بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المفهوم القانوني الحديث للمشروع وسلطات الإدارة

المفهوم القانوني الحديث للمشروع وسلطات الإدارة

(تحليل في موقف القانون الفرنسي وبعض التشريعات العربية )
الدكتور عبد المنعم حسون عنوز
المقدمة
إن تطور البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأي بلد يستلزم وجود وحدات إنتاجية أو خدمية تتمتع بهياكل تنظيمية متماسكة . وتعمل هذه الوحدات وتمارس نشاطها بالشكل الذي ينبغي أن يكون منسجما مع الغرض لنشؤها ووجودها . ولاشك بأن نشاط مثل هذه الوحدات ذات المحتوى الاقتصادي يمكن أن يؤدي دورا أساسيا وجوهريا في نمو الاقتصاد الوطني . ويعني ذلك بأن رخاؤها وتطورها يدلل على صحة الاقتصاد العام للبلد الذي تنتمي إليه ، حيث أن نتائج فعالياتها تكون مؤشرا
أكيدا ومقياسا لمستوى معدل الإنماء العام . فليس غريبا أن تحصل دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع الشركة قبل البت في طلب الترخيص اللازم لتأسيسه ( 1 ) .
لقد اختلفت تسمية هذه الوحدات الاقتصادية على المستوى التجاري والإداري ،كما أن طبيعة النظام القانوني والمبادئ التي تحكم وظيفتها وأنشطتها داخلها أو في إطار علاقاتها التعاقدية مع الوحدات الاقتصادية الأخرى أخذ يتطور سريعا سواء كان ذلك في تكييف نوع العلاقة التي تنشأ مع الغير ، وكذلك الأمر في تقييم مبدأ المسئولية الذي يحكمها تجاه الأطراف ذات العلاقة بنشاطها من مستهلكين أو دائنين مقرضين أو الدولة .
ولربما يطلق على الوحدة الاقتصادية تسمية المشروع ، شركة أو مؤسسة ، بغض النظر عن نوع الإنتاج أو الخدمات الذي تتخصص به كالمصارف والكهرباء والنقل والماء والاتصالات السلكية واللاسلكية وكذلك الوحدات الصناعية أو التسويقية وكثير من النشاطات التي لا يمكن حصرها ولكنها تشكل محور الفعاليات التجارية والصناعية والمالية لاقتصاد الدولة .
وعندما نتابع التطور القانوني الحديث في فرنسا نلاحظ بأن هناك اتجاها جديدا طرأ على موقف المشرع حيث بدأ يتناول فكرة المشروع Entrepriseو اعتبارها وحدة اقتصادية وذلك في اكثر من قاعدة قانونية تحكم نشاطها ، بغض النظر عن كون هذا النشاط يندرج في إطار القطاع العام Le secteur public فيكون مشروعا تجاريا عاما أوفي نطاق النشاط الخاص Le secteur privé أي مشروع تجاري خاص .وفي الواقع يمكن القول بأن المشروع باعتباره هيكل اقتصادي متكامل البنية وكذلك تنوع علاقاته مع المشروعات الأخرى أصبحت تحتل مركز اهتمام قانون الأعمال التجارية بشكل عام Le droit des affaires، سواء كان ذلك يندرج ضمن مبادئ القانون الداخلي أو العرف التجاري الذي ينظم نشاطه وضوابط المسئولية التي تلاحقه كشخص معنوي .
لاشك أن للمشروع ، مؤسسة أو شركة منفعة معينة يدور معها نشاطها . و لغرض معرفة طبيعة
هذه المنفعة ، فلقد تباينت بشأن ذلك آراء الفقهاء . فيرى فريق منهم (2) الذي يدافع عن المدرسة الأمريكية التي تأخذ بالمبدأ الليبرالي الفردي بأن طبيعة المنفعة تدور مع الاستثمار المالي المستخدم في المشروع و بالتالي فإن عائديته تذهب مع مصلحة المؤسسين له باعتبارهم حاملي رؤوس الأموال إليه وهم المساهمين الأغلبية Les actionaires majoritaires .أما الموقف الفقهي الآخر فهو يرى بأن
( 1 ) د. طعمة الشمري : قانون الشركات التجارية الكويتي ، الطبعة الثانية ،1987م ، ص 124.
( 2 ) PIROVANO A .La “ boussole “ de la société . .Intérêt commun , intérêt social , intérêt de l’entreprise ? ...Dalloz 1997 P. 189.
Schmidt ,De l ' intérêt social , JCP éd. E 1995 1 , n°488. D.
طبيعة نشاط المشروع يجمع بين المعيارين الاجتماعي و الاقتصادي Socio - économique ، باعتبار المشروع وحدة اقتصادية وجسم اجتماعي يتجاوز حدود رغبة الأفراد (1) وإن كانوا من المؤسسين له. و بهذا السبب يتمتع المشروع بمنفعة فوقية تتقدم منافع كافة الأطراف ذات العلاقة بحياته و فعالياته ، وندعو ذلك بالمنفعة الجماعية العامة ’intérêt social . أما مصالح هذه الأطراف فإنها تذوب في إطار هذه المنفعة و تحتمي بظلها . وهذا الموقف الفقهي لمدرسة رين L 'école de Rennes يجد له دعما قانونيا و قضائيا واسعا، حيث أشار المشرع الفرنسي بشكل غير مباشر إلى أهمية الأخذ بالاعتبار منفعة المشروع عند ممارسة الإدارة لواجباتها . كما رجحها القضاء في العديد من قراراته على حساب حق الأغلبية في الشركة . هذا هو باعث المفهوم القانوني للمشروع الذي نعتبره تطورا مهما طرأ على مفاهيم القانون التجاري التقليدي ، والذي سنحاول إبراز خصائصه و آثاره على سلوك الإدارة فيه .
وفي الهيكل الاقتصادي للدول العربية ، نلاحظ أيضا استعمالا واسعا لتسمية المشروع باعتباره مؤسسة تجارية وإطلاقه على بعض الوحدات الإنتاجية أو الخدمات (2) . ونقصد بالمشروع أيضا هو ما ورد في بعض القوانين عند تعريف الأعمال التجارية باعتبارها تلك المؤسسات التي تقوم باستغلال مرفق من المرافق العامة واتصال أعمالها بالنشاط الصناعي و التجاري ولن يشترط بشأنها توافر قصد المضاربة حيث تعتبر أعمالها تجارية بحكم القانون ( 3 ).فإذا كان نشاط المؤسسة منصب بالدرجة الأولى على الأعمال التجارية خضعت هذه المؤسسة لأحكام القانون التجاري واكتسبت صفة التاجر وبالتالي يمكن ملاحقتها لتطبيق إجراءات الإفلاس عندما يقتضي الأمر بذلك .والأعمال التجارية لا تقتصر على قيام المشروعات الخاصة أي المملوكة للأفراد أو الشركات وإنما تشمل المؤسسات العامة .ونشاط هذه المؤسسات وان كان يرمي من حيث المبدأ إلى خدمة المستهلكين ، فأنها تقوم في كثير من الأحوال بالاستغلال الاقتصادي والمضاربة بمزاولة نشاطها بالطرق التجارية والصناعية ولهذا فأن
(1 )Paillusseau J . La société anonyme , technique d' organisation de l ' entreprise LGDJ 1965 .
CA Paris , 22 mai 1965 , II, n° 14274 bis concl. Nepveu ; D. 1968 Jur . p. 147 , note R.Contin
-Cour de Reims du 24 avril 1989, petites affiches ,31 mai 1991 , note S.Majerowicz
(2) انظر د. علي البارودي " القانون التجاري اللبناني " الجزء الأول ، الدار المصرية للطباعة و النشر ، ص 497 وما يليها .
(3) انظر د. عزيز العكيلي " الموجز في شرح قانون التجارة الكويتي " مكتبة المنهل ،الطبعة الأولى لسنة 1978 ، ص 54 .أيضا المادة 7 من قانون التجارة العراقي رقم 60 لسنة 1943 وتعديله المسمى قانون رقم 27 لسنة1951 ،انظر فقرات المادة 8 من قانون التجارة الكويتي رقم 2 لسنة 1961.
أعمالها تعد تجارية ولو لم تعتبر المؤسسة نفسها تاجرا . وهذا المعيار الموضوعي لنشاط المشروع هو الذي تستند عليها أحكام المسئولية قبل الغير .وعندما يدخل في نشاطه معيار الربح والمنافسة والمضاربة مع المشروعات الأخرى فأنه بلا شك يعتبر تاجرا . وفي جميع الافتراضات المتقدم ذكرها فالمشروع يعتبر كيان اقتصادي . ولكي يضمن بقائه ومقوماته لابد لهذا الكيان أن يبحث عن نظام قانوني يستند إليه ويحتمي بآلياته القانونية الضرورية ، هذا من جانب ، ومن جانب أخر فان هذا الكيان الاقتصادي لابد أن يتمتع بسلطات إدارية تمارس اختصاصاتها لتحقيق المنافع الرئيسية فيه وتحقيق التوازن القانوني والاقتصادي لضمان وجوده واستمراره . وهذين المحورين سنتطرق أليهما كالتالي :
المبحث الأول : معنى المشروع في القانون الفرنسي
المبحث الثاني : مضمون سلطات الإدارة في المشروع

المبحث الأول : مفهوم المشروع ومضمون السلطات الادارية

الفرع الاول: مفهوم المشروع في القانون الفرنسي

إن ما يميز المشروع باعتباره مؤسسة أو شركة هو نشاطه الاقتصادي الذي يبحث عن تحقيق أهداف خالصه له متميزة عن مصالح الأطراف الأخرى ذات العلاقة . ولكن ما هي الوقائع القانونية التي ساهمت في ولادة هذا الكيان ؟ وكيف اكتسب القدرة القانونية والاقتصادية لاكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات ؟

اولا: المشروع وحدة اقتصادية Unité économique

يتحقق وجود المشروع من خلال كونه وحدة اقتصادية منتجة وفاعلة في البناء الاقتصادي العام للبلد . ويعبر نشاطه ويتركز لإنجاز أهداف محددة في برامجه الاستثمارية . ومن الملاحظ فإن الأغراض الاقتصادية للمشروع تختلف وتتنوع بالضرورة طبقا لنوع الإنتاج الذي يتخصص به. فقد يكون على هيئة مؤسسة تجارية أو صناعية أو مؤسسة خدمات ومقاولات أو لتنفيذ أشغال ومشاريع عامة وقد يكون مشروعا زراعيا . ومن المؤكد بان عوامل نجاحه وتأمين استمرار حياته لا يتحقق ألا من خلال المعيار الاقتصادي الذي يحكم نشاطه . كما إن تطور هذا المعيار يخضع إلى المعطيات المالية والتجارية والقانونية التي تحيط به . ويصح هذا الافتراض سواء كان المشروع في هيكله القانوني جزء من القطاع العام للدولة أو أنه يتمتع بتنظيم قانوني كالذي يحكمه باعتباره مؤسسة تجارية في إطار القطاع الخاص . فالذي يعزز رخاء المشروع وتطوره هو السياسة الاستثمارية الصائبة التي يرمي بالأساس لإيجاد التوازن بين حساب النفقات وحساب العائدات وما يتحقق من فائض في المبلغ الإجمالي للاستغلال في حساباته السنوية . ويبدو في دول عديدة اعتبار نشاط مؤسسات القطاع العام جزء من السياسة العامة التي تسعى بالأساس إلى تأمين المواد والسلع الإنتاجية والخدمية للمواطنين كالطاقة والنقل والاتصالات وغيرها بغض النظر عن حجم عائداتها . ونحن نرى بأن ديمومة الإنتاج وتطوره لا يتحقق إلا عندما يتبنى المشروع معيار الربحية كما هو الحال في نظام المشروعات الخاصة . وهذا المعيار هو الذي يضمن لها ازدهارها واستقلاليتها المالية ويكون بالتالي مقياس نجاحها وتطورها .كما انه يقدم من جانب آخر مصدرا لتمويل استثماراتها وما تحتاجه لكافة أنشطتها الوظيفية أو التجارية أو الصناعية وغيرها . وعندها سوف لا تضطر العودة إلى الدولة لدعم عجزها المالي لما تملكه من احتياطي خاص بها يكفي لتمويلها ذاتيا لتطوير جهازها . ومن جانب أخر يمكن القول بان ثراء مؤسسات الدولة وقوتها الاستثمارية دليلا أكيدا لتطور القاعدة الاقتصادية للبلد . فكثير من الدول المتطورة التي تمتلك مشروعات مهمة وكبيرة تعلن ارتياحها عندما تحقق هذه المشروعات قيمة مضافة في حجم استثماراتها السنوية (1) . وعندما يحصل ذلك فهو نتيجة التنظيم الجيد لسلطة الإدارة في تلك المشروعات ومؤشرا لمؤهلاتها والتزامها بضوابط سلطاتها (2)
من جانب أخر ندرك بان معيار المضاربة - المنافسة-لتقديم ما هو افضل من الإنتاج والخدمات وإدخال الطرق والتقنيات العالية لتحسينه هو الذي يؤمن الربحية للزيادة في المبيعات . ولا شك فإن الإنتاج الأفضل يعود بالفائدة الكبيرة للمستهلكين للتمتع بجودة الإنتاج وعدم البحث عن إنتاج مستورد . وهذا ما يدعم من ناحية أخرى سياسة المشروع التسويقية في منافسة إنتاج المشروعات الأخرى المحلية أو الدولية . وبدون شك بان نجاح المشروع على مستوى المنافسة الدولية يكون مصدرا لرخاء الاقتصاد الوطني لما يحققه من عائدات في العملات الأجنبية لميزان مدفوعات الدولة .وهذا ما يفسر نظام العولمة الحديث ونشوء المشروعات الكبرى وشروط نجاحها لدعم الاقتصاد التي تنتمي إليه .إن هذه المزايا وغيرها هي التي دفعت كثير من التشريعات في الدول الغربية إلى منح بعض المشروعات المهمة لديها نظاما قانونيا مستقلا كنظام الشركة التجارية ، تزاول بموجبه نشاطها ضمن معيارين الربحية والمضاربة وأضفت على أعمالها الصفة التجارية واكتسابها صفة التاجر وذلك لحماية الغير وكل من لهم علاقة في نشأة وظيفة المشروع ضمن إطار ما يسمى بالمنفعة الجماعية للمشروع L’intérêt social .
إن نشأة مفهوم المشروع وتطور أهمية وجوده أدى إلى خلق مبادئ قانونية ومفاهيم حديثة تحكم
-------------
1- يمكن أن نذكر مثلا مشروع الاتصالات الفرنسية France Telecom أو شركة الخطوط الجوية البريطانية British Airways
2-عندما يتعرض المشروع لازمة مالية فإننا نلاحظ تغييرا في أشخاص سلطة الإدارة الرئيسية كالمدراء . ويحصل ذلك دائما في كثير من المشروعات في أوربا .
سلطة الإدارة عند أداء واجباتها فيها .ونتج عن ذلك ازدياد في حجم ونوع المسئولية التي تقع على عاتق أجهزة الإدارة وخاصة قياداتها وكوادرها وهو ما سنحاول التطرق أليه في بحثنا هذا .

ثانيا: طبيعة النظام القانوني للمشروع :

عند البحث عن النظام القانوني الذي يحكم المشروع يجب أولا الإشارة إلى الوقائع القانونية التي نشأت حديثا في مجرى العلاقات التجارية وكذلك الأنماط الجديدة من المعاملات التي تحصل ، سواء على مستوى الأفراد أو الشركات . هذا الوضع الجديد لنشاط المشروع خلق لنا قواعد للتعامل تفوق في نوعها ودائرة تطبيقها وكذلك آثارها تلك التي عرفناها في ظل القانون التجاري التقليدي . ونتيجة لذلك كان لابد للمشرع التدخل لإيجاد بعض المفاهيم والمبادئ الضرورية لتأمين التوازن العقدي بين كافة الأطراف ذات العلاقة وحماية مصالحها . ولقد كان ذلك سببا من ناحية أخرى لتباين الآراء الفقهية التي حاولت إن تعطي التكيف القانوني اللازم عن كل حالة عند غياب القواعد الخاصة التي تحكمها . وكان على القضاء كذلك أن يبحث عن حلول عادلة تؤمن حماية حقوق الأطراف عند النزاع حتى في حالة تخلف أو غياب القواعد القانونية في الوقائع المعروضة أمامه .
أن اتساع نطاق مبادئ القانون التجاري وكذلك قانون الشركات وما يتصل بهما من قواعد قانونية
تنظيمية أو جزائية أو اقتصادية فرضها تدخل الدولة لحماية المستهلكين وأطراف العلاقة مع المشروع،
كانت هي الأساس في نشوء ما يسمى بقانون الأعمال التجارية Droit des affaires .فهذا القانون ما هو إلا وليد الحاجة المتطورة لمهنة وممارسة الأعمال التجارية في إطار ومفهوم المشروع باعتباره وحدة اقتصادية . لقد اصبح هذا القانون يتكون من مجموعة من القواعد والأحكام التي تنظم العلاقات التجارية بين الأفراد والمشروعات ، وكذلك ما يتصل بها من قواعد أخرى ، كتنظيم علاقات العمل في المشروع أو المبادئ التي يفرضها القانون المالي أو الضريبي وكذلك القانون الاقتصادي و العقابي .
لقد اهتم قانون الأعمال التجارية بنشاط المشروع باعتباره مؤسسة اقتصادية وتناول مقومات حياتها ورخائها واعتبرها مجموعة من الوسائل المادية والإنسانية التي اندمجت فيما بينها ، لكي تؤمن وظيفة اقتصادية معينة ، كوظيفة إنتاج أو تحويل للمواد ألاوليه أو توزيع أو خدمات . ومن الوقائع القانونية الحديثة التي تأسس بموجبها مفهوم المشروع ذات الغرض الاقتصادي نذكر منها ما يلي :-
أولا : لقد كان معنى الشركة معروفا بأنه عقد بين شخصين أو اكثر للمساهمة في تحقيق مشروع اقتصادي مشترك …وهذا يعني بأنه لابد من تعدد أطراف العقد عند تأسيسها ، ولا يمكن أن نتصور ولادة شخص معنوي دون التقاء إرادة هذه الأطراف لإبرام العقد ، وهذا المبدأ العام في نشأة الشركة نجد له أثرا في كافة التشريعات الوطنية عندما عرفت الشركة بأنها ( عقد يلتزم به شخصان أو اكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع اقتصادي بتقديم حصة من مال أو من عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة ) (1).
ألا أن هذا المبدأ العام لن يعد سائدا بعدما أجاز القانون إمكانية تأسيس شركة الشخص الواحد Uni personnel حيث أن هذا الكيان القانوني لا يحتاج في الواقع لا إلى عقد ولا إلى مجموعة أشخاص لتكوينه ، وهذا الموقف القانوني الجديد يمكن اعتباره تحولا جذريا في تاريخ القانون الخاص ، إذا علمنا أن هذه الشركة تتمتع بكامل الأهلية القانونية كباقي أنواع الشركات الأخرى . كما أن المشرع الفرنسي اعتبر هذه الشركة كوحدة اقتصادية رغم ضرورة مراعاة جوانبها الشكلية في التأسيس والانفضاء عندما أطلق عليها تسمية مشروع Entreprise كباقي المشروعات الكبيرة . ومن جانب آخر حدد المشرع المسئولية بشخصها المعنوي فقط كي تؤدي نشاطها بكامل الاستقلالية عن ذمة مالكها فأطلق عليها ( مشروع الشخص الواحد ذات المسئولية المحددة ) Entreprise unipersonnelle à responsabilité limitée (2) .
ثانيا : قدم لنا قانون الأعمال التجارية قواعد متينة لتعزيز وتأمين حقوق الأفراد العاملين في المشروع ، في القانون 28 تشرين الأول لعام 1982 وذلك بخلق لجنة المشروع Le comité d’Entreprise وهذه الهيئة تتمتع بحقوق الإطلاع وأخذ المعلومات لمعرفة ما يجري في نشاط المشروع وما يصدر من قرارات مهمة ذات اثر على حياته ومستقبله . ويترتب على ذلك واجبات تقع على عاتق سلطة الإدارة تلزمها أعلام هذه اللجنة وحتى استشارتها عن طبيعة القرارات والبرامج المستقبلية أو خطط الاستثمار للمشروع ، ويحق لهذه اللجنة الاستعانة عند الضرورة بالخبراء المتخصصين في الحسابات أو في إدارة الأعمال لتحقيق وظيفتها وضمان دورها شبه الرقابي على نشاط سلطة الإدارة .كما لا يحق لسلطة الإدارة عرقلة وظيفة هذه الهيئة وإلا ستتعرض للمسئولية . و نرى كذلك كيف أوجد لنا قانون 1 مارس 1984 أرضية مشتركة بين الإفلاس و قانون الشركات(3) والذي يعتبر تجديدا مهما لأنه توسع في وسائل الحماية و تزويد المعلومات و بالتالي فإنها حماية فعلية للمشروع كوحدة اقتصادية التي وصفها البعض بأنها - ثراء جماعي يجب أن يقي نفسه ، حتى وإن لن يطلبه المساهمين ( 4 ) .
1- المادة 1832 من القانون المدني الفرنسي ، المادة رقم 1 من نظام الشركات السعودي رقم م/6 في 22/3/1385هجرية ، المادة 4 أولا من قانون الشركات العراقي ، المادة 505 من ق. م. المصري
2-قانون 11 كانون الثاني لعام 1985 تعليق F . Zenati ,L'EURL ou des intérets pratiques et des conséquences juridiques de la société uni personnelle , J.C.P , 1986 , éd G.I , 324 3- Y. Guyon et G.Coquereau , Les réformes apportées ....par la loi du 1 mars 1984 , J C P éd. E 1984 ,I, n° 13426
( 4 ) M. Jeantin , La Loi du 1 mars 1984 ... , Dr. Soc. Nov. , 1984 , P.604

ثالثا : ومن التطورات المهمة في القانون التجاري هو ذلك التقنين المتزايد لتنظيم اندماج الشركات في مجموعات كبيرة Groupes des sociétés (1 ) ،

 وهذا النظام القانوني الجديد يسمح باندماج عدد من الشركات لتكوين شركة واحدة كبيرة ، أو انضمام شركة إلى أخرى اكبر منها حجما وقدرة مالية
أو فنية أو تجارية لكي تصبح فرعا منها أو جزء من حلقات نشاطها .
ومن المعلوم إن أثار الاندماج يتعارض مع المبدأ الذي تتمتع به الشركة المندمجة وهو استقلال سلطات إرادتها في اتخاذ القرارات وكذلك مصير ذمتها المالية . وقد يؤدي ذلك إلى إساءة استعمال حق الأغلبية والإضرار بمصالح الأقلية من المساهمين أو حقوق الدائنين ، ومبدأ الاندماج ما هو إلا معيار اقتصادي يقضي إلى خلق مؤسسة كبيرة تتمتع بالإمكانيات المالية والفنية والتجارية لتؤدي نشاطها على مستوى التنافس الوطني والدولي .(2) وبدأ مفهوم المشروع يتبلور اكثر من خلال الإجراءات التي تتخذها سلطة الإدارة في مجموعة الشركات المندمجة وأثار هذا الاندماج على نقل السلطات واتخاذ القرارات المالية والاستثمارية ، ونجد ذلك واضحا في كثير من القرارات القضائية ومواقف الفقهاء . ومن المعلوم بأن ازدياد حجم المشروع بعد الاندماج يرافقه تعقد وتزايد في مقدار المسئولية التي تترتب على سلطة الإدارة وهو ما يستلزم التنظيم الجيد والدقيق لإدارة أعماله بآليات صحيحة و ممارسة السلطات بشكل لا يعرضها إلى العقوبات الجزائية و المدنية .

