهد السبيل لاجتهاد القاضي والأخذ بما يراه عذرًا شرعيًا وقهريًا.وأكثر من هذا قد كانت أحكام الشريعة الإسلامية معمولاً بها في مصر قبل وضع القانون المدني وهي تقضي بقبول أعذار أخرى لوقف سير التقادم فوق فقد الأهلية فأراد الشارع التوفيق في هذا الصدد بين التشريع الجديد وما استقرت عليه المعاملات في الديار المصرية من قبل ويظهر بجلاء تأثر التشريع المدني المصري بأحكام الشريعة الغراء من اعتبار المدة الطويلة للتقادم 15 سنة بدلاً من 30 سنة وهي المدة المقررة في القانون الفرنسي.
وها هي النصوص التي تظهر بأجلى بيان الحكم الشرعي في وقف التقادم - مادة (151) من مرشد الحيران لقدري باشا – من كان واضعًا يده على عقار أو غيره أو متصرفًا فيه تصرف الملاك بلا منازع ولا معارض مدة 15 سنة فلا تسمع عليه دعوى الملك لغير الإرث من أحد ليس بذي عذر شرعي إن كان منكرًا (راجع أيضًا نص المادتين (152) و (156).
وورد في نص المادة (157) من هذا المرجع ما يأتي: إذا تركت الدعوى لعذر من الأعذار الشرعية في المدة المحدودة كأن كان المدعي غائبًا أو قاصرًا أو مجنونًا ولا ولي له ولا وصي فلا مانع من سماع الدعوى.
وجاء في المادة (375) من لائحة ترتيب المحاكم الصادرة بالمرسوم بقانون رقم (87) سنة 1931 النص الآتي الذي هو ترديد للنص الوارد في اللوائح الشرعية السابقة لها (القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التي مضى عليها 15 سنة مع تمكن المدعي من رفعها وعدم العذر الشرعي).
وكل هذه النصوص تدل على أن الفقهاء كانوا يأخذون بالحوادث القهرية وغيرها.
ويرى بودرى وتيسيه أن التقادم شرع لمصلحة اجتماعية وهي استقرار الأمر الواقع وسدل الستار على ما طواه الزمان من الوقائع والحوادث وفاتهما أن هناك حكمة أخرى لشرع التقادم وهي أهم عنصر في تشريعه أي أن التقادم يقول على افتراض أن صاحب الحق أهمل في حقه وتركه ولم يرعه بالصيانة والمفرط أولى بالخسارة ولذلك أعفي فاقد الأهلية من سريان التقادم لأنه قليل التمييز والإدراك والإهمال لا يصدر إلا عن دراية ويجب أن يقاس عليه منطقيًا من يستحيل عليه بفعل الحوادث القهرية أن يصون حقه فإنه عاجز عجزًا تامًا عن المطالبة به ولا يمكن تصور الإهمال أو القعود عن العمل إلا إذا كان العمل مقدورًا ومستطاعًا ولا يكلف الإنسان بما يستحيل عليه عمله.
ويرد على قول هذين المؤلفين بودرى وتيسيه أن صالح الفرد يجب أن يزول أمام المصلحة العامة بأن القوانين لم تجرِ على مبدأ أن يضحى صالح الفرد تضحية تامة ليتمتع الجمهور به بل يكون ذلك مع مراعاة مصلحة الفرد أيضًا ففي أحوال نزع الملكية للمنافع العامة مثلاً يعطي المالك تعويضًا عما فقده في هذا السبيل، وخير من فناء المصلحة الفردية أمام الصالح العام – خير من ذلك أن يوقف بينهما وأن يراعي كل من الصالحين معًا وهذا ما يقتضيه العدل - من أجل هذا كان من العدالة أن تراعي حالة الاستحالة التي تعيق صاحب الحق عن صونه بفعل الحوادث وأن يوقف سريان التقادم ثم يستأنف سيره بعد زوال هذه الموانع وبهذا تصان المصلحة العامة ومصلحة الفرد فضلاً عن أنه يتمشى مع مقتضيات العدالة.
ويرد على نظرية بودرى وتيسيه أيضًا بأنه لو كان صحيحًا أن التقادم في المواد المدنية يمت بالصلة إلى النظام العام لكان يسوغ للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه ولو صمت صاحب الشأن عن الدفع به كمواعيد الاستئناف مثلاً على أن المجمع عليه فقهًا وقضاءً يتنافى مع هذا القول (انظر دالوز براتيك تحت عنوان تقادم بند (144) وما بعده - وانظر المادة (2223) مدني فرنسي – ويراجع أيضًا حكم محكمة الاستئناف المختلطة بهذا المعنى والمنشور في مجلة المحاماة .... [(1)]، والتفسير الصحيح للنص المصري لا يحرم الأخذ بالأعذار المعجزة عن العمل لوقف سريان التقادم فإن الشارع أطلق النص ولم يقيده بأداة حصر أو استثناء إذ قال في المادة (83) مدني لا يسري حكم تملك العقار على من يكون فاقد الأهلية ولو جاء النص هكذا لا يسري حكم تملك العقار إلا على من يكون فاقد الأهلية، لامتنع كل اجتهاد أو قياس ولكن عندما يتناول الشارع النص عن حالة ويصمت عن الأحوال الأخرى يكون هناك متسع للاجتهاد والقياس in pari ratione وللقاضي بل عليه أن يقضي بمقتضى قواعد العدل عند صمت الشارع عملاً بالمادة (29) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية التي ورد النص فيها كما يأتي:
(إن لم يوجد نص صريح بالقانون يحكم القاضي بمقتضى قواعد العدل).
