أقوال المجني عليه كدليل إثبات

أقوال المجني عليه كدليل إثبات


تعتبر جريمة السلب إحدى أخطر جرائم السرقة والتي قرر المشرع التصدي لها بفرض عقوبة صارمة إذ نصت المادة (284) على أن " تدعى السرقة سلباً ، ويعاقب فاعلها بالسجن من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة إذا حصلت بأحد الظروف الآتية :-

1. نهاراً أو ليلاً على الطرقات العامة ، أو في مؤسسات عامة أو خاصة بواسطة العنف أو التهديد بالسلاح أما لتهيئة الجريمة وأما لتسهيلها أو لتأمين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المسروق.

2. إذا تعدد السالبون.

3. إذا حصلت السرقة بفعل شخص واحد مسلح في مكان للسكنى.

والسبب في ذلك ما تسببه هذه الجرمية من تقويض للشعور العام بالأمن والطمأنينة.

ومما لا شك فيه أن الجريمة تعتبر وبالاً على المجتمع بأسره ، ويمتد ضررها إلى كافة أفراد المجتمع ، ويعتبر المجني عليه هو أكثر أفراد المجتمع تضررا من الجريمة لوقوعها مباشرة عليه ، ولما كانت مقتضيات العدالة تتطلب دقة في إسناد الجريمة إلى مرتكبيها على نحو يجنبها الوقوع في أخطاء قد تؤدي إلى ظلم أي إنسان ، وأن الظروف التي ترتكب فيها الجرائم غالباً ما تضع المجني عليه وحدة في هذا التحدي إذ يعمد المجرمون على ارتكاب جرائمهم في غيبة الناس ، فإن ذلك يثير في نفوسنا تساؤلات حول مدى حجية أقوال المجني عليه في إثبات التهمة على الفاعل.

فهل يا ترى يمكن أن تكون أقوال الجني عليه دليل إثبات على وقوع الجريمة ؟

وما دور المحكمة حيالها ؟

للباحث عن إجابة لهذه التساؤلات فإن ما انتهت إليه المحكمة العليا في الواقعة التالية ، قد يروي تعطشه في ذلك.

وتتلخص واقعات هذه الدعوى في أن المتهمين توجهوا إلى أحد المقاهي وهم بحالة سكر بين ، إذ التقوا بالمجني عليهما فضربوهما وسلبوها مالهما وقطع ذهبية كانت معهما.

وقد أحال الادعاء العام المتهمين إلى محكمة الجنايات المختصة وطالب بمعاقبتهم بموجب المواد (284 , 228) من قانون الجزاء ، وقد قضت المحكمة المختصة بإدانة المتهمين بالجرم المسند إليهم وعاقبت كلاً منهم بالسجن لمدة خمس سنوات عن التهمة الأولى وبالسجن لمدة سنة عن التهمة الثانية تدغم في عقوبة التهمة الأولى ومدنياً بإلزام المحكوم عليهم برد قيمة المسروقات وتعويض المجني عليهم .

وحيث لم يحز هذا القضاء على رضا اثنين من المحكوم عليهم فطعنا عليه بالنقض أمام المحكمة العليا حيث أقام الأول طعنه على أن الحكم قد شابه القصور في التسبب الفساد في الاستدلال فيما أسس الثاني طعنه على الخطأ في تطبيق القانون .

وقد جاء حكم المحكمة العليا:-

حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية فقد حازا القبول من حيث الشكل وفي الموضوع فإن مبنى الطعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ أدان الطاعن بجناية السلب المؤثمة بموجب قانون الجزاء فقد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والتناقض في حيثياته ، وبيان ذلك أن الحكم عول على أقوال المجني عليه في الإدانة بينما أنكر الطاعن ارتكابه لها وأقر بجنحتي الضرب والسكر ولا دليل في أوراق الدعوى من شأنه أن يربط الطاعن بجناية السلب وقد استدل الحكم على إدانته بأقوال المجني عليه وحده فلم يكن استخلاصها للواقع سائغاً ومقبولاً ، ومن ثم طلب الطاعن نقض الحكم المطعون فيه والتصدي للدعوى وإعلان براءته من الاتهام المنسوب إليه .

