بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

كيف انتهكت أمريكا وبريطانيا ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي؟

كيف انتهكت أمريكا وبريطانيا ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي؟


وجدي أنور مردان

6/10/2004



كتب وناقش وشرح الكثيرون عن انتهاك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي لتبرير غزوها واحتلالها للعراق في 19 آذار مارس 2003. وأخيرا أعترف السيد كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة، بأن الحرب الأمريكية البريطانية ضد العراق كان خرقا وانتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وبالتالي إنها كانت عملا غير شرعي.

لا يناقش هذا المقال الدوافع السياسية وراء اعتراف السيد عنان ولا صحوة ضميره المتأخرة، وإنما يناقش بالتحديد، من وجهة النظر القانونية، كيف انتهكت أمريكا وبريطانيا أحكام الميثاق والقانون الدولي.

رفضت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها كولن باول، ورئيس الحكومة البريطانية طوني بلير، وانتقدت بشدة تصريح السيد عنان بعدم شرعية الحرب، وأكدتا على أن بلديهما لم تنتهكا ميثاق الأمم المتحدة ولا القانون الدولي ولا قرارات مجلس الأمن وأشارا إلى أن الخبراء القانونيين في بلديهما درسوا الأمر وأفتوا بقانونية وشرعية شن الحرب ضد العراق.

أن لجوء الولايات المتحدة وبريطانيا إلى استخدام القوة المسلحة ضد العراق واحتلاله قد الحق ضررا كبيرا بميثاق الأمم المتحدة وأرجع جهود الإنسانية الدءوب لإرساء وتطوير وتعزيز دور القانون الدولي في العلاقات بين الأمم قهقريا قرونا إلى الوراء. فأي مطلع على المبادىء الأولية للقانون الدولي يكتشف أن جملة من القواعد والمبادىء القانونية قد انتهكت أو شوهت بحجج أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وله صلات بتنظيم القاعدة ولم يلتزم بقرارات مجلس الامن ذات الصلة وأنه كان يشكل تهديدا جديا للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والعالم، بمعنى أن العراق كان يهدد السلم والأمن الدوليين ويخرق القانون الدولي.

هناك مبدأ قانوني معروف، وهو أن تطبيق أي قانون، سواء كان قانونا دوليا أم داخليا، ينبغي أن يتم وفق القانون نفسه وليس عن طريق سلسلة من الخروقات والانتهاكات للقانون محل التطبيق. فإذا كان العراق قد خرق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فأن القانون واجب التطبيق هو القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، فلا يجوز للقاضي خلق القانون بل يطبق القانون الموجود. فهل التزمت الولايات المتحدة وبريطانيا بهذا المبدأ ؟

يعتبر ميثاق الأمم المتحدة اليوم مصدرا أساسيا من مصادر القانون الدولي، والأحكام الواردة فيه ملزم لجميع الدول الأعضاء، نصا وروحا، بمعنى أن الدول ليست ملزمة فقط بتطبيق أحكامه وإنما ملزمة بتطبيقها وفقا لروح ومقاصد وأهداف الميثاق.

ففي السطور القادمة سنناقش كيف انتهكت الولايات المتحدة وبريطانيا بنود وأحكام الميثاق وروحه، من أجل تسويغ عدوانهما العسكري ضد العراق واحتلاله.

المبدأ الأول: تحريم الحرب وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية.

يكمن روح الميثاق في ديباجته، وينبغي تفسير بنود الميثاق وفقا لمقاصده وأهدافه. عبرت الديباجة، في فقرتها الأولى، عن تصميم الدول الأعضاء على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف. و عبرت الفقرة الرابعة منها، عن عزم الدول الأعضاء ألا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة. هذا هو روح الميثاق، إنقاذ الإنسانية من ويلات الحروب وعدم استخدام القوات المسلحة.

حدد الفصل السابع من الميثاق الأحكام التي في إطارها يمكن اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة، وأكد على أن لمجلس الأمن ( وحده) السلطة لتقرير ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو أخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، وإذا ما قرر المجلس ذلك يقدم توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41و42 لحفظ السلم والأمن الدوليين أو أعادته إلى نصابه. ( المادة 39 من الميثاق).