أما والشارع المصري تعمد رفع القيد والحصر وغض الطرف عن النص الفرنسي وقصد أن يجيء النص خاليًا من الاستثناء فإنه بذلك يترك للقاضي مجالاً ليأخذ من الأعذار ما كان معجزًا أو مقعدًا لصاحبه عن العمل أو ما كان مستحيلاً عليه أن يتخذ إجراءات بالمطالبة لقطع المدة تضاف هنا هذه العبارة مع قيام ذلك العذر.
إنما يجدر بالملاحظة أن القاعدة اللاتينية القديمة يجب أن تحتفظ عند تطبيقها بشدة مدلولها وحكمة وضعها ذلك لأن المراد بالموانع ما كان يستحيل معها بتاتًا اتخاذ إجراءات المطالبة بالحق وأن لا يقترن بها أي إهمال من جانب صاحب الحق - فالمانع الذي لا يضع صاحبه في استحالة مطلقة لا يجب وقف سير التقادم له وإذا كان هناك محل لافتراض أي إهمال أو خطأ من جانب صاحب الحق فهذا كافٍ لعدم سماع دعواه بوقف التقادم.
15 - رأي القضاء المصري:
قد رجح الرأي الذي يقول بالاجتهاد والتوسع في أسباب وقف التقادم ولذلك حكمت المحاكم الأهلية والمختلطة في كثير من الأحكام باعتبار الموانع القهرية أو القانونية من الأسباب التي تقف سير التقادم وفي قليل من الأحكام ترى ترددًا في القضاء المصري ورجوعًا إلى الرأي القائل بأن أحوال وقف التقادم وردت في القانون المصري على سبيل الحصر مثال ذلك أن محكمة الاستئناف المختلطة قالت في حكمها الصادر في 9 مارس سنة 1898 مجموعة سنة 10 ص (186)) بأن أحوال وقف سير التقادم جاءت على سبيل الحصر ولا يجوز التوسع فيها، وفي حكم آخر صادر في 11 فبراير سنة 1901 ومنشور في مجموعة التشريع والقضاء المختلط سنة 21 ص (189) تقول محكمة الاستئناف المختلطة بأن لا يوقف التقادم إلا لمانع قانوني.وسنطرح الآن كل لفيف من الأحكام المصرية الصادرة في هذا الموضوع مع تعليقنا عليها.
16 – الغياب:
إن الغياب ظل مثارًا للخلف في الرأي أمام المحاكم المصرية وذلك بسبب النص الوارد في المادة (152) من مرشد الحيران الذي يلحق الغيبة بالقصر والجنون وبعدها من الأعذار الشرعية التي تمنع سير التقادم.
فحكمت محكمة الاستئناف الأهلية في أول يناير سنة 1914 (مجموعة رسمية سنة 15 عدد (26) بأن لا يسقط حق الغائب الثابتة غيبته قضائيًا في المطالبة بريع الأرض عن 5 سنوات)، وبهذا المعنى صدر حكم من محكمة طهطا في 14 يوليو سنة 1937 (مجلة المحاماة سنة 8 ص (588)) وأيضًا حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 25 مايو سنة 1896 مجموعة مختلطة سنة 7 ص (166) وعلى أنه صدرت أحكام ضد هذا المبدأ وهي:
1/ حكم صدر من محكمة الاستئناف الأهلية في 3 مارس سنة 1914 (مجلة الحقوق سنة 29 ص (227)) جاء فيه أن الغيبة ليست من الحوادث التي تقطع سريان المدة.
2/ وكذلك ورد في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في أول ديسمبر سنة 1910 أن الشخص الذي تحكم المحاكم الشرعية بأنه غائب غيبة منقطعة لا يعتبر بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية الغراء مفقود الأهلية وتسري عليه أحكام تملك العقار بمضي المدة الطويلة ولا يخالف ذلك كون الشريعة الإسلامية الغراء تمنع سريان مدة سقوط الحق في الدعوى بالنسبة للغائب والقاصر والمعتوه لأن السبب في كل هذه الأحوال هو اعتبارهم معذورين وليس لاعتبارهم مفقودي الأهلية.
وجاء في حكم محكمة الاستئناف الأهلية الصادر في 15 مارس سنة 1931 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 1932 عدد (116) أن الغائب غيبة منقطعة ليس كعديم الأهلية متى كان له وكيل يمثله.