رابعا : إذا راجعنا تطور قانون الإفلاس الفرنسي فأننا نجد فيه ولادة مبادئ جديدة تصب في معنى المشروع .

فمنذ قانون 13 تموز 1967 خلق لنا المشرع علاقة مباشرة بين مفهوم الإفلاس ومفهوم المشروع ، رغم انه لن يقدم لنا تعريفا محددا أو دقيقا لهذا الأخير . ولكن نية المشرع كانت تذهب إلى خلق الحماية اللازمة لكيانه ، واعتبره مشروع ذات قيمة اقتصادية ينبغي إنقاذه عندما يتعرض إلى مأزق مالي يهدده ويهدد بالتالي منافع الأطراف المرتبطة بوجوده واستمرار نشاطه . وهذا الهدف يبدو واضحا من خلال محتوى نصوص القانون عندما تطرق إلى إجراءات جديدة تعالج وضع هذا المشروع الذي يعاني من أزمة أو ضائقة مالية يمكن أن يعرضه للانهيار ، فلقد أراد المشرع تعليق مؤقت
( 1 ) ابتداء من قانون رقم 735-66 في 24 تموز 1966 - القانون التجاري الفرنسي المواد 371 وما يليها . ولقد بدأ المشرع العربي منذ فترة طويلة تنظيم أحكام اندماج الشركات لما له من أهمية في تطور الشركات التجارية . انظر المواد 213-215 من نظام الشركات السعودي رقم م/6 في 22/3/1385هجرية، المواد 252-269 قانون الشركات الأردني رقم 1 لسنة 1989، المواد 140-144 قانون الشركات العراقي رقم36 لسنة 1983 ..
( 2 )CHAMPAUD C. , Nouvelle technique de concentration ,Librairie technique , Montpellier ,1971
لملاحقته قضائيا يهدف إلى إنقاذه طالما إن وضعه المالي ، وان كان سيئا ، ألا انه قابلا للإصلاح . ولكن عندما حصلت تعديلات القانون لعام 1984 وعام 1985 (1) فأنها جاءت بأحكام جديدة خلقت تحولا جذريا في قانون الإفلاس . ويمكن اعتبار هذه التعديلات بأنها وضعت لنا قانونا جديدا يستهدف بالذات كيان المشروع أطلق عليه المشرع قانون المشروعات في وضع صعب Entreprise en difficulté . . ويعني ذلك بأنه يعالج وضع هذه المشروعات التي تعاني من ضائقة مالية قد تؤدي اخيرا إلى التصفية القضائية وإنقاذها من وضعها السيئ أن كان ممكنا . ويستهدف هذا القانون تحقيق الأغراض التالية :
أ - تدارك الصعوبات التي يعاني منها المشروع حتى لا ينحرف كثيرا وضعه المالي والعمل في منعه بأن يصبح غير قابلا للإصلاح ، أو أن يؤدي إلى التوقف كليا عن تسديد الديون المتراكمة بذمته . ولا شك بان هذا الواجب يقع على سلطة الإدارة التي يجب عليها كشف ليس فقط الصعوبات ذات الطبيعة المالية ، وإنما كافة المخاطر التي يتعرض لها نشاط المشروع من خسارة في الزبائن وهبوط في معدل المبيعات أو دخول منافس قوي جديد لمنتجاته وغير ذلك من الأسباب التي تؤدي بالنتيجة إلى التأثير على معدل نمو استثمارات المشروع ناتجة عن ظروف غير متوقعة ولم يكن في الإمكان تجنبها .
ب - تقويم المشروع الذي يعاني من ضائقة مالية طفيفة ، وذلك بإصلاح وضعه المالي قبل أن يعلن توقفه عن الدفع . ويبدو في هذه الحالة هو إن أعمال المشروع قد اضطربت اضطرابا يخشى منه التوقف عن الدفع . ويحصل ذلك بأجراء التسوية الرضائية بينه وبين الدائنين بتمديد اجل الديون المستحقة أو تخفيض مبلغ الديون أو موافقة الدائنين على قبول التضحية بنفس الوقت على اجل الاستحقاق ودفع المبلغ المستحق . ومبدأ التسوية الواقية من الإفلاس أو ما يسمى بالصلح الواقي نجد له تطبيقا في كثير من التشريعات العربية (2) .
------------ 1-La loi du 1er mars JCP, 1984 ,III,55371 , La loi du 25 janv 1985 ,JCP.1985 ,III , 55711
( 2 ) المرسوم الملكي رقم -م\16- في 4-9-1416 هجرية ، لمزيد من التفصيل انظر د. زينب السيد سلامه . التسوية الواقية من الإفلاس في النظام السعودي .مجلة الإدارة العامة . مجلد 36 عدد 3 رجب 1417 هجرية ، ديسمبر 1996؛ د. مصطفى كمال طه : القانون التجاري ، الأوراق التجارية والإفلاس ، ص 642 وما يليها ، الدار الجامعية للطباعة و النشر - بيروت 1981.
ج - ولكن عندما يكون الوضع المالي للمشروع سيئا جدا وينذر بالإفلاس ، فلابد أولا من تطبيق التسوية القضائية ، وإجراءاتها تؤدي إلى تقويمه وتعديل وضعه ليعود طبيعيا ، وقد يستلزم ذلك أجراء تعديلا جوهريا في نظامه القانوني الداخلي أو التنازل عن الموجودات كليا أو جزئيا إلى مشروع آخر، ولكن عندما لا يمكن إصلاح الوضع المالي للمشروع بسبب طبيعة وأهمية الصعوبات التي تواجهه فنيا أو تجاريا فلابد أذن من إعلان التصفية القضائية له وإنهاء وجوده كمؤسسة أو شركة .

خامسا :تابع القضاء الفرنسي هذا التطور الذي يستهدف حماية المشروع وديمومة نشاطه ورخائه ،

فانه يلاحق دائما المدراء والمسئولين في هيئة إدارته عند إساءتهم استعمال أموال المشروع أو سمعته واستغلالها لأغراض شخصية ، ويمكن إعطاء مثلا لذلك يتجسد في قرار محكمة استئناف باريس في 29 آذار 1986 في قضية Willot حينما اعتبر القضاء بان موضوع العقاب يستهدف حماية الذمة المالية للمشروع من المدراء الذين يحاولون التعسف في سلطاتهم أو استغلال مناصبهم الإدارية فيها ، كذلك حماية المساهمين الاقلية وأيضا المشروع ذاته بكافة عناصر ومقومات نشاطه وكذلك الغير اللذين لهم حقوق مكتسبة بذمة المشروع (1)

سادسا : ولقد حل مفهوم المشروع التجاري محل مفهوم المحل التجاري - المتجر Le fond de commerce

ونجد ذلك واضحا في إجراءات التنازل عن ملكية هذه المؤسسة التجارية لمالك جديد ، ومبدأ التنازل يقضي ، كما نص عليه قانون العمل ، بانتقال كافة الأشخاص العاملين فيها إلى المالك الجديد حيث تنص المادة -L 122-17- من قانون العمل بأنه عندما يحصل تعديل في الوضع القانوني لصاحب العمل بسبب وراثة الملكية ، البيع ، الاندماج ، تحويل المشروع إلى شركة ….فان جميع عقود العمل السارية وقت هذا التعديل تبقى قائمة بين صاحب العمل الجديد والعاملين في المشروع .
إن هذه الأحكام وتطبيقاتها التي مر ذكرها وغيرها توضح لنا كيف أن مفهوم المشروع بدأ يستكشف مقوماته بشكل لا يمكن بعد إغفال وجوده ، فهذا المفهوم قائما وله إحكامه وأثاره في قانون الشركات ، في قانون العمل ، في قانون المشروع في وضع صعب ، في قرارات القضاء المختص وفي قانون المالية والحسابات …الخ ، حتى أصبح المشروع والعلاقة بين المشروعات الأخرى تشكل محور مضمون قواعد و أحكام قانون الأعمال التجارية .
1- Paris ,29 mai 1986 ,Gaz pal ,1986 ,2 jurisp , p 475 ,note ,J.P .
ثالثا: نوع عناصر المشروع
إذا كان المشرع الفرنسي قد تطرق للمشروع في اكثر من مرة ، وفي عديد من القوانين إلا انه لم يقدم لنا تعريفا خاصا ومحددا لمعنى المشروع ، ولقد كان يخشى من ذلك أن يغفل بعض نواحي نشاطاته عندما يراد تطبيق قاعدة ما ذات اثر على حياته وآخذا بالاعتبار كل ما يصب في تحقيق
الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وكذلك السياسية المحيطة بنشاطه وهي واسعة صعب تحديدها .ولكن كيف يمكن أن يوجد هذا المشروع كشخص معنوي ويمارس نشاطه دون تركيب قانوني يتمتع به محدد الأسس وثابت الأحكام ينظم علاقاته الداخلية والتزاماته مع المشروعات الأخرى ، فلابد أن يتمتع بتركيب قانوني خاص يحكمه . إذا أردنا الحصول على أساس قانوني للمشروع ينبغي تقريبه بالنظام القانوني الذي تتمتع به الشركة ، وما يمنحها القانون المختص ، أي قانون الشركات ، من قواعد تنظم شروط تأسيسها ووظيفتها ومعرفة معايير سلطة الإدارة لممارسة النشاط داخلها ، وعلاقاتها مع الغير . ولكن ما يميز المشروع عن الشركة من حيث الأساس ، هو أن المشروع ينظر إليه بأنه تنظيم اقتصادي وأنساني فرض الواقع التجاري وجوده دون أن يحظى بتنظيم قانوني متكامل خاص به . وهذا الفراغ القانوني لا وجود له في الشركة ، فإنها تجد ذاتها قائمة في هيئة تركيب قانوني متكامل ، حيث إنها تتكون من مجموعة من القواعد القانونية التي تتأسس بموجبها ، وتستمد وظيفتها وترسم ضوابط سلطة الإدارة وحدودها من مبدأ هذه القواعد التي تستند إليها . وإذا كان المشروع يعتبر مجرد تنظيم اقتصادي وأنساني ، فكيف يمكن أن يوجد وان يتطور دون القانون ؟ فلا يمكن للمشروع أن ينشأ الالتزامات دون أن يتمتع بالشخصية القانونية La personalité juridique والأهلية اللازمة لذلك أو أن يتمتع بالسلطة الكاملة لممارستها تؤهله اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات. إنه بحاجة إلى قانون يمنحه عناصر وجدوه . وبشكل أدق في التعبير هو حاجته إلى تنظيم قانوني محدد يضفي عليه الشخصية المعنوية الكاملة ويمتلك الآليات القانونية اللازمة كي يمارس أنشطته الاقتصادية والإنسانية .أن حياة المشروع ضمن هذه المعايير تستند في الواقع على تنوع في التصرفات والمبادلات ذات الطابع القانوني : البيع والشراء والتأجير وأجراء القروض .. فلا يمكن لمثل هذه الأعمال أن تتحقق إلا من خلال شخص القانون ذو الأهلية اللازمة لأجرائها ، وإنها تتطلب قدرا كبيرا من تنظيم السلطات الضرورية لممارستها وحدود لهذه السلطات .من جانب أخر ، لا يمكن للمشروع أن يجري التصرفات القانونية دون أن يتمتع بثروة اقتصادية Un patrimoine و رأس مال تمكنه من تحقيق خططه الاستثمارية ، وتسديد التزاماته المالية ، وتأمين ما يحتاجه من أيدي عاملة وكوادر وظيفية وفنية ، كي تؤدي سلطة الإدارة واجباتها وتحقيق أهداف المشروع . فإذا كان البحث عن نظام قانوني له ضروريا ، فليس ما يمنع أن يتبنى نظاما قانونيا لنوع من أنواع الشركات التجارية يتناسب مع نوع نشاطه وحجمه . والنظام القانوني الذي يختاره تجد أسسه في قانون الشركات التجارية ، ولا شك انه سيمنحه القواعد الكاملة لشروط التأسيس ومقومات وجوده ووظيفته وظروف انتهائه ، وبمعنى آخر فان النظام القانوني للشركة هو الذي سيحتضن هذا المشروع ويمنحه الشخصية المعنوية وآلياتها القانونية لكي يمارس نشاطه إلى أن تتحقق أهداف نشأته أو تنتهي بانتهائه .
ونتيجة لذلك يمكن أن تتنوع النظم القانونية للمشروعات تبعا لاختلاف نوع الشركات التي نص عليها القانون الخاص بها أي قانون الشركات التجارية . فقد يكون محتوى النظام القانوني للمشروع خاص بشركة الأشخاص أو ذلك الذي يتعلق بشركة الأموال . وفي كل حالة فإننا نجد بأن القواعد التي يخضع لأحكامها هي تلك التي نص عليها قانون الشركة الذي تبنته. وحينما نعتبر المشروع
مركزا اقتصاديا وإن أطراف كثيرة تلتقي في نشاطه ،لأنه مركز جذب لمصالح متعددة و متنوعة، فان طبيعة القواعد القانونية التي يستند إليها هي التي ستمنحه الشرعية التامة لممارسة هذا النشاط ، وتمنح الغير الثقة والاطمئنان للتعامل معه لإبرام العقود ونشوء الالتزامات .ومن خلال النظام القانوني ونوعه يتحدد من جانب أخر ، حجم التزاماته واستثماراته المالية وتقدير ما يتطلب من رؤوس أموال ضرورية ، واحتياطي لضمان حقوق الدائنين . وفي الواقع فان كافة تصرفات المشروع تكتسب شرعيتها من الشخصية المعنوية التي منحها له المشرع عندما تصبح متميزة بتسمية معلنة dénomination - ومقر رئيسي un siège social وجنسيه une nationalité ومدة بقائه وأهليته القانونية والتنظيمية .
انه من المؤكد بأن للمشروع كمؤسسة أو شركة حاجات كثيرة تتطلب تنظيما قانونيا خاصا به .فلكي ينجز نشاطه لابد لا من التملك وحيازة المعدات الضرورية للاستغلال ، كالمعامل والمكائن والمكاتب والماركة التجارية وبراءات الاختراع ..الخ .وكذلك فان سلطات الإدارة فيه يجب أن يتم تنظيمها بشكل قانوني Une organisation juridique du pouvoir ، وأن تتمتع بالصلاحيات اللازمة لإبرام العقود المحلية أو الدولية ، والتعامل مع الغير من الموردين أو المقاولين أو شراء المواد الأولية لتصنيعها وغيرها من الاتفاقات العقدية كذلك الحاجة لحيازة الأموال اللازمة للاستثمار والحصول على ذلك من خلال طرح السندات أو الأسهم للاكتتاب أو اللجوء إلى القروض المصرفية .
إن كل هذه الآليات اللازمة لإنجاز التنظيم القانوني لنشاط المشروع وغيرها يمكن أن يقدمها لنا قانون الشركات التجارية ، فان هذا القانون سيمنح المشروع قواعد قانونية يعمل بموجبها ، تسمح له بالاستمرار في مزاولة نشاطه وتأكيد وجوده القانوني . وبهذا يكون هدف قانون الشركة الذي يستقر عليه وجود المشروع هو تقديم آلية تنظيم قانوني لهيكل اقتصادي ، ويؤدي ذلك بالنتيجة إلى أن ينظر إلى المشروع بأنه شركة في هيكله القانوني وبنفس الوقت يعبر عن مشروعا ربحيا في فعالياته الاقتصادية.
رابعا : حجم نشاط المشروع :
غالبا ما يذهب مفهوم المشروع إلى تلك الشركات التجارية الكبرى التي تتمتع بقدرة اقتصادية أو تجارية أو استقلالية واسعة في النشاط الصناعي أو التجاري أو الخدمات . إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة في التشريع الحديث ، فلقد أجاز المشرع في الدول الأوربية أو العربية تكوين المشروع وتأسيسه من شخص واحد فقط، وهذا الموقف الحديث للمشرع كما تطرقنا أليه سابقا يعد خروجا على المفهوم التقليدي لعقد الشركة الذي يتطلب على الأقل شخصين لتأسيسها ، ولكنه يتجاوب مع
الحاجة المتزايدة لأتساع النشاط التجاري على مستوى هذه المؤسسات الصغيرة وأهمية الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تقدمه في النشاط الاقتصادي العام للدولة باعتبارها أساس المبادرات
الفردية للأشخاص . وقد أطلق عليها المشرع الفرنسي في القانون 10 كانون الثاني 1985 اسم مشروع الشخص الواحد ذات المسئولية المحددة EURL - Entreprise Unipersonnelle à Responsabilité limitée (1) وكذلك المشرع البلجيكي في القانون 14 تموز لعام 1987 أطلق عليها مشروع الشخص الواحد ذات المسئولية المحددة Entreprise d'une personne à responsabilité limitée وكان ذلك سببا في تعديل المادة 1832 من القانون المدني البلجيكي ، حيث أصبحت المادة تنص ( بأنه يمكن أن يتم تأسيس الشركة من شخصين أو عدد من الأشخاص ، أو في حالات نص عليها القانون بإرادة شخص واحد عند تخصيصه الأموال اللازمة لممارسة نشاط محدد ) . ومما يلاحظ على مثل هذا المشروع الصغير إنه يتمتع بشخصية معنوية مستقلة عن شخص المؤسس وله ذمة مالية مستقلة عن ملكية وأموال صاحبها ، كما أنه يخضع للشروط العامة للتأسيس كما هو الحال لباقي الشركات التجارية الأخرى الأكبر حجما من حيث النشر والاسم والجنسية والعنوان التجاري ورأس المال اللازم لتأسيسها وتسجيلها في السجل التجاري للشركات ، وكذلك تعيين الغرض الذي نشأ من اجله المشروع ، كما ينتهي بانتهاء المدة أو انتهاء العمل الذي قام من اجله . أما سلطة الإدارة في هذا النوع من المشروعات فانه من حيث المبدأ يتركز في يد مالكها أو من ينوب عنه في ذلك ويسمى المدير Gérant associé unique ويكون مسئولا أمام الدوائر الرسمية والضريبية بشكل خاص وكذلك أمام الغير ممن لهم علاقات عقدية مع المشروع .
-----------
1- ويطلق عليها في التشريع الألماني والتشريع الإنكليزي اسم شركة الرجل الواحد One man's company
وفي بعض القوانين العربية أجاز المشرع تأسيس المشروع ذات الشخص الواحد (1)وهذه المؤسسة الصغيرة تزاول الأعمال التجارية وتتمثل بشخص مؤسسها وتخضع لأحكام القانون من حيث التسجيل والتسمية . ففي قانون الشركات العراقي رقم 36 لسنة 1983 أجاز المشرع استثناء من أحكام الفقرة ( أولا ) من المادة الرابعة منه والتي تقضي بتوفر العقد بين شخصين أو اكثر لتأسيس الشركة، أجاز في الفقرة الثانية بأنه يمكن أن تتكون الشركة من شخص طبيعي واحد وقد أطلق عليها ( اسم المشروع الفردي ) . واعتبرها شركة تكتسب الشخصية المعنوية وتخضع لأحكام هذا القانون كما هو الحال لباقي أنواع الشركات . ومن جانب أخر يتبين لنا إن المشرع التزم بمعيار اندماج الذمة المالية للشركة مع ذمة مالكها حيث تنص الفقرة الرابعة من المادة السادسة من القانون على ما يلي : ( المشروع الفردي شركة تتألف من شخص طبيعي واحد يكون مالكا للحصة الواحدة فيها ومسئولا مسئولية شخصية وغير محددة عن جميع التزامات الشركة ) .
ومما يلاحظ على نظام هذا المشروع الصغير انه لا يتمتع بذمة مالية مستقلة عن ذمة مالكه باعتبار إن لكل شخص ذمة واحدة بعناصرها الإيجابية والسلبية لا تقبل التجزئة ولا التخصيص . وعلى ذلك لا
يستطيع فرد واحد أن يخصص جزءا من ذمته لمشروع معين فينفصل هذا الجزء بحقوقه و ديونه في شكل شخص جديد ذي ذمة مستقلة . وقد قضت محكمة التمييز اللبنانية في 11 حزيران 1969 بأنه
( 1) قانون الشركات العراقي رقم 36 لسنة 1983 ، الفقرة رابعا من المادة 6 التي تحدد أنواع الشركات.
" لا مجال لتطبيق قواعد الشركة على فروع المؤسسة التجارية العائدة لشخص واحد الذي يكون له في كافة فروع مؤسسته ذمة مالية واحدة ، فإذا توجب دين في إحدى فروع مؤسسته تكون متوجبة عليه شخصيا " .( 1 )
إن هذا الاندماج في الذمة المالية من شأنه أن يخلق قيودا تعرقل تطور هذه المشروعات أو الرغبة في توسعها إذا علمنا حجم المخاطر التي قد يتعرض لها التاجر في ممارسة نشاطه ، وبالتالي أن عدم وجود الفاصل بين الذمة المالية للمشروع والذمة المالية لمالكه قد يعرضه إلى الإفلاس التام . وهذا الاحتمال يفرض قيدا نفسيا على عدم الدخول في معاملات و مبادلات تجارية واسعة واستثمارات مهمة لتطويره ، ومبدأ القانون هذا يتعارض مع معيار المضاربة والمنافسة في الأعمال التجارية حيث لا يمكن لمالك المشروع المغامرة بأمواله الشخصية المنقولة وغير المنقولة لأنها ستكون مشمولة في حالة الإفلاس لضمان الدائن ( حق الدائنين في البيع على أموال المدين المفلس ) ، ونتيجة لذلك فانه لا يمكن للشركة أو المؤسسة أن تمارس بشكل طبيعي أعمالها التجارية .
على خلاف ذلك ، منحت الأنظمة القانونية في الدول الأوربية نظام المشروع ذمة مالية مستقلة وذات مسئولية محددة ، مما يجعل هذه المؤسسة أو الشركة قادرة على الدخول في منافسات تجارية وان كانت بسيطة ولكنها تدعم المبادرات الفردية لمالكها وتشجع الأفراد لتأسيس وحدات اقتصادية مشابهة ( 2 ) .
إن تزايد عدد هذه المشروعات الصغيرة له أثره في توفير العمل و تشجيع المبادرات الشخصية لتأسيسها الذي لا تتطلب في البداية إلا إلى أموال بسيطة تخصص لها . وفي الواقع إن نشاط هذه المشروعات وتطورها دائما يؤدي إلى خلق نواة المؤسسات الكبيرة مما يكون دعما للنشاط الصناعي والخدمي والتجاري للبلد وبالتالي دعما للاقتصاد العام وتطوره .