فالمواد 42-51 من الميثاق هي المواد الوحيدة التي تتعامل مع استخدام الفعلي للقوة، ولا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة أية مادة يخول أي عضو من أعضائها استخدام القوة من جانب واحد، عدا الحالة المحددة والمقيدة والتي نصت عليها المادة 51 وهو الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم، أذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء ’’ الأمم المتحدة’’ وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي.

وحتى لو أضطرت دولة ما على استخدام هذا الحق الطبيعي ينبغي عليها أبلاغ مجلس الامن فورا وللمجلس عند ذلك بمقتضى سلطاته ومسؤولياته الحق في ان يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لأتخاذ من الاعمال لحفظ السلم والامن الدوليين أو أعادته الى نصابه. وما عدا هذا الحق المقيد فان الميثاق يحرم اللجوء الى استخدام القوة ويطلب من جميع اعضائها فض منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية. ( الفقرة 3 من المادة الثانية ).

أن الإخلال بهذا المبدأ، هو تقهقر الى الوراء والعودة الى سيادة قانون القوة في العلاقات الدولية بدلا من سيادة قوة القانون، وخاصة اذا ما صدر هذا الاخلال أو الانتهاك من أحد الاعضاء الدائميين في مجلس الامن، الذي يتحمل، بموجب المثياق، مسؤولية خاصة وتبعات رئيسية في حفظ السلم والامن الدولي، فعند ذلك يكون الضرر الواقع جسيما ومن الصعب أصلاحه.

المبدأ الثاني: الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس.

أن اللجوء الى استخدام القوة، بصورة عامة، محرم وغير قانوني، ألا في حدود مانصت عليه المادة 51،التي اشرنا إليها في الفقرة (1) اعلاه، أي حق الدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم’’ أذا’’ اعتدت قوة مسلحة على احد اعضاء الأمم المتحدة، فاذا هنا شرطية جازمة يتطلب وقوع اعتداء مسلح. وحتى هذا الحق هو حق مقيد الى ان يتخذ مجلس الامن التدابير اللازمة لحفظ السلم والامن الدولي، والتدابير التي تتخذها الدول، استعمالا لحق الدفاع عن النغس، يجب أن تبلغ الى المجلس فورا.

إن مفهوم حق الدفاع عن النفس يفترض وجود خصم مدجَّج بالسلاح على أهبة الانقضاض على عدوّه. غير أن الجميع كان، قبل شنّ العدوان على العراق، على يقين بأن قوة العراق العسكرية كانت متهالكة وضعيفة بسبب الحصار والعقوبات، وبأنه يستحيل مقارنتها بما تملكه دول العدوان من أسلحة متطوِّرة ومتفوقة. والادّعاء بوجود صلة بين النظام العراقي من جهة، وتنظيم «القاعدة» أو الحركات الإرهابية العالمية من جهة ثانية، كانت تهمة مفتعلة ثبت بطلانها.

أعتمدت الولايات المتحدة مبدأ الضربة الاستباقية بعد أحداث 11 أيلول، سبتمبر، بالرغم من ان مفهوم الضربة الاستباقية أو الحرب الاستباقية أو حق الدفاع الوقائي عن النفس، عمل محظور في القانون الدولي العام و يتناقض كليا مع ميثاق الأمم المتحدة. لأن أقراره كمفهوم مسلم به يمنح الحق لجميع الدول في استخدامه، الامر الذي سيؤدي الى سيادة شريعة الغاب في المجتمع الدولي بدلا من سيادة القانون.

في الحقيقة أن مبدأ الضربة الاستباقية ليس بجديد، وقد سبق وأن استخدمته ألمانيا ضد النرويج، خلال الحرب العالمية الثانية، بذريعة منع غزو الحلفاء لألمانيا. رفضت محكمة نورنبورغ الحجة الالمانية وأقرت بعدم شرعيتها. ومن جانب آخر فأن مجلس الامن نفسه قد أدان بشدة بقراره 486 (1981) استخدام الضربة الاستباقية ضد مواقع مشكوك فيها لتطوير أسلحة الدمار الشامل، وذلك بعد الهجوم الاسرائيلي ضد مفاعل تموز العراقية عام 1981 و أدان المجلس بشدة خرق اسرائيل لميثاق الأمم المتحدة وقواعد السلوك الدولي. أما الولايات المتحدة نفسها فقد ناشدت نيودلهي في 5 نيسان، أبريل 2003 بعدم اعتماد مبدأ الضربة الاستباقية ضد الباكستان، بعد ان ادعت نيو دلهي أن من حقها توجيه ضربة استباقية ضد اسلام آباد كما فعلت واشنطن ضد بغداد.