17 - رأينا في الغياب:
يجب التفرقة في حالة الغياب يبن حالتين فإما أن يكون الغياب عاديًا كأن يسافر الرجل إلى جهة معلومة أو مجهولة ثم يعود فإن غيابه هذا ليس من أحوال الاستحالة المطلقة التي تمنع سير التقادم لأنه كان في وسعه أن يتخذ أهبته قبل سفره لصيانة حقوقه عن السقوط وحتى في أثناء ابتعاده عن بلاده يستطيع الآن مع التسهيلات المتفق عليها بين الحكومات المختلفة أن يرسل توكيلاً إلى من ينوب عنه في المطالبة بحقه فإذا لم يفعل فيكون مفرطًا ومهملاً ولا يقف التقادم مع افتراض الإهمال كما سبق القول ويجب أن يستثني من ذلك إذا طرأ على الغائب حادث قهري أثناء غيابه كالأسر أو قطع المواصلات أو الحجر الصحي لوباء أو غير ذلك فإن التقادم يجب أن يقف سيره في هذه الأحوال إنما لا يكون سببه الغياب بل الحادث القهري الذي لا يفترض معه أي إهمال.
وكذلك إذا غاب شخص كرهًا كأن نفى من بلاده فإذا كان في وسعه قبل سفره إقامة وكيل له أو كان في أثناء إبعاده أو نفيه يستطيع إقامة من ينوب عنه في رفع الدعوى للمطالبة بحقه فلا عذر له وبعكس ذلك إذا ثبت أنه أقصى إلى منفى بحيث لا يستطيع فيه نصب وكيل له أو كان في حالة استحالة مطلقة أن يأتي أي عمل يصون حقه فإن هذا يعد من حوادث القوة القاهرة التي تقف سير التقادم.
أما الغائب الذي يعتبره علماء الشرع في حكم المفقود شرعًا فلا يخلو حاله طبقًا للأحكام الشرعية من أحد أمرين فإما أن يترك وكيلاً قبل غيابه لحفظ أمواله وإدارة مصالحه وإما أن لا يكون له وكيل وفي هذه الحالة ينصب له القاضي الشرعي وكيلاً (انظر كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لقدري باشا مادتي (572) و (573)) ففي كلتا الحالتين يجب أن يسري التقادم ضده لأن الوكيل يقوم مقامه في حفظ حقوقه عن السقوط وإذا فرط وكيله فله أو لورثته حق الرجوع عليه.
وربما يعترض على ذلك بأن مفقود الأهلية يقام له وصي أو قيم وهو وكيل عنه في إدارة أمواله وصون حقوقه ومع ذلك لا يسري التقادم ضده، وردًا على هذا نقول أن عديم الأهلية يعوزه الإدراك والتمييز ولا يستطيع أن يقوم بإدارة شؤونه إذا رأى أن وصية أو قيمة مفرط في حقوقه لذلك أحاطه الشارع برعاية خاصة - أما الغائب وهو في صورة كامل الأهلية والإدراك والتمييز يستطيع أن يدبر شؤونه بنفسه وأن لا يغيب عن حقوقه فإذا أقام وكيلاً عنه أو نصب له القاضي وكيلاً والقاضي ولي الغائب شرعًا فعليه أن يتحمل نتيجة سوء اختياره في الصورة الأولى وعدم تولية أموره في نفسه وهو ضرب من ضروب الإهمال لا يقف معه التقادم، وكذلك إذا نصب القاضي وكيلاً للغائب غيبة منقطعة فإذا كان غيابه طوعًا فقد ترك شؤونه بدون تدبر لحفظ حقوقه وفي هذا عنصر التفريط الذي لا يمنع سير التقادم ويستثنى من هذا طبعًا الحادث القهري.
لذلك يكون حكم محكمة الاستئناف الصادر في 15 مارس سنة 1931 والمشار إليه سليمًا في أساسه القانوني إذ قضى بأن الغائب غيبة منقطعة ليس كعديم الأهلية متى كان له وكيل يمثله.
هذا ولا نقر التعليل الذي أخذت به محكمة الاستئناف في حكمها الصادر في أول ديسمبر سنة 1910 ومؤداه أن الغائب غيبة متقطعة هو من المعذورين شرعًا وليس من فاقدي الأهلية لذلك يسري عليه التقادم لأن هذا الحكم يحصر أحوال وقف التقادم في حالة فقد الأهلية فقط وهذا رأي مرجوح ولا يتمشى مع روح التشريع المصري إذ يجوز اعتبار كثير من الأعذار القائمة على حوادث قهرية أو غيرها من أسباب وقف التقادم كما سبق البيان.