المبحث الثاني :مضمون السلطات الإدارية في المشروع

لا يمكن للمشروع أن يتمتع بموقع قانوني و اقتصادي متماسك إلا عندما تنتظم سلطات الإدارة وتلتزم في تنفيذ الغرض وكذلك المنفعة الجوهرية للمشروع بشكل دقيق . ومن جانب آخر ، لابد من إخضاع هذه السلطات داخله إلى بعض الضوابط التنظيمية وتعريضها للمسئولية الجزائية أو المدنية عند
( 1 ) انظر د. علي البارودي . القانون التجاري اللبناني . الجزء الأول . الدار المصرية للطباعة و النشر ، ص 201 .
( 2) Brigitte Hess-Fallon , Anne-Marie Simon : Droit des affaires , 13édition , août 2000, Sirey,p.115
الاقتضاء . و المفهوم الحديث للمشروع يعني تطبيق قانون الأعمال التجارية كمصدر قانوني للمشروع نظرا لقصور بعض مبادئ القانون التجاري وقانون الشركات بقواعدهما التقليدية.

أولا : الأهداف الأساسية لسلطات المشروع

قد يعتبر المشروع من أشخاص القانون العام كمؤسسات الدولة أو ينتمي إلى القطاع الخاص كالشركات الأهلية ، وفي جميع الحالات فان نشاطه يستند على معيارين أساسيين يحكمان مصيره ويقرران ديمومة وجوده وضمان رخائه . وهذان المعياريين يستندان في أحكامهما على قواعد القانون المختص الذي ينظم وظيفة المشروع ويقودان كذلك أعمال سلطة الإدارة فيها .
المعيار الأول : ويستنتج من اعتبار المشروع بأنه تنظيم اقتصادي ومركز لنشاط إنساني يستهدف تحقيق ” غرض “ محدد من اجله نشأ objet social وقد يهدف نشاط المشروع إنتاج أو تحويل المواد الصناعية أو الزراعية أو تسويقها أو يهدف تقديم الخدمات للمواطنين..الخ ولضرورة إنجاز غرض المشروع فانه يستلزم توفر السلطات ومنح الصلاحيات لأجهزة الإدارة العاملة فيه . كما أن الغرض يحدد من جانب عمل المشروع كشخصية معنوية ويكون الأساس القانوني للسلطات الإدارية وحدود ممارستها نشاطاتها .
المعيار الثاني : يعتبر بأن وجود المشروع ونشاطه هو سبب نشوء مصالح متعددة ، وينظر إلى كيانه بأنه مركز تتجمع عنده هذه المصالح centre d'intérets . أما النظام الذي يرسم وظيفة المشروع ويحدد نشاطه فان قواعده القانونية تتدخل للاعتراف بها وتنظيم وتأمين الحماية اللازمة لها لكي يتمكن من إنجاز ما يسعى إليه كوحدة اقتصادية . وهذا المبدأ يفرض على سلطة الإدارة واجبا أساسيا آخر هو رعاية المنفعة الجماعية intéret social داخل هذا المشروع .
من المعلوم بأن قواعد القانون الداخلي لنظام المشروع مهما كان نوعها تمنح الإدارة السلطات
والصلاحيات اللازمة لممارسة نشاطها . ويبقى على أعضاء الإدارة بشكل عام ومدرائها بشكل
خاص أن يستهدف عملها تحقيق هذين المعيارين الأساسين . ويمكن اعتبارهما من الواجبات الرئيسية والضوابط التي تحدد نشاط وعمل سلطة الإدارة في المشروع . ولغرض تقيم أهمية هذين المعيارين لابد من التعرف على محتوى كل منهما وتشخيص القواعد القانونية التي ترتكز إليها آثارهما على تصرف سلطة الإدارة باعتبار أن الإخلال وتجاوز إي منهما يهدد حياة ومستقبل المشروع ويعرض بنفس الوقت أعضاء سلطة الإدارة إلى نوع من المسئولية .

أ- تحقيق أغراض المشروع L’objet social :

يمثل المشروع وحدة إنتاج اقتصادية يرمي إلى إنجاز هدف معين .والمشروع لا ينشأ إلا أن تكون له أغراض محددة وجد من اجلها ويدور نشاطه بالكامل لتحقيقها . ومن الثابت لدى كافة التشريعات الداخلية اعتماد هذه القاعدة واعتبار غرض المشروع شركة أو مؤسسة هي إحدى العناصر الجوهرية لتمام تأسيسها ، أو أن تكون سببا لانتهاء حياتها ومعيارا لحدود سلطة الإدارة في مزاولة أعمالها . كما أنها سببا منشأ لمسئولية الإدارة عند تجاوزها الأغراض المحددة لها .

1- الغرض هو سبب نشوء المشروع

في الواقع إن غرض المشروع ، شركة أو مؤسسة ، يكون الأساس في أسباب نشوئه ويمنحه إحدى مقومات وشرعية تأسيسه ، ومن خلالها يكتسب بالضرورة الشخصية المعنوية باعتباره كيان قانوني مستقل عن أشخاص المؤسسين له . وإن غرض المشروع هو الذي يدفع الآخرين التعامل معه وتقدر مدى الاستفادة التي تتصل بنوع إنتاجه أو خدماته . وفي كل الأحوال فان الشخصية المعنوية للمشروع تدور مع أغراضه وجودا وعدما . تنص المادة 21 للأحكام العامة للقانون المدني الفرنسي على أن ( غرض الشركة ركن من أركان تأسيسها ) وهذا المبدأ العام يجد له نصا مماثلا في المادة 1833 من نفس القانون حيث ( توجب بأن كل شركة يجب أن يكون لها غرض مشروع وان يكون تأسيسها في الصالح العام للشركاء ) . ولقد جاء النص على غرض الشركة واعتباره عنصر من عناصر تأسيسها في كافة القواعد التي تحكم أنواع الشركات التجارية . و اعتبرت المادة 2 من الأحكام العامة بأن الصفة التجارية للشركة تتحدد من خلال أغراضها ، فهي أذن الدليل على منح أعمال الشركة الصفة الشرعية لنشاطها ،والمشرع في الدول العربية لن يختلف في أحكامه عن موقف المشرع الفرنسي فيما يتعلق بأهمية أغراض الشركة وكيف يعتبرها ركنا جوهريا من أركان تأسيسها وضابطا لتصرفات سلطات الإدارة في تحقيق غرض الشركة، فلقد نصت المادة 521 فقرة 1 من القانون المدني المصري على أهمية غرض الشركة وأوجبت أن لا يكون أي نشاط فيها مخالفا للغرض الذي أنشأت لتحقيقه . أو أن يكون نشاط الشركة مستمد من هدفها (1) وكما اعتبره المنظم السعودي سببا من أسباب الانقضاء ( 2 ) . ومن المفيد هنا أن نعطي فكرة موجزة عن مفهوم الغرض .
1- انظر المادة 13 ، رابعا ، من قانون الشركات العراقي . المادة 591-1 قانون المدني الأردني
2- المادة 15 فقرة 2 من قانون نظام الشركات السعودي .المادة 5 من قانون الشركات الكويتي رقم 15 لسنة 1960 وكذلك المادة 70 من هذا القانون ، في البيانات الواجب ذكرها في عقد تأسيس الشركة .

- مفهوم الغرض :

إن طبيعة غرض المشروع لم يكن في الحقيقة إلا وصف للنشاط الاقتصادي الذي يمارسه . ولكنه بأهمية كبيرة يستلزم النشر عند التأسيس ، وأما تعديله لاحقا فإنه يخضع كذلك لإجراءات صارمة يقصد منه حماية المساهمين والغير . وإذا نظرنا إلى نصوص القانون الفرنسي، فإننا لن نجد تعريفا للغرض . وهذا ما كان سببا في تنوع آراء الفقهاء لتقديم مفهوم موحد لتعريف غرض المشروع . هنالك الرأي الذي ينبني على فكرة محل الالتزام L’objet de l'obligation استنادا لتطبيق المادة 1108 من القانون المدني التي تفرض وجود محل معين يكون مادة الالتزام . ويعني ذلك أن التزام كل شريك هو دينه في حصص المساهمة في المشروع . عند ذلك يكون غرض المشروع هو مجموع الأموال التي قدمها الشركاء . أما الفريق الآخر ، فانه يعتبر الغرض بأنه الاستغلال الذي تقوم به الشركة وإنه سبب La cause الالتزامات لكل شريك .وباعتبار أن كافة الأطراف تساهم بهدف الحصول على الأرباح من خلال نشاط المشروع و استثماراته التجارية أو الصناعية ( 1 ) . ومهما يكن من رأي ، فقد يتفق الجميع بأن الغرض ما هو إلا ذلك الاستغلال الاقتصادي الذي يمارسه المشروع ، وبهذا المفهوم يحصل التقارب بين الغرض ونشاط المشروع . أما الوصف الذي يقدمه الغرض لنشاط المشروع عندما يتم تثبيته في النظام القانونيstatutaire L’objet هو الذي يوسع أو يقلص نطاق ممارسة النشاط القانوني الذي يتعلق بالمشروع كشخص معنوي Une personne morale. كما أن له آثاره المهمة على تنظيم سلطات الإدارة ورسم حدودها لضمان حماية حقوق الشركاء ومن لهم مصلحة مع المشروع.

2- الغرض هو أساس سلطات الإدارة :

بما أن غرض المشروع هو محور نشاطه الذي تم تثبيته في نظامه الداخلي عند التأسيس ، فإنه يترتب على ذلك نتيجتين :
أولا : ضرورة إنجاز هذا الغرض تتطلب الصلاحيات والسلطات اللازمة لتحقيقها . فلابد من وجود الإدارة المؤهلة قانونيا وفنيا لذلك .ويتمثل كل ذلك بسلطة مجلس الإدارة ورئيسها . فهذا المجلس يمارس وظيفته في إدارة المشروع بأعداد وإصدار القرارات وتخطيط السياسة العامة والموافقة على الأهداف الأساسية واختيار الكوادر والأجهزة التي تخضع لسلطته لتحقيق البرامج التي أعدها .
ثانيا : أن هذه الصلاحيات التي منحت لمجلس الإدارة هي من اجل إنجاز الغرض الذي نشأ من اجله المشروع ، فلابد أن تتصرف الإدارة ضمن إطار هذا الغرض وعليها أن تبتعد عن اتخاذ القرارات التي لا علاقة لها بمبدأ سلطاتها أو تضر بهذه السلطة وتحرمها من واجباتها الأساسية ، أو ما
( 1 ) J. Paillusseau , La société anonyme , technique d'organisation de l'entreprise , éd. Sirey , Paris 1967 .
ينتج عن ذلك من ضرر على أهداف المشروع . وانه من المؤكد بأن ما تقوم به سلطة الإدارة من التزامات وإبرام عقود واتفاقات تضع مثل هذه المؤسسة أمام المسئولية فبل الغير ذات الصلة بهذه الإجراءات ، وهذا ما تنص عليه المادة 14 من القانون التجاري الفرنسي حيث تعتبر بأن " المدير
يلزم الشركة بالتصرفات التي تدخل في غرضها " ( 1 ) . إن غرض المشروع يقرر إذن أهمية واجبات سلطة الإدارة وتقييم كفاءتها ويكون سببا لوجودها ، وهذا ما يدعو إلى أن تحرص على تحقيق هذا الغرض الذي يعتبر أحد المحاور الرئيسية لوجودها وبالتالي أن ينسجم نشاط سلطة الإدارة ومضمون قراراتها وكل ما يتصل بتصرفاتها مع أهداف المشروع .
هذه الأهمية لغرض المشروع تعتبر أيضا الحدود التي تقيد سلطة الإدارة في مزاولة نشاطها وعليها أن لا تخرج عنها أو أن تتجاوزها ، وكما تنص المادة 98 من قانون الشركات الفرنسي لعام 1966 بأن ( مجلس الإدارة يمارس سلطاته في حدود غرض الشركة ) . ويجمع الفقه و القضاء على بطلان كل تصرف من الإدارة يتعارض كليا مع نشاط الشركة كما نص عليه النظام الداخلي . ينبغي إذن على أجهزة الإدارة أن لا تتجاوز حدود سلطاتها وإلا تعتبر مخالفة لنظام الشركة ، ومن المؤكد أن تتعرض أعمالهم والقرارات من هذا النوع إلى الإلغاء ويترتب عليها بعد ذلك المسئولية المدنية وأحيانا العقابية بسبب ما ينتج عنها باعتبارها مخالفة لأغراض المشروع من نتائج قد تؤدي إلى أضرار جسيمة بمكانته التجارية وتعرض وضعه المالي إلى الانهيار أو الإفلاس .
ومن الملاحظ أخيرا بأن موقف القضاء الفرنسي اكثر ما يكون متأثرا بالمعيار الاقتصادي الناتج عن نشاط المشروع وتقدير أهمية الطرق التي تسلكها سلطات الإدارة في استثماراتها ، ولأجل هذا فإنها قد لا تهتم أحيانا بالمعايير القانونية لتقدير شرعية تصرف أعضاء مجلس إدارة الشركة بقدر تقييمها
( 1 ) انظر كذلك نص المادة 591 ،1، من القانون المدني الأردني وكذلك نص المادة 516- 1- من القانون المدني المصري حيث تقضي القاعدة بان على الشريك المنتدب للإدارة أن يقوم بأعمال الإدارة والتصرفات التي تدخل في غرض الشركة التي تعتمد عليها حياتها ومقومات ازدهارها ورخائها.
المعطيات الاقتصادية وما تجلبه . ومن خلالها يتم تقييم نوع التصرف ومقدار تطابقه مع غرض الشركة (1) . ونحن هنا لا نريد التوسع في بحث دور سلطة الإدارة في تنفيذ هدف المشروع لأنه لا يفترق في أحكامه عن دور الإدارة في تحقيق الغرض في كافة الشركات أو المؤسسات ، إلا ما يتعلق بالتصرفات التي تتجاوز فيها هذه السلطات غرض المشروع حيث أن لقانون الأعمال التجارية
أحكام لها خصوصيتها سنتناولها مؤخرا . واكثر ما يهمنا في هذا البحث هو تسليط الضوء على معيار المنفعة الجماعية في القانون الفرنسي وآثاره في نشاط المشروع.

ب : تحقيق المنفعة الجماعية L’intérét social

تعتبر المنفعة الجماعية المحور الثاني الذي يتأسس عليه نشاط المشروع ، وانه بنفس الوقت يضفي عليه الشرعية اللازمة لممارسة سلطة الإدارة وواجباتها . وقبل أن نبين الأساس القانوني لمفهوم المنفعة الجماعية وأثرها على سلطة الإدارة لابد أولا من تحديد خصائصها وعوامل وجودها وآثارها في الوظيفة العامة للمشروع . وفكرة المنفعة الجماعية هي التي حظيت حديثا بتنظيم القانون الفرنسي لما لها من آثار مباشرة ومهمة على مصالح أطراف متعددة في المشروع وضرورة تحقيق التوازن بينها. كما أن الفقه الفرنسي لن يتردد في اعتبار المشروع مركز منافع L’entreprise-centre d'intérêts ( 2 ) ، فما هي إذن هذه المنافع التي ترتكز عليها فكرة منفعة المشروع ؟

1-أطراف المنفعة الجماعية :

يعتبر المشروع مركز لمنافع متعددة centre d'intéréts تنشأ مرافقة لتأسيسه وتبقى ملازمة ومستمرة مع مزاولة نشاطه وتتوقف وتنتهي بانتهاء هذا النشاط . فهنالك كثير من الأطراف لها مصالحها المرتبطة بوجود هذا المشروع وازدهاره ، أما لأنها كانت وراء تأسيسه أو قدمت له الإمكانات المالية اللازمة والعمل والجهود الإنسانية والخبرة والمواد والأموال وغير ذلك من مقومات التأسيس المادية . فهي أولا منافع المؤسسين من الشركاء . ويمكن اعتبار الدولة إحدى المؤسسين الرئيسين لتكوين المشروع وخاصة عندما تمتلك الأغلبية في حصص التأسيس أو عندما ينتمي المشروع كليا إلى القطاع العام . ومع أغلبية الشركاء Les actionnaires majoritaires هنالك أيضا المساهمين الأقلية minoritaires Les actionnaires عندما يأخذ المشروع نظام الشركة ، وكذلك مصالح العاملين فيه من كوادر وإداريين وموظفين وعمال . ويجب أن لا نغفل أيضا مجموع الدائنين للمشروع من مؤسسات مالية أو مصرفية
1-: قرار محكمة استئناف Rennes لعام 1968 وأيضا قرار المحكمة التجارية La Seine 7 ديسمبر 1957 ، Gaz pal , 1958 , 19 Somm , p , 219 , N , 16
( 2 )PAILLUSSEAU Jean : Les nouveaux fondements et notions du droit des affaires ,
J C P , 1988 , Doctrine 3330.
أو حاملي السندات ، وكل من لهم مصلحة في نشاط هذا المشروع تربطهم به اتفاقات وعقود تتصل مثلا بالموردين les fourisseures أو المقاولين من الباطن sous - traitant وكذلك وكلاء التوزيع لمنتجاتها والمستهلكين لها و زبائنها المحليين والدوليين .
ومن المؤكد بأن مصالح كل طرف من هذه الأطراف لها منفعة في حياة المشروع، وتتباين أهميتها تبعا للظروف الاقتصادية التي تحيط بنشاطه ومعاملاته الاقتصادية . وقد ينتج عن ذلك بأن تكون مصالح بعض الأطراف متطابقة ، لكنها تارة أخرى متعارضة . فمن حيث المبدأ العام الذي يحكم سياسة نشاط المشروع هو أن مصالح مؤسسي الشركة والدائنين والعاملين فيها تتطابق . وإذا كان تطابق المصالح يوفر عامل نجاح نشاطها ، لكن التعارض في المنافع المتعددة يخلق حالة غير طبيعية وارتباك في متابعة تحقيق برنامجها وسياستها الاستثمارية ويعرقل تطورها وخاصة في ظروف المنافسة والمضاربة القوية مع المشروعات الأخرى الوطنية أو الدولية . فإذا كانت هذه المصالح تلتقي وتتطابق رغم تعددها في حالة ازدهار وضع المشروع ولكن قد يحصل التباين في وجهات النظر باتخاذ القرارات والمواقف من خطط الاستغلال عندما يتعلق الأمر الاحتفاظ بما حققه المشروع من فائض في القيمة ناتج عن عملية استغلال لرأس المال ومجمل الاستثمارات السنوية .لماذا تتعارض هذه المصالح ؟
لا شك أن رغبة المؤسسين هي حصولهم على الأرباح الصافية التي حققها المشروع ، فتكون مطالبتهم دائما بتوزيعها تبعا لمقدار حصص المساهمة وعدم الاكتراث ببرامج المشروع المستقبلية . أما المدراء يرون ضرورة التوسع في الاستثمار بخلق وحدات إنتاجية ومنشآت جديدة أو تطوير ما هو موجود فنيا وإداريا وتحديثه استجابة إلى حاجات التعامل التجاري والمالي والصناعي . والعاملين يرغبون الحصول على زيادة في مرتباتهم وزيادة المكافآت السنوية وتحسين ظروف العمل وضمان استمراره . والدائنين من المؤسسات المالية أو المصرفية وحاملي السندات يفضلون الزيادة في احتياطي المشروع المالي ، وان تضاف الأرباح المحققة إلى رأس مال المشروع لغرض زيادة مستوى الضمان لحقوقهم . والدولة تسعى لتحقيق الواردات اللازمة لميزانيتها من خلال ما تستحصله من ضرائب في عائدات الدخل أو الضرائب المفروضة على الأرباح المتحققة للمشروع كشخصية قانونية مستقلة أو على دخل الشركاء كأفراد . يتبين أذن بان المنفعة الجماعية بكافة عناصرها وتعددها لها اثر مباشر على مصير الوضع العام ومستقبل منفعة المشروع . ويمكن القول بان محصلة المنفعة الجماعية هي بحد ذاتها تؤسس نوع ومستوى منفعة المشروع عندما يتحقق التوازن بين المنفعتين .ولقد كان لهذا الواقع المتصل بنشاط المشروع أثره في وجود تحليلات فقهية متنوعة في فرنسا والذي يسمى فقه المشروع La doctrine de l’entreprise ويبحث هذا الفقه عن إيجاد التوفيق و التقريب بين مبدأ الحرية الفردية في عمليات الاستثمار من جانب ، والأخذ بنظر الاعتبار بالمنفعة الجماعية لمصالح الأطراف ومنفعة المشروع من جانب آخر . ولكن كيف يتحقق هذا التوازن بين المنفعة الجماعية لكافة الأطراف وبين المنفعة المركزية للمشروع ؟

2- توازن المنفعة الجماعية مع منفعة المشروع :