صحيح أن القانون الدولي يسمح بالضربة الاستباقية او ( الحرب الاستباقية) كحالة من حالات الدفاع عن النفس الوقائي، وبحدود ضيقة جدا، أي عندما يكون التهديد جديا أوأحتمال وقوع العدوان او الهجوم المسلح بات حتميا. وبهذا الصدد يقول اوبنهايم في كتابه ’’ القانون الدولي- الطبعة التاسعة’’ أنه ( بالرغم من ان اللجوء الى استخدام حق الدفاع عن النفس الوقائي غير قانوني، ولكنه في الوقت نفسه ليس بالضرورة انه عمل غير قانوني في جميع الحالات ويعتمد الامر على حقائق الوضع القائم، بضمنها على وجه التخصيص جدية التهديد والى اي حد يكون ضروريا استخدام الضربة الاستباقية وهل انها السبيل الوحيد لتفادي التهديد الحقيقي). وتأسيسا عليه فأن لجوء الولايات المتحدة وبريطانيا الى الضربة الاستباقية ضد العراق بذريعة أنه كان يشكل تهديدا جديا، يعتبر عملا غير قانوني، لأن العراق لم يهددهما بأي شكل من الاشكال.

المبدأ الثالث: عدم جواز استخدام القوة أحادياً.

ليس من حق الدول تفسير القانون على هواها وتستخدم القوة المسلحة ضد دولة أخرى بناءً على افتراضات وتكهنات. فاستخدام القوة لايتم الا وفق آليات الأمم المتحدة وأذا ما استخدمت خارجها يعتبر خرقا للفقرة الاولى من المادة الاولى من ميثاق الأمم المتحدة، حيث أن المقصد الاول للامم المتحدة هو حفظ السلم والامن الدوليين وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة ( وليست أحادية) لمنع الاسباب التي تهدد السلم ولأزالتها.

المبدأ الرابع: حل المنازعات بالطرق السلمية.

أكدت الفقرة 3 من المادة الثانية على ان يفض جميع اعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والامن والعدل الدولي عرضة للخطر.

أما المادة 33 من الميثاق فتنص على: ( يجب على جميع أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والامن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادىء ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا الى الوكالات والتنظيمات الاقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها).

هل يمكن للولايات المتحدة وبريطانيا الادعاء أو الاثبات بأنها لجأت الى أحدى هذه الوسائل لحل الازمة قبل اللجوء الى استخدام القوة المسلحة؟ هل طلبت من شخصية دولية معروفة التوسط لحل النزاع او تقريب وجهات نظر المتنازعين تمهيدا لحله؟ هل سمحت لفرق التفتيش التابعة للانموفيك، الهيئة التي عينها مجلس الامن واناط بها مهمة التحقق من أمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وبرامج تطويرها، من انجاز اعمالها التي كانت تسير على أحسن ما يرام حتى نهاية شهر شباط، فبراير 2003 ؟ وهل منحتا هذه اللجنة وقتا كافيا ( الذي طالب به المجتمع الدولي ) لأنجاز مهمتها؟

وبما أن هذه الوسائل لم تستخدم أو تستنفد فلا يمكن اللجوء الى استخدام القوة، وفي حالة استخدامها فأنه غير شرعي ويعتبر أنتهاكا لميثاق الأمم المتحدة.

المبدأ الخامس. تشكيل تحالف خارج الأمم المتحدة.

أن جمع مجمـوعة مــن دول تحــت ما سمي بتحــالف الارادة ( COALITION OF THE WILLING) يمثل إهانة واضحة وتحدي سافر لميثاق الأمم المتحدة، ويعني ذلك ان هناك مجموعة من الدول تتجاهل ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي لفرض ارادتها خارج أهداف ومقاصد الأمم المتحدة.