18 – حوادث القوة القاهرة:
يكاد يسود الرأي في القضاء المصري بأن حوادث القوة القاهرة توقف سير التقادم، وحكمت محكمة الاستئناف المختلطة في 3 ديسمبر سنة 1900 (مجموعة التشريع والقضاء سنة 13 ص (53) بأن أرملة الضابط التي أُسرت في السودان في سنة 1883 - 1898 لها الحق في المطالبة بكل المتأخر من معاشها الذي استحق لها من سنة 1883 ولا يجوز أن يدفع ضدها بالتقادم الخمس.وصدر حكم من محكمة الاستئناف الأهلية في 8 ديسمبر سنة 1931 ومنشور في حكم مجلة المحاماة سنة 1912 عدد (267) صحيفة (672) في موضوع شخص أُبعد عن القطر المصري لأسباب سياسية أثناء الحرب الكبرى جاء فيه (أن العذر الموقف لسريان مدة التقادم هو القوة القاهرة التي تمنع صاحب الحق من المطالبة بحقه منعًا كليًا، أما المانع الوقتي فلا يوقف سريان المدة ولكن للقاضي أن يعفي صاحب الحق إذا باشره بمجرد زوال المانع وليست هذه حالة المستأنف لأن العقبات التي كانت قائمة أمامه وحالت دون تمكنه من رفع دعواه زالت في سنة 1928 وجاء أيضًا أنه مما يؤيد هذه النظرية وضوحًا وجوب التفريق بين صاحب حق يخوله القانون مدة لاستعماله فجاءته ظروف قهرية قرب انتهاء هذه المدة منعته عن استعمال حقه وبين صاحب حق خوله القانون مدة لاستعماله فجاءته ظروف قهرية منعته من استعماله فترة من الزمن ثم زالت تلك الظروف ولا زال أمامه مدة لاستعمال حقه فأهمل استعماله حتى انتهت جميع المدة ففي الحالة الأولى يكون صاحب الحق جديرًا برعاية الشارع لأن من حقه أن ينتظر إلى آخر لحظة لاستعمال حقه فمنعه سبب قهري من ذلك - وفي الحالة الثانية يكون صاحب الحق غير جدير برعاية الشارع لأن حقه لا يزال قائمًا وفي وسعه استعماله فأهمله فهو مفرط في حق نفسه وعليه تقع تبعة تفريطه.
19 - رأينا في الحكم الأخير:
سبق البيان أن حوادث القوة القاهرة تعد من الأسباب التي تقف سير التقادم لأنها تضع صاحب الحق في موضع الاستحالة الكلية عن اتخاذ أي إجراءات لصون الحق ولا يمكن أن يُعزى إليه أي تقصير مع وقوع الطارئ القهري.
ولكن تبدو لنا بعض الملاحظات على حكم محكمة الاستئناف الأهلية المشار إليه في البند السابق مع ذلك ما ورد فيه (أن القوة القاهرة هي التي تمنع صاحب الحق في المطالبة بحقه منعًا كليًا أما المانع الوقتي فلا يقف سريان المدة المسقطة) والحكم يقارن بين المانع الكلي والمانع المؤقت مع أن وجه المقارنة يجب أن يكون بين الأضداد فيجب أن تكون المقابلة بين المانع الدائم والمانع المؤقت أو المانع الكلي والمانع الجزئي.
وقول محكمة الاستئناف بأن المانع الذي يمنع صاحب الحق من المطالبة بحقه هو ما يمنعه منعًا كليًا قول صحيح وسليم ولكن قولها أن المانع الوقتي لا يوقف سريان المدة فيه نظر لأنه قد يجوز أن يكون المانع كليًا ومطلقًا ولكنه وقتي أيضًا ويزول بعد فترة من الزمن والغالب أن معظم الحوادث القهرية والموانع الكلية مؤقتة فالحرب قد يزول والمواصلات قد تعود إلى مجراها بعد انقطاعها وقد يفك الأسير إلى غير ذلك فهذه حوادث قهرية ومانعة منعًا كليًا ومع ذلك فهي مؤقتة لذلك لا يجب أن يقاس العذر بمدته أن كان مؤقتًا أو دائمًا بل أن مناطه ينحصر في درجة أثره على قدرة المرء واستطاعته وهل يمنعه منعًا باتًا عن صون حقه أم يترك له سبيلاً للعمل فأغفله، كذلك جاء في الحكم المشار إليه أيضًا التفرقة بين حالتين أولاهما حالة صاحب حق جاءته ظروف قهرية مانعه قرب انتهاء المدة المحددة لسقوطه والثانية حالة صاحب حق جاءته الظروف القهرية المانعة فترة من الزمن ثم زالت تلك الظروف ولا زال أمامه مدة لاستعمال حقه وورد في الحكم أن الأول أحق برعاية الشارع لأن من حقه أن ينتظر إلى آخر لحظة.