من اجل الحصول على توازن فاعل بين المصالح المشتركة لكافة الأطراف في المشروع لابد للمشرع أن يتدخل لتحقيق هذا التوازن .فعليه خلق القواعد اللازمة التي تكفل الإقرار بحقوق الأطراف المعنية وتنظيم مصالحها وحدودها بما لا يتعارض مع مصير المشروع ، بل يضمن له استمرار النشاط وازدهاره . ولا شك بأن موقف المشرع سيتحدد وفقا لفلسفته القانونية واعتباراته الخاصة ونظرته لدور المشروع وقيمة نشاطه ومعاملاته التجارية والمالية والصناعية وآثارها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلد . ومهما يكن من أمر فأن تنوع أسباب الاختلاف في المصالح لعناصر المشروع وأهمية ما ينتج عنها من نزاعات تقتضي إيجاد القواعد التي تحكمها وتقود إلى تنظيمها وتسويتها بما يحقق العدالة للجميع في تأمين حقوقهم .وان خلق هذا الموقف القانوني يتطابق مع النظرية الفقهية الشائعة التي تقضي بأن مجموعة حقوق الأطراف في نشاط المشروع تخلق بحد ذاتها البنية القانونية والآليات المادية والإنسانية اللازمة له باعتباره مركز نشاط اقتصادي تصب فيه مصالحهم المشتركة .
ومن المؤكد بان المشروع عندما يتبنى النظام القانوني للشركة فأن نوع هذا النظام يمنحه القواعد القانونية التي تكفل الاعتراف بأغلبية حقوق الأطراف المعنية داخل المشروع ، وترسم لها حدودها ، ولأنها ذات طبيعة وجدت لتضمن حماية المصالح المتنوعة وأثرها في خلق حالة التوازن بينها ، وينتج عن تطبيقها حماية منفعة المشروع وضمان رخائه وازدهار نشاطه . من جانب آخر فان قواعد قانون العمل لها دورا مهما في تحقيق التوازن بين المنفعة الجماعية لما يتعلق بحق العاملين في هذه المؤسسة بالإضراب وحمايتها من نتائجه ، حيث من المعلوم بأن الإضراب من حيث المبدأ العام يكون عملا ضارا بمنفعة المشروع ويربك وظيفتها ونشاطها . ولكن عندما يكون مبدأ الإضراب حقا ينبغي احترامه ، إلا انه من الضروري خلق التوازن بين هذا الحق وبين منفعة المشروع ، التي تتجاوز مجموعة عناصرها منفعة العاملين فقط ، وكما تم ذكره بأنها منفعة اكثر من طرف واحد . فلا ينبغي أذن التعسف في استعمال هذا الحق وكما يقول الفقيه جو سران ( بأن الحق يتوقف عندما يبدأ التعسف ) (1 ) .
أما مصالح الدائنين للمشروع من مساهمين أقلية أو مؤسسات مالية أو موردين وغيرهم فلقد وضع المشرع القواعد الكفيلة بإقرارها ورسم حدودها وكيفية ممارستها توازنا مع منفعة المشروع .
( 1 ) générale de l’abus de droit , édition Dalloz 1928 . JOSSERAND L. : Théorie
والقانون الذي يسمى بقانون - المشروع في مأزق - L’entreprise en difficulté ( 1) فإنه عالج إجراءات التسوية القضائية أو التصفية القضائية للمشروع وضمنها القواعد الضرورية التي تتكفل الحفاظ على حقوق هذه الأطراف عند انتهاء حياة المشروع .
وتقدم قواعد القانون الضريبي أسسا سليمة لحساب المعدل الضريبي المفروض على فائض القيمة المحققة في نشاط المشروع بما يحقق التوازن بين مصلحة الدولة في جباية الضرائب ومنفعة المشروع في إمكانية الاستمرار في تحقيق الغرض الذي نشأ من أجله . وفي أحيان كثيرة يتدخل المشرع المالي وخاصة في الدول الغربية من تقديم الدعم المالي أو الإعفاء الضريبي النسبي أو الكلي لتشجيع التوسع في استثمارات المشروع أو لتخفيف عجزها أحيانا وذلك في منح المشروعات مكافئات للتطوير و التحديث الصناعي . وإجراءات كهذه لا شك إنها تدعم حالة التوازن بين منفعة المشروع ، في تحسين نشاطه استجابة للتغييرات الاقتصادية، والمنفعة الجماعية لكافة الأطراف ذات العلاقة بوجوده .

3- أصل المنفعة الجماعية :

لقد كانت فكرة المشروع الجماعي مجهولة في الوسط الفقهي أو التشريعي . وكان ذلك بسبب معرفتهم بأن تكوينه قائم على تجمع عددا من المساهمين الشركاء المؤسسين . وهذا ما يدعو إلى الاستنتاج العام بأن المنفعة الجماعية كانت في الأصل تقف عند حدود منفعة هؤلاء المساهمين الأغلبية فقط .إلا أن تطورا مهما حصل لمفهوم المنفعة الجماعية يبدو أكثر واقعية باعتبار هذه المنفعة هي منفعة المشروع وإنها تتميز بالكامل عن منفعة المساهمين وان كانوا هم الأغلبية . وينتج عن ذلك تحديد الهدف الذي يتعين على سلطة الإدارة التي نسميها حكومة المشروع Le gouvernement d'entreprise ( 2 ) الالتزام بتنفيذه . إلا أن هذا الاستنتاج بقي عرضة للنقد بسبب الاختلاف حول مفهوم المنفعة الجماعية ، فهل هي منفعة المساهمين ، أم هي منفعة المشروع ذاته باعتباره الشخص المعنوي ؟
الرأي الأول : منفعة المساهمين Les intérêt des actionnaires
يرى فريق بأن المنفعة الجماعية هي منفعة المؤسسين للمشروع .ويستند هذا الموقف على بعض النصوص القانونية التي تحكم خصائص الشركة .حيث تنص المادة 1832 من القانون المدني الفرنسي ، وهي تتناول الشركات التجارية و المدنية ، بأن تتكون الشركة من عقد يلتزم به شخصين أو اكثر
( 1 ) قانون 8 مارس لعام 1984 وقانون 25 كانون الثاني لعام 1985.
( 2 ) COURET M.A. , Le gouvernement d'entreprise , la corporate gouvernance : D. 1995,
chronique, page 163 .
لتخصيص أموالهم أو صناعتهم في مشروع اقتصادي مشترك لاقتسام الربح أو ما قد ينشأ عنه من كسب أو من خسارة ( 1 ) . ومفهوم هذا النص بأن عقد الشركة يهدف أساسا إلى تحقيق الأرباح . ومن المتفق عليه عموما هو أن اقتسام الأرباح بين الشركاء هو الذي يميز الشركة عن الجمعية ، كما إن الغرض الأساسي من تكوين الشركة هو السعي وراء الربح ( 2 ) . وبذلك يكون من الواجبات الرئيسية على سلطة الإدارة هو اهتمامها في توزيع هذه الأرباح على المساهمين . وهذا الموقف يؤكد بدون شك المنطق المالي الذي يهيمن على مضمون قانون الشركات التجارية.
ويستند هذا الرأي كذلك على نص المادة 1833 من نفس القانون التي تقضي ، بأن كل شركة يجب أن يكون لها غرض شرعي وإنها تؤسس لتحقيق المنفعة المشتركة للمساهمين intérêt commun des actionnaires. وتنطبق هذه القاعدة على الشركات المدنية أو التجارية .
إذن يؤكد النص على أن تأسيس الشركة هو من أجل منفعة المساهمين واستبعاد أية منفعة أخرى .فهو يركز على وجود المنفعة المشتركة التي يرتبط بها المساهمين ( 3 ) ويدافع هذا الرأي بأن جل تفكير المساهمين عند تكوين عقد الشركة هو الحصول على قدر عالي من الأرباح ، على المدى القصير أو البعيد ، وهو ما ينتج أثره دائما عند تكوين شركات الأموال. إن هذا الموقف يعكس فعلا الفهم الجديد لدى المستثمرين الذين اصبحوا لا يهمهم المشاركة في القرارات الإستراتيجية للشركة ، إنما يرغبون الحصول على افضل العائدات في توظيف أموالهم . ويعتبر البعض أن ذلك منطقيا مع واقع هيمنة المال وعالمية الاقتصاد ( 4) . وإن تحقيق أرباح بهذه الأهمية لا تتحقق إلا في احترام الالتزامات
القانونية و العقدية التي ترتبط بها الشركة لتحقيق هذا الهدف . وهذا ما يفسر موقف القضاء الجنائي
( 1 )1994 : Bull. Civ. IV, n° 137 ; 21avril 1992 : Bull. Civ. IV, n° 175 . Cass. Com.29 mars
انظر نص المادة 505 من ق م مصري حيث يقدم تعريفا يؤكد نفس المعنى ولكن بصورة أوضح .كذلك نص المادة 626 من ق م عراقي .
( 2) د. عزيز العكيلي : الموجز في شرح قانون التجارة الكويتي ، المنهل - الكويت، ص 121، د. علي البارودي : القانون التجاري اللبناني ، الجزء الأول، الدار المصرية، ص 210.
( 3 ) SCHMIDT Dominique : De l'intérêt commun des associés , JCP 1994, éd. E. I. 404.
( 4 ) , DALLOZ 1997 , chronique La boussole de la société Antoine PIROVANO :
, page 189.
لمحكمة النقض الفرنسية عندما عاقبت الهيئة الإدارية لإساءتهم استعمال أموال الشركة ، حيث قدرت إن أعضاء الإدارة قاموا بارتكاب مخالفات جزائية لأن تصرفاتهم تتعارض مع مصلحة المساهمين ( 1) .
إن فكرة المنفعة المشتركة للمساهمين يمكن تبريرها أولا بأن لها سند قانوني قائم على الفكرة التعاقدية للشركة و يتمثل في أن المصلحة المشتركة للمساهمين هي فوق كل المصالح الأخرى ذات الصلة في نشاط المشروع . وتدعو هذه المنفعة من الشخص المعنوي إرضاء مصالحهم فقط دون غيرها سواء كانوا عاملين فيه أو دائنين .ومن ناحية أخرى فإن النشاط التجاري أو الصناعي أو المالي للشركة هو الذي يخلق لنا الوسائل اللازمة لتحقيق الأرباح التي يبحث عنها المساهمين . هذه هي إذن المنفعة باعتباره تنظيم قانوني ، اكثر من ارتباطه بشخص التاجر الفرد ، مؤسسا أو شريكا ، فلم يعد تكوين الشركة المشتركة للمساهمين التي تقوم على تفضيل الربح وتوزيعه بينهما ( 2 ) .ولا بد من القول بأن هذا الموقف يتعارض مع تطور القانون التجاري باعتباره تنظيم قانوني الذي اصبح يرتبط بالمشروع التجاري ذاته اكثر من ارتباطه بشخص التاجر الفرد مؤسسا أو شريكا . فلم يعد تكوين الشركة أو نظامها أو إدارتها متروكا لإرادة الشركاء ( 3) .و يرى هذا الرأي أيضا إن في المشروع التجاري يتبلور محور النشاط التجاري . وينتج عن ذلك بأن رخاء المشروع prospérité de l entreprise هو هدف النشاط فيه ، ولا يستمر الشخص المعنوي للمشروع إلا باستمرار النشاط الاقتصادي الذي وجد من اجله .
الرأي الثاني : منفعة الشخص المعنوي للمشروع
دور الفقه :
يعتبر الفقه بأن المنفعة الجماعية تعني منفعة المشروع كشخص معنوي مستقل عن كافة الأطراف الأخرى ذات الصلة بنشاطه . وقد وجد هذا المفهوم بدايته بفضل ما يسمى بالفقه الاشتراكي الذي حاول التوفيق بين العمل و رأس المال على أساس النظرية التنظيمية La théorie institutionnelle .
وقد تكون أساب تطوره كامنة في الخشية من الآثار السلبية لمنهج اقتصاد رأس المال على الطريقة الأمريكية . ولهذا اعتبره البعض بأنه يعبر عن حل توفيقي بين الحرية الفردية من جانب والأخذ في نظر الاعتبار المنفعة العامة من جانب آخر ( 4 ) .
( 1) Cass. Com. , 22 avril 1992: Rev. soc. Avril 1993 , p. 124, note B. Bouloc .
( 2 ) . l intérêt social , JCP 1995 Ed. E. n° 38 , p. 488 SCHMIDT Dominique : De
( 3 ) انظر في هذا المعنى ، د. عزيز العكيلي :الموجز في شرح قانون التجارة الكويتي ، ص124.
( 4) تم عرض هذه النظرية من قبل Paul Durand ، انظر :
G.H. Camerlynck et G. Lyon - Caen , Droit de travail , Précis Dalloz, 8e éd., 1976, p. 378.
, RTD com. 1996, p. 626 . BERTEL J-P. : Libérté contractuelle et sociétés
و من ناحية أخرى حاول Despax في أطروحته ( 1 ) أن يبين كيف حصل التطور القضائي في تقييمه لوجود المصالح المتعددة التي هي أساس نشأة المشروع . ثم أخذت المدرسة الفقهية لجامعة Rennes 1 سميتRennes L’école deصياغة مفهوم جديد لهذه العلاقة بين المصالح يقوم على معيار
اجتماعي - اقتصادي للمشروع socio-économiques .وأدى ذلك إلى استقراء دور متطور لقانون الشركات في تحقيق هذا المفهوم عندما تم اعتبار بأن الشركة ما هي إلا الآلية القانونية لتنظيم المشروع ، وإن منفعة الشركة تتطابق مع منفعة المشروع ( 2) .
ولقد أكد تقرير فريق العمل للجمعية الوطنية الفرنسية لرجال الأعمال CNPF فيما يخص مجلس إدارة الشركات المعلنة في سوق البورصة ، اعتباره إن المنفعة الجماعية هي القطب الذي ينبغي على كافة المدراء في الشركة وكل أعضاء الإدارة توجيه تصرفهم نحوه ( 3) .ومحتوى هذا التقرير هو " إن المنفعة الجماعية يمكن تعريفها بأنها المنفعة العليا لذات الشخص المعنوي أي المشروع ، باعتباره هيئة اقتصادية مستقلة ، يتابع أهداف خاصة ، تتميز عن تلك التي تخص الشركاء ، و الأجراء فيه ، والدائنين ومنهم خزينة الدولة ، الموردين و زبائنه ، ولكنها تتصل بمنفعتهم العامة المشتركة ، التي هي لتأمين رخاء واستمرار المشروع " .
ويعتبر الفقه كذلك بأن المنفعة الجماعية لا تختلط مع منفعة المساهمين ، كما أن منفعة المشروع هي التي تقود منفعتهم الخاصة كمساهمين وتتقدمها وتقيدها أن كان ذلك ضروريا. وكما تطرق لذلك الفقيه Lacombe بأن الضرورات الاقتصادية للمشروع والتي تمتزج مع مقتضيات إنجاز الغرض الذي من اجله نشأ المشروع ، بإمكانها أو ينبغي أن تحجب حق المساهمين في توزيع الأرباح الحاصلة عن استثماراتها ( 4) ، وهذا الموقف الفقهي يرجح القاعدة بأن المنفعة الجماعية تتقدم وتقيد منفعة أي طرف فيها مهما كان دوره في قيام ونشأة المشروع أو وظيفته .
( 1 ) Michel Despax : L’entreprise et le droit , LGDJ, 1957.
( 2 ) PAILLUSSEAU Jean : La société anonyme, technique d'organisation de l'entreprise,
LGDJ , 1967 .
. CONTIN R. : L'arrêt Freuhauf et l'évolution du droit des socété , JCP 1968 , chronique 45
( 3) social JCP 1995 ,…..p. 362. SCHMIDT D. : De l’intérêt (4 ) Paris 1962 , p. 104 et s. J.Lacombe : Les réserves dans les société par actions ,
دور المشرع الفرنسي :
أما في التشريع الفرنسي فلم يظهر مفهوم المنفعة الجماعية إلا حديثا . وكما أن المشرع لم يقدم لنا تعريفا ولا حتى الإشارة إليه بشكل دقيق وصريح ومباشر كما فعل بالنسبة لأغراض الشركة L'objet social بقيت المنفعة الجماعية رغم أهميتها تفتقر إلى نص خاص يعرفها ويحدد عناصرها . فلقد تطرق المشرع في قانون الشركات الجديد لعام 1966 - وكذلك الحال في قانون عام 1967 ، عندما أراد تقييد سلطات الإدارة كي تمارس صلاحياتها في حدود الغرض الذي نشأت من اجله الشركة ، حيث تنص المادة 98 من قانون 24 تموز لعام 1966 بأن ( صلاحيات مجلس الإدارة يحددها غرض الشركة ) . غير انه لن يقدم لنا نصا مماثلا بشأن المنفعة الجماعية . إلا أن غياب النص الصريح بإلزام أعضاء الإدارة بأن تمارس سلطاتها وفقا للمنفعة الجماعية لا يستبعد العمل بهذه القاعدة إذا علمنا أن تركيبة هيئة الإدارة بكافة عناصرها وطبيعة الواجبات المفروضة عليها تقتضي أن تمارس سلطاتها لإنجاز هذا الهدف ، كما انه ومن القواعد الأساسية التي تحكم تصرفاتها هو أن تأخذ بالاعتبار بأن المشروع ما هو إلا وحدة جماعية تتطلب نفس القدر من المسئولية من قبل سلطة الإدارة كما هو الحال عندما تمارس صلاحياتها لتحقيق الغرض L’objet social الأساسي الذي قام من اجله .ولا يهم فيما إذا كانت سلطاتهم قائمة على مبدأ التوكيل أو أنها وظيفية 0
ولكن يبقى مهما معرفة موقف القضاء الفرنسي من مفهوم المنفعة الجماعية الذي نعتبره نواة تجسيد فكرة منفعة المشروع.
دور القضاء الفرنسي :
من القرارات المهمة للقضاء الفرنسي التي ساهمت في تثبيت فكرة المنفعة الجماعية للمشروع هو ما نتج عن قضية Freuhauf ( 1) . وفي هذه القضية هو أن شركة France Freuhauf - تعاقدت لغرض توريد شاحنات نقل بضائع ماركة Freuhauf .هذه الصفقة كانت متطابقة في كافة عناصرها مع الغرض الذي نشأت من اجله شركة Freuhauf ، الشركة الأم ، والكمية المتعاقد عليها لا تتجاوز السعة الإنتاجية لمصانعها . كما أن أعضاء مجلس الإدارة الأمريكان في هذه الشركة الذين يمتلكون ثلثي رأس المال وثلثي مقاعد مجلس الإدارة لم يبدوا اعتراضهم وقت إبرام العقد . ولكن بعد مرور عام ، وتحت ضغط الحكومة الأمريكية لأسباب سياسية ،تبلغ مجلس الإدارة والرئيس - مدير عام الشركة الفرع في فرنسا بقرارهم الذي يطلب فيه عدم تنفيذ العقد ،حيث كان يهدف تسليم مثل هذه العجلات إلى الصين الشعبية .
رفضت شركة Freuhauf - Franceفسخ العقد حيث دفعت بأن عدم التنفيذ سيلحق بها أضرارا فادحة . وعلى أثر ذلك قدم رئيس الشركة - مديرها العام استقالته وطلب مجلس الإدارة من رئيس المحكمة التجارية في باريس النظر في الدعوى وحسم النزاع لغرض تنفيذ العقد . دفع أعضاء مجلس الإدارة الأمريكيين أمام المحكمة بأنه " لا يتمكن القاضي التدخل في إدارة شركة الأسهم بأن بفرض رأي الأقلية على الأغلبية من المساهمين و أعضاء مجلس الإدارة " . غير أن محكمة باريس اعتبرت بأن قرار الشركة الأم Freuhauf وإن كانت تمثل الأغلبية في الشركة الفرع الفرنسية إلا انه يعتبر تصرفا مخالفا للمنفعة الجماعية للمشروع . كما قدرت المحكمة في حكمها بأن نتائجه ذات طبيعة تدمر نهائيا التوازن المالي والثقة المعنوية للتعامل مع الشركة الفرنسية Freuhauf - France وبسبب من جانب آخر الإضرار بها وتسريح اكثر من 600 شخص من العاملين فيها ويهدد في إنهاء حياة الشخص المعنوي للشركة ذاتها .وبعد هذا الموقف القضائي يتبين لنا كيف إن مبدأ المنفعة الجماعية تم اعتماده لتقييد سلطة الإدارة وإن كانت الأغلبية في ممارسة نشاطها من اجل حماية منفعة المشروع . واعتبر هذا الحكم كسابقة قضائية مهمة وحجة يمكن من خلالها إلغاء أي قرار يضر بمنفعة المشروع ، ويصبح كذلك سببا لإثارة المسئولية العقابية في بعض الحالات الناتجة عن تصرفات سلطة الإدارة التعسفية. ولقد اعتبر الفقه الفرنسي هذا الموقف بأنه يمثل تطورا مهما في قانون الشركات الفرنسية ( 2 ) . ونعتقد أنه يرمي من جانب آخر إلى حماية المشروعات التي أهلكتها ضراوة المنافسة على المستوى المحلي والدولي والحد من تعسف سلطات الشركات الكبرى متعددة الجنسية على مصير الشركات الصغيرة المحلية .
وبعدما أشار المشرع الفرنسي لأهمية المنفعة الجماعية بشكل مباشر في قانون الشركات لعام 1966 في باب الأحكام الجزائية ( المادة 425 و المادة 437 ) فلقد كان لذلك أثره في الكثير من الأحكام
( 1 ) قرار محكمة باريس في 22 مايس 1965 , Cour de Paris , JCP , 1965 , II , 14274
( 2 ) 45 ; Contin , R , L'arrët Freuhauf et l'évolution du droit des sociétés , J C P , 1968 , chronique
.CA Paris , 22 mai 1965 , JCP 1965 , I I , n° 14274 bis , conclusion. Nepveu.
القضائية التي تؤكد الأخذ بمفهوم المنفعة الجماعية حينما تناولت تجاوزات سلطة الإدارة وإساءة استعمال أموال الشركة وسمعتها ( 1 ) ، حينما اعتبر بأن بعض الجرائم المتصلة بإدارة الشركة تستكمل أركانها في تصرف الإدارة عندما تكون مخالفة للمنفعة الجماعية في الشركة ، وهو ما جاءت به نصوص الفقرتين3 ، 4 من المادة 437 من قانون 24 تموز 1966 وأسس بموجبها المشرع أركان جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة وسمعتها .. وقدمت هذه السوابق القضائية الإمكانيات القانونية للأقلية في المشروع ممارسة حقها في إمكانية إقامة الدعوى والطعن في قرارات الأغلبية عندما يتبين لها بأنها تشكل نوعا من تعسف تصرف الأغلبية من الشركاء Abus de majorité . وفي الحكم الصادر عن محكمة النقض - جنايات أكدت المحكمة بأن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة لن يكن الغرض منها منفعة المساهمين وإنما لحماية الذمة المالية لأجل منفعة الشركة ذاتها والغير ( 2) . وقد أصدرت بهذا الخصوص محكمة النقض في 11 أكتوبر 1967 حكمها معتبرة بأن قرارات الأغلبية قد اتخذت دون أي اعتبار لمنفعة الشركة ولكن فقط لغرض تفضيل منفعة أحد الشركاء أو مجموعة من الشركاء الأغلبية على حساب منفعة الشركاء الأقلية ، ومن آثار هذه الأحكام القضائية إنها تؤدي إلى إلغاء قرارات الأغلبية مازالت تتعارض مع المنفعة الجماعية للمشروع أو تعريضها للضرر .
كما أصدرت حديثا محكمة REIMS حكمها في 24 نيسان 1989 الذي يتضمن طرد أحد الشركاء وتغليبها منفعة الشخص المعنوي للمشروع . لقد اعتبرت بأن الشركة هيئة جماعية تتجاوز رغبات الأفراد فيها . وإن الأخذ بالاعتبار منفعة الشخص المعنوي يتضمن ، كما ترى المحكمة ، بأن حق الشركاء كجزء من الشركة ليس هو مما لا يمكن التعرض إليه ( 3 ) . وهذا الحل يؤكد بدون شك أولوية حماية المشروع على حساب مصلحة الشريك مهما كان وضعه المالي والقانوني في هذا المشروع . وهو صحيح كما قال أحد الفقهاء بأن " زوال وحدة اقتصادية وفرص العمل المتصلة بها ، لمجرد أن أحد الشركاء سوف لا ينسجم مع الآخرين ، لا يكون مقبولا اقتصاديا ولا اجتماعيا " ( 4 ) .وهو يؤكد من جانب آخر القاعدة الفقهية التي تقضي بأن التمتع بالحق يتوقف عندما يبدأ التعسف في استعماله ( 5 ) .
( 1 ) Cass. Crim. 22 avril 1992 : Rev. soc. Avril 1993 , p. 124 note B. Bouloc
( 2 ) Cass. Crim. 5 nov. 1963, D. 1964 jur., p. 52 ; et autres arrêts cités par A. Deckeuwer
: Les intérêts protégés en cas d'abus de biens sociaux , JCP éd. E. 1995 , I , n° 500 .
( 3 ) Reims 24 avril 1989 , Petites affiches, 31 mai 1991 , note 5 Majerowicz.
( 4 ) Daigre J.-J , De l'exclusion d'un associé ….., Bull. Joly 1996 , p. 576 .
( 5 )générale de l’abus de droit , édition Dalloz 1928 . JOSSERAND L. : Théorie

المبحث الثاني : مضمون السلطات الادارية في المشروع

الفرع الاول: ضوابط سلطات الإدارة

Le gouvernement يرجح فقه المشروع حديثا تسمية هيئة سلطات الإدارة بأنها حكومة المشروع
( 1 ) . وهذا المفهوم الجديد له ما يبرره في نطاق تطور نشاط المشروعات وتنوعها . وأول ما ينبغي على أجهزة الإدارة هو تنظيم سلطاتها لكي تتمكن بعد ذلك من تنفيذ التزاماتها وأداء واجباتها بما يخدم منفعة المشروع . وعلى خلاف ذلك يترتب عليها ليس فقط المسئولية المدنية لاصلاح الضرر الذي يتعرض إليه الغير أو المشروع بشخصه المعنوي , وإنما قد يترتب على سلطة الإدارة المسئولية الجزائية . وقبل التطرق إلى أحكام هذه السلطات وحدود واجباتها لابد من التعرف على طبيعة العلاقة القانونية التي تحكم أعضاء سلطة الإدارة لأداء واجباتها في خدمة منفعة الشخص المعنوي للمشروع .