وحيث أن مبنى الطعن الثاني هو أن الحكم المطعون فيه إذ أدان الطاعن بجناية السلب المعاقب عليها بموجب قانون الجزاء فقد أخطأ في تطبيق القانون لكونه لم يبين دور كل منهم في ارتكاب الجريمة فضلاً عن أن الطاعن اقتصر دوره على فض المشاجرة بين المجني عليهما وبقية المتهمين ولم يقم بالاعتداء على أي من المجني عليهما ولم يشترك في ارتكاب الجرمية المسندة إليه وأن مجرد وجوده في مسرحها لا يكفي لإدانته بالتدخل أو الاشتراك في ارتكابها فضلاً عن تناقض أقوال المجني عليهما حول عدد الأشخاص الذين اعتدوا عليهما وعدم تأكد المجني عليه الثاني من ملامح الطاعن ، وكان يتعين على محكمة الموضوع حتى إذا قررت الإدانة ، التي لم يسلم بها الطاعن ، أن توقع عليه عقوبة أخف من غيره تطبيقاً لمبدأ تقدير العقوبة وفق مساهمة كل متهم في ارتكابها وبدلاً من ذلك وقعت عليه عقوبة قاسية وساوته مع باقي المتهمين ولم تأخذ المحكمة في الاعتبار ظروف الطاعن الأسرية وصغر سنه مما يوصم الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون بما يقتضي نقضه واحتياطياً أخذ الطاعن بالرأفة بتخفيض العقوبة إلى أدنى حدها.

حيث أن الحكم المطعون فيه أثبت في مدوناته بياناً لواقعة الدعوى وتدليلاً عليها مما محصلته أن الطاعنين ومن معهما من المتهمين توجهوا إلى مقهى بمنطقة روي وعند وصولهم إليها وجدوا المجني عليهما أمام أحد المقاهي فقام الطاعن الأول بضربهما بالأيدي وبالحجارة ثم تبعه بقية المتهمين بمن فيهم الطاعن الثاني وانهالوا عليهما ضرباً فأحدثوا بهما الإصابات المبينة بالتقريرين الطبيين وبعد أن شلوا مقاومتهما تمكنوا من سلبهما وذلك بأن استولوا من المجني عليه الأول سلسلة ذهب كانت حول رقبته وأخرى من يده ومبلغ مائة وسبعة وأربعين ريالاً من جيب قميصه ، ومن المجني عليه الثاني سلسلة ذهب وانتزع منه الطاعن الأول قميصه وبه هاتفه النقال ومبلغ مائة وعشرين ريالاً ، وبعد التحري تم ضبط المتهمين الأربعة وضبط بحوزة المتهم الأول (الطاعن الأول) الهاتف النقال المسروق ، وقد دلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة وحصلها بما مجمله أن الطاعن الأول أقر بضربه للمجني عليهما وأيده في ذلك التقريران الطبيان الصادران عنهما بعد الكشف عليها ، واستناداً إلى شهادة المجني عليهما وتأكيدهما أمام المحكمة أنهما تعرضا لاعتداء سافر من قبل الطاعنين ومن معهما وأخذ مقتنياتهما من ذهب ومبالغ نقدية وهاتف نقال وقد تم ضبط الهاتف بحوزة الطاعن الأول ، واستناداً إلى تعرف المجني عليهما على المتهمين في طابور التشخيص ، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين واقعة الدعوى مما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة السلب التي أدين بها الطاعنان فيكون منعى الطاعن الأول على الحكم استناداً إلى عدم قبول شهادة المدني عليهما في غير محله ذلك أن المجني عليه يعتبر شاهداً في الدعوى العمومية من قانون الإجراءات الجزائية على أن شهادة المجني عليهم تسري عليها أحكام الشهود فيما يتعلق بحضورهم للجلسات في الموعد والمكان المحددين لحضورهما والإجابة على الأسئلة الموجهة إليهم وعدم امتناعهم عنها وعقابه على شهادة الزور وهي بهذا الوصف دليل من أدلة الدعوى تخضع لتقدير محكمة الموضوع ويجوز لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها منها ومن سائر عناصر الإثبات ويكون الجدل حول قوتها في الإثبات جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة مما لا يجوز إثارته أمام المحكمة العليا .