ولكن يرد على هذا القول بأن وقف التقادم عبارة عن هدنة تعطل سيره في أثناء العذر القهري وتسقط مدته من حساب التقادم بحيث لا يكون لها أي أثر على ما سبق ذلك المانع من المدة وما يلحقه ولا فرق عندنا بين أن يكون تعطيل سير التقادم طارئًا في بدء المدة أو في وسطها أو في نهايتها وحكمة وقف التقادم كما بينا تقوم على الاستحالة المطلقة على العمل لصون الحق وهذه الاستحالة لا يجب أن نتقيد بزمن حدوثها فهي استحالة على كل حال وطبيعتها العجز والمنع الكلي في أي زمن وقع فيه الحادث القهري ولا تتغير هذه الطبيعة بتغير الزمن - ثم إذا صح القول بأن صاحب الحق قصر ولم يقم بحفظ حقه من السقوط بعد زوال الحادث القهري حتى انتهت مدة التقادم ألا يقال أيضًا مثل هذا في الصورة الأخرى أي أنه أهمل إذ لم يقم بحفظ حقه وتراخى حتى قربت المدة على الانتهاء وفاجأه الحادث القهري فلماذا يختص صاحب الحق في الصورة الأولى برعاية الشارع دون الآخر وما الفرق بين إهمال يقع أولاً وآخر يقع أخيرًا_ ثم إذا كانت حالة القوة القاهرة مأخوذة بطريق القياس على روح التشريع في صورة فقد الأهلية فإن القانون في نص المادة (83) مدني لم ينص على التمييز بين فقد الأهلية في بحر مدة التقادم أو في قرب انتهائها بل جاء النص مطلقًا (لا يسري حكم تملك العقار على من يكون مفقود الأهلية شرعًا).
مما تقدم نرى أن لا محل للتفريق الذي ارتأته محكمة الاستئناف في حكمها المشار إليه آنفًا.
20 – المرض:
قضت محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 22 مايو سنة 1902 أن المجنون الذي أُدخل في مستشفى المجاذيب يسري ضده مدة التقادم طالما أنه لم يصدر قرار بالحجر عليه (مجموعة مختلط سنة 14 صحيفة (325)).
21 – تعليق:
لا نرى هذا الرأي لأن المجنون فاقد الإرادة والإدراك ولا يمكن أن يستطيع إطلاقًا صون حقوقه عن السقوط وهو في حالة استحالة مطلقة ولا يمكن أن يعزي إليه تقصير أو إهمال في المطالبة بحقه فلا يجب أن يسري التقادم ضده وإذا كان الشارع ينص على وقف التقادم بالنسبة إلى المجنون المحجور عليه والذي نصب له قيم يدير شؤونه ألا يكون أولى بالرعاية المجنون الذي ليس له من يحافظ على حقوقه ؟
على أنه لا يجب التمادي في هذه الرعاية واعتبار حالة المرض إطلاقًا من الموانع والأعذار فالأمراض التي لا تعطل التميز والإدراك ولو أقعدت الجسم عن الحركة لا تعد من أحوال وقف سير التقادم لأن المريض في هذه الأحوال لا يستحيل عليه إنابة غيره في المطالبة بحقه فالمانع ليس إذن مانعًا كليًا ولا يعد من قبيل حوادث القوة القاهرة.
22 - الموانع القانونية:
يراد بهذه الأعذار الأسباب القانونية التي يتعذر معها المطالبة بالحق كالدين المعلق على شرط ولأجل مسمى فإن التقادم لا يسري إلا متى تحقق الشرط أو حل الأجل ولا يتناول بحثنا هذه الأحوال لأنها في الواقع ليست من أحوال وقف التقادم بل هي مما تؤخر بدء مسيره إذ أن المطالبة بالحق لا تتأتى إلا متى أصبح حالاً ومستحقًا لذلك يبدأ سير التقادم عندئذ.
ولكن قد يرفع المدين أو غيره بعض الدعاوى التي لا يستطيع معها الدائن أن يطالب بحقه إلا بعد الفصل فيها أو قد تنشأ علاقة قانونية تحدث مثل هذا المنع أيضًا وها بعض الأحكام التي صدرت من المحاكم المصرية في هذا النوع من الموانع.
قضت محكمة استئناف الأهلية في 15 ديسمبر سنة 1933 (محاماة سنة 12 عدد 431 صحيفة 878) أنه إذا استأجر المشرف على الوصية أطيان القصَّر فليس له أن يتمسك قبل القصَّر بسقوط الحق في الإيجار بمضي خمس سنوات لأنه وإن كان مستأجرًا ويستفيد من التقادم الخمس إلا أنه من واجبه مراقبة الوصية في اتخاذ اللازم نحو الحصول على حقوق القصر ومنع أي إهمال يؤدي إلى سقوط تلك الحقوق.
وجاء في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف الأهلية بتاريخ 28 مايو سنة 1930 (محاماة سنة 11 صحيفة (158)) أنه إذا تعين المؤجر حارسًا قضائيًا على العين المؤجرة فلا يبدأ ميعاد سقوط الحق في الأجرة إلا من تاريخ انتهاء الحراسة وليس للمستأجر أن يدفع بسقوط الحق لمضي أكثر من خمس سنوات من تاريخ عقد الإيجار لأنه من المقرر علمًا أن المدة المسقطة لا تبدأ إلا من الوقت الذي يمكن للدائن فيه أن يطالب بدينه ولا يستطيع المؤجر اتخاذ إجراءات تنفيذية عن دين الإيجار ما دام أن عملية الحراسة لم تنيه.