أ- طبيعة العلاقة القانونية :

يرى بعض الفقهاء بأن الرابطة التي تجمع الشركاء مع المدراء في المشروع ، مؤسسة أو شركة ، أساسها عقد وكالة contrat de mandat .حيث يتم تعيين أعضاء مجلس الإدارة أو ينتخبهم الشركاء أو المساهمون ( 2 ) . فإذا كان المدير وكيلا عن الشركة ، عندها تنطبق في شأنه قواعد الوكالة . وإن طبيعة المبادلات و المعاملات التجارية التي يتصف بها نشاط المشروع تفرض تبعا لذلك على حكومة المشروع في أدائها لسلطاتها الإدارية تحديث وزيادة الآليات المناسبة التي تتصل بممارسة هذا العقد . ولاشك إن هذه الفكرة في تكييف علاقة المدير مع المشروع ، شركة أو مؤسسة ، مفادها النظرة التقليدية القائمة على الطبيعة العقدية contractuelle للشركة التي تحكم قواعدها أعضاء هيئة الإدارة وتقييدها مع مصلحة المساهمين أو الشركاء . وإذا كان بالإمكان القبول بهذا الموقف عندما يكون المدير غير شريك ، فمن غير الجائز القول بأن المدير الشريك هو مجرد وكيل ، لأنه في الواقع عضو في جسم المشروع وكان عنصرا جوهريا في تأسيسه فلا يمكن اعتباره طارئا على حياة المشروع .
( 1 ), Alain COURET Le gouvernement d’entreprise , la corporate governance Dalloz Sirey. 1995 . P.163 O. PASTRE , Le gouvernement d'entreprise - questions de méthodes et enjeux
théoriques ,Rev. éco .fin.1994 n° 31 , p. 16
Daigre J.-J : Le gouvernement d’entreprise : feu de paille ou mouvement de fond ? , Dr et patrimoine , jull-août 1996, p.24 ( 2 ) p.165. COURET A. : Le gouvernement d' entreprise ,Dalloz Sirey 1995,
د. طعمة الشمري : قانون الشركات التجارية الكويتي ، طبعة ثانية 1987م، ص85 .
د. اكرم باملكي . الوجيز في شرح القانون التجاري . الجزء الثاني . في الشركات التجارية 1972..

أما الرأي الراجح من الفقهاء ، فإنه يرى بان واجبات مجلس الإدارة ورئيسها وكافة المدراء في المشروع ذات طبيعة وظيفية Fonction1nelle (1 ) تستند على المفهوم التنظيمي القانوني Institutionnelle للمشروع الذي يتطلب مجموعة من الوسائل القانونية والمادية والبشرية لممارسة نشاطه على النحو الصحيح . وطبقا لذلك ، يعتبر المدير ممثلا للشخص المعنوي للمشروع لا وكيلا عنه.
وإذا كان المدير شريكا أو غير شريك فإنه عضو في جسم هذا المشروع ، وإن تصرفاته الإدارية المتصلة بنشاط المشروع وإن كانت تعبر في حقيقة الأمر عن إرادته هو إلا إنها تعبر في ذات الوقت عن إرادة الشخص المعنوي للمشروع ولأنه لا يعبر عن إرادة موكل معين ذي أهلية و قدرة على التعبير ( 2 ) . ولهذا السبب ، فإن الصلاحيات ينبغي أن لا تمنح لسلطات الإدارة إلا ما يصب في نشاط المشروع وتأمين هذا النشاط وضمان منافع كافة الأطراف المستفيدة منه .
ولقد تبنى هذه القاعدة القانون الفرنسي رقم 24 لسنة 1966عند تحديد السلطات القانونية لأعضاء إدارة الشركة ولن يسمح المشرع بعد ذلك اعتبار هذه السلطات قائمة على مبدأ التوكيل Le mandat لأنه لا يمكن الاستناد على هذا المبدأ لاستكمال عناصر الجريمة قبل سلطات الإدارة وما يترتب عليها من عقوبات عند انتهاكها الغرض أو منفعة المشروع ( 3 ) .
و يذهب بعض الفقهاء العرب مع هذا الرأي حيث يرى أن الطبيعة الوظيفية لسلطة الإدارة قائمة على كون أن علاقتهم تتصل مع المشروع باعتباره منظمة اقتصادية . فهي اقرب إلى عقد عمل من عقد الوكالة . انظر ، موفق حسن رضا ، قانون الشركات ، منشورات مركز البحوث القانونية ، بغداد 1985 ، ص ، 142 وما يليها .
( 1) PAILLUSSEAU J . , La société ….., éd. Sirey , Paris , p. 165 .
انظر أيضا ، د.عزيز العقيلي ،الموجز في شرح قانون التجارة الكويتي ،مكتبة المنهل - الكويت،فقرة 126 ، ص 142.
( 2 ) انظر د. علي البارودي ، القانون التجاري اللبناني ، ص. 286 .
( 3 ) PAILLUSSEAU J . , La société ….., éd. Sirey , Paris , p. 189
، انظر نص المادة 425 و المادة 437 من قانون الشركات الفرنسي رقم 24 لسنة 1966

ب- تنظيم السلطات في المشروع l’organisation du pouvoir

لا يمكن للمشروع أن يمارس نشاطه دون أن يتمتع بقواعد قانونية تمنحه القدرة والصلاحيات اللازمة لتحقيق الغرض الرئيسي لنشأته وحماية المنفعة الجماعية المتصلة بنشاطه . أما كفاءة عمل سلطة المشروع فإنها تعتمد بالأساس على التقييم الاقتصادي الصحيح لحالة السوق المحلية و الدولية التي تدخل في النشاطات ذات الأهمية للمشروع . وهذا يتطلب من سلطة الإدارة أن تمارس اختصاصات وصلاحيات تامة لاتخاذ القرارات التي تصب لخدمة غرض المشروع وسبب نشوئه وحماية المصالح ذات العلاقة في ديمومة ورخاء المشروع . ولكن كيف يتمتع المشروع بقواعد هذه السلطات دون منحه نظاما قانونيا يعمل بموجبه ؟
إن النظام القانوني الذي يحكم وظيفة المشروع ويرسم حدود نشاطه هو الذي يعطي سندا شرعيا لممارسة السلطات اللازمة لإنجازها. كما إن طبيعة هذه السلطات وحدودها تجد أحكامها في إطار ما تقدمه قواعد هذا التركيب القانوني من ضوابط ضرورية تتجاوب مع حاجة المشروع لمثل هذا التنظيم للسلطات الإدارية في أجهزتها المختلفة . من ناحية أخرى ، يفرض مبدأ القانون من اجل ذلك خلق بنية قانونية خاصة statut juridique وترتيب لهياكل سلطة الإدارة . وهذا يعني أيجاد عدد من الأجهزة الوظيفية المتخصصة تمارس نشاطها ، وان ما ينتج عن الدور الذي تقوم بها يحكم بالتالي حياة ومستقبل المشروع وتوزيع ونقل السلطات بين الأجهزة وضبط الحسابات وتوفير المعلومات وإدارة أعماله وتطوير خطط استثماراته المستقبلية ، كذلك إدارة أشخاص المشروع بشكل عام ، ومراقبة الذمة المالية وما يترتب لها وما عليها من التزامات مالية ..الخ . ومن القواعد المهمة هي تلك التي تحكم وتقرر الصلاحيات التي يتمتع بها مجلس الإدارة ورئيسها وكافة المدراء فيها وما ينتج عنها من مسئوليات إدارية ومدنية وأحيانا جنائية عند تجاوز هذه السلطات .
أن توزيع السلطات في المشروع يعني بالضرورة تحديد صلاحيات كل من هذه الأجهزة ومعرفة موقعها في وظيفة المشروع ، وتحدد أيضا نوع العلاقات التي تنشأ بينها وتنسيقها بالشكل الضروري . كل ذلك يهدف إلى تنسيق الوظيفة العامة للمشروع وكافة أعضائها لان هذه الأجهزة وان كانت منفصلة شكليا ومتخصصة موضوعيا في وظيفتها ، إلا أنها تلتقي جميعا في تحقيق الغرض الرئيسي لنشوء المشروع l’objet social وتسعى لخدمة هذا الهدف لضمان المنفعة الجماعية فيه l’intérët social . إن الاهتمام بتنظيم سلطة المشروع من خلال قواعد قانونية تحكمه ما هو في الواقع إلا نوعا من وسائل الوقاية وتجنب الأزمات والصعوبات المالية أو الإدارية أو النزاعات القانونية التي قد تطرأ في سير نشاطه . ولا شك بان وظيفة المشروع نجدها تتأثر دائما بكل ما يحيط بها من تطورات اقتصادية أو تشريعية وغيرها . ومن الثابت بأنه مهما اتسعت دائرة قواعد القانون التي تحكم المشروع فان هذه القواعد سوف لا تقدم حلا لجميع ما قد ينتج عن نشاطه . وهذا الافتراض يتأكد عندما يرتبط المشروع في علاقات عقدية ذات طابع دولي وما تتطلبه مثل هذه العقود من إجراءات مالية أو قضائية عند النزاع أو إدارية ترتبط بموافقة السلطات العامة لتنفيذ التزاماتها كتحويل العملات الأجنبية وتنفيذ إجراءات التصدير والاستيراد وغيرها .
ومن أهم الاعتبارات التي تحضر أمام ممارسة سلطات المشروع هي الحفاظ على المنفعة العامة للمشروع l’intérët général . ومفهوم هذه المنفعة يتطلب في واقع الأمر التوسع كثيرا في حدود اختصاصات مجلس الإدارة وسلطاته لتحقيق أهداف أخرى متنوعة تخرج عن الإطار التقليدي لنشاط سلطة الإدارة . والمنفعة العامة تأخذ بعدا واسعا في التنظيم القانوني لهذه السلطات .
لابد إذن أن يكون القانون الذي يستند إليه وجود المشروع هو الذي يحدد اختصاصات وسلطات الأجهزة المتنوعة فيها ويحدد مسئولية قيادات الإدارة ، المدير العام ومجلس الإدارة ووكلاء الإدارة ممن تكن تصرفاتهم ذات اثر مباشر على ديمومة المشروع عند تطوره ورخائه أو في حالة أزماته المالية التي قد تقود إلى إفلاسه وانتهاء حياته .
لقد ذكرنا سابقا بأن المشروع ،خاصا كان أو عاما ،قد يأخذ نظام الشركة أو المؤسسة . وعند ذلك فإن طبيعة وظيفة المشروع وصلاحيات الإدارة فيها يقررها نوع نظام الشركة أو المؤسسة الذي يتبناه . وما يهمنا في هذا البحث هو إن النظام القانوني الذي يحكم المشروع سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص يأخذ غالبا النظام القانوني للشركات التجارية ، ويخضع عند ذلك لأحكام نوع من أنواع الشركات الذي من خلاله يتقرر حجم المشروع ونوع النشاط فيه . إذن يصبح نظام الشركات التجارية هو المصدر القانوني لوظيفة ونشاط المشروع . وقانون الشركة الذي يتبناه المشروع هو الذي ينظم بالضرورة الاختصاصات والسلطات الإدارية في داخله بما يضمن مستلزمات التمتع بها و ممارستها في كافة جوانبها التي تطرقنا إليها أعلاه .
ولاحتمال ممارسة هذه السلطات بشكل مغاير لمنفعة المشروع ، فان قانون الشركات بدأ يميل اكثر فأكثر لتوفير وسائل الحماية الفنية أو القانونية لهذه المنفعة من خلال بعض الضوابط التي تهدف وضع إجراءات وقواعد تحكم بعض التصرفات و معاقبة البعض الآخر منها ( 1` ( ، أو إلزام مجلس الإدارة لممارسة سلطاته بأسلوب صحيح من خلال إيجاد أجهزة رقابة تحقق وتتابع ما تقوم به من تصرفات .
( 1) -انظر المادة 148 والمادة151 - شركات كويتي رقم 15 لسنة 1960 .
ومن ناحية أخرى يحتوي نظام الشركة على مجموعة ليست قليلة من القواعد تهدف إلى معاقبة أعضاء مجلس الإدارة أو رئيس المجلس المدير العام عند محاولة البحث عن استغلال سلطاتهم بالتعاقد وإبرام الاتفاقيات من اجل تحقيق فوائد ومصالح شخصية تضر بالذمة المالية للمشروع (1) . هذه القواعد القانونية وغيرها التي يقدمها لنا نظام الشركة تنهي حالة الفراغ الناتج عن عدم منح المشروع نظاما قانونيا خاصا يستند إليه ويحتمي به . ولاشك أن من أهم وسائل الحماية القانونية للمشروع هي حماية المنفعة الجماعية المشتركة تلك التي على سلطات الإدارة التقيد بتحقيقها .

الفرع الثاني: حماية منفعة المشروع

1- تجهيز المعلومات المالية والقانونية :

لغرض حماية المنفعة العامة للمشروع ينبغي على الإدارة تزويد كافة الأطراف المعنية المعلومات والبيانات المالية والقانونية المتصلة بنشاطه .ولا شك أن واجب الإدارة هذا يقع ضمن أولويات دائرة اختصاصها . ومن ناحية أخرى فان التزام الإدارة بالحرص على كشف الوضع المالي للمشروع وحجم التزاماته العقدية يؤكد صحة البيانات الأخرى ذات الصلة بوضعه الاقتصادي ، ويقدم الصورة الحقيقة لمستقبل استثماراته .أن هذه القاعدة التي تحكم عمل ونشاط سلطة الإدارة تجعل الأطراف ذات العلاقة بوجود المشروع كالدائنين والموردين والدولة والمصارف وحاملي الأسهم والسندات في الشركات على علم بمقدار الاعتماد الذي يتمتع به لضمان حقوقهم والاستمرار في المساهمة في خططه الاستثمارية ودعمها .
ومن المعلوم أيضا بان أهم هذه البيانات تستهدف التقييم الصحيح لموجودات المشروع l’actif لأنها تعبر عن مقدار الذمة المالية الفعلية التي يتمتع بها والكفيلة بضمان حقوق الآخرين .وأهمية ذلك تبدو واضحة في نظام المشروعات التي تأخذ شكل شركة تجارية حيث أن في بعض أنواع الشركات تتحدد مسئولية المؤسسين لها بمقدار ما يتم تقديمه من اسهم لتكوين رأسمال الشركة . ونتيجة لذلك فانه لا يبقى للغير من حق التتبع لضمان حقوقهم إلا على الذمة المالية للمشروع ذاتها ولا تمتد إلى الأموال الخاصة للشركاء المؤسسين (2).
( 1 ) انظر المادة 151 - شركات كويتي رقم 15 لسنة 1960 .
( 2 ) هذا هو مبدأ انفصال الذمة المالية للشركاء في الشركة المساهمة أو الشركة ذات المسئولية المحددة وكذلك شركة الشخص الواحد في القانون الفرنسي ، حيث يكون المساهمين مسئولين عن ديون
الشركة بمقدار القيمة الاسمية للأسهم التي اكتتبوا بها .
لا شك أن كافة القوانين الخاصة بالشركات تحتوي على نصوص صارمة تستهدف التقييم الفعلي والحقيقي لقيمة موجودات المشروع من خلال محتوى الميزانية السنوية أو التقرير السنوي الذي يتقدم به مجلس الإدارة إلى الهيئة العامة للمشروع ، وتشكل هذه الإجراءات الواجبات الأساسية التي تقع على عاتق سلطة الإدارة . كما إن مسئولية سلطة الإدارة في كشف كل ما يتعلق بالوضع المالي للمشروع يعتبر من جانب آخر وسيلة لحماية هذه الموجودات . ولذلك ينبغي أن يتم تقييمها بشكل حقيقي ودقيق . يجب إذن معرفة احتياطي رأس المال ونسبة الاندثار لممتلكاتها ومقدار القروض وعائداتها ومقدار ما تحقق من فائض حقيقي في قيمة استثماراتها السنوية والأرباح الناتجة عنها )1 ( .
إن تقييم الذمة المالية للمشروع لا يتوقف عند البيانات الإيجابية التي يتمتع بها ، إنما ينبغي معرفة مقدار ما
ترتب على نشاطه من التزامات مالية لصالح الغير ، فيجب على سلطة الإدارة الكشف بدقة عن المستحقات لهذه الذمة le passif نتيجة ما ترتب على المشروع من حقوق والتزامات مالية كالديون والنفقات التي خصصت ووضعت في نطاق ضرورة الاستثمار الفعلي له. ولابد أن تكون هذه المعلومات موثقة وصحيحة ودقيقة لا تقبل الشك والغموض . كما يجب أن لا تخرج النفقات عن دائرة الأغراض الرئيسية التي نشأ المشروع من اجلها . فيجب أن تكون كافة النفقات شرعية ، وان لا تحوي على قوائم وهمية أو مبالغ فيها ،أو دفع مرتبات لأشخاص لا وجود فعلي لهم في المشروع ، أو منح القروض لتحقيق منافع شخصية على حساب المنفعة الجماعية أو غير ذلك من التصرفات التي ترهق ميزانية المشروع بنفقات باهظة لا صلة لها بمستلزمات نشاطها . ويعتبر القضاء الفرنسي بأن كافة الجرائم التي يمكن أن تتعرض إليها سلطة الإدارة حصل قيامها ليس من اجل منفعة الشركاء أو المؤسسين وإنما الغرض منها هو حماية الذمة المالية للمشروع ذاتها وكذلك لحماية حقوق الآخرين (2) وموقف القضاء هذا يتطابق كليا مع ما جاءت به المادة 437 من قانون 24 تموز 1966 الذي يعتبر حماية المنفعة الجماعية في المشروع هو الذي يضفي الشرعية لسلطة الإدارة لممارسة نشاطها .
( 1 ) انظر التقرير السنوي لرئيس لجنة عمليات البورصة الفرنسية :
COB 1994 P. V , in Revue d’économie Financière , 1994 . إ نظر المبدأ القانوني في نص المادة 157 من قانون الشركات الكويتي لسنة 1960 .
( 2 ) محكمة مونبلية في 7 كانون ثاني 1980 Montpellier , 7 janvier 1980 , G . P , 7 juin 1980 -
كما فرض المشرع الفرنسي ،بموجب المادة 101 والمادة 143 من قانون 1966 ،على مراقب الحسابات في وقت انعقاد الهيئة العامة السنوية العادية تقديم التقارير الخاصة بالاتفاقيات التي أبرمها أعضاء الإدارة في الشركة المساهمة مع شركتهم ، في الحالات التالية :
1- الاتفاقيات التي يجريها أعضاء الإدارة مع الشركة من خلال شخص أخر .
2- الاتفاقيات التي يقوم بها مع مشروع يكونوا مالكين فيها أو مساهمين ولكن مسئوليتهم غير محدده ، أو يقومون فيها بوظيفة إدارية أو استشارية أو رقابية .
إن حماية الغير والدائنين من قرارات سلطة الإدارة تتمتع الآن ليس فقط باهتمام المشرع الداخلي ، فلقد أصدرت المجموعة الاقتصادية الأوربية توجيهاتها لأعضائها من الدول تقضي بتنسيق قواعد قانون الشركات لضمان حقوق المتعاقد حسن النية مع شركات الأموال الخاصة ( 1 ) . فدائما ما يخشى المتعاقدين أن تتعرض عقودهم إلى البطلان بسبب تجاوز سلطة الإدارة بالتعاقد خارج حدود أغراض الشركة أو تجاوزهم لحدود صلاحياتهم ، فان إصدار قراراتهم في مثل هذه الحالة تعتبر باطلة و ملغية .
ولغرض حماية الغير حسن النية كان على المجموعة الاقتصادية الأوربية وتبعتها كذلك القوانين الداخلية الخاصة بأعضائها اعتماد المبدأ الذي يقضي باعتبار العقود المبرمة من قبل المدراء في الشركة صحيحة ونافذة لصالح الغير حتى وان كانت تعتبر أجنبية على الغرض الرئيسي للشركة . كما انه لا يعتد بالطعن بحجة تجاوز حدود صلاحيات سلطة الإدارة . بالإضافة لذلك اعتمد المشرع الفرنسي موقفا متميزا وهو تزويد العاملين في المشروع بكافة المعلومات التي أشرنا أليها أعلاه من خلال نظام لجنة المشروع .