أن تشكيل تحالف من أجل القيام بعمل غير قانوني أوغير شرعي لايمنح تلك الدول الشرعية لخرق القانون، لعدم مشروعية اسباغ صفة قانونية على عمل غير قانوني. ففي خلال مرحلة الاعداد والتحضير لشن الحرب ضد العراق، انبرت قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وأدعت بأن تحالف الارادات دليل على انها لاتشن الحرب على العراق فرادى وانما من خلال عمل جماعي وتحالف دولي وادعت بان هناك دولا أخرى ستنظم اليهما. لقد مارست الولايات المتحدة كل أشكال الضغط والاكراه والرشوة لكي تجمع مجموعة دول لم تكن طرفا في النزاع، بل أن قسم منها كانت تربطها علاقات جيدة بالعراق.

فبغض النظر عن عدد الدول التي انظمت الى التحالف او تحالف الارادات كما سمتها الولايات المتحدة، فأنها تجمعت للعمل خارج ميثاق الأمم المتحدة، بمعنى كان تحالفا يفتقد الى الغطاء القانوني وبالتالي فأن عمله غير شرعي وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة.

المبدأ السادس: التدخل في الشؤون الداخلية.

ليس من حق أية دولة خلع رئيس دولة أخرى بحجة أنه طاغية أو ديكتاتور، لأن ذلك مخالف للتعامل والسلوك الدولي الذي استقر منذ عهود. ولايحق للدول الاخرى التدخل بإرادتها المنفردة، لتُسقط نظاماً قائماً في دولة أخرى، وفرض نظام سياسي وأقتصادي معين على الشعوب. فالشعوب هي وحدها صاحبة الحق الغير قابل للتصرف بموجب أحكام القانون الدولي، في أختيار نظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وأختيار حكامها. وقد الزم ميثاق الأمم المتحدة الدول باحترام سيادة الدول الأخرى، وبعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وبعدم استخدام القوة ضدها.

المبدأ السابع: الثبات على المبدأ ( PRINCIPLE OF CONSISTENCY ).

أن مصداقية القانون الدولي تكمن في تطبيقها على الجميع سواسية من دون استثناء، فأذا كان المبدأ بعينه ينطبق على الدولة ألف يجب أن ينطبق على الدولة باء بنفس الصيغة ايضا وكذلك على الدولة جيم ودال.... الخ من الحروف الابجدية. أن الجهد الدولي المنصب على تطبيق القانون لحظر انتاج أواستخدام أو خزن أو تطوير أسلحة الدمار الشامل ينبغي أن يطبق على جميع الدول على قدم المساواة، سواءً كانت تمتلك تلك الاسلحة أو يعتقد انها تمتلكها أو لديها برامج افتراضية لتطويرها. فالمبدا الواحد لاينبغي أن يتجزأ. فما يطبق على العراق يجب أن يطبق على كوريا الشمالية واسرائيل و على أمريكا نفسها أيضا. فالازدواجية في تطبيق المعيار القانوني الواحد هو سياسة الكيل بمكيالين، وهذا بحد ذاته يتناقض مع قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على أن للامم كبيرها وصغيرها حقوق متساوية وأن الهيئة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول. (الفقرة 1 من المادة الثانية من الميثاق).

أن الإدارة الأمريكية تنتهج في تصرفاتها تجاه الآخرين سياسة الكيل بمكيالين، فأنها من جانب تستبيح لنفسها احتلال العراق، بدعوى امتلاكه أسلحة محرَّمة،.و تغضّ الطرف عن الكيان الصهيوني الذي يمتلك، باعترافه واعتراف الجميع، ترسانةً هائلةً من أسلحة الدمار الشامل يُهدِّد بها، في كل مناسبةٍ، سكان المنطقة العربية.‏ومن جانب آخر تتعامل بدبلوماسية وشفافية مع كوريا الشمالية التي أعلنت امتلاكها السلاح النووي وتصميمها على استعماله لدى تعرُّضها لأي عدوان.‏

المبدأ الثامن : عدم شرعية العدوان.

بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي وفقا للقانون الدولي لا يحق لدولة. اومجموعة من الدول استخدام القوة المسلحة ضد دولة اخرى الا في حالتين فقط هما:

الاولى من خلال المشاركة في تنفيذ الاجراءات بقرار صادر عن مجلس الامن بهدف درء الخطر على السلام او ازالته، وصد الاعمال العدوانية او غيرها من انتهاكات السلام في اطار منظمة الأمم المتحدة.

والثانية من خلال تحقيق حق الدفاع الفردي او الجماعي عن النفس في حال التعرض للاعتداء المسلح وفي هذه الحالة يمكن للدولة ان تعمل ضد المعتدي على انفراد او بشكل جماعي..( المادة 51 من الميثاق)

العدوان ضد أية دولة مستقلة ذات سيادة أهانة لميثاق الأمم المتحدة. لقد حفزت اهوال الحرب العالمية الثانية المجتمع الدولي، على صياغة نظام دولي جديد يسعى الى حماية الدول صغيرها وكبيرها، ضعيفها وقويها من أي عدوان، بعد ان شهد العالم العدوان النازي وممارسة الضربة او الحرب الاستباقية انفراديا ضد دول من دون سابق استفزاز لها من قبل الدول المعتدى عليها، ومن أجل الحيلولة دون احتمال تكرار مثل هذا العدوان عمد مندبوا الدول في مؤتمر سان فرانسيسكو لدى صياغة ميثاق الأمم المتحدة، التأكيد على مبدأ نظام الدفاع الجماعي، وبخلاف ذلك فأن اي عمل من الاعمال خارج هذا النظام وحتى الدفاع عن النفس، يكون عملا من أعمال العدوان. ووفقا لذلك فأن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا خرق لميثاق الأمم المتحدة ويندرج بدون أدنى شك تحت تعريف العدوان الذي عكفت الأمم المتحدة 12 عاما على انجازه.

أقرت الجمعية العامة للامم المتحدة’’ تعريف العدوان’’ بقرارها 3314 في 14 كانون الاول، ديسمبر 1974.

فبموجب المادة الأولى من التعريف، أن العدوان هو « استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى، أو ضد سلامتها الإقليمية، أو ضد استقلالها السياسي...». وعددت المادة الثالثة الأعمال التي تشكل عدواناً، ومنها: الاجتياح، والاحتلال الحربي، وقصف الأقاليم، وحصار المرافىء والسواحل. ونصت المادة السابعة منه على أنه ليس في التعريف ما يمكن أن يمس حق الحرية والاستقلال وتقرير المصير الذي تتمتع به الشعوب، وما يمكن أن ُيجحف بحقها في أن تكافح من أجل هذا الهدف، وفي التماس الدعم وتلقيه من غيرها. أما المادة الخامسة فتنص عل أن العدوان لا يمكن أن يُبرر بأي اعتبار، سواء أكان سياسياً أم اقتصادياً، أم عسكرياً، لأن حرب العدوان جريمة ضد السلام العالمي تترتب عليها مسؤولية دولية. لأن العدوان ليس جريمة دولية بسيطة، بل يعتبر من أخطر الجرائم الدولية نظراً لكون هدفه هو سلام الشعوب وأمنها أي تلك القاعدة التي تتطور عليها علاقات وصلات طبيعية بين الدول.وبناءً عليه فأن كل المكاسب والمزايا الناتجة من العدوان لا يمكن أن تعتبر مشروعة، ولا يمكن الاعتراف بآثارها.‏

المبدأ التاسع: حماية المدنيين وغير المقاتلين.

يعتبر القانون الدولي الانساني فرعا مهما من القانون الدولي الذي يتعامل وينظم تصرفات الدول المتنازعة. فاية دولة تغزو دولة أخرى وتحتلها وتسيطر عليها تقع عليها التزامات بموجب القانون الدولي الانساني من أجل تأمين آليات حماية المدنيين الذين يقعون تحت سيطرتها، فأن الفشل في تطبيق هذه الاجراءات هو خرق لواجباتها والتزاماتها كدولة محتلة بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949.