وحكم أيضًا بوقف سريان التقادم عن حق المطالبة بالغلة التي استولى عليها الدائن المرتهن من العين المرهونة ما دام الرهن قائمًا ولأنه بالنظر لكون الدائن مسؤولاً عما يستغله من الرهن فإن الدين يبقى مبهمًا حتى ينتهي الرهن ويصفى الحساب بين الدائن والمدين (حكم محكمة الاستئناف الصادر في 6 يناير سنة 1920 والوارد في المجموعة الرسمية سنة 19 صحيفة (106)).
وحكمت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا كان الدائن المحكوم له بالدين قد حَصُلَ على دينه من طريق نزع الملكية الذي تلاه توزيع الثمن إذا طرأ بعد ذلك أن حكم بإبطال إجراءات نزع الملكية فإن المدين لا يدفع ضد الدائن بسقوط الحق للتقادم إذا ما رفع دعواه يطالب بدينه وفوائده لأنه ما كان يستطيع المطالبة بالدين ولا كان يقبل منه ذلك طالما أن دعوى إبطال إجراءات البيع الجبري لم يفصل فيها (انظر الحكم الصادر في 27 إبريل سنة 1922 والمنشور في مجموعة التشريع والقضاء المختلط سنة 43 صحيفة (373)).
وحكمت أيضًا محكمة الاستئناف المختلطة في 25 يناير سنة 1925 (مجلة التشريع والقضاء المختلط سنة 17 صحيفة (89)) أن الدعوى التي يرفعها الموكل بالمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من أعمال وكيله لا يسقط الحق فيها بالتقادم طالبًا أن دعوى تقديم الحساب قائمة وهي الدعوى التي يدور فيها البحث حول إثبات هذا الضرر ودعوى الحساب هذه لا يبدأ سقوطها إلا بعد انتهاء الوكالة.
وحكمت أيضًا بأن المفلس لا يسوغ له التمسك بسقوط الفوائد بالتقادم الخمسي ضد دائنه طوال مدة التفليسة لأن نص المادة (225) تجاري تمنع الدائن عن مطالبة المفلس شخصيًا عقب الحكم بإشهار الإفلاس (حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 4 مارس سنة 1914 مجموعة مختلطة سنة 26 صحيفة (258)).
23 – تعليق:
إذا كان العائق القانوني مما يستحيل معه المطالبة بالحق استحالة مطلقة فيجب وقف سير التقادم أثناء قيام هذا العائق، أما إذا كان ممكنًا لصاحب الحق المطالبة أو الاحتياط لحفظ حقه ولم يفعل يكون مقصرًا ولا يستأهل الرعاية التي أراد القانون أن يحيط بها ذوي الأعذار القهرية وفي أحد الأحكام المشار إليها آنفًا وهو حكم محكمة الاستئناف الأهلية الصادر في 28 مايو سنة 1930 قضى بوقف التقادم عن دين الأجرة لصالح المؤجر الذي عين حارسًا على الأطيان المؤجرة وذلك بسبب قيام الحراسة بمقولة أنه يتعذر معرفة الدين وتحديد مقداره بسبب الحراسة، ومن رأينا أن هذا ليس مانعًا كليًا بمنع المؤجر عن المطالبة بالأجرة حتى مع قيام الجلسة فإذا كان دين الأجرة محددًا في العقد ولم يدفع المستأجر شيئًا منه فما المانع من مطالبته به وإذا كان قد سدد جزءًا من الأجرة فمن السهل أن يخصم ما سدده ثم يطالب المؤجر بالباقي والحراسة لا تمنع ذلك وعلى أي حال كان يتحتم على المؤجر أن يطالب بدينه ولو إجمالاً لحفظه من السقوط وإذا دفع المستأجر بأنه سدد جزءًا منه فللمحكمة الفصل في ذلك وتصفية الحساب.
أما حالة الراهن والمرتهن فالمرتهن يضع يده على العقار المرهون ويستغله طوال مدة الرهن ويكون الراهن مجهلاً لمقدار ما استغله ومقدار ما يبقى من دين الرهن إلا بعد أن يقدم له حسابًا وطالما أنه لا يعلم ذلك وأنه لا سبيل له للعلم إلا من طريق تقديم الحساب فلا يمكن أن يعزى إليه إهمال ما لذلك يوقف سريان التقادم طوال مدة الرهن لأن لديه مانعًا كليًا.
وكذلك الحال في صورة المطالبة بالدين بعد إبطال إجراءات نزع الملكية فإن الدائن الذي قبض دينه من توزيع ثمن العقار الذي نزعت ملكيته لا يستطيع المطالبة بالدين أثناء دعوى إبطال الإجراءات لأنه سبق أن قبض دينه ولا يجوز له أن يطالب به مرة أخرى إلا إذا صدر حكم بإبطال إجراءات نزع الملكية ورد ما توزع عليه من الثمن فعندئذ يحق له أن يطالبه مرة أخرى بالدين والفوائد ولو فعل ذلك قبل الفصل في دعوى بطلان الإجراءات لحكم بعدم قبول دعواه لرفعها قبل الأوان وهذا عذر قانوني يحول دون اتخاذ إجراءات المطالبة بالدين إحالة باتة.