2- دور لجنة المشروع Le comité d'entreprise

تقوم لجنة المشروع بدور مهم في رقابة نشاط سلطة الإدارة ( 2 ) . وهذه اللجنة عبارة عن هيئة تضم في عضويتها ممثلين عن جميع شرائح العاملين في المشروع من عمال وفنيين كوادر ومهندسين وإداريين أو تجار ويرأس هذه اللجنة رئيس المشروع أو من ينوب عنه .
( 1 ) Première directive 68 - 151 CEE du 9 mars 1986
( 2 ) هناك أيضا لجنة المشروعات الأوربية تتدخل لحماية مصالح الأطراف في المشروع عندما تتجاوز مصالح اكثر من دولة أوربية ضمن المجموعة الاقتصادية . فلقد أصدرت محكمة Nanterre مؤخرا قرارا في 4 نيسان 1997 يقضي بمنع شركة Renault متابعة إجراءات غلق مصنعها في مدينة Vilvorde البلجيكية لغاية أن يتم أعلام واستشارة لجنة المشروعات في المفوضية الأوربية في بروكسل .
لقد اهتم المشرع الفرنسي بوجود مثل هذه اللجنة في المشروعات الصناعية أو التجارية ذات الحجم الواسع التي تضم كل منها على الأقل خمسين شخصا من العاملين . وغرض المشرع من ذلك هو من اجل تأمين توازن المصالح في المشروع وضمان حقوق العاملين فيها ( 1).
ولمعرفة أهمية واجبات لجنة المشروع والدور الذي تقوم به لابد من الإطلاع على مضمون المادة L 432 - 4 من قانون العمل الفرنسي وما يليها . ونحن هنا لا نتطرق بالتفصيل لدراسة كل ما يتعلق بنظام وعمل لجنة المشروع ، إلا أنه من المهم معرفة أهمية دور هذه اللجنة في تقييد سلطات الإدارة لحماية منفعة المشروع . تنص المادة أعلاه على أن واجبات هذه اللجنة : أولا ذات هدف اقتصادي ، وثانيا إنها تمارس اختصاصها باعتبارها لجنة استشارية . ولو لاحظنا مستوى القرارات ونوعها التي تتخذها سلطة الإدارة والتي تسمح بنفس الوقت للجنة المشروع شرعية التدخل في الإطلاع عليها بشكل نظامي وتقيم آثارها ، يمكن الاستنتاج أن هذه اللجنة تشكل وسيلة رقابة فعاله ومؤثرة على أعمال سلطة الإدارة لا يمكن تجاهلها . فمثلا تنص المادة L 432 - 4 في شطرها الثالث ( 2) بأن لجنة المشروع يجب أعلامها واستشارتها فيما يتعلق بالمسائل التالية :-
- تنظيم هيكل المشروع - إدارة أعمال المشروع - حالة السوق العامة للمشروع .
ومن المؤكد بأن مثل هذه المهمات تشكل أهم الضوابط الأساسية لممارسة سلطة الإدارة لواجباتها . وهي التي تقرر نوع تصرفاتها وإصدار قراراتها بما يتفق مع مستلزمات الظروف المحيطة بنشاط المشروع والمنفعة التي يجب أن تحققها له . وبعد ذلك لا يمكن إهمال الدور الذي تمارسه لجنة المشروع . أما شرعية تدخلها في تقييم هذه المهمات الأساسية في عمل الإدارة فنرى إن ذلك يجعل منها هيئة رقابة مؤثرة
( 1 ) لاشك إن حق تزويد العاملين في المشروع بالمعلومات ازداد بشكل ملحوظ في قانون 1 مارس 1984 وكذلك قانون 25يناير 1985 التي تحكم حالة المشروع في مأزق L’entreprise en dificulté . JCP , 1984, III 55371 ; JCP 1985 , III, 56711 ) )
( 2 ) اعتبر القضاء حتى بعد صدور قانون 18 أكتوبر 1982 إن عدم أعلام واستشارة لجنة المشروع في حالة نقل السلطات من مشروع إلى آخر يمكن أن ينشأ جريمة إعاقة وظيفة اللجنة cass.crim, 10 nov , 1981 . D , 1982 .J. R. P. 161 , Lyon , 3 nov 1981 , Dalloz 1982 ,P 345
في رسم سياسة نشاط المشروع الاقتصادية والمالية والاجتماعية حيث لا يجري أي تغيير جوهري في هذه المحاور الثلاث إلا بعد أن تطلع اللجنة على محتواه وتدرس آثاره على مستقبل المشروع بهدف ضمان حقوق أطراف المنفعة الجماعية والدفاع عنها وخاصة منفعة العاملين في المشروع .
ويمكن القول بأن استشارة اللجنة هي في حقيقتها من الواجبات المهمة وليست مجرد تزويدها بالمعلومات لأنه يفرض على مدير المشروع أخذ رأيها بجدية. مع ذلك إن هذا الواقع لا يعتبر نوع من أنواع الإدارة المشتركة ، حيث يبقى المدير مستقلا في قراره . ولكن على رئيس المشروع تزويد اللجنة في فترات منتظمة بالتقارير والمعلومات التي يفرضها القانون . وتبرز أهمية ذلك خاصة في شركة الأسهم حيث يجب تبليغ اللجنة بالمعلومات اللازمة كما هو الحال في حق المساهمين فيها ( 1 ) . وقد تكون هذه القاعدة منطقية لأن منفعة العاملين في المشروع ذات اثر جوهري لضمان مورد حياتهم ، فهي اكثر أهمية من منفعة المساهمين لعدم اعتماد هؤلاء في دخلهم على ما يحققه فقط هذا المشروع من أرباح .
إن حق العاملين في المشروع بالحصول على المعلومات واستشارتهم بدأ يتزايد اكثر فاكثر في قانون الشركات من خلال بعض الوقائع القانونية. حيث وضع المشرع الفرنسي الآليات اللازمة التي تسهل لهم حيازة الأسهم في المشروع . ونذكر منها مثلا نظام الادخار بالمساهمة الذي يمكن تسميته ( مساهمة العاملين des salariés L’actionnariat ( 2 ) أي بحيازة العاملين على قدر من الأسهم في المشروع يتم دفع قيمتها من مبلغ المنح المقررة لهم والتي تحسب على أساس ما حققه المشروع من أرباح أو وضع اقتصادي جيد عند غلق الحساب السنوي لفعالياتها . ثم هنالك حالة توزيع اسهم مجانا على العاملين اقرها قانون 24 octobre 1980 . وبموجبه تتمكن الشركة التي يكون وضعا المالي جيدا من توزيع عدد من الأسهم على العاملين بدون مقابل بحدود ثلاثة بالمائة من راس المال ( 3 ) . ويمكن أن نذكر أيضا حيازة الأسهم من قبل العاملين عند خصخصة الشركات . حيث يتم حجز عشرة بالمائة من أسهم الشركة التي تطرحها الدولة للبيع لصالح العاملين . وهو ما يسمح لهم شراء هذه الأسهم بسعر اقل بمقدار عشرون بالمائة من السعر المطروح للبيع . ولا شك أن هذا الوضع الجديد للعاملين سيسمح لهم الحضور كشركاء في مجلس الإدارة وهو ما يريده المشرع الفرنسي بهدف تحقيق التوازن في السلطات الإدارية داخل المشروع .
( 1 ) A. Brunet et M. Germain , L'information des actionnaires et du comité d'entreprise dans les sociétés anonymes depuis les lois du 28 octobre 1982 , du 1er mars 1984 et du 25 janvier 1985 : Rev. Soc. 1985 1 .
( 2 ) انظر Ordenance 21 octobre 1986 , article 22 .
C. Freryia , Réflexion sur le plan d'epargne d'entreprise : Mélange Derruppé , p. 205.
( 3 ) Y. Guyon , Droit des affaires : Tome1, 10e éd.Economica , p. 418 et s. ُُ
من ناحية أخرى تنص لمادة L. 432 - 4 من قانون العمل الفرنسي بأنه ينبغي تبليغ لجنة المشروع بالمعلومات الحسابية وما يخص خطط إبرام عقودا و صفقات معروضة على الجمعية العامة . ولها الحق في استدعاء مفوض الحسابات والطلب منه بتقديم بعض الإيضاحات . ومن الممكن أن يساعده في ذلك خبير حسابات يتمتع بسلطات تحقيق واسعة (1 ) و تتحمل الشركة ذاتها دفع أجره . كما ينبغي من جانب آخر إعلام واستشارة لجنة المشروع في حالة وجود مخطط لتنازل سلطات الإدارة لصالح رقابة إدارة مشروع آخر Cession de contrôle ( 2 ) بسبب بيع المشروع أو اندماجه مع مشروع آخر .
قدم كذلك قانون 1 مارس 1984 قاعدة جديدة ذهبت إلى تعزيز حق تزويد لجنة المشروع بالمعلومات في حالة تعرض المشروع لازمة من الأزمات الاقتصادية. حيث بموجب هذه القاعدة تكون اللجنة قادرة في كشف حالة عجز سلطات الإدارة أو عدم انتظام أدائها واجباتها في مواجهة هذه الأزمة. عندها يحق للجنة المشروع الطلب من القضاء بتعيين خبير لهذا الغرض حينما تشك بخطورة النتائج المتوقعة بسبب الإدارة السيئة للشركة. وبهذه الوسيلة فإنها ترغب أن يقدم لها الخبير معلومات اكثر إيضاحا و تحديدا لبيان الحقيقة. وتتمكن اللجنة أيضا أن تنذر بخطورة الوضع الاقتصادي للمشروع وما ينبغي اتخاذه من إجراءات لمواجهة هذه الحالة . ولا يحق لها إجراء ذلك ألا عندما تمتلك بعض المعلومات الواقعية ذات طبيعة تنذر بكارثة تهدد الحالة الاقتصادية لمستقبل المشروع ( 3 ) .
من كل ما تقدم ، يبدو أن لجنة المشروع يمكن أن تؤدي من جانب دور الرقيب على تصرفات سلطات الإدارة في المشروع التي يجب حسابها وخاصة بعد أن أصبحت العلاقة بين العاملين والمشروع ليس فقط مجرد كونها علاقة عمل و إنما تجاوزت ذلك عند حيازتهم على قدر من الأسهم في المشروع وان كان حجمه متواضعا. وإنها من جانب آخر تساهم بشكل غير مباشر في تصحيح العمل الإداري لصالح المشروع مما يؤدي إلى توفير عوامل ديمومة رخائه وتحاول بان يتمتع بقدر من التوازن في توفير الضمان لكافة أطراف المنفعة الجماعية . وهذا ما رغب إليه المشرع فعلا بعد أن تم توفير الآليات القانونية اللازمة لها. ورغم ذلك هنالك بعض المخاطر التي قد تنتج عن عمل لجنة المشروع وهي ما يتعلق بسرية ما يجري التداول حوله مع سلطات الإدارة في مواضيع جوهرية تخص وضع المشروع المالي والتجاري . فكثير من المواضيع التي تطلع عليها لجنة المشروع قد تعرض حالة الائتمان التي يتمتع بها لدى الدائنين
( 1 ) Cassation , chambre sociale , 29 octobre 1987 : JCP , 1988 , II , 20990, note M. Girault .
( 2) انظر المادة L. 432 - 1 من قانون العمل الفرنسي .
( 3 ) انظر مواد قانون العمل الفرنسي : Art. L. 226 ; Art. L. 232 - 5 . : Code du Travail
والغير ممن لهم مصالح مشتركة مع نشاط المشروع . و آثار ذلك قد تكون مباشرة على قيمة اسهم شركات الأموال في سوق البورصة . فكيف نتصور أن لا تتسرب المعلومات إذا علمنا إن أعضاء لجنة المشروع يمثلون في الغالب شريحة أو مجموعة من العاملين في المشروع وإن من واجباتهم إعلام هؤلاء بحقيقة وآثار ما جرى التداول عليه في مجلس إدارة الشركة أو المؤسسة . ورغم هذا الافتراض ، فقد يكون ضروريا للسوق التجارية والمالية بيان حقيقة الوضع العام للمشروع . وهو يخلق من جانب آخر عامل ضغط في أن تؤدي سلطات الإدارة واجباتها على نحو ينسجم مع التزاماتها في إدارة المشروع .

الفرع الثاني :أحكام مسؤولية سلطات الإدارة في المشروع

لقد اهتم المشرع منذ بداية هذا القرن بإيجاد عقوبات خاصة لأعمال الإدارة في الشركات ، تتميز عن تلك التي وردت في قانون العقوبات العام كجرائم النصب والاحتيال والتزوير والرشوة وخيانة الأمانة . وعند متابعة النصوص التشريعية ذات العلاقة بالشركات نلاحظ وجود تطور كبير يميل إلي تشديد نوع العقوبات التي تتعرض لها سلطة الإدارة عند ارتكابها التجاوزات التي تضر بنشاط المشروع ومصيره . وهذه العقوبات لا تتوقف فقط بدفع التعويضات لإصلاح الضرر ، وإنما فرضت المسئولية العقابية في كثير منها بجانب المسئولية المدنية .فلقد أدرك المشرع بأن نظام الحد من تصرفات الإدارة الخاطئة ، أو مجرد إزالة التعسف في استعمال سلطة الأغلبية ، ليس حلا كافيا ورادعا لمعاقبة ظواهر الاحتيال أو ارتكاب الأخطاء الجسيمة من قبل هيئات الإدارة عندما تتعمد في تصرفها لغرض تحقيق المنافع الشخصية أو تغليب منفعة طرف من أطراف المنفعة الجماعية على حساب منفعة بقية الأطراف الأخرى . وإن مثل هذه الظواهر بدأت تتزايد بتطور حجم الاستثمارات الاقتصادية والتجارية وتنوعها وتعقدها وتزايد عدد المشروعات وتنوع طبيعة نشاطاتها .

اولا: المسئولية الجزائية لسلطات الإدارة

لا تنشأ المسئولية العقابية إلا عندما يتوفر فيها ركنين أساسين هما الركن المادي والركن المعنوي .
وغالبا ما نجد توفر هذين العنصرين في المخالفات التي ترتكبها سلطة الإدارة عند اتخاذها القرارات المالية او الادارية في سياق اعمالها . رغم ذلك نلاحظ كثير من الجرائم التي ممكن أن تنسب إلى الإدارة في المشروع ، شركة أو مؤسسة ، حتى وان كانت الافعال الصادرة تتمتع بركن واحد فقط هو الركن المادي . ويعود سبب ذلك إلى طبيعة المسئولية العقابية في الشركات لأنها تتصل بشكل دقيق ووثيق مع التنظيم الخاص بالشركة وكيفية أداء الوظيفة فيها ، بالشكل الذي يفرض
على سلطة الإدارة أن تمارس نشاطاتها بالطرق القانونية (1) . وينتج عن ذلك بأن على سلطة الإدارة أن لا تهمل واجبا وان لا ترتكب عملا مخالفا . إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود العنصر المعنوي في مخالفات سلطة الإدارة . ففي جرائم الإهمال مثلا والتي تعبر بصراحة عن توفر الركن المادي نجد إن النصوص التشريعية واضحة حيث تقضي بمعاقبة المدراء في الشركات بمجرد عدم قيامهم بأجراء ما يجب إنجازه من شكليات متصلة بواجباتهم الوظيفية . أما الركن المعنوي فيمكن استخلاصه بمجرد توفر حالة الإهمال لعدم قيام هؤلاء بالعمل اللازم . وفي جرائم الأفعال المخالفة يتعرض كذلك المدراء للعقوبات بمجرد ارتكابهم عملا من الأعمال التي يمنع القانون سلطة الإدارة القيام بها في ممارسة نشاطهم . وفي هذا النوع من الجرائم يمكن استنتاج الركن المعنوي من طبيعة هذه التصرفات التي تثبت بحد ذاتها عن توفر القصد والنية في ارتكاب الجريمة . وهذا الافتراض يؤكد وجود الباعث في ارتكاب الجريمة من قبل سلطة الإدارة كما هو الحال مثلا في جريمة تقديم ونشر معلومات غير صحيحة حيث الهدف منها إخفاء الوضع الحقيقي المالي أو القانوني للمشروع .
ما يهمنا في هذا البحث هو التطرق فقط وباختصار إلى جريمتين من جرائم سلطات الإدارة التي تقع بعد تأسيس المشروع ، أي تلك التي تتصل بمبادلاته المالية أو التجارية وهي :
أ - جريمة تقديم ونشر حسابات غير أمينة
ب - جريمة التعسف في استعمال أموال أو سمعة الشركة .
هاتين الجريمتين يمكن اعتبارهما مصدرا لنشوء عدد من الجرائم الأخرى التي تناولها قانون عقوبات الأعمال التجارية وخاصة قانون عقوبات الشركات التجارية . ونذكر مثلا جريمة توزيع أرباح صورية devidendes fictifs حيث إن أساسها هو تقديم حسابات غير صحيحة توهم الغير وحتى الشركاء بأن
( 1 ) هذه هي القاعدة العامة في اغلب التشريعات . تنص المادة 112 من قانون الشركات العراقي رقم 36 لسنة 1983 ما يلي : ( على رئيس وأعضاء مجلس الإدارة أن يبذلوا من العناية في تدبير مصالح الشركة ما يبذلونه في تدبير مصالحهم الخاصة و أدارتها إدارة سليمة وقانونية على أن لا ينزلوا في ذلك عن عناية الشخص المعتاد من أمثالهم . وهم مسئولون أمام الهيئة العامة عن أي عمل يقومون به بصفتهم هذه ) . وكذلك نص المادة 185 فقرة أ من قانون الشركات الأردني لسنة 1989 ، ونص المادة 75 من نظام الشركات السعودي .و ما ورد كذلك في نص المادة 547 من قانون التجارة الكويتي لسنة
1961.
الشركة مازالت تحقق ربحا ولكنها في الحقيقة تتستر على أزمة أكيدة تتعرض إليها . ومن جانب آخر فإن تقديم حسابات غير حقيقية تنتج عن مخالفات متعمدة يرتكبها المحاسب القانوني وإنه طرفا أساسيا في تقديمها ، مما اعتبرها المشرع الفرنسي جريمة تنسب إليه تستوجب العقاب.وهنالك أيضا جريمة الإفلاس بالتدليس أو التقصير التي تنتج عن إساءة استعمال أموال الشركة من قبل أعضاء هيئة الإدارة . ( 1 ) . هذه الجرائم سوف لا نتطرق إليها في بحثنا هذا ونكتفي في عرض الجريمتين الرئيسيتين التاليتين :