لم توف الولايات المتحدة وبريطانيا و(الدول المتحالفة معمها) بعد عدوانهما وغزوهما واحتلالهما العراق بأي من هذ الالتزامات، ولم تحميا المدنيين وممتلكاتهم والمؤسسات العراقية ومتاحفه ومباني وزاراته وآرشيفه وانما غضت الطرف عن الاعمال اللصوصية والسرقات والدمار التي لحقت بجميع مرافق الحياة في العراق. وكأن أفعالها نسخة من أفعال الغزاة البرابرة قبل قرون عندما كانوا يستبيحون البلدان التي يحتلونها لمدة ثلاثة أيام. ولعل التاريخ سيسجل هذه الوقائع، وحرص أمريكا على حماية وزارة النفط العراقية وسماحها للصوص بسرقة كنوز تاريخ البشرية في المتحف الوطني العراقي، بأحتقار وأستهجان شديدين.

هذا وقد أكد عدد كبير من القرارات وألاعلانات والعهود الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة على ان الحاجة الى السلام حق اساسي من حقوق الانسان، و ان أي انتهاك للحق في السلام هو أنتهاك آخر للقانون الدولي. فبعدما فشلت أمريكا الالتزام بهذا الحق وحمايته، عمدت الى جعل العراق البلد الاكثر خطورة في العالم، وعززت الفلتان الامني بممارساتها الخاطئة وزعزعت الاستقرار وأباحت لقواتها قصف الاحياء المدنية بالطائرات الاكثر تطورا عشوائيا واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا كالقنابل العنقودية والاشعائية راح ضحيتها عشرات الالاف من المدنيين العزل بين قتيل وجريح، وذلك في انتهاك فاضح للقانون الدولي يصل إلى مرتبة جريمة الإبادة الجماعية.

بالإضافة إلى ما تقدم فأن الولايات المتحدة وبريطانيا انتهكتا جملة من القرارات والعهود والمواثيق والإعلانات الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، التي شاركتا في صياغتها وإقرارها. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر العهود والمواثيق الدولية الآتية:

1-: أكد أعلان حق الشعوب في السلام الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 12 تشرين الثاني، نوفمبر 1984، على أن لشعوب الارض حق مقدس في السلام وأن حماية هذا الحق واجب أساسي لكل دولة، وأعاد التأكيد على عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية وفض المنازاعات الدولية بالطرق السلمية وفقا لميثاق الأمم المتحدة. فبموجب الميثاق أن للولايات المتحدة وبريطانيا، بأعتبارهما من الاعضاء الدائميين لمجلس الامن التزامات ومسؤوليات خاصة في الحفاظ على السلم والامن الدوليين، فأنهما بعدوانهما على العراق عرضتا الامن والسلم في المنطقة وفي العالم للخطر وتجاهلتا حق الشعوب المقدس في السلام.

2-: أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة في إعلان حماية النساء والأطفال في حالة الطوارىء والنزاعات المسلحة، بقـــرار 3318 (د-29) في 14 كانون الأول، ديسمبر 1974، عن عميق قلقها للآلام التي يعانيها النساء والأطفال من السكان المدنيين، في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة أثناء الكفاح في سبيل السلم وتقرير المصير والتحرر القومي والاستقلال، ضحايا لأفعال لا إنسانية فيصيبهم منها أذى شديد،

وإدراكا منها لما يعانيه النساء والأطفال من الآلام في كثير من مناطق العالم، وخصوصا في المناطق المعرضة للقمع والعدوان والاستعمار والعنصرية والسيطرة والتسلط الأجنبيين، ودعت جميع الدول الأعضاء إلى الالتزام بالإعلان التزاما دقيقا. وحظرت الاعتداء علي المدنيين وقصفهم بالقنابل، الأمر الذي يلحق آلاما لا تحصى بهم، وخاصة بالنساء والأطفال الذين هم أقل أفراد المجتمع مناعة، وأدانت هذه الأعمال، واعتبر الإعلان تلك الأعمال وجميع أشكال القمع والمعاملة القاسية واللا إنسانية للنساء والأطفال، بما في ذلك الحبس والتعذيب والإعدام رميا بالرصاص والاعتقال بالجملة والعقاب الجماعي وتدمير المساكن والطرد قسرا، التي يرتكبها المتحاربون أثناء العمليات العسكرية أو في الأقاليم المحتلة، أعمالا إجرامية.