24 - قاعدة contra non valentro وتطبيقها في أنواع التقادم المختلفة:
نقصر البحث هنا على بعض أحوال التقادم الواردة في القانون المدني والجديرة بالشرح والبيان.
ويخرج بذلك التقادم المنصوص عليه في القانون التجاري وكذلك المواعيد المقررة لسقوط الحق في إجراءات المرافعات المدنية إذ يضيق هذا المقال عنها.
ونرى أنه قبل البدء في بيان أنواع التقادم أن نشير إلى القاعدة الأساسية وهي أن مناط اعتبار العذر مانعًا عن سير التقادم ينحصر في الحكمة من تشريعه فهي القياس الذي يقاس به العذر وسنرى كيف أن هذا الاعتبار يختلف أثره في كل نوع من أحوال التقادم باختلاف حكمة التشريع فيه.
25 - حالة التقادم المكسب للملكية بمضي 15 سنة أو 5 سنوات بالسبب الصحيح أو التقادم المسقط لمضي 15 سنة.
لا شك في انطباق قاعدة الأعذار القهرية في هذه الأحوال ذلك لأن التقادم فيها يقوم على مظنة الترك والإهمال من جانب صاحب الحق وهو الأساس الأهم والأقوى في هذا النوع من التقادم ولو كان هناك أيضًا اعتبار المصلحة العامة، لذلك من يمنعه الحادث القهري أو من يستحيل عليه صون حقه استحالة كلية لا يسوغ عدلاً ولا منطقيًا أن يعزى إليه التقصير أو الإهمال.26 - التقادم الخمسي المسقط المنصوص عليه في المادة (211) مدني والخاص بالمرتبات والمعاشات والفوائد وديون الإيجار وما يستحق دفعه سنويًا أو بمواعيد أقل من سنة.
جرى القضاء الفرنسي والمصري على تطبيق القاعدة اللاتينية القديمة على هذا النوع من التقادم (تراجع الأحكام الفرنسية والمصرية التي أشرنا إليها أيضًا) ومع أن الشارع الفرنسي نص في المادة (2278) من القانون المدني وجاراه الشارع المصري في المادة (841) مدني - على أن التقادم الخمسي المسقط لا يقف بالنسبة لمفقودي الأهلية إلا أن القضاء جرى على وقفه أيضًا للحوادث القهرية أو الموانع الكلية.
وحكمة تشريع المادة (211) ترجع إلى اعتبار مصلحة المدين كأهم عنصر في هذه الحالة إذ أن تراكم هذه الديون من سنة إلى أخرى قد يؤدي إلى خراب المدين ماليًا ومع هذا الاعتبار فلا يقف التقادم بالنسبة لمفقودي الأهلية لأنه لو أُبيح الوقف لهذا السبب تفوت حكمة التشريع أي منع تراكم الديون على المدين ويقولون أيضًا أن مفقود الأهلية له من يدافع عن حقه وهو الولي أو الوصي أو القيم وإذا أهمل أحد هؤلاء فيجوز الرجوع عليه.
إلا أننا نرى أن هذا التعليل غير وافٍ لأنه يدور أيضًا مع أحوال التقادم الأخرى.
على أنه إزاء النص الصريح لا يجوز التوسع أو الاجتهاد في التفسير وعلى الأخص إذا أدى هذا التفسير إلى مخالفة النص القانوني.
وقد يكون من المنطق السليم لو لم تقبل الأعذار القهرية في هذا التقادم الذي يبنى على اعتبار مصلحة المدين دون سواه ومنع تراكم الديون عليه لأن حكمة التشريع تفوت إذا طالت المدة ولو لأعذار قهرية لدى الدائن فإن التراكم واقع لا محالة غير أن القضاء لم يعبأ بهذا التعليل المنطقي وسار على قاعدة الأخذ بالأعذار القهرية واستقر على هذا المبدأ ويظهر أن عاطفة العدل سادت عليه فلم تقبل المحاكم أن تكلف المرء إلا وسعه إذا طرأت عليه الموانع الكلية.
27 - التقادم العشري المنصوص عليه في المادة (409) مدني والخاص بالمهندسين المعماريين والمقاولين.
تنص المادة (409) مدني على أن المهندس المعماري والمقاول مسؤولان مع التضامن عن خلل البناء في مدة عشر سنين.
وقد قضت محكمة الهافر في حكمها الصادر في تاريخ 4 مارس سنة 1923 (والمنشور في جازيت المحاكم الفرنسية ستة 927 جزء ثانٍ ص (630)) بأن التقادم لا يقف بالنسبة لمسؤولية المهندس والمقاول ولا يمتد بسبب وقوع الحرب.