أ :- جريمة تقديم أو نشر حسابات غير صحيحة

سبق القول بان حماية المنفعة الجماعية تتحقق في أحد جوانبها من خلال تزويد أطرافها بالمعلومات
الصحيحة التي تبين حقيقة المركز المالي والقانوني الناتج عن نشاط المشروع (2 ) . أما عندما يتم تقديم ونشر حسابات غير حقيقية ، فلقد اعتبرها المشرع جريمة مستكملة عناصرها واعتبرها أحد الضوابط العقابية التي تهدد سلطة الإدارة في المشروع لمنعهم ارتكاب مثل هذه الأفعال الضارة ، أو تحمل نتائجها العقابية عند اقترافها .
تشكل الحسابات في الواقع عنصرا ماديا أساسيا ودليلا في تقييم الوضع المالي الحقيقي للمشروع . فهي من جانب تقدم إلى كافة الأطراف المستفيدة من نشاطه بالمعلومات الاقتصادية والمالية بالشكل الذي يسمح لها أن تعرف بيقين وضعه المالي ومدى ما تحقق في إطار برنامجه الاستثماري وأغراضه التي نشأ من اجلها . وتعتبر الحسابات من جانب أخر كوسيلة متابعة لإدارة أعماله الداخلية وصورة حقيقية لما تقدمه للغير من معلومات ذات اثر على تعاملهم مع المشروع والانضمام لنشاطه .
ولكي تحقق الحسابات هذه الأهداف وغيرها ،لابد أن تتمتع بالوضوح وان تقدم المؤشرات الاقتصادية الأكيدة والتي تعبر بصدق عن وضعها المالي والقانوني ، وعكس ذلك فإنها ستنقاد إلى ارتكاب مخالفات
( 1 ) لدراسة كافة الجرائم في قانون عقوبات الشركات التجارية الفرنسية، انظر :
Constantin , Le droit pénal des société par actions
Dupont - Delestrain , Le droit pénal des affaires et sociétés commerciales , Dalloz
Touffait et Robin , Délits et sanctions dans les société .Sirey
Jean Larguier , Droit pénal des affaires , coll. PUF .
( 2 ) هنالك موقفا متشابها لدى بعض التشريعات العربية : تنص المادة 132 من نظام الشركات السعودي بان على مراقب الحسابات إبداء رأيه في مدى مطابقة حسابات الشركة للواقع . انظر كذلك نص المادتين 164 و 165 - قانون الشركات الكويتي .
أخرى كتوزيع الأرباح الصورية المقصود منها خلق سمعة باطلة وائتمانا مزيفا للشركة (1 ) . لقد أدرك المشرع الفرنسي زيادة استغلال سلطة الإدارة بالوضع الحسابي للمشروع لارتكاب تجاوزات عديدة وعدم مراعاتها القوانين والأنظمة الخاصة التي تحدد سلطاتها ، مما يولد نتائج تضر في منفعة المشروع تعرض شخصه المعنوي للمسئولية عن الأضرار التي تسببت للغير ، ومن جانب آخر يلحق أضرارا جسيمة بمصالح الأطراف الأخرى ذات العلاقة . ونتيجة لذلك حصل تعديلا أعطى تعريفا جديدا لقيام مثل هذه الجريمة في القانون 30 نيسان 1983 ، ومحتوى ذلك يتجاوز في تطبيقاته نطاق مضمون ما جاء به القانون السابق لعام 1966 حيث تناول هذا الأخير المخالفات التي ترافق فقط حسابات الميزانية السنوية (2) .
أما التعديل الحديث فانه يتناول كافة الأخطاء الجسيمة التي تحصل في الحسابات على امتداد فعاليات السنة المالية للمشروع . وهذا الموقف واضح عند تعريفه لهذه الجريمة وهي ( تقديم أو نشر حسابات سنوية لا تعطي عن كل سنة مالية صورة أمينة عن معاملاتها التجارية لهذه السنة المالية ، للوضع المالي وللذمة المالية ، في نهاية هذه المدة ) (3) .
ولغرض أن تكون هذه الجريمة قائمة بسبب أعمال سلطة الإدارة ، فلابد أن تحتوي على الركنين المادي المعنوي .أما الركن المادي للجريمة يتحقق من خلال وجود عنصرين هما :
( 1 ) المادة 229 فقرة 5 نظام الشركات السعودي ، المادة 148 ، شركات كويتي .
( 2 ) قانون 24 تموز 1966 المواد 432-2 ، 425-3 ،460 ق. ش. فرنسي .
( 3 ) قانون 30 نيسان لعام 1983 من قانون الشركات الفرنسي .
العنصر الأول : الحسابات السنوية الغير حقيقية. ويثبت لنا هذا الافتراض عندما لا تنطبق الحسابات مع الواقع . فقد يكون أعدادها مخالفا للقواعد والأصول الحسابية المنصوص عليها
في أحكام قانون الشركات أو في عقد الشركة . أو قد تكون البيانات الواردة في هذه الحسابات بحد ذاتها غير صحيحة متناقضة وغير صادقة أي لا يتوفر في تحضيرها حسن النية (1) . والملاحظ أن الحسابات السنوية للمشروع تتركز في ثلاث وثائق رئيسية مترابطة فيما بينها ولا يمكن فصل أحدهما عن الأخرى وهي :
1-الميزانية السنوية . ومن خلالها يتبين المركز المالي للمشروع الحالي عن السنة المالية المنقضية (2)
2- حساب النتائج المتحققة لإعمالها والطريقة المقترحة لتوزيع الأرباح الصافية (3)
3-الملحقات التي تقدم إيضاحات إضافية للحسابات السنوية .
العنصر الثاني : فعل الإشهار للحسابات السنوية : ويكمن ذلك الفعل عندما تقوم سلطة الإدارة المعنية بهذا الواجب من قبل أعضاء مجلس الإدارة أو رئيسها أو المدير المفوض ، وذلك بأعلام المساهمين أو الجمعية العامة للشركة بالبيانات الحسابية السنوية بتقديمها لهم ووضعها تحت تصرفهم للإطلاع عليها باعتبارها مؤشرا للمركز المالي للشركة . كما أن فعل الإشهار ممكن أن يتحقق بنشر هذه البيانات الحسابية على الجمهور بكافة وسائل الأعلام المكتوبة كالنشرات الدورية المالية أو صحف الإعلانات القانونية .. أو أن يحصل هذا النشر بإجراءات شفوية بإلقائه على الجمعية العامة بشكل مباشر عند الاجتماع بها . وأهمية الإشهار بغض النظر عن وسيلة إيصاله يعتبر ضمان لحماية حقوق الأطراف ذات العلاقة كافة بالمشروع في تشخيص الثغرات واقتراح الحلول للمشاكل التي تعترض العمل داخل المشروع قبل تفاقمها . فلابد إذن أن تكون
( 1 ) تقديم ميزانية غير صحيحة Faux Bilan محكمة النقض الفرنسية - جنايات 5 نوفمبر 1991 , Dalloz , 1992 ,IR , 13 , Rev .soc .1992 ,91 , note Bouloc . محكمة النقض الفرنسية -جنايات 12 كانون ثاني 1981 Dalloz 1981, 348 note Cosson . ـJ.C.P 1981 ,II, 19660 , note Guyon . محكمة النقض الفرنسية -جنايات 8 نيسان 1991 Bull,crim, 8 avril 1991 , n°, 291 . محكمة النقض الفرنسية -جنايات 27 نوفمبر 1978 Bull , crim , n°, 331 .
( 2 ) انظر كذلك محتوى المادة 123 من نظام الشركات السعودي والمادة 157 من قانون الشركات الكويتي .
( 3 ) انظر نص المادة 123 من نظام الشركات السعودي .المادة 223 فقرة ب قانون الشركات الأردني .
مواضيع الإشهار محددة ودقيقة وصحيحة لكي تعطي فائدتها باعتبارها الصيغة المثالية من صيغ الرقابة قبل سلطة الإدارة ( 1 ) . أما الركن المعنوي للجريمة فانه يتكون من عنصرين هما :
الأول : هو قصد الجاني لارتكاب الجريمة وذلك عندما تتعمد سلطة الإدارة إشهار الحسابات المالية وهي على علم تام بأنها تتضمن بيانات كاذبة غير حقيقية (2) . ومن المعلوم بان هذا التصرف يثبت سوء النية لدى الفاعل لأنه على علم تام بما فعل (3) . والقضاء الفرنسي يتخذ موقفا صارما تجاه أصحاب الخبرة qualité professionnelle في العمل التجاري ومنهم المدراء في المشروعات . والاحتراف عندهم يعتبر كقرينة لا تقبل الدحض بان لديهم المعرفة التامة لما يقومون به من تصرفات تتصل بحرفتهم . ونتيجة لذلك فان عبء الإثبات ينتقل من المدعي ويصبح على المدعي عليه إثبات العكس وذلك لقيام افتراض الخطأ لديه (4).
الثاني : هو الباعث le mobile لارتكاب الجريمة من قبل سلطة الإدارة . وهذا يعني النتيجة المقصودة من وراء عمل تقديم أو نشر حسابات غير أمينة وهو هدف إخفاء المركز المالي الحقيقي للمشروع . والملاحظ بان نص القانون لا يأخذ بالاعتبار سواء تحقق هذا الهدف أو لن يتحقق ، إنما يكتفي بنية الجاني تقديم أو نشر بيانات غير حقيقية كان يقصد منها لتحقيق هذا الهدف .ومن المعلوم إن موقف المشرع الفرنسي باعتبار الباعث عنصر من عناصر الجريمة ما هو إلا استثناء لمبادئ قانون العقوبات العام التي لا تعتد بوجود الباعث ، وانه عديم الأهمية في قيام الجريمة (5)
وفي الواقع أن إخفاء الوضع المالي للشركة لا يعتبر بحد ذاته الهدف المقصود من الجريمة ، إنما هو مجرد وسيلة للوصول إلى بعض النتائج التي تستحق العقاب ، إذا علمنا أن طبيعتها تجلب كثيرا من الأضرار لأطراف المنفعة الجماعية في المشروع ، وإنها غالبا ما ترمي إلى خداع المساهمين أو الغير من الدائنين
أو محاولة الغش الضريبي يقصد منه التهرب من دفع الضرائب وغير ذلك .
( 1 ) انظر موفق حسن رضا ، قانون الشركات ، بغداد 1985 ، ص 152 وما يليها وكذلك طبقا لما ورد في نص المادة 164 من قانون الشركات الكويتي
( 2 ) محكمة النقض الفرنسية - جنايات 5 نوفمبر 1991 Dalloz , 1991 , IR ,13 , Rev soc , 1992 -91 , note Bouloc . . محكمة النقض الفرنسية - جنايات 27 نوفمبر 1978 Bull , crim , N 331 . محكمة النقض الفرنسية - جنايات 12 كانون ثاني 1981 .Dalloz ,1981 , 348 , note Cosson . J.C.P.1981 ,II , 19660 , note Guyon
( 3 ) انظر نص المادة 229 فقرة 6 من نظام الشركات السعودي .
( 4 ) انظر محكمة النقض الفرنسية - جنايات 2 مارس 1983 Dalloz , 1983 , IR , 492
( 5 ) محكمة النقض الفرنسية ، قسم الجرائم ، 18 ديسمبر 1956 ،
, Cass crim, 18 déc ,1956 : Dalloz 1957 , p. 705 .
لقد اعتبر المشرع الفرنسي جريمة تقديم أو نشر حسابات غير أمينة من الجنح ، وعاقب فيها أعضاء سلطة الإدارة ( المدراء أو أعضاء مجلس الإدارة ومراقب الحسابات بموجب المادة 437 من قانون تموز
1966 بالحبس لمدة لا تقل عن سنة واحدة وعن فترة لا تتجاوز الخمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 5000فرنك فرنسي إلى نصف مليون فرنك فرنسي أو بإحدى هاتين العقوبتين . وقد اتخذ نظام الشركات السعودي في المادة 229فقرة 6 موقفا عقابيا مماثلا تجاه كل مدير أو عضو قي مجلس إدارة أو مراقب حسابات أو مصرف ذكر عمدا بيانات كاذبة في الميزانية أو في حساب الأرباح والخسائر ..، وعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة شهور ولا تتجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ريال سعودي ولا تجاوز عشرين آلف ريال سعودي أو بإحدى هاتين العقوبتين . كما أن هذه العقوبة لا تمنع من قيام الدعوى المدنية من قبل كافة الأشخاص المتضررين ماديا لما ينتج من آثار مباشرة لهذه الجريمة (1) . وتسري أحكام هذه العقوبة على المساهمين في الجريمة ، ومن المعلوم بأن للقضاء موقفا صارما تجاه مسئولي الحسابات وكذلك مراقبي الحسابات ، كما تدل على ذلك كثير من القرارات القضائية لمحكمة النقض الفرنسية ( 2 ) .
ب :- جريمة التعسف في استعمال أموال وسمعة الشركة
تتعرض منفعة المشروع ، شركة أو مؤسسة ، لمخاطر جسيمة عندما تستغل الإدارة سلطاتها وتتجاوز واجباتها معرضة أموال المشروع واعتماده للضياع والتبذير .و يعتبر القضاء الفرنسي بأن جناية إساءة استعمال أموال الشركة مفادها هو ليس منفعة المساهمين ، إنما لغرض حماية الذمة المالية لمنفعة الشركة نفسها و الغير(2). ومن المبدأ العام بأن رئيس مجلس الإدارة أو أي عضو في هذا المجلس وكافة المدراء في المشروع لا يحق لأي منهما أن تكون له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في المعلومات التجارية والعقود التي تبرم مع المشروع . وهذه القاعدة تأخذ بها أغلب التشريعات حيث تنص المادة 69 من
( 1 ) محكمة السين 31 أكتوبر 1963 . 1963 , 54 -1 , P 173 G. P.
( 2 )Cass . - crim , 4 janv 1969 Bull ,cass ,69 n° 5 .
cass - crim , 14 janv 1980 , Bull , cass , 1980 , n° 21
- cass - crim , 12 janv 1981 , J.C.P 81 -19660
-cass - crim , 15 mai 1974 , Bull ,cass , 1974 .n°,117 ( 3 )Cass. Crim. 5 nov. 1963, D. 1964 , Jur. P. 52, ، انظر كذلك القرارات القضائية التي ذكرها
Dekeuewer A. : les intérêts protéges en cas d'abus de biens sociaux, JCP éd. E 1995, I ,n° 500.
نظام الشركات السعودي بأنه ( لا يجوز أن يكون لعضو مجلس الإدارة آية مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة إلا بترخيص من الجمعية العامة العادية ..) ( 1 ) رغم ذلك نجد كثير من تصرفات الإدارة تميل إلى تحقيق بعض المنافع الشخصية أو تفضيل هذه المنافع على حساب المنفعة العامة للمشروع . وهذا النوع من المخالفات بدأ يزداد في السنوات الأخيرة بفعل تطور حجم ونوع الأنشطة الاقتصادية والمالية في سوق التعامل التجاري . وكذلك وجود الإمكانيات الذهنية لدى بعض أعضاء سلطة الإدارة التي يدفعها سوء النية في تصرفاتها . ومن الطبيعي أن تلحق مثل هذه الأعمال لسلطة الإدارة أضرارا كبيرة في مصالح الشركاء والغير الذين لهم حقوق ومنافع مشتركة مع الوضع العام ومصير المشروع . كما أن مثل هذه المخالفات تؤدي في كثير من الحالات الأضرار بالمركز المالي للمشروع وربما يعرضها للانهيار أو التصفية القضائية (2) . فكان لابد أن يتدخل المشرع لحماية المشروع وحماية حقوق الآخرين ومصالحهم المرتبطة به ، ومعاقبة الجاني عند ارتكاب عملا من الأعمال المخالفة الذي يستوفي عناصر الجريمة .
لقد عرف القانون الفرنسي لعام 1966 الخاص بالشركات هذه الجريمة كما يلي : ( يعاقب بالسجن …المدراء سيئ النية استعملوا أموال وسمعة الشركة مع علمهم بأنه خلاف منفعتها ، ولأغراض شخصية أو تفضيل شركة أو مؤسسة أخرى لهم فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة ) (3) . وإذا كان تشخيص الركن المادي للجريمة لا يثير غموضا لأنه يتحقق من خلال معيار الإساءة في استعمال أموال وسمعة المشروع ، إلا انه يصعب أحيانا تحديد طبيعة الباعث الدافع لارتكاب المخالفة من قبل سلطة الإدارة . وهذا الافتراض هو الذي يفسر تباين الموقف القضائي في تقييم وتوفر العنصر المعنوي في بعض أفعال الإدارة لكي تستكمل الجريمة كافة أركانها .
أولا : الركن المادي
يتكون العنصر المادي لجريمة سوء استعمال أموال المؤسسة وسمعتها من القيام بعمل تقوم به سلطة الإدارة بالتجاوز على أموال المشروع أو استغلال مكانتها التجارية . وأموال المشروع هي كافة الموجودات المنقولة وغير المنقولة من وسائط النقل ، ومبالغ نقدية ومتاجر ، ولا يهم سواء كانت هذه الأموال مادية أو معنوية كالعلامات التجارية وبراءات الاختراع .
( 1 ) انظر كذلك نص المادة 176 فقرة ج من قانون الشركات الأردني لسنة 1989 ، وكذلك نص المادة 111 من قانون الشركات العراقي لسنة 1983.انظر المادتين 148 و 151 ق. ش. الكويتي.
( 2 ) القضاء الفرنسي حافل بمثل هذه القضايا ومنها أخيرا قضية مشروعات رجل الأعمال TAPIE وكذلك البنك الفرنسي Crédit Lyonnais .
( 3 ) المادة 437 -3 من قانون الشركات الفرنسي في 24موز 1966.
ومن المعلوم بأن كافة أموال المشروع قد تم تخصيصها ، سواء عند التأسيس أو في فترة حياته بهدف تحقيق المنفعة الجماعية ، ونتيجة لذلك فهنالك مصالح أطراف متعددة تتعلق بها ، فلا يجوز استغلالها خارج نطاق تحقيق الهدف الذي يسعى المشروع إلى إنجازه من خلال نشاطه . وهذا المبدأ تتفق عليه كافة القوانين عندما تحدد واجبات سلطة الإدارة وحدود واجباتها ، فانه لا يجوز أن يكون لها مثلا أية مصلحة مباشرة أو غير مباشرة (1) في الأعمال والعقود التي تتم لحساب المشروع إلا بترخيص من الجمعية العامة العادية ، فلا يجوز أن تشترك في أي عمل من شأنه منافسة نشاط المشروع أو المتاجرة في أحد فروع نشاطها ، كما لا يحق لها استغلال أموال المشروع للحصول على قرض لصالحها أو للغير من خلال ضمان الذمة المالية للمشروع ، كما لا يجوز لسلطة الإدارة عقد القروض الطويلة الأمد أو بيع عقارات الشركة أو رهنها أو بيع متجر أو رهنه أو إبراء المدينين من التزاماتهم (2) إلا ضمن الشروط التي يقرها نظامها القانون الحسابي والداخلي ، ومهما تكن طبيعة مخالفات سلطة الإدارة فإنها تنشأ أما نتيجة اتخاذها قرارا إداريا (3) ، أو أن تقترن بحيازة الأموال ماديا والتصرف بها لأغراض شخصية (4) . وكثير من المخالفات تحصل بتخصيص مرتبات عالية أو مكافآت ومنح يتم إنفاقها (5) . ويتابع القضاء دائما تقيم ضرورتها وأهميتها لنشاط المشروع ، وكذلك شرعيتها في نظر القوانين المرعية .
ففي إحدى قرارات محكمة النقض الفرنسية أيدت فيها حكم محكمة استئناف باريس عندما اعتبرت الجريمة قائمة ، حيث ثبت لها كون مدير عام الشركة المساهمة موضوع الدعوى كان قد قبض مرتبات وافق عليها مجلس الإدارة . ولكن بموجب تقدير المحكمة تعتبر مرتبات مفرطة إذا أخذنا بنظر
( 1 ) محكمة النقض الفرنسية ، جنايات 10 تموز 1995..JCP 1996 éd G. II, Bull ,crim , N°,253 .,. م. note Paillusseau . ،محكمة النقض ’ جنايات 15 مارس 1972 Rev .société 1973 , P.357. شرح Bouloc . . محكمة النقض ، جنايات 27 نيسان 1993 Pourvoi , N, E 91-82-363
( 2 ) المواد 69،70،71،73من نظام الشركات السعودي.المواد 148 ، 151 من ق. ش. الكويتي
( 3 ) المواد 101 ، 148 ،50 من قانون الشركات الفرنسي
( 4 ) محكمة باريس في 29 كانون ثاني 1976 ومحكمة النقض 15 مارس 1972 Rev , soc .1973 , p.357
( 5 ) محكمة الجنح الفرنسية في مدينة ROUEN 10 تموز 1977 ، قرار محكمة النقض ، جنايات في 17 أكتوبر 1973.
الاعتبار من ناحية بأن الشركة منذ عام 1970 لن تحقق إلا انخفاض في نشاطها ، أو إنها لن تحقق زيادة في جدول استثماراتها طوال الفترة المعينة000 ومن جانب آخر وجدت المحكمة بأن هذه المرتبات لما كان بالإمكان تسديدها للمتهم إلا بفضل القروض المالية المكلفة تم الحصول عليها بنفقات كبيرة أبرمتها الشركة لهذا السبب . هذه المرتبات إذن اعتبرتها المحكمة استقطاعات قام بها المتهم لمصلحته الشخصية
على حساب منفعة المشروع (1) .
أما ما يتعلق بسمعة المشروع فأنه معيار شامل لوضعها الاقتصادي . وهو كل ما يتصل بمركزها المالي والتجاري وكذلك الأعمال والاستثمارات التي تقوم بها . ويتمثل ذلك بمقدار إجمالي رأس المال والعلامات التجارية وبراءات الاختراع التي يمتلكها المشروع وغير ذلك من عوامل الائتمان التي يتمتع بها في سوق الأعمال التجارية .وإذا كان للقضاء الفرنسي أحكاما كثيرة تدين فيها سلطة الإدارة لسوء استعمال أموال وسمعة الشركة أو المؤسسة ، إلا أن اغلبها ينكشف عند المبالغة في حجم النفقات والاستقطاعات المالية التي تعرض للخطر التوازن المالي للمشروع ، وينتج عن ذلك بالضرورة هبوطا كبيرا في حساب الأرباح أوقد يجعلها ضئيلة جدا . أو قد تؤدي إلى العجز المالي التام للمشروع عند الإفراط بهذه النفقات .
رغم ذلك ، قدم لنا القضاء الفرنسي في الآونة الأخيرة موقفا جديدا في تقيم شرعية بعض النفقات في أعمال سلطة الإدارة (2) . فقد تلجأ هذه الأخيرة إلى تقديم بعض الأموال على شكل منح أو مكافآت لبعض الوسطاء في البحث عن الزبائن لغرض التوصل إلى إبرام عقد مهم للمشروع .ومن حيث المبدأ العام يعتبر إنفاق أموال المشروع بهذه الطريقة مخالفا للقواعد التي تقضي حماية منفعة المشروع وذمته المالية وعدم تعريضها لأخطار جسيمة بنفقات غير مضمونة العطاء (3) .
ولكن للقضاء الفرنسي أحيانا رأي آخر ، حيث يعتبر بأن تصرف الإدارة ضمن هذا الباب قد يكون من مستلزمات سوق الأعمال التجارية وانه عمل يصب من حيث المبدأ في إطار تحقيق منفعة المشروع وليس مغايرا لمصلحتها .وإن نتائجه فيها نوع من الإيجابية تكون دعما للمركز المالي للمشروع فيما إذا تم إبرام
( 1 ) محكمة النقض ، الجنايات ، 17 اكتوبر1973 .
( 2 ) محكمة النقض 6 فبراير 1997 ، شرح Bouloc , , Revue société 1997 قضية Affaire CRASNIANSKI
( 3 ) Armand Colin 1997 - Michel Véron : Droit pénale des, affaires , 2e édition , par.
قرار محكمة النقض الفرنسية ، جنايات في 19 نوفمبر 1979 Dalloz , 1980 , IR - 378 شرح Vasseur , انظر كذلك المرجع السابق ذكره A. Dekeuwer , JCP éd E 1995 , I , n° 500 .