وحيث أن منعى الطاعن الثاني على الحكم المطعون فيه أن دوره اقتصر على فض المشاجرة بين المجني عليهما وبقية المتهمين ولم يشترك في الجريمة ولم تحدد المحكمة مساهمته فيها فهو منعى في غير محله ذلك أن المجني عليه الأول قطع في شهادته بالاعتداء عليه من قبل الطاعن الثاني قبل وأثناء ارتكاب الجريمة وكون أن المجني عليه الثاني لم يحدد ملامحه فقد أعترف الطاعن الثاني بوجوده في مسرح الجريمة في صحبة بقية المتهمين وقد ساهم فيها بالضرب الذي أفضى إلى الإكراه والذي هو عنصر من عناصر الجريمة التي أدين بها لكون يؤدي إلى سهولة تنفيذها ، فرؤية المجني عليه عدة أشخاص يساهمون في الاعتداء على ماله يلقي الرعب في نفسه ويجعله يجبن عن مقاومتهم ، بالإضافة على أن عنصر تعدد الجناة تحمل الجرأة المستمدة منه على أفعال خطيرة لم يكون السارق يقدم عليه وحده ، لما كان ذلك وكان من المقرر أن الاشتراك في الجريمة يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ومن ثم يكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم وهو مالم يخطىء الحكم في تقديره ، وكان ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص جدلاً موضوعياً لا يثار أمام المحكمة العليا.

وحيث إن النعي على الحكم المطعون فيه عدم ملائمة العقوبة الموقعة على الطاعن الثاني نعي في غير محله ذلك أنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع مطلق الحرية في تقدير العقوبة التي تحكم بها وإذا تعدد المساهمون في جريمة واحدة فلا تثريب عليها إذا هي قضت على كل منهم بعقوبة واحدة دون بيان الأسباب التي دعتها على تقديرها طالما أنها راعت في هذا التقدير ألا ترتفع عن الحد الأقصى ولم تنزل عن الحد الأدنى ، ولما راعى الحكم هذا المبدأ يكون بمنأى عن مخالفة تطبيق القانون .

لما كان ذلك وكان ما تقدم يكون الطعنان على غير أساس متعيناً رفضهما وإلزام كل طاعن بمصاريف طعنه إعمالاً لقانون الجزاء.

فلهذه الأسباب :-

حكمت المحكمة بقبوله الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً .



ما يستفاد من الحكم :

• أن المجني عليه يعتبر شاهداً في الدعوى العمومية ، وهي من الأدلة التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع ويجوز لها أن تستمد قناعتها منها ومن سائر عناصر الإثبات .

• أن الاشتراك في الجريمة يتم دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها ويكفي لثبوته اعتقاد المحكمة لحصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وان يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع .

• أن تقدير العقوبة من إطلاقات محكمة الموضوع شرط ألا ترتفع عن الحد الأعلى ولا تزل عن الحد الأدنى إلا إذا توافرت في حق الجاني أحد الأسباب التي تؤدي إلى تخفيف العقوبة كما هو الحال في الواقعة المذكورة سلفاً إذ تنص المادة (111) من قانون الجزاء على أن " إذا وجدت في قضية أسباب مخففة يحكم القاضي على الفاعل .... بتخفيض كل عقوبة إرهابية إلى نصفها ... " وحيث انتهت قناعة المحكمة بوجود ثمة أسباب مخففة يستفيد منها المتهمان فقد حكمت بإنزال العقوبة إلى نصفها وهو خمس سنوات .

ابحث عن موضوع