وهذا المبدأ لا غبار عليه ذلك لأن المدة التي ذكرها الشارع في المادة (409) هي عبارة عن زمن حدده القانون لاستمرار الضمان على عاتق المهندس والمقاول بل هو وقت أوسع في مداه لاختبار البناء فيه والتحقق من سلامته إذ يجوز أن لا تظهر عيوبه إلا بعد بضع سنوات فهي إذن مدة ضمان وتجربة، وإذا ساغ وقف التقادم إذا طرأ على المالك حادث قهري فيترتَّبُ على هذا إطالة مدة الضمان والتجربة أكثر من عشر سنين وبذلك تمتد مدة المسؤولية أكثر مما أراده الشارع.
28 - السقوط لمضي مدة 360 يومًا فأقل المنصوص عليه في المادة (209) و (210) مدني بالنسبة للمبالغ المستحقة للأطباء والمحامين والمهندسين والباعة والمبالغ المستحقة للمحضرين وكتبة المحاكم عن رسوم الأوراق.
تنص المادة (212) مدني على أنه في حالة ما إذا كانت المدة المقررة لسقوط الحق 260 يومًا فأقل فلا تبرأ ذمة من يدعي التخالص لمضي المدة إلا بعد حلفه اليمين على أنه أدى حقيقة ما كان في ذمته.
ويؤخذ من هذا النص أن التقادم المسقط لهذه الديون إنما يقوم على افتراض أن المدين قد قام بسداد الدين لأن هذه الديون مما جرى العرف على دفعها فورًا بمجرد إنهاء العمل وأن الدائن لا يسكت عليها زمنًا لذلك أوجب الشارع أن يحلف المدين اليمين على براءة ذمته.
ومتى تبين هذا فلا تكون هناك محل لمظنة إهمال الدائن أو ترك حقه ويتفرع على هذا منطقيًا أنه لا يسوغ للدائن أن يتعلل بالحوادث القهرية لأن هذا النوع من التقادم ليس له أساس من التفريط أو التقصير في صون الحق من السقوط حتى يلتمس العذر لمن أعجزته الموانع القهرية بحيث لا يمكن إسناد الإهمال إليه.
وأكثر من هذا فإن الشارع فرض ضمانًا للدائن إذا ما انقضت مدة التقادم القصيرة إذ أوجب أن يحلف المدين على براءة ذمته من الدين بالرغم من مضي مدة التقادم فلو فرضنا دائنًا طرأ عليه حادث قهري كالأسر في الحرب مثلاً ثم عاد بعد سنتين وطالب بدينه ودفع المدين ضده بسقوط الحق لمضي أكثر من 360 يومًا فيتحتم على المدين أن يحلف اليمين على براءة ذمته فإذا نكل عن اليمين حكم عليه بالدين ولا يضير الدائن إذن انقضاء المدة ولا وقوع الحوادث القهرية التي أقعدته عن المطالبة بحقه أثناءها فاليمين إذن هو ضمان لصون الحق في هذا النوع من التقادم والشارع قد أحاط الدائن بهذه الرعاية فلا محل لأن يشمله برعاية أخرى وهي إعفاءه من سير المدة التي حل لها الحادث لقهري - فضلاً عن أن هذه المدة قصيرة المدى كما أرادها الشارع ومد أجلها يذهب بحكمة التشريع فلا تجب إطالتها بأي حال - لذلك من رأينا أن لا يقف سير التقادم في هذه الصورة ولو أن هناك رأيًا يقول بغير هذا ويعمم وقف التقادم لكل مانع قهري وفي كل نوع من أنواع التقادم.
29 - مقارنة القوانين:
قد أخذ كثير من القوانين الأوربية بهذه القاعدة القديمة وورد النص فيها بصراحة على بعض الأعذار القهرية التي تقف سير التقادم كما يأتي.
ورد النص في المادة (2107) من القانون الألماني أن سير التقادم يقف إذا كان الدائن يستحيل عليه كلية المطالبة أو طرأ عليه حادث قهري.
وفي المادة (2120) من القانون الإيطالي ورد النص على أن التقادم لا يسري ضد رجال الجيش أثناء وقوع الحرب حتى ولو كانوا في أراضي الدولة.
وجاء في نص المادة (2349) من القانون النرويجي أنه إذا جهل الدائن الحوادث أو الظروف التي يتولد فيها حقه أو استحقاق ديونه أو إذا أخفاها المدين عنه فلا يجري التقادم إلا بعد مضي ثالثة سنوات من علم الدائن بهذه الظروف - ونص أيضًا في المادة (2351) من هذا القانون على أنه في حالة موت أو اختفاء المدين أو الدائن في السنة الأخيرة من مدة التقادم فيمتد سير التقادم سنة أخرى بعد هذه الحوادث.
وورد أيضًا في المادة (2511) من القانون السويسري أن سير التقادم يقف طالما أنه يستحيل على الدائن أن يلجأ إلى المحاكم ثم يستأنف التقادم سيره من تاريخ زوال هذا المانع.
[(1)] غير واضح بالأصل.