عقد مهم يجلب لها عائدات مهمة يزيد في اعتمادها (1) .وإذا كان لهذا الموقف القضائي جانبا إيجابيا باعتباره يسمح لأعضاء سلطة الإدارة ممارسة نشاطها بديناميكية وواقعية لمجابهة ظروف التعامل التجاري وعوامل المنافسة الشديدة وكذلك تجاوبا مع ضرورات السوق . إلا أننا نرى بأنه لا يخلو من بعض المخاطر التي قد تعرض المشروع إلى أضرار جسيمة بتبذير أمواله واستغلالها . فقد يبالغ أعضاء الإدارة الأنفاق في هذا الباب بحجة الأمل في إبرام عقد . فقد تنطوي تصرفاتهم على سوء النية فيكون من الصعب معرفة النية الحقيقية لدى سلطة الإدارة وتقدير تصرفاتها بأنها تسعى فعلا وبحسن النية من اجل إبرام عقد لمنفعة المشروع . فقد يكون الهدف في هذا الأنفاق هو لتحقيق مصالح شخصية مباشرة أو غير مباشرة .وفي كل الأحوال ينبغي أن تحقق عمليات الاستثمار وطبيعة العقود التي يبرمونها كفاية من العائدات المضافة بمقدار يبرر حجم الإنفاق من اجلها . ويرى القضاء الفرنسي بأنه في جميع الافتراضات فأن المخاطر التي قد يتعرض لها المشروع من تصرف الإدارة ينبغي أن لا تفوق بكثير إمكاناته في أداء التزاماته (2) .
ونحن نرى أيضا بأن تقديم الأموال من قبل سلطة الإدارة وان كانت لغرض تسهيل إجراءات العقد ، تبقى من حيث المبدأ القانوني مخالفة لقواعد وأنظمة المشروع . أما إمكانية جوازها فهي حالة استثنائية ، يشترط العمل بها عندما يتثبت فعلا تحقيق منفعة المشروع . فهي أذن حالة وقائع يجب النظر أليها حسب ظروف المعاملة التجارية وما يحيط بها من عوامل المنافسة ، ولا يصح تعميمها أو إطلاقها على كافة مستلزمات وحالات التعامل التي تقوم بها الإدارة في معاملات المشروع مع الغير .
ثانيا : الركن المعنوي
يتكون الركن المعنوي لجريمة سوء استعمال أموال وسمعة المشروع من عنصرين أساسين هما :-
أ‌- توفر سوء النية لدى الفاعل . والقضاء يميل في ذلك إلى الأخذ بنظرية القصد والعلم المسبق ، وهذا المفهوم ينتج بمجرد العلم بأن الفعل الذي يقوم به الجاني كان ذات صفة مخالفة للقانون ، وبموجب ذلك يصبح ليس ضروريا البحث عن وجود النية في إيقاع الضرر ، كما لا يمكن للمتهم الدفع بشرعية الباعث عندما يتم مثلا توظيف جزء مهم من أموال المشروع في عقود جزافية .
( 1 ) ألغت محكمة النقض الفرنسية قرار محكمة الاستئناف حينما اعتبرت هذه الأخيرة بأن إعطاء مدير
الشركة أموال لصهر وزير مأخوذة من أموال الشركة تعتبر جريمة إساءة استعمال أموال الشركة . وترى محكمة النقض بأن موضوع النزاع لن يكن مخالفا لمنفعة الشركة ، محكمة النقض 6 فبراير 1997 ، Revue des société , 1997 , note Bouloc .
( 2 ) قرار محكمة النقض الفرنسية ، الجنايات 16 ديسمبر 1975 J.C.P.1576 ,18476
أما إثبات سوء النية فأن الفقه والقضاء يتفق بإمكانية استنتاجه من كافة الظروف الموضوعية التي تنكشف في توفر خاصية مخالفة القانون في نوع الفعل الذي قامت به سلطة الإدارة . فيمكن إثبات ذلك من خلال طبيعة الفعل ذاته كأن نجد مثلا في تقريرين قام بإعدادهما نفس الخبير المكلف بتقديمهما ، تفصل بينها ستة اشهر ، لكنه يعطي تقييما مختلفا في تقيم الحصص العينية (1) .أو ما ينتج عن الفعل من أضرار تترتب على المشروع كتخصيص مرتبات عالية جدا لأحد أعضاء الإدارة مقارنة بالواقع المالي الضعيف للمشروع ، أو دفع أجور وهمية لشخص لن يعمل في الحقيقة لصالح المشروع (2) ، وقد يعرض فعل الجاني المشروع إلى مخاطر التعاقد على قروض غير نافعة أو ليست بحاجة أليها (3) . وفي جميع الافتراضات يجب تشخيص وجود سوء النية لدى الفاعل وقت ارتكاب الفعل .
ب- استعمال أموال وسمعة المشروع لأغراض شخصية : أن ما يدفع الجاني لارتكاب الأفعال المخالفة للقانون هو الغرض لتحقيق بعض المنافع الشخصية . ومن المعلوم بأن الباعث للجريمة قد لا يكون ذات طبيعة مادية أو نقدية فقد يكون مهنيا يفصد منه تعزيز المكانة التي يتمتع بها الجاني وماله من دور أساسي في سلطة الإدارة وسمعة مهنية بين رجال إدارات المشروعات التجارية أو المالية .ويميز النص القانوني بين تحقيق المنافع الشخصية المباشرة وذلك في حالة مثلا أن تقوم المؤسسة أو الشركة بدفع نفقات لخدمات شخصية لبعض المدراء ، كدفع أجور العاملين لديه أو تنفيذ بعض الإنشاءات الفنية في منزله كأجهزة مراقبة إلكترونية يدعي المدراء بأنها ضرورية لحمايتهم من الاعتداءات المتوقعة ، أو القيام بتبذير أموال المشروع لأغراض عائلية أو لعلاقات صداقة ومودة (4) ، أو لأغراض سياسية (5) .
وقد يكون تحقيق الباعث الشخصي غير مباشرا ، وهو حالة تفضيل شركة أخرى فيها منافع شخصية لجانب من سلطة الإدارة . ويحصل هذا الافتراض دائما في حالات اندماج الشركات حيث يتم نقل أموال الشركة المندمجة أو بيع موجوداتها إلى الشركة الأم الدامجة بطريقة تضر بمصالح الشركاء الآخرين (6) في الشركة المندمجة .
( 1 ) محكمة الجنح باريس 16 مايس 1974 في قضيةWillot ,Dalloz , 1575 , 37, G.P 15-17déc. 1974
( 2 ) قرار محكمة الجنح في Rouen في 1-7-1977
( 3 ) محكمة باريس 29 كانون ثاني 1976
( 4 ) قضية Devilder ، محكمة النقض ، جنايات ،3 آذار 1967 , Bull, crim , N, 148
( 5 ) محكمة النقض ، جنايات ، 8 شباط 1968 ،Bull ,crim , N,42 , Cass- crim , 8 fev 1968,
( 6 ) هذا هو مضمون قضية Willot ، Affair Willot
اعتبر المشرع الفرنسي سوء استعمال أموال وسمعة الشركة من الجنح وعاقب مرتكبها في سلطة الإدارة من رئيس وأعضاء مجلس الإدارة والمدراء والعاملين والمساهمين في الجريمة بعقوبة الحبس تتراوح بين سنة واحدة لغاية خمس سنوات وغرامة تتراوح بين 2000 فرنك فرنسي ولغاية 2500000فرنك فرنسي أو بإحدى هاتين العقوبتين .
ثانيا : المسؤولية في الدعوى المدنية :
يحق للشركة المتضررة من تصرفات سلطة الإدارة فيها ، إقامة الدعوى المدنية action social بإصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة ،ولا يهم فيما إذا كانت هذه الجريمة ناتجة عن عمل مخالف للقانون أو للنظام الداخلي للشركة أو انه خطا إداري. وقد تكون هذه الأضرار مادية مساوية في نتائجها لما تعرضت لها ذمة المشروع المالية من خسارة أو فقدان في ممتلكاتها . وهنالك الأضرار المعنوية الناتجة لما أصاب سمعته ومكانته بين المشروعات في أسواق التعامل التجاري من ضرر مباشر أو غير مباشر .وسواء كانت الأضرار مادية أو معنوية فإنها تصيب في النهاية الشخص المعنوي للمشروع . أما مجال تطبيق هذه المسئولية الإدارية فانه يشمل كافة المدراء في جميع أنواع الشركات التجارية منذ صدور قانون 5 يناير 1980( 1 ) . والمسئولية المدنية قبل أعضاء سلطة الإدارة لن تتوقف عند حدود حق الشركة في المطالبة بإصلاح الضرر . فهنالك أيضا الشركاء والغير من أطراف المنفعة الجماعية في المشروع .
يحق إذن للشركاء إقامة دعوى جماعية أو انفرادية لتعويضهم عن مالحقهم من أضرار مادية ناتجة عن خطأ أعضاء مجلس الإدارة . ودعوى المسئولية هذه تستند في جانب على حقهم مثلا في الحصول على نصيبهم من الأرباح الصافية التي ترفض الهيئة الإدارية توزيعها على الشركاء رغم موافقة الجمعية العامة.أو توظيف جزء من أموال المشروع في معاملات جزافية ألحقت ضررا كبيرا في موجودا ته أو أدت إلى انخفاض حاد في نسبة الأرباح السنوية أو قيمة الأسهم الفعلية ( 2 ) .
ويحق كذلك للدائنين وكافة مما تربطهم مصلحة في حياة ومكانة المشروع المالية إقامة الدعوى المدنية والمطالبة بتعويض الأضرار التي لحقت بهم والتي نجمت عن ارتكاب الجريمة من قبل أعضاء سلطة الإدارة بارتكابهم عمل ضار أو مخالفا للقانون أو لنظام الشركة ( 3 ) .
( 1 ) انظر القانون المدني الفرنسي Code civil art. 1843-5 ajouté par la loi du 5 janvier 1988 :
( 2 ) Cour de Cassation ,26 Janv. 1970 , JCP , 1970 , II , 16385 , note Guyon . -
et B. Petit . Cass. Com. 1er avril 1997 : Rev. trim. Dr. com. , 1997 , 647 , note y. Reinhard
( 3 ) القانون المدني الفرنسي المادة : L. 245 et D. 199
ومن الملاحظ بأن المشرع في بعض الدول العربية قد اكتفى في إثارة دعوى المسئولية المدنية لإصلاح الضرر الناتج عن كثير من مخالفات أعمال سلطة الإدارة الجسيمة ، واكتفى بهذا القدر دون أن يعطي اعتبار للمسئولية الجنائية كما هو الحال في التشريعات الأخرى . لنأخذ مثلا جريمة توزيع الأرباح الصورية ، فإنه عملا بأحكام المادة 148 من قانون الشركات الكويتي ، تنحصر مسئولية أعضاء سلطة الإدارة فقط بدفع التعويضات لإصلاح الأضرار التي تعرضت إليها الشركة أو أي من الأطراف ذات العلاقة بها . ومن المعروف بأن مثل هذه المخالفات تدل على سوء النية لدى الفاعل وترتب أضرارا كبيرة ليس فقط على المكانة المالية للمشروع شركة أو مؤسسة ، ولكنها تضر أيضا بالاقتصاد الوطني وفي الائتمان العام الذي يفرضه سوق التعامل المالي و التجاري . وغالبا ما يكون قصد الجاني من وراء ذلك هو إما لإصدار أسهم جديدة أو إعطاء قيمة غير حقيقية لأسهم الشركة في سوق الأوراق المالية ، أو تقديم صورة مزيفة عن الوضع المالي لها وإظهارها بأنها تمر في حالة من الرخاء و الانتعاش الاقتصادي على خلاف الحقيقة . و حسنا فعل المشرع الفرنسي عندما لم يتوقف عند حدود المسئولية المدنية تقديرا منه لجسامة المخاطر الناتجة عن مثل هذه الأعمال و اعتبرها جريمة و نضم لها شروطها و أحكامها في نص المادتين - 2° 425 و 437 -3° من قانون الشركات لسنة 1966 .
الخاتمة :-
لقد كان موقف القانون صائبا عندما قدم أهمية كبيرة للمشروع .وإذا كانت وظيفته تستمد قوتها القانونية من نظام الشركة التجارية التي تنبني عليه إلا إنها تبقى بالأساس وحدة اقتصادية ومنظمة عمل ومركز التقاء لمصالح متعددة . وهذا المعنى الحديث للمشروع هو الذي منحه قوة ومقومات التعامل مع واقع الأعمال التجارية ومستلزماته . كما انه المعيار الذي يحكم بنفس الوقت مستوى علاقاته في تأمين وتوازن المصالح المتعددة التي ترتبط به من خلال احترام أهداف المشروع والمنفعة الجماعية فيه. من جانب أخر نجد بأن علاقة سلطة الإدارة بهذا المشروع باعتباره منظمة اقتصادية يوفر لها الاستقلالية التامة في اتخاذ القرارات الصحيحة في ممارسة نشاطها وأداء عملها ضمن تنفيذ المنهج وخطة الاستثمار . إلا أن هذه الاستقلالية تبقى مقيدة بمنفعة المشروع الأساسية . وإذا كان الآمر كذلك ، فأننا ندرك إمكانية تجاوز المبدأ التقليدي الذي يعتبر بأن علاقة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة تحكمها عقد وكالة . أما الواقع الفعلي لنوع هذه العلاقة تميل إلى اعتبارها وتندرج ضمنيا في إطار عقد عمل مع المشروع . فهو عمل وظيفي يخدم الوحدة الاقتصادية ويستهدف تحقيق برنامجا استثماريا ضمن خطة مركزية مرسومة له . وينتج عن ذلك بأن تصرفات سلطة الإدارة سوف لا تخضع إلى رغبة أي من المؤسسين أو الشركاء ولكن تحكمها المنفعة العليا للمشروع التي هي اكثر شمولا من منفعة الشركاء.
لقد تبين لنا كذلك من البحث بأن أعضاء سلطة الإدارة كأشخاص طبيعين أو معنويين مكلفين بواجبين مركزيين هما تحقيق أغراض المشروع وحماية المنفعة الجماعية فيه . فهم ملزمون بمراعاة الظروف المحيطة بنشاطه وكذلك انتقاء طبيعة التعامل التجاري مع المشروعات الأخرى بما يحقق هذين الهدفين . أما مبدأ الاستقلالية في واجباتهم لتحقيق هذه الأهداف هو الذي يفسر اتساع المسئولية التي تقع على عاتقهم عند ارتكابهم الأخطاء . ونحن نرى بأن ازدواج المسئولية المدنية والجزائية هي الوسيلة الوحيدة للتقليل من تجاوزات سلطة الإدارة والتقيد بحدود واجباتها . والهدف منها هو ضمان عدم تعريض المشروع ومركزه المالي للمخاطر الجسيمة .وحسنا فعل المشرع الفرنسي من جانب آخر في خلق نوع من الرقابة على سلطات الإدارة من خلال دور لجنة المشروع لتحقيق هذا الغرض .
وإذا كانت المسئولية المدنية محددة بإصلاح الأضرار الناتجة عن سوء تصرف سلطة الإدارة في إدارة الشؤون المالية والتجارية للمشروع ، إلا إن المسئولية الجنائية هي الوسيلة الأكثر فعالية في تقويم سلوك وتصرفات سلطة الإدارة .
وإذا كانت عقوبات السجن والغرامة تمثل وسائل جزاء مباشرة قبل الجاني ، إلا إن آثارها السلبية تبقى من جانب آخر ملاصقة للسيرة الذاتية لشخص الفاعل . وينتج عن ذلك أثرا سلبيا ليس على مؤهلاته الإدارية أو التجارية ، ولكنها اكثر سوءا عندما تمس حقوقه المدنية والسياسية في الدول الغربية. ويمكن القول بأن السلطات الممنوحة لأعضاء الإدارة في المشروع تعتبر في الواقع إقرارا لكفاءتهم ومقدرتهم في إدارته ، وهي أيضا مسئولية كبيرة تتطلب حرصا عاليا من أعضاء الإدارة وحذرا مستمرا عند أداء واجباتهم في إدارة المشروع وذلك بالحفاظ على التوازن بين المنافع المادية لكافة الأطراف ذات العلاقة في وجود المشروع وبين التقيد في القواعد القانونية الآمرة لتحقيقها .
( انتهى بعون الله )
المراجع :
المراجع العربية :
د .اكرم ياملكي ، الوجيز في شرح القانون التجاري العراقي ، الجزء الثاني ، في الشركات التجارية ،1972
د.خالد الشاوي ، شرح قانون الشركات التجارية العراقي ، الطبعة الأولى ، 1968
د.زينب السيد سلامه ، التسوية الواقية من الإفلاس في النظام السعودي ، الإدارة العامة ، مجلد 36 عدد 3 ديسمبر 1996.
د.طعمة الشمري: قانون الشركات التجارية الكويتي ، الطبعة الثانية 1987م .
د.علي البارودي : قانون التجاري اللبناني ، الجزء الأول ، الدار المصرية للطباعة والنشر .
د.عزيز العكيلي : الموجز في شرج قانون التجارة الكويتي ، مكتبة المنهل 1987 - الكويت.
د.مصطفى كمال طه : القانون التجاري ، الأوراق التجارية والإفلاس ، الدار الجامعية 1981 - بيروت.
موفق حسن رضا ، قانون الشركات ، أهدافه وأسسه ومضامينه ، منشورات مركز البحوث القانونية ، 10 ، بغداد 1985
القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976 ، 1992 نقابة المحامين ، عمان
القانون المدني المصري ، المحاماة 1990، الوقائع المصرية في 29 /7/1948 - العدد 108 مكرر.
القانون المدني العراقي ، الوقائع العراقية ، عدد 3015 في 8/9/1951
نظام الشركات السعودي رقم 185 في 17-3-1985
قانون التجارة الكويتي رقم 2 لسنة 1961، قانون الشركات ا لكويتي رقم 15 لسنة 1960م.
قانون الشركات العراقي رقم 36 لسنة 1983 ، دار الحرية للطباعة ، بغداد 1983.
قانون الشركات الأردني ، قانون مؤقت رقم 1 لسنة 1989 ، نقابة المحامين ، عمان 1994
المراجع الفرنسية :
RTD com. 1996, p. 626 . BERTEL J-P. : Libérté contractuelle et sociétés
BRUNET A. et. GERMAIN M : L'information des actionnaires et du comité d'entreprise dans les sociétés
.anonymes depuis les lois du 28 octobre 1982 , du 1er mars 1984 et du 25 janvier 1985 : Rev. Soc. 1985, 1
CAMERLYNCK G. H. et LYON - CAEN G. , Droit de travail , Précis Dalloz, 8e éd., 1976
CHAMPAUD . C , Nouvelle technique de concentration ,Librairie technique , Montpellier ,1971
CODE CIVIL FRANCAIS , édition Dalloz
CODE DE COMMERCE FRANCAIS, édition Dalloz
CONTIN R. : L'arrêt Freuhauf et l'évolution du droit des socété , JCP 1968 , chronique 45
Chambres civile , commerciale et criminelle.: COUR DE CASSATION FRANCAIS
COURET M.A. : Le gouvernement d'entreprise , la corporate gouvernance : D. 1995,
chronique, page 163 .
DAIGRE J.-J : Le gouvernement d’entreprise : feu de paille ou mouvement de fond ? , Dr et patrimoine , jull-août 1996, p.24
DAIGRE J.-J : De l'exclusion d'un associé ….., Bull. Joly 1996
DECKEUWER A. : les intérêts en cas d’abus de biens sociaux , JCP éd. E , 1955 , I , n° 500 .
DEPAX M. : L’entreprise et le droit , LGDJ, Paris , 1957
DUPONT - DELESTRAIN : Le droit pénal des affaires et sociétés commerciales , Dalloz
FRERYIA C. : Réflexion sur le plan d'epargne d'entreprise : Mélange Derruppé , p. 205
GUYON Y. : Droit des affaires , Tome 1, 10e éd.Economica 1999 .
GUYON Y. et .COQUERREAU G. : Les réformes apportées ....par la loi du 1 mars 1984 , JCP éd.. E 1984 ,I, n° 13426
HESS-FALLON Brigitte . SIMON Anne-Marie : Droit des affaires , 13édition , août 2000, Sirey,p.115
JEANTIN M. : La loi du 1 mars 1984 ... , Dr. Soc. Nov. , 1984 , P.604
générale de l’abus de droit , édition Dalloz 1928 . JOSSERAND L. : Théorie
LA LOI du 1er mars JCP, 1984 ,III,55371 , La loi du 25 janv 1985 ,JCP.1985 ,III , 55711
. LACOMBE J : Les réserves dans les société par actions ,Paris 1962 .
. LARGUIER J. : Droit pénal des affaires , coll. PUF
PAILLUSSEAU J . La société anonyme , technique d' organisation de l ' entreprise LGDJ 1965 .
PAILLUSSEAU J. : les nouveaux fondements et notions du droit des affaires ,
J C P , 1988? Doctrine 3330
PASTRE O. : Le gouvernement d'entreprise - questions de méthodes et enjeux théoriques ,Rev. éco .fin.1994 n° 31 , p. 16
PIROVANO A : La “ boussole “ de la société . .Intérêt commun , intérêt social , intérêt de l’entreprise ? Dalloz 1997 P. 189.
RIPERT G. : Traité élémentaire de droit commercial , tome 1 , 10e édition , par Rablot , Paris LGDJ 1980 et 1986 .
SCHMIDT D. : De l ' intérêt social , JCP éd. E 1995 1 , n°488.
SCHMIDT D. : De l'intérêt commun des associés , JCP 1994, éd. E. I. 404.
TOUFFAIT et ROBIN : Délits et sanctions dans les société . Sirey
rmand Colin 1997 - VERON M: Droit pénale des, affaires , 2e édition , par.
ZENATI F. : L'EURL ou des intérets pratiques et des conséquences juridique de la société uni personnelle , J.C.P , 1986 , éd G.I , 324
المقدمة
المبحث الاول: مفهوم المشروع ومضمون السلطات الادارية
الفرع الاول: مفهوم المشروع في القانون الفرنسي
أولا: المشروع هو وحدة اقتصادية
ثانيا : طبيعة النظام القانوني للمشروع
ثالثا : نوع عناصر المشروع
رابعا: حجم انشطة المشروع
الفرع الثاني : مضمون السلطات الادارية في المشروع
أولا : الأهداف الأساسية لسلطات المشروع
أ- تحقيق أغراض المشروع L’objet social
1- الغرض هو سبب نشوء المشروع
2- الغرض هو أساس سلطات الإدارة
ب : تحقيق المنفعة الجماعية L’intérét social
1-أطراف المنفعة الجماعية
2- توازن المنفعة الجماعية مع منفعة المشروع
3- أصل المنفعة الجماعية
الرأي الأول : منفعة المساهمين
الرأي الثاني : منفعة الشخص المعنوي للمشروع
دور الفقه
دور المشرع الفرنسي
دور القضاء الفرنسي
المبحث الثاني : مضمون السلطات الادارية في المشروع
الفرع الاول: ضوابط سلطات الإدارة
أ- طبيعة العلاقة القانونية
ب- تنظيم السلطات في المشروع l’organisation du pouvoir
الفرع الثاني : حماية منفعة المشروع
1- تجهيز المعلومات المالية والقانونية
2- دور لجنة المشروع Le comité d'entreprise
الفرع الثاني: احكام مسئولية سلطات الإدارة في المشروع
أولا : المسئولية الجزائية لسلطات الإدارة
أ - جريمة تقديم ونشر حسابات غير أمينة
ب - جريمة التعسف في استعمال أموال أو سمعة الشركة .
أ :- جريمة تقديم أو نشر حسابات غير صحيحة
العنصر الأول : الحسابات السنوية الغير حقيقية
العنصر الثاني : فعل الإشهار للحسايات السنوية
ب :- جريمة التعسف في استعمال أموال وسمعة الشركة
أولا : الركن المادي
ثانيا : الركن المعنوي
أ - توفر سوء النية لدى الفاعل
ب- استعمال أموال وسمعة المشروع لأغراض شخصية
ثانيا :المسؤولية في الدعوى المدنية :
الخاتمة
المراجع