فالولايات المتحدة بدلا من الالتزام بهذا الاعلان الدولي وحماية النساء والأطفال عمدت إلى قصفهم وقتلهم بالطائرات والقنابل العنقودية والاشعائية راح ضحيتها المئات من النساء والأطفال ودمرت بيوتهم على رؤوسهم في الفلوجة والسامراء وتلعفر والنجف وبعقوبة وغيرها من المدن العراقية الصامدة، ووفقا لهذا الإعلان فأن أمريكا ارتكبت و ترتكب في العراق أعمالا إجرامية في انتهاك صارخ للقانون والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية.

أن سلوك الهيمنة التي تنتهجه الولايات المتحدة تجاه الأمم المتحدة وأعضائها لا تتواءم مع مبدأ المساواة بين الدول، وأن استخدامها للغة التهديد والوعيد ضد الدول ووصفهم بالمارقة ومحور الشر وما إلى ذلك من الأوصاف والنعوت يخل أخلالاً بالغا بروح التوافق في القانون الدولي، وقد وضع هذا السلوك الأرعن مستقبل القانون الدولي على المحك وأمام مخاطر كبيرة وألحقت بقواعده وإجراءاته وهياكله ضررا بالغا، يحتاج إصلاحها إلى عقود طويلة.

فأن قيم الحضارة الإنسانية التي ترسخت عبر قرون حطمتها وأهانتها دولتان كبيرتان بذرائع وحجج ومسوغات واهية، لم تثبت الأيام صحة أي منها.

أن انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية، الذي أعلنه الرئيس بوش في 1أيار، مارس 2003، لا ينفي في الحقيقة صفة عدم قانونية وعدم شرعية الحرب ضد العراق، بل يرتب عليها التزامات أخرى مهمة وهي تحملها المسئولية الدولية الكاملة عن عدوانها وإنما يفرض عليها تعويض الدولة المعتدى عليها، العراق، عن جميع الأضرار والخسائر التي لحقت بممتلكاته وبيئته وثروته الثقافية والنفطية....الخ وتعويض الأشخاص الذين قتلتهم وجرحتهم وعذبتهم أمريكا وبريطانيا في السجون التي أقامتها. فدفع هذه التعويضات ليس من مسؤولية المجتمع الدولي وإنما من مسؤولية الولايات المتحدة وبريطانيا و الدول التي شاركت في العدوان بشكل مباشر أو مهدت وسهلت مرور القوات المعتدية عبر أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية.

العدوان على العراق لم يكن تنفيذاً لقرار صادر عن مجلس ولم يكن كذلك دفاعاً مشروعاً عن النفس، لأن العراق لم يعتد على الولايات المتحدة، ولم يشكِّل خطراً داهماً على أمنها، ولم تثبت له أية علاقة بتنظيم «القاعدة». وبذلك، وطبقاً لميثاق الأمم المتحدة و لتعريف العدوان، تكون الإدارة الأمريكية قد خرقت وانتهكت المواثيق والقرارات الدولية وارتكبت عدواناً سافراً على دولة عضو في الأمم المتحدة.‏

وبناءاً عليه فأن جميع القرارات والمراسيم التي أصدرتها سلطات الاحتلال وتعيينات مجلس الحكم الانتقالي وقانون أدارة الدولة وملحقها وتعيين الحكومة العراقية المؤقتة وعقود الإعمار والبناء وبيع النفط العراقي...الخ باطل ولا يلزم الشعب العراقي بشيْ وفقا للقاعدة القانونية ما بني على باطل فهو باطل.



________________________________________

وجدي أنور مردان هو دبلوماسي عراقي سابق تركماني الأرومة وكاتب وطني مرموق



المــراجع

• ميثاق الأمم المتحدة

• تعريف العدوان. القرار 3314 في 14/12/1974

• أعلان بشأن حماية النساء والاطفال في حالات الكوارىء والمنازعات المسلحة القرار 3318 في 14/12/1974

• أرمجدون، النظام الدولي الجديد، كريستوفر ويرامنتري، نائب رئيس محكمة العدل الدولية.

• القانون الدولي، الطبعة التاسعة 1991، أوبنهايم.

• العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، القرار 2200 ألف في 16/12/1966.

0 تعليق:

إرسال تعليق